هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التخطيط والإشراف على بر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 20 ]       »     دورة : المعايير الحديثة لنظم ا... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 22 ]       »     دورة : المعايير الحديثة لنظم ا... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 17 ]       »     المحامية رباب المعبي : حكم لصا... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 86 ]       »     المحامية رباب المعبي تحصل على ... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 227 ]       »     تطبيق طبيب استشاري الأسرة [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 284 ]       »     محكمة الاستئناف بالرياض تُلزم ... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 376 ]       »     دورة : أفضل الممارسات في استخد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 546 ]       »     دورة : مهارات الكتابة الإحتراف... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 539 ]       »     رواية درب العشق [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 584 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات


العودة   :: منتديات ثار الله الإسلامي :: > الأقــســـام الــعـــامــة > المــنـتـــدى الــعــام

يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 10-27-2015, 08:26 AM
الرحيق المختوم
موالي فعال
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل : Jan 2015
 فترة الأقامة : 3751 يوم
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 4.3



إذا ازداد الإنسان علما، هل يمكن أن نفترضه قد أنتج قيمة مضافة؟ فهل يعقل أن يكون الإنسان قد أنتج القيمة المضافة بمجرد أن علم شيئا بعد ما كان يجهله؟! إن مجرد ازدياد المعلومات لا ينتج القيمة المضافة للإنسان، ولا سيما إذا لم يكن للإنسان دور في ازدياد معلوماته، كمن كان يمشي في مكان وإذا به يسمع معلومة جديدة لم يكن يعرفها. أو كالذي حصّل على بعض التجارب في حياته ومن مواقف فشله وخسرانه. فهل يعقل أن يكون هذا الإنسان قد أنتج قيمة مضافة بكسب هذه المعلومات؟! كلا.
طبعا، لا أعتقد أن العلم بلا قيمة وثمن في هذا المسار، ولكنه يعين الإنسان على إنتاج القيمة المضافة، وبهذا القدر إنه ذو قيمة. أما إذا لم يعن الإنسان على إنتاج القيمة المضافة عند ذلك يصبح صاحبه (کَمَثَلِ الْحِمارِیـحْمِلُ أَسْفاراً)(سورة الجمعة/الآية5). وأنتم تعلمون أن هذه الآية هي في شأن بعض العلماء الذين حصلوا على معلومات، ولم تنزل في حق الحاسوب الذي خزنت فيه ملفات الكتب. مع هذا قد يصير مَثَل الإنسان العالِم كالحمار يحمل أسفارا. إذن لا يكفي العلم بوحده لإنتاج القيمة المضافة.

ما دور العمل في إنتاج القيمة المضافة

هل أن العمل يكفي لإنتاج القيمة المضافة؟ كلا. فعلى سبيل المثال إن بعض الكائنات كالنمل في عمل دؤوب بلا ملل أو تعب، فلا نقدر على القيام بنصف ما يقومون به، حتى قد ضرب بهم المثل في العمل والاجتهاد، لشدة عملهم وجهدهم، ولكن لا يمكن أن نعتبر مثل هذه الأعمال تنتج القيمة المضافة التي نبحث عنها.
إن العمل قادر على معونتنا في إنتاج القيمة المضافة، ولكن ليس هو بقيمة مضافة بالأصالة. إذ كما ذكرت إن الحيوانات تعمل وتخدم أيضا. فانظروا إلى الأبقار مثلا، فإنهم لا يقفون عن العمل النافع لحظة. نحن نقف عن العمل ولكنّهم لا يقفون. فتارة يعتلفون توفيرا للحليب، وأخرى يعدّون تقرير ما اعتلفوه قبل ساعة، ليستعرضوه مرة أخرى [كناية فكاهية عن اجترارهم]. فيا لها من عامل مجتهد خدوم! حتى أن البعض أصبحوا من عبدتها، ولا يدرى فلعل السبب هو ما شاهدوه منها من عمل مستمرّ وخدمة متواصلة، وهذا ما جرّهم إلى عبادتها. [كان الشيخ ممازحا في هذه العبارة]. فلا يستطيع الإنسان أن ينتج القيمة المضافة على سبيل الأصالة لا بالعلم ولا بالعمل.

إن ما ينتج القيمة المضافة هو جهاد النفس

إن ما ينتِج القيمة المضافة باستخدام العلم والعمل، هو كيفية مواجهة الإنسان مشتهياته ومدى إعمال التغيير فيها. فإذا استطاع الإنسان أن يؤثّر على أهوائه ومشتهياته، سوف يقدر على ترك بصمة تأثيره على العالم بأجمعه. لقد خلق الإنسان لصنع التغيير وإنتاج القيمة المضافة ومن أجل التأثير على العالم. وإنّ مركز هذا التغيير هو نفس قلب الإنسان ونزعات الإنسان ذاته. ثم لا سبيل لصنع التغيير القيّم إلا فيما إذا واجه الإنسان موانع ومصاعب في مسار صنع التغيير. لا أن يكون ذاك التغيير ملائما لأهوائه وشهواته. إذن لا تنتج القيمة المضافة بما يلائم هوى الإنسان كالأكل والشرب والنوم وغيرها.
لا يمكن إنتاج القيمة المضافة إلا بمخالفة الأهواء والمشتهيات. فعندما تقاوم نزعاتك السطحية متخلّصا منها إلى النزعات الأصيلة والعميقة، هنا تنتج القيمة المضافة، ومقاومة النزعات السطحية هذه هي ما يسمّى بجهاد النفس. فأنت صرت إنسانا من أجل جهاد النفس وإنتاج القيمة المضافة والوقوف أمام بعض نزعاتك ورغباتك. ومن هذا المنطلق إن إنسانية الإنسان وهويته الإنسانية مرهونة بمدى مخالفته لرغباته وشهواته.

عدم تلبية الأهواء هو ما يسبب إدراك الهوية الإنسانية

فاختاروا ما شئتم من رغباتكم لتقضوا عليها. ولكن ليس لكم حقّ الاختيار إذ قد أحاطكم الله ببرنامجه بكلا نوعيه المتمثل بمقدّراته وتكاليفه. فتأملوا إذ سوف نخوض إن شاء الله في البرنامج الإلهي لجهاد النفس.
أما الآن فلأضرب لكم مثالا؛ ما إن يدخل الطفل في السابعة من عمره، يواجه بعض الموانع في محيطه وفي بيته. وهذه السنة هي منطلق حياته الإنسانية. فمنذ السنة السابعة لابد أن يعرف أنه قد يحبّ شيئا ولكن يجب أن يكفّ عنه، وقد يرغب في شيء غير مرغوب لدى أمّه وأبيه، فينبغي أن يمتنع عنه.

يتبع إن شاء الله...




رد مع اقتباس
قديم 10-29-2015, 11:24 AM   #2
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 5.3




إن الكفّ عن المشتهيات موضوع حياتك، وليس بقضية مقطعية لتحاول حلّها وتعيش باقي حياتك بدونها. إن موضوع حياة الإنسان هو أن يفتش عن مشتهياته لسحقها. فهي ليست مشكلة الإنسان ولا بقضيّة طارئة في حياته بل هي قاعدة أساسية في حياة الإنسان. فإن زعم أحد أنه قادر على حلّ جميع مشاكله وبإمكانه أن يصل إلى جميع رغباته، فليسع ويكد ما يشاء لنرى أين يبلغ؟
بعد ما انصرفتَ عن هذه الجلسة، كيف تريد أن تجاهد نفسك؟ سوف تنام في وقت متأخر وسوف يصعب عليك الاستيقاظ بطبيعة الحال، إذن اتضح أحد مواطن جهاد النفس بحمد الله. بعد ذلك وفي وجبة السحور قد لا تشتهي الطعام فتأكل رغما على نفسك، أو تشتهيه وتأكله بلذة، فينتظرك النهار الطويل حيث تمنع فيه من الأكل والشرب، فيجوع ويعطش جسمك ويطالب بالطعام، ولكنك تُسكته وتأمره بالصبر إذ ليس بجسم حيوان بل جسم إنسان.
فعندما يصوم الإنسان يشعر بإنسانيته. لا أدري كم تدركون هذه الحقائق أيها الإخوة، ولا شك في أنكم أعرف مني بها. حينما ينهى الإنسان نفسه عن بعض ملذّاتها وشهواتها، هناك يشعر بأنه إنسان ويشعر بهويته الإنسانية. ولكن لا ينبغي أن يخالف الإنسان هواه بلا ضابط وبرنامج. فهناك برنامج لابدّ أن يمشي الإنسان على أساسه.

أنواع جهاد النفس

على أساس تقسيم شامل جدا، تنقسم مقاومة النفس على شكلين، وأرجوا أن نوفّق لدراسة كلا الشكلين إلى آخر رمضان: فتارة ترغب في شيء ولم تعطَه، فلابد أن تتحمّل هذا الحرمان وتصبر، بل يجب أن ترضى بما قُسِم لك. وتارة أخرى تشتهي شيئا تملكه وتقدر عليه، ولكن يجب أن لا تمدّ يدك عليه وتكفّ عنه. فكلا هذين الشكلين هما نوعان لجهاد النفس.
يفرض الله عليك نوعين من الجوع؛ فتارة تصفر يدك من المال لتأكل بها شيئا، وتارة تملك مالا ولكنك صائم. فهناك عملان لابدّ لك منها في مسار جهاد النفس؛ الطاعة والرضا؛ الطاعة في قبال التكليف، والرضا في قبال التقدير.
وهنا تُظهر بعضُ النفوس عقدَها وأمراضها، فقد يسأل الله أحد أن يغنيه ولا يحرمه شيئا، على أن يكفّ هو بنفسه عن بعضها بدافع التكليف! وهذا ما لا ينسجم مع الأطروحة الإلهية، إذ إن الله شاء أن يحرمنا من بعض مشتهياتنا تقديرا ولا تكليفا، ليمتحن مدى رضانا بتقديره. إنه يعلم جيدا مدى حاجة الإنسان إلى مال الدنيا ولوازم الحياة، ولكنه شاء أن يحرم الناس من بعضها، ليرى ما يخطر في قلوبهم وما رأيهم. فلماذا خلقهم الله أناسا؟ إنما ذلك من أجل جهاد النفس. يبدأ موسم الرضا بقدر الله من السنّة السابعة، وكذلك موسم الطاعة فإنه يبدأ من ذاك الوقت. فلابد أن نبدأ بمصارحة الصبيّ بحقيقة الحرمان والمنع من ذاك الوقت.
أرجوكم أيّها الإخوة أن لا تجعلوا جهاد النفس كفضيلة إلى جانب سائر الفضائل، فإن هذه الرؤية جفاء بحقّ هذا الموضوع وفلسفة خلق الإنسان، وجفاء بحق الدين كلّه. إذ إن جهاد النفس ليس بواحد من المواضيع بل هو أصل حياتنا ومن أجله خلقنا.

ألا يتعارض هذا البحث مع الروايات المؤكدة على العمل وكسب الرزق؟

لا يخفى عليكم أيها الإخوة أنني لم أبلّغ لدين انفعالي بلا أثر. فلا تسألوني بعد المحاضرة عن الروايات التي تدعونا إلى مكافحة الفقر والعمل الاقتصادي، إذ إنّها لا تتعارض مع هذه الأبحاث بل تؤكدها. فإن جمال الأطروحة الإلهية هو أن لابد من أن تسعى ضد عيلتك، أما إذا أصابك فقر رغما على سعيك وعملك فلا تحزن كثيرا، وابتسم رضاً بقضاء ربك.
لعلك تقول: «إذا كان الله قد قدّر علينا بعض المشاكل رغما على اجتهادنا وسعينا، فلماذا نعمل ونجتهد، ولنترك الدنيا برمتها إلى أن نموت جوعا». الجواب هو أن لو كان القرار على أن لا تسعى لإبعاد الفقر عن حياتك، لما استطعت بذلك أن تنتج القيمة المضافة. ولكن المشكلة وصعوبة هذا الإنتاج هو أنك مكلّف بالعمل وتعمل فعلا لكسب الرزق الحلال، فيقدّر الله لك من يعتدي على أموالك وينهب ما حصلت عليه بكدّ يمينك، فتتألم وتحترق. فإذا استطعت أن ترضى بقدر الله وقضائه وتبتسم في أعماق قلبك، يرتقي مستواك وتنتج شيئا من القيمة المضافة. ولا شك في أن هذا الرضا لا يتعارض مع غضبك على المعتدي والسعي لاقتصاص حقك منه.

يتبع إن شاء الله...


 

رد مع اقتباس
قديم 11-01-2015, 10:19 AM   #3
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 6.3




لقد أوجب الله علينا العمل وطلب الرزق وأذاقنا حلاوة الغنى وكسب المال، ثم يسلب منّا المال بأنواع الحيل والأساليب في منعطفات الحياة وأحداثها. إنها لأطروحة الله الرائعة في إذاقة عباده مرارة الحرمان، وذلك في سبيل توفير أرضية جهاد النفس الذي خلق من أجله الإنسان.

هل في ترك اللذة لذة

بعد هذا الكلام كلّه، يبقى سؤال لابدّ من طرحه، وهو ما حلاوة هذه الأطروحة؟! لعلك تقول لي: قررنا على تحمل مرارة حياة الدنيا في قضائها وتكليفها، فما لنا والسؤال عن اللذة والحلاوة؟! ولكن هل يمكن أن يفرض الله على الإنسان عملا مرّا ثم لا يذيقه حلاوة في هذه الدنيا قبل الآخرة؟! كان يقول الشيخ بجهت(رض): «إن طويت طريق السعادة، فمن المحال أن لا يذيقك الله طعمه في هذه الدنيا». فأين حلاوة هذه المرارة؟ إن حلاوة هذه المرارة هي أنك قد جاهدت نفسك من أجل أحدٍ، وهو الله سبحانه. والله هو الذي سوف يذيقك حلاوة تنتعش بها. أيها الأحبة! إننا قد خلقنا من أجل الله نفسه ومن أجل التقرب إليه ومن أجل شمّه ومن أجل إدراكه ومن أجل رؤيته ومن أجل الشعور به، وكل هذه الكلمات عاجزة عن حكاية تلك الحقيقة الرائعة التي يعيشها الإنسان مع ربّه.
لقد خلقنا من أجله وأمامنا طريق واحد للاتصال بالله وهو إنتاج القيمة المضافة عبر جهاد النفس. لابد لك في هذا المسار أن تقضي على أنانيتك، ولا سبيل لهذا الهدف سوى أن تكفّ عن شهواتك في مقام كسب رضا الله وطاعته. فإنك إن فعلت ذلك تزداد لطافة وخلوصا يوما بعد يوم.
فهذا شوطك والميدان ميدانك، إذهب وابحث وفتّش عن أوامر الله وبرامجه لتهديك وتعينك على جهاد نفسك. إذهب وفتش عن هذه الأوامر ومواطن جهاد النفس ولو تحت التراب والصخور. فإن عثرت على عشرة أحكام وعملت بها لا تقف عن التفتيش فإن تبحث تجد مزيدا من أمثالها.
فلا تقف عن مجاهدة نفسك وسحق هذا التنين ذو الألف رأس الذي إن قطعت له رأسا، ينبت مكانه سبعون ألف رأس كلها تختفي تحت أغصان الحياة وأوراقها، فاستخرجها من تحتها وابدأ بقطعها واحدا بعد الآخر، و لا يزال تنمو رؤوسه إلى أن يتوفاك الله. فعند ذلك تلقي سيفك من يدك وتتنفس الصعداء.

لقد خلقنا لجهاد دائم مع شهواتنا

إن الحسن والصلاح إنما هو جهد وسعي دائم لذبح تنين النفس، لا أن تبلغ مكانة أو مقاما وحسب. فإن كنت بخيلا وقطعت رأس البخل من نفسك، لا تقف إذ ما إن قطعت رأسا يخرج رأس آخر. فاذهب في عملك وواصل جهادك.
يتجسد الحسن والصلاح في الجهاد الدائم لا في قتل رجل أو رجلين. إنه جهاد مستمر دائم مع رغبات الإنسان وشهواته التي تتجدّد وتستحدث ولا تنتهي. فليس معنى الامتحانات الإلهية غير أنه يستخرج كل آن إحدى رغبات نفسك ويجعلها أمامك لتحزّ رأسها. وأحيانا تجد هذه المشتهيات جيّدة، وأحيانا تجدها من حقك، وتارة تجدها رغائب ضرورية ليست بكمالية.
لقد خلقنا لجهاد مستمر مع رغباتنا، سواء أكان طريق الجهاد عبر التكاليف الإلهية التي لابد من إطاعتها، أم كان عبر التقديرات الإلهية التي لابد أن نرضى بها. فليس لنا تجاه أحداث العالم كله سوى تكليف واحد، وهو ذبح نفسنا الأمّارة.
فعلى سبيل المثال قد يأتي أحد ويشتمنا ويسبّنا كذبا وعدوانا، فتكليفنا الأول هو أن نذبح نفسنا أولا، ثم نرى هل لنا تكليف آخر تجاهه. فهل ينبغي أن نردّ عليه أو يجب أن نؤدبه، ولا بأس أن نؤدبه أن استدعى التكليف. ينقل عن أمير المؤمنين(ع): «أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَعَ النَّاسِ فِي مِيضَاةِ الْمَسْجِدِ فَزَحَمَهُ‏ رَجُلٌ‏ فَرَمَى‏ بِهِ‏ فَأَخَذَ الدِّرَّةَ فَضَرَبَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ لَيْسَ هَذَا لِمَا صَنَعْتَ بِي وَ لَكِنْ يَجِي‏ءُ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنِّي فَتَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ هَذَا فَتَضْمَن‏»[الاختصاص/ص159].
فانظر ما هو تكليفك؟ إن تكليفك هو أن تذبح نفسك وتقطع رأسها. ويمكن مشاهدة مدى أهميّة جهاد النفس من خلال بعض الروايات. قال أمير المؤمنين(ع): «فِي‏ خِلَافِ‏ النَّفْسِ‏ رُشْدُهَا»(تحف العقول/ص91) وقال كذلك: «الرُّشْدُ فِي خِلَافِ‏ الشَّهْوَة»(تحف العقول /214)
وكذلك روي عن الإمام الجواد(ع) أنه قال: «لَن يسْتَکمِلَ العبدُ حقيقةَ الإيمانِ حتّى يؤْثِرَ دِينَهُ على شَهْوَتِهِ، و لَن يهْلِکَ حتّى يؤْثِرَ شَهْوَتَهُ على دِينهِ» (کشف الغمه/ج2/ص348). فنحن نتصور أن محل استكمال الإيمان في استماع الدروس العقائديّة، ولكنه تصور خاطئ. إن أصل الموضوع ومنطلق ازدياد الإيمان ونقصانه هو شهوة الإنسان. ولهذا ترى بعض الناس يكرهون الدين، لأن مقتضى العمل بالدين هو مخالفة الهوى.

يتبع إن شاء الله...


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2015, 07:50 AM   #4
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 7.3



اتباع الهوى هي النقطة المقابلة لعبادة الله

واستمعوا إلى هذه الرواية يا عباد الله، الذين تعبدون الله ولا تعبدون شيئا سواه. روي عن الرسول الأعظم(ص): «ما تحت ظِلِّ السَّماء مِن إلَهٍ يعبَد مِن دونِ الله أعظم عندالله من هَوَي مُتَّبَع»[الدرّ المنثور/261/6 ،]. فاتباع الهوى وعبادة الهوى هو النقطة المقابلة لعبادة الله. وهي ضرب من أنواع العبادة؛ (أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)[الجاثية:23]

العامل الوحيد الذي يعيننا على مخالفة الأهواء هو الخوف

يقول الله سبحانه: (وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ فَإِنَّ الجْنَّةَ هِىَ الْمَأْوَي)[النازعات/40 و41]
هل رأيتم أن كثيرا من الناس يجهلون أهمية الخوف من الله وضرورته؟ فهناك الكثير يقولون لماذا يجب أن نهاب الله، ولماذا تؤكد على أن نخافه، ولماذا تأتي بجهنّم دائما أمام أعيننا.
إن كثيرا من الناس بل حتى المؤمنين لا يدركون أمرين. فلا يدركون السبب من كثرة ذكر جهنّم في القرآن؟ ولا يعرفون لماذا يجب أن يخافون الله سبحانه؟ إنهم يدركون ضرورة إصلاح نفسهم ولكن لا يفهمون السبب من هذا التخويف. وهذا سؤال متبادر لدى كثير من الناس.
أتعرفون لماذا يتبادر هذا السؤال لدى أكثر الناس؟ لأنهم لا يعرفون موضوع حياتهم الرئيس. إن موضوع حياتك أخي العزيز هو مخالفة الهوى والرغبات، وليس شيء يعين الإنسان على مخالفة الهوى كالخوف. فاكتبوا هذه العبارة مئة مرّة؛ إن العامل الوحيد الذي يعين الإنسان على مخالفة أهوائه الممتعة واللذيذة والمشهّية هو الخوف. فخذ الخوف عسى إن شاء الله أن تصل إلى مرحلة العشق، وعند ذلك يشتدّ خوفك. ومن أجمل أنواع الخوف هو مهابة المقام الربوبي؛ (وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏)[النازعات:40] ولكن كثيرا من الناس لا يعرفون تكليفهم الرئيس، ولا يدرون لماذا جاءوا إلى هذه الدنيا، ولا يعرفون أن شغلهم الأصلي هو مخالفة الشهوات. فزعموا أنهم يقدرون على إصلاح نفسهم مع حفظ ما طاب ولذّ لهم. فلا يدرون أصل المشكلة والعلّة.
لقد جاء في رواية عن الإمام الصادق(ع): «الْمُؤْمِنُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا صَنَعَ اللَّهُ فِيهِ وَ عُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يَكْتَسِبُ فِيهِ مِنَ الْمَهَالِكِ فَهُوَ لَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفاً وَ لَا يُصْلِحُهُ‏ إِلَّا الْخَوْفُ‏»[الكافي/ج2/ص71] ثم يأتي من يدعي الفهم في القضايا الدينية والتربية والأخلاق والعرفان، ويعطيك صورة عن الدين وإذا به قد حذف نصف القرآن! فلا يتحدث عن نار جهنم وعن العذاب وعن ضرورة خوف الله. فإن سألته عن السبب يقول: «أليس المهم أن يصلح الإنسان ويحسن، فها أنا قد انتهجت طريق الصلاح فما الداعي للخوف إذن. ثم إن عثرتُ على ما راق لي من الحسن والصلاح أسعى لاكتسابه وإضافته إلى سائر أعمالي وصفاتي الصالحة»!
فإنه قد أخطأ الطريق ويتصور أن الصلاح هو أن يضيف إلى صالحاته ما استحسنه من الصالحات، وإنه في الواقع لم يخالف هواه شيئا. وسوف ترون يوم القيامة كم من أمثال هؤلاء الصالحين سوف يكبّه الله على وجهه في جهنّم؛ هؤلاء الصالحين الذين انتحلوا القداسة والصلاح عبر انتقاء ما طاب لهم ونبْذِ ما لم ينسجم مع هواهم.
ما هو الطريق الذي تريد أن تسلكه؟ إنه هو الطريق الذي يتحدث عنه قوله: (وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏)، ولا يتحقق هذا السلوك إلا بـ (وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ).

يتبع إن شاء الله...


 

رد مع اقتباس
قديم 11-12-2015, 04:42 PM   #5
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 8.3




إن بعض المؤمنين يتكبرون على بعض آيات القرآن

اسمعوها منّي أيها الإخوة! يشهد الله أن بعض المؤمنين يتكبرون على آيات العذاب في القرآن، فعندما يمرّون من إحداها يمرون منها وكأنها لا تعنيهم وكأنهم أرقى مستوى من الوقوف عندها! فلا أدري لعلهم يريدون التمتع والتلذذ بالآيات العرفانية التي تتحدث عن جمال الله! أو يريدون أن يعيشوا أجواء العشق ومناجاة الله بلا أن يقفوا عند قوله: (وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ)! اقرأوا هذه الآية القرآنية حيث يقول الله: (وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى‏ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا)[مريم/71] فهل ينبغي أن يستهين الإنسان بأمثال هذه الآية؟!
إخوتي الأعزة! أينما وجدتم في أنحاء طهران جلسة تجمع نفرا من المؤمنين وكانوا يبكون ويضجّون خوفا من نار جهنّم فاقصدوها وتمسّحوا بجدرانها وأبوابها، تزدهرْ قلوبكم نورا. وإن استطعتم أن تبكوا مثلهم فلا تنسونا من الدعاء.
هل قرأتم دعاء الإمام الحسين(ع) في يوم عرفة؟ إذ بعد دعاء وبكاء طويل وفي أوج الدعاء رفع الإمام الحسين(ع) رأسه وبصره نحو السماء ودموعه تجري كالقِرَب فقال بصوت عالٍ: «يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين... وَ أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ حَاجَتِي إِلَيْكَ الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيهَا لَمْ يَضُرَّنِي مَا مَنَعْتَنِي وَ إِنْ مَنَعْتَنِيهَا لَمْ يَنْفَعْنِي مَا أَعْطَيْتَنِي أَسْأَلُكَ فَكَاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّار» [زاد المعاد/ص182]. فهل كان مستوى الإمام الحسين(ع) نازلا ومستواك عال؟! وكذا الحال في دعاء جوشن الكبير إذ تنادي ربّك ألف مرة وبعد كل مقطع تقول: «سبحانك يا لا إله إلا أنت الغوث الغوث خلصنا من النار يا ربّ». فإن هذا الخوف من نار جهنم هو الذي يشحن الإنسان بطاقة يتقوّى بها على حرق هوى نفسه.

أسأل الله أن يفهمنا معنى الهوى

اللهم وفقنا لمعرفة هوى النفس. فقد يكابد الإنسان عمرا طويلا بلا أن يعرف هوى نفسه. فتراه يتحدث عن الهوى تلبية لهواه، ويجاهد نفسه بدافع هوى نفسه، فهو متنقل من سيئ إلى أسوأ. أذ ليست معرفة الهوى بأمر بسيط؟ إنه سرطان خفي لا يمكن كشفه في أيّ مختبر، ولا علاج له سوى نار جهنّم. فلا سبيل لك سوى أن تخاف نار جهنّم، فعند هذا الخوف تتفتح عليك أبواب المناجاة.
كل من يعاني من مرض في دينه ونفسه، فالسبب هو أنه لم يدرك نار جهنّم جيدا، فإن عرفها لن تبقى له مشكلة بعد. أنا لا أعرف ما هذا الخوف الذي جعل الحسين(ع) يستغيث بربّه في آخر ساعة من حياته في حفرة المذبح وينادي: «يا غياث المستغيثين»! وليت شعري ما هذه الخشية التي كانت تعتري أمير المؤمنين(ع) حتى يغشى عليه ويصير كالخشبة الملقاة؟![راجع أمالي الصدوق/ص79]. نحن لم نخف نار جهنم بعد، فأصبحت نصف آيات القرآن لنا بلا أثر، ونتلوها بلا تأمل ووعي. فلا نخاف الله ولا نخاف نار جهنّم.
إذا دخل هذا الحزن في قلوبكم وأصبحتم بحاجة إلى هذا الخوف، فاسمحوا لي أن آخذ بأيديكم إلى باب من أبواب الحوائج. فإن هذا الباب قد أعطى حوائج الكثير من الناس مع صغره. فتعالوا هذه الليلة ندقّ هذا الباب ونسأل هذه الحاجة المعنوية.
إن للحسين(ع) بنتا صغيرة قد أودعها في خربة الشام. تلك البلاد التي كانت أموية في ذاك الزمان وإذا بها انقلبت على يد هذه البنت الصغيرة، فإن تذهب الآن إلى الشام وتسأل عن دين الناس، سيجيبك الكثير أننا علويّون. وكان مبدأ تحول الشام من ذاك اليوم الذي دفنت فيها هذه البنت الصغيرة.
بأبي الطفلة المضروبة المهضومة! فإن لم تضرب هذه البنت لما ضرب طفل في التاريخ. فلا أدري بأي ذنب ضربوها؟! هل كان ذنبها هو أن قتلوا أباها ورفعوا رأسه فوق الرماح؟! فهل حقها هو أن تضرب بالسياط بهذا الذنب؟! ما كان ذنب هذه الطفلة وما كانت جريمتها؟! كفاها ذنبا أن تكون بنت الحسين(ع)! ويكفيها جريمة أن كانت تنادي أباها الحسين(ع) شوقا ولهفة إليه!

ألا لعنة الله على القوم الظالمين



 

رد مع اقتباس
قديم 12-09-2015, 02:27 PM   #6
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.4




إليك ملخص الجلسة الرابعة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

ما نهدف إليه في هذه السلسلة

إن المحاضرات والأبحاث التي نطرحها نحن الخطباء في هذه المنابر عادة لا تخلو من هذه الحالات التالية؛ فإما نطرح شيئا مغفولا عنه وقلّ ما ينتبه إليه الناس، فنتحدث ونذكّر الناس على هذا الأمر المهمّ الذي يعرف الناس أهميّته ولكنهم غفلوا عنه. وإما أن يكون الموضوع مجهولا لا يعرفه أحد، وهذه حالة نادرة جدا، فنادرا ما يحصل أن نرتقي المنبر ونقول: نريد أن نتحدث في هذه المحاضرة عن شيء لا يعلمه أحد! إذ قد سمع الناس كثيرا من المعارف الدينية، إلّا أن تشتمل المحاضرة على نقطتين أو ثلاث لم يعلمها بعض الحضّار. وتارة تكون المحاضرة موعظة وهي أن يتحدث الخطيب مع الناس بقوّة وشدّة كي تستيقض قلوبهم من سباتها ويتأثرون بنصائحه ومواعظه.
أما الآن وفي سلسلة هذه المحاضرات، لم تنطبق هذه الأبحاث على واحد من تلك الأنواع في إلقاء المحاضرات، مع أني غير صالح لجميعها. إن الهدف الذي نرمي إليه في هذه السلسلة، لا هو من قبيل التذكير ولا من قبيل الموعظة ولا من قبيل التعليم والإخبار، بل هو من قبيل تغيير الرؤى.
إن رؤى الناس وحركتهم وأجواءهم الذهنيّة خاطئة ولابدّ من تغييرها. ولا يخفى أن تغيير الرؤى ليست بعملية هيّنة، إذ لا تتغير رؤية الإنسان بالاطلاع على معلومة خاصّة أو على رواية أو اثنتين. بل هو بحاجة إلى عمليّة جذرية ينقلع فيها عن رؤيته السابقة تجاه الدين ليحصل على الرؤية الجديدة التي رءاها صائبة.
إن وفّقتُ بعون الله لتغيير رؤيتكم، بعد ذلك إن حاولتم أن تغيروا رؤية أحد آخر، سوف تواجهون صعوبة، إذ إن تغيير الرؤى أساسا هو عمليّة صعبة. إن هذه الليالي الثلاثين في شهر رمضان لخير فرصة للتأمّل في موضوع واحد، وخير فرصة لإصلاح الرؤى. فإن الرؤية تختلف عن المعلومات البسيطة. إن الرؤية غير التذكير، وإنّها تختلف بطبيعتها عن استماع الموعظة بهدف اندفاع الروح وكسب الحافز للعمل.

إن رؤية الناس بشكل عام تجاه موضوع الدين وما يدور في فلكه غير صائبة

هنا أدعي ادعاءً في محضركم وهو أن رؤية الناس بشكل عام تجاه الحسن والصلاح غير صائبة. وإن رؤيتهم تجاه الدين غير دقيقة، إن لم أقل أنّها غير صائبة. إن رؤية الناس بشكل عام تجاه الحياة وفلسفتها غير صائبة. كذلك هم غير صائبين في رؤيتهم تجاه الهدف السامي والراقي الذي يجب أن يختاروه.
طبعا إن إثبات هذا الإدعاء بحاجة إلى بحث متسلسل طويل، وإلا فإن أكتفي بالإدعاء فقط، تواجهوني بسؤالين صعبين وسوف لا أستطيع الجواب بسهولة. وهي: ما هي رؤية الناس الخاطئة؟ ثم ما هي الرؤية الصائبة في رأيك؟
إنّ تبيين رؤيتنا بحدّ ذاته هو أمر عسير، فما بالك إن أردنا تبيين الرؤية الصائبة. إن ما أدعيه خلال هذه الأبحاث هو أن رؤيتنا تجاه التربية ومسار العبودية والسير والسلوك إلى الله وكذلك رؤيتنا تجاه الحياة وفلسفتها وفلسفة كل ما يجري ويحدث في الحياة ليست برؤية صائبة، أو على الأقل ليست دقيقة. فما نصبو إليه خلال هذه السلسلة هو تغيير الرؤى. فلابد أن تمتزج مجموعة ومنظومة من المعلومات والمعارف معا لتنهض بتغيير رؤية الإنسان وتغيير قبلته واتجاهه. وأنا أعلم أن هذه الكلمات والعبارات هي كلمات كليّة وعامة لا يمكن إحساسها ولمسها، فلابدّ لنا من الدخول في البحث. فأقترح عليكم أيها الإخوة أن تواكبوا الأبحاث بلحاظ تسلسلها واتصالها، وإلا قد لا يحصل ما نصبو إليه.

ما معنى تغيير الرؤى؟

فلأشرح قليلا ما هو المقصود من تغيير الرؤى. إن لمست بيدك أعضاء فيل في الظلام الدامس، ماذا تشعر بهذا اللمس وما سيكون انطباعك عن هذا الكائن الذي لمسته بيدك؟ فمرة تمسّ بطنه ولعلك تزعم أنه سقف صلب، وأخرى تمس رجله فتتصور أنه عمود محكم، ثم تلمس جنبه وجسمه، فقد تشعر أنه جدار عال. فهل سوف تحصل على صورة كاملة وواضحة لهذا الفيل إن لمست باقي أعضائه؟ فهل تستطيع أن ترسم صورته؟! كلا أبدا.
أما إن ابتعدت عن الفيل قليلا وفُتِح لك المصباح، تستطيع أن ترى الفيل بنظرة واحدة، وعند ذلك تعرف حقيقة الأعضاء التي لمستها بيدك وسوف تعرف شأنها وموقها من كل جسم الفيل وما تؤدي من دور في هذا الحيوان ككل. فإن الصورة التي تلقيتها من الفيل في ذاك الظلام الدامس مع أنها لا تخلو من الصحّة تماما ولكنها لم تعطك رؤية صحيحة. وأنا أقول لكم إن كثيرا من معلوماتنا المتناثرة عن الدين صحيحة ولكننا لم نستخرج من هذه الأجزاء صورة مركبة صحيحة عن الدين فلم نحصل على رؤية صائبة تجاهه.
إن الحصول على رؤية صائبة وصورة متكاملة تجاه الفيل أمر يسير، لكن تعالوا إلى الدين فما هي الصورة التي لابدّ أن نحملها عنه؟ أعدّوا فهرسا عن آيات القرآن التي تزيد عن ستة آلاف آية بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الوصايا الأخلاقية، فمن أين نبدأ وإلى أين ننتهي؟! وما علاقة بعضها ببعض؟ فهل يمكن أن نربط جميع معارف الدين كخرز السبحة في خيط واحد؟
فهذه مقدمة أضفناها إلى ما قدمناه في الجلسة الأولى حيث ذكرنا هناك أن لابدّ من تنظيم معلوماتنا المتناثرة عن الدين في نطاق منظومة واحدة. وأضفنا في هذه الليلة أن لابدّ أن تكون لنا رؤية شمولية وجامعة وصائبة عن مجموع المعارف الدينية بحيث تشخِّص الرابط والعلاقة بين مختلف أجزاء الدين.

يتبع إن شاء الله...


 

رد مع اقتباس
قديم 12-13-2015, 04:43 PM   #7
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.4




أحد آثار هذه الرؤية، اتضاح تكليف الإنسان

ما فائدة هذه الرؤية؟ أرجو أن تسمعوا هذه العبارة بتمعّن. من أهم فوائد هذه الرؤية الشمولية والصائبة هي أنها تشخص تكليف الإنسان بشكل دقيق. إنه لإدعاء كبير جدا، وهو أنه ليس لنا في كل الحياة سوى تكليف واحد. فلابدّ أن نراقب شيئا واحدا فقط. وسوف نعي هذه الحقيقة إن شاء الله. فليس المطلوب هو أن نقوم بمئة عمل ولأن أن نزيل مئة عيب ونحصل على مئة حسنة، فكلها أمر واحد.
فلابدّ أن نعرف ذاك الأمر الواحد الذي تشتمل عليه كل الأعمال الصالحة، إذ إن جميع الحسنات والصالحات بدءً من الحد الأدنى من القضايا الأخلاقية إلى أقصى مراتب عشق الله وعشق أوليائه، هي صور لهذا الأمر الواحد الذي لا آخر له. فإن عرفت هذا النظام وصحّت رؤيتُك واتجاهُك، عندئذ ترسم خطا مستقيما من موقعك الذي أنت فيه إلى نقطة الهدف، وسوف تعلم ماذا عليك وما الذي يجب أن تقوم به.
أما إن لم يقدر الإنسان على رسم هذا الخط المستقيم، يبقى في حيرة بين مختلف الفضائل والرذائل فلا يدري أيصلح حسده أم يراقب بخله أم يقضي على حب المقام أم يزيل حب الراحة؟! أفهل هي عيب واحد أم عيبان؟ بل هي آلاف، فما يصنع هذا الإنسان المسكين الضائع بين عيوبه ورذائله؟!
إن هذه الحيرة ليست بحالة جيدة، فليس من الصحيح أن يكون الإنسان في حيرة من أمره لا يعرف حاجته الأولى من بين مختلف الصفات الجيدة، من قبيل الصدق والصبر والتواضع والكرم وغيرها. إن هذه الحالة هي حالة الحيرة المذمومة. قد يقول البعض أن الجميع مبتلون بهذه الحيرة. أقول: فهل تصبح حالة جيدة إن ابتلى بها الجميع؟! فأين موقع معرفة النفس إذن، وكيف نتمكن من محاسبة النفس؟ فإن لم تكن رؤيتي صائبة تجاه الطريق الذي أريد أن أسلكه وإن لم أعرف تكليفي الرئيس ولا أميّز بين التكليف الأصلي والفرعي، لن أستطيع أن أحاسب نفسي أبدا.

من آثار هذه الرؤية، تبلور الحكمة في قلب الإنسان

إن دور النبي(صلي الله عليه وآله) هو أن يعلّم الناس الكتاب والحكمة؛ (هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَة)[الجمعة:2] فما معنى الحكمة؟ إن الكتاب هو علم يدخل في قلب الإنسان من الخارج، أما الحكمة فهي علم تفور من داخل القلب. فالحكمة هي إنتاج العلم لا تعلّمه. فكأن الله أراد من النبي الأعظم(صلي الله عليه وآله) أن يربّي أفراد أمّته لكي يصيروا حكماء.
من خصائص الإنسان الحكيم هي أنك عندما تقرأ عليه الروايات، يتقبلها بكل رحابة صدر ويؤيدها بقلبه. فهو يدرك صحتها ويعرف موقعها من الدين. فتجده يتحدث بمضمون الروايات قبل أن يسمعها أو يعثر عليها في كتب الحديث. فتأتي الآيات والروايات مؤيدة لما كان يشعر به في قلبه.
متى يصل الإنسان إلى هذه الحكمة؟ عندما يشاهد الفيل كلّه بنظرة واحدة. أما إن لم ير الإنسان هذا الفيل وكانت معرفته به عبر بعض اللمسات المتفرقة وحسب، لا يستطيع أن يصدّق أو يستوعب كثيرا من كلمات المتحدّث عندما يتحدث عن الفيل. فإذا تحدّث عن ذنبه أو تحدّث عن خرطومه يتلقّى هذه المعلومات كمعلومات جديدة غريبة على قلبه وقد لا يستطيع الاستيناس بها.
أما الحكيم فهو الذي قد رآى الفيل كلّه. فعن أي عضو من أعضاء الفيل تتحدث معه، يتفاعل معك ويكمل كلامك وحتى قد يزيدك ببعض المعلومات. فالحكيم هو ذاك الإنسان الذي تلصق الروايات بفؤاده لشدّة انسجامها مع ما طُبِع عليه قلبُه، ثم يعرف موقع الروايات من الدين وما هو دورها في حركة الإنسان الدينية. هذا هو أحد أبعاد الحكمة.
من خصائص الحكيم هي أنّه يكون على بصيرة من نفسه. فهو يعرف داءه وعيوبه. ذات يوم قال لي رجل من أولي البصائر والألباب: إن بيني وبين الإمام الخميني(ره) بونا شاسعا. فاستغربت من قوله وقلت في نفسي: أمن الفنّ أن يعرف الإنسان أن بينه وبين الإمام الخميني(ره) بعد المشرقين؟! ولكني ما كنت أستطيع أن أبدي استغرابي له إذ كنت أحترمه كثيرا. ثم زال استغرابي في جملته التالية حيث قال: ولكني أعلم السبب والداء الذي جعلني أتأخّر عن مقام الإمام(رض). فعرفت أنه يتحدث بحكمة ووعي. وإلا فأنا أيضا أدعي أن هناك بون شاسع بيني وبين الإمام(رض)، ولكني لا أعرف الأمراض التي أخّرتني عن ذاك المقام، ولكنه قال إني أعرف العلة والداء الذي سبّب هذا البون الشاسع.
هذه هي الحكمة. فإنها تجعلك تفهم وتعلم أكثر ممّا سمعت. وهذا هو أثر الرؤية والمشاهدة، حيث إنك تشاهد مشهدا عبر لحظة واحدة، ولكنك تقدر على كتابة ما شاهدت في مئة صفحة. وكلما رأيت المشهد من زاوية جديدة، تستطيع أن تكتب حقائق جديدة عن المشهد. فينبغي أن نرى الدين بطريقة نتمكن من شرح مختلف أبعاده للناس وأن نعطيهم صورة صحيحة عن الدين. لابد أن ندرك ماهية علاقتنا بالدين جيّدا ولا نخدع أنفسنا.

يتبع إن شاء الله...


 

رد مع اقتباس
قديم 12-14-2015, 01:05 PM   #8
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3.4




مرور على ما انتهينا إليه في الجلسات السابقة

كل هذا ا لكلام الذي مرّ الآن واستغرق ربع ساعة، كان مقدمة البحث. فلنرى هل نستطيع أن نتقدم في البحث في نصف الساعة الباقية. فلنستعرض بإيجاز ما انتهينا إليه في الجلسات السابقة.
لقد خلق الإنسان بصفته قادرا على إيجاد التغيير في وجوده، وقد عبّرنا عن هذا المعنى في الليلة البارحة بإنتاج القيمة المضافة. فتمّ القرار على أن يكون الإنسان قادرا على ترقية نفسه وتحسينها. ثم قلنا لا يتمّ هذا الإرتقاء عبر ازدياد المعلومات وحسب، إذ إن مجرّد ازدياد المعلومات لا يحسّن شيئا في العالم. وسوف تتضح أحقية هذا الإدعاء من خلال الأبحاث التالية.
إن الارتقاء والتطوّر منوط بأن تشتملَ أنت على رغبة أو رغبات، ثم تتخلّص من بعض رغباتك عبر صراع شديد بين الرغبات، إلى رغبات أخرى. أو أن تغيّر هواك في خضمّ تضارب الأهواء. فهذا الارتقاء منوط بتغيير ثمين.
فإن كنت تحبّ شيئا ما ثم تعمد إلى أكله أو لبسه أو اتخاذه تلبية لهواك، فإنك لم تتغيّر. وسوف يكون شأنك كشأن الملائكة الذين يحبّون الله ويسبحون بحمده بمقتضى طبيعتهم، فإنهم لا يقدرون على إيجاد تغيير في داخلهم. فإنهم صالحون ويبقون صالحين. ولكنك لست مثلهم إذ المفترض منك أن توجد تغييرا وأن تتكامل وتكسب الصلاح عبر عمليّة التغيير. هنا قد يتبادر في ذهنكم سؤالا وهو لماذا وجب ذلك وما السبب من اختصاص الإنسان بهذا التغيير، وسوف نجيب عن هذا السؤال لاحقا إن شاء الله.
لقد قُدّر للإنسان أن يكون قادرا على تغيير نفسه ويكسب الصلاح عبر هذا التغيير، لا أن يكون موجودا صالحا من الأول كما هو الحال في الملائكة. بل لابد أن يترقّى ويصلح من خلال صيرورة وتغيّر. فإن نجح إنسان في هذه العمليّة واستطاع على إنجاز ذلك فقد سبق الملائكة وتفوّق عليهم. ولا سبيل لنيل هذا الهدف سوى أن تكون مشتملا على رغبات متعددة، وتُعطى حقّ الاختيار من بين أهواء ورغبات شتّى وكذلك تُعطى قدرةَ الاختيار، ثم تصرع رغبةً وتختار أخرى.
هذا هو الحدث الرئيس الذي خُلقتَ إنسانا من أجله. وقد بدأت حياتك الإنسانية من هذا المنطلق. وصار الإنسان إنسانا لما يشتمل عليه من أهواء متضاربة لابدّ أن يختار بعضها دون الأخرى وهذا هو شأنه إلى آخر عمره. أما ما هي الرغائب التي لابدّ أن يصرعها الإنسان وما التي يجب أن يختارها وكيف يكون مسار هذا الصراع، فلابدّ أن نتحدث حول هذه المواضيع في المستقبل.

فلسفة خلق الإنسان/ هوية الإنسان الرئيسة/ حقيقة الدين

السؤال الذي لابدّ أن نجيب عنه بادئ ذي بدء ونهضمه جيدا هو أن لماذا جئنا إلى هذه الدنيا أساسا؟ لقد جئنا إلى الدنيا لنرغب ونشتهي بعض الأشياء ثم لا نمدّ أيدينا إليها. جئنا لنحبّ بعض الأشياء ثم نعاني من حرمانها. جئنا إلى الدنيا لنجاهد شهواتنا. ثم ما قيمة العلم في هذه الظروف؟ العلم خادم لهذا الحدث وهذه الملحمة. العلم خادم لهذا الجهاد. هذه هي قيمة العلم. فلا قيمة للعلم بالأصالة بل هو خادم لهذا الجهاد ويسهّل عملية الجهاد على الإنسان. إنه يهدي الإنسان ويخدمه في هذا المسار. فإن استخدمته في هذا السبيل يكون علما نافعا قيّما، وإلّا فيصبح مدعاة لهبوط مستواك وقلة قيمتك.
وكذلك الحال في العمل، فالعمل القيّم هو ما كان ناتجا من هذا الجهاد. أما إذا كان من قبيل عمل النحل في عمليّة إنتاج العسل فلا فائدة له. إذ يطير النحل ويجلس على الأزهار ويمتصّ شهدها ثم ينتج العسل بمقتضى غريزته وطبيعته. فهل يستحق الأجر والثواب والجنان بهذا الإنتاج؟! كلا، إذ لا قيمة لهذا العمل ولأن الله لم يعلّمها عملا آخر، ولم تتردّد النحلة بين خيارين قطّ حين طيرانها في البساتين والحدائق، ولم تهشّ نفسها إلى الميتة مثلا لتبقى مترددة بين امتصاص دم الميتة أو شهد الزهور! فبسبب هذا الفارق الأساسي، صار الزنبور زنبورا وصرتَ أنت آدميّا. فمنذ أن عزم الله على أن يجعلك إنسانا، شاء لك أن تجاهد أهواءك فقد اُخِذ عنوان «مخالفة الأهواء» كعنصر محوري في تعريف هويّتك الإنسانيّة.
لعلّك تسأل: أيّ الرغائب أحاربها؟ ولكن قبل أن تطرح هذا السؤال حاول أن تثبّت هذه الحقيقة في ضميرك، وهي أن قد خلقت من أجل مخالفة أهوائك. فحاول أن ترسّخ هذه الرؤية وتثبتها جيّدا، ثم يأتي الله ويعطيك البرنامج، إذ إن الدين هو برنامج جهاد النفس. فإن لم تكتبوا العبارة مئة مرة هذه الليلة، فعلى الأقل اكتبوها بخط كبير مرة واحدة وانصبوها أمامكم.
إن الدين عبارة عن برنامج لجهاد النفس ومخالفة بعض الأهواء. هذا هو برنامج الدين، ولكن قبل أن يكون جهادُ النفس برنامج الدين، كان جزءً من هوية الإنسان وكان يمثل فلسفة خلق الإنسان. وقد سبق أن قرأت لكم كلام أمير المؤمنين(ع) حيث قال: «فِي خِلَافِ‏ النَّفْسِ‏ رُشْدُهَا»(تحف العقول/ص91). فإنّ هويّة الإنسان وصلاحه، في هذا الجهاد بغض النظر عن أحكام الله ويوم القيامة، بل قد صُبّت تركيبة الإنسان على هذا الأساس. فمن لم يجاهد نفسه يخرج عن تعادله ويترنّح يمينا وشمالا.

يتبع إن شاء الله...


 

رد مع اقتباس
قديم 07-04-2016, 09:30 AM   #9
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3.10



إن ديانة الإنسان الفارّ من المعاناة ديانة بلا فائدة


إنّك إن لم تحل قضية المعاناة لنفسك، قد تكون متديّنا ولكن يفرغ دينك من مضمونه وأثره في ترقيتك. فيا ترى ما كنا نفعل لو كنا في مقام محمد بن مسلم وكنّا قد واجهنا الإمام بهذه النصيحة؟ لعلنا كنا نقول: نعم، لابدّ من التواضع. وحسبنا من التواضع هو هذه الابتسامة التي نوزعها على الناس. وهذا يعني المرور من جانب المانع وعدم القفز منه.

طبعا وبالتأكيد ليس طريق التواضع هو ممارسة الأعمال الرديئة دائما ولا أريد أن أنصحكم بممارسة هذه الأعمال، إذ يختلف دواء الناس باختلاف دائهم فكلٌ بحسبه. ولكن حاولوا أن لا تفروا من المحن والابتلاءات التي يقدرها الله لكم ولا تلتفوا حول ابتلاءاتكم. إن الله يمتحن مختلف الناس بمختلف الابتلاءات والمصائب فلابدّ أن توطّن نفسك على البلاء والعناء. وكذلك لابد أن توطّن نفسك على معاناة سحق الهوى والشهوات.

رضوان الله على الشهيد شمران إذ كان قد وعى حقيقة المعاناة بكل وجوده ورحب صدره لأنواع البلاء. لقد جاء في كتاباته: «أنا أعتقد أن الله العظيم يثيب الإنسان بقدر المعاناة التي عاشها في سبيله، وأن قيمة كل إنسان بقدر ما تجرعه من ألم وعناء في هذا السبيل وأرى أن أولياء الله قد ابتلوا بالبلاء والألم والمحنة في حياتهم أكثر من أي أحد». ثم كتب هذا الشهيد العظيم مخاطبا ربه: «إلهي أشكرك إذ عرفتني على الفقر لكي أعيش ألم الجائعين وأشعر بمحنة المحتاجين. إلهي أشكرك إذ قد صببت عليّ أمطار التهم والشتم والافتراءات لكي أغرق في عواصف الظلم والجهل والتهمة الموحشة، وينمحي صوتي المنادي بالحق أمام زئير طوفان الأعداء وعواصفهم، فيحتضنني الألم والبلاء ويفتح عليّ نوافذ فطرتي حتى أشعر بمعاناة عليّ(ع) بأعماق روحي».
أحد الآلام التي يفرضها الله عل الناس هو الموت


أحد الآلام التي فرضها الله علينا هو الموت. فيا ترى لماذا قد أحاط الله الموت بهالة من الشدّة والوحشة والدهشة بحيث يهدم ذكره جميع اللذات؟! لأنه أراد أن تعيش مع ذكر الموت في حياتك كلّها ولا تنساه. لقد قدّم الله تعالى الموت على الحياة وقال: (الَّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياة)[الملك/2] فكأن الله قد خلق الموت قبل خلق الحياة، وكأنه قد قدّر للناس الموت قبل أن يقدّر لهم الحياة.

إن ذكر الموت يمثّل أحد أهم الأساليب التربويّة في الإسلام كما قال رسول الله(ص): «کفَی بِالمَوتِ واعِظاً»[الكافي/ج2/ص275] فلا تنسوا الموت وتجرعوا مرارة ذكره، فإن كثيرا من الروايات قد دعتنا إلى هذا الأسلوب التربوي وهو هدم اللذات عبر ذكر الموت وتجرع مرارة ذكره. فهل قد رأيت من يلاقي حتفه أمامك؟ وكم قد شيعت من إخوانك وأنزلت جسدهم في القبر؟ ويا ترى لماذا كل هذا التأكيد على ذكر الموت في رواياتنا؟ وكم له من تأثير إيجابي على النفوس؟ ولماذا جاء هذا التأثير؟

استمعوا هذه الرواية الرائعة المروية عن الإمام الصادق(ع) وتأملوا فيها. قال(ع): «ذِکْرُ الْمَوْتِ‏ یُمِیتُ‏ الشَّهَوَاتِ فِی النَّفْسِ وَ یَقْطَعُ مَنَابِتَ الْغَفْلَةِ وَ یُقَوِّی الْقَلْبَ بِمَوَاعِدِ اللَّهِ تَعَالَى وَ یُرِقُّ الطَّبْعَ وَ یَکْسِرُ أَعْلَامَ الْهَوَى وَ یُطْفِئُ نَارَ الْحِرْصِ وَ یُحَقِّرُ الدُّنْیَا وَ هُوَ مَعْنَى مَا قَالَ النَّبِیُّ ص فِکْرُ سَاعَةٍ خَیْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَ ذَلِكَ عِنْدَ مَا تَحُلُّ أَطْنَابَ خِیَامِ الدُّنْیَا وَ تَشُدُّهَا بِالْآخِرَةِ وَ لَا یَسْکُنُ نُزُولُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ ذِکْرِ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَ مَنْ لَا یَعْتَبِرُ بِالْمَوْتِ وَ قِلَّةِ حِیلَتِهِ وَ کَثْرَةِ عَجْزِهِ وَ طُولِ مُقَامِهِ فِی الْقَبْرِ وَ تَحَیُّرِهِ فِی الْقِیَامَةِ فَلَا خَیْرَ فِیهِ»[مصباح الشريعة/171].
من آثار ذكر الموت رقة الطبع/نصيحة للفنّانين


إن الفنانين معروفين برقّة الطبع، وقد أعطت هذه الرواية وصفة لرقة الطبع وهي ذكر الموت. فإذا أراد فنان أن يزداد طبعه رقّة عليه أن يكثر من ذكر الموت ويقضي بعض وقته في المقابر! هذه نصيحة صادقة وصريحة جدّا للفنانين. كان المجاهدون في الجبهة يذكرون الموت كثيرا، حتى كانوا يحفرون قبرا لهم في الصحراء ويتعبدون فيه في جوف الليل، كانوا يسجدون فيه وينامون فيه ويبكون فيه. ثم كانوا يرجعون من قبرهم وكأنهم وردة من شدة لطافتهم ورقّتهم. فإذا سالتني: من أين حصل على هذه الرقة واللطافة، أقول: قد أخذها من ذلك القبر الذي بات فيه يبكي إلى الصباح. إن كنت ترى أحدهم لرأيته رؤوفا بالجميع ومتفائل بالخير وله جميع الصفات والحسنات التي تبحث عنها أنت. لقد حظى بجميع تلك الخصال الرائعة حتى بلغ درجة تصدير الصفات والتأثير على غيره. وقد نال كل ذلك بذكر الموت وتجسيم الموت. فانظر إلى أثر ذكر الموت التربوي على النفوس وهو أحد مصاديق الألم والعناء في هذه الدنيا. فإن أردت أن تطوّر نفسك بمعزل عن هذا المنهج تضيع في متاهات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



 
 توقيع : الرحيق المختوم



رد مع اقتباس
قديم 07-04-2016, 09:31 AM   #10
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.11




إليك ملخص الجلسة الحادية عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
لا أصالة للعناء ولكنه ضروري لجهاد النفس وإنتاج القيمة المضافة


إن طريق حركتنا الرئيس على أساس خصائص الإنسان والحياة، هو جهاد النفس. فإنّكم عندما تسيرون في درب الدين والكمال والأعمال الصالحة، طريقكم الرئيس هو مخالفة الأهواء بطبيعة حال الحياة وبمقتضى خصائص الإنسان. إن مخالفة الأهواء والرغبات سواء أكانت عبر الأوامر والتكليف أم كانت عبر الفرض والتقدير فهي ما نسميه بالعناء. وهو ما لا تخلو حياتنا منه وإن لم تخل من النّعم واليسر أيضا. إن طريقنا هو طريق جهاد النفس ولا أصالة للعناء، ولكنّه أمر لابدّ منه في عمليّة جهاد النفس. لا يخفى أن العناء الذي يحصل عبر جهاد النفس من خلال البرنامج الإلهي يختلف عن كثير من المعاناة الأخرى، وبودّي أن أسلّط الضوء في هذه الجلسة على هذا الموضوع.

لا أصالة للعناء، ولكنّنا قد خلقنا من أجل إنتاج القيمة المضافة وهذا ما يحتاج إلى جهاد النفس، وجهاد النفس لا ينفك عن العناء.

عادة ما يصطدم الإنسان بمشاكله دون نعمه، فلابد أن يحدّد موقفه تجاه العناء

من بين التكاليف الإلهية قد ينسجم هوانا مع بعض الأوامر والنواهي ولكن الأساس في الأوامر والأعمال الصالحة التي لها دور رئيس في رشدنا هي تلك الأعمال التي لا تنسجم مع هوانا. كما أن العامل الحاسم في تعيين مقامنا من الله سبحانه وتعالى هو الصبر والرضا في المعاناة التي نعيشها في حياتنا، وليس ساعات الراحة واللذة في حياتنا. طبعا لا شك في أن المسرات واللذات طبيعية ولا تخلو منها الحياة ويجب أداء شكرها في المقابل، ولكن أساس العمل الصالح هو المعاناة في سبيل الله. لماذا؟

من جانب يقول الإمام الصادق(ع): «جُبِلَتِ الْقُلُوبُ ‏عَلَى ‏حُبِّ‏ مَنْ ‏یَنْفَعُهَا وَ بُغْضِ مَنْ أَضَرَّ بِهَا»[الكافي/ج8/ص152]. ومن جانب آخر، من طبائع الإنسان هي أنه ينسى مئات النعم، ولكنه يجعل الألم الصغير وقصير الأمد نصب عينيه. وعليه فإذا منّ الله على الإنسان بمئات النعم ووسائل اليسر، ويبتلى معها بعلّة واحدة، يلتفت عن كل نعمه ومسراته إلى تلك العلّة الواحدة. ولهذا فإن خلي الإنسان مع ربّه ليصارحه عن ما في قلبه، قد يضع كل نعمه ودواعي يسره إلى جانب ويعاتب الله لعلة واحدة أو مصيبة واحدة أصابه بها في حياته!

بعبارة أخرى، عادة ما يصطدم الإنسان بمصائبه ويلتفت إليها دون النّعم، ولهذا ومن أجل أن يقدر على السير في هذا الدرب بنجاح، لابدّ في بداية الأمر أن يحدّد موقفه تجاه العناء. فإن كانت نفسك تبحث عن مفرّ من العناء في هذه الدنيا، فهذا وهم باطل وإنك مخطئ في حساباتك. فلابدّ أن نخاطب نفسنا الفارة من العناء ونقول لها بصراحة: إن الحياة غير منفكة عن المعاناة، وإن السّلوك نحو الله سبحانه وتعالى هو صعود وتسلّق عبر طريق مرتفع صعب، وليس بطريق معبد منحدر.

لا نفرّ من الدين بغية الفرار من معاناة التكليف والتقدير فلا فائدة منه

إن طريقنا الرئيس هو جهاد النفس، وأهم قضية تواجهنا في مسار هذا الجهاد هو العناء. فلابدّ أن نحدد موقفنا تجاه العناء ونقبل بوجود أصل العناء ونوطن أنفسنا على مواجهة مختلف المعاناة ولا نفرّ من الدين بغية الفرار من المعاناة إذ لا فائدة منه.

ولابد أن نعلم أن جميع الناس يعانون من مشاكل. فإن وجدنا أحدا يبتسم ولم تبد على ملامحه غبار المصائب فليس ذلك لقلّة معاناته، بل بسبب أنه أكثر صبرا ولعله يسعى لحفظ الظاهر أو أنه إنسان عاقل وفاهم. على أي حال لابدّ لنا أن نحدّد موقفنا تجاه العناء.

لا ينبغي أن ننسى الآلام والمعاناة بل يجب أن نشاهدها بعين مفتوحة، وإلا تخرب عمليّة جهاد النفس ونتهرّب عن المعاناة التكليفية والتقديرية. ثم إن هذا التهرّب لا يرتبط في أكثر الأحيان بقلّة الإيمان. فعندما يواجه الإنسان بعض الناس ممن لم يلتزم بالدين جيدا، قد يقول له: «كن مؤمنا» في حين أنه مؤمن بالفعل ولكنه ليس من أهل تحمّل العناء. إنه مؤمن ولكن قد أخبروه بخبر كاذب فتوّهم أن يوجد مجال في هذه الدنيا لا عناء فيه وهناك طريق مفرّ منه.

إن لم نتعامل مع العناء بالشكل الصحيح، تزدد معاناتنا في الحياة

إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، تزدد معاناتنا في الحياة. وقد أشارت روايات كثيرة إلى هذه الحقيقة. روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: الجَزَعُ أتْعَبُ مِن الصَّبرِ[غرر الحکم/5620] وقال(ع): «الجَزَعُ عندَ المُصیبَةِ یَزیدُها، و الصّبرُ علَیها یُبیدُها»[غررالحکم/2043] وقال(ع) في رواية أخرى: «لا تَجْزَعوا مِن قلیلِ ما أکْرَهَکُم، فیُوقِعَکُم ذلکَ فی کثیرٍ مِمّا تَکْرَهونَ»[غررالحکم/5638] وكذلك روي عن الإمام الكاظم(ع) أنه قال: «المُصیبَةُ للصّابرِ واحدَةٌ ، و للجازعِ اثْنَتانِ»[تحف العقول/414].

يتبع إن شاء الله...



 
 توقيع : الرحيق المختوم



رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 09:02 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية