![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#19 |
مشرف عام
![]() |
![]()
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 53 -------------------------------------------------------------------------------- التبرّك بالصحابة والصالحين تبيّن ممّا سبق أن لا خلاف بين طوائف المسلمين في جواز التبرّك بالنبي(صلى الله عليه وآله) في حياته، وبآثاره بعد موته. وأن ما احتجّ به الشاذّون في ذلك مردود، يكذبه فعل الصحابة أنفسهم. إلاّ أنّ الخلاف هل هو في جواز التبرّك بغير النبي(صلى الله عليه وآله) من الصحابة والتابعين والصالحين أم لا؟ لقد جوّز بعض علماء المسلمين ذلك، بينما منعه آخرون، ومن المانعين له: الشاطبي، حيث يقول: الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه الصلاة والسلام، لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة الى من خلفه، إذ لم يترك النبي(صلى الله عليه وآله) بعده في الاُمّة أفضل من أبي بكر الصديق، فهو كان خليفته، ولم يفعل به شيء من ذلك، ولا عمر، وهو كان أفضل الاُمّة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذي لا أحد أفضل منهم في الاُمّة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أنّ متبرّكاً تبرّك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتّبعوا فيها النبي(صلى الله عليه وآله)، فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء(1). ____________ 1- الاعتصام: 2/8. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 54 -------------------------------------------------------------------------------- وقال أيضاً: لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرّك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة(1)... ومن المانعين أيضاً ابن رجب، إذ قال: وكذلك التبرّك بالآثار، فإنّما كان يفعله الصحابة مع النبي(صلى الله عليه وآله)، ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم.. ولا يفعله التابعون مع الصحابة مع علوّ قدرهم، فدلّ على أن هذا لا يفعل إلاّ مع النبي(صلى الله عليه وآله)، مثل التبرّك بوضوئه وفضلاته وشعره، وشرب فضل شرابه وطعامه(2). فأدلّة المانعين تقوم على أساس أن الصحابة لم يتبرّكوا ببعضهم، ولا يتبرّك التابعون بهم، فدلّ تركهم ذلك على عدم جوازه. إلاّ أنّ الادّعاء بعدم تبرّك الصحابة ببعضهم، وكذلك بآل الرسول(صلى الله عليه وآله) غير صحيح، فهناك شواهد صحيحة على حدوث ذلك، وقد استند بعض كبار علماء المسلمين الى ذلك في تجويز التبرّك ليس بالصحابة والتابعين فحسب، بل بكل أهل الخير والصلاح. ومن المجوزين القائلين بذلك، الإمام النووي الذي استند الى بعض الروايات الصحيحة في استسقاء عمر بن الخطاب بالعباس واستسقاء بعض الصحابة ببعض من صالحيهم، قال: ويستسقى بالخيار من أقرباء رسول الله(صلى الله عليه وآله)، لأن عمر استسقى ____________ 1- الاعتصام: 2/10. 2- الحكم الجديرة بالاذاعة: 55. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 55 -------------------------------------------------------------------------------- بالعباس وقال: اللهم إنّا كنّا إذا قحطنا توسلنا إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسل بعم نبيّنا فاسقنا فيسقون. ويستسقى بأهل الصلاح لما رُوي أن معاوية استسقى بيزيد ابن الأسود فقال: اللهم إنّا نستسقي بخيرنا وأفضلنا، اللّهم إنّا نستسقي بيزيد بن الأسود. يا يزيد ارفع يديك الى الله تعالى، فرفع يديه ورفع الناس أيديهم، فثارت سحابة من المغرب كأ نّها ترس، وهبّ لها ريح، فسقوا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم(1). ولقد استدلّ ابن حجر العسقلاني بحادثة استسقاء عمر بالعباس على جواز التبرّك والاستشفاع ببعض الأخيار فقال: ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوّة(2). ومن أمثلة تبرّك الصحابة ببعضهم وتبرّك التابعين بهم: 1 ـ روى عبدالله بن مسعود أن عمر بن الخطاب خرج يستسقي بالعباس فقال: اللّهم إنا نتقرب إليك بعم نبيّك وقفية آبائه وكبر رجاله، فإنّك قلت وقولك الحق: (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في ____________ 1- المجموع شرح المهذب للإمام النووي: 5/68 كتاب الصلاة، باب صلاة الاستسقاء، وقال ابن حجر: أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه بسند صحيح، ورواه أبو القاسم الكلالكائي في السنّة في كرامات الأولياء. 2- فتح الباري: 2/399. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 56 -------------------------------------------------------------------------------- المدينة... الآية)، فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ الله نبيّك بعمه فقد دلونا به إليك مستشفعين ومستغفرين... الحديث(1). وفي لفظ: وروينا من وجوه عن عمر أنّه خرج يستسقي وخرج معه العباس فقال: اللّهم إنّا نتقرب إليك بعم نبيّك(صلى الله عليه وآله)ونستشفع به فاحفظ فيه لنبيّك كما حفظت الغلامين لصلاح أبيهما وأتيناك مستغفرين ومستشفعين. ثم أقبل على الناس فقال: استغفروا ربّكم انّه كان غفارا ـ الى أن قال ـ فنشأت طريرة من سحاب فقال الناس: ترون ترون! ثم تلاءمت واستتمت ومشت فيها ريح ثم هزت ودرّت، فوالله ما برحوا حتى اعقلوا الجدر وقلصوا المآزر وطفق الناس بالعباس يتمسحون أركانه ويقولون: هنيئاً لك ساقي الحرمين. وفي لفظ ابن الأثير: ولما سقى الناس طفقوا يتمسحون بالعباس ويقولون: هنيئاً لك ساقي الحرمين، وكان الصحابة يعرفون للعباس فضله ويقدمونه ويشاورونه(2). 2 ـ الحسن البصري، حنّكه عمر بيده، وكانت اُمّه تخدم اُمّ سلمة زوج النبي(صلى الله عليه وآله) فربّما غابت فتعطيه اُمّ سلمة ثديها تعلله بها الى أن ____________ 1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 7/274، شرح الخطبة 114، باب أخبار وأحاديث في الاستسقاء، اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية: 338. 2- اُسد الغابة: 3/167، ترجمة عباس بن عبدالمطلب، رقم 2797. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 57 -------------------------------------------------------------------------------- تجيء اُمّه، فيدر عليه ثديها فيشربه، فكانوا يقولون فصاحته ببركة ذلك(1). 3 ـ قال السمهودي ـ عند ذكره لاسطوانة المحرس: كان علي بن أبي طالب يجلس في صفحتها التي تلقي القبر ممّا يلي باب رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو مقابل الخوخة التي كان النبي(صلى الله عليه وآله)يخرج منها إذا كان في بيت عائشة الى الروضة للصلاة، وهي الاسطوان الذي يصلّي عندها أمير المدينة، يجعلها خلف ظهره، ولذا قال الأقشهري: إنّ اسطوان مصلّى علي(عليه السلام) اليوم أشهر من أن تخفى على أهل الحرم، ويقصد الاُمراء الجلوس والصلاة عندها الى اليوم، وذكر أنّه يقال لها: مجلس القادة، لشرف من كان يجلس فيه(2). ونقل عن مسلم بن أبي مريم وغيره، أنّه كان باب بيت فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) في المربعة التي في القبر. قال سليمان: قال لي مسلم: لا تنس حظّك من الصلاة إليها فإنّها باب فاطمةرضي الله عنها الذي كان علي يدخل عليها منه(3). وفي حديثه عن اسطوان التهجد قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله)يخرج ____________ 1- صفة الصفوة: 3/47. 2- وفاء الوفا: 2/448. 3- المصدر السابق: 2/450. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 58 -------------------------------------------------------------------------------- حصيراً كل ليلة إذا انكفت الناس فيطرح وراء بيت علي ثم يصلّي صلاة الليل... وحدثني سعيد بن عبدالله بن فضيل قال: مرّ بي محمد بن الحنفية وأنا اُصلي إليها فقال لي: أراك تلزم هذه الاسطوانة، هل جاءك فيه أثر؟ قلت: لا، قال: فالزمها فإنّها كانت مصلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله)من الليل... قال ابن النجار: فعلى هذا جميع سواري مسجد النبي(صلى الله عليه وآله)يستحب الصلاة عندها لأنه لا يخلو أن كبار الصحابة صلّوا إليها(1). 4 ـ لما خطب عمر بن الخطاب اُم كلثوم بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)ـ على ما رُوي عن بعضهم ـ قال: إني اُحب أن يكون عندي عضو من أعضاء رسول الله(صلى الله عليه وآله)(2). 5 ـ لما خرج الحسين بن علي من المدينة يريد مكة، مرّ بابن مطيع وهو يحفر بئره، فقال له: أين فداك أبي واُمي؟! قال: أردت مكة ـ وذكر أنه كتب إليه شيعته بالكوفة ـ، فقال له ابن مطيع: فداك أبي واُمي، متّعنا بنفسك ولا تسرِ إليهم. فأبى الحسين. فقال له ابن مطيع: إن بئري هذه قد رشحتها، وهذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شيء من ماء، فلو ____________ 1- وفاء الوفا: /452. 2- ذخائر العقبى: 169، الفصل الثامن في ذكر اُمّ كلثوم بنت فاطمة وعلي(عليهما السلام). -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 59 -------------------------------------------------------------------------------- دعوت الله لنا بالبركة. قال: هات من مائها، فأتى من مائها فشرب منه ثم مضمض ثم ردّه في البئر فاعذب وأمهى(1). 6 ـ لما بلغ الرضا ـ علي بن موسى(عليه السلام) ـ نيسابور، واجتمع الناس حول دابته، أخرج رأسه من المحمل وشاهده الناس، فهم بين صارخ وباك وممزق ثوبه ومتمرغ في التراب ومقبّل لحافر بغلته أو مقبّل حزام بغلته(2)... بل إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قد تبرّك بوضوء المسلمين، كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة: فعن ابن عمر، قال: قلت يا رسول الله، أتوضأ من جرّ جديد مخمّر أحبّ إليك، أم من المطاهر؟ قال: "لا، بل من المطاهر، إن دين الله يسّر الحنيفية السمحة". قال: وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله)يبعث الى المطاهر فيؤتى بالماء فيشربه، يرجو بركة أيدي المسلمين(3). هذه إذاً بعض الأخبار التي تثبت أن الصحابة والتابعين ـ من أهل القرون الثلاثة الاُولى ـ كانوا يتبرّكون ببعضهم البعض، خلافاً لما ____________ 1- الطبقات الكبرى: 5/107. 2- الصواعق المحرقة: 310، الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بغض أهل البيت(عليهم السلام)، نور الأبصار للشبلنجي: 168، فصل في مناقب سيد علي الرضا بن موسى الكاظم. 3- مجمع الزوائد: 1/214، وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثّقون، كنز العمال: 7/112، ح 18231. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 60 -------------------------------------------------------------------------------- يدّعيه البعض من أمثال الجديع، إذ يقول: الحق أنّه لم يؤثر عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه أمر بالتبرك بغيره من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم، سواء بذواتهم أو بآثارهم، أو أرشد الى شيء من ذلك، وكذا فلم ينقل حصول هذا النوع من التبرّك من قبل الصحابة رضي الله عنهم بغيره(صلى الله عليه وآله)، لا في حياته ولا بعد مماته...(1). وقال في تعليل ذلك: إن السبب الرئيسي في ترك الصحابة رضي الله عنهم ذلك التبرّك مع بعضهم ـ والله أعلم ـ هو اعتقاد اختصاص الرسول(صلى الله عليه وآله) به دون سواه ما عدا سائر الأنبياء... وقال نقلاً عن الشاطبي: فعلى هذا المأخذ، لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرّك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة(2). أقول: بعد أن أثبتنا تبرّك الصحابة والتابعين ببعضهم وبالصالحين من الاُمّة، فإن عدم أمر النبي(صلى الله عليه وآله)بالتبرّك بغيره، يقابله أيضاً عدم نهيه عن ذلك، فلو كان الأمر بهذه الدرجة من الخطورة على عقائد المسلمين لما أغفل النبي(صلى الله عليه وآله) هذا الأمر ولكان نهى عنه بكل شدّة. وذلك بيّن في قول النبي(صلى الله عليه وآله)عن عمرو بن العاص، أن ____________ 1- التبرّك أنواعه وأحكامه: 261. 2- المصدر السابق: 264 نقلاً عن الاعتصام: 2/9. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 61 -------------------------------------------------------------------------------- النبي(صلى الله عليه وآله)قال: "إنّه لم يكن نبي قبلي إلاّ كان حقاً عليه أن يدل اُمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم..."(1). فهل يناقض النبي(صلى الله عليه وآله) ـ حاشاه ـ نفسه ويخفي هذا الأمر الذي فيه فساد الاُمّة دون أن يبيّنه لهم! أما إنّه لا يجوز الاقتداء بغيره في التبرّك قياساً على عدم جواز الزيادة على أربع نسوة فالقياس باطل ـ لما تقدم ـ فالنبي(صلى الله عليه وآله)قد أعلم اُمّته الحكم الشرعي في ذلك، فليس هناك مسلم على وجه الأرض ـ منذ زمن النبي والى اليوم ـ إلاّ وهو يعلم حرمة ذلك لغيره(صلى الله عليه وآله)، وهذا أكبر دليل على صحة ما نقول، وتهافت استدلال الشاطبي، فلو كان التبرّك بغير النبي(صلى الله عليه وآله) محرّماً لبيّنه لاُمّته كما بيّن حرمة الزيادة في التزوج على أربع نسوة. ومن الحجج الاُخرى المتهافتة التي يحتجّ بها الجديع على عدم جواز التبرّك بغير النبي(صلى الله عليه وآله)إدعاؤه بأن ذلك لسد ذريعة الشرك، لأن جواز التبرك بآثار الصالحين يفضي الى الغلو فيهم وعبادتهم من دون الله، فوجب المنع من ذلك.. وهكذا تبيّن لنا عدم جواز قياس الصالحين على النبي(صلى الله عليه وآله). وعليه فلا يجوز التبرّك بذوات الصالحين أو بآثارهم فضلاً عن غيرهم، وأن تعظيم الشيء والتبرّك به لا يجوز ____________ 1- صحيح مسلم: 3/1472 كتاب الامارة، باب وجوب الوفا ببيعة الخلفاء الأوّل فالأوّل. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 62 -------------------------------------------------------------------------------- إلا بدليل شرعي(1). أقول: أثبتنا أنه لا ينبغي أن يترك النبي(صلى الله عليه وآله) اُمّته دون أن ينبههم الى خطورة هذا الأمر، لأنه بذلك يكون قد قصّر في أداء رسالته وترك اُمّته تتردى في مهاوي الضلال، وتكون الاُمّة ـ على مرّ الأزمنة السابقة ـ قد وقعت في الشرك، وهو أمر لا يجوز عقلاً ولا شرعاً، وكيف يستقيم ذلك مع قوله(صلى الله عليه وآله): "تركتكم على الواضحة"! ____________ 1- التبرّك أنواعه وأحكامه: 268. |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |