شبهة حول اسناد الاحاديث عند الشيعة وردها

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد



يقول اعداء الشيعة الإمامية أنهم ليس لهم أسانيد يعتمدون عليها في رواياتهم وأن أهل السنة والجماعة يتفوقون عليهم بعلم الاسناد.. وفي هذا الموضوع نفند هذه الفكرة المغلوطة.

إنها مجرد كذبة قديمة أكل الدهر عليها وشرب، وما عادت تنطلي إلا على السذج البسطاء.. وأما من لديه أدنى اطلاع على كتب الشيعة الإمامية فإنه يستطيع أن يرى بكل وضوح مدى أهمية السند عندهم.. ولنضرب أمثلة على أهمية علم الإسناد والجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف عند الشيعة الإمامية.

1 ـ حين نقلب صفحات الكتب الحديثية عند الشيعة الإمامية، نجدها مسندة، فمثلاً: كتاب المحاسن لمؤلفه البرقي المتوفى سنة 274 هـ هو عبارة عن كتاب يهتم فيه المؤلف بإيراد الأحاديث بأسانيدها، وهكذا كتاب بصائر الدرجات للصفار المتوفى سنة 290 هـ ، وهكذا نجد روايات الكافي لمؤلفه الكليني المتوفى سنة 329 هـ ، وهكذا كتب الشيخ الصدوق المتوفى سنة 381 هـ ، وهكذا كتب الشيخ الطوسي المتوفى سنة 460 هـ ، وغيرهم من أساطين علماء الشيعة.

2 ـ إننا نلاحظ أن علماء الشيعة اهتموا بالتأليف في مجال الجرح والتعديل وتبيان تراجم الرجال، فمن مؤلفاتهم في هذا المضمار كتاب (رجال الكشي) لمؤلفه: محمد بن عمر الكشي المتوفى في النصف الثاني من القرن الرابع، وكتاب (رجال النجاشي) لمؤلفه: أحمد بن علي النجاشي المتوفى سنة 450 هـ ، وكتاب (رجال الطوسي) لمحمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 هـ . وحين نقرأ هذه الكتب بدقة سنلاحظ أن الجرح والتعديل عند الإمامية لم يبدأ مع هذه الكتب الرجالية، بل بدأ قبل ذلك بفترة طويلة، وإنما تمخض الجرح والتعديل عن هذه الكتب في فترة متأخرة.

3 ـ إننا نلاحظ أن علماء الشيعة منذ القدم اهتموا بالسند ونقائه، ولذا كان رئيس الشيعة وكبير محدثيهم في قم (أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري) يتشدد مع العلماء الذين يتساهلون فيروون عن الضعفاء، حتى بلغ به الأمر أن أخرج جماعة من قم عقاباً لهم على تساهلهم في الرواية عن الضعفاء. وهذا الحرص منهم على نقاء السند هو الذي أنتج قاعدة مشايخ الثقات، حيث عرف مجموعة من أجلاء علماء الإمامية ورواتهم بأنهم لا يروون إلا عن الثقات، وهو ما يسميه أهل السنة بالتوثيق الضمني، فكما عرف ابن شعبة ـ مثلاً ـ عند أهل السنة بأنه لا يروي إلا عن الثقة، فكذلك عرف النجاشي ـ مثلاً ـ عند الشيعة بأنه لا يروي إلا عن الثقات. وهناك أمثلة كثيرة لا نريد أن نطيل بذكرها، فإن تاريخ الحديث عند الشيعة شاهد على التدقيق في هذا الجانب.

4 ـ إنه من الملحوظ في العديد من الروايات أن الشيعة كانوا يتأكدون من صحة الرواية بعرضها على الأئمة عليهم السلام، وربما عرضوا كتاباً كاملاً على الإمام المعصوم ليتأكدوا من نقائه وسلامته، كما أن الشيعة كانوا يسألون الأئمة عليهم السلام عن الرواة الأمناء الصالحين، فيرشدهم المعصوم إلى الثقة الأمين، وكمثال على ذلك نجد رواية عن المعصوم ترجع الناس إلى يونس بن عبد الرحمن، ورواية أخرى ترجع الناس إلى زكريا بن آدم.. وكان الأئمة المعصومون يتدخلون في التعريف بالأمين من غير الأمين.. وهذا كله يدل على أن التراث الشيعي تراث تعرض للغربلة والتمحيص والتنقية والفحص في العديد من المراحل.

5 ـ إننا نلاحظ أن علماء الشيعة، وبالرغم من السلامة العالية التي يتمتع بها التراث الروائي الشيعي، إلا أنهم بالرغم من ذلك لا يتساهلون في الجانب السندي إلى الآن، فهم يعملون قواعد الجرح والتعديل وموازين الوثاقة والوثوق على الروايات وأسانيدها، ويفحصونها متناً وسنداً، ثم يحكمون عليها الحكم الصحيح الدقيق في ضوء الموازين العلمية. ويمكننا أن نراجع كتاب مرآة العقول للعلامة المجلسي؛ لنلاحظ أنه يحكم على أسانيد الكافي من أوله إلى آخره، فيصنفها إلى صحيح وضعيف وغير ذلك من صفات السند. ويمكننا أن نلاحظ أن علماء الشيعة في البحث الخارج لا يقبلون أن يفتوا إلا على ضوء الرواية الصحيحة المعتبرة. وكثيراً ما يرفض علماء الشيعة رواية بسبب أنها في كتاب لم يثبت صحة إسناده، مثلاً: يرفض السيد الخوئي كتاب الاختصاص للشيخ المفيد لأنه لم يثبت سنده عن الشيخ المفيد، وهكذا يرفض مجموعة من علماء الشيعة كتاب تحف العقول، أو كتاب تفسير علي بن إبراهيم القمي.

6 ـ وربما صحت الرواية عند الشيعة في كتاب صحيح، ومع ذلك لا يقبلون بها إلا في مجال الفقه، وأما في مجال العقائد فيشترطون التواتر؛ أي بلوغ الأسانيد حداً من الكثرة بحيث توجب الجزم بصدور الحديث عن المعصوم، وهذا يدل على أن علماء الشيعة لا مجال عندهم للتساهل في المسائل الدينية.

هذا باختصار شديد، وإلا فموضوع علم الإسناد عند الشيعة ومزاياه، هو موضوع واسع يستحق أن يكتب فيه كتاب كبير يبين النبوغ الشيعي والنضج الذي تميز به الإمامية في هذا المجال.

والحمد لله أولاً وآخراً.