![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 39 - 48
أدوار النضال في حياة الإمام عليه السلام أولا : في كربلاء ثانيا : في الأسر ثالثا : في المدينة ‹ صفحة 41 › إنا نقرأ في سيرة الإمام السجاد عليه السلام - منذ البداية - صفحات من النضال الواضح ، بحيث لا يمكن تجاوزها ، والغض عنها بسهولة : فحضوره في كربلاء . ومواقفه في خطبه في الأسر . وتخطيطه عند الوصول إلى المدينة . ثلاث محطات للتأمل في سيرة الإمام السجاد عليه السلام ، وفي بدايتها بالضبط ، تستدعي التوقف عندها لأخذ الشواهد العينية لمعرفة أبعاد نضاله المستقبلي . وإني أعد هذه البداية مهمة جدا للبحث ، إذ أنها توقفنا على اتجاه السهم السياسي الذي أطلقه الإمام السجاد عليه السلام ليصيب به هدفه الأول والأخير ، والذي امتد سيره طول حياته الشريفة . ولو تأملنا ما في هذه المحطات من أعمال ، وبظروفها وحوادثها ، نرى أنها لم تقصر - في الاعتبار السياسي - عن قعقعة السيوف وصليلها ، ولا عن عدو الخيول وضبحها وصهيلها ، ولا عن وغى العساكر ولجبها ! بل تتجاوز - في بعض الاعتبارات - أثر خروج محدود يؤدي إلى الشهادة ، في تلك الظروف الحرجة المعقدة التي غطى فيها التعتيم على الحقائق ، وظلل الإعلام كل الأجواء ، وأصم الدجل كل الآذان ، وأعمى التزوير كل الأبصار ، وكدر الظلم النور المؤدي إلى النظر الصائب . فلنقف في كل نقطة مع أهم ما حفظ لنا من خلال المصادر ، ولنقرأ تلك الصفحات : ‹ صفحة 42 › أولا في كربلاء لقد حضر الإمام السجاد علي بن الحسين ، في معركة كربلاء ، إلى جنب والده الإمام الحسين عليه السلام ، وهذا ما تذكره كل المصادر بلا استثناء . ويرد في مصادر الوقعة ، اسم ( علي بن الحسين ) في بعض مقاطع رحلة الإمام الحسين عليه السلام في طريقه إلى الشهادة ، وفي بعض الحديث بينه وبين ولده ( علي ) . ولم يحدد المقصود من ( علي ) هذا ، هل هو السجاد عليه السلام أو أخوه ( علي ) الشهيد عليه السلام ؟ وقد اشتهر أنه هو الشهيد ، لكن ذلك غير مؤكد ، فلعل الذي ورد ذكره ، هو الإمام السجاد عليه السلام ( 1 ) . والدلالات النضالية في هذا الحضور من وجوه : أولا : إن هناك نصوصا تاريخية تدل على أن الإمام السجاد عليه السلام قد قاتل يوم عاشوراء وناضل إلى أن جرح ، وهي : النص الأول : ما جاء في أقدم نص مأثور عن أهل البيت عليهم السلام في ذكر أسماء من حضر مع الحسين عليه السلام ، وذلك في كتاب ( تسمية من قتل ( 2 ) مع الحسين عليه السلام من أهل بيته وإخوته وشيعته ) الذي جمعه المحدث الزيدي الفضيل بن الزبير ، الأسدي ، الرسان ، الكوفي ، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ( 3 ) ‹ صفحة 43 › فقد ذكر ما نصه : ( وكان علي بن الحسين عليلا ، وارتث ، يومئذ ، وقد حضر بعض القتال ، فدفع الله عنه ، وأخذ مع النساء ) ( 1 ) . ومع وضوح النص في قتال الإمام السجاد عليه السلام في كربلاء فإن كلمة ( ارتث ) تدل على ذلك ، لأنها تقال لمن حمل من المعركة ، بعد أن قاتل ، وأثخن بالجراح ، فأخرج من أرض القتال وبه رمق ، كما صرح به اللغويون ( 2 ) النص الثاني : ما جاء في مناقب ابن شهرآشوب - بعد ذكره مشهد علي بن الحسين المعروف بالأكبر وأن الإمام الحسين عليه السلام أتى به إلى باب الفسطاط ، أورد هذه العبارة ( فصارت أمه شهربانويه ولهى تنظر إليه ولا تتكلم ) ( 3 ) ومن المعلوم أن أم علي الشهيد هي ليلى العامرية أو برة بنت عروة الثقفي - كما يراه ابن شهرآشوب – والمعروف أن ( شهربانويه ) هي أم علي بن الحسين عليه السلام ، فلا بد أن يكون قد سقط من عبارة مناقب شهرآشوب ذكر مبارزة علي بن الحسين السجاد عليه السلام ، وبهذا يكون شاهدا على ما نحن بصدده . ومن المحتمل أن تكون العبارة مقدمة على موضعها في مقتل علي الأصغر الذي ذكره ابن شهرآشوب بعد هذا النص المنقول ، لأن ابن شهرآشوب ذكر أن أم علي السجاد هي أم علي الأصغر شهربانويه رضي الله عنها ( 4 ) . النص الثالث : ما جاء حول مرض الإمام عليه السلام ، إن المصادر تكاد تتفق على أن ‹ صفحة 44 › الإمام السجاد عليه السلام كان يوم كربلاء ، مريضا ، أو موعوكا ( 1 ) إلا أنها لم تحدد نوعية المرض ولا سببه ، لكن ابن شهرآشوب روى عن أحمد بن حنبل قوله : كان سبب مرض زين العابدين عليه السلام أنه كان ألبس درعا ، ففضل عنه ، فأخذ الفضلة بيده ومزقها ( 2 ) . وهذا يشير إلى أن الإمام إنما عرض للمرض وهو على أهبة الاستعداد للحرب أو على أعتابها ، حيث لا يلبس الدرع إلا حينذاك ، عادة . ولا ينافي ذلك قول ابن شهرآشوب : ( ولم يقتل زين العابدين لأن أباه لم يأذن له في الحرب ، كان مريضا ) ( 3 ) . لأن مفروض الأدلة السابقة أن الإمام زين العابدين قد أصيب بالمرض بعد اشتراكه أول مرة في القتال وبعد أن ارتث وجرح ، فلعل عدم الإذن له في أن يقاتل كان في المرة الثانية وهو في حال المرض والجراحة . ولو فرض كونه مريضا منذ البداية فالأدلة التي سردناها تدل بوضوح على مشاركته في بعض القتال . فمؤشرات الجهاد في سيرة الإمام السجاد عليه السلام هي : أولا : حمله السلاح - وهو مريض - ودخوله المعركة ، إلى أن يجرح ، يحتوي على مدلول بطولي كبير ، أكبر من مجرد حمل السلاح ! فلو كان حمل السلاح واجبا على الأصحاء ، فهو في الإسلام موضوع عن المرضى بنص القرآن ، لكن ليس حراما عليهم ذلك ، إذا وجدوا همة تمكنهم من أداء دور فيه . ثانيا : إن وجود علي بن الحسين عليه السلام ، مع أبيه الإمام الحسين عليه السلام ، في أرض كربلاء ، حيث ساحة النضال المستميت ، وميدان التضحية والفداء ، وحيث كان الإمام ‹ صفحة 45 › الحسين عليه السلام يسمح لكل من حوله - وحتى أولاده وأهل بيته - بالانصراف ، ويجعلهم في حل ، لهو الدليل على قصد الإمام للمشاركة في ما قام به أبوه . قال الإمام السجاد عليه السلام : لما جمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء ، دنوت لأسمع ما يقول لهم ، وأنا إذ ذاك مريض ، فسمعت أبي يقول : . . . أما بعد ، فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيرا . . ألا ، وإني قد أذنت لكم ، فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ( 1 ) . ففي ذلك الظرف ، لا دور - إذن - للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بالمعنى الفقهي ، لأن الأخطار المحدقة كانت ملموسة ، ومتيقنة ومتفاقمة للغاية ، تفوق حد التحمل . وقد أدرك ذلك كل من اطلع على أحداث ذلك العصر ، قبل اتجاه الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق ، ممن احتفظ لنا التاريخ بتصريحاتهم ، فكيف بمن رافق الإمام الحسين عليه السلام في مسيره الطويل من المدينة إلى مكة وإلى كربلاء ، ومن أولاده وأهل بيته خاصة ؟ الذين لا تخفى عليهم جزئيات الحركة وأبعادها وأصداؤها وما قارنها من زعزعة الجيش الكوفي للإمام ، وسمعوا الإمام عليه السلام يصرح بالنتائج المهولة والأخطار التي تنتظر حركته ومن معه ! حتى وقت تلك الخطبة مساء يوم التاسع ، أو ليلة عاشوراء ؟ فلقد عرف من بقي مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ، بأن ما يقوم به الإمام ليس إلا فداءا وتضحية ، لحاجة الإسلام إلى إثارة ، والثورة إلى فتيل ووقود ، واليقظة إلى جرس ورنين ، والنهضة إلى عماد وسناد ، والقيام إلى قائد ورائد ، والحياة الحرة الكريمة إلى روح ودم . والإمام الحسين عليه السلام قد تهيأ ليبذل مهجته في سبيل كل هذه الأسباب لتكوين ‹ صفحة 46 › كل تلك المسببات . ولم يكن مثل هذه الحقيقة ليخفى على علي بن الحسين السجاد عليه السلام الذي كان يومذاك في عمر الرجال ، وقد بلغ ثلاثا وعشرين سنة وكان ملازما لأبيه الشهيد منذ البداية ، وحتى النهاية . فكان حضوره مع أبيه عليه السلام وحده دليلا كافيا على روح النضال مع بطولة فذة ، تمتع بها أولئك الشجعان الذين لم ينصرفوا عن الحسين عليه السلام . ثم هو - كما تقول تلك الرواية - قد شهر السلاح ، وقاتل بالسيف ، حتى أثخن بالجراح ، وأخرج من المعركة وقد ارتث . وإذا كانت هذه الرواية - بالذات - زيدية ، فمعنى ذلك تمامية الحجة على من ينسب الإمام زين العابدين عليه السلام إلى اعتزال القيام والسيف والنضال . ثالثا : مضافا إلى أن حامل هذه الروح ، قبل كربلاء ، لا يمكن أن يركن إلى الهدوء بعد ما شاهده في كربلاء من تضحيات أبيه وإخوته وأهله وشيعته ، وما جرى عليهم من مصائب وآلام ، وما أريق من تلك الدماء الطاهرة . أو يسكت ، ولا يتصدى للثأر لأبيه ، وهو ثار الله ، مع أنه لم ينسهم لحظة من حياته . فكيف يستسلم مثله ، ويهدأ ، أو يسالم ويترك دم أبيه وأهله يذهب هدرا ؟ إذ لم يبق من يطالب بثأر تلك الدماء شخص غيره . فإذا كان - كما يقول البعض : - ( مصرع الحسين عليه السلام في كربلاء هو الحدث التاريخي الكبير الذي أدى إلى بلورة جماعة الشيعة ، وظهورها كفرقة متميزة ذات مبادئ سياسية وصبغة دينية ( أكثر وضوحا وتميزا مما كانت عليه في زمان أمير المؤمنين عليه السلام وقبله ) . وكان لمأساة أثرها في نمو روح الشيعة وازدياد أنصارها ، وظهرت جماعة الشيعة ، بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، كجماعة منظمة ، تربطها روابط ‹ صفحة 47 › سياسية متينة ) ( 1 ) . فكيف لا تؤثر هذه المأساة في ابن الحسين ، وصاحب ثأره ، والوحيد الباقي من ذريته ، والوريث لزعامته بين الشيعة ، ولا تزيد نمو الروح السياسية عنده ؟ وكيف تجمع هذه المنظمة أفراد الشيعة بروابط سياسية ، ولكن تبعد علي بن الحسين عليه السلام عن السياسة ؟ ! وكيف تستبعد هذه المنظمة عن التنظيم ، وارث صاحب الثورة وصاحب الحق المهدور ؟ أليس في الحكم بذلك تعنت وجور ؟ ‹ صفحة 48 › ثانيا : في الأسر إن البطولة التي أبداها الإمام السجاد عليه السلام بعد كربلاء ، وهو في أسر الأعداء ، وفي الكوفة في مجلس أميرها ، وفي الشام في مجلس ملكها ، لا تقل هذه البطولة أهمية - من الناحية السياسية - عن بطولة الميدان ، وعلى الأقل : لا يقف تلك المواقف البطولية من . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ‹ هامش ص 42 › ( 1 ) لاحظ شرح الأخبار للقاضي ( 3 : 265 - 266 ) والإرشاد للمفيد ( 253 ) وانظر السرائر لابن إدريس ( 1 : 655 ) ، ولاحظ تواريخ النبي والآل للتستري ( ص 30 - 32 ) . ( 2 ) كذا في ما نقل عن هذا الكتاب في مصادره ، لكني أظن أن الكلمة هي ( قاتل ) لأن المذكورين لم يقتلوا جميعا ، بل في بعض المذكورين من أسر ، ومن فر ، ومن قتل قبل كربلاء ، فلاحظ مقدمتنا للطبعة الثانية لهذا الكتاب ، الذي نقوم بإعداده بعون الله . ( 3 ) نشر هذا الكتاب ، بتحقيقنا ، في مجلة ( تراثنا ) الفصلية التي تصدرها مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث في قم سنة ( 1406 ) وقد ذكرنا سنده وترجمة مؤلفه بتفصيل واف . والكتاب مذكور في الأمالي الخميسية للمرشد بالله ( 1 : 170 - 173 ) والحدائق الوردية للمحلي ج 1 ص 120 . ‹ هامش ص 43 › ( 1 ) تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام ، مجلة ( تراثنا ) العدد الثاني ( ص 150 ) . ( 2 ) لاحظ مادة ( رثث ) من كتب اللغة ، وقد صرحوا بأن الكلمة بالمجهول ، انظر : المغرب للمطرزي ( 1 : 184 ) والقاموس ( 1 : 167 ) ولسان العرب ( 2 : 457 ) . ( 3 ) مناقب آل أبي طالب - طبع دار الأضواء ( 4 / 118 ) . ( 4 ) مناقب آل أبي طالب ( 4 / 85 ) . دار الأضواء . ‹ هامش ص 44 › ( 1 ) الإرشاد للمفيد ( ص 231 ) شرح الأخبار ( 3 : 250 ) وسير أعلام النبلاء ( 4 : 486 ) . ( 2 ) نقله ابن شهرآشوب عن كتاب ( المقتل ) في مناقب آل أبي طالب ( 3 / 284 ) وفي ط دار الأضواء ( 4 / 155 ) ونقله في العوالم ( ص 32 ) . ( 3 ) مناقب ابن شهرآشوب ( دار الأضواء ) ( 4 / 122 ) . ‹ هامش ص 45 › ( 1 ) الإرشاد للمفيد ( ص 231 ) . ‹ هامش ص 47 › ( 1 ) جهاد الشيعة ، لليثي ( ص 27 ) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 48 - 54 هالته المصارع الدامية في كربلاء ، أو فجعته التضحيات الجسيمة التي قدمت أمامه ، ولا يصدر مثل تلك البطولات ممن فضل السلامة ! نعم ، لا يمكن أن يصدر مثل ذلك إلا من صاحب قلب جسور ، صلب يتحمل كل الآلام ، ويتصدى لتحقيق كل الآمال ، التي من أجلها حضر في ميدان كربلاء من حضر ، وناضل من ناضل ، واستشهد من استشهد ، والآن يقف - ليؤدي دورا آخر - من بقي حيا من أصحاب كربلاء ، ولو في الأسر ! إن الدور الذي أداه الإمام السجاد عليه السلام ، بلسانه الذي أفصح عن الحق ببلاغة معجزة ، فأتم الحجة على الجميع ، بكل وضوح ، وكشف عن تزوير الحكام الظالمين ، بكل جلاء ، وأزاح الستار عن فسادهم وجورهم وانحرافهم عن الإسلام . إن هذا الدور كان أنفذ على نظام الحكم الفاسد ، من أثر سيف واحد ، يجرده الإمام في وجه الظلمة ، إذ لم يجد معينا في تلك الظروف الصعبة ! . لكنه كان الشاهد الوحيد ، الذي حضر معركة كربلاء بجميع مشاهدها ، من بدايتها ، بمقدماتها وأحداثها وملابساتها وما تعقبها ، وهو المصدق الأمين في كل ما يرويه ويحكيه عنها . فكان وجوده استمرارا عينيا لها ، وناطقا رسميا عنها . مع أن وجوده ، وهو أفضل مستودع جامع للعلوم الإلهية بكل فروع : العقيدة ، والشريعة ، والأخلاق ، والعرفان ، بل المثال الكامل للإسلام في تصرفاته وسيرته وسنته ، والناطق عن القرآن المفسر الحي لآياته ، إن وجوده - حيا - كان أنفع للإسلام وأنجع للمسلمين في ذلك الفراغ الهائل ، والجفاف القاتل ، في المجتمع الإسلامي . كان وجوده أقض لمضاجع أعداء الإسلام من ألف سيف وسيف ، لأن الإسلام إنما ‹ صفحة 49 › يحافظ عليه ببقاء أفكاره وقيمه ، والأعداء إنما يستهدفون تلك الأفكار والقيم في محاولاتهم ضده ، وإذا كان شخص مثل الإمام موجودا في الساحة ، فإنه - لا ريب - أعظم سد أمام محاولات الأعداء . وكذلك الأعداء إنما يبادون بضرب أهدافهم ، واجتثاب بدعهم وفضح أحابيلهم ، والكشف عن دجلهم ، ورفع الأغطية عن نياتهم الشريرة تجاه هذا الدين وأهله ، والإفصاح عن مخالفة سيرتهم للحق والعدل . وعلى يد الإمام السجاد عليه السلام يمكن أن يتم ذلك بأوثق شكل وأتم صورة ، وأعمق تأثير . ثم ، أليس الجهاد بالكلمة واحدا من أشكال الجهاد ، وإن كان أضعفها ؟ بل ، إذا انحصر الأمر به ، فهو الجهاد كله بل أفضله ، في مثل مواقف الإمام السجاد عليه السلام ، كما ورد في الحديث الشريف ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) ( 1 ) . ولنصغ إلى الإمام السجاد عليه السلام في بعض تلك المواقف : فمن كلام له عليه السلام كان يعلنه وهو في أسر بني أمية : ( أيها الناس ! إن كل صمت ليس فيه فكر فهو عي ، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو هباء . ألا ، وإن الله تعالى أكرم أقواما بآبائهم ، فحفظ الأبناء بالآباء ، لقوله تعالى : * ( وكان أبوهما صالحا ) * [ سورة الكهف الآية ( 82 ) ] فأكرمهما . ونحن - والله - عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأكرمونا لأجل رسول الله ، لأن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في منبره : ( احفظوني في عترتي وأهل بيتي ، فمن حفظني حفظه الله ، ومن آذاني فعليه لعنة الله ، ألا ، فلعنة الله على من آذاني فيهم ) حتى قالها ثلاث مرات . ونحن - والله - أهل بيت أذهب الله عنا الرجس والفواحش ما ظهر منها وما بطن . . . ) ( 2 ) . ‹ صفحة 50 › وبهذه الصراحة ، والقوة ، والبلاغة ، عرف الإمام السجاد عليه السلام للمتفرجين - ولمن وراءهم - هذا الركب المأسور ، الذي نبزوه بأنه ركب الخوارج ! ففضح الدعايات ، وأعلن بذلك أنه ركب يتألف من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . وأفصح بتلاوة الآيات والأحاديث ، أنه ركب يحمل القرآن والسنة ، ليعرف المخدوعون أن هذا الركب له ارتباط وثيق بالإسلام من خلال مصدريه الكتاب والسنة . وهو - من لسان هذين المصدرين - يصب اللعنة والنقمة على من آذى هذا الركب ، من دون أن يمكن الأعداء من التعرض له ، لأنه عليه السلام إنما يروي اللعنة الصادرة من الرسول وعلى لسانه ! كان هذا الموقف ، حين أخذ الناس الوجوم ، من عظم ما جرى في وقعة كربلاء ، وما حل بأهل البيت عليه السلام من التقتيل والأسر ، وذهلوا حينما رأوا الحسين سبط الرسول وأهله وأصحابه مجزرين ! ويرون اليوم ابنه ، وعيالاته أسرى ، يساقون في العواصم الإسلامية . والأسر - في قاموس البشر - يوحي معاني الذل والهوان ، والضعف والانكسار ! هذا ، والناس يفتخرون بالانتماء إلى دين الرسول وسنته . والأنكى من ذلك أن الجرائم وقعت ولما يمض على وفاة الرسول - جد هؤلاء الأسرى - نصف قرن من الزمن ! ! وموقفه الآخر في مجلس يزيد ، فقد أوضح فيه عن هويته الشخصية ، فلم يدع لجاهل عذرا في الجلوس المريب ، وذلك في المجلس الذي أقامه يزيد ، للاحتفال بنشوة الانتصار ولا بد أنه جمع فيه الرؤوس والأعيان ، فانبرى الإمام السجاد عليه السلام ، في خطبته البليغة الرائعة ، التي لم يزل يقول فيها : ( أنا . . . أنا . . . ) معرفا بنفسه ، وذاكرا أمجاد أسلافه ( حتى ضج المجلس بالبكاء والنحيب ) حسب تعبير النص ( 1 ) الذي سنثبته كاملا : ‹ صفحة 51 › |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |