![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
الصبر
أخلاق أهل البيت (ع) - السيد محمد مهدي الصدر - ص 150 - 159 الصبر وهو : (احتمال المكاره من غير جزع ) ، أو بتعريف آخر هو : (قسر النفس على مقتضيات الشرع والعقل أوامرا ونواهيا )، وهو دليل رجاحة العقل ، وسعة الأفق ، وسمو الخلق ، وعظمة البطولة والجلد ، كما هو معراج طاعة الله تعالى ورضوانه ، وسبب الظفر والنجاح ، والدرع الواقي من شماتة الأعداء والحساد . وناهيك في شرف الصبر ، وجلالة الصابرين ، أن الله عز وجل ، أشاد بهما ، وباركهما في نيف وسبعين موطنا من كتابه الكريم : بشر الصابرين بالرضا والحب ، فقال تعالى : والله يحب الصابرين ( 1 ) . ووعدهم بالتأييد : واصبر إن الله يحب الصابرين ( 2 ) . وأغدق عليهم ألوان العناية واللطف : ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وبشر الصابرين ، ‹ صفحة 151 › الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون ( 1 ) . وهكذا تواترت أخبار أهل البيت عليهم السلام في تمجيد الصبر والصابرين . قال الصادق عليه السلام : الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد ، وكذلك إذا ذهب الصبر ذهب الايمان ( 2 ) . وقال الباقر عليه السلام الجنة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة ، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات ، فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار ( 3 ) . وقال عليه السلام : لما حضرت أبي الوفاة ضمني إلى صدره وقال : يا بني ، إصبر على الحق وإن كان مرا ، توف أجرك بغير حساب ( 4 ) . وقال الصادق عليه السلام : من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له أجر ألف شهيد ( 5 ) . ‹ صفحة 152 › ورب قائل يقول : كيف يعطى الصابر أجر ألف شهيد ، والشهداء هم أبطال الصبر على الجهاد والفداء ؟ . فالمراد : أن الصابر يستحق أجر أولئك الشهداء ، وإن كانت مكافأتهم وثوابهم على الله تعالى أضعافا مضاعفة عنه . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : من لم ينجه الصبر ، أهلكه الجزع ( 1 ) . أقسام الصبر ينقسم الصبر باعتبار ظروفه ومقتضياته أقساما أهمها : ( 1 ) الصبر على المكاره والنوائب ، وهو أعظم أقسامه ، وأجل مصاديقه الدالة على سمو النفس ، وتفتح الوعي ، ورباطة الجأش ، ومضاء العزيمة . فالانسان عرضة للمآسي والارزاء ، تنتابه قسرا واعتباطا ، وهو لا يملك إزائها حولا ولا قوة ، وخير ما يفعله الممتحن هو التذرع بالصبر ، فإنه بلسم القلوب الجريحة ، وعزاء النفوس المعذبة . ولولاه لانهار الانسان ، وغدا صريع الأحزان والآلام ، من أجل ذلك حرضت الآيات والأخبار على التحلي بالصبر والاعتصام به : قال تعالى : وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا ‹ صفحة 153 › لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( 1 ) . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور ، وإن جزعت جرى عليك القدر ، وأنت مأزور ( 2 ) . ومما يجدر ذكره أن الصبر الجميل المحمود هو الصبر على النوائب التي لا يستطيع الانسان دفعها والتخلص منها ، كفقد عزيز ، أو اغتصاب مال ، أو اضطهاد عدو . أما الاستسلام للنوائب ، والصبر عليها مع القدرة على درئها وملافاتها فذلك حمق يستنكره الاسلام ، كالصبر على المرض وهو قادر على علاجه ، وعلى الفقر وهو يستطيع اكتساب الرزق ، وعلى هضم الحقوق وهو قادر على استردادها وصيانتها . ومن الواضح أن ما يجرد المرء من فضيلة الصبر ، ويخرجه عن التجلد ، هو الجزع المفرط المؤدي إلى شق الجيوب ، ولطم الخدود ، والاسراف في الشكوى والتذمر . أما الآلام النفسية ، والتنفيس عنها بالبكاء ، أو الشكاية من متاعب المرض وعنائه فإنها من ضرورات العواطف الحية ، والمشاعر النبيلة ، كما قال صلى الله عليه وآله عنده وفاة ابنه إبراهيم : ( تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ) . ‹ صفحة 154 › وقد حكت لنا الآثار طرفا رائعا ممتعا من قصص الصابرين على النوائب ، مما يبعث على الاعجاب والاكبار ، وحسن التأسي بأولئك الأفذاذ . حكي أن كسرى سخط على بزرجمهر : فحبسه في بيت مظلم ، وأمر أن يصفد بالحديد ، فبقي أياما على تلك الحال ، فأرسل إليه من يسأله عن حاله ، فإذا هو منشرح الصدر ، مطمئن النفس ، فقالوا له : أنت في هذه الحالة من الضيق ونراك ناعم البال . فقال : اصطنعت ستة أخلاط وعجنتها واستعملتها ، فهي التي أبقتني على ما ترون . قالوا : صف لنا هذه لعلنا ننتفع بها عند البلوى ، فقال : نعم . أما الخلط الأول : فالثقة بالله عز وجل . وأما الثاني : فكل مقدر كائن . وأما الثالث : فالصبر خير ما استعمله الممتحن . وأما الرابع : فإذا لم أصبر فماذا أصنع ، ولا أعين على نفسي بالجزع . وأما الخامس : فقد يكون أشد مما أنا فيه . وأما السادس ، فمن ساعة إلى ساعة فرج . فبلغ ما قاله كسرى فأطلقه وأعزه ( 1 ) . وعن الرضا عن أبيه عن أبيه عليهم السلام قال : إن سليمان بن داود قال ذات يوم لأصحابه : ان الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي : سخر لي الريح ، والانس ، والجن ، والطير ، والوحش ، وعلمني منطق الطير ، وآتاني من كل شئ ، ومع جميع ما أوتيت ‹ صفحة 155 › من الملك ما تم لي سرور يوم إلى الليل ، وقد أحببت أن أدخل قصري في غد ، فأصعد أعلاه ، وأنظر إلى ممالكي ، فلا تأذنوا لأحد علي لئلا يرد علي ما ينغض علي يومي . قالوا : فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده ، وصعد إلى أعلى موضع قصره ، ووقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه مسرورا بما أوتي ، فرحا بما أعطي ، إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره ، فلما بصر به سليمان عليه السلام ، قال له : من أدخلك إلي هذا القصر ، وقد أردت أن أخلو فيه اليوم ، فبإذن من دخلت ؟ فقال الشاب : أدخلني هذا القصر ربه ، وبإذنه دخلت . فقال : ربه أحق به مني ، فمن أنت ؟ قال : أنا ملك الموت ، قال : وفيما جئت ؟ قال : جئت لأقبض روحك . قال : إمض لما أمرت به ، فهذا يوم سروري ، وأبى الله أن يكون لي سرور دون لقائه . فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه . . . ( 1 ) . ‹ صفحة 156 › الصبر على طاعة الله والتصبر عن عصيانه : من الواضح أن النفوس مجبولة على الجموح والشرود من النظم الالزامية والضوابط المحددة لحريتها وانطلاقها في مسارح الأهواء والشهوات ، وإن كانت باعثة على إصلاحها وإسعادها . فهي لا تنصاع لتلك النظم ، والضوابط ، إلا بالاغراء ، والتشويق ، أو الانذار والترهيب . وحيث كانت ممارسة طاعة الله عز وجل ، ومجافاة عصيانه ، شاقين على النفس كان الصبر على الطاعة ، والتصبر عن المعصية من أعظم الواجبات ، وأجل القربات . وجاءت الآيات الكريمة وأحاديث أهل البيت عليهم السلام مشوقة إلى الأولى ومحذرة من الثانية بأساليبها الحكيمة البليغة : قال الصادق عليه السلام : اصبروا على طاعة الله ، وتصبروا عن معصيته ، فإنما الدنيا ساعة ، فما مضى فلست تجد له سرورا ولا حزنا ، وما لم يأت فلست تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة ، فكأنك قد اغتبطت ( 1 ) . وقال عليه السلام : إذا كان يوم القيامة ، يقوم عنق من الناس ، فيأتون باب الجنة فيضربونه ، فيقال لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل الصبر . فيقال لهم : على ما صبرتم ؟ فيقولون : كنا نصبر على طاعة الله ، ونصبر عن معاصي الله ، فيقول الله تعالى : صدقوا أدخلوهم الجنة ، وهو قوله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) . الزمر : 10 ( 1 ) وقال عليه السلام : الصبر صبران : فالصبر عند المصيبة ، حسن جميل ، وأفضل من ذلك الصبر عما حرم الله عز وجل ليكون لك حاجزا ( 2 ) . الصبر على النعم : وهو : ضبط النفس عن مسولات البطر والطغيان ، وذلك من سمات عظمة النفس ، ورجاحة العقل ، وبعد النظر . فليس الصبر على مآسي الحياة وأرزائها بأولى من الصبر على مسراتها وأشواقها ، ومفاتنها ، كالجاه العريض ، والثراء الضخم ، والسلطة النافذة ، ونحو ذلك . حيث أن إغفال الصبر في الضراء يفضي إلى الجزع المدمر ، كما يؤدي إهماله في السراء إلى البطر والطغيان ![]() والمراد بالصبر على النعم هو : رعاية حقوقها ، واستغلالها في مجالات العطف والاحسان المادية ، أو المعنوية : كرعاية البؤساء ، وإغاثة المضطهدين ، والاهتمام بحوائج المؤمنين ، والتوقي من مزالق البطر والتجبر . وللصبر أنواع عديدة أخرى : فالصبر في الحرب : شجاعة ، وضده الجبن . والصبر عن الانتقام : حلم ، وضده الغضب . والصبر عن زخارف الحياة : زهد ، وضده الحرص . والصبر على كتمان الأسرار : كتمان ، وضده الإذاعة والنشر . والصبر على شهوتي البطن والفرج : عفة ، وضده الشره . فاتضح بهذا أن الصبر نظام الفضائل ، وقطبها الثابت ، وأساسها المكين . محاسن الصبر : نستنتج من العرض السالف أن الصبر عماد الفضائل ، وقطب المكارم ، ورأس المفاخر . فهو عصمة الواجد الحزين ، يخفف وجده ، ويلطف عناءه ، ويمده بالسكينة والاطمئنان . وهو ظمآن من الجزع المدمر ، والهلع الفاضح ، ولولاه لانهار المصاب ، وغدا فريسة العلل والأمراض ، وعرضة لشماتة الأعداء والحساد . وهو بعد هذا وذاك الأمل المرجى فيما أعد الله للصابرين ، من عظيم المكافآت ، وجزيل الأجر والثواب . كيف تكسب الصبر : واليك بعض النصائح الباعثة على كسب الصبر والتحلي به : 1 - التأمل في مآثر الصبر ، وما يفئ على الصابرين من جميل الخصائص ، وجليل العوائد والمنافع في الحياة الدنيا ، وجزيل المثوبة والأجر في الآخرة . 2 - التفكر في مساوئ الجزع ، وسوء آثاره في حياة الانسان ، وأنه لا يشفي غليلا ، ولا يرد قضاء ، ولا يبدل واقعا ، ولا ينتج الا بالشقاء والعناء . يقول ( دليل كارنيجي ) لقد قرأت خلال الأعوام الثمانية الماضية كل كتاب ، وكل مجلة ، وكل مقالة عالجت موضوع القلق فهل . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ‹ هامش ص 150 › ( 1 ) آل عمران : 146 . ( 2 ) الأنفال : 46 . ( 3 ) الزمر : 10 . ‹ هامش ص 151 › ( 1 ) البقرة : ( 155 - 157 ) . ( 2 ) الوافي : ( ج 3 ص 65 عن الكافي ) . ( 3 ) الوافي ج 3 ص 65 عن الكافي . ( 4 ) الوافي ج 3 ص 65 عن الكافي . ( 5 ) الوافي ج 3 ص 66 عن الكافي . ‹ هامش ص 152 › ( 1 ) نهج البلاغة . ‹ هامش ص 153 › ( 1 ) البقرة 155 - 157 . ( 2 ) نهج البلاغة . ‹ هامش ص 154 › ( 1 ) سفينة البحار ج 2 ص 7 . ‹ هامش ص 155 › ( 1 ) سفينة البحار ج 1 ص 614 عن عيون أخبار الرضا . ‹ هامش ص 156 › ( 1 ) الوافي ج 3 ص 63 عن الكافي . ‹ هامش ص 157 › ( 1 ) الوافي ج 3 ص 65 عن الكافي . ( 2 ) الوافي ج 3 ص 65 عن الفقيه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ص 159 - 160 تريد أن تعرف أحكم نصيحة ، وأجداها خرجت بها من قراءتي الطويلة ؟ إنها : إرض بما ليس منه بد . 3 - تفهم واقع الحياة ، وأنها مطبوعة على المتاعب والهموم : طبعت على كدر وأنت تريدها * صفوا من الأقدار والأكدار فليست الحياة دار هناء وارتياح ، وإنما هي : دار اختبار وامتحان للمؤمن ، فكما يرهق طلاب العلم بالامتحانات استجلاء لرصيدهم العلمي ، كذلك يمتحن المؤمن اختبارا لأبعاد إيمانه ومبلغ يقينه . قال تعالى : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا ، وليعلمن الكاذبين) ( العنكبوت : 2 - 3 ) . 4 - الاعتبار والتأسي بما عاناه العظماء ، والأولياء ، من صنوف المآسي والأرزاء ، وتجلدهم فيها وصبرهم عليها ، في ذات الله ، وذلك من محفزات الجلد والصمود . 5 - التسلية والترفيه بما يخفف آلام النفس ، وينهنه عن الوجد : كتغير المناخ ، وارتياد المناظر الجميلة ، والتسلي بالقصص الممتعة ، والأحاديث الشهية النافعة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . |
![]() |
#2 |
المشرف العام
![]() |
![]()
مولاي الشيخ حسن
جزاك الله عن الاسلام خير الجزاء دمت موفقا بحق البضعة الطاهرة سلام الله عليها |
![]() ![]() |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |