![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
ثانيا : إشكالات وردود :
مع وضوح الشفاعة كمفهوم ثابت في القرآن الكريم ، فإن تطور المسائل الكلامية عند المسلمين أدت إلى أن يثور الجدل حول هذا المفهوم من جوانب متعددة ، ومن ثم إيراد الإشكالات عليه ، وهي إشكالات تنبع عادة من خلال الثوابت التي يؤمن بها كل فريق من الفرق الإسلامية التي ناقشت هذا المفهوم . ونورد أهم الإشكالات التي أثيرت هنا ثم نناقشها ونبين بطلانها وفسادها وكما يأتي : الإشكال الأول : إن ( نفس الذنب ) الذي قد يرتكبه المؤمن يرتكبه الكافر ، وإن الله سبحانه وتعالى قد وضع سنة العقاب والثواب جزاء لأفعال عباده ، وإن رفع العقاب عن المؤمنين المذنبين بواسطة الشفاعة ، وإنزاله على غيرهم من الكافرين ، مخل بعدالته ( سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ) وهذا الإشكال يمكن أن نسميه ب " مشكلة الاثنينية في الجزاء مع وحدة الذنب " . والجواب عليه : لا بد من بيان : هل الذنب من المؤمن والكافر واحد ؟ وهل أن قبول الله لشفاعة الشافعين بالمؤمن المذنب وحرمان الكافر منها اثنينية في الجزاء أم لا ؟ لا ريب أن الذنب من أي شخص ولأي شخص كان يقتضي استحقاق الذم والعقاب ، كما أن الإطاعة من أي شخص كان ولأي شخص كانت تقتضي الثواب والمدح ، وإلا لم يبق فرق بين المطيع والعاصي . إلا أن الله سبحانه فرق - وكلامنا فعلا في المعصية - بين ما إذا كانت من مؤمن به ، وما إذا كانت من كافر ، فجعل الشفاعة للمؤمنين العصاة كما فتح لهم باب التوبة ، وأما الكافرون فإن نيلهم الشفاعة أو قبول التوبة من الذنوب معلق على أصل الإيمان بالله عز وجل . . تماما كالحسنات ، فإنهم ما لم يؤمنوا لا يثابون عليها أبدا . فصحيح أن " الكذب " مثلا الصادر من المؤمن والصادر من الكافر واحد ، إلا أنهما يختلفان حكما ، وقد دلت على هذا الاختلاف الأدلة الواردة من قبل نفس المولى الذي اعتبر الكذب معصية له ، وهي الأدلة التي فرقت بين المؤمن والكافر . فهذا الإشكال إنما نشأ - في الحقيقة - من توهم وحدة الذنب ، وقد بينا أنه يختلف ويتعدد باختلاف صاحب الذنب ، وبهذا اللحاظ يختلف الحكم بجعل من المولى نفسه . إن القرآن الكريم ، في آياته الشريفة ، قد صنف موقف الناس يوم القيامة إلى عدة أصناف ، فهناك مؤمنون ، وهناك كافرون . والكافرون هم أولئك الذين لم يؤمنوا بالله في الحياة الدنيا أو أشركوا بعبادته أحدا ، ومثل هؤلاء لا تنالهم الشفاعة بصريح القرآن : * ( . . أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون . . ) * ( 1 ) . أو قوله تعالى : * ( . . . والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . . ) * ( 2 ) . وواضح أن الخلود في النار يتنافى مع مفهوم الشفاعة . . كما نجد آيات أخرى تؤكد على ذلك . إن ما قرره الله سبحانه وتعالى من جزاء للمؤمنين والكافرين هي من مختصاته سبحانه وتعالى ، وإن الوعد بالثواب للمؤمنين والوعيد بالعقاب للكافرين والمشركين هو أمر ثابت لا يتخلف عنه الحكم الإلهي ، حيث لم ترد في كل القرآن الكريم آية واحدة تدل على أن للكافرين فرصة لنيل الشفاعة يوم القيامة بل هم خالدون في النار . ومن هنا فإن حرمان الكافرين من الشفاعة يوم القيامة ليس تخلفا عن الحكم الإلهي ، بل هو وفاء للوعيد الذي سبق أن أخبر به الله سبحانه وتعالى الكافرين على لسان أنبيائه ورسله . أما المؤمن فإنه قد فتح له باب التوبة ، فقد يرتكب ذنبا " فيتوب منه " ، وتوبته تصح بالندم على ارتكاب الفعل وبالتالي تركه وعدم العودة إليه ، لأن الندم على ارتكاب الذنب يستدعي ترك العودة إليه ، وإلا فإن العودة إلى الذنب تعني الإصرار عليه ، فإذا مات مذنبا أمكن أن يغفر له بالشفاعة التي وعدها الله للمؤمنين ، وعلى هذا الأساس يكون قبول الشفاعة في المؤمنين المذنبين وعدم قبولها في الكافرين ، وفاء للوعد الإلهي الذي جاء على لسان الأنبياء والمرسلين . وهنا نقدم نماذج من القرآن الكريم لكل من الوعدين : قوله تعالى : * ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ) * ( 1 ) . وقوله تعالى : * ( . . . ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . . ) * ( 1 ) . وهاتان الآيتان توضحان بجلاء حقيقة الوعد الإلهي لمن مات وهو كافر ، وهو الخلود في النار ، ومعلوم أن الخلود في النار يتناقض تماما مع مفهوم الشفاعة . وقوله تعالى : * ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم ) * ( 2 ) . وقوله تعالى : * ( . . فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ) * ( 3 ) . وهناك آيات كثيرة أخرى تحدثت عن التوبة . وبعد هذه الشواهد نقول ردا على الإشكال المتقدم ، إن الاثنينية في الجزاء إنما جاءت بتبع الإثنينية في الذنب ، ويتلخص الجواب في عدم الوحدة في الذنب ، فإن المولى قرر وأخبر منذ البدء عن الفرق في تعامله بين المؤمن والكافر بالنسبة إلى الذنوب الصادرة منهما ، وعلى أساس ذلك كان الكافر محروما من الشفاعة في الآخرة بخلاف المؤمن فقد تناله ، كما تقبل التوبة من ذنوبه إذا تاب . فكان جزاء كل منهما في الآخرة مطابقا لما قرره وأخبر به الناس على لسان الأنبياء وأوصيائهم ( عليهم السلام ) . وقد ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن شفاعته لا تنال من أشرك بالله عز وجل وإنها تنال غير المشركين ، فقد روى أبو ذر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلى ليلة فقرأ آية حتى أصبح ، يركع بها ويسجد بها : * ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) * ( 1 ) ، فلما أصبح قلت : يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( . . . إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها فهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله عز وجل شيئا ) ( 2 ) . وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله : ( شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه . . ) ( 3 ) . |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |