![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#2 |
المشرف العام
![]() |
![]()
قال الرازي عند تفسير آية الأعراف السابقة :« ما نقل عن أهل اللغة بأن ( لن ) للتأبيد ، قال الواحدي رحمه الله : هذه دعوى باطلة على أهل اللغة ، وليس يشهد بصحته كتاب معتبر ، ولا نقل صحيح . وقال أصحابنا : الدليل على فساده قوله تعالى في صفة اليهود :﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ ، مع أنهم يتمنون الموت يوم القيامة » .
ولهذا حمل المعارضون لهم من أهل السنة ( لن ) في قوله تعالى :﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ ، وقوله :﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾ على تأبيد النفي في الحياة الدنيا . قال ابن كثير عند تفسير آية الأعراف :« وقد أشكل حرف ( لن ) هاهنا على كثير من العلماء ؛ لأنها موضوعة لنفي التأبيد ، فاستدل به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة . وهذا أضعف الأقوال ؛ لأنه قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم بأن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة . وقيل : إنها لنفي التأبيد في الدنيا ، جمعًا بين هذه الآية ، وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الدار الآخرة » . وقال الشيخ ابن عطية :« وقوله عز وجل :﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾ نصٌّ من الله تعالى على منعه الرؤية في الدنيا ، و( لن ) تنفي الفعل المستقبل . ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده ، لقضينا أنه لا يراه ( موسى ) أبدًا ، ولا في الآخرة ؛ لكن ورد من جهة أخرى بالحديث المتواتر أن أهل الإيمان يرون الله تعالى يوم القيامة ، فموسى- عليه السلام- أحرى برؤيته » . وقال الزجاج :« في هذه الآية أعظم حجة وأظهر دلالة على صحة رسالته صلى الله عليه[وآله] وسلم ؛ لأنه قال لهم : فتمنوا الموت ، وأعلمهم أنهم لن يتمنوه أبداً ، فلم يتمنه واحد منهم . وفي هذه الآية دليل أن ( لن ) لا تدل على التأبيد ؛ لأنهم يتمنون الموت في الآخرة ، خلافًا لقول المعتزلة في قولهم : لن تراني . ويقال : إن قوله ( لن ) إنما يقع على الحياة الدنيا خاصة ، ولم يقع على الآخرة ؛ لأنهم يتمنون الموت في النار ، إذا كانوا في جهنم » . ولكن ذلك كله لا ينافي أن تكون ( لن ) للتأبيد الذي يفيد استغراق النفي في جميع أجزاء الزمن المستقبل ؛ كما تكون ( لا ) للتأبيد الذي يفيد استغراق النفي في جميع أجزاء الزمن الحاضر والمستقبل ؛ وذلك في كل موضع استعملتا فيه ؛ سواء قيِّد النفي بهما بـ( أبدًا ) ، أو لم يقيد . وإلى هذا ذهب الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان ، فذكر أن ( لن ) تفيد تأبيد النفي ، في موضع لم يعارضها فيه نصٌّ ، وذكر أن قول النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم لأبي ذرٍّ :« ولن تجزئ عن أحد بعدك »صريح في استمرار منع الإجزاء عن غيره ؛ لأن لفظة ( لن ) تدل على نفي الفعل في المستقبل من الزمن ، فهي دليل صريح على استمرار عدم الإجزاء عن غيره في المستقبل من الزمن . قال :« ويؤيد ذلك أن قوله :” عن أحد بعدك “ نكرة في سياق النفي ، فهي تعم كل أحد في كل وقت كما ترى » . وأما القول بأنه لا فرق في النفي بين ( لا ) ، و( لن ) فهو مردود - كما تقدم- بأن ( لا ) تنفي الحال والمستقبل ، وأن ( لن ) تنفي المستقبل فقط ؛ وإذ ثبت ذلك فإن ( لا ) تكون لنفي ما طال وبعُد ، و( لن ) تكون لنفي ما قصُر وقرُب ، فلا يمتد النفي بها امتداده في ( لا ) . وسر ذلك كما قال ابن الزملكاني في التبيان :« أن الألفاظ مشاكلة للمعاني ، و( لا ) آخرها الألف ، والألف يمكن امتداد الصوت بها ، بخلاف النون ، فطابق كل لفظ معناه » . وهذا القول خلاف ما ذهب إليه الزمخشري والمعتزلة من القول بأن ( لن ) لتأبيد النفي على الإطلاق ، وهو ألطف منه وأحسن ، وهو أصح مما ذهب إليه الجمهور من القول بأن ( لا ) مثل ( لن ) في نفي الأفعال المستقبلة ، وإليه ذهب الشيخ السهيلي ، فذكر في نتائج الفكر في النحو من خواصِّ ( لن ) :« أنها تنفي ما قرب ، ولا يمتد معنى النفي فيها كامتداد معنى النفي في ( لا ) ، إذا قلت : لا يقوم زيد أبدًا . فـ( لا ) هي لامٌ بعدها ألفٌ ، يمتدُّ بها الصوت ما لم يقطعه تضييق النفَس ؛ فآذن امتداد لفظها بامتداد معناها ، و( لن ) يعكس ذلك .. فتأمله ، فإنه معنى لطيف وغرض شريف » . واستطرد الشيخ السهيلي قائلاً :« ألا ترى كيف جاء في القرآن البديع نظمه الفائق على كل العلوم علمه :﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا ﴾ بحرف ( لا ) ، في الموضع الذي اقترن فيه حرف الشرط بالفعل ، فصار من صيغ العموم ، فانسحب على جميع الأزمنة ، وهو قوله عز وجل :﴿ إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ﴾ ؛ كأنه يقول : متى زعموا ذلك لوقت من الأوقات أو زمن من الأزمان ، وقيل لهم : تمنوا الموت ، فلا يتمنونه أبدًا ، وحرف الشرط دل على هذا المعنى ، وحرف ( لا ) في الجواب بإزاء صيغة العموم ، لاتساع معنى النفي فيها . وقال تعالى في سورة البقرة :﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ﴾ ، فقصَّر من سعة النفي وقرَّب ؛ لأن قبله في النظم :﴿ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ ﴾ ، وليست ( إن ) ههنا مع ( كان ) من صيغ العموم كما كانت مع ( زعمتم ) في آية الجمعة ؛ لأن ( كان ) ليست بدالة على الحدث ؛ فكأنه يقول عز وجل : إن كانت وجبت لكم الدار الآخرة ، وثبتت لكم في علم الله تعالى ، فتمنوا الموت الآن . ثم قال في الجواب :﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ﴾ ، فانتظم معنى الجواب بمعنى الخطاب في الآيتين . وليس في قوله :( أَبَدًا ) ما يناقض ما قلناه ، فقد يكون ( أَبَدًا ) بعد فعل الحال . تقول : زيد يقوم أبدًا ، ويصلي أبدًا » . وذكر ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد قول الشيخ السهيلي ، وعقَّب عليه قائلاً :« ومن أجل ما تقدم من قصور معنى النفي في ( لن ) ، وطوله في ( لا ) يعلم المُوفَّقُ قصورَ المعتزلة في فهم كلام الله تعالى ، حيث جعلوا ( لن ) تدل على النفي على الدوام ، واحتجوا بقوله :﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾(الأعراف:143) ، وعلمت بهذا أن بدعتهم الخبيثة حالت بينهم ، وبين فهم كلام الله كما ينبغي .. وهكذا كل صاحب بدعة تجده محجوبًا عن فهم القرآن » . وأضاف ابن قيم الجوزية قائلاً :« وتأمل قوله تعالى :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾(الأنعام:103) ، كيف نفى فعل الإدراك بـ( لا ) الدالة على طول النفي ودوامه ؛ فإنه لا يدرك أبدًا . وإن رآه المؤمنون فأبصارهم لا تدركه ، تعالى عن أن يحيط به مخلوق .. وكيف نفى الرؤية بـ( لن ) ، فقال :﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾(الأعراف:143) ؛ لأن النفي بها لا يتأبد ، وقد كذبهم الله في قولهم بتأبيد النفي بـ( لن ) بقوله :﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾(الزخرف:77) ؛ فهذا تمن للموت ، فلو اقتضت ( لن ) دوام النفي ، تناقض الكلام » . ثم ذكر أن اقتران قوله تعالى :﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ بالتأبيد لا ينافي تمنيهم الموت في النار ؛ لأن التأبيد على ما قال :« قد يراد به : التأبيد المقيد ، والتأبيد المطلق . فالمقيد كالتأبيد بمدة الحياة مقيد كقولك : والله لا أكلمه أبدًا ، والمطلق كقولك : والله لا أكفر بربي أبدًا . وإذا كان كذلك ، فالآية إنما اقتضت نفي تمني الموت أبد الحياة الدنيا ، ولم يتعرض للآخرة أصلاً ؛ وذلك لأنهم لحبهم الحياة وكراهتهم للجزاء ، لا يتمنون ، وهذا منتف في الآخرة .. فهكذا ينبغي أن يفهم كلام الله ، لا كفهم المحرفين له عن مواضعه » . رابعًا- نخلص مما تقدم إلى أن كلاً من قوله تعالى :﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ ، وقوله :﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا ﴾ خبر قاطع عن أن ذلك لا يقع منهم ، ولن يقع في الحياة الدنيا أبدًا ، وليس في السياق ما يشير إلى عدم تمنيهم الموت في الآخرة ، بدليل ما حكاه القرآن عنهم من قولهم ، وهم في النار يصطرخون :﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾(الزخرف:77) ، وبدليل ما حكاه القرآن عن الكفار عامة من قولهم :﴿ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾(الحاقة:27) ، فالكفار بصورة عامة ، واليهود بصورة خاصة ، لا يتمنون الموت في الحياة الدنيا ، لشدة حرصهم على الحياة ، وخوفهم من الجزاء ؛ ولكنهم إذا فارقوا الدنيا ، وصاروا إلى الآخرة ، وأدخلوا النار بما قدمت أيديهم ، تمنوا الموت ، ويبدو الفرق بين النفيين من وجهين : أحدهما : أن قوله تعالى :﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ إخبار بحال اليهود المستقبلة ، وأما قوله :﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا ﴾ فهو إخبار بحال اليهود الحاضرة والمستقبلة ، وعليه فإن الأول يقتضي نفي تمنيهم الموت فيما يستقبل من أعمارهم ، وإن الثاني يقتضي نفي تمنيهم الموت مدة حياتهم في الدنيا ؛ لأن ( لا ) هي لام ، بعدها ألف يمتد بها الصوت ما لم يقطعه ضيق النفس ، فآذن امتداد لفظها بامتداد معناها ، و( لن ) بعكس ذلك . ونظير ذلك قوله تعالى :﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ ﴾(البقرة:24) . فقوله :﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ﴾ نفي لفعلهم في الحال والمستقبل ، كما كان قوله :﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا ﴾ نفي لتمنيهم الموت في الحال والمستقبل . وقوله تعالى :﴿ وَلَنْ تَفْعَلُوا ﴾ نفي لفعلهم في المستقبل ؛ كما كان قوله :﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ نفي لتمنيهم الموت في المستقبل ، فثبت بذلك أن النفي الأول إخبار بحالهم الدائمة المستمرة ، والنفي الثاني إخبار بحالهم المستقبلة . والثاني : أن الغرض من قوله تعالى :﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا ﴾ هو إبطال ادعاء اليهود أنهم أولياء لله من دون الناس . وأما قوله تعالى :﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ فالغرض منه إبطال ادعائهم أن لهم الدار الآخرة خالصة عند الله من دون الناس . وواضح من سياق الآيات أن ادعاءهم الأول متعلق بالحياة الدنيا ، وأن ادعاءهم الثاني متعلق بالدار الآخرة ، فناسب الأول نفي تمنيهم الموت بـ( لا ) التي ينفى بها الحال والمستقبل ، ولم ينف بـ( ما ) الخاصة بالحال ؛ لأنهم أرادوا أنهم أولياء لله من دون الناس مستمرون على ذلك إلى آخر حياتهم ، فكذِّبوا بما ينفي ذلك . وناسب الثاني نفي تمنيهم الموت بـ( لن ) الخاصة بنفي المستقبل ، فدل على أنهم يتمنون الموت في الدار الآخرة التي ادعوا أنها لهم عند الله خالصة من دون الناس . ولو أتى هذا النفي هنا بـ( لا ) بدلا من ( لن ) ، كما في آية الجمعة ، لدل على عدم تمنيهم الموت مدة الحياة الدنيا ، ومدة الحياة الآخرة ، وهذا خلاف المراد . خامسًا- بقي أن تعلم أن ( التأبيد ) مأخوذ من الأبد . والأبد- في اللغة كما قال الراغب في مفرداته- هو عبارة عن مدة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجزأ الزمان ؛ وذلك أنه يقال : زمان كذا ، ولا يقال : أبد كذا . ويقع الأبد للقليل والكثير ، ماضيًا كان ، أو حاضرًا ، أو مستقبلاً . تقول في الماضي : ما فعلته أبدًا ، ولم أفعله أبدًا . وتقول في الحاضر والمستقبل : ما أفعله أبدًا ، ولا أفعله أبدًا . وتقول في المستقبل : لن أفعله أبدًا . ويقال : تأبَّد الشيء . أي : بقى أبدًا . أي : مدة قد تطول ، وقد تقصر . فإن أرادوا به الدوام ، قالوا : أبد آبد ، وأبد أبيد . أي : دائم ؛ وذلك على التأكيد . تأمل بعد ذلك قوله تعالى في حق اليهود :﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴾(المائدة:22) ، ثم قوله :﴿ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا ﴾(المائدة:24) ، تجد كيف نفوا في الآية الأولى دخولهم الأول الأرض المقدسة بـ( لن ) ، فقالوا :﴿ لَن نَّدْخُلَهَا ﴾ ، وقيدوه بخروج القوم الجبارين منها ، وهم من بقايا قوم عاد ، فقالوا :﴿ حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا ﴾ . ولما كُرِّر عليهم أمر القتال في الآية التي تلت الأولى :﴿ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ﴾(المائدة:23) ، كرَّروا في الآية الثالثة امتناعهم الدخول على سبيل التوكيد بالظرف المختص بالاستقبال ، وحقيقته التأبيد ( أبدًا ) ، فقالوا :﴿ لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا ﴾ ، ثم رجعوا إلى تعليق ذلك بديمومة الجبارين فيها ، فقالوا :﴿ مَّا دَامُواْ فِيهَا ﴾ . أي : لن ندخلها أبدًا مدة وجود الجبارين فيها ، فأبدلوا زمانًا مقيدًا ، من زمان هو ظاهر في العموم في الزمان المستقبل ، فهو بدل بعض من كل . ولو أنه قالوا في الآية الأولى :( لا ندخلها ) ، وفي الثالثة :( لا ندخلها أبدًا ) ، فنفوا دخولهم الأول والثاني بـ( لا ) بدلاً من ( لن ) ، لأفاد قولهم استغراق نفي دخولهم جميع أجزاء الزمن الحاضر والمستقبل ؛ فـ( لا ) في نفي الأفعال مثل ( لا ) التبرئة في نفي النكرات ، بخلاف ( لن ) . وأما ( أبدًا ) فهو ظرف للمستقبل مع ( لن ) ، وللحال والمستقبل مع ( لا ) ، والغرض منه تأكيد ما دل عليه النفي بهما من التأبيد ؛ لأنه يقع للقليل والكثير ، كما تقدم . وتأمل قوله تعالى في حق المشركين :﴿ َيا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾(الحج :73) ، تجد كيف نفى عجزهم عن خلق الذباب بـ( لن ) التي تفيد استغراق النفي فيما استقبل من أزمان أعمارهم ، وكيف نفى عجزهم عن استنقاذ ما يسلبهم الذباب بـ( لا ) التي تفيد استغراق النفي مدة حياتهم كلها ؛ فما كان ممكنًا في ظنهم نُفِيَ بـ( لن ) ، وما كان مستحيلاً استحالة مطلقة نُفِيَ بـ( لا ) ، والدليل على ذلك أن الذباب ، وإن كان مخلوقًا ضعيفًا ، فإنه قد انفرد عن سائر الحيوان بأنه يفرز الهواضم على جزئيَّات طعامه ، فيهضمه في مكانه قبل أن يمتصه بخرطومه ، فهو لا يمتصه بخرطومه إلا متحوِّلاً مهضومًا ؛ ولذلك فإنه متى سلب شيئًا وامتصَّه ، فقد سلبه متغيِّرًا متحوِّلاً ، تعجز كل وسائل العلم وأجهزته عن استنقاذه منه ؛ فإنه قد صار مهضومَ طعام ذباب ، ولم يعد جزيئة من سكر أو زعفران أو عسل أو دقيق ، أو غير ذلك ؛ وذلك قمة التحدِّي والإعجاز . وكلا النفيين لم يقيَّد بالأبد . نخلص من ذلك إلى أن قوله تعالى :﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ يفيد نفي تمنيهم الموت فيما يستقبل من أزمان أعمارهم على سبيل الاستغراق والشمول ، وهو زمن يكون فيه الإنسان أقل حرصًا على التمسك بالحياة من أيام الشباب والكهولة . وأما قوله تعالى :﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا ﴾ فيفيد نفي تمنيهم الموت مدة حياتهم في الدنيا على سبيل الاستغراق والشمول . أي من أول عمرهم إلى موتهم . وبهذا يظهر لك سر الفرق بين القولين ، فتأمله ، وقس عليه ما يرد عليك من نظائره في كلام الله الذي أعجز أرباب الفصاحة والبيان ، فحنوا له الرقاب .. نسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين يفقهون كلامه ، ويدركون أسرار بيانه ، والحمد لله رب العالمين ! بقلم : محمد إسماعيل عتوك |
![]()
التعديل الأخير تم بواسطة السيد عباس ابو الحسن ; 10-18-2011 الساعة 10:36 PM
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |