![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#2 |
مشرف
![]() |
![]()
خطبة الإمام في مجلس يزيد :
قال الخوارزمي : ( وروي ) أن يزيد أمر بمنبر خطيب ، ليذكر للناس مساوئ الحسين وأبيه علي عليهما السلام . فصعد الخطيب المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأكثر الوقيعة في علي والحسين ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد . فصاح به علي بن الحسين : ويلك أيها الخاطب ! اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق ؟ فتبوأ مقعدك من النار . ثم قال : يا يزيد ، إئذن لي حتى أصعد هذه الأعواد ، فأتكلم بكلمات فيهن لله رضا ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب . فأبى يزيد ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ائذن له ليصعد ، فعلنا نسمع منه شيئا . فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فقالوا : وما قدر ما يحسن هذا ؟ فقال : إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا . ولم يزالوا به حتى أذن له بالصعود . فصعد المنبر : فحمد الله وأثنى عليه ، ثم خطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، فقال فيها : ( أيها الناس ، أعطينا ستا ، وفضلنا بسبع : أعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبة في قلوب المؤمنين . وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنا الصديق ، ومنا الطيار ، ومنا أسد الله وأسد الرسول ، ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنا سبطا هذه الأمة ، وسيدا شباب أهل الجنة . فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي : أنا ابن مكة ومنى . أنا ابن زمزم والصفا ‹ صفحة 52 › أنا ابن من حمل الزكاة ( 1 ) بأطراف الردا . أنا ابن خير من ائتزر وارتدى . أنا ابن خير من انتعل واحتفى . أنا ابن خير من طاف وسعى . أنا ابن خير من حج ولبى . أنا ابن من حمل على البراق في الهوا . أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فسبحان من أسرى . أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى . أنا ابن من دنى فتدلى فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى . أنا ابن من صلى بملائكة السما . أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى . أنا ابن محمد المصطفى . أنا ابن علي المرتضى . أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا إله إلا الله . أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وصلى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين . أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين ، ورسول رب العالمين . أنا ابن المؤيد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل . أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين ‹ صفحة 53 › والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأول من أجاب استجاب لله ، من المؤمنين ، وأقدم السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبير المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، ناصر دين الله ، وولي أمر الله ، وبستان حكمة الله ، وعيبة علم الله ، سمح سخي ، بهلول زكي أبطحي رضي مرضي ، مقدام همام ، صابر صوام ، مهذب قوام شجاع قمقام ، قاطع الأصلاب ، ومفرق الأحزاب ، أربطهم جنانا ، وأطلقهم عنانا ، وأجرأهم لسانا ، وأمضاهم عزيمة ، وأشدهم شكيمة ، أسد باسل ، وغيث هاطل ، يطحنهم في الحروب - إذا ازدلفت الأسنة ، وقربت الأعنة - طحن الرحى ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم ، ليث الحجاز ، صاحب الإعجاز ، وكبش العراق ، الإمام بالنص والاستحقاق مكي مدني ، أبطحي تهامي ، خيفي عقبي ، بدري أحدي ، شجري مهاجري ، من العرب سيدها ، ومن الوغى ليثها ، وارث المشعرين ، وأبو السبطين ، الحسن والحسين ، مظهر العجائب ، ومفرق الكتائب ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب ، أسد الله الغالب ، مطلوب كل طالب غالب كل غالب ، ذاك جدي علي بن أبي طالب . أنا ابن فاطمة الزهرا . أنا ابن سيدة النسا . أنا ابن الطهر البتول . أنا ابن بضعة الرسول . ( أنا ابن الحسين القتيل بكربلاء . أنا ابن المرمل بالدما . أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلما . أنا ابن من ناحت عليه الطيور في الهوا . ) ( 1 ) قال : ولم يزل يقول : ( أنا أنا ) حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن ‹ صفحة 54 › تكون فتنة ، فأمر المؤذن أن يؤذن ، فقطع عليه الكلام وسكت . فلما قال المؤذن ( الله أكبر ! ) قال علي بن الحسين : كبرت كبيرا لا يقاس ، ولا يدرك بالحواس ، لا شي أكبر من الله . فلما قال : ( أشهد أن لا إله إلا الله ! ) قال علي : شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومخي وعظمي . فلما قال : ( شهد أن محمدا رسول الله ! ) التفت علي من أعلى المنبر إلى يزيد وقال : يا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ‹ هامش ص 49 › ( 1 ) الروض النضير ( 5 / 13 ) وانظر الكنى للدولابي ( 1 / 78 ) . ( 2 ) بلاغة علي بن الحسين عليه السلام ( ص 95 ) عن المنتخب للطريحي . ‹ هامش ص 50 › ( 1 ) مقتل الحسين عليه السلام ، للخوارزمي ( 2 / 71 ) . ‹ هامش ص 52 › ( 1 ) في نقل ( كامل البهائي ) : ( من حمل الركن ) وفسر بالحجر الأسود الذي محله الركن ، ولذلك ذكر في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة . ‹ هامش ص 53 › ( 1 ) ما بين القوسين عن ( الكامل للبهائي ) . ‹ هامش ص 54 › ( 1 ) مقتل الحسين ( 2 / 69 - 71 ) ونقل عن كتاب ( كامل البهائي ) بنص متقارب نقله الحائري في بلاغة علي بن الحسين عليه السلام ( ص 106 - 109 ) ونقل بعده نصا آخر للخطبة عن أبي مخنف فليلاحظ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 54 - 60 يزيد ، محمد هذا جدي أم جدك ؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت . وإن قلت إنه جدي ، فلم قتلت عترته ؟ ( 1 ) . فأدى كلام الإمام عليه السلام إلى أن تتبخر كل الدعايات المضللة التي روجتها السياسة الأموية ، والتي تركزت على : أن الأسرى هم من الخوارج ! فبدل نشوة الانتصار إلى حشرجة الموتى في حلوق المحتفلين ! وفي التزام الإمام السجاد عليه السلام بذكر هويته الشخصية فقط في هذه الخطبة ، حكمة وتدبير سياسي واع ، إذ لم يكن له في مثل هذا المكان والزمان ، أن يتطرق إلى شئ من القضايا الهامة ، وإلا كان يمنع من الكلام والنطق ، وأما الإعلان عن اسمه فهي قضية شخصية ، وهو من أبسط الحقوق التي تمنح للفرد وإن كان في حالة الأسر . لكن كلام الإمام لم يكن في الحقيقة إلا مليئا بالتذكير والإيماء ، بل الكناية التي هي أبلغ من التصريح ، بنسبه الشريف ، واتصاله بالإسلام ، وبرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم . وقد ذكر الإمام عليه السلام بكل المواقع الجغرافية ، والمواقف الحاسمة والذكريات العظيمة في الإسلام ، وربط نفسه بكل ذلك ، فسرد - وبلغة شخصية - حوادث تاريخ الإسلام ، معبرا بذلك عن أنه يحمل هموم ذلك التاريخ كله على عاتقه ، وأنه حامل هذا العب ء ، بكل ما فيه من قدسية ، ومع هذا فهو يقف ( أسيرا ) أمام أهل المجلس ! وقد فهم الناس مغزى هذا الكلام العميق ، فلذلك ضجوا بالبكاء ! فإن الحكام ‹ صفحة 55 › الأمويين إنما حصلوا على مواقع السلطة من خلال ربط أنفسهم بالإسلام ، فكسبوا لأنفسهم قدسية الخلافة ! وكان لجهل الناس الأثر الكبير في وصول الأمر إلى هذه الحالة ، أن يروا ابن الإسلام أسيرا أمامهم ! ثم إن جهل أهل الشام بأهل البيت ، مضافا إلى حقد الحكام على أهل البيت عامة ، وعلى الذين كانوا مع الحسين عليه السلام في كربلاء خاصة ، كان يدعو إلى الاحتياط ، والحذر من أن ينقض يزيد على الأسرى ! في ما لو أحس بخطرهم ، فيبيدهم ! فكان ما قام به الإمام من تأطير خطبته بالإطار الشخصي مانعا من إثارة غضبه وحقده ، لكن لم يفت الإمام اقتناص الفرصة السانحة لكي يبث من خلال التعريف ، بشخصه وهويته ، التنويه بشخصيته وبقضيته وبهمومه ، ولو بالكناية التي كانت - حقا - أبلغ من التصريح . فلذلك لم يتعرض الإمام عليه السلام لذكر مساوئ الأمويين ، ولم يذكر شيئا من فضائحهم ، بالرغم من ( توقع يزيد ) نفسه لذلك . وبذلك نجا من شر يزيد ، وبقي ليداوم اتباع الهدف الذي من أجله قتل الشهداء بالأمس ، وأصبح - هو - يقود مسيرة الأحياء ، اليوم ، وغدا . . . وموقف آخر : في وسط ذلك الجو الخانق ، وفي عاصمة الحاكم المنتصر ، وفي حالة الأسر ، يرفع الإمام صوته ، ليسمع الآذان التي أصمها الضوضاء والصخب ، في ما رواه المنهال بن عمرو ، قال : دخلت على علي بن الحسين ، فقلت : كيف أصبحت ، أصلحك الله ؟ ! فقال : ما كنت أرى شيخا من أهل المصر - مثلك - لا يدري : كيف أصبحنا ! ؟ قال : فأما إذا لم تدر - أو تعلم – فأنا أخبرك : أصبحنا - في قومنا - بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، إذ كانوا * ( يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ) * وأصبحنا : شيخنا وسيدنا يتقرب إلى عدونا بشتمه ، وبسبه ، على المنابر . ‹ صفحة 56 › وأصبحت قريش تعد ( 1 ) : أن لها الفضل على العرب ، لأن محمدا منها ، لا يعد لها فضل إلا به ، وأصبحت العرب مقرة ( 2 ) لهم بذلك . وأصبحت العرب تعد ( 3 ) أن لها الفضل على العجم ، لأن محمدا منها ، لا يعد لها فضل إلا به ، وأصبحت العجم مقرة ( 4 ) فإن كانت العرب صدقت أن لها الفضل على العجم ، وصدقت قريش أن لها الفضل على العرب لأن محمدا منها : إن لنا - أهل البيت - الفضل على قريش ، لأن محمدا منا . فأضحوا يأخذون بحقنا ، ولا يعرفون لنا حقا . فهكذا أصبحنا ، إن لم يعلم : كيف أصبحنا ؟ ! قال المنهال : فظننت أنه أراد أن يسمع من في البيت ! ( 5 ) ويصرح في موقف مماثل يسأل فيه عن الركب الذي هو فيه ، فيقول : ( إنا من أهل البيت ، الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم ، فقال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : * ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ) * [ سورة الشورى 42 الآية ( 23 ) ] فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت ( 6 ) . إلى غير ذلك من المواقف التي كان لها أثر حاسم في تغيير سياسة يزيد تجاه هذا الركب المأسور ، حتى أرجعه إلى المدينة ! إن هذه المواقف لم تكن تصدر من قلب ملئ رعبا ، أو شخص يفضل السلامة ، أو يميل إلى الهدوء والراحة ، بله المسالمة مع العدو أو الركون إلى الظالمين ‹ صفحة 57 › إنما صاحب هذه المواقف ذو روح متطلعة وثابة هادفة ، إذا لم يتح له - بعد كربلاء - أن يأخذ بقائمة السيف ، فسنان المنطق لا يزال في قدرته ، يهتك به ظلام التعتيم الإعلامي المضلل ! وقد اتبع الإمام السجاد عليه السلام هذه الخطة بحكمة وتدبير عن علم بالأمر ، وعمد له ، وكشف عن أنه انتهجه سياسة مدبرة مدروسة . فلما سئل عن : ( الكلام ، والسكوت ) أيهما أفضل ؟ لم يدل بما يعتبره الحكماء من : أن الكلام إذا كان من فضة فالسكوت من ذهب ، وإنما قال : ( لكل واحد منهما آفات ، وإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت ) . ولما سئل عن سبب ذلك مع مخالفته لاعتبار الحكماء المستقر في أذهان الناس من فضل السكوت ؟ قال : ( لأن الله - عز وجل - ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت ، وإنما بعثهم بالكلام . ولا استحقت الجنة بالسكوت . ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت . ولا توقيت النار بالسكوت . ولا يجنب سخط الله بالسكوت . إنما كله بالكلام ! وما كنت لأعدل القمر بالشمس ! إنك تصف فضل السكوت بالكلام ، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت ! ( 1 ) وهكذا طبق الإمام عليه السلام هذه الحكمة البالغة ، وأدى رسالته الإلهية من خلال خطبه وكلماته ومواعظه وأحاديثه ، في جميع المواقف العظيمة التي وقفها ، وهو في الأسر . وإذا كان الظالمون يعتدون على المصلحين والأحرار بالقتل والسجن ، فإنما ذلك ليخنقوا كل صوت في الحناجر ، ولئلا يسمع الناس حديثهم وكلامهم ( 2 ) . ‹ صفحة 58 › وإذا ذبح الحسين عليه السلام وقتل في كربلاء ، فإن نداءاته ظلت تدوي من حنجرة الإمام السجاد عليه السلام في مسيرة الأسرى ، وفي قلب مجالس الحكام . وليس من الإنصاف ، في القاموس السياسي ، أن يوصف من يؤدي هذا الدور ، بالانعزال عن السياسة ، أو الابتعاد عن الحركة والنضال ! بل ، إذا كانت حركة الإمام الحسين عليه السلام سياسية ، كما هي كذلك بلا ريب فكما قال القرشي : إن الإمام زين العابدين عليه السلام من أقوى العوامل في تخليد الثورة الحسينية ، وتفاعلها مع عواطف المجتمع وأحاسيسه ، وذلك بمواقفه الرائعة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا في دنيا الشجاعة والبطولات ! أما خطابه في بلاط يزيد فإنه من أروع الوثائق السياسية في الإسلام ( 1 ) . وبرز الإمام زين العابدين عليه السلام على مسرح الحياة الإسلامية كألمع سياسي إسلامي عرفه التاريخ ، فقد استطاع بمهارة فائقة - وهو في قيد المرض والأسر - أن ينشر أهداف الثورة العظمى التي فجرها أبوه الإمام الحسين القائد الملهم للمسيرة الإسلامية الظافرة ، فأبرز قيمها الأصلية بأسلوب مشرق كان في منتهى التقنين ، والأصالة ، والإبداع ( 2 ) . ‹ صفحة 59 › |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |