![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
لا يختلف إثنان في حاجة الإنسان إلى الأخلاق الحسنة، حتى الإنسان المنسلخ عنها تجده يغضب عليك إن صارحته بحاله، وربما طالبك بها وهو يعلم نفسه أنه منسلخ عنها!
هذا أبسط دليل على حاجة الإنسان الملحة والفطرية إلى الأخلاق الحسنة، وهو أقوى دليل على إجماع الفطرة البشرية نحو مطلوبية الأخلاق الحسنة وخلوديتها مع الدين الحق الذي قال الله تعالى عنه: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون). وتشتد الحاجة إلى الأخلاق في عصرنا، أو تدري لماذا؟ لأن التنافس في الماديات قد أمات المعنويات التي هي القاعدة الأم لمعالي الأخلاق، فإن التقدم العلمي والصناعي الذان سخر الإنسان بهما الطبيعة، من دون أخلاق تحدد له طريقة الإستفادة منهما سوف يكون وبالا عليه فلا تبقى للحياة معانيها الرغيدة ولن تعلو للعدالة راية. ولا أراك تخالفني الرأي بأننا في عصر هذه سماته البارزة!.. أليس صحيحا؟ والآن فإذا كانت الأخلاق حاجة ملحة وفطرة ثابتة، وكانت الأمراض النفسية والمشاكل العائلية والإجتماعية مشهودة على أكثر الناس إذا، ماذا نفتقر إليه في سبيل الإنقاذ؟ قبل كل شيء نفتقر إلى هداة رسموا لنا على الأفق صور الأخلاق الخلابة عبر كلماتهم الوضاءة وسيرتهم المضيئة معا دون التفريق بينهما، لأن القول بلا فعل مقت كبير عند الله. فمن هم الهداة الذين بهذا المستوى الرفيع، الذين يسدون فقرنا الأخلاقي ويعيدون إلينا توازناتنا الروحية؟ هم النبي وأهل بيته (عليهم السلام) وكل من أخذ من رياضهم الزاهر، حيث عرفوا القرآن الكريم وعرفوه للأمة قولا وعملا، ومن هنا جئنا إلى سيرة الحسين (عليه السلام) سبط النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) لإحتوائها على إشراقات أخلاقية رائعة كاملة.. فياترى ماهي الأخلاق الحسنة؟ وماهي مفرداتها العملية؟ وكيف نطبقها؟ ولكن السؤال هو: هل يمكننا التحلي بالأخلاق الحسينية في هذا العصر وقد عسر الإلتزام بها حتى على بعض الملتزمين أحيانا كثيرة!؟ لقد أجاب (عمل الحسين (عليه السلام)) على هذا السؤال، لأن الأخلاق الإسلامية التي تجسدت في الحسين (عليه السلام) كلها تعاليم عملية، إنطلاقا من الحديث القائل (الإيمان عمل كله)؟ فالحسين (عليه السلام) يعرفنا على الأخلاق الحسنة ويدلنا إلى مفرداتها العملية وكيفية تطبيقها أيضا، إنما تبقى علينا مسؤولية التحلي بها وفق الإجتهاد المفتوح على الأساليب العملية بمفتاح العقل المتخلق بأخلاق الله. ومهما تكون النفسية البشرية معقدة وجاءت المستحدثات العصرية لتزيدها تعقيدا، فإن الأخلاق العملية عند الحسين (عليه السلام) ليست عقيمة الحلول وعاجزة عن الأخذ بيد الإنسان إلى العروج نحو القيم المثلى، وذلك لوجود الفطرة العاقلة النقية في باطن الإنسان وهي من الثوابت التي رسخها خالقها فيه كي تكون المرجع الأول والقاعدة الأساسية الصلبة لتلقي الهداية العملية إلى الأخلاق في كل عصر، تلك الفطرة والتي تسمى عند الناس اليوم بالضمير وعند الفلاسفة بالعقل العملي لن تتغير ولن ترضخ لتوجيه صاحبها المخطئ مهما بالغ في التبرير لنفسه وراوغ في التدليس على غيره، وأنى للفطرة أن تغير ذاتها وقد أراد الله لها أن تكون حجته في باطن الإنسان إلى ساعة موته، كما حججه العاملون من حوله، هما حجتان متعانقتان متلاحمتان، مهمة إحداهما في داخل الإنسان ومهمة الأخرى في خارجه. فكما الرسول الظاهري لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، كذلك الرسول الباطني يتناغم مع تعاليم الوحي ولا يتنافر معها أبدا. وتأسيسا على هذه الحقيقة الثابتة أجمع علماء أصول الفقه على رأي واحد عندما قرروا أن (كل ما حكم به الشرع حكم به العقل، وكل ما حكم به العقل حكم به الشرع)، ومن أدلتهم الحديث الوارد عن الإمام الكاظم (عليه السلام): (إن الله على الناس حجتين، حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وأما الباطنة فالعقول). ومن وصاياه (عليه السلام) أيضا قوله: (ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم إستجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة). لك أن تسألني: ما علاقة العقل بالأخلاق الحسنة؟! إن موضع العقل القيادة إلى الأخلاق الحسنة، بينما موضع الجهل قيادة الجاهل إلى الأخلاق السيئة. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الخلق المحمود من ثمار العقل، والخلق المذموم من ثمار الجهل). فتطبيق التعاليم الأخلاقية من خلال قيادة العقل المنفتح على الشرع أمر عملي لا عذر للمتخلف عنها، فلا يبرر ذلك بظواهر الزمان المتغيرة مادامت للأصول الأخلاقية الثابتة فروع تطبيقية يصيغها الواعي لتلك الأصول وفق سلم الأولويات وفن العمل، والإخلاص هنا ضمان التنفيذ وعدم التلاعب واللف والدوران على حساب القيم الأخلاقية. هذا ما تفيده الآيات القرآنية وكلمات أهل البيت (عليهم السلام). فمثلا يقول الإمام علي (عليه السلام): (الفضائل أربعة أجناس: أحدها الحكمة وقوامها الفكرة، والثاني العفة وقوامها في الشهوة، والثالث القوة وقوامها في الغضب، والرابع العدل وقوامها في إعتدال قوى النفس). ونخلص إلى القول بأن السلوك الفردي والإلتزامات الإجتماعية والآداب الشخصية فروع تنبثق من صميم القيم الأصيلة الثابتة، مثل الصدق، والصبر، والعفة، والحكمة، والرحمة، والوفاء، والإخلاص، والعدل. وأما الذين تغير إلتزامهم بالأخلاق الحسنة فإنهم على نمطين، نمط تخلى عنها وتترس بالأعذار فحسابه على الله القائل فيه (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) ونمط إجتهد عن وعي وإخلاص فتخلق بأخلاق إقتضاها زمانه ولا يرتضيها جيله السابق، فهذا لا يظن فيه التخلي عن الأخلاق الحسنة. لأنه ظن السوء الذي لا تجيزه الأخلاق الحسنة نفسها، فقد ورد عن معلم الأخلاق الإمام علي (عليه السلام) قوله: (لا تقصروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم). فالمطلوب إذن الحذر والدقة لتفادي الوقوع في الخلط بين هذين النمطين ممن يلاحظ عليهم التغيير في سلوكهم الأخلاقي. وتأسيسا على هذا يصح لنا القول بكل ثقة أن الأخلاق الحسينية دعوة للعمل الممكن في إطار القيم الثابتة، لا العمل المستحيل حيث ينفي جدارة القيم على الإستمرار مع الزمن، وحاشا لرجل حكيم مثل الحسين بن علي (عليه السلام) أن يدعو إلى عمل مستحيل وقيم لا يمكن تحقيقها، سيما إذا كان هذا النوع المستحيل من العمل يرتب الله عليه عقابا بجرم الترك. أليس هذا تناقض وظلم؟ وهل في دين الله شيء من ذلك؟ |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |