هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : تحليل وتقييم المخاطر وت... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 21 ]       »     دورة : إدارة منظومة العلاقات ا... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 29 ]       »     دورة : مشرف السلامة والصحة الم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 18 ]       »     دورة : مشرف السلامة والصحة الم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 18 ]       »     دورة : مشرف السلامة والصحة الم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 19 ]       »     دورة : مهارات التفسير والتحليل... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 15 ]       »     دورة : إدارة مخاطر المؤسسات [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 18 ]       »     دورة : أنظمة التوزيع الكهربائي... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 17 ]       »     دورة : المدير المعتمد في الجود... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 15 ]       »     السيرة الذاتية ل اود خالد تفا... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 54 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات



يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-24-2010, 10:05 PM   #11
الشيخ حسن العبد الله
مشرف


الصورة الرمزية الشيخ حسن العبد الله
الشيخ حسن العبد الله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 232
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 03-18-2014 (09:42 PM)
 المشاركات : 352 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وأخيرا :
مع كتاب ( رسالة الحقوق ) إن رسالة الحقوق التي نظمها الإمام زين العابدين عليه السلام تدل على اهتمام الإمام بكل ما يدور حوله في المجتمع الإسلامي ، وعنايته الفائقة بسلامته النفسية والصحية ، ورعايته لأمنه واستقراره ، وحفاظه على تكوينته الإسلامية . وإذا نظرنا إلى ظروف الإمام عليه السلام من جهة ، وإلى ما يقتضيه تأليف هذه الحقوق ، من سعة الأفق وشموليته من جهة أخرى ، وقفنا على عظمة هذا العمل الجبار الذي صنعه الإمام قبل أربعة عشر قرنا . إن صنع مثل هذا القانون في جامعيته ودقته وواقعيته ، لا يصدر إلا من شخص جامع للعلم والعمل ، مهتم بشؤون الأمة ، ومتصد لإصلاحها فكريا وثقافيا ، واقتصاديا ، واجتماعيا ، وإداريا ، وصحيا ، ونفسيا ، ولا يصدر - قطعا - من شخص منعزل عن العالم ، وعن الحياة الاجتماعية ، ولا مبتعد عن السياسة وأمور الحكم والدولة ! ولذلك فإنا نجد الرسالة تحتوي على حقوق مثل : حق السلطان ، وحق الرعية ، وحق أهل الملة عامة ، وحق أهل الذمة ، وغيرها مما يرتبط بأمور الدولة والحكم وتنظيم الحياة الاجتماعية ، إلى جانب الشؤون الخاصة العقيدية والعبادية والمالية ، وكل ما يرتبط بحياة حرة كريمة للفرد وللمجتمع الذي يعيش معه ، ومثل هذا لا يصدر ممن يعتزل الحياة الاجتماعية . ورسالة الحقوق عمل علمي عظيم يستدعي دراسة موضوعية عميقة شاملة ، نقف من خلالها على أبعاد دلالتها على حركة الإمام زين العابدين عليه السلام الاجتماعية ، وخاصة من المنظار السياسي ، وما استهدفه من بيانها ونشرها . ونقدم هنا مقطعين هامين ، يرتبطان مباشرة بأمور الإدارة والحياة الاجتماعية ، وهما حق السلطان على الرعية ، وحق الرعية على السلطان : قال عليه السلام - في حقوق الأئمة - : وأما حق سائسك بالسلطان : ‹ صفحة 152 › فإن تعلم أنك جعلت له فتنة ، وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان . وأن تخلص له في النصيحة ، وأن لا تماحكه ، وقد بسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه . وتذلل وتلطف لإعطائه من الرضا ما يكفه عنك ، ولا يضر بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله . ولا تعازه ولا تعانده ، فإنك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك ، فعرضتها لمكروهه ، وعرضته للهلكة فيك ، وكنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك ، وشريكا له في ما أتى إليك من سوء . ولا قوة إلا بالله ( 1 ) . وقال عليه السلام - في حقوق الرعية - : وأما حق رعيتك بالسلطان : فإن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم ، فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم وذلهم . فما أولى من كفاكه ضعفه وذله - حتى صيره لك رعية وصير حكمك عليه نافذا ، لا يمتنع عنك بعزة ولا قوة ، ولا يستنصر في ما تعاظمه منك إلا بالله - بالرحمة والحياطة والأناة . وما أولاك - إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة والقوة التي قهرت بها - أن تكون لله شاكرا ، ومن شكر الله أعطاه في ما أنعم عليه . ولا قوة إلا بالله ( 2 ) . إن الإمام عليه السلام في هاتين الفقرتين إنما يخاطب من هم من عامة الناس - سلطانا ورعية - ممن لا بد أن تربط بينهم السياسة ، إذ لا بد للناس من أمير ، على ما هو سنة الحياة وطبيعة التكوينة الاجتماعية ، فلا بد أن تكون لهم حقوق ، وتثبت عليهم واجبات ، ترتب بذلك حياتهم ترتيبا طيبا كي يعيشوا في صفاء وود وخير وسعادة . والإمام عليه السلام هنا - يقطع النظر عن الولاية الإلهية التكوينية ، ومنصب الإمامة المفروضة تشريعيا على الناس . ‹ صفحة 153 › ولذلك عبر ب‍ ( السلطان ) و ( الرعية ) ولم يفرض في السلطان ولاية إلهية ، وإنما فرضها سلطة حاصلة بالقوة والقهر ، وهذا ما يتمكن من تحصيله حتى غير الأئمة الإلهيين ، وإن كان السلاطين يحاولون الإيحاء بأنهم ينوبون عن الله في الولاية والسلطة ، وأنهم ظل الله على الأرض ، ولذلك يلقنون الناس فكرة ( الجبر ) حتى يربطوا وجودهم بإرادة الله ( 1 ) . لكن الإمام السجاد عليه السلام فرغ الحديث عن السلطان من كل هذه المعاني ، وإنما تحدث عن حقه كمتسلط بالقوة على الرعية ، فهو في هذه الحالة لا بد أن يعرف واجباته ويؤديها ويعرف حقوقه فلا يطلب أكثر منها . كما أن الرعية المواجهة لمثل هذا السلطان لا بد أن تعرف حدود المعاملة الواجبة عليها تجاهه ، وما يحرم عليها فلا تقتحمه ، رعاية للمصالح الاجتماعية العامة بشريا . وبما أن السلاطين في هذا المقام لم تفرض لهم العصمة ، اللازمة في الولاة الإلهيين ، فلا بد أن يحذروا من المخالفات الشرعية ، كما لا بد للرعية أن يحذروا من التعرض لبطشهم وسطوتهم ، فهناك حقوق مرسومة لكل منهما - السلطان والرعية - لا بد من مراعاتها ، حددها الإمام عليه السلام . فعلى السلطان أن لا يغتر بقدرته الموقوتة المحدودة : 1 - : أن يكون رؤوفا رحيما بالبشر الذين استولى عليهم . 2 - أن يعرف قدر نعمة السلطة ، حتى يوفق للمزيد ، حسب الموعود بالمزيد لمن شكر . ويتنعم بما هو فيه من فضل وسلطة . وأما الرعية ، فعليها : 1 - أن تخلص في النصيحة للسلطان وتبذل الولاء في سبيل إنجاح المهمة الاجتماعية والحكمة والتدبير من ( لا بدية الأمير ) في سبيل الخير . 2 - وأن لا تلجأ إلى العداء والبغضاء حتى لا يلجأ السلطان إلى العدوان والفتك ، فيحصل العقوق بين الراعي والرعية فيشتركان في إثم الفساد في الأرض . ‹ صفحة 154 › ومن المعلوم - في المقامين - أن مخاطب الإمام عليه السلام إنما هم المؤمنون بالله تعالى ، ولذا جعل كلا منهما ( فتنة إلهية ) للآخر ، ليعتبر بهذا الموقع الخطر الذي يتبوأه كل منهما . فالحديث مع الذين لا يخالفون أمر الله ولا يعادونه ، وإنما يسيرون موافقين للإسلام ، ويعتمدون على ما سنه من أحكام ، ولا يضرون بالدين ، وإلا فالأمر يختلف ، والحديث يتفاوت ، والحقوق تكون غيرها ، والواجبات سواها . والحاصل : أن ما حدده الإمام عليه السلام إنما هو عن السلطان والرعية ، إذا لم يتهدد كيان الإسلام وأحكامه وشعائره خطر من قبل السلطة ، بدليل التذكير فيه بنعم الله وحوله وقوته وأنه لا حول ولا قوة إلا به . وإلا ، لم يكن الخطاب بمثل هذا الكلام المعتمد على الإيمان بالله والاعتقاد بالواجب والإحساس بالخدمة للناس والإصلاح في المجتمع ، والاعتماد على قوة الله وحوله ، كما هو الحال في كل الحقوق الأخرى التي ذكرها في ( رسالة الحقوق ) فإنه وجه الخطاب إلى الأمة الإسلامية في داخل الوطن الإسلامي ، وفي الحدود التي يلتزم رعاياها بشريعة الإسلام وقواعده . وسنثبت نصا موثوقا لرسالة الحقوق في الملحق الأول من ملاحق الكتاب بعون الله ( 1 ) . ‹ صفحة 155 › الفصل الرابع التزامات فذة في حياة الإمام عليه السلام أولا : التزام الزهد والعبادة ثانيا : التزام البكاء على سيد الشهداء عليه السلام ثالثا : التزام الدعاء وأخيرا : مع الصحيفة السجادية هدفا ومضمونا ‹ صفحة 157 › تميزت سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام بمظاهر فذة ، وهي وإن كانت متوفرة في حياة آبائه وأبنائه الأئمة عليهم السلام ، إلا أنها برزت في سيرة الإمام عليه السلام بشكل آخر ، أكثر وضوحا ، وأوسع دورا ، مما تسترعي الانتباه ، وهي : 1 - ظاهرة الزهد والعبادة . 2 - ظاهرة البكاء . 3 - ظاهرة الدعاء . فإذا سبرنا حياة الأئمة عليهم السلام ، وجدناهم - كلهم - يتميزون في هذه المظاهر على أهل زمانهم ، إلا أنها في حياة الإمام زين العابدين عليه السلام تجاوزت الحد المألوف ، حتى كان عليه السلام فريدا في الالتزام بكل منها : العبادة والزهد ، فقد عد فيهما : زين العابدين وسيد الزاهدين ، حتى ضرب به المثل فيهما . والبكاء ، فقد عد فيه : من البكائين الخمسة . وأما الدعاء : فالصحيفة التي خلفها تكفي شاهدا على ما نقول . وسنحاول في هذا الفصل أن نشاهد أثر الالتزام بهذه المظاهر في ملامح سيرة الإمام عليه السلام ، ونقرأ ما خلده لنا التاريخ من آثارها في الحياة الاجتماعية للإمام عليه السلام ، وما استهدفه الإمام عليه السلام من اللجوء إليها بهذا الشكل المركز . ‹ صفحة 158 › أولا : التزام الزهد والعبادة لقد أخذت هذه الظاهرة ساعات طويلة من وقت الإمام عليه السلام ، وملأت مساحات واسعة من صفحات سيرته الشريفة ، حتى أصبح من أشهر ألقابه ( زين العابدين ) ( 1 ) و ( سيد الساجدين ) ( 2 ) . والزهد ، من الفضائل الشريفة التي يتزيى بها الرجال الطيبون ، المخلصون لله ، الراغبون في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 149 › ( 1 ) تاريخ دمشق ( الحديث 113 ) مختصر ابن منظور ( 17 : 244 ) . ( 2 ) تاريخ دمشق ( الحديث 118 ) مختصر ابن منظور ( 17 - 244 ) . ( 3 ) تاريخ دمشق ( الحديث 82 ) مختصر ابن منظور ( 17 : 239 ) . ‹ هامش ص 150 › ( 1 ) واقرأ صورا مثيرة من تعامله مع عبيده وإمائه في عوالم العلوم ( ص 151 - 155 ) . ‹ هامش ص 152 › ( 1 ) رسالة الحقوق ، الحق رقم [ 15 ] ( 2 ) رسالة الحقوق ، الحق رقم [ 18 ] ‹ هامش ص 153 › ( 1 ) كما شرحنا جانبا من ذلك في بحث سابق ، لاحظ ( ص 88 - 91 ) في الفصل الثاني . ‹ هامش ص 154 › ( 1 ) لاحظ الصفحات ( 254 - 296 ) من كتابنا هذا . ‹ هامش ص 158 › ( 1 ) تاريخ أهل البيت عليهم السلام ( ص 130 - 131 ) مختصر تاريخ دمشق ( 17 : 237 ) عن مالك بن أنس و ( ص 235 ) عن الزهري . ( 2 ) قد مضى أن هذه الألقاب وردت في الحديث المرفوع ، فلاحظ ( ص 5 3 - 37 ) من كتابنا هذا . ( 3 ) سير أعلام النبلاء ( 4 : 392 ) وشرح الأخبار ( 3 : 254 و 272 ) والخصال للصدوق 517 وعلل الشرائع له ( ص 232 ) والإرشاد للمفيد ( 256 ) وكشف الغمة ( 1 : 33 ) نقلا عن رسالة الجاحظ في فضل بني هاشم و ( 2 : 86 ) وفلاح السائل ( ص 244 ) وتذكرة الحفاظ ( 1 : 75 ) وبحار الأنوار ( 46 / 67 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 158 - 163
جزيل ثوابه ، العارفون بحقيقة الدنيا وأنها فانية زائلة ، فلا يميلون إلى الاستمتاع بلذاتها ومغرياتها ، بل يقتصرون على الضروري الأقل ، من المشرب والملبس والمسكن والمأكل . وقد التزم أئمة أهل البيت بهذه الفضيلة بأقوى شكل ، وفي التزامهم بها معنى أكبر من مجرد الفضل والخلق الجيد ، فكونهم أئمة يقتدى بهم وأمثولة لمن يعتقد بهم ، وأسوة لمن سواهم ، وقدوة للمؤمنين ، يتبعون خطاهم ، فهم لو تخلقوا بهذا الخلق الكريم ، قام جمع من الناس بذلك معهم ، سائرين على طرق مأمونة من الانحراف . فللإمام السجاد عليه السلام في العبادة مشاهد عظيمة ، وأعمال جليلة ، وسجدات طويلة ، وصلوات متتالية ، حتى أنه كان يصلي في اليوم والليلة ( ألف ركعة ) ( 3 ) وهذا يشبه ما نقل عن جده الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام . وإذا نظرنا إلى عصر الإمام زين العابدين عليه السلام ، وإلى ما حوله من حوادث واقعة وأمور جارية : أمكننا أن نقول : إن التزام الإمام بهذه العبادة ، وبهذا الشكل من السعة ، والإصرار ، والإعلان ، لم يكن عفويا ، ولا عن غير قصد وهدف ، ولا لمجرد ‹ صفحة 159 › حاجة شخصية ، وتقرب خاص ، بل كان وراءها تدبير اجتماعي مهم جدا ، إذ أن الأمويين - في تلك الفترة بالخصوص ، وبعد سيطرتهم على مقدرات العباد والبلاد - جدوا في إشاعة الفساد ، وتمييع المجتمع ، وترويج الترف واللهو ، بين الناس ، بهدف تبرير أعمالهم المخالفة للشرع المقدس ، المنافية للعرف الذي يبتنى على العفة والشرف ، وسعيا لتخدير الناس ، وإبعاد الأمة عن الروح الإسلامية الواثبة المقتدرة التي تمكن المسلمون بها من السيطرة على مساحات شاسعة من العالم وحضارات لامبراطوريات مجاورة لها بعد أن كانوا من الشعوب المتخلفة تتخطفهم الأمم من حولهم ، لا يملكون لعدوهم دفعا ، ولا عن ذمارهم منعا . وقد خاطبتهم الزهراء فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واصفة حالتهم بقولها : . . . وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطأ الأقدام ، تشربون الطرق وتقتاتون الورق ، أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي ( 1 ) . فأرشدهم الرسول إلى المجد والعلى والكرامة والعلم . لكن الأمويين - ولأجل إخماد ثورة الإسلام في نفوس الناس - أخذوا في ترويج الفحشاء والمنكر ، والفجور والخمور ، والظلم والخيانة ، حتى ضرب بهم المثل في خرق العهود والمواثيق ، وتجاوز الأعراف والموازين المقبولة بين الناس ، وتلاعبوا بكل المقدرات والمقررات ، وانغمسوا - وجروا الناس معهم - في الرذيلة واللعب ، ومعهم الجيل الناشئ من الأمة ، الذي نما على هذه الروح الطاغية اللاهية . حتى جعلوا من مدينة الرسول الطيبة ، مركزا للفساد . قال أبو الفرج الأصبهاني : إن الغناء في المدينة لا ينكره عالمهم ، ولا يدفعه عابدهم ( 2 ) وحتى : كانت يثرب تعج بالمغنيات . . . ‹ صفحة 160 › ومن المؤسف - حقا - أن مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم صارت - في العصر الأموي - مركزا للحياة العابثة ، وكان من المؤمل أن تصبح معهدا للثقافة الدينية ، ومصدرا للإشعاع الفكري والحضاري في العالم الإسلامي ، إلا أن الأمويين سلبوها هذه القابلية ، وأفقدوها مركزيتها الدينية والسياسية ( 1 ) . ولما خرج عروة بن الزبير من المدينة واتخذ قصرا بالعقيق ، وقال له الناس : قد أجفرت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! قال : إني رأيت مساجدهم لاهية ، وأسواقهم لاغية ، والفاحشة في فجاجهم عالية ( 2 ) . وأضاف القرطبي : وكان في ما هناك عما أنتم فيه عافية ( 3 ) . إنه - في مثل هذه الأجواء والظروف - ليس عفويا ، ولا عن غير هدف : أن يظل الإمام زين العابدين عليه السلام في المدينة ، يعظ الناس ويرشدهم ، ويدعوهم إلى نبذ المتع ، ويحذرهم من اللغو واللهو ومن الزينة والتفاخر . فكان عليه السلام يقول : لا قدست أمة فيها البربط ( 4 ) . لقد كان له مجلس في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعظ الناس فيه : قال سعيد بن المسيب : كان علي بن الحسين عليه السلام يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا ، ويرغبهم في أعمال الآخرة ، بهذا الكلام ، في كل جمعة ، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحفظ عنه ، وكتب ، كان يقول : أيها الناس ! اتقوا الله واعلموا أنكم إليه ترجعون ، فتجد كل نفس ما عملت - في هذه الدنيا - من خير محضرا وما عملت من سوء ، تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ، ويحذركم الله نفسه [ مقتبس من القرآن الكريم . سورة آل عمران ( 3 ) الآية ( 30 ) ] . ويحك ! يا بن آدم الغافل ، وليس بمغفول عنه ! ‹ صفحة 161 › يا بن آدم ! إن أجلك أسرع شئ إليك قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ، ويوشك أن يدركك ، وكأن قد أوفيت أجلك ، وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيدا ، فرد إليك فيه روحك ، واقتحم عليك فيه ملكان : ناكر ونكير لمسألتك وشديد امتحانك . ألا ، وإن أول ما يسألانك : عن ربك الذي كنت تعبده ؟ وعن نبيك الذي أرسل إليك ؟ وعن دينك الذي كنت تدين به ؟ وعن كتابك الذي كنت تتلوه ؟ وعن إمامك الذي كنت تتولاه ؟ ثم ، عن عمرك في ما كنت أفنيته ؟ ومالك من أين اكتسبته ؟ وفي ما أنت أنفقته ؟ فخذ حذرك ، وانظر لنفسك ، وأعد الجواب قبل الامتحان والمسألة والاختبار . فإن تك مؤمنا عارفا بدينك ، متبعا للصادقين ، مواليا لأولياء الله ، لقاك الله حجتك وانطلق لسانك بالصواب وأحسنت الجواب ، وبشرت بالرضوان والجنة من الله عز وجل ، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان . وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودحضت حجتك وعييت عن الجواب ، وبشرت بالنار ، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم . واعلم يا بن آدم : أن من وراء هذا أعظم ، وأفظع ، وأوجع للقلوب يوم القيامة ، وذلك يوم مجموع له الناس ، وذلك يوم مشهود ، يجمع الله عز وجل فيه الأولين والآخرين . ذلك يوم ينفخ في الصور ، وتبعثر فيه القبور . وذلك يوم الأزفة ، إذ القلوب لدى الحناجر ، كاظمين . وذلك يوم لا تقال فيه عثرة ، ولا يؤخذ من أحد فدية ، ولا تقبل عن أحد معذرة ، ولا لأحد فيه مستقبل توبة ، ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات . فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ، ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده . فاحذروا ، أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها ، وحذركموها في كتابه الصادق ، والبيان الناطق . ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده ، عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا ، فإن الله عز وجل يقول : * ( إن الذين اتقوا إذا مسهم ‹ صفحة 162 › طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) * [ الأعراف ( 7 ) الآية : 201 ] . وأشعروا قلوبكم خوف الله ، وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه ، كما قد خوفكم من شديد العقاب ، فإنه من خاف شيئا حذره ، ومن حذر شيئا تركه . ولا تكونوا من الغافلين ، المائلين إلى زهرة الدنيا ، الذين مكروا السيئات ، فإن الله يقول في محكم كتابه : * ( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف ) * [ النحل ( 16 ) الآيات 45 - 47 ] . فاحذروا ما حذركم الله ، بما فعل بالظلمة ، في كتابه ، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب . والله ، لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم ، فإن السعيد من وعظ بغيره . ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم ، حيث يقول : * ( وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة ) * وإنما عنى بالقرية أهلها ، حيث يقول : * ( وأنشأنا بعدها قوما آخرين ) * فقال عز وجل : * ( فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ) * يعني يهربون ، قال : * ( لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون ) * فلما أتاهم العذاب * ( قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين ) * [ الأنبياء ( 21 ) الآيات ( 11 - 15 ) ] . وأيم الله ، إن هذه عظة لكم وتخويف ، إن اتعظتم وخفتم . ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب ، فقال الله عز وجل : * ( ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين ) * [ الأنبياء ( 21 ) الآية ( 46 ) ] . فإن قلتم - أيها الناس - : إن الله عز وجل إنما عنى بهذا أهل الشرك ؟ فكيف ذاك ؟ وهو يقول : * ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) * [ الأنبياء ( 21 ) الآية ( 47 ) ] ؟ ! إعلموا - عباد الله - إن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين ، ‹ صفحة 163 › وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا ، وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام . فاتقوا الله عباد الله . واعلموا أن الله عز وجل لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها ، وإنما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم فيها : أيهم أحسن عملا لآخرته ؟ . وأيم الله ، لقد ضرب لكم فيه الأمثال ، وعرف الآيات لقوم يعقلون ، ولا قوة إلا بالله . فازهدوا في ما زهدكم الله عز وجل فيه من عاجل الحياة الدنيا . فإن الله عز وجل يقول - وقوله الحق - : * ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ) * [ يونس ( 10 ) الآية ( 24 ) ] . فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون ، ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله عز وجل قال لمحمد ص
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 158 › ( 1 ) تاريخ أهل البيت عليهم السلام ( ص 130 - 131 ) مختصر تاريخ دمشق ( 17 : 237 ) عن مالك بن أنس و ( ص 235 ) عن الزهري . ( 2 ) قد مضى أن هذه الألقاب وردت في الحديث المرفوع ، فلاحظ ( ص 5 3 - 37 ) من كتابنا هذا . ( 3 ) سير أعلام النبلاء ( 4 : 392 ) وشرح الأخبار ( 3 : 254 و 272 ) والخصال للصدوق 517 وعلل الشرائع له ( ص 232 ) والإرشاد للمفيد ( 256 ) وكشف الغمة ( 1 : 33 ) نقلا عن رسالة الجاحظ في فضل بني هاشم و ( 2 : 86 ) وفلاح السائل ( ص 244 ) وتذكرة الحفاظ ( 1 : 75 ) وبحار الأنوار ( 46 / 67 ) . ‹ هامش ص 159 › ( 1 ) بلاغات النساء ( ص 13 ) وانظر : فدك للقزويني ( ص 153 ) وخطبتها عليها السلام في مسجد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم لما منعها أبو بكر فدكا مروية في الاحتجاج للطبرسي ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( 4 / 78 ) ، وطرقها عديدة متضافرة . ( 2 ) الأغاني - طبع دار الكتب - ( 8 : 224 ) ولاحظ ( 4 : 222 ) ففيه موقف مالك فقيه المدينة ، وانظر العقد الفريد ( 3 : 233 و 245 ) . ‹ هامش ص 160 › ( 1 ) لاحظ حياة الإمام زين العابدين للقرشي ( ص 670 ) واقرأ في الصفحات ( 665 - 71 6 ) أخبارا من ترف الأمويين ، وحياة اللهو والغناء وحفلات الرقص في المدن المقدسة - المدينة ومكة - . ( 2 ) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ( 17 : 23 ) . ( 3 ) جامع بيان العلم ( 2 / ) . ( 4 ) لسان العرب مادة ( بربط ) . ‹ هامش ص 163 › ( 1 ) الكافي ، للكليني ( 8 : 72 - 76 ) وتحف العقول ( ص 249 - 252 ) وأمالي الصدوق ( المجلس ( 76 ) ص ( 407 - 409 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 163 - 169
صلى الله عليه وآله وسلم : * ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) * [ هود ( 11 ) الآية ( 113 ) ] . ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان ، فإنها دار بلغة ، ومنزل قلعة ، ودار عمل ، فتزودوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها ، وقبل الإذن من الله في خرابها ، فكان قد أخر بها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها فأسأل الله العون لنا ولكم على تزود التقوى ، والزهد فيها . جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا ، الراغبين لآجل ثواب الآخرة ، فإنما نحن به وله . وصلى الله على محمد وآله وسلم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ( 1 ) . ‹ صفحة 164 › وكان عليه السلام يعظ أصحابه ( 1 ) ويعظ الخليفة وأعوانه ( 2 ) . ويجسد في نفسه كل المواعظ والنصائح ، حتى يكون أمثولة للسامعين والمشاهدين . وقد نقلت آثار في هذا الباب عنه عليه السلام ، نذكر منها : 1 - كان علي بن الحسين عليه السلام إذا مشى لا يجاوز يديه فخذيه ، ولا يخطر بيده ( 3 ) . 2 - وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة ، فقيل له : ما لك ؟ فقال : ما تدرون بين يدي من أقوم ؟ ومن أناجي ؟ ( 4 ) . 3 - وقيل : إنه كان إذا توضأ أصفر لونه ، فيقول له أهله : ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء ؟ فيقول : تدرون بين يدي من أريد أن أقوم ؟ ( 5 ) . 4 - قال سفيان بن عيينة : حج علي بن الحسين عليه السلام فلما أحرم واستوت به راحلته اصفر لونه ، وانتفض . . . ولم يستطع أن يلبي ، فقيل له : ما لك ؟ فقال : أخشى أن أقول : ( لبيك ) فيقول لي : ( لا لبيك ) ( 6 ) . 5 - وقال مالك بن أنس : أحرم علي بن الحسين عليه السلام ، فلما أراد أن يقول : ( لبيك اللهم لبيك ) قالها فأغمي عليه ، حتى سقط من راحلته ( 7 ) . ‹ صفحة 165 › قال : وبلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات ( 1 ) . 6 - وقع حريق في بيت فيه الإمام زين العابدين عليه السلام فجعلوا يقولون له : يا بن رسول الله ! النار ! يا بن رسول الله ! النار ! فما رفع رأسه حتى أطفئت ، فقيل له : ما الذي ألهاك عنها ؟ قال : ألهتني النار الأخرى ! ( 2 ) . 7 - قالوا : وكان علي بن الحسين عليه السلام يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع ، لا يقرعها ( 3 ) . 8 - وروى ابن طاوس عن الصادق عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليه السلام إذا حضر الصلاة اقشعر جلده ، واصفر لونه ، وارتعد كالسعفة ( 4 ) . ولنقرأ معا كلاما له عليه السلام في الزهد ، لنقف على معالم رفيعة وآفاق وسيعة مما عند الإمام في هذا المقام : إن علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة تركهم كل خليط وخليل ورفضهم كل صاحب لا يريد ما يريدون . ألا وإن العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا ، الأخذ للموت أهبته ، الحاث على العمل قبل فناء الأجل ونزول ما لا بد من لقائه . وتقديم الحذر قبل الحين ، فإن الله عز وجل يقول : * ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا في ما تركت ( 5 ) * فلينزلن أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى الدنيا ، النادم على ما فرط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته . واعلموا عباد الله : أنه من خاف البيات تجافى عن الوساد . وامتنع من الرقاد ، ‹ صفحة 166 › وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا ، فكيف ، ويحك يا ابن آدم ، من خوف بيات سلطان رب العزة وأخذه الأليم وبياته لأهل المعاصي والذنوب مع طوارق المنايا بالليل والنهار ؟ فذلك البيات الذي ليس منه منجى ، ولا دونه ملتجأ ، ولا منه مهرب . فخافوا الله أيها المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى ، فإن الله يقول : * ( ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ( 1 ) * . فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها وشرورها وتذكروا ضرر عاقبة الميل إليها ، فإن زينتها فتنة وحبها خطيئة . واعلم ويحك يا ابن آدم أن قسوة البطنة وكظة الملأة وسكر الشبع وغرة الملك مما يثبط ويبطئ عن العمل وينسي الذكر ويلهي عن اقتراب الأجل ، حتى كأن المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب . وأن العاقل عن الله ، الخائف منه ، العامل له ليمرن نفسه ويعودها الجوع حتى ما تشتاق إلى الشبع ، وكذلك تضمر الخيل لسبق الرهان . فاتقوا الله عباد الله تقوى مؤمل ثوابه وخائف عقابه فقد - لله أنتم - أعذر وأنذر وشوق وخوف ، فلا أنتم إلى ما شوقكم إليه من كريم ثوابه تشتاقون فتعملون ، ولا أنتم مما خوفكم به من شديد عقابه وأليم عذابه ترهبون فتنكلون . وقد نبأكم الله في كتابه أنه : * ( من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ( 2 ) * . ثم ضرب لكم الأمثال في كتابه وصرف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا فقال : * ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ( 3 ) * . فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا ، فاتقوا الله واتعظوا بمواعظ الله . وما أعلم إلا كثيرا منكم قد نهكته عواقب المعاصي فما حذرها وأضرت بدينه فما مقتها . أما ‹ صفحة 167 › تسمعون النداء من الله بعيبها وتصغيرها حيث قال : * ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور * سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) * ( 1 ) . وقال : * ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ) * ( 2 ) . فاتقوا الله عباد الله ، وتفكروا واعملوا لما خلقتم له ، فإن الله لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى ، قد عرفكم نفسه وبعث إليكم رسوله وأنزل عليكم كتابه ، فيه حلاله وحرامه وحججه وأمثاله . فاتقوا الله فقد احتج عليكم ربكم فقال : * ( ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين ) * ( 3 ) فهذه حجة عليكم فاتقوا الله ما استطعتم فإنه لا قوة إلا بالله ولا تكلان إلا عليه ، وصلى الله على محمد [ نبيه ] وآله ( 4 ) . إن الأبعاد الأخرى التي أنتجتها سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام في الزهد والعبادة ، هي 1 - اعتراف علماء البلاط بفضل أهل البيت عليهم السلام . على الرغم من أن الحكام يحاولون التغطية على فضائل المعارضين لهم ولا سيما آل أمية الذين ضربوا الأرقام القياسية في هذه الخصلة الذميمة ، بإعلان السب لأهل البيت على المنابر ، وإيعازهم إلى وعاظ السلاطين بوضع الحديث في قدحهم وذمهم ، ‹ صفحة 168 › فإن علماء البلاط الأموي في عصر الإمام زين العابدين عليه السلام ، لم يمكنهم إخفاء فضل الإمام السجاد عليه السلام فضلا عن الغض منه ، لأن سيرته لم تكن تخفى على أحد من الناس ، فقد اضطروا إلى إظهار تصريحات واضحة تعلن فضل الإمام عليه السلام ، بالرغم من ارتباطهم بالحكم الأموي الجائر ، أو موالاتهم له ، وكذلك من تلاهم من فقهاء العامة ورجالهم : قال يحيى بن سعيد : سمعت علي بن الحسين ، وكان أفضل هاشمي أدركته ( 1 ) . وقال الزهري : ما رأيت قرشيا - أو هاشميا - أفضل من علي بن الحسين ( 2 ) . وقال سعيد بن المسيب : ما رأيت أورع منه ( 3 ) . وقال حماد بن زيد : كان علي بن الحسين أفضل هاشمي أدركته ( 4 ) . لقد فرض الإمام زين العابدين عليه السلام نفسه على كل المناوئين لأهل البيت عليهم السلام حتى لم يشذ أحد منهم عن تعظيمه وتجليله . 2 - إبراز فضل أهل البيت عليهم السلام . ولقد كان الموقع الذي احتله الإمام زين العابدين عليه السلام بفضله وعبادته وزهده ، بين الأمة ، أحسن فرصة كي يعلن فضل أهل البيت ، الذي جهد الأعداء الظالمون في إخفائه : ففي الحديث أن جابرا قال له : ما هذا الجهد الذي كلفته نفسك ؟ . . . يا بن رسول الله ! البقيا على نفسك ، فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء ، وبهم تستكشف اللأواء ، وبهم تستمسك السماء ؟ ‹ صفحة 169 › فقال الإمام : يا جابر ، لا أزال على منهاج أبوي مؤتسيا بهما حتى ألقاهما . فاقبل جابر على من حضر فقال : ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين ، إلا يوسف بن يعقوب ، والله لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف ( 1 ) . فإن قوله : ( منهاج أبوي - يعني : عليا والحسين عليهما السلام - مؤتسيا بهما ) يعني : أن ما يتمتع به الإمام زين العابدين عليه السلام هو ما كان يتمتع به أبوه الحسين وجده علي عليهما السلام ، وأن ما قام به أبواه من الجهاد يقوم به الإمام السجاد ، لأنه مثلهما في الإمامة ، ووارثهما في الكرامة . وفي حديث عن الصادق عليه السلام في ذكر أمير المؤمنين عليه السلام وإطرائه ومدحه بما هو أهله ، وزهده في المأكل ، قال : وما أطاق عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الأمة غيره ، ثم قال : وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين عليه السلام . قال : ولقد دخل أبو جعفر - ابنه - عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، فرآه ، وقد اصفر لونه من السهر ، ورمصت عيناه من البكاء . . . قال أبو جعفر عليه السلام : فلم أملك - حين رأيته بتلك الحال - البكاء ، فبكيت رحمة له ، فإذا هو يفكر ، فالتفت إلي بعد هنيئة من دخولي - فقال : يا بني ، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأعطيته ، فقرأ فيها شيئا يسيرا ، ثم تركها من يده تضجرا ، وقال : من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ ( 2 ) . وعن الصادق عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليه السلام إذا أخذ كتاب علي عليه السلام فنظر فيه قال : من يطيق هذا ؟ من يطيق هذا ؟ ( 3 ) . وهكذا يعل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 163 › ( 1 ) الكافي ، للكليني ( 8 : 72 - 76 ) وتحف العقول ( ص 249 - 252 ) وأمالي الصدوق ( المجلس ( 76 ) ص ( 407 - 409 ) . ‹ هامش ص 164 › ( 1 ) كما رأينا صحيفته في الزهد إلى أصحابه ( راجع ص 123 - 125 ) من الفصل الثالث . ( 2 ) سيأتي ذكر مواعظ لهم في الفصل الخامس ( ص 221 - 230 ) . ( 3 ) تاريخ دمشق الأحاديث ( 6 - 63 ) مختصر تاريخ دمشق ( 17 : 236 ) وانظر سير أعلام النبلاء ( 4 : 392 ) . ( 4 ) تاريخ دمشق , الأحاديث ( 6 - 63 ) مختصر تاريخ دمشق ( 17 : 236 ) وانظر سير أعلام النبلاء ( 4 : 392 ) . ( 5 ) تاريخ دمشق الأحاديث ( 6 - 63 ) مختصر تاريخ دمشق ( 17 : 236 ) وانظر سير أعلام النبلاء ( 4 : 392 ) وروي الحديث الثالث في العقد الفريد ( 3 : 169 ) . ( 6 ) تاريخ دمشق الأحاديث ( 6 - 63 ) مختصر تاريخ دمشق ( 17 : 236 ) وانظر سير أعلام النبلاء ( 4 : 392 ) . ( 7 ) تاريخ دمشق ( الحديث 64 ) ومختصر ابن منظور ( 17 : 237 ) وسير أعلام النبلاء ( 4 : 392 ) . ‹ هامش ص 165 › ( 1 ) تاريخ دمشق ( الحديث 64 ) ومختصر ابن منظور ( 17 : 237 ) وسير أعلام النبلاء ( 4 : 392 ) وانظر ص 158 ) . ( 2 ) تاريخ دمشق ( الحديث 10 ) مختصر ابن منظور ( 17 : 236 ) سير أعلام النبلاء ( 4 : 1 - 392 ) . ( 3 ) تاريخ دمشق ( الحديث 100 ) مختصر ابن منظور ( 17 : 233 ) سير أعلام النبلاء ( 4 : 388 ) . ( 4 ) فلاح السائل ( ص 96 ) عن كتاب ( زهرة المهج وتواريخ الحجج ) . ( 5 ) المؤمنون آية 100 . ‹ هامش ص 166 › ( 1 ) سورة إبراهيم آية 14 . ( 2 ) سورة الأنبياء آية 94 . ( 13 ) سورة التغابن آية 15 . ‹ هامش ص 167 › ( 1 ) سورة الحديد آية 20 - 21 . ( 2 ) سورة الحشر آية 18 - 19 . ( 3 ) سورة البلد آية 8 - 10 . ( 4 ) تحف العقول ( ص 272 - 274 ) . ‹ هامش ص 168 › ( 1 ) طبقات ابن سعد ( 1 : 214 ) وتاريخ دمشق ( الحديث 47 ) ومختصر ابن منظور ( 17 : 235 ) . ( 2 ) سير أعلام النبلاء ( 4 : 387 ) ولاحظ تاريخ دمشق ( الأحاديث 37 و 41 و 50 ) ومختصر ابن منظور ( 17 : 231 و 235 ) . ( 3 ) سير أعلام النبلاء ( 4 : 391 ) ومختصر تاريخ دمشق ( 17 : 236 ) وحلية الأولياء ( 3 : 141 ) . ( 4 ) تهذيب الأسماء واللغات ( 1 : 343 ) . ‹ هامش ص 169 › ( 1 ) مناقب آل أبي طالب ( 3 : 289 ) وبحار الأنوار ( 46 : 79 ) ولاحظ : أمالي الطوسي ( 2 : 250 ) . ( 2 ) شرح الأخبار للقاضي ( 3 : 272 ) والإرشاد للمفيد ( ص 256 ) والمناقب لابن شهرآشوب ( 4 : 149 ) وكشف الغمة ( 2 : 85 ) وبحار الأنوار ( 46 : 75 ) . ( 3 ) الكافي للكليني ، الروضة ( 8 : 163 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 169 - 175
ن الإمام زين العابدين عليه السلام - وهو في أعلى قمم العبادة والاجتهاد في الطاعة - أنه لا يقوى على عبادة جده علي عليه السلام ! فإلى أي سماء ترتفع فضيلة أمير المؤمنين علي عليه السلام في العبادة ، بعد هذه الشهادة ! ؟ ‹ صفحة 170 › إن الإمام زين العابدين عليه السلام بهذا الجهاد الظريف يحرق ما كدسه بنو أمية طوال السنين المظلمة لحكمهم من أطنان الكذب والافتراء ضد علي عليه السلام ، وينسف كل الأسس التي بنوا عليها ظلمهم وجورهم لسيد العترة وزعيم أهل البيت الطاهر أمير المؤمنين علي عليه السلام . 3 - إنارة السبيل للعباد والصالحين : إن الإمام زين العابدين عليه السلام وهو يمثل الإسلام في تصرفاته وأقواله ، كان المثل الأفضل للعباد والصالحين ، ومن أراد أن يدخل هذا المسلك الشريف فله من الإمام عليه السلام خير دليل ومرشد ، ومن أقواله خير منهج وطريقة . ولقد رسم خطوطا عريضة للسير والسلوك ، تمثل أفضل ما قرره علماء هذا الفن ، وإليك أمثلة من تلك : فقال عليه السلام : إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار ، وقوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار ( 1 ) . فربط بين الحرية ، وبين عبادة الله ، وبين الروح غير الخانعة ولا الطامعة بل المتطلعة إلى الله ، والمتقربة إلى رضوانه ، بالتزام العبادة له ، والطالبة للمزيد بالشكر ، حيث وعد وقال : * ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) * [ سورة إبراهيم ( 14 ) الآية 7 ] . وسئل عليه السلام : عن صفة الزاهد في الدنيا ؟ فقال : يتبلغ بدون قوته ، ويستعد ليوم موته ، ويتبرم في حياته ( 2 ) . وقال له رجل : ما الزهد ؟ فقال عليه السلام : الزهد عشرة أجزاء : فأعلى درجات الزهد ، أدنى درجات الورع ، وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين ، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا ، وإن الزهد في آية من كتاب الله * ( لكي لا ‹ صفحة 171 › تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم ) * [ الحديد ( 57 ) الآية : 23 ] ( 1 ) . ومن أظرف أمثلة مواعظه ، ما روي عنه من الخطاب الموجه إلى ( النفس ) يقول : ( يا نفس ، حتام إلى الدنيا سكونك ، وإلى عمارتها ركونك ، أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك ؟ ومن وارته الأرض من الإفك ؟ ومن فجعت به من إخوانك ؟ ونقل إلى الثرى من أقرانك ؟ فهم في بطون الأرض بعد ظهورها * محاسنهم فيها بوال دواثر خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم * وساقتهم نحو المنايا المقادر وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها * وضمهم تحت التراب الحفائر ( 2 ) وهكذا يسترسل الإمام عليه السلام مع النفس في خطاب رقيق ، وحساب دقيق ، ويناجيها ، يعرض عليها العبر ، ويذكرها بما فيه مزدجر ، ويبعدها عن الدنيا وزينتها والغرور بها ، ويقربها إلى الآخرة ونعيمها وما فيها من جوار الله ورحمته ، في مقاطع نثرية رائعة ، تتلوها معان منظومة ، في ثلاثة أبيات بعد كل مقطع ، بلغت ( 18 ) مقطعا ( 3 ) . وهكذا ، لم يترك الإمام عليه السلام طريقا إلا سلكه ولا جهدا إلا استنفده ، ليدرك الأمة كيلا تقع في هوة الانحراف ، وحياة الترف التي صنعتها لها آل أمية ‹ صفحة 172 › 1 - تزييف دعاوي المبطلين من دعاة التصوف والرهبنة : ومع أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان المثل الأعلى للزهد والعبادة في عصره ، حتى غلبت عليه هذه الصفة أكثر من غيرها ، إلا أنه عليه السلام وقف من المتظاهرين - كذبا - بالزهد ، والمائلين إلى الانعزال عن المشاكل ، التاركين للحكام وللناس ، يظلم أولئك هؤلاء ، ويتبع هؤلاء أولئك ، والذين قبعوا - حسب نظرتهم - على إصلاح أنفسهم وأعمالهم ، تلك الحالة التي سميت من بعد بالتصوف ، وسمي أهلها بالصوفية . وقف الإمام عليه السلام من هذه الحالة ومن دعاتها ورعاتها ، موقف الرد والإنكار وإعلان الخطأ في طرقهم ، وحاول إرشادهم إلى طرق السلوك الصائبة ، بما قدمه إليهم وإلى الأمة من مواعظ وأدعية وخطب ورسائل وأجوبة تحدد لهم معالم الطرق القويمة والسبل المستقيمة ، والموصلة إلى الهدى والرشاد . وبما كان الإمام يتمتع به من مكانة مرموقة معترف بها ، في الإيمان والشرف ، حسبا ونسبا ، وخاصة في الزهد والعبادة ، فإن كلامه في هذا المجال كان هو المقبول ، ومواقفه التي كان يتخذها من المتظاهرين بالزهد ، كانت هي الناجحة والغالبة . وقد تركز انحرافهم في نقطتين هامتين : 1 - محاولتهم الانعزال عن الحياة الاجتماعية ، بعدم تدخلهم في ما يمس وجودهم بسوء أو ضرر ، مثل التعرض للظلم والفساد الذي يجري حواليهم ، وخاصة من قبل الخلفاء والولاة وكل من يمت إلى السلطان والحكومة بصلة ! خوفا على أنفسهم من الموت والهلكة . وقد كان يجرهم هذا التفكير إلى مداراة الظلمة ، والخضوع لهم ، والحضور في مجالسهم ، بل الانخراط في مظالمهم ، وتصويب أعمالهم ، بالرغم من معرفة ظلمهم وعدم استحقاقهم للمقامات التي احتلوها . 2 - وعلى أثر النقطة الأولى ، فإنهم ابتعدوا عن أهل البيت عليه السلام ، لأنهم كانوا هم المعارضين السياسيين ، فكان الاتصال بهم يعني المحسوبية عليهم وعلى خطهم ، ‹ صفحة 173 › فابتعدوا عنهم ، وأقل آثار ذلك هو الحرمان من تعاليمهم القيمة ، والتردي في ظلمات الجهل والانحراف . وبما أن أولئك المتظاهرين كانوا يمثلون في أنظار الناس بمنزلة علماء زهاد ، فإن استمرارهم على تلك الحالة الانحرافية كان يغري الناس البسطاء بصحة سلوكهم المنحرف ، وتفكيرهم الخاطئ فكان على الإمام زين العابدين عليه السلام أن يصدهم ، إرشادا لهم ، وإيقافا للأمة على حقيقة أمرهم ، وكشفا لانحرافهم وخطئهم في السلوك والمنهج : فموقفه من عباد البصرة ، الذين دخلوا مكة للحج ، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث ، قال أحدهم : ( ففزع إلينا أهل مكة والحجاج يسألوننا أن نستسقي لهم ) ؟ ! والكلام إلى هنا يدل على مدى اهتمام الناس بهؤلاء العباد ! قال : فأتينا الكعبة وطفنا بها ، ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها ، فمنعنا الإجابة ، فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل ، وقد أكربته أحزانه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطا ، ثم أقبل علينا ، فقال : يا مالك بن دينار ، ويا . . . ويا . . . وذكر الإمام عليه السلام أسماءهم كلهم ، بحيث يبدو أنه يريد أن يعرفهم للناس بأعيانهم ! قال الراوي : فقلنا : لبيك وسعديك ، يا فتى ! فقال : أما فيكم أحد يحبه الرحمن ؟ فقلنا : يا فتى ، علينا الدعاء وعليه الإجابة ! فقال : أبعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه ! ثم أتى الكعبة ، فخر ساجدا ، فسمعته يقول في سجوده : ( سيدي بحبك لي إلا سقيتهم الغيث ) . قال : فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب ! قال الراوي : فقلت : يا أهل مكة ، من هذا الفتى ؟ قالوا : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ( 1 ) . ‹ صفحة 174 › إن ابتعاد أهل البصرة عن أهل البيت عليهم السلام إلى حد الجهل بهم ليس بتلك الغرابة ، لأن انحرافهم عن أهل البيت قد تجذر فيهم منذ حرب الجمل ووقعته الرهيبة ، وقد بقيت آثارها فيهم حتى دهر سحيق ، فلما خرج حفص بن غياث القاضي إلى عبادان - وهو موضع رباط - فاجتمع إليه البصريون فقالوا له : لا تحدثنا عن ثلاثة : أشعث بن عبد الملك ، وعمرو بن عبيد ، وجعفر بن محمد . . . ( 1 ) . فتلك شنشنة أعرفها من أخزم ! لكن كل الغرابة من أهل مكة المجاورين للمدينة ؟ والذين يعرفون الإمام كاملا ، كيف اغتروا بأولئك الزهاد ، القادمين من بعيد ، ولجأوا إليهم يطلبون الغيث منهم ، وهذا الإمام زين العابدين ، وحجة الزاهدين بينهم يتركونه ، بل لا يعرف إلا بالسؤال عنه ! ؟ لم يتصور ظلم على أهل البيت عليهم السلام أكثر من هذا في مركز الدين والإسلام ، مكة ، وعند أشرف البقاع وأعظمها ( الكعبة الشريفة ) ! ! وما الذي جعل أهل مكة يتركون الإمام علي بن الحسين عليه السلام وهم يعرفونه حسبا ونسبا ، فيلجأون إلى أناس جاءوا من البصرة ؟ إنه ليس إلا الانحراف عن أهل البيت عليهم السلام والجهل بحقهم وفضلهم ، إن لم يكن العداء لهم ! ! وهكذا تصدى الإمام لهذا الانحراف وأسقط ما في أيدي أولئك العباد المتظاهرين بالزهد ، الذين لا يعرف واحدهم زين العابدين ، إمام زمانه ، وسيد أهل البيت . فكشف عن زيف دعاواهم ، وسوء نياتهم ، وضلال سبلهم حيث عندوا عن حق أهل البيت ، ولم يعترفوا لهم بالفضل . وللإمام عليه السلام مواقف أخرى مع آحاد من هؤلاء العباد ، مثل موقفه من الحسن البصري ، ومن طاوس ، وغيرهما ( 2 ) . إن الزهد الذي قام الإمام زين العابدين عليه السلام بإحيائه كان مثل زهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ‹ صفحة 175 › وعلي والأئمة عليهم السلام ، الذي يطابق ما قرره الإسلام ، وينبذ كل أشكال الانحراف والزيف والتزوير ، والرهبانية المبتدعة . ولقد أثرت عن الإمام زين العابدين عليه السلام نصوص جاء فيها شرح العبادات من وجهات نظر روحية بما عجز عن إدراكه كبار المتصدين لمثل هذه المعارف ، فمن ذلك ما روي عنه في تفسير معاني أفعال الحج ( 1 ) وأقسام الصوم ( 2 ) . أضف إلى أن عمل الإمام كان تعديلا لسلوك الأمة في اغترارها بمناهج أولئك المتظاهرين المزيفين ، المنحرفين عن ولاء أهل البيت عليهم السلام وأئمة الحق والصدق ، الذين مثلهم الإمام زين العابدين عليه السلام يومذاك . إن الإمام عليه السلام حذر الأمة من الاغترار بالذين يتظاهرون بالزهد ، ممن يحب الترؤس على الناس ، يجتمعون حوله ، ويلتذ بالفخفخة والتمجيد ، ولو على حساب المعرفة بالدين والفقه ! ففي الحديث أنه قال عليه السلام : إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه ، وتماوت في منطقه ، وتخاضع في حركاته ، فرويدا لا يغرنكم ! فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها ، لضعف نيته ، ومهانته ، وجبن قلبه ، فنصب الدين فخا لها ، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره ، فإن تمكن من حرام اقتحمه . وإذا وجدتموه ، يعف عن المال الحرام ، فرويدا ، لا يغرنكم ! فإن شهو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 169 › ( 1 ) مناقب آل أبي طالب ( 3 : 289 ) وبحار الأنوار ( 46 : 79 ) ولاحظ : أمالي الطوسي ( 2 : 250 ) . ( 2 ) شرح الأخبار للقاضي ( 3 : 272 ) والإرشاد للمفيد ( ص 256 ) والمناقب لابن شهرآشوب ( 4 : 149 ) وكشف الغمة ( 2 : 85 ) وبحار الأنوار ( 46 : 75 ) . ( 3 ) الكافي للكليني ، الروضة ( 8 : 163 ) . ‹ هامش ص 170 › ( 1 ) تاريخ دمشق ( الحديث 141 ) وهذا من كلام الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام رواه الرضي في نهج البلاغة بالأرقام ( 65 و 237 و 276 ) من الباب الثالث : قصار الحكم . ( 2 ) تاريخ دمشق ( الحديث 134 ) . ‹ هامش ص 171 › ( 1 ) تحف العقول ( ص 278 - 279 ) . ( 2 ) ابن عساكر في تاريخ دمشق ( الحديث 135 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 249 - 254 ) ونقله ابن كثير في تاريخ البداية والنهاية ( 9 : 109 - 113 ) . وانظر عوالم العلوم ( ص 124 ) عن المناقب لابن شهرآشوب ( 3 / 292 ) وبحار الأنوار ( 46 / 83 ) . ( 3 ) وقد نسب كتاب منظوم إلى الإمام السجاد عليه السلام باسم ( المخمسات ) في نسخة محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي قدس سره ذكرها السيد أحمد الحسيني في التراث العربي في تلك الخزانة ( 5 / 28 ) أوله : تبارك ذو العلى والكبرياء * تفرد بالجلال وبالبقاء وسوى الموت بين الخلق طرا * وكلهم رهائن للفناء رقم النسخة ( 5557 ) وتاريخها ( 903 ) . ‹ هامش ص 173 › ( 1 ) الاحتجاج ( 316 - 317 ) وبحار الأنوار ( 46 : 50 - 51 ) . ‹ هامش ص 174 › ( 1 ) تهذيب الكمال للمزي ( 5 / 7 - 78 ) . ( 2 ) لاحظها في حلية الأولياء ، وصفوة الصفوة ، وكشف الغمة . ‹ هامش ص 175 › ( 1 ) مستدرك الوسائل ( 2 : 186 ) أبواب العود إلى منى ، الباب ( 17 ) الحديث ( 5 ) وطبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام ( 10 / 166 ) رقم ( 11770 ) . ويلاحظ أن الراوي عن الإمام مسمى ب‍ ( شبلي ) وليس في الرواة عنه ، ولا من عاصره من هو بهذا الاسم ، ولعله مصحف ( شيبة ) وهو ابن نعامة ، المذكور في أصحابه عليه السلام . ( 2 ) حلية الأولياء ( 3 : 141 ) وفرائد السمطين للحمويني ( 2 : 233 ) وكشف الغمة ( 2 : 103 - 105 ) ولاحظ : المقنعة للشيخ المفيد ( ص 363 ) الباب ( 32 ) ووسائل الشيعة ، كتاب الصوم ، أبواب بقية الصوم الواجب ، الباب ( 10 ) الحديث ( 1 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 175 - 181
ت الخلق مختلفة فما أكثر من ينبو عن المال الحرام ، وإن كثر ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرما . فإذا وجدتموه يعف عن ذلك ، فرويدا لا يغرنكم ! ‹ صفحة 176 › حتى تنظروا ما عقدة عقله ؟ فما أكثر من ترك ذلك أجمع ، ثم لا يرجع إلى عقل متين ، فيكون ما يفسد بجهله أكثر مما يصلحه بعقله . فإذا وجدتم عقله متينا ، فرويدا لا يغرنكم ! حتى تنظروا ، أمع هواه يكون على عقله ، أم يكون مع عقله على هواه ؟ وكيف محبته للرئاسات الباطلة ؟ وزهده فيها ؟ فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة ، بترك الدنيا للدنيا ، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة ، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة ، حتى إذا قيل له : ( اتق الله ) أخذته العزة بالإثم ، فحسبه جهنم ولبئس المهاد ( 1 ) . فهو يخبط خبط عشواء ، يوفده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة ، ويمد به - بعد طلبه لما لا يقدر عليه - في طغيانه ، فهو يحل ما حرم الله ، ويحرم ما أحل الله ، لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرئاسة التي قد شقي من أجلها . فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابا مهينا ( 2 ) . ولكن الرجل ، كل الرجل ، نعم الرجل : هو الذي جعل هواه تبعا لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضا الله ، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد ، من العز في الباطل ، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وأن كثير ما يلحقه من سرائها - إن اتبع هواه - يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول . فذلكم الرجل ، نعم الرجل : فبه فتمسكوا ، وبسنته فاقتدوا ، وإلى ربكم فتوسلوا ، فإنه لا ترد له دعوة ، ولا يخيب له طلبة ( 3 ) . ولحن هذا الكلام ، يعطي أنه خطاب عام وجهه الإمام إلى مستمعيه ، أو من طلب منه الإجابة عن سؤال حول من يجب الالتفاف حوله والأخذ منه ؟ ‹ صفحة 177 › ومهما يكن ، فإن كلام الإمام عليه السلام يبدو واضحا قاطعا للعذر ، وهو غير متهم في موقفه من الزهد والتواضع ، وما إلى ذلك مما يراد استغلاله من قبل المشعوذين ، لإغراء العوام ، وإغواء الجهال . إن فيه تحذيرا من علماء السوء ، المتزيين بزي أهل الصلاح ، والمتظاهرين بالورع والتقى ، ولكنهم يبطنون الخبث والمكر ، والدليل على ذلك ارتباطهم الوثيق بأهل الدنيا والرئاسات الباطلة ، من الحكام والولاة وأصحاب الأموال . وسيأتي الحديث عن موقفه من أعوان الظلمة في الفصل الخامس . 5 - إرعاب الظالمين : إن الواقعية التي التزمها الإمام زين العابدين عليه السلام في حياة الزهد والعبادة ، كما انفتحت له بها قلوب الناس الطيبين ، فكذلك اقتحم بها على الظالمين أبراجهم ، وقصورهم ، فملأ أثوابهم خيفة ورهبة ، كما غشى عيونهم وأفكارهم بما رأوه عليه من المظهر الزاهد ، والاشتغال بالعبادة . ولقد قرأنا في حديث مسلم بن عقبة - سفاح الحرة - لما طلب الإمام ، فأكرمه ، وقد كان مغتاظا عليه ، يبرأ منه ومن آبائه ، فلما رآه - وقد أشرف عليه - أرعب مسلم بن عقبة ، وقام له ، وأقعده إلى جانبه ! فقيل لمسلم : رأيناك تسب هذا الغلام وسلفه ، فلما أتي به إليك رفعت منزلته ؟ فقال : ما كان ذلك لرأي مني ، لقد ملئ قلبي منه رعبا ( 1 ) . وسنقرأ في حديث عبد الملك بن مروان ، لما جلب الإمام مقيدا مغلولا من المدينة إلى الشام ، فلما دخل عليه الإمام عليه السلام بصورة مفاجئة قال لعبد الملك : ما أنا وأنت ؟ قال عبد الملك : قلت : أقم عندي . فقال الإمام : لا أحب ، ثم خرج . قال عبد الملك : فوالله ، لقد امتلأ ثوبي منه خيفة ( 2 ) . ‹ صفحة 178 › ومهما يكن من تدخل أمر ( الغيب ) في هذه القضايا ، وفرضه لنفسه على البحث ، إلا أن من المعلوم كون تصرف الإمام عليه السلام نفسه ، وحياته العملية وتوجهاته المعنوية ، وتصرفاته المعلنة في الأدعية ، والمواعظ ، والخطب والمواقف ، وما تميزت به من واقعية ، كل هذا - المجهول لأولئك العمي البصائر - قد أصبح أمرا يهز كيانهم ، ويزعزع هدوءهم ، ويملؤهم بالرعب والخيفة . ولقد استغل الإمام ذلك لصالح أهدافه الدينية وأغراضه الاجتماعية . ومع كل هذا التعرض والتحدي ، وكل هذه الأبعاد المدركة والآثار المحسوسة ، مع دقتها وعمقها ، فإن التحفظ على ما في ظواهرها ، وجعلها ( روحية ) فقط وعدم الاعتقاد بكونها نتائج طبيعية من صنع الإمام وإرادته ، يدل على سذاجة في قراءة التاريخ ، وظاهرية في التعامل مع الكلمات والأحداث ، وقصور في النظر والحكم . وكذلك الاستناد إلى كل تلك المظاهر ، ومحاولة إدراج الإمام مع كبار الصوفية ، وجعله واحدا منهم ( 1 ) ، فهو بخلاف الإنصاف والعدل ؟ ! ولماذا يقع اختيار عبد الملك الخليفة على الإمام عليه السلام ، من بين مجموعة الزهاد والعباد ، ليوجه إليه الإهانة ، ويلقي القبض عليه ، ويكبله بالقيود والأغلال ، ويرفعه إلى دمشق ؟ ! دون جميع المتزهدين والعباد الآخرين ؟ ! بينما كل أولئك المتظاهرين بالزهد ، متروكون ، بل محترمون من قبل السلطان ، وأجهزة النظام ؟ ! لو لم يكن في عمل الإمام ما يثير الخليفة إلى ذلك الحد ! ‹ صفحة 179 › ثانيا : التزام البكاء على سيد الشهداء عليه السلام لقد صاحبت هذه الظاهرة الإمام زين العابدين عليه السلام مدة إمامته ونضاله ، بحيث لا يمكن المرور على أي مرفق من مرافق عمره الشريف ، أو أي موقف من مواقفه الكريمة ، إلا بالعبور من مجرى دموعه وفيض عيونه . ولا ريب أن البكاء ، كما أنه لا يتهيأ للإنسان إلا عند التأثر بالأمور الأكثر حساسية ، وإثارة وحرقة ، ليكون سببا للهدوء والترويح عن النفس . فكذلك هو وسيلة لإثارة القضية ، أمام الآخرين ، وتهييج من يرى دموع الباكي تنهمر ، ليتعاطف معه طبيعيا ، وعلى الأقل يخطر على باله التساؤل عن سبب البكاء ؟ وإذا كان الباكي شخصية مرموقة ، وذا خطر اجتماعي كبير ، مثل الإمام زين العابدين عليه السلام ، فإن ظاهرة البكاء منه ، مدعاة للإثارة الأكثر ، وجلب الاهتمام الأكبر ، بلا ريب . والحكام الظالمون ، فهم دائما يهابون الثوار في ظل حياتهم ، فيحاولون إسكاتهم بالقتل والخنق ، مهما أمكن ، ويتصورون ذلك أفضل السبل للتخلص منهم ، أو تطويقهم بالسجن والحبس . وكذلك هم يحاولون بكل جدية ، في إبادة آثار الثورة ومحوها عن الأنظار ، والأفكار حتى لا يبقى منها ولا بصيص جذوة . ولكنهم - رغم كل قدراتهم - لم يتمكنوا من اقتلاع العواطف التي تستنزف الدموع من عيون الباكين على أهليهم وقضيتهم ، فالبكاء من أبسط الحقوق الطبيعية للباكين . والإمام زين العابدين عليه السلام قد استغل هذا الحق الطبيعي في صالح القضية التي من أجلها راح الشهداء صرعى على أرض معركة كربلاء . وإذا أمعنا النظر في تحليل التاريخ وتابعنا مجريات الأحداث ، التي قارنت كربلاء ، وجدنا أن المعركة لم تنته بعد ، وإنما الدماء الحمر ، أصبحت تجري اليوم دموعا حارة بيضا ، تحرق جذور العدوان ، وتجرف معها مخلفات الانحراف وتروي بالتالي أصول الحق والعدالة . ‹ صفحة 180 › وبينما يعد الطغاة ظاهرة البكاء دليلا على العجز والضعف والانكسار والمغلوبية ، فهم يكفون اليد عن الباكي ، لكون بكائه علامة لاندحاره أمام القوة ، وعلامة الاستسلام للواقع ، نجد عامة الناس ، يبدون اهتماما بليغا لهذه الظاهرة ، تستتبع عطفهم ، وتستدر تجاوبهم إلى حد ما ، وأقل ما يبدونه هو نشدانهم عن أسباب البكاء ؟ وتزداد كل هذه الأمور شدة إذا كان الباكي رجلا شريفا معروفا ! وبالأخص إذا كان يفيض الدمعة بغزارة فائقة ، وباستمرار لا ينقطع ! كما كان من الإمام زين العابدين عليه السلام ، حتى عد في البكائين ، وكان خامسهم بعد آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وجدته فاطمة الزهراء ( 1 ) . إن البكاء على شهداء كربلاء ، وثورتها ، لم يكن في وقت من الأوقات أمر حزن ناتج من إحساس بالضعف والانكسار ، ولا عبرة يأس وقنوط ، لأن تلك الأحداث ، بظروفها ومآسيها قد مضت ، وتغيرت ، وذهب أهلوها ، وعرف حقها من باطلها ، وأصبحت للمقتولين كرامة وخلودا ، وللقاتلين لعنة ونقمة ، لكن البكاء عليهم وعلى قضيتهم ، كان أمر عبرة وإثارة واستمداد من مفجرها ، وصانع معجزتها ، وحزنا على عرقلة أهدافها المستلهمة من ثورة الإسلام التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم . والدليل على كل ذلك أن لكل حزن أمدا ، يبدأ من حين المصيبة إلى فترة طالت أو قصرت ، وينتهي ولو بعد جيل من الناس . أما قبل حدوث المصيبة ، فلم يؤثر في المعتاد ، أو المعقول للناس ، أن يبكوا لشئ . لكن قضية الحسين أبي عبد الله عليه السلام ، قد أقيمت الأحزان عليها قبل وقوعها بأكثر من نصف قرن ، واستمر الحزن عليها إلى الأبد ، فهي إلى القيامة باقية . والذين أثاروا هذا الحزن ، قبل كربلاء ، وأقاموا المآتم بعد كربلاء : هم الأئمة من أهل البيت عليهم السلام . فمنذ ولد الحسين عليه السلام أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم مآتم على سبطه الوليد ذلك اليوم ، الشهيد بعد غد . ‹ صفحة 181 › فكيف يقيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجلس الحزن على قرة عينه ، يوم ولادته ، أهكذا يستقبل العظماء مواليدهم ؟ أو لا يجب أن يستبشروا بالولادات الجديدة ، ويتهادوا التهاني والأفراح والمسرات ؟ ! وتتكرر المجالس التي يعقدها الرسول العظيم ، ليبكي فيها على وليده ، ويبكي لأجله كل من حوله ، وفيهم فاطمة الزهراء عليها السلام أم الوليد ، وبعض أمهات المؤمنين ، وأشراف الصحابة ( 1 ) . وحقا عد ذلك من دلائل النبوة ومعجزاتها ( 2 ) . وهكذا أقام الإمام علي عليه السلام ، مجلس العزاء على ولده الحسين عليه السلام ، لما مر على أرض كربلاء ، وهو في طريقه إلى صفين ، فوقف بها ، فقيل : هذه كربلاء ، قال : ذات كرب وبلاء ، ثم أومأ بيده إلى مكان ، فقال : هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم ، وأومأ بعده إلى موضع آخر ، فقال : هاهنا مهراق دمائهم ( 3 ) . ونزل إلى شجرة ، فصلى إليها ، فأخذ تربة من الأرض فشمها ، ثم قال : واها لك من تربة ، ليق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 175 › ( 1 ) مستدرك الوسائل ( 2 : 186 ) أبواب العود إلى منى ، الباب ( 17 ) الحديث ( 5 ) وطبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام ( 10 / 166 ) رقم ( 11770 ) . ويلاحظ أن الراوي عن الإمام مسمى ب‍ ( شبلي ) وليس في الرواة عنه ، ولا من عاصره من هو بهذا الاسم ، ولعله مصحف ( شيبة ) وهو ابن نعامة ، المذكور في أصحابه عليه السلام . ( 2 ) حلية الأولياء ( 3 : 141 ) وفرائد السمطين للحمويني ( 2 : 233 ) وكشف الغمة ( 2 : 103 - 105 ) ولاحظ : المقنعة للشيخ المفيد ( ص 363 ) الباب ( 32 ) ووسائل الشيعة ، كتاب الصوم ، أبواب بقية الصوم الواجب ، الباب ( 10 ) الحديث ( 1 ) . ‹ هامش ص 176 › ( 1 ) اقتباس من القرآن الكريم ، سورة البقرة ( 2 ) الآية : 206 . ( 2 ) اقتباس من القرآن الكريم ، سورة الأحزاب ( 33 ) الآية ( 57 ) . ( 3 ) الاحتجاج ( ص 320 - 321 ) . ‹ هامش ص 177 › ( 1 ) مروج الذهب ( 3 : 80 ) وانظر ما مضى ص ( 71 ) الفصل الأول . ( 2 ) تاريخ دمشق ( الحديث 42 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 4 - 235 ) . ‹ هامش ص 178 › ( 1 ) لاحظ الفكر الشيعي ( ص 31 و 68 ) والصلة بين التصوف والتشيع ( ص 148 ) و ( ص 151 و 157 ) وانظر خاصة ( ص 161 ) . ‹ هامش ص 180 › ( 1 ) الخصال للصدوق ( ص 272 ) وأمالي الصدوق ( المجلس 29 ) ص ( 121 ) ‹ هامش ص 181 › ( 1 ) إقرأ عن المجالس التي أقامها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كتاب : سيرتنا وسنتنا للأميني ، ولاحظ تاريخ دمشق لابن عساكر ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ( ص 165 - 185 ) . ( 2 ) دلائل النبوة للبيهقي ( 6 : 468 ) ومسند أحمد ( 3 : 242 و 265 ) وانظر أمالي الصدوق ( ص 126 ) ودلائل النبوة ، لأبي نعيم ( ص 709 ) رقم ( 492 ) . ( 3 ) وقعة صفين ( ص 141 ) والمصنف لابن أبي شيبة ( 15 : 98 ) رقم ( 191214 ) وكنز العمال ( 7 : 105 و 110 ) وأمالي الصدوق المجلس ( 78 ) ( ص 478 و 479 ) . ( 4 ) تاريخ دمشق لابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ) ( ص 235 ) رقم 280 وانظر الأرقام ( 236 - 239 ) . ( 5 ) أمالي الصدوق ( المجلس ( 24 ) ص 101 ) . ( 6 ) فضل زيارة الحسين للعلوي ( ص 41 ) الحديث ( 13 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 181 - 188
لن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب ( 4 ) . ورثاه أخوه الحسن عليه السلام وقال له : لا يوم كيومك يا أبا عبد الله . . . ويبكي عليك كل شئ . . . ( 5 ) . وحتى الحسين عليه السلام نفسه ، نعى نفسه ودعا إلى البكاء على مصيبته ، وحث المؤمنين عليه ، حيث قال : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى ( 6 ) . وهكذا الأئمة عليهم السلام بعد الحسين ، أكدوا على البكاء على الحسين بشتى الأشكال . ‹ صفحة 182 › لكن الإمام زين العابدين عليه السلام : قد تحمل أكبر الأعباء ، في هذه المحنة ، إذ عايش أسبابها ، وعاصر أحداثها ، بل باشر جراحها وآلامها ، فكان عليه أن يؤدي رسالتها ، لأنه شاهد صدق من أهلها ، بل الوحيد الذي ملك أزمة أسرارها ، ولا بد أن يمثل أفضل الأدوار التي لم يبق لها ممثل غيره ، ولم تبق لها صورة في أي منظار ، غير ما عنده ! وإذا عرفنا بأن الإمام زين العابدين عليه السلام هو أوثق من يروي حديث كربلاء ، فهو أصدق الناقلين له ، وخير المعبرين عنه بصدق . وأما أهداف شهداء كربلاء التي من أجلها صنعت ، فلا بد لها أن تستمر ، ولا تنقطع عن الحيوية ، في ضمير الناس ووجدانهم ، حتى تستنفد أغراضها . وبينما الحكام التائهون لا يعبأون ببكاء الناس ، فإن الإمام زين العابدين عليه السلام اتخذ من البكاء عادة ، بل اعتمدها عبادة ، فقد كانت - وفي تلك الفترة بالذات - وسيلة هامة لأداء المهمة الإلهية التي حمل الإمام عليه السلام أعباءها . والناس ، لما رأوا الإمام زين العابدين عليه السلام يذرف الدموع ليل نهار ، لا يفتأ يذكر الحسين الشهيد ومصائبه ، فهم : بين من يدرك : لماذا ذلك البكاء والحزن ، والدمع الذارف المنهمر ، والحزن الدائب المستمر ؟ وعلى من يبكي الإمام عليه السلام ؟ فكان ذلك سببا لاستمرار الذكرى في الأذهان ، وحياتها على الخواطر ، وبقاء الأهداف حية نابضة ، في الضمائر ووجدان التاريخ ، وتكدس النقمة والنفرة من القتلة الظلمة . وبين من يعرف الإمام زين العابدين بأنه الرجل الفقيه ، الزاهد في الدنيا ، الصبور على مكارهها ، فإنه لم يبك بهذا الشكل ، من أجل أذى يلحقه ، أو قتل أحد ، أو موت آخر ، فإن هذه الأمور هي مما تعود عليها البشر - على طول تاريخ البشرية - بل هي سنة الحياة . كما قال القائل : له ملك ينادي كل يوم * لدوا للموت وابنوا للخراب ‹ صفحة 183 › وخصوصا النبلاء والنابهين ، والأبطال الذين يقتحمون الأهوال ويستصغرونها من أجل أهداف عظام ومقاصد عالية رفيعة . فبكاء مثله ، ليس إلا لأجل قضية أكبر وأعظم ، خاصة البكاء بهذا الشكل الذي لا مثيل له في عصره ( 1 ) . لقد ركز الإمام زين العابدين


 

رد مع اقتباس
قديم 12-24-2010, 10:07 PM   #12
الشيخ حسن العبد الله
مشرف


الصورة الرمزية الشيخ حسن العبد الله
الشيخ حسن العبد الله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 232
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 03-18-2014 (09:42 PM)
 المشاركات : 352 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



عليه السلام على قدسية بكائه لما سئل عن سببه ؟ فقال : لا تلوموني . فإن يعقوب عليه السلام فقد سبطا من ولده ، فبكى ، حتى ابيضت عيناه من الحزن ، ولم يعلم أنه مات . . وقد نظرت إلى أربعة عشر ( 2 ) رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة ! فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا ؟ ! ( 3 ) . إنه عليه السلام في الحين الذي يربط عمله بما في القرآن من قصة يعقوب وبكائه ، وهو نبي متصل بالوحي والغيب ، إذ لا ينبع فعله عن العواطف الخالية من أهداف الرسالات الإلهية . وفي الحين الذي يمثل لفاجعة الطف في أشجى مناظرها الدامية ، وبأقصر عبارة وافية . فهو يؤكد على تبرير بكائه ، بحيث يعذره كل سامع . وفي حديث آخر : جعل الإمام عليه السلام من قضية كربلاء مدعاة لكل الناس إلى إحيائها ، وتزويدها بوقود الدموع ، وإروائها بمياه العيون ، ولا يعتبرونها قضية خاصة بعائلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحسب ، بل هي مصاب كل الناس ، وكل الرجالات الذين لهم ‹ صفحة 184 › كرامة في الحياة ، أو يحسون بشئ اسمه الكرامة ، أو شخص يحس بالعاطفة ، فهو يقول : وهذه الرزية التي لا مثلها رزية . أيها الناس ، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله ؟ أم أي فؤاد لا يحزن من أجله ؟ أم أي عين منكم تحبس دمعها ؟ ( 1 ) . وكان عليه السلام يحث المؤمنين على البكاء ويقول : أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتى تسيل على خده ، بوأه الله تعالى بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا . وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خديه مما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا ، بوأه الله منزل صدق ( 2 ) . وكان البكاء واحدا من الأساليب التي جعلها وسيلة لإحياء ذكرى كربلاء ، وقد استعمل أساليب أخرى . منها : زيارة الحسين عليه السلام : قال أبو حمزة الثمالي : سألت علي بن الحسين ، عن زيارة الحسين عليه السلام ؟ فقال : زره كل يوم ، فإن لم تقدر فكل جمعة ، فإن لم تقدر فكل شهر ، فمن لم يزره فقد استخف بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( 3 ) . ومنها : الاحتفاظ بتراب قبر الحسين عليه السلام : فكانت له خريطة ديباج صفراء ، فيها تربة قبر أبي عبد الله عليه السلام ، فإذا حضرت الصلاة سجد عليها ( 4 ) . ‹ صفحة 185 › ومنها : خاتم الحسين عليه السلام : فقد كان الإمام زين العابدين عليه السلام يتختم بخاتم أبيه الحسين عليه السلام ( 1 ) . كما كان ينقش على خاتمه : ( خزي وشقي قاتل الحسين بن علي عليه السلام ) ( 2 ) . ومن المؤكد أن الإمام عليه السلام لم يتبع هذه الأساليب لمجرد الانعطاف مع العواطف والسير وراءها ، ولا لضعف في نفسه ، أو لاستيلاء هول الفجيعة على روحه ، ولم يتخذ مواقفه من بني أمية نتيجة للحقد أو الانتقام الشخصي ، ممن له يد في مذبحة كربلاء . وإنما كان عليه السلام يلتزم بتلك الخطط ويتبع تلك الأساليب لإحياء الفكرة التي من أجلها قتل الحسين عليه السلام واستشهد هو وأصحابه على أرض كربلاء فضرجوا تربتها بدمائهم الزكية . ولقد أثبت ذلك بصراحة في حياته العملية : فقد كانت له علاقات طبيعية مع عوائل بعض الأمويين مثل مروان بن الحكم ، الذي التجأ بأهله وزوجته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان إلى بيت الإمام زين العابدين عليه السلام ، فأصبحوا تحت حمايته ، مع أربعمائة عائلة من بني عبد مناف ، مدة وجود الجيش الأموي في المدينة ، فأمنوا من استباحتهم لها وهتكهم الأعراض فيها ، في واقعة الحرة الرهيبة ( 3 ) . وبالإضافة إلى أن الأئمة عليهم السلام بعيدون عن روح الانتقام الشخصي وإنما يغضبون لله لا لأنفسهم ، فإنهم يشملون باللطف والرحمة النساء والأطفال في مثل تلك الظروف ، وبذلك يكسبون ود الجميع حتى الأعداء ، ويثبتون جدارتهم ، ولياقتهم ‹ صفحة 186 › لمنصب الإمامة والزعامة . فكسب الإمام زين العابدين عليه السلام بمواقفه اعتقاد الجهاز الحاكم فيه أنه ( خير لا شر فيه ) ( 1 ) وأنه ( مشغول بنفسه ) ( 2 ) . ذلك الاعتقاد الذي أفاد الإمام عليه السلام نوعا من الحرية في العمل في مستقبل تخطيطه ضد الحكم الأموي الغاشم ، وعزز موقعه الاجتماعي حتى تمكن من اتخاذ المواقف الحاسمة من الظالمين وأعوانهم . كما رسمت في سيرته الشريفة صور من صبره على المصائب والبلايا ، مما يدل على صلابته تجاه حوادث الدنيا ومكارهها ، وهي أمثلة رائعة للمقاومة والجلد . فعن إبراهيم بن سعد ، قال : سمع علي بن الحسين واعية في بيته ، وعنده جماعة ، فنهض إلى منزله ، ثم رجع إلى مجلسه ، فقيل له : أمن حدث كانت الواعية ؟ قال : نعم . فعزوه ، وتعجبوا من صبره . فقال : إنا أهل بيت نطيع الله في ما نحب ، ونحمده في ما نكره ( 3 ) . ونتمكن من استخلاص الهدف الأساسي من كل هذه الإثارات لقضية كربلاء وشهدائها خصوصا ذكر أبيه الإمام الشهيد عليه السلام من خلال الحديث التالي : قال عليه السلام لشيعته : عليكم بأداء الأمانة ، فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا ، لو أن قاتل أبي الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ائتمنني على السيف الذي قتله به ، لأديته إليه ( 4 ) . ففي الوقت الذي يشير فيه إلى مأساة قتل الحسين عليه السلام ، ويذكر بقتله ، ليحيي معالمها في الأذهان ، فهو يؤكد بأغلظ الأيمان على أن أمرا ( مثل أداء الأمانة ) يوجبه الإسلام ، هو فوق العواطف والأحاسيس الشخصية . وهو يوحي بأن الإمام الحسين عليه السلام إنما قتل من أجل تطبيق كل المبادئ التي ‹ صفحة 187 › جاء بها الإسلام ، والتي بعث بها جده النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن الإمام زين العابدين يريد الاستمرار على تلك المبادئ والخطط التي أنار الحسين الشهيد عليه السلام معالمها بوقود من دمه الطاهر . وهو في الوقت ذاته ، يرفع من قيمة البكاء أن يكون من أجل أمور مادية ولو كانت الدنيا كلها : ففي الخبر أنه عليه السلام نظر إلى سائل يبكي ! فقال عليه السلام : لو أن الدنيا كانت في كف هذا ثم سقطت منه ما كان ينبغي له أن يبكي ( 1 ) . ‹ صفحة 188 › ثالثا : التزام الدعاء ومن أبرز المظاهر الفذة في سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام الأدعية المأثورة عنه ، فقد تميز ما نقل عنه بالكثرة ، والنفس الطويل ، والشهرة التداول ، لما تحتويه من أساليب جذابة ومستهوية للقلوب ، تتجاوب معها الأرواح والنفوس ، وما تضمنته من معان راقية تتفاعل مع العقول والأفكار . وقد كان للأدعية التي أصدرها أبعاد فكرية واسعة المدى ، بالنصوص الحاسمة لقضايا عقائدية إسلامية ، كانت بحاجة إلى البت فيها بنص قاطع ، بعد أن عصفت بالعقيدة ، تيارات الإلحاد ، كالتشبيه والجبر والإرجاء ، وغيرها مما كان الأمويون وراء بعثها وإثارتها وترويجها ، بهدف تحريف مسيرة التوحيد والعدل ، تمهيدا للردة عن الإسلام ، والرجوع إلى الجاهلية الأولى . وفي حالة القمع والإبادة ، ومطاردة كل المناضلين الأحرار ، وتتبع آثارهم وخنق أصواتهم ، كان قرار الإمام زين العابدين عليه السلام باتباع سياسة الدعاء ، أنجح وسيلة لبث الحقائق وتخليدها ، وأءمن طريقة ، وأبعدها من إثارة السلطة الغاشمة ، وأقوى أداة اتصال سرية مكتومة ، هادئة ، موثوقة . كما كانت لنصوص الأدعية أصداء قوية في ميادين الأدب ، الذي له وقع كبير في نفوس الشعوب ، وخاصة الشعب العربي ، وله تركيز كثير في قرارات أذهان الناس وذاكرتهم . ولقد استخ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 181 › ( 1 ) إقرأ عن المجالس التي أقامها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كتاب : سيرتنا وسنتنا للأميني ، ولاحظ تاريخ دمشق لابن عساكر ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ( ص 165 - 185 ) . ( 2 ) دلائل النبوة للبيهقي ( 6 : 468 ) ومسند أحمد ( 3 : 242 و 265 ) وانظر أمالي الصدوق ( ص 126 ) ودلائل النبوة ، لأبي نعيم ( ص 709 ) رقم ( 492 ) . ( 3 ) وقعة صفين ( ص 141 ) والمصنف لابن أبي شيبة ( 15 : 98 ) رقم ( 191214 ) وكنز العمال ( 7 : 105 و 110 ) وأمالي الصدوق المجلس ( 78 ) ( ص 478 و 479 ) . ( 4 ) تاريخ دمشق لابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ) ( ص 235 ) رقم 280 وانظر الأرقام ( 236 - 239 ) . ( 5 ) أمالي الصدوق ( المجلس ( 24 ) ص 101 ) . ( 6 ) فضل زيارة الحسين للعلوي ( ص 41 ) الحديث ( 13 ) . ‹ هامش ص 183 › ( 1 ) أمالي الصدوق ( ص 121 ) ولاحظ بحار الأنوار ( 46 : 108 ) الباب ( 6 ) الحديث ( 1 ) . ( 2 ) يلاحظ أن المعروف في عدد المقتولين من أولاد علي وفاطمة عليهما السلام في كربلاء هم ( ستة عشر ) رجلا ، - الوسائل - المزار - الباب ( 65 ) تسلسل ( 19694 ) عن عيون أخبار الرضا عليه السلام ( 1 : 299 ) ولاحظ نزهة الناظر ( ص 45 ) . ( 3 ) كامل الزيارات ( ص 107 ) أمالي الصدوق ( المجلس 9 و 91 ) تيسير المطالب لأبي طالب ( ص 118 ) وتاريخ دمشق الحديث ( 78 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 239 ) وحلية الأولياء ( 3 : 138 ) . ‹ هامش ص 184 › ( 1 ) كامل الزيارات ( ص 100 ) مقتل الحسين عليه السلام للأمين ( ص 213 ) ولاحظ كتابنا هذا ( ص 66 ) . ( 2 ) ثواب الأعمال ( ص 83 ) . ( 3 ) فضل زيارة الحسين عليه السلام للعلوي ( ص 43 ) ح 17 . ( 4 ) بحار الأنوار ( 46 : 79 ) باب 5 ، الحديث 75 وعوالم العلوم ( ص 129 ) وباختصار في مناقب ابن شهرآشوب ( 4 / 162 ) عن مصباح المتهجد للشيخ الطوسي . ‹ هامش ص 185 › ( 1 ) نقش الخواتيم ، للسيد جعفر مرتضى ( ص 11 ) . ( 2 ) نقش الخواتيم ، للسيد جعفر مرتضى ( ص 25 ) الكافي ( 6 : 473 ) ومسند الرضا عليه السلام ( 2 : 365 ) وبحار الأنوار ( 46 : 5 ) . ( 3 ) أنساب الأشراف ( 4 : 323 ) تاريخ الطبري ( 5 : 493 ) ومروج الذهب ( 2 : 14 ) وكشف الغمة ( 2 : 107 : ) . ‹ هامش ص 186 › ( 1 ) قاله مسرف بن عقبة لما استباح المدينة ، انظر في ما مضى من كتابنا هذا ( ص 71 ) . ( 2 ) قاله الزهري لعبد الملك ، انظر ( ص 212 ) في ما يأتي . ( 3 ) تاريخ دمشق ومختصره لابن منظور ( 1 : 240 ) . ( 4 ) أمالي الصدوق ( ص 128 ) المجلس ( 43 ) . ‹ هامش ص 187 › ( 1 ) كشف الغمة ( 2 : 106 ) عن كتاب نثر الدرر للآبي .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 188 - 194
خدم الأئمة عليهم السلام تأثير الأدب في الناس ، فكانوا يهتمون بذلك ، سواء في تطعيم ما يصدرونه ، بألوان زاهية من الأدب العربي الراقي ، نثرا وشعرا ، كما كانوا يبعثون الشعراء على نظم القضايا الفكرية ، والحقة ، في أشعارهم ، ويروجونها بين الناس . ولقد استثار الأئمة عليهم السلام - على طول خط الإمامة - شعراء فطاحل من المتشيعين ، للنظم في قضايا عقيدية تؤدي إلى تثبيت الحق والدعوة إلى الإسلام من خلال مذهب أهل البيت عليهم السلام ، حتى اشتهر عنهم الحديث ( من قال فينا بيتا من ‹ صفحة 189 › الشعر ، بنى الله له بيتا في الجنة ) . ولقد كان لهذا التوجيه أثر آخر ، وهو انتشال الأدب - وخاصة الشعر - من مهاوي الرذيلة والمجون والاستهتار الذي سقط فيه والأدباء وخاصة الشعراء في تلك العصور المظلمة ، التي كادت تؤدي إلى ضياع جهود جبارة من ذوق الشعراء وفنهم في متاهات الأغراض الفاسدة ، وكذلك جهود الأمة في سماع ذلك الأدب الماجن ، ونقله وضبطه وتداوله ! وقد أثرت جهود الأئمة عليهم السلام بتعديل ذلك المجرى ، للسير في السبل الآمنة ، والأغراض الشرعية ، والتزام الأدب الهادف المؤدي إلى رفع المستوى الخلقي والفكري والثقافي . ولقد أثرى الإمام زين العابدين عليه السلام الأدب العربي : بمادة غزيرة من النصوص الموثوقة ، بشكل الأدعية التي تعد من أروع أمثلة الأدب العربي في النثر ( 1 ) . وامتازت بين مجموع ما روي عن الإمام زين العابدين من الأدعية ، تلك التي ضمنها ( الصحيفة السجادية ) التي تتلألأ بين أدعيته ، لأنها من تأليف الإمام نفسه ، وإملائه ، فلذلك فتح العلماء لها مجالا خاصا في التراث الإسلامي ، وأغدق عليها المبدعون بأجمل ما عندهم من مهارات في الخط والزخرفة ، وأولاها الداعون عناية فائقة في الالتزام والأداء ، والعلماء في الشرح والرواية ، فلنتحدث عنها في الصفحات الأخيرة من هذا الفصل . ‹ صفحة 190 › وأخيرا : مع الصحيفة السجادية هدفا ومضمونا أولا : مع الصحيفة هدفا إن التشيع ، وفي عصر الإمام زين العابدين عليه السلام خاصة - كان يواجه صعوبات بالغة الشدة ، حيث كان الظلم مستوليا على كل المرافق والمقدرات ، ولم يكن بالإمكان القيام بأية مقاومة إيجابية ، أو محاولة . فآخر ثورة تلك التي أعلنها الإمام الحسين عليه السلام في صد التعدي الغاشم ، كان قد قضي عليها ، وعلى جميع عناصرها بشكل دموي ، وبقي منهم ( غلام ) فقط ، وهو ( الإمام زين العابدين عليه السلام ) . وكانت الأوضاع الاجتماعية تسير باتجاه خطر ، خطورة الإجهاز على أساس النهضة ، وإخماد روح الوثبة الإسلامية ، بل القضاء على كل تفكير من هذا القبيل ، وتناسيه إلى الأبد . وأبرز نموذج لهذه المشكلة ، أن الإمامة - وهي الجهاز الوحيد الباقي من كل مرافق الحكومة الإسلامية العادلة - أصبحت على شرف التناسي عن الأذهان ، لأن نظام الحكم الأموي استولى على كل أجهزة الإعلام من المنبر ، والمحراب ، والمسجد ، واشترى ذمم كل ذوي النفوذ في الرأي العام من قاض وحاكم ووال ، وأصبحت كل الإمكانات في قبضة ( الخلافة ! ) وفي خدمة ( الخليفة ) ! أما الإمام زين العابدين ، فقد بقي وحيدا في مواجهة المشكلات ، مع أن الإرهاب والذعر كان يتحكم في الرقاب ، ويستولي على النفوس . في مثل هذه الظروف أصبح ( الدعاء ) ملجأ للإمام وللإمامة ، لا ، بل موقعا اتخذه الإمام زين العابدين عليه السلام للصمود والهجوم : صمود ماذا ؟ - صمود ذلك الفكر ، وذلك الهتاف ، وذلك الإيمان ، الذي جندت الدولة الأموية كل الإمكانات في العالم الإسلامي ضده . والهجوم على من ؟ ‹ صفحة 191 › - للهجوم على سلطة تمكنت من كل قواعد القدرة ، وسلبت من الأمة كل إمكانات المقاومة ! فكان الدعاء هو سلاح النضال . ومعنى ذلك : أنه إذا طوقت مقاومة ، أو فكرة ، أو نضال ، وأدت بها الظروف إلى مثل ما حصل في ( كربلاء ) إذ تعرض كل رجالها للإبادة الدامية ، ولم يبق سوى رجل ( واحد ) ووقع كل النساء والصغار في الأسر ، وتحت القيود ، وإذا لم تبق أية إمكانية للعمل المسلح ، والدفاع عن الحق بالقوة ، فإن هذا الرجل الوحيد لا تسقط عنه المسؤولية . إنه مسؤول أن يدرب الأمة على القناعة بأن على عاتقه إحياء الفكرة ، وتحريك الأحاسيس ، والدفاع عن ذلك الحق ، ولو بلسان الدعاء ، وجعل الرسالة مستمرة ولو بالأمل والرجاء ، ونقلها كذلك إلى الأجيال . إن الإمام زين العابدين عليه السلام : وإن كان قد فقد إمكانات التضحية والنضال المستميت إلى حد الشهادة ، كما فعل أبوه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء . وفقد إمكانات العمل الاجتماعي الحر ، كما قام به ابنه الإمام الباقر وحفيده الإمام الصادق عليهما السلام . لكنه لم يفقد فرصة المقاومة من طريق هذه الحربة النافذة في أعماق أشلاء النظام الحاكم ، والقابلة للتغلغل في أوساط المجتمع الفاسد ، والسارية مع كل نسيم ، والممكنة في كل الظروف ، والتي اسمها ( الدعاء ) . وإن قيل : إن هذا هو من أضعف فروض النضال والجهاد ؟ قلنا : نعم ، لكن الدعاء أمر ضروري حتى لو كان الإنسان في غير هذه الحال ، فلو كان بإمكانه النضال والمقاومة ، بأشكال أخر ، أقوى وأقدر ، فإن من المستحيل استغناؤه عن الدعاء ، وليس بالإمكان أن يمنع من هذا النضال ، ولو كان أضعف ، فلا بد له أن يكون قادرا على عملية الدعاء ، وأن يضمر في نفسه الارتباط بربه ، وأن يعلن عن أفكاره وعقائده بأسلوب المناجاة والدعاء ، ويعبر عن آماله وآلامه ، ومكنون نفسه ، وأن يبرز هتافاته ، وأن يطالب برعباته المهضومة ، والمغصوبة ‹ صفحة 192 › على أن من الضروري لكل مناضل أن يركز معتقداته ، ويحدد مواقعه الفكرية ويحصن أصول دينه ، حتى يكون على بصيرة من أمره ، فيوحي إلى ذاته بالحق ، ويوصي نفسه بالصبر عليه ، بالدعاء . وليس في المقدور لأية سلطة حاكمة أن تسلبه هذه القدرة ، أو أن تحاسبه على هذه الإرادة . وفي مثل هذا التركيز والتحديد يكمن سر خلود الإنسان ، عندما يكون مهددا بالإبادة . والنطق بالدعاء . وسيلة للإعلان عن المعتقدات وتبليغ الرسالات وتنمية الشعور بالمسؤليات ، في أحلك الظروف وأحرجها ، وبث روح النضال والمقاومة ، وتوثيق الرابطة الفكرية ، وتأكيد التعهدات الاجتماعية ، وتثبيت العواطف الصالحة ، حبا بالتولي والإعلان عنه ، وبغضا بالتبري وإبدائه ، وتعميق الوعي العقائدي بين الأمة ، وتهيئة الأجواء - روحيا وفكريا وجسميا - للإعداد للمسؤوليات الكبرى ، كل ذلك في ظروف جندت فيه القوى المضادة ، للقضاء على الأهداف كلها . إن الإمام في مثل ذلك عليه أن يخطط للعمل ، عندما لا يستطيع المؤمن من القيام بأي عمل ، حتى الموت الشريف ، بعزة وكرامة ، حيث لا طريق إلى اختيار الشهادة كسلاح أخير ، لأن الشهادة - أيضا - تحتاج إلى أرضية وظروف مؤاتية ، ومعركة ، كي يتسنى للشهيد أن يفجر بدمه الوضع ، ويكسر الصمت ، وإلا فهو الموت الصامت غير المؤثر ، المهمل الذي لا يستفيد منه إلا العدو . والإمام زين العابدين عليه السلام أصبح قدوة للنضال في مثل هذه الظروف بكل سيرته ، ووجوده ، ومصيره ، وسكوته ، ونطقه ، وخلقه ، ورسم بذلك منهاجا للعمل في مثل هذه الأزمات . إنه رسم الإجابة عن كل الأسئلة التي تطرح : عن العمل ضد إمبراطورية ضارية ، مستحوذة على كل المرافق والقدرات ؟ ! وعن الصمت الثقيل القاتل ، المطبق ، الذي يستحيل فيه التفوه بكلمة الحق ، كيف يمكن أن يكسر ؟ وعن أسلوب شخصي لعرض جميع الطلبات والقيم والعواطف ؟ ‹ صفحة 193 › إن الصحيفة السجادية هي : كتاب الجهاد عند الوحدة ! وكتاب التعبير عند الصمت ! وكتاب التعبئة عند النكسة ! وكتاب الهتاف عند الوجوم ! وكتاب التعليم بالشفاه المختومة ! وكتاب التسلح عند نزع كل سلاح ! وهو قبل هذا وبعده ، كتاب ( الدعاء ) . إن الدعاء - كما يقول الدكتور الفرنسي الكسيس كارل - : ( تجل للعشق والفاقة ) وقد أضاف الإسلام إلى هذين : ( التوعية ) . وفي مدرسة الإمام زين العابدين عليه السلام يأخذ الدعاء بعدا رائعا هو تأثيره الاجتماعي الخاص . وبكلمة جامعة : إن الدعاء في مدرسة الإمام زين العابدين - في الوقت الذي يعد كنزا لأعمق التوجهات ، وأحر الأشواق ، وأرفع الطلبات - منهاج يتعلم فيه المؤمن تخطيطا متكاملا للوجود والتفكير والعمل ، على منهج الإمامة وبقيادة حكيمة تستلهم التعاليم من مصادر الوحي . ثانيا : مع الصحيفة السجادية مضمونا : إن الحديث عن هذا الكتاب العظيم وأثره العلمي والديني عقيديا وحضاريا وأثره الاجتماعي يحتاج إلى تفرغ وتخصص ، وإلى وقت ومجال أوسع من هذا الفصل ، ولا ريب أن النظر فيه سيوقف القارئ على مقاطع رائعة تدل على مفردات ما نقول بوضوح وصراحة . وإذا أخذ الإنسان بنظر الاعتبار ظروف الإمام زين العابدين عليه السلام وموقعه الاجتماعي وقرأ عن طغيان الحكام وعبثهم ، وقارن بين مدلول الصحيفة ومؤشرات التصرفات التي قام بها أولئك الحكام ، اتضح له أن الإمام قد قام من خلالها بتحد صارخ للدولة ومخططاتها التي استهدفت كيان المجتمع الإسلامي لتزعزعه . ‹ صفحة 194 › وإذ لا يسعنا الدخول في غمار هذا البحر الزخار لاقتناص درره فإنا نقتصر على إيراد مقطعين من أدعية الصحيفة ، يمثلان صورة عما جاء فيها ، مما تبرز فيه معالم التصدي السياسي الذي التزمه الإمام عليه السلام بمنطق الدعاء . المقطع الأول : دعاؤه لأهل الثغور : إن الإمام ، لكونه الراعي الإلهي ، المسؤول عن رعيته وهي الأمة ، يكون الحفاظ على وجود الإسلام ، من أهم واجباته التي يلتزمها ، فلا بد من رعاية شعائره ، واستمرار مظاهره ، ومتابعة مصالحه العامة ، وتقديمها على غيرها من المصالح الخاصة بالأفراد ، أو الأعمال الجزئية الفرعية ، فالحفاظ على سمعة الإسلام وحدوده ، أهم من الالتزام بفروع الدين وواجباته ومحرماته ، إذا دار الأمر بينه وبينها . ففي سبيل ذلك الهدف العام السامي ، لا بد من تجاوز الاهتمامات الصغيرة ، والمحدو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 189 › ( 1 ) لاحظ مقال : من أدب الدعاء في الإسلام ، مجلة تراثنا ، العدد ( 14 ) السنة الرابعة ( 1409 ) ( ص 30 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 194 - 199
ة ، بالرغم من كونها في أنفسها ضرورات ، لا بد من القيام بها في الظروف العادية ، لكنها لا تعرقل طريق الأهداف العامة الكبرى . فالاسلام : كدين ، ليس قائما بالأشخاص ، ولا يتأثر بتصرفاتهم الخاصة ، في مقابل ما يهدده من الأخطار الكبيرة ، فكرية أو اجتماعية أو عسكرية ، فإذا واجه الإسلام خطر يهدد التوحيد الممثل بكلمة ( لا إله إلا الله ) أو الرسالة المتجلية في ( محمد رسول الله ) فإن الإمام يتجاوز كل الاعتبارات ويهب للدفاع عن هذين الركنين الأهم ، وحتى لو كان على حساب وجود الإمام نفسه ، أو عنوان إمامته ، فضلا عن مصالحه الخاصة ، وشؤونه وصلاحياته . ومن هذا المنطلق ، يمكن تحديد المواقف الهامة للأئمة من أهل البيت عليهم السلام : فسكوت الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام عن مطالبته بحقه ، ولجوء الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إلى توقيع كتاب الصلح مع معاوية ، وتضحية الإمام الحسين الشهيد عليه السلام بنفسه في كربلاء . كل ذلك نحدده على أساس متحد ، وهو رعاية المصلحة الإسلامية العامة ، والحفاظ على كيان الإسلام لئلا يمسه سوء . وبهذا - أيضا - نميز وقوف الإمام زين العابدين عليه السلام للدعاء لأهل الثغور . ومن هم أهل الثغور في عصره ؟ ‹ صفحة 195 › ليس للدعاء تاريخ محدد ، حتى نعرف الفترة التي أنشئ فيها الدعاء بعينها ، إلا أنها لا تخرج من مجمل الفترة التي عايشها الإمام زين العابدين عليه السلام من سنة ( 61 ) إلى سنة ( 94 ) ولم تخرج عن حكم واحد من الخلفاء الأمويين . وحتى لو فرضنا إنشاءه في فترة حكم ( معاوية بن يزيد بن معاوية ) الذي عرف بولائه لأهل البيت عليهم السلام ، على قصرها ، فلا ريب أن نظام الحكم وأجهزة الدولة كافة ، وعناصر الإدارة ورموز السلطة لم تتغير ، وخاصة أهل الثغور الذين هم حرس الحدود ، لم يطرأ عليهم التغيير المبدئي ، في تلك الفترة القصيرة بتبدل الخليفة . ومن المعلوم : أن الذين يتجهون إلى حدود الدولة الإسلامية ، وهي أبعد النقاط عن أماكن الرفاه والراحة ، ليسوا إلا من سواد الناس ، ويمكن أن يكون اختيارهم لتلك الجهات البعيدة دليلا على ابتعادهم عن التورطات التي انغمس فيها أهل المدن في داخل البلاد . ومع ذلك ، يبقى التساؤل : عن دعاء الإمام عليه السلام بتلك القوة ، وذلك الشمول ، وبهذه اللهجة ، وهذا الحنان ، لحرس الحدود ، وهم جزء من جيش الحكومة الفاسدة ، ووحدة من وحدات كيان الدولة الظالمة ؟ إن الحقيقة التي عرضناها سابقا ، هي الجواب عن هذا التساؤل ، لأن مصلحة الإسلام ، ككل ، مقدمة على كل ما سواه من أمور الإسلام سواء فروع الدين ، أو عناوين الأشخاص ، أو مصالح الآخرين حتى الجماعات المعينة . ثم إن هذا الدعاء بنفسه دليل مقنع على أن الإمام زين العابدين عليه السلام لم يكن - كما شاء أن يصوره الكتاب الجدد - متخليا عن مركزه القيادي والسياسي ، كإمام يرعى مصلحة الإسلام ، والأمة الإسلامية . فمن خلال أوسع جبهاتها ، وهي الحدود الإسلامية ، المهددة دائما ، بلا شك ، من قبل الدول المجاورة الحاقدة على الإسلام الذي قهرها ، واستولى على مساحات من أراضيها ، فرض الإمام عليه السلام رعايته واهتمامه ، وبشكل الدعاء الذي لا يثير الحكام . وحرس الحدود أنفسهم ، مهما كانت هوياتهم ، لا يعدون أنصارا للحكومة ، بقدر ما هم محافظون على الأرض الإسلامية ، وكرامة الإسلام ، فإنهم مدافعون عن ثغوره ، ومراقبون لحماية خطوط المواجهة الإمامية : وهو أمر واجب على كل مسلم أن يبذل ‹ صفحة 196 › جهدا في إسناده ودعمه وتسديد القائمين به ، بكل شكل ممكن . وهذا هو الذي استهدفه الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه لأهل الثغور ، فهو ينبه الناس إلى خطورة هذا الواجب ويهيج الأحاسيس تجاه الثغور وحمايتها . ومهما كان الحكام في الداخل ، يعيثون فسادا ، فإنهم لا محالة زائلون ، ومهما جدوا في التقتيل والظلم والإجرام ، والتخريب فإنهم لن يتمكنوا من القضاء على كل معالم هذا الدين ، الذي يعد المسلمون الحفاظ عليه من واجباتهم . والإمام عليه السلام وإن كان معارضا للنظام الأموي ، ويجد في فضحه وتزييف عمله والكشف عن سوء إدارته ، ويحكم على القائمين به بالخروج عن الحق والعدل ، وهو لا يزال ينظر إلى مصارع شهداء كربلاء بعيون تملؤها العبرة ، لكنه يدعو بصوت تخنقه العبرة كذلك لأهل الثغور الإسلامية ، وباللهجة القوية القاطعة لكل عذر . وبالنبرة الحادة ذاتها التي يدعو بها لزوال حكم الظالمين ، يدعو لاستتباب الأمن والعدل والصلاح على أرض الإسلام . فلنقرأ معا هذا الدعاء العظيم : اللهم : صل على محمد وآله ، وحصن ثغور المسلمين بعزتك ، وأيد حماتها بقوتك ، وأسبغ عطاياهم من جدتك . اللهم : صل على محمد وآله ، وكثر عدتهم ، واشحذ أسلحتهم ، واحرس حوزتهم ، وامنع حومتهم ، وألف جمعهم ، ودبر أمرهم ، وواتر بين ميرهم ، وتوحد بكفاية مؤنهم ، واعضدهم بالنصر ، وأعنهم بالصبر ، والطف لهم في المكر . اللهم : صل على محمد وآله ، وعرفهم ما يجهلون ، وعلمهم ما لا يعلمون ، وبصرهم ما لا يبصرون . اللهم : صل على محمد وآله ، وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور ، وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون ، واجعل الجنة نصب أعينهم ، ولوح منها لأبصارهم ما أعددت ‹ صفحة 197 › فيها من مساكن الخلد ، ومنازل الكرامة ، والحور الحسان ، والأنهار المطردة بأنواع الأشربة ، والأشجار المتدلية بصنوف الثمر ، حتى لا يهم أحد منهم بالإدبار ، ولا يحدث نفسه عن قرنه بفرار . اللهم : افلل بذلك عدوهم ، وأقلم عنهم أظفارهم ، وفرق بينهم وبين أسلحتهم ، واخلع وثائق أفئدتهم ، وباعد بينهم وبين أزودتهم ، وحيرهم في سبلهم ، وضللهم عن وجههم ، واقطع عنهم المدد ، وانقص منهم العدد ، واملأ أفئدتهم الرعب ، واقبض أيديهم عن البسط ، واخزم ألسنتهم عن النطق ، وشرد بهم من خلفهم ، ونكل بهم من ورائهم ، واقطع بخزيهم أطماع من بعدهم . اللهم : عقم أرحام نسائهم ، ويبس أصلاب رجالهم ، واقطع نسل دوابهم وأنعامهم ، لا تأذن لسمائهم في قطر ، ولا لأرضهم في نبات . اللهم : وفق بذلك محال أهل الإسلام ، وحصن به ديارهم ، وثمر به أموالهم ، وفرغهم عن محاربتهم لعبادتك ، وعن منابذتهم للخلوة بك ، حتى لا يعبد في بقاع الأرض غيرك ، ولا تعفر لأحد منهم جبهة دونك . اللهم : اغز بكل ناحية من المسلمين على من بإزائهم من المشركين ، وامددهم بملائكة من عندك مردفين ، حتى يكشفوهم إلى منقطع التراب قتلا في أرضك وأسرا ، أو يقروا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك . اللهم : واعمم بذلك أعداءك في أقطار البلاد ، من الهند ، والروم ، والترك ، والخزر ، والحبش ، والنوبة ، والزنج ، والسقالبة ، والديالمة ، وسائر أمم الشرك الذين تخفى أسماؤهم وصفاتهم ، وقد أحصيتهم ، بمعرفتك ، وأشرفت عليهم بقدرتك . اللهم : أشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف المسلمين ، وخذهم بالنقص عن ‹ صفحة 198 › تنقيصهم ، وثبطهم بالفرقة عن الاحتشاد عليهم اللهم : أخل قلوبهم من الأمنة ، وأبدانهم من القوة ، وأذهل قلوبهم عن الاحتيال ، وأوهن أركانهم عن منازلة الرجال ، وجنبهم عن مقارعة الأبطال ، وابعث عليهم جندا من ملائكتك ببأس من بأسك ، كفعلك يوم بدر ، تقطع به دابرهم ، وتحصد به شوكتهم ، وتفرق به عددهم . اللهم : وامزج مياههم بالوباء ، وأطعمتهم بالأدواء ، وارم بلادهم بالخسوف ، وألح عليها بالقذف ، وأفرعها بالمحول ، واجعل ميرهم في أحص أرضك ، وأبعدها عنهم ، وامنع حصونها منهم ، أصبهم بالجوع المقيم والسقيم الأليم . اللهم : وأيما غاز غزاهم من أهل ملتك ، أو مجاهد جاهدهم من أتباع سنتك ليكون دينك الأعلى ، وحزبك الأقوى ، وحظك الأوفى ، فلقه اليسر ، وهيئ له الأمر ، وتوله بالنجح ، وتخير له الأصحاب ، واستقو له الظهر ، وأسبغ عليه في النفقة ، ومتعه بالنشاط ، وأطفئ عنه حرارة الشوق ، وأجره من غم الوحشة ، وأنسه ذكر الأهل والولد ، وأثر له حسن النية ، وتوله بالعافية ، وأصحبه السلامة ، وأعفه من الجبن ، وألهمه الجرأة ، وارزقه الشدة ، وأيده بالنصرة ، وعلمه السير والسنن ، وسدده في الحكم ، واعزل عنه الرياء ، وخلصه من السمعة ، واجعل فكره وذكره وظعنه وإقامته فيك ولك ، فإذا صاف عدوك وعدوه فقللهم في عينه ، وصغر شأنهم في قلبه ، وأدل له منهم ، ولا تدلهم منه . فإن ختمت له بالسعادة ، وقضيت له بالشهادة ، فبعد أن يجتاح عدوك بالقتل ، وبعد أن يجهد بهم الأسر ، وبعد أن تأمن أطراف المسلمين ، وبعد أن يولي عدوك مدبرين . اللهم : وأيما مسلم خلف غازيا ، أو مرابطا ، في داره ، أو تعهد خالفيه في غيبته ، أو أعانه بطائفة من ماله أو أمده بعتاد ، أو شحذه على جهاد ، أو أتبعه في وجهه دعوة ، أو رعى له من ورائه حرمة ، فأجر له مثل أجره ، وزنا بوزن ، ومثلا بمثل ، وعوضه من فعله عوضا حاضرا يتعجل به نفع ما قدم ، وسرور ما أتى به ، إلى أن ينتهي به الوقت إلى ما أجريت له من ‹ صفحة 199 › فضلك ، وأعددت له من كرامتك . اللهم : وأيما مسلم أهمه أمر الإسلام ، وأحزنه تحزب أهل الشرك عليهم ، فنوى غزوة ، أو هم بجهاد ، فقعد به ضعف ، أو أبطأت به فاقة ، أو أخره عنه حادث ، أو عرض له دون إرادته مانع ، فاكتب اسمه في العابدين ، وأوجب له ثواب المجاهدين ، واجعله في نظام الشهداء والصالحين . اللهم : صل على محمد عبدك ورسولك ، وآل محمد ، صلاة عالية على الصلوات ، مشرفة فوق التحيات ، صلاة لا ينتهي أمدها ، ولا ينقطع عددها ، كأتم ما مضى من صلواتك على أحد من أوليائك . إنك المنان ، الحميد ، المبدي ، المعيد ، الفعال لما تريد ( 1 ) . هذا على مستوى كيان عسكري مرتبط بالدولة ، وأما على مستوى الشعب فلنقرأ معا : المقطع الثاني : دعاء الاستسقاء بعد الجدب : حيث تتجلى فيه رعاية الإمام عليه السلام لحالة الأمة ، ومراقبته لأحوالها ، وبخصوص اقت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 199 › ( 1 ) الصحيفة السجادية ، الدعاء السابع والعشرون .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 199 - 208
تصادها الذي هو عصب حياتها ، فإذا رآه يتعرض للانهيار على أثر الجفاف ، ينبري عليه السلام لإنجاده بطريقته الخاصة ، التي لا تثير أحقاد الحكام ضده ، ولا تمكنهم من أخذ نقاط سياسية عليه ، ومع ذلك فهو يجلب أنظار الشعب المسلم المقهور ، المغلوب على أمره ، إلى أن هناك من يعطف عليه إلى هذا الحد ، ومن يراقب أوضاعه ، ويهتم بشؤونه ومشاكله . والإمام زين العابدين عليه السلام بهذا الشكل ، يفرض نفسه على الساحة السياسية ، وهو تدخل صريح في شؤون الأمة ، وظهور واضح على أرض العمل ، فإن الملجأ في مثل هذه المشاكل هم كبار القوم ، ومن لهم قدسية ، وفضل ، وتقدم على الآخرين ، ولا ‹ صفحة 200 › تشخص الأبصار في مثل ذلك إلا إلى الخليفة ! إن كانت له قابلية ما يدعي من مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتسنم أريكة الحكم ! والإمام زين العابدين عليه السلام بهذا الدعاء ، يثبت أنه الأحق بالتصدي لذلك المقام ، وأنه الملجأ الذي لا بد أن يوسط بين الأرض والسماء . هذا كله ، مع أن الأمة لم تقف إلى جانب الإمام عليه السلام ، ولم تراع حرمته في النسب ، ولاحقه في الإمامة ، بل خذلته ، حتى راح يقول : ( ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبنا ) . وليس المراد بذلك الحب مجرد العواطف والدموع والمجاملات ، فهؤلاء أهل الكوفة كانوا من أحذق الناس في ذرف دموع التماسيح على أهل البيت عليهم السلام بعنوان ( الحب ) حتى كان الإمام عليه السلام يستغيث من حبهم له ، ذلك الحب المعلن ، المبطن بالنفاق ، والذي انقلب على أبيه الإمام الحسين عليه السلام سيفا أودى به ! فليس الحب المطلوب لآل الرسول ، والذي دلت على لزومه آية المودة في القربى وأحاديث الرسول المصطفى ، هو الفارغ عن كل حق لهم في الحكم والإدارة ، أو الفقه والتشريع وعن كل معاني الولاء العملي ، والاقتداء والاتباع وإن ادعاه المحرفون ، أو حرفوه إلى مثل ذلك ، مكتفين لأهل البيت باسم ( الحب ) ( 1 ) . لكن قضية الأمة الإسلامية ، واقتصاد البلاد الإسلامية ، من القضايا المصيرية الكبرى ، التي لا توازيها الأضرار الصغيرة ولا الأخطاء الخاصة ، بل لا بد من تجاوز كل الاعتبارات في سبيل إحياء تلك القضايا الكبار . وبعد ، فلنعش في رحاب دعاء الاستسقاء : اللهم : اسقنا الغيث ، وانشر علينا رحمتك بغيثك المغدق ، من السحاب المنساق لنبات أرضك ، المونق في جميع الآفاق ، وامنن على عبادك بإيناع الثمرة ، وأحي بلادك ببلوغ الزهرة ، وأشهد ملائكتك الكرام السفرة بسقي منك نافع ، دائم غزره ، واسع درره ، وابل ، سريع ، عاجل ، ‹ صفحة 201 › تحيي به ما قد مات ، وترد به ما قد فات ، وتخرج به ما هو آت ، وتوسع به في الأقوات ، سحابا متراكما ، هنيئا مريئا ، طبقا مجلجلا ، غير ملث ودقه ، ولا خلب برقه . اللهم : اسقنا غيثا مغيثا ، مريعا ممرعا ، عريضا واسعا ، غزيرا ، ترد به النهيض ، وتجبر به المهيض . اللهم : اسقنا سقيا تسيل منه الظراب ، وتملأ منه الجباب ، وتفجر به الأنهار ، وتنبت به الأشجار ، وترخص به الأسعار في جميع الأمصار ، وتنعش به البهائم ، والخلق ، وتكمل لنا به طيبات الرزق ، وتنبت لنا به الزرع ، وتدر به الضرع ، وتزيدنا به قوة إلى قوتنا . اللهم : لا تجعل ظله علينا سموما ، ولا تجعل برده علينا حسوما ، ولا تجعل صوبه علينا رجوما ، ولا تجعل ماءه علينا أجاجا . اللهم : صل على محمد وآل محمد ، وارزقنا من بركات السماوات والأرض إنك على كل شئ قدير ( 1 ) . وهكذا فإن الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء الاستسقاء ، لا يحصر اهتمامه بما حوله من الأفراد والشؤون الخاصة ، بل يعمم اهتمامه على كل العباد وكل البلاد ، وينظر برقة ولطف إلى كل قضاياها الطبيعية والنفسية والمعاشية ، وحتى الجوية والزراعية وحتى طلب ( القوة ) . إن التأمل في مضامين هذا الدعاء يفتح آفاقا من سياسة الإمام السجاد عليه السلام . وهكذا ننتهي من هذا الفصل ، وقد وقفنا فيه على أبرز ما امتاز به الإمام زين العابدين عليه السلام من التزام العبادة ، والبكاء ، والدعاء ، ووجدنا كيف أن الإمام عليه السلام قد استخدم كل ذلك في تمرير خطته الحكيمة التي اتخذها لتثبيت قاعدة الإمامة الحقة ، وما في عمله من تعرض للحاكمين ، وتعريض بهم وبفساد تصرفاتهم ومخالفتهم ‹ صفحة 202 › للشريعة والدين . ومع أن الإمام كان يقوم بما يخصه ، ويعد من حقه الشخصي أن يتعبد ، ويبكي ، ويدعو ، فإننا نرى في أعماله نضالا سياسيا ، وتدبيرا حكيما ضد الحكومات . وسنقرأ في الفصل الآتي ، مواقف في مواجهة الحكام وأعوانهم الظلمة ، من دون غطاء أو تقية ، وهي المواقف الحاسمة التي وقفها الإمام زين العابدين عليه السلام منهم . ‹ صفحة 203 › الفصل الخامس مواقف حاسمة للإمام عليه السلام أولا - موقفه من الظالمين ثانيا - موقفه من أعوان الظلمة ثالثا - موقفه من الحركات المسلحة ‹ صفحة 205 › وبعد سنين من النضال المرير ، الذي قام به الإمام زين العابدين عليه السلام ، بالأساليب التي شرحنا صورا منها في الفصول السابقة ، والتي كان تطبيقها والاستفادة منها في تلك الظروف الحرجة لا يقل صعوبة عن إشهار السيف ، وفائدتها لا تقل عن دخول المعارك الضارية . فلقد أنتجت نتائجها الهائلة : فعززت موقع الإمام عليه السلام لكونه القائد الإلهي المسؤول عن هذا الدين ، وهذه الأمة ، والهادي لها . وتمكن - بالتزامه بالخطط الدقيقة المذكورة من أداء وظائف الإمامة ، وتجميع القوى المتبددة حول مركز الحق ، وتأسيس القاعدة لانطلاق الأئمة من بعده على أسس رصينة محكمة . وعززت تلك المواقف الاجتماعية العظيمة ، مكانة الإمام عليه السلام في أنظار الأمة ، باعتباره سيدا من أهل البيت عليهم السلام يتمتع بمكارم الأخلاق وفضائلها ، وعالما بالإسلام من أصفى ينابيعه وروافده ، ومحاميا عن الأمة . وكانت لهذه المواقع ، وهذه المكانة ، آثارها في تغيير أسلوب العمل السياسي . عند الإمام زين العابدين عليه السلام في الفترة التالية ، حيث نجد أن تعامله مع الحكام والأحداث يختلف عما سبق ، ويكاد الإمام عليه السلام يعلن عن المعارضة ، ويبدي التعرض للحكام . وكان من أبرز مظاهر هذا التعامل هو ما اتخذه من مواقف حاسمة تجاه الحكام الظالمين ، وتجاه أعوانهم ، وتجاه الحركات السياسية التي عاصرته . ‹ صفحة 206 › أولا : موقفه من الظالمين موقفه من يزيد : فقد اتخذ الإمام عليه السلام موقفا حكيما من يزيد - وهو من أعتى طغاة بني أمية وأخبثهم ، وأبعدهم عن كل معاني الدين والإنسانية والمروءة وحتى السياسة - فكان موقف الإمام عليه السلام منه فذا ، فلم يدع له مبررا للقضاء عليه ، مع أنه واجهه بكل الحقيقة التي لا يتحملها الطغاة ، بل أجبره على إطلاق سراح الأسرى من آل محمد ، وذلك بما صنعه الإمام عليه السلام من أجواء لمثل هذا الإجراء . فرجع الإمام عليه السلام إلى المدينة ليبدأ عمله طبق التخطيط الرائع الذي شرحنا صورا منه في هذه البحوث . وبعد أن قضى الإمام السجاد عليه السلام عمرا في تطبيق خططه القويمة في معارضة الدسائس التي كان يضعها الحكام من بني أمية ضد الدين وأهله ، وفضحها ، وحاول أن يبني ما كانوا يهدمونه ، ويهدم ما كانوا يبنونه ، وصد ما يحاولونه . وبعد تعزيز المواقع والمكانة لوجوده الشريف بين الأمة ، سواء من كان من أتباعه أو من عامة الناس ، لم يكن للحكام أن يتعرضوا للإمام عليه السلام من دون أن يكشفوا عن وجوههم أغطية التزوير ، وأقنعة الدجل والكفر والنفاق . فالإمام الذي ذاع صيته في الآفاق بالكرامة ، والإمامة ، والسيادة والشرف ، والتقى والعلم والحلم والعبادة والزهد ، أضف إلى ذلك حنانه وعطفه على الأمة ورعايته لشؤونها ، قد دخل أعماق القلوب ، وأصبح له من الاحترام والتقدير ما لا يكون من مصلحة الحكام التعرض له بأذى . كما يبدو أن الإمام عليه السلام بعد أن استنفذ أغراضه من خططه ، وعلم بأن الدولة الأموية وحكامها الحاقدين على الإسلام ورجاله وخاصة من أهل البيت عليهم السلام ، سوف يقضون على حياته إن عاجلا أو آجلا ، إن خفية أو علنا ، بدأ العمل الهجومي عليهم . فكان يفرغ ما بقي في كنانته من السهام على هيكل الحكم الأموي الفاسد ، والذي ‹ صفحة 207 › بدأ التنازل من كثير من المواقع الاستراتيجية التي كان يحتلها ، فقام الإمام عليه السلام بالإشهار بهم ، من خلال أعمال أصدق ما يقال فيها أنها الاستفزاز والتحرش السياسي . ومواقفه من عبد الملك بن مروان : قد رأينا أن الأمويين بكل مرافق أجهزتهم ، كانوا يرون من الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام خيرا لا شر فيه . وقد كانت علاقة مروان بن الحكم الأموي ، بالخصوص ، طيبة مع الإمام عليه السلام لما أبداه الإمام تجاهه من رعاية ، أيام وقعة الحرة ، وكان مروان شاكرا للإمام عليه السلام هذه المكرمة . وطبيعي أن يعرف عبد الملك بن مروان ، للإمام زين العابدين عليه السلام هذه اليد والمكرمة . ولذلك نراه ، لما ولي الخلافة ، يكتب إلى واليه على المدينة الحجاج الثقفي السفاك يقول : أما بعد : فانظر دماء بني عبد المطلب فاحتقنها واجتنبها ، فإني رأيت آل أبي سفيان بن حرب ( لما قتلوا الحسين ) لما ولغوا فيها ( نزع الله ملكهم ) لم يلبثوا إلا قليلا . والسلام ( 1 ) . لكن الإمام عليه السلام لم يمر بهذه الرسالة بشكل طبيعي ، بل بادر إلى إرسال كتاب إلى عبد الملك ، يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم . . . أما بعد : فإنك كتبت يوم كذا وكذا ، من ساعة كذا وكذا ، من شهر كذا وكذا ، بكذا وكذا . وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنبأني وأخبرني ، وأن الله قد شكر لك ذلك وثبت ملكك ، وزاد فيه برهة ) . ‹ صفحة 208 › وطوى الكتاب ، وختمه ، وأرسل به مع غلام له على بعيره ، وأمره أن يوصله إلى عبد الملك ساعة يقدم عليه ! ( 1 ) . إن أسلوب هذا الكتاب ، ومحتواه ، كلاهما مثار للاستفزاز : فأولا : يحاول الإمام عليه السلام أن يعرف الحاكم باطلاعه الكامل على تاريخ كتابته للر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 199 › ( 1 ) الصحيفة السجادية ، الدعاء السابع والعشرون . ‹ هامش ص 200 › ( 1 ) لقد تحدثنا عن هذا التحريف لمؤدى الحب لأهل البيت عليهم السلام والذي تعمده الأعداء ظلما ، والتزمه العامة جهلا ، في كتابنا الحسين عليه السلام سماته وسيرته ، الفقرة ( 13 ) . ‹ هامش ص 201 › ( 1 ) الصحيفة السجادية ( الدعاء التاسع عشر ) . ‹ هامش ص 207 › ( 1 ) المحاسن والمساوي للبيهقي ( ص 78 ) وفي طبعة ( 55 ) كشف الغمة للأربلي ( 2 : 112 ) مروج الذهب ( 3 : 179 ) والاختصاص ( ص 314 ) وبحار الأنوار ( 46 : 28 و 119 ) . ‹ هامش ص 208 › ( 1 ) كشف الغمة ( 2 : 112 ) وبحار الأنوار ( 46 : 29 ) ورواه في عوالم العلوم ( ص 42 ) عن الخرائج للقطب الراوندي .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 208 - 214
سالة ، بدقة ، حتى اليوم والساعة . فهو يوحي إليه علم الإمام بما يجري داخل القصر الملكي . وهذا أمر لا يمر به الطواغيت بسهولة . وثانيا : يصرح الإمام عليه السلام باتصاله المباشر بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه الذي أخبره وأنبأه بالرسالة ومحتواها . وهذا أيضا يوحي أن الإمام عليه السلام مع أنه مرتبط بالرسول نسبيا ، فهو مرتبط به روحيا ، ويأخذ علمه ومعارفه منه مباشرة ! ومثل هذا الادعاء لا يتحمله الخليفة ، بل يثقل عليه ، لأن ادعاء ذلك يعني كون الإمام عليه السلام أوثق صلة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، من هذا الذي يدعي خلافته ! والمقطع الأخير من الكتاب ، حيث يخبر الإمام عليه السلام عن أن فعل عبد الملك وتوصيته بآل عبد المطلب ( مشكور عند الله ) وأنه ثبت بذلك ملكه ، وزيد فيه برهة ، ليس قطعا أسلوب دعاء وثناء وتملق ، وإنما هو تعبير عن قبول الصنيع ، ورد الجميل ، والعطف عليه بزيادة برهة - فقط - في الملك ! لا الخلافة . مع أن صدور مثل هذا الخبر من الإمام عليه السلام إلى عبد الملك الخليفة ! فيه نوع من التعالي والفوقية الملموسة ، التي لا يصبر عليها من هو في موقع القدرة ، فضلا عن الطغاة أمثال عبد الملك . والحاصل أن هذا الكتاب الصادر من الإمام عليه السلام لم يكن يصدر ، إذا أراد الإمام عليه السلام أن يجتنب التعرض بالحاكم ، وخاصة بهذا الأسلوب المثير ، ومع أن الرسالة التي كتبها عبد الملك لم تكن مرسلة إلى الإمام عليه السلام . ‹ صفحة 209 › وكان عبد الملك واقفا على بعض ما للإمام عليه السلام من موقعية ومكانة ، لوجوده فترة كبيرة في المدينة إلى جوار الإمام عليه السلام وعلمه بأوضاعه . مضافا إلى أن الإمام عليه السلام قد تحدث معه بلغة الأرقام مما لا يمكنه دفعه أو إنكاره ، فلذلك كله تظاهر عبد الملك بفرحه بهذا الكتاب . فقد جاء في ذيل ذلك الحديث أن عبد الملك لما نظر في تاريخ الكتاب وجده موافقا لتلك الساعة التي كتب فيها الرسالة إلى الحجاج ، فلم يشك في صدق علي بن الحسين ، وفرح فرحا شديدا ! وبعث إلى علي بن الحسين وفر راحلته دراهم وثيابا ، لما سره من الكتاب ( 1 ) . ثم الذي يشير إليه الحديث التالي أن الإمام عليه السلام قاطع النظام ، مقاطعة سلبية ، توحي بعدم الاعتراف والاعتناء برأس الحكومة ، وهو شخص الخليفة : فقد روي أن عبد الملك بن مروان كان يطوف بالبيت ، وعلي بن الحسين عليه السلام يطوف أمامه ، ولا يلتفت إليه . فقال عبد الملك : من الذي يطوف بين أيدينا ؟ ولا يلتفت إلينا ؟ فقيل له : هذا علي بن الحسين ! فجلس مكانه ، وقال : ردوه إلي ، فردوه ، فقال له : يا علي بن الحسين إني لست قاتل أبيك ، فما يمنعك من المسير إلي . فقال عليه السلام : إن قاتل أبي أفسد - بما فعله - دنياه عليه ، وأفسد أبي عليه آخرته ، فإن أحببت أن تكون هو ، فكن ( 2 ) . إن تحدي الإمام عليه السلام الاستفزازي ، يتبلور في نقاط : فأولا ، يمشي بين يدي الخليفة متنكرا لوجوده ، لا يأبه به ، وفي مرأى ومسمع من الحجيج الطائفين ، ولا بد أنه كان في الموسم ، بحيث أثار الخليفة ، وبعثه على السؤال عنه : من هذا الذي يجرؤ على تحدي احترام الخليفة هكذا ! ‹ صفحة 210 › ولما سمع أنه الإمام ( علي بن الحسين ) أجلسه ( الاسم ) في مكانه ، وهذا يعني أنه قطع طوافه ، لعظم وقع النبأ عليه ، وقطع الطواف على الإمام برده إليه . وثانيا ، عتاب عبد الملك للإمام عليه السلام لعدم السير إليه ، يكشف عن أن مقاطعة الإمام للخليفة والمسير إليه ولقائه ، اتخذ شكلا أكبر من مجرد العزلة ، بل دل على عدم الرغبة ، أو الإعراض ، حتى أصبح الخليفة يحاسب عليه . وثالثا ، إن قول عبد الملك : ( إني لست قاتل أبيك ) كما يحتوي على التبرؤ من الدماء المراقة على أرض المعركة المحتدمة بين أهل البيت عليهم السلام والأمويين ، فإنه في نفس الوقت تهديد ، بهز العصا في وجه الإمام زين العابدين عليه السلام ، وتلويح له بإمكانية كل شئ : حتى القتل ! ورابعا ، ولذلك كان جواب الإمام حاسما ، وقويا ، وشجاعا ، إذ حدد النتيجة في تلك المعارك السابقة ، وأثبت فيها انتصار أهل البيت الذين ربحوا النتيجة ، وخسران قتلتهم الأمويين ! ومع ذلك أبدى استعداده ، لأن يقف نفس الموقف المشرف الذي وقفه أبوه ، إذا كان عبد الملك بصدد الوقوف على نفس الموقع الظالم الذي وقف عليه قاتل أبيه . إنه استعداد ، وطلب المبارزة والقتال ، وتحد سافر لسلطة خليفة لا يمنعه شئ من الإقدام على الفتك والقتل والظلم والإبادة . وهذا الموقف ، وحده ، كاف للدلالة على أن الإمام عليه السلام لم يكن - طول عمره - ذلك المسالم ، الموادع ، المنعزل عن الدنيا وسلطانها ، والمشغول بالعبادة ، والصلاة والدعاء والبكاء ، فقط ! ويبدو أن عبد الملك رأى أن الإمام عليه السلام بمواقفه الاستفزازية تلك ، يبرز في مقام أبيه وجده ، ويتزعم الحركة الشيعية ، وقد ركز موقعيته كإمام ، بعد تلك الجهود المضنية ، واستعاد جمع القوى المؤمنة حوله ، فأصبح له من القوة والقدرة ، أن يقف في وجه الخليفة ، فلذلك تصدى للإمام عليه السلام وحاول أن يفرغ يد الإمام عليه السلام من بعض ‹ صفحة 211 › إثباتات الإمامة ، كوجود مخلفات النبوة عند الإمام ( 1 ) ، ومنها سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فلما بلغ عبد الملك أن ذلك السيف موجود عند الإمام زين العابدين عليه السلام بعث إليه يستوهبه منه . فأبى الإمام عليه السلام . فكتب إليه عبد الملك ، يهدده أن يقطع رزقه من بيت المال . فأجابه الإمام عليه السلام : أما بعد : فإن الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون ، والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال جل ذكره : * ( إن الله لا يحب كل خوان كفور ) * [ سورة الحج ( 22 ) الآية ( 38 ) ] . فانظر أينا أولى بهذه الآية ( 2 ) . إن طلب عبد الملك ، للسيف الإمام عليه السلام بهذه الشدة إلى حد التهديد ، ليس ناشئا من مجرد الرغبة ، وإلا فعبد الملك هو ذا معرض عن الاحتفاء بأقدس الأشياء المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأعز من سيف الرسول ، وهاهم أهله يعرضون من قبله بالتهديد بقطع الرزق . فإن موقف الإمام عليه السلام بإبائه إعطائه السيف ، إذا كانت الأمور في حالتها الطبيعية ، لا يبرره شئ . إلا أن الوضع ليس طبيعيا قطعا . وتشير بعض الأحاديث إلى بلوغ حدة التوتر بين الإمام وبين النظام إلى حد أن الحجاج الثقفي ، وهو من أعتى ولاة الأمويين ، يكتب إلى عبد الملك بما نصه : ( إن ‹ صفحة 212 › أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين ) ( 1 ) . فلو كان الإمام زين العابدين عليه السلام كما هو المعروف زاهدا في السياسة ، فما معنى ربط الحجاج - الذي لا يرتاب في دهائه - بين الإمام وبين الملك . فكلام الحجاج واضح الدلالة على أن وجود الإمام عليه السلام أصبح يشكل خطرا عظيما على الملك ، يزعزعه ويزيله ، فهو لا يثبت إلا بقتل الإمام . وأما عبد الملك ، فقد حاول أن يحدد الإمام عليه السلام ، كما يقوله الحديث التالي : قال الزهري : شهدت علي بن الحسين ، يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام ، فأثقله حديدا ، ووكل به حفاظا عدة . فاستأذنتهم في التسليم عليه ، والتوديع له ، فأذنوا لي ، فدخلت عليه ، وهو في قبة ، والأقياد في رجليه ، والغل في يديه ، فبكيت ، وقلت : وددت أني مكانك ، وأنت سالم . فقال : يا زهري ، أو تظن هذا - مما ترى علي وفي عنقي - يكرثني ، أما لو شئت ما كان ، فإنه - وإن بلغ فيك وفي أمثالك - ليذكرني عذاب الله . ثم أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد ، وقال : لأجزت معهم على ذا منزلتين من المدينة . قال الزهري : فما لبثت إلا أربع ليال ، حتى قدم الموكلون به ، يظنون أنه بالمدينة ، فما وجدوه . فكنت فيمن سألهم عنه ؟ فقال لي بعضهم : إنا نراه متبوعا ، إنه لنازل ، ونحن حوله لا ننام ، نرصده ، إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديده . قال الزهري : فقدمت - بعد ذلك - على عبد الملك بن مروان ، فسألني عن علي بن الحسين ؟ فأخبرته ، فقال لي : إنه قد جاءني في يوم فقدوه الأعوان ، فدخل علي فقال : ما أنا وأنت ؟ فقلت : أقم عندي . فقال : لا أحب . ‹ صفحة 213 › ثم خرج ، فوالله ، لقد امتلأ ثوبي منه خيفة . قال الزهري : فقلت : يا أمير المؤمنين ! ليس علي بن الحسين حيث تظن ، إنه مشغول بنفسه . فقال : حبذا شغل مثله ، فنعم ما شغل به ( 1 ) . إن هذا الحديث - على طوله - فيه من الدلالات على أن وضع الإمام عليه السلام السياسي أصبح بمستوى يلجئ الدولة إلى اعتقال الإمام وتقييده وتكبيله الغل ، وتطويقه بالحرس . فهل يعامل المنعزل عن السياسة والزاهد فيها ، بهذا الشكل حتى لو فرضنا أن الضرورة اقتضت جلبه إلى العاصمة ؟ إن أسلوب الجلب هذا فيه الدلالة القوية على أن تحرك الإمام عليه السلام كان على مستوى بالغ الخطورة على الدولة . ثم ماذا كان يظن الخليفة في الإمام حتى التجأ إلى فعل كل هذا ضده ، لو لم يتوجس منه خيفة التحرك السياسي . ويبدو الإمام عليه السلام مصمما على التزامه ، فقد أجاب الخليفة بما أحب هو ، لا ما أراد الخليفة . وفي التجاء الإمام عليه السلام إلى إعمال قدراته الملهمة من الله كإمام للأمة ، وولي من أولياء الله المخلصين ، فأظهر للملك وللزهري إعجازه الخارق ، تأكيد على ما نريد إثباته وهو أن الإمام زين العابدين عليه السلام صرح بأنه يقوم بمهمة الإمامة الإلهية ، ويثبت للملك وأعوانه ولكل من اطلع على مجاري الأحداث ، أنه الإمام الحق ، والأولى بمقام الحكم الذي يدعيه عبد الملك . وهذا هو أظهر أشكال النضال السياسي . ‹ صفحة 214 › وموقفه من هشام بن عبد الملك : وموقف الإمام زين العابدين عليه السلام من هشام ، من أشهر المواقف بين المسلمين ، وقد تناقله الأعلام في صحفهم وكتبهم ، وأرسلوه إرسال المسلمات ، وفيه من الدلالات الواضحة على قيام الإمام عليه السلام بالاستفزاز السياسي ، ما لا يخفى على أحد . والحديث
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 208 › ( 1 ) كشف الغمة ( 2 : 112 ) وبحار الأنوار ( 46 : 29 ) ورواه في عوالم العلوم ( ص 42 ) عن الخرائج للقطب الراوندي . ‹ هامش ص 209 › ( 1 ) كشف الغمة ( 2 : 112 ) . ( 2 ) بحار الأنوار ( 46 : 120 ) وإثبات الهداة ، للحر العاملي ( 3 : 15 ) . ‹ هامش ص 211 › ( 1 ) إقرأ عن سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الموجود عند الإمام عليه السلام حديث أبي خالد الكابلي في المناقب لابن شهرآشوب ( 4 / 148 ) ط الأضواء . ( 2 ) عوالم العلوم ( ص 117 ) عن المحاسن للبرقي ، والمناقب لابن شهرآشوب ( 4 : 302 ) وانظر بحار الأنوار ( 46 : 95 ) . ‹ هامش ص 212 › ( 1 ) بحار الأنوار ( ج 46 ص 28 ح 19 ) . ‹ هامش ص 213 › ( 1 ) حلية الأولياء ( 3 : 135 ) تاريخ دمشق ( الحديث 42 ) مختصر ابن منظور ( 17 : 234 ) ورواه ابن شهرآشوب في المناقب ( 4 : 145 ) ط الأضواء . ‹ هامش ص 214 › ( 1 ) هذه الأبيات هي التي اختارها الأستاذ الفاضل المحقق الدكتور السيد جعفر الشهيدي ، من مجموع ما نسب إلى الفرزدق في مدح الإمام السجاد عليه السلام بعنوان ( الميمية ) بعد أن أشبعها بحثا وتحقيقا في كتابه القيم ( زندگاني علي بن الحسين عليه السلام ) ( الصفحات 112 - 133 ) وقد فصل فيه الحديث عما وقع من الاختلاف في ما ورد من أبيات على وزن الميمية في التراث العربي ، من حيث قائلها ، والممدوح الذي قيلت في حقه ، وفي عدد أبيات ما قيل في كل مناسبة ، وفي خصوص ما نسب إلى الفرزدق في مدح الإمام عليه السلام في مقام الحجر الأسود ، من حيث عدد الأبيات ، ودقق في مضمون الأبيات المنسوبة ، فتوصل إلى أن الأنسب بالمقام - زمانا ومكانا ووضعا - هو هذه الأبيات السبعة التي اختارها ، وأنها الأنسب بالشاعر وبالمناسبة لفظا وبلاغة ، ومعنى ودلالة . وأبان الوجوه التي استبعد بها الأبيات الأخر ، بتفصيل واف ، ومما يحسن ترجمته من كلامه ، بعد إيراده البحث المذكور ، قوله : إن كان الفرزدق قد أنشأ هذه الأبيات في حق الإمام علي بن الحسين ، فقد أدى جزءا ضئيلا من دينه ، وخفف شيئا من أثقال جرائمه التي يحملها على عاتقه ، حيث يعج ديوان هذا الشاعر بمدائح معاوية ، وعبد الملك بن مروان ، وابنه الوليد ، ويزيد بن عبد الملك ، وعمالهم مثل : الحجاج بن يوسف ، ويعثر في ديوانه على أكثر من عشرة قصائد في مديح هشام وابنه ، بالخصوص . إن ما كتبه اليافعي - في حق الفرزدق - يبدو وافيا جدا ، حيث قال : ( وتنسب إلى الفرزدق مكرمة يرتجى له بها الرحمة في دار الآخرة ) وأورد حديث الميمية ، في مرآة الجنان ( ج 1 ص 239 ) طبع مؤسسة الأعلمي بيروت - عن طبعة حيدرآباد الهند 1337 . وإليك بعض مصادر هذه القصيدة : تاريخ دمشق ( الحديث 133 ) مختصره ( 17 : 6 - 247 ) ديوان الفرزدق ( 2 : 178 ) الأغاني ( 15 : 327 ) و ( 15 : 261 ثقافة ) وصفوة الصفوة ( 2 : 8 - 99 ) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ( 1 : 153 ) وأمالي المرتضى ( 1 / 62 ) وانظر الإمام زين العابدين عليه السلام ، للمقرم ( ص 385 ) وما بعدها .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 214 - 220
: أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة أبيه ، فطاف بالبيت ، وأراد أن يستلم الحجر الأسود ، فلم يقدر عليه من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه . فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن حسين عليه السلام ، عليه إزار ورداء ، أحسن الناس وجها ، وأطيبهم رائحة ، وبين عينيه سجادة ، كأنها ركبة بعير . فجعل يطوف بالبيت ، فإذا هو بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس له عنه ، حتى يستلمه ، هيبة له وإجلالا . فقال رجل من أهل الشام لهشام : من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة ، فأفرجوا له عن الحجر ؟ فقال هشام : لا أعرفه ! - لئلا يرغب فيه أهل الشام - ! فقال الفرزدق - وكان حاضرا - : أنا أعرفه : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى واليأس محتدم ( 1 ) ‹ صفحة 215 › إن الموقف لم يكن بحيث يخفى شئ من أبعاده على الإمام عليه السلام ، ولم يكن هو عليه السلام بحيث يقوم بما قام متجاهلا عواقبه وآثاره ، فلا بد لمن يحضر المطاف أن ينتبه لحضور مثل هشام - ولي العهد - على المنبر ، وحوله الجلاوزة من أهل الشام .


 

رد مع اقتباس
قديم 12-24-2010, 10:09 PM   #13
الشيخ حسن العبد الله
مشرف


الصورة الرمزية الشيخ حسن العبد الله
الشيخ حسن العبد الله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 232
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 03-18-2014 (09:42 PM)
 المشاركات : 352 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي




لكن الإمام زين العابدين عليه السلام تجاهل وجود هشام ، قاصدا إلى عواقب إقدامه الجرئ ذلك : فهو يسير في إكمال أشواط الطواف ، متزييا بزي الأنبياء ، والناس يتنسمون منه ريح النبوة وعبق الرسالة ، وهذا واحد من آثار نضال السنوات الطويلة العجاف الشداد ، التي كابد فيها الإمام أنواع الصعاب ، ليفتح أمام الناس طريق معرفة الإمام والوصول إلى الإمامة ، بينما كانت الخلافة في غفلة عن هذا كله ، ومنهمكة في عتوها ‹ صفحة 216 › وظلمها ولهوها وبذخها وترفها وطغيانها ، بعيدا عن الناس . والناس ، أولئك الذين تجاهلوا ابن الخليفة ، ولم يأبهوا به ، ولم يفتحوا له طريقا إلى لمس الحجر الأسود ، هاهم يقفون سماطين ، هيبة للإمام زين العابدين عليه السلام ، يفرجون له عن الحجر ، ليستلمه ! ومثل هذا العمل يخدش غرور هشام الذي يمثل الخلافة ، ويغيض المنتمين إلى الدولة ، ولذلك تجاهل هشام شخص الإمام عليه السلام . ومما يدل على حدة تأثير الموقف فيهم رواية المدائني , عن كيسان عن الهيثم أن عبد الملك قال للفرزدق : أو رافضي أنت يا فرزدق ؟ فقال : إن كان حب أهل البيت رفضا ، فنعم ( 1 ) . والشاعر الشعبي - الفرزدق - الذي يعيش بين العامة ، استصعب ذلك التجاهل ، وانبرى بإنشاد الميمية العصماء ، التي طار صيتها مع الحجاج عندما عادوا إلى مختلف البقاع . إن أي حكم سياسي لا يتحمل مثل هذه المواقف التي تحط من كرامة رجال الدولة ، وخاصة رجال البلاط ، وبهذه الصورة . ولذلك ، فإن الأمويين سجنوا الفرزدق على هذا الشعر الذي اعتبروه إهانة للنظام . فكيف لا يكون عمل الإمام زين العابدين عليه السلام استفزازا سياسيا ؟ ! ومما يؤكد على استهداف الإمام عليه السلام للنظام في هذا التصرف هو أن الإمام زين العابدين عليه السلام سارع إلى الاتصال بالفرزدق في السجن ، ووصله بشئ رمزي من المال ، مكافأة لموقفه السياسي ذلك . ولا ريب أن في هذا - أيضا - إعلانا لدعم المعارضة المعلنة من قبل الفرزدق ، لا يمكن إغفاله عن سجل الأعمال السياسية التي قام بها الإمام عليه السلام . وموقفه من عمر بن عبد العزيز : كان عمر بن عبد العزيز ، قبل توليه الخلافة ، يسكن المدينة ، يرفل أثواب الترف ، ‹ صفحة 217 › باعتباره من العائلة المالكة . وكان من ترفه انه يلبس الثوب بأربعمائة دينار ، ويقول : ( ما أخشنه ) ( 1 ) . وقال بعضهم : كنا نعطي الغسال الدراهم الكثيرة حتى يغسل ثيابنا في إثر ثياب عمر بن عبد العزيز ، من كثرة الطيب الذي فيها ( 2 ) . قال عبد الله بن عطاء التميمي : كنت مع علي بن الحسين في المسجد فمر عمر بن العزيز ، وعليه نعلان شراكهما فضة ، وكان من أمجن الناس ، وهو شاب . . . ( 3 ) . ولما كان يتمتع به من ذكاء وتدبير ، كان يراقب أعمال الإمام زين العابدين عليه السلام عن كثب ، فيجد أنه عليه السلام قد هيأ بجهاده وصبره الأرضية الصالحة لانقلاب اجتماعي جذري على الحكم الأموي المرواني . وكان الإمام يتوسم في عمر التطلع إلى الخلافة ، فقد قال عليه السلام لعبد الله بن عطاء - ذيل حديثه السابق - : أترى هذا المترف - مشيرا إلى عمر - إنه لن يموت حتى يلي الناس ، فلا يلبث إلا يسيرا حتى يموت ، فإذا مات لعنه أهل السماء ، واستغفر له أهل الأرض ( 4 ) . ففي هذا الحديث : 1 - يشاهد توسم الإمام عليه السلام في عمر أنه يتطلع إلى الحكم والولاية ، رغم بعده عنها ، واشتغاله في المدينة بما لا يمت إلى ذلك . وإعلانه عن هذا التوسم يدل بوضوح على أن الإمام كان يفكر في شؤون الحكومة لا حاضرها بل ومستقبلها ، وأنه كان مفتوحا أمامه بوضوح . 2 - إن الإمام عليه السلام كان يعرف من ذكاء عمر ودهائه أنه سوف ينافق في ولايته ، ‹ صفحة 218 › بما ينطلي على الناس أنه صالح و ( عادل ) في الحكم ، بينما هو ، قد احتال في ضرب الحق وتثبيت الباطل مدة أطول ، وقد كان من شأن الدولة الأموية أن تزول قبل ذلك , لولا تصرفاته المريبة ! حيث أن آثار جهود الإمام زين العابدين عليه السلام ونضاله ضد الطاغوت الأموي ، كانت قد بدت ظاهرة ، فكان الجو السياسي - على أثر انتشار الوعي - مشرفا على الانفتاح ، بحيث لم يطق التعنت الأموي على الاستمرار في عتوه ، وإعلان فساده ، وانتهاكه للحرمات كسب الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر ، على رؤوس الأشهاد ، وصد الأمة عن المعارف والثقافة الإسلامية الصحيحة بمنع الحديث والسنة ، والأدهى من كل ذلك استمرار الضغط على كبار المسلمين وسادتهم كعلماء أهل البيت عليهم السلام بالتقتيل والتشريد والسجن ، وكعلماء الصحابة ومؤمنيهم بالإهانة والمطاردة والقتل . فكان عمر بن عبد العزيز ، وهو الذي راقب الأوضاع عن كثب يعرف كل هذه المفارقات في حكم آبائه وسلفه ، فلما استولى على كرسي الخلافة بدأ بتبديل تلك السياسة الخاطئة . فعمد إلى رفع ذلك السب عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، الذي كان وصمة عار على جبين الحكم الأموي ، ولطخة سوداء في صفحات تاريخ المسلمين لا تمحى مدى الدهر ، إذ يسب أحد الخلفاء ، ابن عم رسول الله وصهره ، وأحد كبار الصحابة ، على منابرهم مدة مديدة ، بكل صلافة وجرأة ! ! ( 1 ) . وقد كان عمر نفسه ممن يلعن عليا قبل توليه السلطة ، حينما كان يتعلم في المدينة ( 2 ) . ثم إن سب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يؤد إلا إلى النتائج المضادة لأهداف بني أمية ، مهما تطاول ، وقد تنبه العقلاء إلى ذلك ، وجاء نموذج من هذا في ما روي عن عامر بن عبد الله بن الزبير - وكان من عقلاء قريش - سمع ابنا له ينتقص علي بن ‹ صفحة 219 › أبي طالب عليه السلام ، فقال له : لا تنتقص عليا ، فإن الدين لم يبن شيئا فاستطاعت الدنيا أن تهدمه ، وإن الدنيا لم تبن شيئا إلا هدمه الدين ! يا بني ، إن بني أمية لهجوا بسب علي بن أبي طالب عليه السلام في مجالسهم ولعنوه على منابرهم ، فإنما يأخذون - والله - بضبعيه إلى السماء مدا ، وإنهم لهجوا بتقريظ ذويهم وأوائلهم من قومهم فكأنما يكشفون منهم عن أنتن من بطون الجيف ، فأنهاك عن سبه ( 1 ) . ثم رفع عمر بن عبد العزيز المنع عن نشر الحديث والسنة ، فعمم أمرا بكتابة الحديث وتدوين العلم ، وسجل باسمه هذه المأثرة التي لا يزال كثير من المصنفين يمدحونه بها ! إن عمر بادر إلى هذه الأعمال وأمثالها ، لتلافي أمر انهدام الدولة الأموية ، وقبل أن ينسحب البساط من تحته وتحت قبيلته . وأخطر ما في عمله أنه أخر نتائج الجهود الجبارة التي قام بها الإمام زين العابدين عليه السلام إلى فترة أبعد ، لما فتحه أمام الناس من نوافذ للأمل بالإصلاح ، فتقاعسوا عن متابعة الأهداف التي خطط لها الإمام عليه السلام ، لأنهم علقوا آمالا طوالا عراضا على عمر ، وتظاهره بالصلاح ، بل عدوه مجددا للإسلام ! في بداية القرن الثاني ، وكالوا له المدح والثناء ، وكسب ود كثير من الناس ، حتى أتبعوه بالاستغفار بعد هلاكه . بينما هو ، لو كان يريد الخير للأمة لرد الأمر إلى أهله ، والحق إلى نصابه ، ولأصلح أهم ما أفسده بنو أمية والخلفاء من قبله ، وهو إرجاع الأمر إلى أهل البيت عليهم السلام الذين هم أولى بالأمر منه . قال السيد المقرم : ولو كان ابن عبد العزيز صادقا . . . لرد الخلافة إلى أهلها ، وهل ظلامة أحد أكبر من ظلامة أهل البيت عليهم السلام في عدم إرجاع الحق إليهم ؟ وتعريف الأمة أنهم الأولى ممن تسنم منبر النبوة بغير رضا من الله ولا من رسوله ؟ ( 2 ) ‹ صفحة 220 › ولكنه لم يفعل أي شي في هذا المجال . ولو كان محبا للعلم ، وحفظه من الدروس ، لما اكتفى برفع المنع من تدوينه ، بل لتصدى لتلك المجموعة التي دأب الخلفاء - وخاصة معاوية - على اختلاقها ووضعها ونشرها وتشويه الحق بها ، وكان من السهل وقوف عمر عليها ! فجمعها وأبادها ، أو كشفها وأعلن عن زيفها ! ولأمكنه - كذلك - السعي لفسح المجال أمام تلك المجموعة الممنوع نقلها وتداولها من الحديث والعلم ، والتي كانت تحتوي على فضائل علي وآله عليهم السلام ، فنشرها وأفصح عنها وأذاعها . ولكن تلك الأحاديث لو نشرت لما بقي لدولة بني أمية ذكر . فهو لم يفعل شيئا من هذا ، وإنما اكتفى بتصرفات تغر الناس وتقنعهم بأنه عادل ، يحب العلم ، ويحافظ على الإسلام ، كي لا تتعمق نقمة الناس عليه وعلى الخلافة الأموية ، فتنقلب عليه الأمة . ومهما يكن ، فإن تعرض الإمام زين العابدين عليه السلام لعمر بن عبد العزيز ، في ذلك الوقت ، وهو من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 214 › ( 1 ) هذه الأبيات هي التي اختارها الأستاذ الفاضل المحقق الدكتور السيد جعفر الشهيدي ، من مجموع ما نسب إلى الفرزدق في مدح الإمام السجاد عليه السلام بعنوان ( الميمية ) بعد أن أشبعها بحثا وتحقيقا في كتابه القيم ( زندگاني علي بن الحسين عليه السلام ) ( الصفحات 112 - 133 ) وقد فصل فيه الحديث عما وقع من الاختلاف في ما ورد من أبيات على وزن الميمية في التراث العربي ، من حيث قائلها ، والممدوح الذي قيلت في حقه ، وفي عدد أبيات ما قيل في كل مناسبة ، وفي خصوص ما نسب إلى الفرزدق في مدح الإمام عليه السلام في مقام الحجر الأسود ، من حيث عدد الأبيات ، ودقق في مضمون الأبيات المنسوبة ، فتوصل إلى أن الأنسب بالمقام - زمانا ومكانا ووضعا - هو هذه الأبيات السبعة التي اختارها ، وأنها الأنسب بالشاعر وبالمناسبة لفظا وبلاغة ، ومعنى ودلالة . وأبان الوجوه التي استبعد بها الأبيات الأخر ، بتفصيل واف ، ومما يحسن ترجمته من كلامه ، بعد إيراده البحث المذكور ، قوله : إن كان الفرزدق قد أنشأ هذه الأبيات في حق الإمام علي بن الحسين ، فقد أدى جزءا ضئيلا من دينه ، وخفف شيئا من أثقال جرائمه التي يحملها على عاتقه ، حيث يعج ديوان هذا الشاعر بمدائح معاوية ، وعبد الملك بن مروان ، وابنه الوليد ، ويزيد بن عبد الملك ، وعمالهم مثل : الحجاج بن يوسف ، ويعثر في ديوانه على أكثر من عشرة قصائد في مديح هشام وابنه ، بالخصوص . إن ما كتبه اليافعي - في حق الفرزدق - يبدو وافيا جدا ، حيث قال : ( وتنسب إلى الفرزدق مكرمة يرتجى له بها الرحمة في دار الآخرة ) وأورد حديث الميمية ، في مرآة الجنان ( ج 1 ص 239 ) طبع مؤسسة الأعلمي بيروت - عن طبعة حيدرآباد الهند 1337 . وإليك بعض مصادر هذه القصيدة : تاريخ دمشق ( الحديث 133 ) مختصره ( 17 : 6 - 247 ) ديوان الفرزدق ( 2 : 178 ) الأغاني ( 15 : 327 ) و ( 15 : 261 ثقافة ) وصفوة الصفوة ( 2 : 8 - 99 ) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ( 1 : 153 ) وأمالي المرتضى ( 1 / 62 ) وانظر الإمام زين العابدين عليه السلام ، للمقرم ( ص 385 ) وما بعدها . ‹ هامش ص 216 › ( 1 ) المحاسن والمساوي للبيهقي ( ص 212 - 213 ) . ‹ هامش ص 217 › ( 1 ) طبقات ابن سعد ( 5 : 246 ) . ( 2 ) الأغاني ( 9 - 262 ) . ( 3 ) مناقب ابن شهرآشوب ( 4 / 155 ) ط الأضواء . ( 4 ) بصائر الدرجات ( ص 45 ) ودلائل الإمامة للطبري ( ص 88 ) وبحار الأنوار ( 46 : 23 و 327 ) وإثبات الهداة ( 3 : 12 ) وقد روى عاصم بن حميد الحناط في أصله ( ص 23 ) قريبا من هذا النص عن عبد الله بن عطاء قال : كنت آخذا بيد أبي جعفر , وعمر بن عبد العزيز عليه ثوبان معصفران ، قال : فقال أبو جعفر : أما إنه سيلي ثم يموت ، فيبكي عليه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء ، ودلالته على المعاني التي ذكرناها أوضح . ‹ هامش ص 218 › ( 1 ) لاحظ الكشكول في ما جرى على آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ( ص 156 ) . ( 2 ) الكامل في التاريخ لابن الأثير ( 5 / 42 ) . ‹ هامش ص 219 › ( 1 ) الأمالي للطوسي - ط - البعثة ص 588 رقم 1217 المجلس ( 25 ) . ( 2 ) الإمام زين العابدين عليه السلام ( ص 65 ) . ‹ هامش ص 220 › ( 1 ) مناقب شهرآشوب ( 3 / 276 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 220 - 227
العائلة المالكة ، ويتطلع إلى الخلافة ، وهو على ما كان عليه من الترف والبذخ اللذين يدلان على روح الطاغوت في وجوده . إن تعرض الإمام له يدل على نوع من الاقتحام السياسي ، وهو موقف خطر يقفه الإمام ، بلا ريب ، يستتبع المؤاخذة من الحكام الظلمة . ولكن الإمام عليه السلام كان يقتطف ثمار خطته السياسية ، فلا يبالي بما سيقع عليه من جراء هذا الإعلان . ولقد أعلن ، فعلا تصديه لمثل ذلك في ما رواه حفيده جعفر الصادق عليه السلام في قوله تعالى : * ( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) * [ سورة مريم : 98 ] قال : هم بنو أمية ، ويوشك أن لا يحس منهم أحد ولا يخشى . . . ما أسرعه ! سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول : إنه قد رأى أسبابه ( 1 ) . نعم ، رأى الإمام السجاد عليه السلام تلك الأسباب التي كانت من صنع سياسته الحكيمة . ‹ صفحة 221 › ثانيا : موقفه من أعوان الظلمة لقد شدد الإسلام النكير على إعانة الظالمين ، واعتبره ظلما وتعديا وتجاوزا للحدود ، حتى عد في بعض النصوص من الكبائر التي توعد عليها بالنار . ففي رواية معايش العباد التي ذكر فيها وجوه الاكتساب وأحكامها ، قال الصادق عليه السلام : وأما وجه الحرام من الولاية : فولاية الوالي الجائر ، وولاية ولاته ، الرئيس منهم ، وأتباع الوالي ، فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم ، . . . لأن كل شئ من جهة المعونة لهم معصية ، كبيرة من الكبائر ، وذلك : أن في ولاية الوالي الجائر درس الحق كله ، وإحياء الباطل كله ، وإظهار الظلم والجور والفساد ، وإبطال الكتب ، وقتل الأنبياء والمؤمنين ، وهدم المساجد ، وتبديل سنة الله وشرائعه . فلذلك حرم العمل معهم ، ومعونتهم ، والكسب معهم ( 1 ) . ومما لا يخفى على أحد : أن الجائرين لم يصلوا إلى مآربهم ، لو لم يجدوا أعوانا على ما يقومون به من مظالم ومآثم . وقد عبر الإمام عليه السلام عن ذلك لمن راح يذرف الدموع على ما يجري على أهل البيت من المصائب والظلم ، ما معناه : أن المسؤول عن ذلك ليسوا هم الظالمين فقط ، بل من توسط في إيصال الظلم وتمكين الظلمة ، وتمهيد الأمر لهم ، كلهم مشاركون في الجريمة . ولذلك - أيضا - ورد اللعن على ( من لاق لهم دواة ، أو قط لهم قلما ، أو خاط لهم ثوبا ، أو ناولهم عصا ) . مع أن هذه الأدوات لا تباشر الظلم ، وإنما هي جوامد لا تعقل ، إلا بوسائط وبعد مراحل ، وقد يستفاد منها للخير والصلاح ، ولكن القيام بخدمة الظالم ، ولو بهذه الأمور ، يكون من المعونة له . ‹ صفحة 222 › وقد اعتمد الإمام زين العابدين عليه السلام على هذه القاعدة الإسلامية ، وجعلها ركيزة في مقاومة النظام الفاسد ، وحاول تجريده من سلاح الوعاظ المحيطين به ، المتزلفين ، الذين تمرر السلطة على وجودهم ما تقوم به من إجراء يحسنون بذلك أفعالها أمام العوام ، ويوقع علماء الزور على آثامها . ففي الحديث أن الإمام السجاد عليه السلام كان يقول : العامل بالظلم ، والمعين له ، والراضي به : شركاء ثلاثة ( 1 ) . وكان يحذر الناس من التورط في أعمال الظلمة ، ولو بتكثير سوادهم والحضور في مجالسهم ، والانخراط في صحبتهم ، لأن الظالم لا يريد الصالح لكي يستفيد من صلاحه ، وإنما يريده : إما لتوريطه في مظالمه وآثامه ، أو أن يجعله جسرا يعبر عليه للوصول إلى مآربه وأهدافه الفاسدة . فكان الإمام عليه السلام يقول : لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم ، إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم ، ولا اصطحب اثنان على غير طاعة الله ، إلا أوشك أن يتفرقا على غير طاعة الله ( 2 ) . فبعض ظاهري الصلاح يتصور أن اصطحاب الظالمين لا يضره شيئا ، وإنما يفيد من خلاله خدمة أو على الأقل يكفيه شرا ويدفع عنه ضررا ! ولكنه تصور خاطئ ، مرتكز على الغفلة عن الذي قلناه من استغلال الظالم لصحبة الصالحين لتوريطهم ، أو تمرير أغراضه عبر سمعتهم ، وهو لا يصحبهم على أساس الطاعة قطعا ، فلا بد أن يتفرقا على غير طاعة الله أيضا ، وهذا أقل الأضرار الحاصلة من هذه المصاحبة الخطرة . كما أن الذي يعيش مع الظالم ، ولو لفترة قصيرة ، فإن اصطحابه لا يخلو من كلمات التزلف والمجاملة ، والملاطفة بما لا واقع لكثير منه ، ولو بعمل مثل الاحترام والتبجيل ، وهذا كله مما يزيد من غرور الظالم وهو تصديق لما يقول ، وتوقيع على ما يفعل . كما أن فيه تغريرا للناس البسطاء الذين يرون الصالحين في صحبة الظالم ، ‹ صفحة 223 › فيعتبرون ذلك تصويبا لتصرفاته ، وإسباغا للشرعية عليها . بل ، إن مجرد سكوت من يصحب الظالم ، على ما يرى من فعله ، هو جريمة يحاسب عليها . وقد كان الإمام زين العابدين عليه السلام يسعى بكل الوسائل من النصح والموعظة والإرشاد ، إلى التخويف والتهديد ، إلى الفضح والتشهير ، في سبيل إقناع المتصلين بالأمويين من علماء السوء ، ليرتدعوا ، ويتركوا الارتباط بالبلاط ، هادفا من وراء ذلك فضح الحكام ، وتجريدهم عن كل أشكال الشرعية . ومن أعلام البلاط الذين ركز الإمام عليه السلام جهوده في سبيل قطع ارتباطه بالحكام هو : الزهري . الذي أكسبه الأمويون - زورا وبهتانا - شهرة عظيمة ، وروجوا له ، ونفخوا في جلده ، حتى جعلوه من أوثق الرواة في نظر الناس . بينما كان من المنحرفين عن الإمام علي عليه السلام ( 1 ) . وقال محمد بن شيبة : شهدت مسجد المدينة ، فإذا الزهري ، وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليا عليه السلام فنالا منه ! ( 2 ) . واشتهر أنه كان يعمل لبني أمية ( 3 ) وكان صاحب شرطتهم ( 4 ) ولا يختلف الناس أنه كان يأخذ جوائزهم ( 5 ) . ولم يزل مع عبد الملك وأولاده هشام وسليمان ويزيد ، وقد استقضاه الأخير ( 6 ) . وجميع أهل البيت عليهم السلام يجرحونه ، وتكلم أناس فيه من غيرهم : قال عبد الحق الدهلوي : إنه قد ابتلي بصحبة الأمراء ، وبقلة الديانة ، وكان أقرانه من العلماء والزهاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه . ‹ صفحة 224 › وكان يقول : أنا شريك في خيرهم دون شرهم ! فيقولون له : ألا ترى ما هم فيه ، وتسكت ؟ ! ( 1 ) ولذلك - أيضا - كانوا يعلنون : ( من كان يأتي السلطان ، فلا يحضر مجلسنا ) ( 2 ) . وفي علوم الحديث للحاكم : قيل ليحيى بن معين : الأعمش خير أم الزهري ؟ فقال : برئت منه إن كان مثل الزهري ، إنه كان يعمل لبني أمية ، والأعمش مجانب للسلطان ، ورع ( 3 ) . وفي ميزان الذهبي في ترجمة خارجة بن مصعب أنه قال : قدمت على الزهري - وهو صاحب شرطة بني أمية - فرأيته يركب وفي يده حربة ، وبين يديه الناس ، وفي أيديهم الكافر كوبات ! فقلت : قبح الله ذا من عالم ، فلم أسمع منه ( 4 ) . وقد عده ابن حجر في من أكثر من التدليس وقال : وصفه الشافعي والدار قطني وغير واحد بالتدليس ( 5 ) . وقال القاسم بن محمد - من أئمة الزيدية - : أما الزهري فلا يختلف المحدثون وأهل التاريخ في أنه كان مدلسا ( 6 ) ، وأنه كان من أعوان الظلمة بني أمية ، وقد أقروه على شرطتهم ( 7 ) . وقال الشيخ محمد محمد أبو شهبة : اعتبروا من الجرح الذهاب إلى بيوت الحكام ، وقبول جوائزهم ، ونحو ذلك مما راعوا فيه إن الدوافع النفسية قد تحمل صاحبها ‹ صفحة 225 › على الانحراف ( 1 ) . وقد جرح أبو حازم سلمة بن دينار ، الزهري لما أرسل إليه سليمان بن هشام بن عبد الملك ، ومعه ابن شهاب الزهري ، فدخل أبو حازم فإذا سليمان متكئ ، وابن شهاب عند رجليه ، فقال أبو حازم كلمات لاذعة لابن شهاب ، منها قوله : ( إنك نسيت الله ، ما كل من يرسل إلي آتيه ، فلولا الفرق من شركم ما جئتكم . . . ) ( 2 ) ولقد تكلم فيه شيخ أهل الجرح والتعديل يحيى بن معين بكلام خشن - حول قتل الزهري لغلامه - وقال : إنه ولي الخراج لبعض بني أمية ( 3 ) . وقال يحيى بن معين في معرفة رجاله : هجا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود - وكان أعمى - : الزهري وصالح بن كيسان ، ومعاوية بن عبد الله بن جعفر ، في بيت واحد فقال : ليس بإخوان الثقات ابن مسلم * ولا صالح ولا الطويل معاوية ( 4 ) فنفى ابن معين الوثاقة عن الزهري على لسان الشاعر ، وهو لو لم يوافق عليه ولم يعتقده لم ينقله أو لرد عليه ، لكنه لم يفعل . وقال القاسم بن محمد : أليس كان بنو أمية وأتباعهم يلعنون عليا عليه السلام على المنابر ، وابن شهاب يسمع ويرى ، فماله ما يغضب ويظهر علمه ؟ ( 5 ) . وقال السيد مجد الدين المؤيدي : أما كون الزهري من أعوان الظلمة فمما لا خلاف فيه ، وقد قدح فيه نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم . وابن شهاب ممن لا يعدلون ، بطاعة بني أمية ، وتلبيسه وتحريفه - لمكان كثرة ‹ صفحة 226 › وفادته إليهم - معروف ، وهو لسان بني أمية ( 1 ) . وقال المؤيد بالله في شرح التجريد : الزهري عندنا في غاية السقوط ( 2 ) . واستعمل الإمام زين العابدين عليه السلام أساليب عديدة لإتمام الحجة على الزهري ، ليعتبر به هو وأمثاله ، وكان التركيز عليه لكونه أكبر علماء البلاط ، وأعرفهم عند العوام : فمن أساليبه : إسماعه المواعظ في المناجاة . قال الزهري : سمعت علي بن الحسين سيد العابدين يحاسب نفسه ويناجي ربه ، ويقول : حتام إلى الدنيا غرورك : وإلى عمارتها ركونك . . . ؟ ( 3 ) . ولما سأله الزهري : أي الأعمال أفضل عند الله تعالى ؟ فقال عليه السلام : ما من عمل بعد معرفة الله تعالى ومعرفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من بغض الدنيا ، وإن لذلك لشعبا كثيرة ، وللمعاصي شعبا : فأول ما عصي الله به : الكبر . . . ثم الحسد . فتشعب من ذلك حب النساء ، وحب الدنيا ، وحب الرئاسة ، وحب الراحة ، وحب الكلام ، وحب العلو والثروة ، فصرن سبع خصال . فاجتمعن كلهن في حب الدنيا ، فقال الأنبياء والعلماء : ( حب الدنيا رأس كل خطيئة ) والدنيا دنياوان : دنيا بلاغ : ودنيا ملعونة ( 4 ) . ومنها : التنبيه الخاص : قال المدائني : قارف الزهري ذنبا استوحش منه ، وهام على وجهه ، فقال له علي ابن الحسين : يا زهري ، قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شي أعظم عليك من ذنبك . ‹ صفحة 227 › فقال ال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 220 › ( 1 ) مناقب شهرآشوب ( 3 / 276 ) . ‹ هامش ص 221 › ( 1 ) تحف العقول ( ص 332 ) . ‹ هامش ص 222 › ( 1 ) بلاغة علي بن الحسين عليه السلام ( 224 ) عن الاثني عشرية ، للعاملي . ( 2 ) تاريخ دمشق ( الحديث 128 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 24 ) . ‹ هامش ص 223 › ( 1 ) شرح نهج البلاغة ( 4 - 102 ) . ( 2 ) شرح نهج البلاغة ( 4 : 102 ) والاعتصام بحبل الله المتين ( 2 : 258 ) . ( 3 ) تهذيب التهذيب ( 4 : 225 ) . ( 4 ) الجامع لأخلاق الراوي ( 2 / 203 ) . ( 5 ) الاعتصام ( 1 : 285 ) . ( 6 ) لاحظ وفيات الأعيان ، لابن خلكان ( 3 : 371 ) . ‹ هامش ص 224 › ( 1 ) رجال المشكاة ، للدهلوي . ( 2 ) رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي ( 1 / 530 ) ضمن كلام الفزاري ، ونقل ابن حجر الكلام في ترجمته في تهذيب التهذيب ( 1 / 152 ) إلا أنه حذف هذه الجملة ! ( 3 ) الاعتصام ( 2 : 257 ) ومعرفة علوم الحديث للحاكم ( ص 54 ) . ( 4 ) الاعتصام ( 2 : 257 ) وميزان الاعتدال ( 1 : 625 ) والكامل لابن عدي ( 3 : 922 ) . ( 5 ) تعريف أهل التقديس ( ص 109 ) رقم ( 102 ) . ( 6 ) لاحظ طبقات المدلسين لابن حجر ( ص 15 ) وانظر الجامع لأخلاق الراوي ( 1 : 191 ) الحديث 131 . ( 7 ) الاعتصام ( 2 : 257 ) . ‹ هامش ص 225 › ( 1 ) دفاع عن السنة ( ص 31 ) وانظر قصة حماد بن سلمة مع أمير البصرة ، في الجامع لأخلاق الراوي ( 1 / 7 - 568 ) وحلية الأولياء ( 6 / 249 ) . ( 2 ) الاعتصام ( 2 : 258 ) والكلام بطوله في الإمامة والسياسة ( 2 : 105 - 110 ) . ( 3 ) انظر جامع بيان العلم للقرطبي ( 2 / 160 ) وصرح بأنه ترك الكلام الخشن لأنه لا يليق بمثله ، ولكن لم نجد ذكرا لمثل ذلك في رجال ابن معين ، ولعل الطابعين أيضا تركوا ذلك رعاية لما يليق بالزهري ، وإن كان فيه إساءة إلى ابن معين وإلى التراث بالخيانة فيه . ( 4 ) معرفة الرجال ( 2 / 50 ) رقم ( 80 ) . ( 5 ) الاعتصام ( 2 : 260 ) . ‹ هامش ص 226 › ( 1 ) لوامع الأنوار ( ص 79 ) . ( 2 ) لوامع الأنوار ( ص 110 ) وقد ألف سماحة السيد بدر الدين الحوثي حول ( الزهري ) كتابا حافلا في فصلين ، فليراجع . ( 3 ) إلى آخر ما ذكره عليه السلام . ( 4 ) الكافي ( 2 : 130 ) المحجة البيضاء ( 5 : 365 ) . ‹ هامش ص 227 › ( 1 ) مختصر تاريخ دمشق ( 17 : 245 ) وكشف الغمة ( 2 : 302 ) وبحار الأنوار ( 46 : 7 ) . ( 2 ) تاريخ دمشق ( الحديث 125 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 246 ) . ( 3 ) شرح نهج البلاغة ( 4 : 102 ) . ( 4 ) الاعتصام ( 2 : 257 ) وانظر نزهة الناظر ( ص 43 ) . ( 5 ) إحياء علوم الدين ( 2 : 143 ) وانظر المحجة البيضاء في إحياء الإحياء ( 3 : 260 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 227 - 232
زهري : * ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) * [ الأنعام ( 6 ) الآية ( 124 ) ] فرجع إلى ماله وأهله ( 1 ) . وكان يقول - بعد ذلك - : علي بن الحسين أعظم الناس علي منة ( 2 ) . ومنها : التصغير والتهوين : فحيثما كان الزهري وعروة بن الزبير ينالان من الإمام علي عليه السلام ، بلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام فجاء حتى وقف عليهما ، وقال : أما أنت يا عروة ، فإن أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك . وأما أنت يا زهري ، فلو كنت بمكة لأريتك كير أبيك ( 3 ) . ومنها : التكذيب لتزلفاته : ففي الحديث أن الزهري قال لعلي بن الحسين عليه السلام : كان معاوية يسكته الحلم ، وينطقه العلم ! فقال الإمام عليه السلام : كذبت يا زهري ، كان يسكته الحصر ، وينطقه البطر ( 4 ) . ومنها : الرسالة التي وجهها الإمام عليه السلام إليه : ويبدو أن الزهري لم يأبه بكل النصائح والتوجيهات السابقة ، فتوغل في دوامة الحكم الغاشم ، والتحق بالبلاط الشامي ، فلم يتركه الإمام عليه السلام ، بل أرسل إليه رسالة دامغة ، يصرح فيها بكل أغراضه ، ويكشف له ، ولأمثاله ، أخطار الاتصال بالأجهزة الظالمة . وقد رواها العامة والخاصة ، ونص الغزالي على أنها كتبت إلى الزهري ( لما خالط السلطان ) ( 5 ) . ‹ صفحة 228 › ورواها من أعلامنا ابن شعبة ، ونعتمد نسخته هنا ( 1 ) قال : كتابه عليه السلام إلى محمد بن مسلم الزهري ، يعظه : كفانا الله ، وإياك ، من الفتن ، ورحمك من النار ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك ، فقد أثقلتك نعم الله بما أصح من بدنك ، وأطال من عمرك ، وقامت عليك حجج الله بما حملك من كتابه ، وفقهك من دينه ، وعرفك من سنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم فرضي لك - في كل نعمة أنعم بها عليك ، وفي كل حجة احتج بها عليك - الفرض بما قضى ، فما قضى إلا ابتلى شكرك في ذلك ، وأبدى فيه فضله عليك ، فقال : * ( لئن شكرتم لأزيدنكم ، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) * [ إبراهيم ( 14 ) الآية ( 7 ) ] . فانظر : أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله ! فسألك عن نعمه عليك : كيف رعيتها ؟ وعن حججه عليك : كيف قضيتها ؟ ولا تحسبن الله قابلا منك بالتعذير ، ولا راضيا منك بالتقصير ! هيهات ! هيهات ! ليس كذلك أخذ على العلماء في كتابه إذ قال : * ( لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) * [ آل عمران ( 3 ) الآية ( 187 ) ] . واعلم أن أدنى ما كتمت ، وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم ، وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت ، وإجابتك له حين دعيت ! فما أخوفني أن تبوء بإثمك غدا ، مع الخونة ، وأن تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة ، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك ، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا ، ولم ترد باطلا حين أدناك ، وأحببت من حاد الله ! أوليس بدعائهم إياك حين دعوك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلما إلى ضلالتهم . داعيا إلى غيهم ، سالكا سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم . فلم يبلغ أخص وزرائهم ، ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم ، ‹ صفحة 229 › واختلاف الخاصة والعامة إليهم . فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمروا لك في كنف ما خربوا عليك ؟ فانظر لنفسك ، فإنه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسؤول . وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا ؟ فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه : * ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا ) * [ الأعراف ( 7 ) الآية ( 169 ) ] . إنك لست في دار مقام ، أنت في دار قد آذنت برحيل ، فما بقاء المرء بعد قرنائه ؟ . طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ، يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده . احذر فقد نبئت ، وبادر فقد أجلت . إنك تعامل من لا يجهل ، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل . تجهز فقد دنا منك سفر بعيد ، وداو دينك فقد دخله سقم شديد . ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك ، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك ، ويرد إليك ما عزب من دينك ، وذكرت قول الله تعالى في كتابه : * ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) * [ الذاريات ( 51 ) الآية ( 55 ) ] . أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك ، وبقيت بعدهم كقرن أعضب . انظر : هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به ؟ أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه ؟ أم هل تراهم ذكرت خيرا أهملوه ؟ وعلمت شيئا جهلوه ؟ . بل : حظيت بما حل من حالك في صدور العامة ، وكلفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ، ويعملون بأمرك ، إن أحللت أحلوا ، وإن حرمت حرموا ، وليس ذلك عندك ، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم في ما لديك ذهاب علمائهم ، وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحب الرئاسة ، وطلب الدنيا منك ومنهم . أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة ؟ وما الناس فيه من البلاء والفتنة ؟ قد ابتليتهم ، وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا ، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت ، أو يدركوا به مثل الذي أدركت ، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه ، وفي ‹ صفحة 230 › بلاء لا يقدر قدره . فالله لنا ولك ، وهو المستعان . أما بعد : فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم ، لاصقة بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ، ولا يفتنون بها . رغبوا ، فطلبوا ، فما لبثوا أن لحقوا . فإن كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ ، مع كبر سنك ، ورسوخ علمك ، وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنه ؟ الجاهل في علمه ؟ المأفون في رأيه ؟ المدخول في عقله ؟ إنا لله وإنا إليه راجعون . على من المعول ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى الله بثنا ، وما نرى فيك ، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك ! فانظر : كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا ؟ وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا ؟ وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا ؟ وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا ؟ مالك لا تنتبه من نعستك ؟ وتستقيل من عثرتك ؟ فتقول : والله ما قمت لله مقاما واحدا أحييت به له دينا ! أو أمت له فيه باطلا ؟ ! فهذا شكرك من استحملك ؟ ما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالى في كتابه : * ( أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، فسوف يلقون غيا ) * [ مريم ( 19 ) الآية ( 59 ) ] . استحملك كتابه ، واستودعك علمه ، فأضعتهما ! فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به ! والسلام ( 1 ) . ‹ صفحة 231 › إن هذه الرسالة تدل على سياسة الإمام عليه السلام من جهتين : فأولا : محتواها يدل على أن الإمام كان يراقب الأوضاع بدقة فائقة ، فهو يضع النقاط على مواضعها من الحروف ، ولا تشذ عنه صغار الأمور فضلا عن كبارها ؟ ومثل هذا لا يصدر إلا ممن لم ينعزل عن الحياة الاجتماعية ، ولم يزهد في السياسة . وثانيا : إن إرسال مثل هذه الرسالة إلى الزهري ، وهو من أعيان علماء البلاط ، لا بد أن لا تخفى عن أعين الحكام ، أو على الأقل يحتمل أن يرفعها الزهري إلى أسياده من الحكام ! وفي هذا من الخطورة على الإمام الذي أرسل الرسالة ما هو واضح وبين ، وقد وصفهم فيها بالظلم والفساد ، ونهى ، وحذر ، وحاول صرف الزهري عن اصطحابهم . فالسياسة تطفح من جمل هذه الرسالة . لكن الإمام عليه السلام - في هذه المرحلة - لا يأبه بكل الاحتمالات ، والأخطار المتوقعة ، بل يصارح أعوان الظلمة بكل ما يجب إعلانه من الحق ، كما صارح الظالمين أنفسهم بالمواجهة ، والاستفزاز . وقد وقفنا على شئ من مواجهة الإمام عليه السلام للمتظاهرين بالزهد والصلاح ممن كان يميل باطنا إلى الدنيا ، ويحب الرئاسة والوجاهة ، وأوضح مصاديق ذلك : هم علماء البلاط ووعاظ السلاطين الذين ارتبطوا بالولاة والحكام ، ليستمتعوا باللذات من خلال الحضور معهم ، والتطفل على موائدهم . ‹ صفحة 232 › ثالثا : موقفه من الحركات المسلحة كان الإمام زين العابدين عليه السلام يخطو نحو أهدافه بحذر تام ، ووعي كامل ، لا يثير انتباه الحكام والولاة المغرورين ، كي لا يقضوا على حركته وهي في المهد . فهم ، بانهماكهم في ترفهم واغترارهم بقدراتهم ، كانوا بعيدين عن الأجواء التي يصنعها الإمام عليه السلام ، فكانوا يعدون مواقفه شخصية خاصة وفردية ، بل يستوحون منها الانصراف عن التصدي لأي نشاط سياسي . فلذلك لم يظهر الإمام انتماءا إلى أية حركة معارضة للدولة ، ولم يسمح لها أن تتصل بالإمام ، سواء الحركات المتحببة إليه ، كحركة التوابين وحركة المختار ، أو الحركات المحايدة كحركة أهل الحرة ، أم المعادية له كحركة ابن الزبير في مكة والعراق ! لكن الآثار تشير إلى أن الإمام عليه السلام لم يكن في معزل عن تلك الحركات ، سلبا أو إيجابا ، حسب قربها أو بعدها عن الأهداف الأساسية التي كان الإمام وراء تحقيقها وتثبيتها . فهو من جهة كان يركز على خططه العميقة والواسعة ، بالشكل الذي يغرر بالحكام الأمويين بصحة تصوراتهم عن شغله وشخصه ، حتى أعلنوا عنه أنه ( الخير ) . ولعل رجال الدولة كانوا في رغبة شديدة في الاحتفاظ بهذا التصور ، حتى لا يتورطوا مع آل أبي طالب بأكثر مما سبق ، وليتفرغوا لغير الإمام زين العابدين عليه السلام ممن أعلن الثورة والمعارضة لهم كابن الزبير ، فلذا نشروا هذا المعنى في عملية تحريف ، ليدفعوا مجموعة من الناس للمشي بسيرة الإمام عليه السلام . وقد وقف كتاب من مؤرخي عصرنا الحاضر على هذه الآثار ، فأعلنوا : ( أن الإمام عليه السلام تبنى مسلكا ، يرفض فيه كل تحرك مناهض للسلطة ، ويبتعد عن كل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 227 › ( 1 ) مختصر تاريخ دمشق ( 17 : 245 ) وكشف الغمة ( 2 : 302 ) وبحار الأنوار ( 46 : 7 ) . ( 2 ) تاريخ دمشق ( الحديث 125 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 246 ) . ( 3 ) شرح نهج البلاغة ( 4 : 102 ) . ( 4 ) الاعتصام ( 2 : 257 ) وانظر نزهة الناظر ( ص 43 ) . ( 5 ) إحياء علوم الدين ( 2 : 143 ) وانظر المحجة البيضاء في إحياء الإحياء ( 3 : 260 ) . ‹ هامش ص 228 › ( 1 ) تحف العقول ( ص 274 ) والمحجة البيضاء ( 3 : 260 ) . ‹ هامش ص 230 › ( 1 ) روى الرسالة في تحف العقول ( 274 - 277 ) ورواها الحائري في : بلاغة علي بن الحسين عليه السلام ( ص 122 - 126 ) ورواها المقرم في : الإمام زين العابدين ( ص 4 - 159 ) ولاحظ إحياء علوم الدين للغزالي ( 2 : 143 ) . ‹ هامش ص 232 › ( 1 ) الإمام السجاد عليه السلام لحسين باقر ( ص 98 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 232 - 238
شاط معاد لها ) ( 1 ) . مع أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان يهدف من خلال مواقفه - حتى العبادية - ‹ صفحة 233 › والعلمية والشخصية منها - إلى تثبيت مخططاته السياسية كما عرفنا في الفصول السابقة . وكان مع ذلك يتعامل مع الحركات السياسية الأخرى بشكل مدروس ومدبر ، حسب المواقع والظروف : فبالنسبة إلى حركة الحرة : وجدنا الإمام عليه السلام قد أحرز أنها حركة لم تنبع عن مبدأ يتفق وضرورات الموقف الإسلامي الصحيح ، فلا القائمون بها كانوا من العارفين بحق الإمام عليه السلام ، ولا خططهم المعلنة كانت أساسية ، ولا أهدافهم كانت واضحة أو مدروسة ، وأهم ما كانت عليه خطورة الموقع الذي اختاروه للتحرك ، وهو ( المدينة ) فقد عرضوها للجيش الشامي الملحد ، ليدنس كرامتها ويستهين بمقدساتها . وقد عرفنا أن الإمام عليه السلام اتخذ موقف المنجي للمدينة المنكوبة ولأهلها الذين استباح حرماتهم الجيش الأموي . ولم تكن حركة الحرة تتبع أمر الإمام عليه السلام ولا قيادته بل ولا إشرافه ، بل كان الإمام عليه السلام يومها في فترة لملمة قواه وتهيئة وضعه ، والتأهب لخطته المستقبلية . كما سبق حديث عن ذلك كله في الفصل الأول ( 1 ) . وأما فتنة ابن الزبير : فمع أن ابن الزبير لم يكن بأولى من ابن مروان ، في الحكم والسيطرة ، وأن طموحاته المشبوهة كانت مرفوضة لدى أهل الحق ، وخاصة للعلويين وعلى رأسهم الإمام زين العابدين عليه السلام . ومع ما كان عليه من الحقد والعداء لآل علي عليه السلام ( 2 ) ذلك الذي بدأه في حياته بدفع أبيه في أتون حرب الجمل ، وقد حمله الإمام الصادق عليه السلام ذلك الوزر في كلمته ‹ صفحة 234 › الشهيرة : ( ما زال الزبير منا أهل البيت حتى أدرك فرخه فنهاه عن رأيه ) ( 1 ) . وبدأ في عهد سطوته العداء لآل محمد عليهم السلام بصورة مكشوفة لما هدد مجموعة منهم بالإحراق عليهم في شعب أبي طالب بمكة ( 2 ) . وبلغ به حقده أن منع الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلا : ( إن له ( أهيل سوء ) يشمخون بأنوفهم ) حسب تعبيره الوقح ( 3 ) . وكان - بحكم معرفته بموقعية الإمام السجاد عليه السلام - يضع العيون على الإمام يراقبون تصرفاته ( 4 ) . وقد قتل أخوه مصعب الشيعة بالعراق ، حتى النساء ( 5 ) . فلذلك كان الإمام يظهر التخوف من فتنته ( 6 ) . ولعل من أوضح مبررات الإمام في تخوفه من فتنة ابن الزبير أنه اتخذ مكة موقعا لحركته ، مما يؤدي عند اندحاره إلى أن يعتدي الأمويون على هذه البلدة المقدسة الآمنة ، وعلى حرمة البيت الحرام والكعبة الشريفة ؟ وقد حصل ذلك فعلا . مع أن علم الإمام عليه السلام بفشل حركته لضعفه وقلة أنصاره بالنسبة إلى جيوش الدولة الجرارة ، كان من أسباب امتناع الإمام ومعه كل العلويين من الاعتراف بحركة ابن الزبير . وهو كان يؤكد على أخذ البيعة منهم لكسب الشرعية أولا ، ولجرهم معه إلى هاوية الفناء والدمار في ما لو اندحر ، وقد كان متوقعا ذلك ، فيقضي على آل ‹ صفحة 235 › محمد عليهم السلام فيكون قد وصل إلى أمنيته القديمة . إن الإمام عليه السلام بإظهاره التخوف من فتنة ابن الزبير ، كان قد أحبط كل أهداف ابن الزبير وأمانيه الخبيثة تلك . كما أن في هذا التصرف تهدئة لوغر صدور الأمويين ضد آل محمد عليهم السلام وشيعتهم ، تمهيدا لتثبيت العقيدة وترسيخ قواعدها . وبهذا حدد الإمام عليه السلام موقفه من الحركات البعيدة عن خط الإمامة ، والتي لم تنتهج اتباع الإسلام المحمدي الخالص الذي يحمله أئمة أهل البيت عليهم السلام . فهو لم يظهر تجاهها ما يستفيده الأمويون ، كما لم يؤيدها بحيث تكون ذريعة للأمويين على محاسبة الإمام عليه السلام . ولا قام بما يعتبر وسيلة يتشبث بها أولئك المتحركون غير الأصيلين في الفكر والعقيدة ، والمشبوهون في الأهداف والمنطلقات . فاتخذ الإمام من هذه الحركات موقف الحزم والحيطة ، فهي وإن لم تكن على المعلوم من الحق إلا أنها كانت معارضة للمعلوم من الباطل الحاكم ، ومؤدية إلى تضعيفه وزعزعته ، وتحديد سطوته . والإمام عليه السلام لا يهدف إلى مجرد إحداث البلبلة ، وتعويض فاسد بفاسد ، أو نقل السلطة من ابن مروان ، إلى ابن الزبير ، أو ابن الأشعث ، أو غيرهم من المتصدين للحكم بالباطل ، فتركهم الإمام عليه السلام يشتغل بعضهم ببعض حتى ينكشف للأمة زيف دعواهم الإمامة والخلافة ، ويظهر للأمة أنهم - جميعا - لا يطلبون إلا الحكم والسلطة ، دون صلاح الإسلام وإصلاح ما فسد من أمور المسلمين . وأما موقفه من الحركات الأخرى : فهي بفرض أنها قامت بشعارات حقة . كحركة التوابين في عين الوردة ، وشعارهم ( يا لثارات الحسين ) ( 1 ) وهم الذين تحالفوا على بذل نفوسهم وأموالهم في الطلب بثأر الحسين عليه السلام ومقاتلة قتلته وإقرار ‹ صفحة 236 › الحق مقره في رجل من آل بيت نبيهم صلوات الله عليه وسلامه ( 1 ) . وكحركة المختار الذي كتب إلى الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام يريده على أن يبايع له ، ويقول بإمامته ، ويظهر دعوته ، وأنفذ إليه مالا كثيرا ( 2 ) وتتبع قتلة الحسين عليه السلام فقتلهم ( 3 ) . ولكن الإمام عليه السلام كان حكيما في تعامله مع المتحركين أولئك ، فلم يعلن عن ارتباطه المباشر بهم ، وكذلك لم يعلن عن رفض حركتهم كما واجه ابن الزبير ، بل أصدر بيانا عاما ، يصلح لتبرير الحركات الصالحة ، من دون أن يترك آثارا سيئة على الإمام عليه السلام : فقال لعمه محمد بن الحنفية : ( يا عم ، لو أن عبدا تعصب لنا أهل البيت ، لوجب على الناس مؤازرته ، وقد وليتك هذا الأمر ، فاصنع ما شئت ) ( 4 ) . إن تولية الإمام عليه السلام لعمه في القيام بأمور الحركات الثورية تلك كان هو الطريق الأصلح ، حيث أن محمد بن الحنفية لم يكن متهما من قبل الدولة بالمعارضة ، ولم يعرف منه ما يشير إلى التصدي للإمامة لنفسه ، بينما الإمام عليه السلام كانت الدولة تتوجس منه خيفة باعتباره صاحب الدم في كربلاء ، والمؤهل للإمامة ، لعلمه وتقواه وشرفه ، ولم يخف على عيون الدولة أن جمعا من الشيعة يعتقدون الإمامة له . وبذلك كان الإمام عليه السلام قد حافظ على وجوده من أذى الأمويين واستمر على رسم خططه والتأكيد على منهجه لإحياء الدين وتهيئة الأرضية للحكم العادل . وهو مع ذلك لم يقطع الدعم عن تلك الحركات التي انتهجت الثأر لأهل البيت عليهم السلام . فلما أرسل المختار برؤوس قتلة الإمام الحسين عليه السلام إلى الإمام السجاد عليه السلام ، خر الإمام ساجدا ، ودعا له ، وجزاه خيرا ( 5 ) . ‹ صفحة 237 › وقام أهل البيت كافة بإظهار الفرح ، وترك الحداد والحزن ، مما يدل على تعاطفهم - عمليا ، وعلنيا - مع المختار وحركته . ولو نظرنا إلى هذا العمل ، نجده لا يثير من الأمويين كثيرا من الشكوك تجاه الإمام ، إذ من الطبيعي أن يفرح الموتور بقتل ظالمه ، ويدعو لمن قتله وانتقم منه وثأر لدماء الشهداء ! خصوصا ، إذا اقترن مع رفض الإمام عليه السلام لقبول هدايا المختار المادية ( 1 ) . فإن ذلك يدل بوضوح على أن الإمام عليه السلام لا يريد التورط سياسيا مع حركة بعيدة عنه جغرافيا ، ولم تلتق مع أهدافه البعيدة المدى حضاريا وتاريخيا . ولا تعدو أن تكون فوزا أو بروزا مقطعيا فقط . وأما ما ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام من أحاديث في ذم المختار أو لعنه : فالذي يوجهه أن الحكام الظلمة - عامة - وبني أمية - خاصة - استعملوا أساليب التزوير والاتهامات الباطلة ضد معارضيهم بغرض إسقاط المعارضة في نظر العامة . قد استهدفوا شخص المختار و أصحابه بأشكال من الاتهامات التي تعبر على أذهان العوام ، مثل السحر والشعوذة ، كما اتهموه بدعوى النبوة ، والألوهية ، وما أشبه ذلك من الخرافات ، سعيا في إبطال مفعول حركته ، وإبعاد الناس عنه ، والتشويش على نداءاته وشعاراته بالطلب بثارات الحسين عليه السلام وتأسفه على قتله ، وإعلانه عن هوية القاتلين ، وحمايته لبني هاشم من الأذى . ولقد تواترت أخبار البلاطيين ، واتهامهم إياه على طريقة ( إكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس ) وقد ملئت الصحف والكتب والأخبار بتلك الأكاذيب ، حتى صدقها الناس فعلا ! ! وإذا كان المختار بتلك المنزلة التي أبداها الحكام والنقلة والرواة والمؤرخون ، وكان من أخبارهم الموحشة عنه ما ملأ مسامع الناس وأفكارهم : أنه ساحر ، كذاب على الله ورسوله ، مدع للنبوة ، وما إلى ذلك من الترهات والأكاذيب . إذا كان المختار عند العامة بهذه المنزلة ، فهل يجوز للإمام عليه السلام أن يدافع - علنا - عن ‹ صفحة 238 › حركته ؟ ! أو أن يسكت إذا سئل عنه ؟ ! إن إظهار التعاطف معه ، ولو بأدنى شكل ، كانت الدولة تستغله لضرب الإمام عليه السلام وتشويه سمعته عند العامة العمياء . فلا نستبعد أن يكون الإمام عليه السلام قد أصدر ضد ما يعرفه الناس عن المختار ، ما يبرئ ساحة الإمام عليه السلام من الموافقة عليه ، أو السكوت عنه ، ففي الخبر : قام الإمام عليه السلام على باب الكعبة ! يلعن المختار ! فقال له رجل : يا أبا الحسين ، لم تسبه ؟ وإنما ذبح فيكم ؟ ! قال الإمام عليه السلام : إنه كان كذابا ، يكذب على الله ورسوله ( 1 ) فلو صح هذا الخبر ، فإن وقوف الإمام عليه السلام على باب الكعبة ، وإعلانه بهذا الشكل عن ذم المختار ولعنه ، لا يخلو من قصد - أكثر من مجرد اللعن - حيث أن في ذلك دلالة واضحة على إرادة مجرد الإعلان بذلك وتبيينه للناس . وفي قول المعترض : ( ذبح فيكم ) الهدف السياسي من تلطيخ سمعة أهل البيت عليهم السلام وتوريطهم بما لطخوا به سمعة المختار . إذ لا يصدر مثل هذا الاعتراض ، وهذا الإعلان ، عن شخص غير مغرض في مثل ذلك الموقف . ثم إن ما ورد من أمثال هذه الأحاديث ، المشتملة على ذم المختار من قبل أهل البيت عليهم السلام ورواتهم ، إنما رواها رجال الدولة وكتابهم ومؤرخو البلاط ، مما يدل على أن المستفيد الوحيد من ترويجها هم أولئك الذين يرتزقون من الارتباط بالدولة .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 232 › ( 1 ) الإمام السجاد عليه السلام لحسين باقر ( ص 98 ) . ‹ هامش ص 233 › ( 1 ) لاحظ ( ص 65 - 72 ) من هذا الكتاب . ( 2 ) فقد قال لابن عباس : إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة . مروج الذهب ( 3 : 84 و 89 ) وانظر تاريخ اليعقوبي ( 2 : 261 ) . ‹ هامش ص 234 › ( 1 ) أرسله الصدوق في الخصال ( ص 157 ) باب الثلاثة ح 199 . ( 2 ) تاريخ اليعقوبي ( 2 : 261 ) وسير أعلام النبلاء ( 4 : 118 ) وطبقات ابن سعد ( 5 : 100 ) ومروج الذهب ( 3 : 85 ) . ( 3 ) تاريخ اليعقوبي ( 2 : 261 ) مروج الذهب ( 3 : 88 ) . ( . ( 4 ) شرح رسالة الحقوق ، لعبد الهادي المختار ( ص 102 ) . ( 5 ) مروج الذهب ( 3 : 107 ) وتاريخ اليعقوبي ( 2 / 264 ) . ( 6 ) الكافي ( ) التوحيد للصدوق ( ص 374 ) وشرح الأخبار ( 3 : 261 ) وبحار الأنوار ( 46 : 37 و 145 ) . وحلية الأولياء ( 3 / 134 ) . ‹ هامش ص 235 › ( 1 ) أيام العرب في الإسلام ( ص 436 ) . ‹ هامش ص 236 › ( 1 ) الفخري في الآداب السلطانية ( ص 104 ) . ( 2 ) مروج الذهب ( 3 : 83 ) . ( 3 ) مروج الذهب ( 3 : 84 ) ( 4 ) بحار الأنوار ( 45 / 365 ) وانظر أصدق الأخبار للسيد الأمين ( ص 39 ) والمختار الثقفي ، لأحمد الدجيلي ( ص 39 ) ( 5 ) رجال الكشي ( ص 125 و 127 ) وشرح الأخبار ( 3 : 270 ) وتاريخ اليعقوبي ( 2 : 259 ) . ‹ هامش ص 237 › ( 1 ) مروج الذهب ( 3 : 83 ) ورجال الكشي ( ص 126 ) رقم ( 200 ) . ‹ هامش ص 238 › ( 1 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 17 : 243 ) . ( 2 ) مروج الذهب ( 3 : 107 ) وانظر تاريخ اليعقوبي ( 2 : 264 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 238 - 248
ا لو صحت تلك الأحاديث والنقول . وإلا ، فهل يشك أحد من دارسي التاريخ في أن المختار تحرك بشعار الأخذ بثارات الحسين عليه السلام وقد وصفه زوجتاه - بعد قتله - بأنه ( رجل يقول ربي الله ، كان صائم نهاره ، قائم ليله ، قد بذل دمه لله ولرسوله في طلب قتلة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهله وشيعته ، فأمكنه الله منهم حتى شفى النفوس ) ( 2 ) . ‹ صفحة 239 › وقتل معه سبعة آلاف رجل كلهم طالبون بدم الحسين ( 1 ) . أليس ما قام به المختار من أخذ الثار ، مكرمة تدعو إلى السكوت عنه ، على الأقل ؟ ! ولقد ذكر الإمام الباقر عليه السلام بمثل هذا في حديثه عن المختار لما دخل عليه أبو الحكم ابن المختار ، فتناول يد الإمام ليقبلها فمنعه ، ثم قال له : أصلحك الله ، إن الناس قد أكثروا في أبي وقالوا ، والقول - والله - قولك ! . . . ولا تأمرني بشئ إلا قبلته . فقال الإمام : سبحان الله ! أخبرني أبي - والله - أن مهر أمي كان مما بعث به المختار . أولم يبن دورنا ، وقتل قتلتنا ، وطلب بدمائنا ، فرحمه الله . وأخبرني - والله - أبي : أنه كان ليسمر عند فاطمة بنت علي يمهدها الفراش ويثني لها الوسائد ، ومنها أصاب الحديث . رحم الله أباك ، رحم الله أباك ، ما أصاب لنا حقا عند أحد إلا طلبه . . . . ( 2 ) وعلى حد قول ابن عباس - لما طلب منه سب المختار - : ذاك رجل قتل قتلتنا ، وطلب ثأرنا وشفى غليل صدورنا ، وليس جزاؤه منا الشتم والشماتة ( 3 ) . إن خروج الإمام زين العابدين عليه السلام من أزمة الحركات المعارضة للدولة ، على اختلاف مواقفها تجاه الإمام ، من موالية ، ومحايدة ، ومعادية ، وبالشكل الذي لا يترك أثرا سلبيا عليه ، ولا يحمله مسؤولية ، ولا تستفيد الأطراف المتنازعة من موقعه كإمام ، وككبير أهل البيت عليه السلام ، ولا تتضرر أهدافه وخططه التي رسمها لإحياء الدين . إن الخروج من مثل هذا المأزق ، وبهذه الصورة ، عمل جبار لا بد أن يعد من أخطر مواقف الإمام السياسية ، ويستحق دراسة معمقة لمعرفة أسسه ، وأبعاده . وبعد : إن ما بذله الإمام السجاد عليه السلام من جهود وجهاد في سبيل الله ، وما قام به من ‹ صفحة 240 › فرض الإمامة وواجب الولاية تجاه الدين والأمة ، مع اقتران المهمة بظروف صعبة وحرجة للغاية ، حيث ملئت الأجواء بالرعب والردة والانحراف عن القيم والموازين والأعراف ، سواء الدينية ، أم الأخلاقية ، بل حتى الإنسانية ! إن ما بذله الإمام عليه السلام في سبيل القيام بالمهمة تم بأفضل ما يتصور ، فقد رسم لمخططاته خطة عمل ناجحة بحيث مهد الأرضية لتجديد معالم التشيع ، ممثلا لكل ما للإسلام من مجد وعدل وعلم وحكمة ، لهو عمل عظيم ، يدعو إلى الإعجاب والفخر والتمجيد ، ويجعل من الإمام عليه السلام في طليعة القواد السياسيين الخالدين . ولقد حق له عليه السلام أن يكلل تلك الحياة العظيمة بالطمأنينة التي ملأت وجوده الشريف عندما حضر ، فأغمض عينيه حين الوفاة ، وفتحهما ليقول كلمته الأخيرة ، فيقرأ * ( الحمد لله الذي صدقنا وعده ، وأورثنا الأرض ، نتبوأ من الجنة حيث نشاء ، فنعم أجر العاملين ) * . [ سورة الزمر ( 39 ) الآية 74 ] ثم قبض من ساعته ( 1 ) . فسلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا . وكما كانت نتائج الثورة الحسينية في كربلاء تتبلور في انتصار الإسلام باستمرار شعائره وعدم تمكن الأعداء من القضاء عليها ، بالرغم من استشهاد الصفوة من خيرة المسلمين وعلى رأسهم الإمام أبو عبد الله الحسين السبط الشهيد عليه السلام وأهل بيته وشيعته ، فإن الظلمة لم يتمكنوا من محو الإسلام ، بل بقي مستمرا ، ممثلا في أذانه وصلاته وكعبته وسائر أصوله وضرورياته . وقد أعلن الإمام السجاد عليه السلام عن هذه الحقيقة ، وأبرز هذه النتيجة في ما أجاب به إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله ، حين قدم علي بن الحسين عليه السلام وقد قتل الحسين صلوات الله عليه استقبله إبراهيم وقال : يا علي بن الحسين ، من غلب ؟ وهو مغط رأسه وهو في المحمل - فقال له علي بن الحسين : إذا أردت أن تعلم من غلب ، ودخل وقت الصلاة ، فأذن ثم أقم ( 2 ) . فإن الإمام عليه السلام جعل استمرار الشعائر التي تذكر فيها شهادة التوحيد والرسالة ‹ صفحة 241 › علنا وعلى رؤوس الأشهاد دليلا على انتصار الحسين عليه السلام وغلبته ، وهذا من أعظم العبر لمن اعتبر ! فكذلك تبلورت نتائج مخططات الإمام السجاد عليه السلام في إحياء التشيع من جديد ، والتمهيد لقيام أولاده الأئمة عليهم السلام بالحركات التجديدية المتتالية . ‹ صفحة 243 ›





 

رد مع اقتباس
قديم 12-24-2010, 10:12 PM   #14
الشيخ حسن العبد الله
مشرف


الصورة الرمزية الشيخ حسن العبد الله
الشيخ حسن العبد الله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 232
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 03-18-2014 (09:42 PM)
 المشاركات : 352 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الخاتمة نتائج البحث ‹ صفحة 245 › وبعد هذا التجوال الذي قمنا به خلال مصادر حياة الإمام زين العابدين عليه السلام ، وأعماله وأفكاره ، وأدعيته وأحاديثه ، تمكنا من جمع شتات المؤشرات إلى الأبعاد السياسية في حياة الإمام عليه السلام . وبعد فرزنا لها في فصول الكتاب علمنا : أن الإمام زين العابدين عليه السلام قد قام بأعمال سياسية كبيرة في سبيل الأهداف الكبيرة التي من أجلها شرع الدين . وإذا لاحظنا صعوبة المهمة التي قام بها في الظروف الحرجة والخطيرة التي عايشها ، وعلى طول المدة حتى وفاته عليه السلام ، عرفنا عظمة تلك الجهود التي بذلها في خصوص هذا المجال وحده . وهو عليه السلام - وإن لم يمد يدا إلى السلاح الحديدي - إلا أنه التزم النضال بكل الأسلحة الأخرى التي لا تقل أهمية وخطورة عن السلاح الحديدي . فشهر سلاح اللسان بالخطب والمواعظ ، وسلاح العلم بالتثقيف والإرشاد ، وسلاح الأخلاق بالتربية والتوجيه ، وسلاح الاقتصاد بالإعانات والإنفاق ، وسلاح العدالة بالإعتاق ، وسلاح الحضارة بالعرفان . حتى وقف سدا منيعا في وجه أخطر عملية تحريف تهدف إبادة الإسلام من جذوره ، في الحكم الأموي الجاهلي . وبقيت الخطوط الأخرى لسياسة الإمام عليه السلام غير معلنة ولا واضحة ، أو غير مشروحة ، حتى عصرنا الحاضر ، فلذلك وقع كثير من كتاب العصر في وهم فظيع ، ‹ صفحة 246 › تجاه الموقف السياسي للإمام عليه السلام حتى نسبت إليه تهمة الانعزال عن السياسة ، بل ممالأة الظالمين ، مما لا يقبله أي شريف فضلا عمن يعتقد في زين العابدين عليه السلام أنه إمام منصوب من قبل الله تعالى ، ليلي أمور المؤمنين ! إن الإمام عليه السلام كان مسؤولا - ومن خلال منصبه الإلهي - عن كل ما يجري في العالم الإسلامي ، وقد أنجز الإمام عليه السلام بتدابير دقيقة ما يلزم من دور قيادي ، وبكل سرية وذكاء ، فشن على الطغاة الحاكمين ، وأمثالهم من الطامعين ، حربا شعواء ، لكنها باردة صامتة بيضاء في البداية ، أصبحت معلنة صبغتها دماء طاهرة من شيعته في النهاية . ولم ينقض القرن الأول ، إلا أخذت آثار سياسية الإمام زين العابدين عليه السلام تبدو على الساحة ، بشكل أشعة تنتشر من أفق مظلم طال مائة عام من الانحراف والظلم والتعدي على الإسلام بمصادره : القرآن الذي منع تفسيره وتأويله من المصادر الموثوقة . والحديث الذي منع تدوينه ونشره ، وأحرق كثير منه . ورجاله الذين نفوا ، وأخرجوا من ديارهم ، أو قتلوا تقتيلا . ومكارمه وأخلاقه وفقهه وتراثه الذي طالته أيدي التزوير والدس والتحريف . فشوهت سمعته ، وسود وجه تاريخه . لكن الإمام السجاد بمواقفه العظيمة ضمن خطط حكيمة ، تمكن من الوقوف أمام كل هذه التحديات الرهيبة ، تلك المواقف التي قدم لها حياته الكريمة . ولم تنقض فترة على وفاة الإمام عليه السلام حتى بدأ العد التنازلي للحكم الجاهلي ، وبدأ الحكام الأمويون بالتراجع عن كثير من ملتزماتهم ، وتعنتهم ، ولم تطل دولتهم بعيدا ، إلا انمحت آثارها حتى من عاصمتهم دمشق الشام . وأما أهداف الإمام السجاد عليه السلام فقد تولاها بعده ابنه الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام ، ثم من بعده الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ، فاستفادا من وهن الأمويين في تلك الفترة ، وتمكنا من تثبيت دعائم الإسلام والفكر الإمامي بأفضل ما بإمكانهما . ‹ صفحة 247 › فكونا أكبر جامعة علمية إسلامية ، تربى فيها آلاف من العلماء المبلغين للإسلام بعد استيعاب معارفه ، على أيدي الإمامين العظيمين . وقد تمكن الإمامان من رفع الغشاوة عن كثير من الحقائق المطموسة تحت أكداس من غبار التهم والتشويه والتحريف في شؤون الإسلام ، عامة ، وفي ما يرتبط بحق أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإمامة والحكم ، خاصة . وعندما نرى تصدي الحكام - من أمويين وعباسيين - للإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ومن كان على خطهما ، نجد أن ما قاما به يعد فتحا عظيما في المعيار السياسي ، وإنجازا في قاموس الحركات الاجتماعية ، خاصة في تلك العصور المظلمة . لقد قام الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام بتهيئة الكوادر الكفوءة ، وتعميق الثقافة الإسلامية في المجتمع الإسلامي ، وتسليح الأمة بالعلم ، وتثبيت قواعد العقيدة والإيمان ، لتكوين جيش عقائدي منيع ، لصد التيارات الإلحادية المبثوثة بين الأمة ، والقضاء على الطلائع الملحدة المبعوثة من قبل الحكام مثل علماء البلاط ووعاظ السلاطين . وبكل ذلك تميزت الآيولوجية الإسلامية المتكاملة ، وعلى مذهب الشيعة ، المأخوذة من ينابيع الحق والصدق ، أئمة أهل البيت عليهم السلام ، والمعتمدة على أصفى المصادر الحقة : القرآن الكريم ، والسنة الصحيحة الموثوقة ، والمتخذة من العقل الراجح منارا لتمييز الحق ، على أساس من التقوى والورع والاجتهاد ، والإيمان . فكان هذا العمل تحديا معلنا ضد الحكومات الفاسدة التي كانت تروج للتيارات العقائدية الملحدة ، والخارجة عن إطار العقائد الإسلامية ، وتدعو إلى حياة التفسخ ، والترف ، واللهو ، والفساد ( 1 ) . كما استفاد ابنه العظيم زيد الشهيد عليه السلام من الأرضية التي مهدها الإمام زين العابدين عليه السلام للثورة ، فكان عمله دعما لموقف الإمامين عليهما السلام في تنفيذ خطط الإمام ‹ صفحة 248 › زين العابدين عليه السلام واستثمار جهوده ، والاستمرار بأهدافه ( 1 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 238 › ( 1 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 17 : 243 ) . ( 2 ) مروج الذهب ( 3 : 107 ) وانظر تاريخ اليعقوبي ( 2 : 264 ) . ‹ هامش ص 239 › ( 1 ) مروج الذهب ( 3 : 107 ) . ( 2 ) رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) ( ص 126 ) رقم ( 199 ) . ( 3 ) الكامل في التاريخ لابن الأثير ( 4 / 278 ) . ‹ هامش ص 240 › ( 1 ) الكافي ( 1 / 468 ) و ( 3 / 165 ) وانظر عوالم العلوم ( ص 299 ) . ( 2 ) أمالي الطوسي ( ص 677 ) المجلس ( 37 ) الحديث 1432 / 11 . ‹ هامش ص 247 › ( 1 ) إقرأ كتاب ( الأغاني ) للوقوف على جانب منقول من هذه الحياة العابثة التي عاشها الخلفاء ! ولاحظ : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للندوي . ‹ هامش ص 248 › ( 1 ) إقرأ عن زيد الشهيد بحار الأنوار ( 46 : 168 - 209 ) وعوالم العلوم الجزء ( 18 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 248 - 257
ن تلك التدابير ، التي اتبعها الإمام السجاد وابناه الإمام الباقر وزيد الشهيد ، وحفيده الإمام الصادق عليهم السلام ، وشيعتهم المجاهدون على خطهم ، وتلك المواقف الجريئة التي اتخذوها من الحكام الظالمين والحكومات الفاسدة ، من أجل العقيدة ، لا ولن تصدر ممن يركن إلى الدعة والراحة ، أو أذهلته المصائب والفجائع . بل ، إن ما قاموا به يعد في العرف السياسي ، أهم من حمل السلاح في مثل تلك المرحلة بالذات . وأما مجموع ما أنتجته تلك الجهود والتدابير ، فهو أكبر مما تؤثره البسالة والبطولة في ميادين الحروب . وهو عمل لا يقوم به إلا أصحاب الرسالات من العلماء بالله الذين يفوق مدادهم فضلا وأثرا من دماء الشهداء . وإن من يعرف أوليات النضال السياسي ، وبديهيات التحرك الاجتماعي ، وخصوصا عند المعارضة ، ليدرك أن سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام السياسية التي عرضناها في فصول هذا الكتاب ، هي مشاعل تنير الدرب للسائرين على طريق الجهاد الشائك ، ممن يلتقي مع الإمام عليه السلام في تخليد الأهداف الإلهية السامية . وأي مناضل يعرض عن كل هذه الجهود ، ولا يعدها ( جهادا سياسيا ) ؟ ! والغريب ، أن أصحاب دعوى النضال والحركة ، في هذا العصر - وفيهم من اتهم الإمام بالانعزال السياسي - يتبجحون باسم النضال والمعارضة السياسية ، لمجرد إصدار بيان ، أو إعلان رفض ، ولو من بعد أميال عن مواقع الخطر ، ومواقف المواجهة ! ثم هم لا يعتبرون تلك التصريحات الخطيرة ، وتلك المواجهات والمواقف الحاسمة ، التي قام بها الإمام عليه السلام ، نضالا سياسيا ؟ ! وهم ، يقيمون الدنيا ، لو وقعت خدشة في إصبع لهم ، ويعتزون بقطرة دم ‹ صفحة 249 › تراق منهم ! بينما لا يحسبون لذلك الجرح الذي أثخن به الإمام عليه السلام في كربلاء ، وذلك النزيف من الدم والدمع الذي أريق منه على أثر وجوده في الساحة ، قيمة وأثرا ؟ ! مع أن الآلام التي تحملها الإمام عليه السلام في جهاده ، ومن خلال جهوده العظيمة ، والأخطار التي اقتحمها في سبيل إنجاح مخططه ، أكثر ألما ، وأعمق أثرا ، من جرح ظاهر يلتئم ، وقرح يندمل ! لكن الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام ظهر على الساحة ببطولة وشجاعة تختص به كإمام للأمة ، فتحمل آلام الجهاد وجروحه ، وصبر على آلام الجهود المضنية التي بذلها . وانفرد في الساحة في تلك الفترة الحالكة ، كألمع قائد إلهي في مواجهة أحلك الظروف وأصعبها ، وأكثر الهجمات ضراوة ، وأكثر الحكومات حقدا وبعدا عن الإسلام ، وباسم الخلافة الإسلامية . وخرج من ساحة النضال بأعمق الخطط وأدقها ، وبأبهر النتائج وأخلدها . وأما نحن - الشيعة في الوقت الحاضر - : فإنا نواجه - اليوم - حملة شرسة من أعداء المذهب ، مدعومة بحملة ضارية من أعداء الإسلام . ويشبه وضع التشيع في هذا العصر - في كثير من الجهات - ما كان عليه في القرن الأول ، إذ يعايش أجواء سياسية ونفسية متماثلة . فاليأس والقنوط يعمان الجميع ، حتى العاملين في حقل الحركات الإسلامية ، والمنضوين تحت ألوية الأحزاب والمنظمات والمجالس والمكاتب . والارتداد ، المتمثل بابتعاد عامة الناس عن خط الإمامة والولاية ، وفي ظروف غيبة الإمام عليه السلام ، التي معها تزداد الحيرة وتتأكد الشبهة . وتعدد الاتجاهات والآراء والأهواء ، التي اقتطعت أشلاء الأمة ، وفرقتها أيدي سبأ . ‹ صفحة 250 › والحكومات الجائرة ، بما تمتلك من أجهزة القمع ، وأساليب الفتك والهتك ، والسجن والقتل ، وبأحدث أساليب التعذيب ، خصوصا تلك الحاملة لسيوف التكفير ومشانق الاتهام بالردة ، وبدعوى شعارات إسلامية مزيفة . والاختراق الثقافي الهدام ، لصفوف الأمة الإسلامية وعقولها ، وبوسائل الإعلام الحديثة ، المقروءة والمسموعة والمرئية ، وباستخدام الأثير والأشعة والأقمار الصناعية ! والغزو الفكري المخلخل للوجود الديني من الداخل ، بالأفكار والشبهات المضللة ، والحملات الكاذبة ، الطائشة ضد المقدسات الإسلامية ، التي تروجها الدول الاستعمارية الحاقدة ، ويزمر لها الحكام العملاء في البلدان الإسلامية . والتصرفات العشوائية المشبوهة التي يقوم بها الضالون من رجال الدين ، والبلاطيون من وعاظ السلاطين ، والمتزلفون إلى المناصب والأموال والفخفخة والعيش الرغيد في القصور ، والمتطفلون على الموائد وفي السهرات ، والمتكؤون على أرائك الحكم وأسرة الإدارة ، والراكنون إلى الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي ، وحكموا الناس بالجور . وأصحاب الدعاوى الزائفة بالاجتهاد والمرجعية ، مع فقدان أوليات المعارف اللازمة ، والفراغ من الالتزام الصحيح بأصول العقيدة ، والانتماء المذهبي ، وإنما بالركون إلى الحزبية الضيقة ، وبدعوى الانطلاق لمسايرة الجيل المتطلع وادعاء مصادمة الواقع بالفتاوى التي لا أساس لها في الفقه ومصادره ، وبالأفكار المخالفة لضرورات الدين والمذهب ، باسم التجديد ، والتوعية ، والتوحيد ، والتأليف ! وغير ذلك من العناوين العصرية الغارة لأفكار الشباب ! وبالأموال التي توزع بأرقام كبيرة ، من مصادر مجهولة ! أو معلومة ! ! إن كل هذه الحقائق الجارية في عصرنا ، تمثل - بالضبط - الفصول التي عاصرها الإمام زين العابدين عليه السلام لكن بشكلها العصري . لكن الحق الناصع وهو ( الإسلام ) المتأصل في قلوب المؤمنين ، يتجلى أكثر مما مضى بفضل الثقافة الواسعة حول المعارف الإسلامية ، وظهور حقائق القرآن والسنة ، ‹ صفحة 251 › وفضل أهل البيت عليهم السلام ، ذلك الذي لم يعد اليوم مكتوما ولا ممنوعا . وأساليب عمل الإمام السجاد عليه السلام وجهاده وتعاليمه السياسية والاجتماعية ماثلة أمام من يطلب الحق ! فعلى كل من يريد النضال والحركة في سبيل الله ، أن يقتدي بإمامه ، ويجعل عمله مشعلا يهتدي بنور إرشاده ، ويسير على منهجه في النضال والتحرك السياسي والاجتماعي ، فيكون على بصيرة من أمر دينه ، ويصل إلى أفضل النتائج المتوخاة في أمر دنياه . والله المستعان والحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله المصطفى الأمين وآله الطاهرين ‹ صفحة 253 › الملاحق الملحق الأول : رسالة الحقوق الملحق الثاني : من تقاريظ الكتاب نثرا ونظما الملحق الثالث : تقرير موجز عن المباراة الكتابية عن الإمام السجاد عليه السلام . ‹ صفحة 255 › الملحق ( 1 ) رسالة الحقوق عن الإمام السجاد عليه السلام برواية أبي حمزة الثمالي بسم الله الرحمن الرحيم توثيق الرسالة : اتفقت المصادر الحديثية - كافة - على نسبة هذا الكتاب إلى الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . برواية أبي حمزة الثمالي ثابت بن دينار الشهير بابن أبي صفية الأزدي الكوفي ، صاحب الدعاء المشهور باسمه الذي يتلى في أسحار شهر رمضان المبارك ، وقد توفي عام ( 150 ) لقي من الأئمة السجاد والباقر والصادق والكاظم عليهم السلام . قال النجاشي : كان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث ، وروى عنه العامة ( 1 ) . وقد نسبه إليه النجاشي باسم ( رسالة الحقوق ) عن علي بن الحسين عليه السلام ، ثم أسند روايتها إليه ( 2 ) . لكن المنقول عن الكليني أنه أوردها في ما جمعه باسم ( رسائل الأئمة عليهم السلام ) مما يدل على كون لكتاب ( رسالة ) بعثها الإمام عليه السلام إلى بعض أصحابه ( 3 ) ، وبهذا جاء ‹ صفحة 256 › التصريح في بعض أسانيد الرسالة ( 1 ) . ولعل المرسل إليه هو أبو حمزة نفسه وبذلك يوجه اختصاص روايتها به ، وانتهاء الأسانيد كلها إليه . مصادر الرسالة : تعددت مصادر هذه الرسالة : فأوردها من القدماء الشيخ الصدوق في العديد من كتبه : أعظمها كتاب من لا يحضره الفقيه ، الذي هو من الأصول الحديثية الأربعة ، وأوردها في الخصال ، والأمالي . والشيخ الصدوق أسند رواية الكتاب إلى أبي حمزة الثمالي في الخصال والأمالي ، إلا أنه حذف الإسناد في الفقيه ، على دأبه فيه حيث أنه يحذف الأسانيد ويحيل على المشيخة التي أعدها لذكرها ، فلا يعد الحديث - في هذا الفرض - مرسلا . وقد أورد أسانيده إلى أبي حمزة الثمالي في المشيخة وقال : وطرقي إليه كثيرة ولكنني اقتصرت على طريق واحد منها ( 2 ) . وأما الكليني : فالمنقول عن ابن طاوس في فلاح السائل من قوله : ( روينا بإسنادنا في كتاب ( الرسائل ) عن محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده إلى مولانا زين العابدين عليه السلام ) ( 3 ) يدل على كون الحديث مسندا عند الكليني . إلا أن كتاب ( الرسائل ) مفقود ، وابن طاوس نقل عنه هكذا بحذف الإسناد . ومن المحتمل قويا أن يكون الكليني قد رواه عن شيخه علي بن إبراهيم ، الذي يروي الرسالة كما في سند النجاشي ، كما سيأتي . وقد أورد ابن شعبة الحراني الحسن بن علي بن الحسين أبو محمد هذه ( الرسالة ) في كتابه العظيم ( تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ) وهي مرسلة شأن كل ما ‹ صفحة 257 › في الكتاب . إلا أن من المطمأن به كون رواياته في الأصل مسندة ، لأمرين : الأول : لقوله في مقدمة الكتاب : وأسقطت الأسانيد ، تخفيفا وإيجازا ، وإن كان أكثره لي سماعا ، ولأن أكثره آداب وحكم تشهد لأنفسها ( 1 ) . فقد حذف الأسانيد تخفيفا ، وهذا أمر متداول عند المؤلفين ، بعد عصر التدوين ، لثبوت الأسانيد في مواضعها من الأصول المنقول منها ، وإن كانت المحافظة على الأسانيد وإثباتها أحوط ، لما يتعرض له التراث من الآفات . وكذلك حذف الأسانيد ، لأن الحاجة إليها إنما هي ماسة في باب الأحكام ومسائل الشريعة ، وأما الآداب والحكم فلا تكون الأحاديث فيها إلا مرشدة إلى ما يقتضيه العقل والحكمة والتدبير ، والمضامين تشهد بصحة الأحاديث من دون تأثير الأسانيد في ذلك . فأحاديث الكتاب وإن كانت على ظاهر الإرسال إلا أنها مسندة واقعا . الثاني : إن أحاديث الكتاب مروية بأسانيدها في المصادر المتقدمة ، ولا يرتاب الناظر إلى كتاب ( تحف العقول ) في كون مؤلفه على جانب كبير من العلم والمعرفة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 248 › ( 1 ) إقرأ عن زيد الشهيد بحار الأنوار ( 46 : 168 - 209 ) وعوالم العلوم الجزء ( 18 ) . ‹ هامش ص 255 › ( 1 ) رجال النجاشي ( ص 115 ) رقم 296 . لكنهم انهالوا عليه قدحا وجرحا ، وبما أنا لم نجد في ما روي عنه ، وبطريقه ما يقتضي ذمه ، فضلا عن جرحه ، نعرف أنه لا سبب لموقفهم منه إلا التعصب المذهبي والطائفية البغيضة ، وإلا فالرجل كما وصفه النجاشي وغيره من علماء الرجال الإمامية ، وقد حرم العامة أنفسهم من معارف أهل البيت عليهم السلام بمثل هذه المواقف الظالمة . ( 2 ) المصدر ( ص 116 ) . ( 3 ) نقله في مستدرك الوسائل ( 11 / 169 ) عن فلاح السائل ابن طاوس ، وسيأتي . ‹ هامش ص 256 › ( 1 ) الخصال ( ص 564 ) رقم ( 1 ) . ( 2 ) شرح مشيخة الفقيه ( ص 36 ) من المطبوع مع الفقيه ، الجزء الرابع . ( 3 ) مستدرك الوسائل ( 11 / 169 ) . ‹ هامش ص 257 › ( 1 ) تحف العقول ( ص 3 ) . ( 2 ) لاحظ مستدرك الوسائل ( 11 / 169 ) . ( 3 ) تحف العقول ( ص 255 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 257 - 264
الحديث وشؤونه ، مما يربأ به من إثبات ما لا سند له في كتابه مع تصريحه بنسبة ما أثبته إلى الأئمة عليهم السلام ، ومن المعلوم أن النسبة لا يمكن الجزم بها إلا مع ثبوت الأسانيد . وفي خصوص رواية ( رسالة الحقوق ) فإن ما أثبته من النص موافق لما نقله ابن طاوس عن ( رسائل ) الكليني ( 2 ) وقد عرفت كون روايته مسندة . وقد سماها ابن شعبة ب‍ ( رسالة الحقوق ) ( 3 ) وهو الاسم الذي ذكره النجاشي لها ، عندما أسند إليها ، كما مر . ‹ صفحة 258 › مجموعة الأسانيد : 1 - سند الصدوق في الخصال : قال الصدوق : حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عيه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ، قال : حدثنا خيران بن داهر ، قال : حدثني أحمد بن علي بن سليمان الجبلي ، عن أبيه ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن فضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : هذه رسالة علي بن الحسين عليه السلام إلى بعض أصحابه ( 1 ) . 2 - سند الصدوق في الأمالي : قال الصدوق : حدثنا علي بن أحمد بن موسى ، قال حدثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسدي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : ( 2 ) 3 - سند النجاشي : قال : أخبرنا أحمد بن علي ، قال : حدثنا الحسن بن حمزة ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليهما السلام ( 3 ) أما سند الصدوق في ( الفقيه ) : فقد ذكر في موضع الحديث ما نصه : روى إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار ، عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال ( 4 ) مما يدل على كون سنده إليه هو سند الأمالي المنتهي إلى إسماعيل بن الفضل ، لكنه ‹ صفحة 259 › قال في المشيخة : ( وما كان فيه : عن أبي حمزة الثمالي ، فقد رويته عن أبي رضي الله عنه ، عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، ثابت بن دينار الثمالي ( 1 ) . وهذا السند يختلف عن أسانيد الصدوق السابقة ، فيظهر الاختلاف بين ما أثبته في الكتاب ، وبين السند المثبت في المشيخة . ولو كان إرجاع الصدوق في المشيخة على طريقه إلى ( إسماعيل بن الفضل ) وهو الهاشمي ، فقد قال : رويته عن جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه عن الحسين بن محمد ابن عامر ، عن عمه عبد الله بن عامر ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبد الرحمان بن محمد ، عن الفضل بن إسماعيل بن الفضل ، عن أبيه إسماعيل بن الفضل الهاشمي ( 2 ) . وهذا السند لا يجتمع مع أسانيده السابقة في شئ ، فالأمر كما قلنا مرتبك ، إلا أن يتدارك بما أفاده بقوله : ( وطرقي إليه كثيرة ولكنني اقتصرت على طريق واحد منها ) ( 3 ) وجعل ذلك دالا على التزامه بنظرية ( التعويض ) بين الأسانيد . وقد صرح المجلسي الأول المولى محمد تقي في قول الصدوق في الفقيه ( روى إسماعيل بن الفضل بإسناده ) بقوله : ( القوي كالصحيح ) ( 4 ) . والظاهر حكمه على سند الصدوق في الأمالي المنتهي إلى إسماعيل . وقال النوري في سند النجاشي : إنه أعلى وأصح من طريق الصدوق في الخصال إلى محمد بن الفضيل ( 5 ) . ويظهر من المشجرة التي رتبناها أن سند النجاشي ليس أعلى من سند الصدوق في الأمالي ، لاستواء عدد الرواة من كل منهما إلى أبي حمزة . مع أن سند النجاشي ليس سالما من النقد ، من جهة رواية ( إبراهيم بن هاشم ) مباشرة عن ( محمد بن الفضيل ) فإن المعروف مكررا روايته عن البزنطي ، ورواية ‹ صفحة 260 › البزنطي عن ( محمد بن الفضيل ) كما ورد في سند الصدوق في المشيخة إلى أبي حمزة . ومع ذلك فإن السيد الإمام البروجردي قال في ( طبقات رجال النجاشي ) عند ذكر محمد بن الفضيل : ( عن أبي حمزة ، عنه إبراهيم بن هاشم ، كأنه من السادسة ) وعلق : وروايته عن أبي حمزة محل ريب ( 1 ) . ومهما يكن ، فإن تعدد الأسانيد والطرق إلى أبي حمزة ، لم يدع مجالا للبحث السندي في هذا الكتاب ، خصوصا على المنهج المختار من عدم اللجوء إلى المعالجات الرجالية إلا في مواقع استقرار التعارض بعدم المرجحات ، والمفروض هنا عدم وجود ما يعارض مضامين هذه الرواية أصلا . مضافا إلى ما عرفت من أن أمثال هذه المضامين ، الدائرة حول الآداب والحكم ليست بحاجة إلى الأسانيد ، لشهادة الوجدان بما فيها . والأهم من كل ذلك تلقي كبار المحدثين لها بالقبول بإيرادها في كتبهم ، المؤلفة للعمل ، خصوصا كتاب الفقيه الذي وضعه المؤلف على أن يكون حجة بينه وبين الله تقدس ذكره ، وأن جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع ( 2 ) وهذا كاف في تجويز النسبة المعتبرة في الكتب . ‹ صفحة 261 › محتوى المتن : تحتوي الرسالة على ( خمسين حقا ) . وقد جاء التصريح بهذا العدد ، في خاتمة المتن الذي أورده في تحف العقول ، فقال : ( فهذه خمسون حقا محيطا بك ) ( 1 ) والصدوق لم يورد هذه الخاتمة في رواياته ، إلا أنه التزم بكون عدد الحقوق ( خمسين حقا ) في كتابه الخصال حيث عنون للباب الذي أورد الرسالة فيه بأبواب الخمسين فما فوقه ، وذكر الرسالة في أول حديث في الباب ، وقال : الحقوق الخمسون التي كتب بها علي بن الحسين سيد العابدين عليه السلام إلى بعض أصحابه ( 2 ) . وقد التزم أكثر المعاصرين الذين أوردوا متن الرسالة في مطبوعاتهم بترقيم الحقوق ، فزاد بعضهم رقما واحدا فكان العدد ( 51 ) . والسبب في ذلك أن الصدوق ذكر في رواياته ( حق الحج ) وهذا لم يرد في رواية تحف العقول ، فلما جمع المؤلفون بين الروايتين ، اعتقادا بوحدة الرسالة ، زاد عندهم هذا العدد الواحد . ووجود ( حق الحج ) ضروري : 1 - لأنه من فروع الدين الهامة ، ومما بني عليه الإسلام من العبادات الخمس الواجبة ، كما في روايات كثيرة ( 3 ) فلا بد من ذكره ، كما ذكرت بقية العبادات . 2 - أن الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ، أورد هذه الرسالة في ملحقات كتاب الحج ، ولا ريب في لزوم وجود ارتباط بينها وبين الحج ، ولو بهذا المقدار ، فليلاحظ . ثم إن المؤلفين المعاصرين ارتبكوا كثيرا في ترقيم سائر الحقوق ، فلم يرقموا ما هو ‹ صفحة 262 › حق من جهة ، ورقموا ما ليس بحق من جهة أخرى ، وإليك بيان ذلك : 1 - عد جميع المؤلفين ( حق نفسك ) بالرقم [ 2 ] مع أنه ليس حقا مستقلا ، وإنما المراد منه حق أعضاء نفس الإنسان ، بقرينة قوله - في المقدمة - في جوامع الحقوق : ( [ ب ] ثم ما أوجبه الله عز وجل لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك ، فجعل للسانك . . . ) ( 1 ) وهذا واضح في كون المراد بحق النفس ، حق ما لنفس الإنسان ، أي في جوارحه ، في مقابل قوله بعد ذلك : ( ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك ) ( 2 ) ثم إنه ذكر عند تفصيل حقوق الأعضاء : ما نصه : ( وأما حق نفسك عليك أن تستعملها في طاعة الله : فتؤدي إلى لسانك حقه ) ( 3 ) ، فوجود الفاء في ( فتؤدي ) يقتضي كون ما بعدها تفريعا وتفصيلا لما قبله . ومن الواضح أنه لم يذكر للنفس حقا غير استعمال الجوارح ، فيدل على أن المراد بالنفس ( شخص الإنسان ) لا النفس الناطقة ، فليس المراد وضع حق خاص لها ، دون الجوارح حتى يضاف على حقوقها . والغريب أن طابع ( تحف العقول ) عد هذا الحق برقم [ 2 ] بينما لم يذكر ( حق الحج ) فأخل بالحقين كما سيتضح . 2 - ذكر في مقدمة الرسالة ، في جوامع الحقوق : ( [ ج ] ثم جعل عز وجل لأفعالك عليك حقوقا ) ثم ذكر الواجبات وقال في آخرها : ( ولأفعالك عليك حقا ) ( 4 ) فتكون الحقوق المذكورة ( ستة ) آخرها ( حق الأفعال ) . وقد ذكر في تحف العقول ( حق الأفعال ) بعد [ 13 ] ( حق الهدي ) بقوله : ( واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير . . . ) إلى آخره ( 5 ) . ‹ صفحة 263 › فلا بد أن يكون حق الأفعال ، مستقلا ، غير حق الواجبات الخمسة المذكورة أولا ، ويؤيده أن محتواه لا يرتبط بما سبقه بشكل مستقيم ، بل هو أمر عام لها ولغيرها . والظاهر أن المراد بحق الأفعال هو حد العمل الذي يجب على الإنسان القيام به في كل مجال ، حتى في غير الواجبات الخمسة المذكورة أولا ، وهذا أصل عظيم له دور كبير في حياة الإنسان . لكن جميع المؤلفين أهملوا هذا الحق في الترقيم ، كما أن روايات الصدوق لم تورده إطلاقا ، وهو الحق [ 14 ] بترقيمنا . 3 - اعتبر المؤلفون ( حق المملوك ) برقم مستقل [ 21 ] بينما هو داخل في حق الرعية بالملك ، وله موردان : ( الزوجة والمملوك ) وهذا هو ثالث حقوق الرعية : بالسلطان ، وبالعلم ، وبالملك ، وقد صرح في المقدمة - في أصول الحقوق - بعنوان [ ه ] بأن حقوق الرعية ثلاثة . بينما تصير حسب ترقيمهم ، أربعة ! والظاهر أن الموجب لهذا الارتباك هو ملاحظتهم لكلمة ( حق ) وعدهم لها - حيث وقعت - برقم مستقل ، من دون تأمل في المعاني . وقد وفقنا الله لتلافي كل هذا الارتباك فرتبنا النص إلى أصول الحقوق ، وهي السبعة المعلمة برموز من حروف ( أ ، ب ، ج ، د ، ه‍ ، و ، ز ) . وإلى فروع الحقوق ، وهي الخمسون ، مرقمة بالأعداد ، ومطبوعة بالحروف البارزة . وإلى بنود الحقوق ، وهي موادها المذكورة تحت عنوان كل حق ، ذكرنا كل مادة منها في سطر مستقل مبدوءا بشريط في أول السطر : ( - : ) . وبما أن النص الذي أثبتناه هو جامع بين كل الروايات الواردة وملفق منها ، وهي رواية تحف العقول التي اتخذناها أصلا ، وروايات الصدوق . * فقد وضعنا المعقوفين ليحتويا ما ورد في روايات الصدوق زيادة على ما في تحف العقول . * ووضعنا بين القوسين ما اختصت به رواية تحف العقول ، ولم يرد في ‹ صفحة 264 › روايات الصدوق . * وما خرج عن المعقوفين والقوسين ، فهو مشترك بين النصين ووارد في جميع الروايات . * وما أضفناه من العناوين وغيرها ، فقد نبهنا على وجه إضافته . اختلاف النسخ : ثم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 257 › ( 1 ) تحف العقول ( ص 3 ) . ( 2 ) لاحظ مستدرك الوسائل ( 11 / 169 ) . ( 3 ) تحف العقول ( ص 255 ) . ‹ هامش ص 258 › ( 1 ) الخصال ( ص 564 ) رقم ( 1 ) . ( 2 ) الأمالي للصدوق ( ص 302 ) وهو تمام المجلس ( 59 ) في ربيع الآخر سنة ( 368 ) . ( 3 ) رجال النجاشي ( ص 116 ) رقم ( 296 ) . ( 4 ) من لا يحضره الفقيه ( 2 / 376 ) . ‹ هامش ص 259 › ( 1 ) مشيخة الفقيه ( ص 36 ) طبع مع الجزء الرابع من ( من لا يحضره الفقيه ) . ( 2 ) مشيخة الفقيه ( ص 102 ) . ( 3 ) مشيخة الفقيه ( ص 36 ) . ( 4 ) روضة المتقين ( 5 / 500 ) . ( 5 ) مستدرك الوسائل ( 11 / 169 ) ‹ هامش ص 260 › ( 1 ) الموسوعة الرجالية ( 6 ) رجال أسانيد فهرست الشيخ النجاشي ( ص 613 ) السطر الأول . ( 2 ) من لا يحضره الفقيه ( 1 / 3 ) . ‹ هامش ص 261 › ( 1 ) تحف العقول ( ص 272 ) . ( 2 ) الخصال ( ص 564 ) . ( 3 ) راجع وسائل الشيعة ( 1 / 14 - 29 ) الباب الأول ( وجوب العبادات الخمس ) من أبواب مقدمة العبادات . ‹ هامش ص 262 › ( 1 ) لاحظ الرسالة ( ص 271 ) . ( 2 ) لاحظ الرسالة ، المقدمة ( ص 271 ) . ( 3 ) لاحظ الرسالة ( ص 273 ) . ( 4 ) لاحظ الرسالة ( ص 271 ) . ( 5 ) تحف العقول ( ص 255 ) لاحظ الرسالة الحق رقم [ 14 ] . ‹ هامش ص 264 › ( 1 ) مستدرك الوسائل ( 11 / 170 ) . ( 2 ) لاحظ الخلاصة ، رجال العلامة الحلي ( ص 147 ) رقم ( 44 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 264 - 272
إن من الملاحظ وجود اختلاف بين ما أورده في تحف العقول وبين روايات الصدوق ، من جهة ، وبين رواية الصدوق في بعض كتبه وبين ما أورده في بعضها الآخر ، في عبارات من متن الحديث زيادة وحذفا تارة ، وإجمالا وتفصيلا أخرى . ووقوع مثل هذا الاختلاف في الأحاديث الطوال أمر غير عزيز ، يعود ذلك أساسا إلى اعتماد الرواة على النقل بالمعنى ، لأن أمثال هذه الروايات تهدف إلى إبلاغ معانيها ، وأداء مضامينها ، ولا يدخل في القصد منها ما يوجب المحافظة على ألفاظها بنصوصها ، وليست كما هو المفروض في الكلمات القصار ، والخطب البلاغية المبتنية على إعمال الصناعات اللفظية والمحسنات البديعية المؤثرة في نفوس السامعين إلى جانب المعاني والمؤديات . ومن المحتمل أيضا أن يلجأ بعض الرواة إلى الاختصار لأمثال هذه الأحاديث الطوال ، والاقتصار على الجمل المهمة فقط . وقد حمل بعض المتأخرين الشيخ الصدوق مسؤولية القيام بالاختصار ، قائلا : ( إنه يختصر الخبر الطويل ، ويسقط منه ما أدى نظره إلى إسقاطه ) ( 1 ) . لكن هذا تحامل على الشيخ الصدوق المعترف له بكثرة النقل للأخبار والحفظ والمعرفة بالحديث والرجال والآثار ( 2 ) . ومع احتمال النقل بالمعنى كما ذكرناه ، لم تصل النوبة إلى احتمال الاختصار أصلا . مع أن أصل الاختصار أمر جائز لا مانع منه ، إذ هو عبارة عن تقطيع الحديث ، المعمول به ، والمقبول من دون نزاع ، لتعلق غرض المحدث ببعض الحديث ‹ صفحة 265 › فيقتصر عليه . مضافا إلى أنه لا دليل على نسبة الاختصار - المفروض - إلى الشيخ الصدوق . فمن المحتمل - قويا - أن يكون بعض الرواة السابقين على الصدوق ، قد اختصر النص ، ورووه له مختصرا . ويشهد لهذا الاحتمال : أن روايات الصدوق في كتبه المختلفة هي في نفسها متفاوتة . مع أن الأصل هو رواية اللفظ . إلا أن المقارنة بين النصين تعطي اطمئنانا بأن الرواة مع اختصارهم للنص ، عمدوا إلى نقل مقاطع بطريق رواية المعنى ، فالنصان لا يختلفان في المعنى عند اختلافهما في اللفظ ، وعند اتفاقهما في اللفظ فالاختصار ملحوظ . وأما وحدة النص الصادر من الإمام عليه السلام ، فالدليل عليه أمران : الأول : الاستبعاد الواضح في أن توجه رسالة بنصين مختلفين إلى شخص معين ، ويرويهما راو واحد ، من دون ذكر التفاوت بينهما . الثاني : تطابق أكثر عبارات النصين لفظا من دون أدنى تفاوت مما يدل على وجود أصل مشترك بينهما ، وعلى أخذ المختصر من المفصل . النص المختار : ومهما يكن ، فإنا تمكنا بالمقارنة الدقيقة بين النصين من انتخاب نص جامع ، بالتلفيق بينهما ، بحيث لا يشذ عنه شئ من عبارتيهما ، ولا كلمة واحدة مؤثرة في المعنى . وبما أن نص ( تحف العقول ) هو أوفى ، وأجمع ، وأسبك ، وأكثر تفصيلا فقد جعلناه ( الأصل ) وأوعزنا إلى ما في روايات الصدوق من الفوائد والزوائد ، بما لا يفوت معه شئ مما له دخل في جميع أبعاد النص . وقد أشرنا إلى الرموز المستعملة في عملنا سابقا . ولم نشر إلى الأخطاء الواضحة ، ولا الاختلافات المرجوحة ، تخفيفا للهوامش . نسخ الرسالة : لقد تداول الأعلام هذه الرسالة القيمة بالرعاية والعناية ، وتناقلوها على طولها في ‹ صفحة 266 › مؤلفاتهم ، فقد وردت في الكتب التالية مخطوطها ومطبوعها ، كما نشرت مستقلة أيضا ، وإليك ما وقفنا عليه من طبعاتها : 1 - كتاب من لا يحضره الفقيه ، للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين ( ت 381 ) وقد أوردها في نهاية كتاب الحج ، بعنوان ( باب الحقوق ) فلاحظ ( ج 2 ص 371 - 381 ) من طبعة النجف . 2 - روضة المتقين شرح الفقيه ، للمحدث المولى محمد تقي المجلسي الأول ( ت 1070 ) في ( ج 5 ص 500 - 527 ) مشروحة . 3 - الخصال ، للشيخ الصدوق ، في أبواب الخمسين فما فوقه ( 564 - 570 ) . 4 - الأمالي ، للشيخ الصدوق ، في المجلس ( 59 ) ( ص 301 - 306 ) . 5 - تحف العقول ، لابن شعبة الحراني ( ق 4 ) ( ص 255 - 272 ) . 6 - مكارم الأخلاق ، للطبرسي صاحب مجمع البيان ( ق 6 ) ( ص 455 ) . 7 - بحار الأنوار ، للعلامة المجلسي محمد باقر بن محمد تقي ( ت 1110 ) في الجز ( 74 ) . 8 - عوالم العلوم والمعارف ، للشيخ عبد الله البحراني ( ق 12 ) في الجز ( 18 ) . 9 - مستدرك الوسائل ، للمحدث النوري حسين بن محمد تقي ( ت 1320 ) في ( 2 / 274 ) من الطبعة الأولى و ( 11 / 154 ) من الطبعة الحديثة . 10 - أعيان الشيعة ، للإمام السيد محسن الأمين العاملي ( ج 4 ص 215 - 230 ) . 11 - بلاغة علي بن الحسين عليه السلام ، للشيخ جعفر عباس الحائري ( المعاصر ) ( ص 130 - 163 ) . 12 - الإمام زين العابدين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرم الموسوي ( ت 1391 ه‍ ) ( ص 118 - 135 ) . 13 - حياة الإمام زين العابدين عليه السلام للشيخ باقر شريف القرشي ( المعاصر ) ( ص 477 - 511 ) . 14 - شرح رسالة الحقوق ، للخطيب السيد حسن القبانچي الحسيني فقد شرح الرسالة في مجلدين ، طبعا في النجف ، وأعيدا في قم ( 1406 ) وبيروت . ‹ صفحة 267 › 15 - وتنسب إلى الإمام زيد الشهيد باسم ( الرسالة الناصحة والحقوق الواضحة ) وتشبه أن تكون مختصرة من رسالة الحقوق المروية عن والده الإمام زين العابدين عليه السلام كما جاء في مؤلفات الزيدية ( 2 / 44 ) رقم ( 1608 ) لصديقنا العلامة السيد أحمد الحسيني . وذكر صديقنا الكاتب المعجمي الشيخ عبد الجبار الرفاعي كتاب الحقوق للإمام زيد بن علي ، في كتابه : معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت عليهم السلام ( ج 8 ص 181 ) برقم ( 20453 ) وقال : مخطوط في الجامع الكبير في صنعاء برقم 2364 . كما ذكرها في هذا الجزء بعنوان ( رسالة الحقوق ) برقم ( 20491 ) وأورد طبعاتها ، ومنها : بغداد 1369 هج ( 179 ص ) تحقيق عبد الهادي المختار ، سلسلة حديث الشهر ( 6 ) . والأعمال المؤلفة حول ( رسالة الحقوق ) ضمن ما أورده الشيخ الرفاعي مما كتب عن الإمام السجاد عليه السلام في هذا المجلد هي بالأرقام : * 20372 : رسالة إمام زين العابدين ( بالاردو ) . * 20399 رسالة حقوق إخوان ( ترجمة فارسية ) . * 20400 : رسالة حقوق ( ترجمة فارسية ) . * 20489 : رسالة الحقوق ( ترجمة فارسية ) . * 20490 : رسالة الحقوق ( بالاردو ) . * 20742 : النهجين في شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين عليه السلام ، للشيخ صالح بن مهدي الساعدي . . . سندنا إلى رواية الرسالة : لقد من الله على الأمة الإسلامية ببذل الجهد والعناية في حفظ التراث الإسلامي ، وخصوص الحديث الشريف ، بالمراقبة التامة عليه ، وتحمله بكل دقة وأدائه بكل احتياط ، وقد وفقنا الله تعالى للسلوك في السلسلة الشريفة لرواة الحديث بطريقة الإجازة المتداولة بين الأعلام والمتعارف عليها بين علماء الإسلام ، وبذلك تتصل ‹ صفحة 268 › = = بطرق مشايخنا الكرام إلى رواية هذه الرسالة . فأروي عن مشايخي الكرام وهم عدة ممن لقيتهم من المشايخ ، وأولهم وأعلاهم سندا شيخ مشايخ الحديث في القرن الرابع عشر الإمام الشيخ آقا بزرك الطهراني ( 1293 - 1389 ) وآخرهم سيد مشايخ العصر الحجة النسابة السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي ( 1315 - 1411 ) بطرقهما المتصلة بالعنعنة المقدسة ، إلى ابن طاوس ، وابن شعبة ، والنجاشي ، والصدوق ، والكليني ، أئمة الحديث الذين أثبتوا هذه الرسالة في مؤلفاتهم ، بأسانيدهم التي أثبتناها سابقا . وقد فصلنا ذكر الطرق والمشايخ إلى المؤلفات والأصول والكتب في ثبتنا الكبير ( ثبت الأسانيد العوالي من مرويات الجلالي ) والحمد لله على توفيقه . وبعد : فإن ما نقدمه اليوم هو أوثق ما طبع حتى الآن لهذه الرسالة من النصوص - سواء ما جاء ضمن المؤلفات أم ما طبع مستقلا ؟ - بالنسبة إلى المقارنة الدقيقة بين جميع النسخ والمرويات ، وإلى انتخاب النص الموحد الجامع لكل ما جاء فيها ، وإلى إخراجه وتنظيمه وترقيمه . وأملنا أن نكون بتقديمه ، قد أدينا بعض ما يجب علينا تجاه التراث الإسلامي العزيز ، من واجبات التحمل والصيانة ، والضبط والتحقيق ، والأداء والتبليغ . والحمد لله على نعمه المتواترة ، حمدا كما هو أهله وكما يحب أن يحمد ، ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله محمد ، وعلى الأئمة الأطهار من آله الأخيار أولي العدل والفضل والمجد . حرر في السابع عشر من ربيع المولود عام 1417 ه . وكتب السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ‹ صفحة 269 › وهذه مشجرة الأسانيد ، ويظهر منها مدى الارتباط بينها ، وقرب الإسناد وبعده في كل منها ، ومدى أخذ بعض المصادر من الآخر . * * * إطبع المشجرة بالإسكنر ملاحظة : الخطوط المنقوطة تدل على أن السند مستخرج ولم نجده في ثبت أو مصدر ، وتبدأ الأسانيد من الأسفل إلى الأعلى .


 

رد مع اقتباس
قديم 12-24-2010, 10:15 PM   #15
الشيخ حسن العبد الله
مشرف


الصورة الرمزية الشيخ حسن العبد الله
الشيخ حسن العبد الله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 232
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 03-18-2014 (09:42 PM)
 المشاركات : 352 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



رسالة الحقوق بسم الله الرحمن الرحيم [ المقدمة ] إعلم - رحمك الله - أن لله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها [ أو حال حلتها ] أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها أو آلة تصرفت بها ( بعضها أكبر من بعض ) : [ ا ] فأكبر حقوق الله عليك : ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من [ 1 ] حقه الذي هو أصل الحقوق ( ومنه تفرع ) . [ ب ] ثم ما أوجبه الله عز وجل لنفسك ، من قرنك إلى قدمك ، على اختلاف جوارحك : فجعل [ 2 ] للسانك عليك حقا ( 1 ) و [ 3 ] لسمعك عليك حقا ، و [ 4 ] لبصرك عليك حقا ، و [ 5 ] ليدك عليك حقا ، و [ 6 ] لرجلك عليك حقا ، و [ 7 ] لبطنك عليك حقا ، و [ 8 ] لفرجك عليك حقا . فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال . [ ج ] ثم جعل عز وجل لأفعالك عليك حقوقا : فجعل [ 9 ] لصلاتك عليك حقا ، و [ 10 ] لحجك عليك حقا ( 2 ) ، و [ 11 ] لصومك عليك حقا ، و [ 12 ] لصدقتك عليك حقا ، و [ 13 ] لهديك عليك حقا ، و [ 14 ] لأفعالك عليك حقا . ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك ، من ذوي الحقوق الواجبة عليك ، وأوجبها ‹ صفحة 272 › عليك : [ د ] حقوق أئمتك ، ثم [ ه‍ ] حقوق رعيتك ، ثم [ و ] حقوق رحمك ، فهذه حقوق يتشعب منها حقوق . [ د ] فحقوق أئمتك ثلاثة : أوج
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 264 › ( 1 ) مستدرك الوسائل ( 11 / 170 ) . ( 2 ) لاحظ الخلاصة ، رجال العلامة الحلي ( ص 147 ) رقم ( 44 ) . ‹ هامش ص 271 › ( 1 ) في التحف ، أخر ذكر اللسان عن السمع والبصر ، هنا ، لكنه قدمه عليهما في ذكر تفصيل الحقوق ، فكان ما أثبتناه هنا أنسب . ( 2 ) الحق رقم [ 10 ] لم يذكر في رواية التحف ، لا هنا ولا في تفصيل الحقوق ، وإنما ورد في روايات الصدوق ، فقط ، فلاحظ ما ذكرناه عند التفصيل عن الحق [ 10 ] . ‹ هامش ص 272 › ( 1 ) في غير التحف : الأولى فالأولى . ( 2 ) ما بين المعقوفين هنا زيادة منا ، لتحديد عناوين أصول الحقوق السبعة ، والمعبر عنها ب‍ ( الحقوق الجارية . . . ) في آخر هذه المقدمة ، فلاحظ . ( 3 ) أضاف في النسخ هنا : ( ثم حق غريمك الذي تطالبه ) وهذا غير مذكور في تفاصيل الحقوق ، لا في الصدوق ولا التحف ، وبدونه تتم الحقوق : خمسين حقا ، فالظاهر كونه زائدا .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 272 - 280
ها عليك [ 15 ] حق سائسك بالسلطان ، ثم [ 16 ] حق سائسك بالعلم ، ثم [ 17 ] حق سائسك بالملك . وكل سائس إمام . [ ه‍ ] وحقوق رعيتك ثلاثة : أوجبها عليك [ 18 ] حق رعيتك بالسلطان ، ثم [ 19 ] حق رعيتك بالعلم ، فإن الجاهل رعية العالم ، ثم [ 20 ] حق رعيتك بالملك : من الأزواج وما ملكت الأيمان . [ و ] وحقوق رحمك كثيرة ، متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة فأوجبها عليك [ 21 ] حق أمك ، ثم [ 22 ] حق أبيك ، ثم [ 23 ] حق ولدك ، ثم [ 24 ] حق أخيك ، ثم الأقرب فالأقرب ، والأول فالأول ( 1 ) . [ ز ] ثم [ حقوق الآخرين ] ( 2 ) : [ 25 ] حق مولاك المنعم عليك ، ثم [ 26 ] حق مولاك الجارية نعمتك عليه ، ثم [ 27 ] حق ذي المعروف لديك ، ثم [ 28 ] حق مؤذنك لصلاتك ، ثم [ 29 ] حق إمامك في صلاتك ، ثم [ 30 ] حق جليسك ، ثم [ 31 ] حق جارك ، ثم [ 32 ] حق صاحبك ، ثم [ 33 ] حق شريكك ، ثم [ 34 ] حق مالك ، ثم [ 35 ] حق غريمك الذي يطالبك ( 3 ) ، ثم [ 36 ] حق خليطك ، ثم [ 37 ] حق خصمك المدعي عليك ، ثم [ 38 ] حق خصمك الذي تدعي عليه ، ثم [ 39 ] حق مستشيرك ، ثم [ 40 ] حق المشير عليك ، ثم [ 41 ] حق مستنصحك ، ثم [ 42 ] حق الناصح لك ، ثم [ 43 ] حق من هو أكبر منك ، ثم [ 44 ] حق من هو أصغر منك ، ثم [ 45 ] حق سائلك ، ثم [ 46 ] حق من سألته ، ثم [ 47 ] حق ‹ صفحة 273 › من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل ، عن تعمد منه أو غير تعمد [ ثم [ 48 ] حق من جرى على يديه مسرة من قول أو فعل ] ( 1 ) ثم [ 49 ] حق أهل ملتك عامة ، ثم [ 50 ] حق أهل ذمتك . ثم ( 2 ) الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرف الأسباب . فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ، ووفقه لذلك وسدده ( 3 ) . [ ا - حق الله ] ( 4 ) [ 1 ] فأما حق الله الأكبر عليك : - فإن تعبده لا تشرك به شيئا ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ( ويحفظ لك ما تحب منها ) . [ ب - حقوق الأعضاء ] ( 5 ) وأما حق نفسك ( 6 ) عليك : أن تستعملها ( 7 ) في طاعة الله : ( فتؤدي إلى لسانك حقه ، وإلى سمعك حقه ، وإلى بصرك حقه ، وإلى يدك حقها ، وإلى رجلك حقها ، وإلى بطنك حقه ، وإلى فرجك حقه ، وتستعين بالله على ذلك ) : ‹ صفحة 274 › [ 2 ] وأما حق اللسان : - فإكرامه عن الخنى . - وتعويده على الخير [ والبر بالناس ، وحسن القول فيهم ] . ( - وحمله على الأدب - وإجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا . - وإعفاؤه عن الفضول الشنيعة ، القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلة فائدتها . ( 8 ) - ويعد شاهد العقل ، والدليل عليه ، وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه . ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) ( 9 ) [ 3 ] وأما حق السمع : - فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا ، أو تكسب خلقا كريما ، فإنه باب الكلام إلى القلب ، يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر . ولا قوة إلا بالله ( 10 ) ‹ صفحة 275 › [ 4 ] وأما حق بصرك : - فغضه عما لا يحل لك . ( - وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا ، أو تستفيد بها علما ، فإن البصر باب الاعتبار ) ( 1 ) [ 5 ] وأما حق يدك : - فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك ( فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل ، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل . - ولا تقبضها عما افترض الله عليها . ولكن توقرها : بقبضها عن كثير مما يحل لها ، وبسطها إلى كثير مما ليس عليها ، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل وجب لها حسن الثواب من الله في الآجل ) ( 2 ) . [ 6 ] وأما حق رجلك ( 3 ) : - أن لا تمشي بها إلى ما لا يحل لك . [ فبها تقف على الصراط ، فانظر أن لا تزل بك فتردى في النار ] ( - ولا تجعلها مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها ، فإنها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين ، والسبق لك . ولا قوة إلا بالله ) . [ 7 ] وأما حق بطنك : - فأن لا تجعله وعاءا ( لقليل من ) الحرام ( ولا لكثير . - وأن تقتصد له في الحلال ، ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين ، ‹ صفحة 276 › وذهاب المروءة . - وضبطه إذا هم ، بالجوع والعطش ( 1 ) . - [ ولا تزيد على الشبع ] فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كل بر وكرم ، وإن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروءة ) . [ 8 ] وأما حق فرجك : - ( فحفظه مما لا يحل لك [ أن تحصنه عن الزنا ، وتحفظه من أن ينظر إليه ] - والاستعانة عليه بغض البصر ، فإنه من أعون الأعوان ، وكثرة ذكر الموت ، والتهدد لنفسك بالله والتخويف لها به . وبالله العصمة والتأييد ، ولا حول ولا قوة إلا به ) . [ ج ] ثم حقوق الأفعال ( 2 ) [ 9 ] فأما حق الصلاة : - فأن تعلم أنها وفادة إلى الله ، وأنك قائم بها بين يدي الله ، فإذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام العبد ، الذليل [ الحقير ] ، الراغب ، الراهب ، الخائف ، الراجي ، المسكين ، المتضرع ، المعظم من قام بين يديه بالسكون والإطراق ( 3 ) ( وخشوع الأطراف ، ولين الجناح ، وحسن المناجاة له في نفسه . والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك ، واستهلكتها ذنوبك ) . - [ وتقبل عليها بقلبك . - وتقيمها بحدودها وحقوقها ] . ولا قوة إلا بالله . ‹ صفحة 277 › [ 10 ] [ وحق الحج : - أن تعلم أنه وفادة إلى ربك ، وفرار إليه من ذنوبك ، وفيه قبول توبتك ، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك ] ( 1 ) [ 11 ] وأما حق الصوم : فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ، ليسترك به من النار [ فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك ] . ( وهكذا جاء في الحديث : ( الصوم جنة من النار ) فإن سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا ، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها ، وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها ، بالنظرة الداعية للشهوة ، والقوة الخارجة عن حد التقية لله ، لم تأمن أن تخرق الحجاب وتخرج منه . ولا قوة إلا بالله ) [ 12 ] وأما حق الصدقة : - فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك ، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد [ عليها ] ( فإذا علمت ذلك ) كنت بما استودعته سرا أوثق [ منك ] بما استودعته علانية ( وكنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته ، وكان الأمر بينك وبينه فيها سرا على كل حال ، ولم تستظهر عليه في ما استودعته منها بإشهاد الأسماع والأبصار عليه بها كأنك أوثق في نفسك لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك . - [ وتعلم أنها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا ، وتدفع عنك النار في الآخرة ] - ثم لم تمتن بها على أحد ، لأنها لك ، فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه ، لأن في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ، ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد . ‹ صفحة 278 › ولا قوة إلا بالله ) [ 13 ] وأما حق الهدي : - فأن تخلص بها الإرادة إلى ربك ، والتعرض لرحمته وقبوله ، ولا تريد عيون الناظرين دونه ، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفا ولا متصنعا ، وكنت إنما تقصد إلى الله ( 1 ) [ 14 وأما حق عامة الأفعال ] ( 2 ) - واعلم أن الله يراد باليسير ، ولا يراد بالعسير ، كما أراد بخلقه التيسير ولم يرد بهم التعسير . - وكذلك التذلل أولى بك من التدهقن ، لأن الكلفة والمؤونة في المتدهقنين ، فأما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما ، ولا مؤونة عليهما ، لأنهما الخلقة ، وهما موجودان في الطبيعة . ولا قوة إلا بالله . [ د ] ( ثم حقوق الأئمة ) ( 3 ) [ 15 ] فأما حق سائسك بالسلطان : - فأن تعلم أنك جعلت له فتنة ، وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان . ( - وأن تخلص له في النصيحة . - وأن لا تماحكه ، وقد بسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه . ‹ صفحة 279 › - وتذلل وتلطف لإعطائه من الرضا ما يكفه عنك ولا يضر بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله . - ولا تعازه ، ولا تعانده ، فإنك إن فعلت ذلك عققته ، وعققت نفسك ، فعرضتها لمكروهه ، وعرضته للهلكة فيك ، وكنت خليقا أن تكون معينا له عليه نفسك ) ( 1 ) وشريكا له في ما أتى إليك [ من سوء ] . ولا قوة إلا بالله . [ 16 ] وأما حق سائسك بالعلم : - فالتعظيم له . - والتوقير لمجلسه . - وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه . ( - والمعونة له على نفسك في ما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تفرغ له عقلك ، وتحضره فهمك ، وتزكي له قلبك ، وتجلي له بصرك : بترك اللذات ، ونقص الشهوات . - وأن تعلم أنك - في ما ألقى إليك - رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ، ولا تخنه في تأدية رسالته ، والقيام بها عنه إذا تقلدتها ) . [ - وأن لا ترفع عليه صوتك . - وأن لا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب . - ولا تحدث في مجلسه أحدا . - ولا تغتاب عنده أحدا . - وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء . - وأن تستر عيوبه . - وتظهر مناقبه . - ولا تجالس له عدوا . - ولا تعادي له وليا . ‹ صفحة 280 › فإذا فعلت ذلك شهدت ملائكة الله عز وجل بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل وعز اسمه ، لا للناس ] ( 1 ) . ولا حول ولا قوة إلا بالله . [ 17 ] وأما حق سائسك بالملك : - فنحو من سائسك بالسلطان ، إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك ، تلزمك طاعته في ما دق وجل منك إلا أن تخرجك من وجوب حق الله ، فإن حق الله يحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعت إلى حقه فتشاغلت به . ولا قوة إلا بالله ( 2 ) [ ه‍ ] ( ثم حقوق الرعية ) [ 18 ] فأما حق رعيتك بالسلطان : ( - فأن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم ، فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم ، وذلهم ، فما أولى من كفاكه ضعفه وذله - حتى صيره لك رعية ، وصير حكمك عليه نافذا ، لا يمتنع عنك بعزة ولا قوة ، ولا يستنصر في ما تعاظمه منك إلا بالله - بالرحمة والحياطة والأناة ! ) ( 3 ) [ - فيجب أن تعدل فيهم ، وتكون لهم كالوالد الرحيم . ] - وتغفر لهم جهلهم . - ولا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 272 › ( 1 ) في غير التحف : الأولى فالأولى . ( 2 ) ما بين المعقوفين هنا زيادة منا ، لتحديد عناوين أصول الحقوق السبعة ، والمعبر عنها ب‍ ( الحقوق الجارية . . . ) في آخر هذه المقدمة ، فلاحظ . ( 3 ) أضاف في النسخ هنا : ( ثم حق غريمك الذي تطالبه ) وهذا غير مذكور في تفاصيل الحقوق ، لا في الصدوق ولا التحف ، وبدونه تتم الحقوق : خمسين حقا ، فالظاهر كونه زائدا . ‹ هامش ص 273 › ( 1 ) هذا الحق مذكور في المتن في النصين ، لكنه لم يذكر هنا في مقدمة الصدوق في الخصال . ( 2 ) كذا جاءت كلمة ( ثم ) هنا في الروايات والنسخ كلها وأظنها مصحفة عن ( هي ) إشارة إلى جميع الحقوق المذكورة في [ ز ] ويؤيد هذا ، أن الرسالة - في كل نسخها - تنتهي عند ذكر ( حق أهل الذمة ) ولم يذكر فيها عن حقوق أخرى أي شئ ، فليلاحظ . ( 3 ) هذه المقدمة لم يوردها الصدوق في الفقيه ولا الأمالي ، وإنما أوردها في الخصال كما في التحف . ( 4 - 5 ) ما بين المعقوفين أضفنا لتوحيد النسق مع العناوين التالية المثبتة في أصل التحف . ( 6 ) اعتبر كثير من الذين طبعوا رسالة الحقوق في عصرنا ( حق النفس ) حقا منفصلا وأعطوه رقما مستقلا ، فأدى بهم ذلك إلى زيادة عدد الحقوق إلى ( 51 ) بينما هي ( خمسون ) قطعا كما عرفت في المقدمة ، مع أن هذا هو عنوان جامع لما تحته من ( حقوق الأعضاء ) كما سجلنا فلاحظ ، وقد عدها في تحف العقول المطبوع مستقلا بينما لم يورد ( حق الحج ) الآتي برقم [ 11 ] وسيأتي أن من الضروري إيراده . ( 7 ) في نسخة : تستوفيها . ‹ هامش ص 274 › ( 8 ) في روايات الصدوق : وترك الفضول التي لا فائدة فيها . ( 9 ) روى الكليني بسنده عن إبراهيم بن مهزم الأسدي عن أبي حمزة [ الثمالي ] عن علي بن الحسين عليه السلام قال : إن لسان بني آدم يشرف على جميع جوارحه ، فيقول : كيف أصبحتم ؟ فيقولون : بخير ، إن تركتنا . ويقولون : الله ، الله فينا . ويناشدونه ويقولون : إنما نثاب [ بك ] ونعاقب بك . الكافي ( 2 / 115 ) كتاب الإيمان والكفر ، باب الصمت وحفظ اللسان ، ورواه في الاختصاص المنسوب إلى المفيد ( ص 230 ) وما بين المعقوفات منه . ( 10 ) في الصدوق : فتنزيهه عن سماع الغيبة ، وسماع ما لا يحل سماعه . ‹ هامش ص 275 › ( 1 ) في الصدوق - بدل ما بين القوسين - : وتعتبر بالنظر به . ( 2 ) ما بين القوسين ليس في روايات الصدوق . ( 3 ) في أكثر النسخ ( رجليك ) مع تثنية الضمائر العائدة إليها في الفقرة الأولى . وقد أفردنا الجميع لوروده في نسخ أخرى ، كما أنه الأنسب بسائر الفقر . ‹ هامش ص 276 › ( 1 ) في نسخة التحف : والظمأ . ( 2 ) هذا العنوان لم يرد في الصدوق . ( 3 ) في الصدوق : والوقار ، بدل ( والإطراق ) . ‹ هامش ص 277 › ( 1 ) حق الحج هذا لم يرد في تحف العقول ، ووجوده ضروري ، كما شرحنا في المقدمة . ‹ هامش ص 278 › ( 1 ) في الصدوق : وحق الهدي : أن تريد به الله عز وجل ، ولا تريد خلقه ، ولا تريد به إلا التعرض لرحمة الله عز وجل ونجاة روحك يوم تلقاه . ( 2 ) هذا العنوان من وضعنا ، وقد أوضحنا أن عد هذا الحق ضروري ، لقوله في مقدمة الرسالة بعد حق الهدي : ( ولأفعالك عليك حقا ) وقد شرحنا ذلك في المقدمة ، وذكرنا أن المؤلفين لم يرقموا هذا الحق ، وهو ساقط من روايات الصدوق بالكلية . ( 3 ) العنوان الأصلي لم يرد في الصدوق ، وكذا جميع العناوين الأصلية التالية . ‹ هامش ص 279 › ( 1 ) في الصدوق بدل ما بين القوسين قوله : وأن عليك أن لا تتعرض لسخطه ، فتلقي بيدك إلى التهلكة ، وتكون شريكا له في ما يأتي إليك من سوء . ‹ هامش ص 280 › ( 1 ) ما بين المعقوفين ورد في الصدوق ، وأكثر المذكورات من حقوق المعلم مذكور في حديث مسند إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، لاحظ آداب المتعلمين ( ص 74 - 77 ) الفقرة [ 21 ] . ( 2 ) في الصدوق بدل هذا الحق : فأن تطيعه ، ولا تعصيه ، إلا في ما يسخط الله عز وجل ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . ( 3 ) في الصدوق : فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 280 - 289
تعاجلهم بالعقوبة ] ( وما أولاك - إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة والقوة التي قهرت بها - أن تكون لله شاكرا ! [ وتشكر الله عز وجل على ما آتاك من القوة عليهم ] ومن شكر الله أعطاه في ما أنعم عليه . ‹ صفحة 281 › ولا قوة إلا بالله ) . [ 19 ] وأما حق رعيتك بالعلم : - فأن تعلم أن الله قد جعلك قيما لهم في ما آتاك من العلم ، وولاك ( 1 ) من خزانة الحكمة . فإن أحسنت في [ تعليم الناس ] ( ما ولاك الله من ذلك ، [ ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم ] وقمت لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده ، الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه [ زادك الله من فضله ] كنت راشدا ، وكنت لذلك آملا معتقدا . وإلا ( 2 ) كنت له خائنا ، ولخلقه ظالما ، ولسلبه وغره متعرضا ) [ كان حقا على الله عز وجل أن يسلبك العلم ، وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلك ] . [ 20 وأما حق رعيتك بالملك ] ( 3 ) وأما حق رعيتك بملك النكاح ( 4 ) - فأن تعلم أن الله جعلها لك سكنا ( ومستراحا ) وأنسا ( وواقية . - وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ) ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه ( ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ) . - فتكرمها وترفق بها . - وإن كان حقك عليها أوجب ( 5 ) ( وطاعتك لها ألزم في ما أحببت وكرهت ، ما لم تكن معصية ) فإن لها [ عليك ] حق الرحمة والمؤانسة ) [ أن ترحمها ، لأنها أسيرك . - وتطعمها ، وتسقيها ، وتكسوها . - فإذا جهلت عفوت عنها ] ‹ صفحة 282 › ( - وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لا بد من قضائها ، وذلك عظيم . ولا قوة إلا بالله ) . وأما حق رعيتك بملك اليمين ( 1 ) : - فأن تعلم أنه خلق ربك [ وابن أبيك وأمك ] ولحمك ودمك ، وأنك تملكه ، لا أنت صنعته دون الله ، ولا خلقت له سمعا ولا بصرا ، ولا أجريت له رزقا ( 2 ) ، ولكن الله كفاك ذلك ، ثم سخره لك ، وائتمنك عليه ، واستودعك إياه ( لتحفظه فيه ، وتسير فيه بسيرته ، فتطعمه مما تأكل ، وتلبسه مما تلبس ، ولا تكلفه ما لا يطيق ) ( 3 ) - فإن كرهته ( خرجت إلى الله منه و ) استبدلت به ، ولم تعذب خلق الله عز وجل . ولا قوة إلا بالله . [ و ] ( وأما حق الرحم ) [ 21 ] فحق أمك : - أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا ، وأنها وقتك ب‍ ( سمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها ) و ) جميع جوارحها ( مستبشرة بذلك فرحة ، موابلة محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها ، حتى دفعتها عنك يد القدرة ، وأخرجتك إلى الأرض . - فرضيت أن تشبع , وتجوع هي ( 4 ) ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمأ ، وتظلك وتضحى ، وتنعمك ببؤسها ، وتلذذك بالنوم بأرقها ، ( وكان بطنها لك وعاءا ، وحجرها لك حواءا ، وثديها لك سقاءا ، ونفسها لك وقاءا ) تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك ‹ صفحة 283 › - ( فتشكرها على قدر ذلك ) : [ فإنك لا تطيق شكرها ] ( ولا تقدر عليه ) إلا بعون الله وتوفيقه . [ 22 ] وأما حق أبيك : - فتعلم أنه أصلك ، ( وأنك فرعه ) وأنك لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه . - فأحمد الله واشكره على قدر ذلك . ولا قوة إلا بالله . [ 23 ] وأما حق ولدك : - فتعلم أنه منك ، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره . - وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب ، والدلالة على ربه ، والمعونة له على طاعته ( فيك وفي نفسه ، فمثاب على ذلك ومعاقب ) . - فاعمل في أمره عمل [ من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه ، معاقب على الإساءة إليه ] ( المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا المعذر إلى ربه في ما بينك وبينه بحسن القيام عليه ، والأخذ له منه . ولا قوة إلا بالله ) . [ 24 ] وأما حق أخيك - فأن تعلم أنه يدك التي تبسطها ، وظهرك الذي تلتجئ إليه ، وعزك الذي تعتمد عليه ، وقوتك التي تصول بها ( 1 ) - فلا تتخذه سلاحا على معصية الله . - ولا عدة للظلم لخلق الله ( 2 ) - ولا تدع نصرته على ( نفسه ، ومعونته على ) عدوه ( والحؤول بينه وبين شياطينه ) و ( تأدية ) النصيحة إليه ، ( والإقبال عليه في الله ) . ‹ صفحة 284 › - فإن انقاد لربه وأحسن الإجابة له ، ( 1 ) وإلا فليكن الله ( آثر عندك و ) أكرم عليك منه . ولا قوة إلا بالله . [ ز - حقوق الآخرين ] [ 25 ] وأما حق المنعم عليك بالولاء : فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله ، وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها ، وأطلقك من أسر الملكة ، وفك عنك قيد ( 2 ) العبودية ( وأوجدك رائحة العز ) وأخرجك من سجن القهر ( 3 ) ( ودفع عنك العسر ، وبسط لك لسان الإنصاف ، وأباحك الدنيا كلها ) فملكك نفسك ، ( وحل أسرك ) وفرغك لعبادة ربك ( واحتمل بذلك التقصير في ماله ) - فتعلم أنه أولى الخلق بك ( بعد أولي رحمك ) في حياتك وموتك ، وأحق الخلق بنصرك ( 4 ) ( ومعونتك ، ومكانفتك في ذات الله ، فلا تؤثر عليه نفسك ) ما احتاج إليك . [ 26 ] وأما حق مولاك الجارية عليه نعمتك : - فأن تعلم أن الله جعلك حامية عليه ، وواقية ، وناصرا ، ومعقلا ، وجعله لك وسيلة وسببا بينك وبينه ، فبالحري أن يحجبك عن النار ، فيكون ذلك ثوابك منه في الآجل . - ويحكم لك بميراثه في العاجل - إذا لم يكن له رحم - مكافأة لما أنفقته من مالك عليه وقمت به من حقه بعد إنفاق مالك ، فإن لم تقم بحقه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه . ‹ صفحة 285 › ولا قوة إلا بالله ( 1 ) [ 27 ] وأما حق ذي المعروف عليك : - فأن تشكره - وتذكر معروفه . - وتنشر له ( 2 ) المقالة الحسنة . - وتخلص له الدعاء في ما بينك وبين الله سبحانه . فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية . - ثم إن أمكنك مكافأته بالفعل ( 3 ) كافأته ( وإلا كنت مرصدا له موطنا نفسك عليها ) . [ 28 ] وأما حق المؤذن : - فأن تعلم أنه مذكرك بربك ، وداعيك إلى حظك ، وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك . - فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك . - ( وإن كنت في بيتك مهتما لذلك ، لم تكن لله في أمره متهما ، وعلمت أنه نعمة من الله عليك ، لا شك فيها ، فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال . ولا قوة إلا بالله ) . [ 29 ] وأما حق إمامك في صلاتك - فأن تعلم أنه قد تقلد السفارة في ما بينك وبين ( الله ، والوفادة إلى ) ربك . - وتكلم عنك ولم تتكلم عنه . - ودعا لك ولم تدع له ‹ صفحة 286 › - ( وطلب فيك ولم تطلب فيه ) - وكفاك هم ( 1 ) المقام بين يدي الله ( والمسألة له فيك ، ولم تكفه ذلك ) فإن كان في شئ من ذلك تقصير ( 2 ) كان به دونك [ وإن كان تماما كنت شريكه ] ( وإن كان آثما لم تكن شريكه فيه ) . - ولم يكن له عليك فضل ، فوقى نفسك بنفسه ، و ( وقى ) صلاتك بصلاته . - فتشكر له على [ قدر ] ذلك . ( ولا حول ولا قوة إلا بالله ) . [ 30 ] وأما حق الجليس : - فأن تلين له ( كنفك ، وتطيب له ) جانبك - وتنصفه في مجاراة اللفظ . ( - ولا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت . - وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت ) . - وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار ، وإن كان الجالس إليك كان بالخيار ، ولا تقوم إلا بإذنه ( 3 ) - [ وتنسى زلاته . - وتحفظ خيراته . - ولا تسمعه إلا خيرا ] ( ولا قوة إلا بالله ) [ 31 ] وأما حق الجار : - فحفظه غائبا . - وإكرامه شاهدا . ‹ صفحة 287 › - ونصرته ( ومعونته في الحالين جميعا ) [ إذا كان مظلوما ] . - ولا تتبع له عورة ( ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها ، فإن عرفتها منه - من غير إرادة منك ولا تكلف - كنت لما علمت حصنا حصينا وسترا ستيرا ، لو بحثت الأسنة عنه ضميرا لم تتصل إليه لانطوائه عليه ) ( 1 ) . [ وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته في ما بينك وبينه ] . ( - لا تستمع عليه من حيث لا يعلم ) . - ولا تسلمه عند شديدة . ( - ولا تحسده عند نعمة ) . - وتقيل عثرته ، وتغفر زلته ( 2 ) ( ولا تدخر حلمك عنه ) إذا جهل عليك . - ولا تخرج أن تكون سلما له ، ترد عنه لسان الشتيمة ، وتبطل فيه كيد حامل النصيحة ( 3 ) ) - وتعاشره معاشرة كريمة . ( ولا حول ) ولا قوة إلا بالله . [ 32 ] وأما حق الصاحب : - فأن تصحبه بالفضل ( ما وجدت إليه سبيلا ) و ( إلا فلا أقل من ) الإنصاف ( 4 ) - وأن تكرمه كما يكرمك ( ولا يسبقك في ما بينك وبينه إلى مكرمة ، فإن سبقك كافأته ) ( 5 ) - ( وتحفظه كما يحفظك ) - [ وتوده كما يودك ] ( ولا تقصر به عما يستحق من المودة ‹ صفحة 288 › - تلزم نفسك نصيحته وحياطته . - ومعاضدته على طاعة ربه ) - ومعونته على نفسه في ما لا يهم ( 1 ) به من معصية ( ربه ) . - ثم تكون ( 2 ) عليه رحمة ، ولا تكون ( 3 ) عليه عذابا . ولا قوة إلا بالله . [ 33 ] وأما حق الشريك : - فإن غاب كفيته . - وإن حضر ساويته ( 4 ) . - ولا تعزم على حكمك دون حكمه . - ولا تعمل برأيك دون مناظرته . - تحفظ عليه ماله . - وتنفي عنه خيانته ( 5 ) في ما عز أو هان ، ف‍ ( إنه بلغنا ) ( أن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا ) . ولا قوة إلا بالله . : [ 34 ] وأما حق المال : - فأن لا تأخذه إلا من حله . - ولا تنفقه إلا في حله ( 6 ) ( ولا تحرفه عن مواضعه ، ولا تصرفه عن حقائقه ، - ولا تجعله - إذا كان من الله - إلا إليه ، وسببا إلى الله ) . ‹ صفحة 289 › - ولا تؤثر به على نفسك من لا يحمدك ( وبالحري أن لا يحسن خلافته ( 1 ) في تركتك ، ولا يعمل فيه بطاعة ربك ، فتكون معينا له على ذلك ، أو بما أحدث في مالك أحسن نظرا ، فيعمل بطاعة ربه فيذهب بالغنيمة ) . [ - فاعمل فيه بطاعة ربك ، ولا تبخل به ] فتبوء ب‍ ( الإثم و ) بالحسرة والندامة مع التبعة . ولا قوة إلا بالله . [ 35 ] وأما حق الغريم الطالب لك : - فإن كنت موسرا أوفيته ( 2 ) ( وكفيته وأغنيته ، ولم تردده وتمطله ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( مطل الغني ظلم ) ) - وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول ( وطلبت إليه طلبا جميلا ) ورددته عن نفسك ردا لطيفا . ( ولم تج
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 280 › ( 1 ) ما بين المعقوفين ورد في الصدوق ، وأكثر المذكورات من حقوق المعلم مذكور في حديث مسند إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، لاحظ آداب المتعلمين ( ص 74 - 77 ) الفقرة [ 21 ] . ( 2 ) في الصدوق بدل هذا الحق : فأن تطيعه ، ولا تعصيه ، إلا في ما يسخط الله عز وجل ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . ( 3 ) في الصدوق : فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك . ‹ هامش ص 281 › ( 1 ) في الصدوق : وفتح لك ، بدل ( وولاك ) . ( 2 ) في الصدوق : وإن أنت منعت الناس علمك ، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك . ( 3 ) هذا العنوان منا لتوحيد النسق ، ولكن المؤلفين جعلوا ما تحته حقين : حق الزوجة ، وحق ملك اليمين ، وهو سهو كما شرحنا في المقدمة . ( 4 ) في الصدوق : وأما حق الزوجة . ( 5 ) في تحف العقول : أغلظ ، بدل : أوجب . ‹ هامش ص 282 › ( 1 ) في الصدوق : وأما حق مملوكك . ( 2 ) في بعض نسخ الصدوق : ( لم تملكه ، لأنك صنعته دون الله ! ولا خلقت شيئا من جوارحه ولا أخرجت له رزقا ) . ( 3 ) بدل ما بين القوسين في الصدوق : ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه ، فأحسن إليه كما أحسن الله إليك . ( 4 ) في الصدوق : ولم تبال أن تجوع وتطعمك . . . وهكذا إلى آخر الفقرة ، باختلاف يسير . ‹ هامش ص 283 › ( 1 ) في الصدوق : فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك . ( 2 ) في تحف العقول : بحق الله . ‹ هامش ص 284 › ( 1 ) في الصدوق : فإن أطاع الله تعالى . ( 2 ) في التحف : حلق ، بدل قيد . ( 3 ) في الصدوق : من السجن . ( 4 ) في الصدوق : وأن نصرته عليك واجبة بنفسك ما احتاج إليه منك . ‹ هامش ص 285 › ( 1 ) في الصدوق : فأن تعلم أن الله عز وجل جعل عتقك له وسيلة إليه ، وحجابا لك من النار ، وأن ثوابك في العاجل ميراثه ، إذا لم يكن له رحم ، مكافأة بما أنفقت من مالك وفي الآجل الجنة . ( 2 ) في الصدوق : وتكسبه ، بدل وتنشر له . ( 3 ) في الصدوق : يوما ، بدل ( بالفعل ) . ‹ هامش ص 286 › ( 1 ) في الصدوق : هول . ( 2 ) في الصدوق : نقص . ( 3 ) في الصدوق ، اختلاف في ألفاظ هذه الفقرة ، والمعنى واحد . ‹ هامش ص 287 › ( 1 ) في الصدوق - بدل ما بين القوسين - : فإن علمت عليه سوءا سترته عليه . ( 2 ) في الصدوق : ذنبه . ( 3 ) كذا ، ولعلها : ( النميمة ) لأنها أنسب بما قبلها وما بعدها سجعا ، ولأن حامل النصيحة لا كيد له ظاهرا ، فلاحظ . ( 4 ) في الصدوق : فأن تصحبه بالتفضل والإنصاف . ( 5 ) هذه الجملة مؤخرة في التحف عن الجملة التالية . ‹ هامش ص 288 › ( 1 ) في الصدوق : وتزجره عما يهم ، إلى آخره . ( 2 ) في الصدوق : وكن . ( 3 ) في الصدوق : ولا تكن . ( 4 ) في الصدوق : رعيته ، بدل ( ساويته ) . ( 5 ) في الصدوق : ولا تخنه . ( 6 ) في الصدوق : في وجهه . ‹ هامش ص 289 › ( 1 ) في بعض نسخ التحف ، خلافتك . ( 2 ) في الصدوق : أعطيته . ( 3 ) هنا موضع ( حق الغريم الذي تطالبه ) الذي ذكر في المقدمة مع فروع الحقوق ، لكنه لم يعنون هنا في أي من النصين لا في تحف العقول ، ولا في كتب الصدوق .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 289 - 298
مع عليه ذهاب ماله ، وسوء معاملته ، فإن ذلك لؤم . ولا قوة إلا بالله ) ( 3 ) [ 36 ] وأما حق الخليط : - فأن لا تغره . - ولا تغشه . ( - ولا تكذبه . - ولا تغفله ) - ولا تخدعه . ( - ولا تعمل في انتقاضه عمل العدو الذي لا يبقي على صاحبه . - وإن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك ، وعلمت : ( أن غبن المسترسل ربا ) . ‹ صفحة 290 › [ - وتتقي الله تبارك وتعالى في أمره ] ولا قوة إلا بالله ) . [ 37 ] وأما حق الخصم المدعي عليك : - فإن كان ما يدعي - عليك حقا [ كنت شاهده على نفسك ] ( لم تنفسخ في حجته ) [ ولم تظلمه ] ( ولم تعمل في إبطال دعوته ) [ وأوفيته حقه ] ( وكنت خصم نفسك له ، والحاكم عليها ، والشاهد له بحقه ، دون شهادة الشهود ، فإن ذلك حق الله عليك ) . - وإن كان ما يدعيه باطلا رفقت به ) وردعته ( 1 ) وناشدته بدينه ) [ ولم تأت في أمره غير الرفق ، ولم تسخط ربك في أمره ] ( وكسرت حدته بذكر الله ، وألغيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يرد عنك عادية عدوك ، بل تبوء بإثمه ، وبه يشحذ عليك سيف عداوته ، لأن لفظة السوء تبعث الشر ، والخير مقمعة للشر . ولا قوة إلا بالله ) . [ 38 ] وأما حق الخصم المدعى عليه : - فإن كان ما تدعيه حقا ( 2 ) أجملت في مقاولته ( بمخرج الدعوى فإن الدعوى غلظة في سمع المدعى عليه ) [ ولم تجحد حقه ] . ( - وقصدت قصد حجتك بالرفق ، وأمهل المهلة ، وأبين البيان ، وألطف اللطف . - ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال ، فتذهب عنك حجتك ، ولا يكون لك في ذلك درك ) [ وإن كنت مبطلا في دعواك اتقيت الله عز وجل ، وتبت إليه ، وتركت الدعوى ] ( ولا قوة إلا بالله ) ‹ صفحة 291 › [ 39 ] وأما حق المستشير : - فإن حضرك له وجه رأي ، جهدت له في النصيحة و ( 1 ) أشرت عليه ( بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به . - وذلك ليكن منك في رحمة ، ولين ، فإن اللين يؤنس الوحشة ، وأن الغلظ يوحش موضع الأنس . - وإن لم يحضرك له رأي ، وعرفت له من تثق برأيه وترضى به لنفسك ، دللته عليه وأرشدته إليه ( 2 ) فكنت لم تأله خيرا ، ولم تدخره نصحا . ولا حول ولا قوة إلا بالله ) [ 40 ] وأما حق المشير عليك - أن لا تتهمه في مالا يوافقك عليه من رأيه ( إذا أشار عليك ، فإنما هي الآراء وتصرف الناس فيها واختلافهم ، فكن عليه في رأيه بالخيار ، إذا اتهمت رأيه ، فأما تهمته فلا تجوز لك ، إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة . - ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه ، وحسن وجه مشورته ) - فإذا وافقك حمدت الله ( وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها ، إن فزع إليك . ولا قوة إلا بالله ) . [ 41 ] وأما حق المستنصح - فإن حقه أن تؤدي إليه النصيحة ( على الحق الذي ترى له أنه يحمل ، وتخرج المخرج الذي يلين على مسامعه ، وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله ، فإن لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنيه ) ( 3 ) - وليكن مذهبك الرحمة [ له والرفق به ] ‹ صفحة 292 › ( ولا قوة إلا بالله ) . [ 42 ] وأما حق الناصح - فأن تلين له جناحك . - ( ثم تشرئب ( 1 ) له قلبك ، وتفتح له سمعك ، حتى تفهم عنه نصيحته ( 2 ) . - ثم تنظر فيها ) : فإن كان وفق فيها للصواب ( 3 ) حمدت الله ( على ذلك ، وقبلت منه وعرفت له نصيحته ) . - وإن لم يكن وفق له فيها 4 ) رحمته ، ولم تتهمه ، وعلمت أنه ( لم يألك نصحا ، إلا أنه ) أخطأ ، [ ولم تؤاخذه بذلك ] إلا أن يكون ( عندك ) مستحقا للتهمة ، فلا تعبأ بشئ من أمره على ( كل ) حال . ولا قوة إلا بالله . [ 43 ] وأما حق الكبير - فإن حقه توقير سنه . - وإجلال إسلامه ، إذا كان من أهل الفضل في الإسلام ، بتقدمه فيه ( 5 ) - وترك مقابلته عند الخصام . - ولا تسبقه إلى طريق . - ولا تؤمه في طريق ( 6 ) - ولا تستجهله . - وإن جهل عليك ، تحملت ، وأكرمته بحق إسلامه [ وحرمته ] ( مع سنه ، فإنما حق السن بقدر الإسلام . ‹ صفحة 293 › ولا قوة إلا بالله ) . [ 44 ] وأما حق الصغير : - فرحمته ( 1 ) - ( وتثقيفه وتعليمه ) - والعفو عنه ، والستر عليه . - والرفق به . - والمعونة له . - ( والستر على جرائر حداثته ، فإنه سبب للتوبة . - والمداراة له ، وترك مماحكته ، فإن ذلك أدنى لرشده ) [ 45 ] وأما حق السائل : - فإعطاؤه [ على قدر حاجته ] ( 2 ) إذا تيقنت صدقه وقدرت على سد حاجته . - والدعاء له في ما نزل به . - والمعاونة له على طلبته . - وإن شككت في صدقه ، وسبقت إليه التهمة له ، ولم تعزم على ذلك ، لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان ، أراد أن يصدك عن حظك ، ويحول بينك وبين التقرب إلى ربك ، فتركته بستره ، ورددته ردا جميلا . - وإن غلبت نفسك في أمره ، وأعطيته على ما عرض في نفسك منه ، فإن ذلك من عزم الأمور . [ 46 ] وأما حق المسؤول - إن أعطى قبل منه ( ما أعطى ) بالشكر له ، والمعرفة لفضله . - وطلب وجه العذر في منعه ( 3 ) ‹ صفحة 294 › ( - وأحسن به الظن . - واعلم أنه إن منع فماله منع ، وأن ليس التثريب في ماله ، وإن كان ظالما ، فإن الإنسان لظلوم كفار ) [ 47 ] وأما حق من سرك ( الله به وعلى يديه ) ( 1 ) - فإن كان تعمدها لك : حمدت الله أولا ، ثم شكرته ( 2 ) على ذلك بقدره ، في موضع الجزاء . - وكافأته على فضل الابتداء ، وأرصدت له المكافأة . - وإن لم يكن تعمدها : حمدت الله وشكرته ، وعلمت أنه منه ، توحدك بها . - وأحببت هذا ( 3 ) إذ كان سببا من أسباب نعم الله عليك . - وترجو له بعد ذلك خيرا ، فإن أسباب النعم بركة حيثما كانت ، وإن كان لم يتعمد . ولا قوة إلا بالله . [ 48 ] وأما حق من ساءك ( القضاء على يديه ، بقول أو فعل ) : - فإن كان تعمدها كان العفو أولى بك ( 4 ) ( لما فيه له من القمع ، وحسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق . - [ وإن علمت أن العفو عنه يضر ، انتصرت ] فإن الله يقول : * ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) * ( إلى قوله * ( من عزم الأمور ) * ( 5 ) وقال عز وجل * ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) ( 6 ) هذا في العمد . - فإن لم يكن عمدا ، لم تظلمه بتعمد الانتصار منه ، فتكون قد كافأته في تعمد ‹ صفحة 295 › على خطأ . - ورفقت به ، ورددته بألطف ما تقدر عليه . ولا قوة إلا بالله ) [ 49 ] وأما حق أهل ملتك ( عامة ) : - فإضمار السلامة . - و ( نشر جناح ) الرحمة [ بهم ] - والرفق بمسيئهم . - وتألفهم . - واستصلاحهم . - وشكر محسنهم ( إلى نفسه ، وإليك ، فإن إحسانه إلى نفسه إحسان إليك ، إذا كف عنك أذاه ، وكفاك مؤونته ، وحبس عنك نفسه . - فعمهم - جميعا - بدعوتك . - وانصرهم - جميعا - بنصرتك ) . [ - وكف الأذى عنهم . - وتحب لهم ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ] . - وأنزلهم - جميعا منك منازلهم : كبيرهم بمنزلة الوالد ، وصغيرهم بمنزلة الولد ، وأوسطهم بمنزلة الأخ ( 1 ) [ وعجائزهم بمنزلة أمك ] . ( - فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة . - وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه ) . [ 50 ] وأما حق أهل الذمة - ( فالحكم فيهم ) أن تقبل منهم ما قبل الله . - ( وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده . ‹ صفحة 296 › - وتكلهم إليه في ما طلبوا من أنفسهم ، وأجبروا عليه . - وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك ، في ما جرى بينك وبينهم من معاملة ) . [ - ولا تظلمهم ما وفوا لله عز وجل بعهده ] ( وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله ، والوفاء بعهده وعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حائل ، فإنه بلغنا أنه قال : ( من ظلم معاهدا كنت خصمه ) فاتق الله . ولا حول ) ولا قوة إلا بالله . [ الخاتمة ] ( فهذه خمسون حقا محيطا بك ، لا تخرج منها في حال من الأحوال ، يجب عليك رعايتها ، والعمل في تأديتها ، والاستعانة بالله جل ثناؤه على ذلك . ولا حول ) ولا قوة إلا بالله . والحمد لله رب العالمين [ وصلواته على خير خلقه محمد وآله أجمعين وسلم تسليما ] ( 1 ) ‹ صفحة 297 ›


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 07:21 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية