![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]() [ شبهة ان الجمع كان صوريا ] الجمع بين الصلاتين - عبد اللطيف البغدادي - ص 241 - 248 11 - نقض تأويل أن الجمع كان لعذر ما : أما من أدعى بأن الجمع كان لعذر من الأعذار كالمرض ونحوه ، وقد نقل هذا التأويل النووي في ( شرح صحيح مسلم ) عن جماعة من الفقهاء كأحمد بن حنبل وغيره ، وقد قواه ، وسيأتيك نصه ، فهو باطل أيضا ، ‹ صفحة 242 › لأنه إن كان الجمع لعذر معين فما هو ذلك العذر فأن كان المرض أو الخوف أو المطر أو الغيم أو خصوص فضل المسجد الشريف فقد علمت بأنها جميعا أعذار باطلة لا دليل لهم على شئ منها ، ورواة أحاديث الجمع من الصحابة ينفونها ، وإن كان الجمع لمطلق العذر أو الأعذار فما بطل به الخصوص يبطل به العموم . وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب ( لن يفترقا ) فاتبعهم . 12 - نقض تأويل أن الجمع كان صوريا : أما من ادعى أن الجمع لن يكن لعذر من الأعذار ، وأنه لا يصح فيه تأويل من التأويلات المذكورة ، ولكن كان جمعا صوريا لا حقيقيا . وهذا التأويل قال به مطلق الحنفية لتبرير فتوى إمام مذهبهم أبي حنيفة حيث أفتى ( كما هو ثابت عنه ) بعدم جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا ، ولما كان الثابت عندهم وعند جميع المسلمين أن النبي ( ص ) جمع بين الصلاتين حضرا وسفرا ، لعذر ولغير عذر ، عدلوا إلى تأويل هذا الجمع بأنه صوري لا حقيقي . وهذا التأويل قد بالغ في تأييده أكابر الحنفية وشيوخهم ورأوه التأويل الوحيد الذي لا يصح سواه . قال الحافظ الغماري : " ونصره - أي هذا التأويل من الحنفية - الطحاوي في ( شرح معاني الآثار ) بما فيه تكلف وتعسف يتحاشى عن مثله أهل العلم على قاعدته في نصر مذهب أبي حنيفة ، واختار هذا القول أيضا ابن الماجشون ، والماورزي ، وعياض ، والقرطبي ، وإمام الحرمين ، وابن سيد الناس ، والحافظ في ( الفتح ) مع ‹ صفحة 243 › اعترافه بضعف دليله ومستنده ، والمغربي في ( البدر التمام ) وتبعه شراح ( بلوغ المرام ) ، والشوكاني في ( نيل الأوطار ) ج 3 / 216 - 218 ، وأطال في تقريره ، وختم بأن له رسالة سماها ( تنشيف السمع بإبطال أدلة الجمع ) ( 1 ) . نعم ، كل هذا نصرة لمذهب أبي حنيفة ، والحقيقة أنها نصرة يعوزها الدليل ، حتى أن الحافظ الغماري في ( إزالة الخطر ) أبطل تأويلهم بالجمع الصوري ورده من عشرين وجها وجيها . ونحن نشير إلى بعض ما يبطله وينقضه فنقول : أولا : إن الذي يبطل هذا التأويل وغيره من التأويلات أيا كانت ، ظاهر الآيات القرآنية التي استعرضت أوقات الصلوات فجعلتها ثلاثة لا خمسة ، فراجعها . وبحكم تلك الآيات لا مانع من الجمع الحقيقي لعذر وغير عذر مطلقا . ثانيا : إن تأويلهم هذا وغيره من التأويلات الأخرى لم يستطيعوا أن يقيموا عليها دليلا صحيحا ومقبولا حتى عندهم ، ولذا كانوا في تأويلهم غمة ، وفي ليل من الحيرة مظلم ، يرد تلك التأويلات بعضهم على بعض . ومعلوم أن كل تأويل لا دليل مقبول عليه فهو باطل . نعم أيد الشوكاني في ( نيل الأوطار ) ج 3 / 217 التأويل بالجمع الصوري بتأييدات واهية ، بل هي أوهى من بيت العنكبوت والتي منها قوله : " ومما يؤيد ذلك ما رواه الشيخان ، عن عمرو بن دينار أنه قال : يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر ‹ صفحة 244 › وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء ؟ قال : وأنا أظن ذلك . ثم قال الشوكاني : وأبو الشعثاء هو راوي الحديث عن ابن عباس كما تقدم " . فالشوكاني يؤيد تأويل الجمع الصوري حيث ظنه أبو الشعثاء باعتباره راوي الحديث ، ومعلوم باعلان القرآن المجيد ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا ( سواء صدر من الراوي أو من غيره ، وقد حذر النبي ( ص ) بقوله في الحديث المتفق عليه : ( إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ) ومن هنا قال احمد بن شاكر عند شرحه لحديث أبي الشعثاء في ( مسند احمد ) بما نصه : " وهذا الجمع الصوري من تأويل أبي الشعثاء ولا حجة له فيه " ( 1 ) . هذا ولعل عمرو بن دينار يقصد باستفهامه من أبي الشعثاء ، وقوله : أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء ، أن النبي جمع جمع تأخير لا جمع تقديم ، ولم يقصد الجمع الصوري أصلا . ثالثا : إن لفظ ( الجمع ) في عرف الشريعة لا يطلق إلا على الجمع الحقيقي بين الصلاتين في وقت إحداهما جمع تقديم أو جمع تأخير ، بل ولا ينصرف الذهن مطلقا إلا إليه ، وهذا حتى عند الشوكاني نفسه ، ولذا تراه أطلق كلمة ( الجمع ) على رسالته التي سماها ( تنشيف السمع بإبطال أدلة الجمع ) فإنه يريد بهذا الإطلاق الجمع الحقيقي قطعا ، لأنه هو الذي يحاول إبطاله لا الجمع الصوري الذي يؤيده ويريده . وهكذا من افتعل حديثا على النبي ( ص ) أنه قال : ( من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من ‹ صفحة 245 › أبواب الكبائر ) ، إنما يريد بإطلاق كلمة ( جمع ) الجمع الحقيقي لا الصوري ، لأنه هو المتبادر إلى الذهن . وبهذه الحقيقة صرح كثير من أعلامهم ، ومنهم الخطابي وإليك عبارته بنصها ، قال : " ظاهر أسم الجمع لا يقع على من أخر الظهر حتى صلاها في آخر وقتها وعجل العصر فصلاها في أول وقتها ، لأن هذا قد صلى كل صلاة منها في وقتها الخاص بها ، وإنما الجمع المعروف أن تكون الصلاتان في وقت إحداهما ، ألا ترى أن الجمع بينهما بعرفة والمزدلفة كذلك " ( 1 ) . ومعلوم أن كل تأويل خالف عرف الشرع والعرف المطلق يكون باطلا بلا ريب ، كما صرح علماء الأصول بالاتفاق . رابعا : إن السنة النبوية تبين بعضها بعضا ، فعلى فرض - وفرض المحال ليس بمحال - أن الجمع لم يكن في عرف الشرع خاصا بالحقيقي ، ولكن جمع النبي بين الصلاتين بأسفاره عين المراد منه لأنه كان يجمع جمع تقديم تارة بأن يصلي الظهر عند الزوال في أول الوقت ثم يصلي العصر بعدها مباشرة ، ويصلي المغرب عند الغروب ثم يصلي العشاء بعدها بلا فاصل . . وجمع تأخير تارة أخرى بأن يؤخر الظهر إلى ما بعد دخول وقت العصر فيصليهما معا ، ويؤخر المغرب إلى ما بعد دخول وقت العشاء وغياب الشفق فيصليهما في ذلك الوقت معا ، وفي بعض الأحيان يصليهما بعد ذهاب ربع الليل ، وهذا وارد في أسفاره بنصوص صريحة ‹ صفحة 246 › ومتفق عليها عند الجميع ، وسيمر عليك بعضها ، وما أدري كيف خالفها الحنفية فحملوا كافة أحاديث الجمع في الحضر والسفر وفي جميع الحالات على الجمع الصوري ، وذلك ما لا يتفق مع الكتاب والسنة والإجماع . خامسا : إن النبي ( ص ) لما جمع بالمدينة أخبر أنه أراد بجمعه بين الصلاتين رفع الحرج عن أمته والتوسعة عليهم . والجمع الصوري ليس فيه رفع لحرج التفريق عنهم ، ولا توسعة عليهم ، بل فيه إثبات وتقرير لما جاء به جبرئيل من الأوقات الخمسة المفضلة ، ويكون النبي ( ص ) بجمعه الصوري قد صلى كل صلاة بوقتها المفضل فأي حرج إذا رفعه النبي عن أمته ، وأي توسعة وسعها عليهم ؟ والحال أن التوسعة تقتضي أن يكون في الوقت ضيق فيوسعه النبي وذلك لا يكون إلا إذا جمع جمعا حقيقيا جمع تقديم وجمع تأخير . سادسا : إن الجمع الصوري - كما حددوه - فيه حرج أكثر من الحرج في التفريق ، وذلك لأن الجمع الصوري هو أن يصلي الظهر عندما يبقى من وقته مقدار أربع ركعات فإذا فرغ منها دخل وقت العصر فيصليها فلا يخلو الحال إذا من أن يكون النبي ( ص ) قد أخبر أصحابه عند الزوال أنه يريد أن يجمع بهم قبيل العصر فكلفهم - بعد اجتماعهم - بالانصراف إلى غذائهم وسائر حوائجهم والرجوع إلى المسجد قبيل العصر ، أو تركهم من وقت الزوال إلى قرب وقت العصر في الانتظار وفيهم من فيهم من الشيخ الكبير والضعيف وذوي الحاجات والنساء ذوات الأطفال . أو أنه أعلن لهم عند اجتماعهم للصلاة في الليل وأمرهم أن يجتمعوا غدا قبيل صلاة العصر بمقدار أربع ركعات حتى يجمع بهم بين ‹ صفحة 247 › الظهرين جمعا صوريا . وفي أي من هذه الصور الثلاث من المشقة عليهم والإحراج لهم ما لا يخفى ، وأقل ما يقال في إحدى هذه الصور من التكليف أنه أمرهم بالحضور إلى المسجد في وقت غير محدد ولا معروف لهم ، إذ لا أذان قبيل العصر يجمعهم ، ولا ساعات عندهم يومئذ يعرفون بها الوقت ، بل يلزمهم أن يراعي كل واحد منهم مقدار الظل للشاخص عند الزوال وأن يراقبه إلى أن يزداد الظل للشاخص المعين بمقداره ، وقبل هذا الوقت بمقدار أداء الظهر ينبغي أن يكونوا حاضرين في المسجد ليجمعوا جمعا صوريا ، وذلك عين الحرج والضيق فكيف يقول ( ص ) : " صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي " ويقول الرواة : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته ؟ وإلى هذا أشار كثير من شراح الصحاح والسنن ، ومنهم الزرقاني في ( شرح موطأ مالك ) ج 1 / 94 قال : وإرادة نفي الحرج تقدح في حمله على الجمع الصوري ، لأن القصد إليه لا يخلو من حرج . سابعا : من المعلوم أن وقوع أي صورة من هذه الصور الثلاث السابقة غير مألوفة للصحابة ، وفيها تغيير لكيفية أداء الصلاة سابقا عندهم ، وهذا ما يستوجب نقل تلك الكيفية - كما وقت - بالتواتر القطعي ، وحينئذ لروى تلك الصورة الغريبة - على الأقل - رواة أحاديث الجمع من الصحابة ، ولما لم يرد شئ من ذلك عنهم فضلا عن تواتره علمنا علم اليقين أن الجمع كان حقيقيا لا صوريا ، ومعاذ الله أن يكلف النبي أصحابه وسائر أمته إلى يوم القيامة بمثل هذا التكليف الشاذ ، بل جعل لهم - بأمر الحكيم الخبير - الوقت موسعا للظهرين من الزوال إلى الغروب ، ‹ صفحة 248 › وللعشائين من الغروب إلى نصف الليل للمختار غير المضطر وإلى الفجر للمضطرين ، وللصبح من الفجر إلى طلوع الشمس . وهذه علائم لأوقات الصلوات معلومة ومعروفة للجميع بلا تكلف ولا مشقة ولا حرج ، وهذا هو اللائق بشريعة الحق العامة للجميع ، والخالدة ما خلد الدهر . قال تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ( [ سورة الحج / 79 ] . تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . |
![]() |
#2 |
خادم الحسين
![]() |
![]() ثامنا : إن جابر بن عبد الله الأنصاري أحد الصحابة الكرام الذين رووا حديث الجمع بين الصلاتين يصرح بقوله : إن النبي جمع بين الصلاتين للرخص من غير خوف ولا علة - راجع حديثه برقم ( 51 ) ، وممن رواه . شيخ من شيوخ الحنفية وهو الطحاوي الحنفي . وراجع حديثه الآخر برقم ( 59 ) الذي رواه أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) وقد جاء فيه قوله : " أراد الرخصة على أمته . والرخصة في اللغة : التيسير والتسهيل . قال الجوهري : الرخصة في الأمر خلاف التشديد فيه ، ومن ذلك رخص السعر إذا سهل وتيسر ، وفي عرف أهل الأصول هو تغيير الحكم الشرعي من صعوبة إلى سهولة مع قيام السبب للحكم الأصلي ، وهذا هو الواقع في الجمع الحقيقي فإنه تغيير من صعوبة تحديد الوقت وتقسيمه بجعل وقت خاص للظهر وآخر للعصر وآخر للمغرب وآخر للعشاء لسبب الفضيلة ‹ صفحة 249 › لتلك الأوقات المعينة إلى سهولة الجمع بين الصلاتينبتجويز تقديم اللاحقة في وقت السابقة ، أو تأخير السابقة إلى وقت اللاحقة ، أما الجمع الصوري فليس فيه تغيير ولا تسهيل بل هو إيقاع للأوقات كما كانت عليه ، بل هو بالعكس من تعريف الرخصة لأنه تغيير من سهولة إلى صعوبة كما علمت ، فالقول بالجمع الصوري تشويه لوجه التشريع وقلب لحقيقته ونقض لمقصوده . تاسعا : إن عبد الله بن عباس حين خطب في البصرة وناداه الناس : الصلاة الصلاة ، وعدم مبالاته بهم واستمراره في خطبته لا يجيبهم ، حتى جاء التميمي الذي صار يقول : الصلاة الصلاة ، فناداه ابن عباس وهو مغضب : أتعلمني بالسنة ؟ لا أم لك ، ثم احتج عليه بالدليل والمستند بقوله : شهدت رسول الله ( ص ) جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، واستبعاد عبد الله بن شقيق واستغرابه لذلك الدليل حتى حاك في صدره منه شئ ، ومجيئه إلى أبي هريرة وسؤاله عن ذلك وتصديق أبي هريرة لدليل ابن عباس ، وجمع ابن عباس بالفعل بعد فراغه من الخطبة بين المغرب والعشاء ، كما جمع النبي ( ص ) ، كل ذلك وغير ذلك يبطل تأويلهم بأن الجمع كان صوريا ، لأن ابن عباس أجل من أن يحتج بالجمع الصوري على الجمع الحقيقي . عاشرا : من أحاديث الجمع بين الصلاتين ، وأحاديث الأبراد بصلاة الظهر ، وأحاديث أخرى كثيرة - إن النبي لم يجمع بالمدينة بين الصلاتين مرة واحدة حتى يؤول ذلك الجمع بأنه كان صوريا ، بل جمع بين الصلاتين مرارا عديدة بل كثيرة جدا جمع تقديم وجمع تأخير ، ولا سيما ‹ صفحة 250 › أيام شدة الحر ، فهل يؤول كل ما جمع بأنه جمعا صوريا ؟ لا أعتقد بأن يقول هذا إنسان عاقل ، فضلا عن عالم فاضل . وبذلك اتضح لنا أن أهل البيت " مع السنة النبوية كما هم مع الكتاب ( لن يفترقا ) فاتبعهم . نقض شراح الصحاح والسنن لمجموع التأويلات : رد شراح الصحاح والسنن قديما وحديثا هذه التأويلات ، ومن ضمنها التأويل بالجمع الصوري ، وإليك ما ردها به النووي ( 1 ) في شرحه لصحيح مسلم ، وقد نقله عنه من الشراح وغيرهم جمع كثير منهم القسطلاني في ( إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ) باب تأخير الظهر إلى العصر ، ج 1 / 491 ، وابن حجر العسقلاني في ( فتح الباري ) ج 2 / 163 ، والكرماني في ( شرحه لصحيح البخاري ) ج 4 / 192 ، والزرقاني في ( شرح موطأ مالك ) ج 1 / 294 ، والشوكاني في ( نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار ) ج 3 / 216 ، والشيخ منصور علي ناصيف - من علماء الأزهر - في كتابه ( التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ) ج 1 / 150 ، وما بعدها ، واحمد ‹ صفحة 251 › محمد شاكر القاضي في شرحه ل ( سنن الترمذي ) ج 1 / 357 حيث قالوا نقلا عن النووي في ( شرح صحيح مسلم ) ج 5 / 218 بما نصه ( 1 ) : " ومنهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر ، وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين ، وهو ضعيف بالرواية الأخرى : من غير خوف ولا مطر . ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر قد دخل فصلاها ، وهذا أيضا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء . ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه ، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها ، فصارت صلاته صورة جمع ، وهذا أيضا ضعيف أو باطل ، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل ، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب ، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله ، وتصديق أبي هريرة له ، وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل . ومنهم من قال : هو محمول على الجمع بعذر المرض ، أو نحوه مما في معناه من الأعذار ، وهذا قول احمد بن حنبل ، والقاضي حسين من أصحابنا ، واختاره الخطابي ، والمتولي ، والروماني من أصحابنا ، وهو المختار لظاهر الحديث ( 2 ) ولفعل ابن عباس ، وموافقة أبي هريرة ، ولأن المشقة فيه أشد من المطر . وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة ، ‹ صفحة 252 › لمن لا يتخذه عادة ، وهو قول ابن سيرين ، وأشهب من أصحاب مالك ، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي ، عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث ، واختاره ابن المنذر ، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس : أراد أن لا يحرج أمته ، فلم يعلله بمرض ولا غيره ، والله أعلم " ( 1 ) . قال الشارح احمد محمد شاكر : " وكلام الخطابي في المعالم ( ج 1 / 265 ) نصه : هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء ، وإسناده جيد إلا ما تكلموا فيه من أمر حبيب ، وكان ابن المنذر يقول به ويحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث . وسمعت أبا بكر القفال يحكيه عن أبى إسحاق المروزي . قال ابن المنذر : ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار ، لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه ، وهو قوله : أراد أن لا يحرج أمته . وحكى عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسا أن يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شئ ما لم يتخذه عادة . ثم قال الشارح : هذا هو الصحيح الذي يؤخذ من الحديث ، وأما التأويل بالمرض أو العذر أو غيره فإنه تكلف لا دليل عليه ، وفي الأخذ بهذا رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرهم أعمالهم أو ظروف قاهرة إلى الجمع بين الصلاتين ، ويأثمون من ذلك ويتحرجون ، ففي هذا ترفيه لهم وإعانة على الطاعة ما لم يتخذه عادة ، كما قال ابن سيرين " . ‹ صفحة 253 › لا مانع من الجمع بين الصلاتين لحاجة أو لغير حاجة تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . |
![]() |
![]() |
#3 |
خادم الحسين
![]() |
![]() بعد أن اتضح لنا نقض الشبهة حول الجمع بين الصلاتين وبطلانها ، رأينا أن من تحرر من تلك الشبهة وردها بأجمعها وأبطلها من أهل السنة - وهم كثيرون قديما وحديثا - رأيناهم مع ذلك كله قيدوا الجمع بين الصلاتين بوقت الحاجة فقط ، وبعدم اتخاذه عادة ، هذا مع العلم أن القيد بالحاجة وبعدم اتخاذه عادة قيد مردود بحكم آيات المواقيت ، وأحاديثه ، وبحكم أحاديث الجمع المطلقة باعترافهم ، وما فيها من التعليل بالتوسعة وعدم الحرج ، والرخصة للأمة ، كما أن هذا القيد لا دليل لهم عليه أصلا ، ولا سيما أنهم وغيرهم من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد رووا أحاديث كثيرة تدل على رجحان الأخذ بالرخص ، وأن الأخذ بها محبوب إلى الله ، بل وان من تركها يأثم إذ يكون بتركها مخالفا لما شرعه الله لعباده ، وجعله سنة لنبيه ، وتسهيلا وتخفيفا على أمته . وإليك بعض تلك الأحاديث : أحاديث الأخذ بالرخص والاستدلالبها : 1 - روى احمد بن حنبل في ( مسنده ) بسنده عن ابن عمر قال : " قال رسول الله ( ص ) : إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته " ( 1 ) ونقله عن احمد ، الشوكاني في ( نيل الأوطار ) ج 3 / 204 ، وعلق عليه بقوله : الحديث المروي عن ابن عمر رجاله رجال الصحيح . . إلى أن ‹ صفحة 254 › قال : وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن عدي ، وعن عائشة عنده أيضا . . ثم قال : والمراد بالرخص التسهيل والتوسعة ، وفيه أن الله يحب إتيان ما شرعه من الرخص ، وفي تشبيه تلك المحبة بكراهته لإتيان المعصية دليل على أن في ترك إتيان الرخصة ترك طاعة كالترك للطاعة الحاصل بإتيان المعصية . . الخ . ونقله عن احمد بسنده الحافظ الغماري في ( إزالة الخطر ) ص 155 . 2 - روى الشيخان البخاري ومسلم في ( صحيحيهما ) من حديث عائشة ( رض ) قالت : " صنع رسول الله ( ص ) شيئا فرخص فيه ، فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي ( ص ) فخطب فحمد الله ، ثم قال : ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ، فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية " . نقله عن الشيخين الحافظ الغماري في ( إزالة الخطر ) ص 154 ، وقال بعده معلقا على موضوع الجمع بين الصلاتين بما نصه : فلو كان في هذا الجمع ما يخل بصحة الصلاة لكان النبي ( ص ) أولى بتركه ، والتنبيه على وجه العلة الداعية إلى فعله في وقته ، والتحذير من اتباعه فيه على إطلاقه ، ولما لم يفعل شيئا من ذلك ، وزاد التصريح بأنه فعل ذلك للرخصة ، ورفع الحرج لم يبق للتنزه عنه معنى إلا مجرد الخلاف لله ولرسوله ( ص ) ، وعدم قبول الرخصة التي أخبر النبي ( ص ) أن من لم يقبلها كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة . . الخ . والعجب من الحافظ الغماري الذي يقول هذا ، وهو مؤلف الكتاب الضخم ( إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر ) ويتحمس التحمس الشديد ، ويوجه النقد اللاذع لمن يؤول أحاديث الجمع بأي تأويل ‹ صفحة 255 › كان ، ويصرح بأن المؤولين لأحاديث الجمع مخالفون لله ولرسوله ، ثم هو نفسه يقيد الجمع بين الصلاتين بوقت الحاجة ، وأن لا يتخذه الإنسان عادة ، ويكرر هذا القيد في كتابه مرارا عديدة للتأكيد عليه ( 1 ) وإني والله لمستغرب ومتعجب أشد الاستغراب ، والعجب منه بالخصوص في ذكره لهذا القيد وتكراره له ، ولا أدري ما الداعي له إلى ذلك ؟ هل هو التقليد للأسلاف كابن سيرين ، وأشهب وأمثالهما ؟ أو أنه يخشى مبادهة العامة بالقول بجواز الجمع لغير الحاجة ، وبعدم المانع من اتخاذه عادة ، أو غير ذلك ، والله وحده ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ( 19 ) والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير ( [ سورة المؤمن / 20 / 21 ] . 3 - روى احمد بن حنبل في ( مسنده ) عن أبي طعمة أنه قال : " كنت عند ابن عمر إذ جاءه رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن إني أقوى على الصيام في السفر ، فقال ابن عمر : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة " ( 2 ) . ‹ صفحة 256 › ونقله عن احمد ، ابن كثير الدمشقي في ( تفسيره ) ج 1 / 217 حيث قال : جاء في مسند الإمام احمد وغيره عن ابن عمر وجابر وغيرهما : من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة . ونقله عن احمد أيضا ، السيد رشيد رضا في تفسيره ( المنار ) ج 2 / 154 . ونقله السيوطي في ( الدر المنثور ) ج 1 / 193 عن الطبراني . 4 - وروى ابن حبان في ( صحيحه ) مسندا عن ابن عمر أن رسول الله ( ص ) قال : " أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه " . ورواه البزار أيضا ، وأبو علي والطبراني ، وابن خزيمة ، والبيهقي في ( السنن ) و ( الشعب ) ، والقصاعي في ( مسند الشهاب ) والخطيب في ( التاريخ ) وغيرهم عن كل من ابن عمر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وأنس بن مالك ، وأبي الدرداء ، وواثلة بن الأسقع ، وأبي أمامة ، وعائشة ، كلهم عن النبي ( ص ) أنه قال : " إن الله يحب أن تؤتى رخصه " ( 1 ) . 5 - وأخرج الطبراني عن عبد الله بن يزيد بن أديم ، قال : حدثني أبو الدرداء ، وواثلة بن الأسقع ، وأبو أمامة ، وأنس بن مالك ، : " أن رسول الله ( ص ) قال : إن الله يحب أن تقبل رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه " ( 2 ) . ‹ صفحة 257 › وبمجموع ما تقدم علمنا علم اليقين أن الجمع بين الصلاتين لا مانع منه مطلقا ، وأنه رخصة محبوبة عند الله ، وسنة من سنن رسول الله ( ص ) وقد قال : 6 - " من رغب عن سنتي فليس مني " . روته الصحاح والسنن والمسانيد ، وهو حديث متفق عليه عند الجميع ، وقد أرسله إرسال المسلمات كل من رشيد رضا في تفسيره ، والحافظ الغماري في ( إزالة الخطر ) ( 1 ) . 7 - أخرج البخاري في ( الأدب المفرد ) عن ابن عباس قال : " سئل النبي ( ص ) أي الأديان أحب إلى الله ؟ قال : " الحنيفية السمحة " ( 2 ) . 8 - أخرج الطبراني ، والبيهقي عن سهل بن أبي أمامة بن سهيل بن حنيف عن أبيه ، عن جده " أن رسول الله ( ص ) قال : لا تشددوا على أنفسكم فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم ، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات " ( 3 ) . ويؤيد صحة هذه الأحاديث قول الله عز وجل في محكم كتابه المجيد : ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ( [ سورة النساء / 29 ] . وقوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( [ سورة ‹ صفحة 258 › البقرة / 186 ] وقوله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ( [ سورة الحج / 79 ] . تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . |
![]() |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |