![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]() التعود على إفشاء السلام مدعاة إلى زوال كثير من السلبيات
كم أن أحكام الإسلام من الوسعة بمكان وكم حاولت أن تعوّدنا على العادات الجيّدة. فعلى سبيل المثال كم جاءتنا وصايا في إفشاء السلام. فقد قال الإمام محمد الباقر(ع): «إن الله عز وجل يحب إفشاء السلام»(الكافي/ج2/ ص645). فإن هذه العادة بحد ذاتها تحمل آثارا وبركات كثيرة وتستطيع أن تقضي على الكثير من السلبيات الأخلاقية والعلاقات الاجتماعية والمشاكل النفسية في الإنسان. فإنكم إن تعوّدتم على إفشاء السلام، واعتراكم غرور من جانب، تأتي عادتكم هذه ولن تسمح بالغرور أن يظهر على سلوككم فتفرض عليكم أن تفشوا السلام بتواضع. فهذه العادة البسيطة في الواقع وقفت مانعا أمام ظهور الغرور وبالتالي سوف يضعف غروركم تلقائيا عندما لا يجد سبيلا لظهوره. كل الخير والصلاح في حسن العادة/ لقد اشتهر بيننا مع الأسف أن العادة غير مطلوبة يقول أمير المؤمنين(ع): «کَفَى بِفِعْلِ الْخَیْرِ حُسْنُ عَادَة» (غررالحکم/ص520/حدیث36) وهذا ما يحكي عن أن الخير كله ينال بحسن العادة. وقال أمير المؤمنين(ع) في حديث آخر: «عَوِّدْ نَفْسَکَ السَّمَاحَ وَ تَخَیَّرْ لَهَا مِنْ کُلِّ خُلُقٍ أَحْسَنَهُ فَإِنَّ الْخَیْرَ عَادَةٌ» (تحف العقول/ص86). فبالرغم من كثرة الروايات التي أكّدت على كسب العادات الحميدة ولكن للأسف قد اشتهر بيننا أن «العادة غير مطلوبة أو عندما يتحول سلوك ما إلى عادة فهو أمر غير ممدوح». نعم! إنّ كسب العادة السيئة عمل سيئ بلا ريب، وحتى بعض العادات الجيدة قد تشكّل مانعا أمام الإنسان من التطور والارتقاء، ولكن يفترض في بداية الأمر أن نلتفت إلى الجوانب الإيجابية وبركات العادات الحسنة، وبعد ذلك نتطرق إلى آفاتها الاحتمالية. إحدى العادات السيئة الرائجة هي التذمّر والتأكيد على تدهور أوضاع المجتمع وأنها تذهب من سيئ إلى أسوأ! الإنسان أسير عاداته حقا. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «لِسَانُکَ یَسْتَدْعِیکَ مَا عَوَّدْتَه» (غرر الحكم/ ص572/ الحديث25). فترى لسان بعض الناس لا ينفكّ عن الجرح والنتر حتى في مزاحه، وترى بعض الناس قد اعتادوا على استخدام بعض العبارات وتعودوا على إيذاء الغير بلسانهم. ومن طبيعة الناس هي أنهم ينجرون من حيث لا يشعرون إلى ما اعتاد عليه لسانهم، فأسلوب تفكيرهم يتبع أسلوب كلامهم وهكذا الحال في روحياتهم فإنها تنظّم على أساس كلامهم وتفكيرهم. فلسان كلّ امرئ يجره إلى نفسه. فعلى سبيل المثال إن عوّدنا لساننا على التذمّر والذمّ والانتقاد، سوف يجرّنا لساننا إلى التشاؤم في مقام التفكير. ولهذا تجدون كثيرا من الناس قد اعتادوا على مشاهدة سلبيّات المجتمع وحسب، فكل ما جلسوا في مكان كالتكسي أو شاحنة المسافرين يبدأون بالانتقاد وأن الأوضاع متدهورة وتذهب إلى الأسوأ يوما بعد يوم! إن هذه لعادة وتمثل أحد أنواع أسلوب الحياة في الكلام. مع الأسف إن أسلوب حياة أكثرنا جعلنا نبدأ الكلام بالانتقاد والكلام السلبي تجاه المجتمع/ ومن طبيعة هذا الأسلوب أن يلحق بنا الحزن والهمّ إن هذا الأسلوب من الكلام الذي يتعاطاه البعض من أن أوضاع المجتمع في تدهور وسقوط، إنما هو تشاؤم وضرب من الأمراض اللسانية التي قد تؤدي إلى مرض نفسي. فهذا يحكي عن أن نظرة هذا الإنسان إلى أوضاع العالم نظرة سلبية. بينما لا يحكي مجمل أوضاع المجتمع بشكل عام عن أنها ذاهبة إلى الدمار والخراب، بل بالعكس فإنها في تحسّن وتطور دائم. ولا يعني هذا الكلام أننا لا نعاني من مشاكل. نعم، نحن نعاني من بعض المشاكل والتحديات ولكن على رغم هذه المصاعب والمشاكل نجد أن حركتنا تتجه صوب التكامل والتطوّر. ومن جانب آخر صحيح أن أسعار البضائع تحكي عن وجود غلاء وتضخم ولكن قد ارتفع المستوى المعيشي للناس نسبة إلى ما كانوا عليه سابقا. فمع الأسف أصبح أسلوب حياتنا هو أن نبدأ الحديث بالتذمر والتشاؤم. فهذا ما سوف يؤثر على روحيتنا ويلحق بنا الحزن والهمّ. فلابد أن نقول إلى هؤلاء المتشائمين: افرحوا وابتهجوا بقدر ارتقاء مستوى معيشتكم واحزنوا بقدر مشاكلكم. فافرحوا بقدر ما تحظون به من إمكانات ووسائل الرفاه واحزنوا على ما حرمتم منه. ولكن ترى هؤلاء المتشائمين في حزن وهمّ دائم بسبب عادتهم على الانتقاد الكثير والتأكيد على السلبيات والنواقص. ترى كثيرا من الناس لا يتحرك لسانهم في الحديث عن إيجابيات المجتمع ونقاط قوته ومحاسنه/ حتى في الدعاء يفترض أن نبدأ بحمد الله وشكر نعمه ثم ننتقل إلى ذكر الحاجات وعرض المشاكل ترى كثيرا من الناس ـ وللأسف ـ لا يتحرك لسانهم في الحديث عن إيجابيات المجتمع ونقاط قوته ومحاسنه، فكأنه قد اعتلّت وسقمت رؤيتهم. ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: «وَ قَلیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ»(سبأ/13). يعوّدنا إسلامنا العزيز على أن نرى نعم الله وفضله علينا في بادئ الأمر لا أن ننظر إلى النواقص والمشاكل. ولهذا قد وصّونا أئمتنا في آداب الدعاء أن ابدأوا دعاءكم بشكر نعم الله عليكم وبعد ذلك اطلبوا حاجاتكم. الدعاء غير المسبوق بشكر النعم قد يجرنا إلى عادة سيئة إن الدعاء عمل صالح بطبيعة حاله، أما إن لم يؤدّ بالشكل الصحيح قد يجرنا إلى عادة سيئة. فعندما يكثر الإنسان طلب الحاجات عند الله سبحانه بلا أن يشكر نعمه عليه أثناء الدعاء، فدائما يقول: «إللهم أخرجني من فقري وأزمتي المالية، وشاف طفلي وحلّ مشكلتي و...» فإن داوم الإنسان على هذا السلوك وهذا النمط من الدعاء قد يؤدي به إلى عادة التشاؤم والنظرة السلبية تجاه أوضاع الحياة. فمن أجل أن لا نتورّط بهذه العادة إثر عرض المشاكل إلى الله سبحانه، علّمنا أهل البيت(ع) أن نبدأ الدعاء بالشكر واستعراض ما رزقنا الله من النعم المادية والمعنوية. وهذا من آداب الدعاء. كما في دعاء الإمام السجاد(ع) المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي، نجد المقاطع الأولى من الدعاء حمدا لله؛ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَدْعُوهُ فِيُجِيبُنِي وَ إِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ يَدْعُونِي وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَسْأَلُهُ فَيُعْطِينِي وَ إِنْ كُنْتُ بَخِيلًا حِينَ يَسْتَقْرِضُنِي وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أُنَادِيهِ كُلَّمَا شِئْتُ لِحَاجَتِي وَ أَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ لِسِرِّي بِغَيْرِ شَفِيعٍ فَيَقْضِي لِي حَاجَتِي الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا أَدْعُو غَيْرَهُ وَ لَوْ دَعَوْتُ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَجِبْ لِي دُعَائِي وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا أَرْجُو غَيْرَهُ وَ لَوْ رَجَوْتُ غَيْرَهُ لَأَخْلَفَ رَجَائِي وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَكَلَنِي إِلَيْهِ فَأَكْرَمَنِي وَ لَمْ يَكِلْنِي إِلَى النَّاسِ فَيُهِينُونِي وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَحَبَّبَ إِلَيَّ وَ هُوَ غَنِيٌّ عَنِّي وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي حَتَّى كَأَنِّي لَا ذَنْبَ لِي فَرَبِّي أَحْمَدُ شَيْءٍ عِنْدِي وَ أَحَقُّ بِحَمْدِي...» وكذلك الحال في باقي أدعية أهل البيت(ع) حيث نجد أنها مليئة بحمد الله. فمن أروع مصاديق حمد الله في الدعاء هو ما نجده في دعاء الإمام الحسين(ع) في يوم عرفة، حیث ابتدأ دعاءه بهذه العبارات: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضَائِهِ دَافِعٌ وَ لَا لِعَطَائِهِ مَانِعٌ وَ لَا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صَانِعٍ وَ هُوَ الْجَوَادُ الْوَاسِعُ فَطَرَ أَجْنَاسَ الْبَدَائِعِ وَ أَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنَائِعَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الطَّلَائِعُ وَ لَا تَضِيعُ عِنْدَهُ الْوَدَائِعُ أَتَى بِالْكِتَابِ الْجَامِعِ وَ بِشَرْعِ الْإِسْلَامِ النُّورِ السَّاطِعِ وَ هُوَ لِلْخَلِيقَةِ صَانِعٌ وَ هُوَ الْمُسْتَعَانُ عَلَى الْفَجَائِعِ جَازِي كُلِّ صَانِعٍ وَ رَائِشُ كُلِّ قَانِعٍ وَ رَاحِمُ كُلِّ ضَارِعٍ وَ مُنْزِلُ الْمَنَافِعِ وَ الْكِتَابِ الْجَامِعِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ وَ هُوَ لِلدَّعَوَاتِ سَامِعٌ [لِلْمُطِيعِينَ نَافِعٌ] وَ لِلدَّرَجَاتِ رَافِعٌ وَ لِلْكُرُبَاتِ دَافِعٌ وَ لِلْجَبَابِرَةِ قَامِعٌ وَ رَاحِمُ عَبْرَةِ كُلِّ ضَارِعٍ وَ دَافِعُ [وَ رَافِعُ] ضَرْعَةِ كُلِّ ضَارِعٍ فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَ لَا شَيْءَ يَعْدِلُهُ وَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الْبَصِيرُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير». يتبع إن شاء الله... |
![]() |
#2 |
موالي فعال
![]() |
![]() أحد أسباب التأكيد على «حمد الله» هو أهمية النظرة الإيجابية والابتعاد عن التشاؤم/ أراد الله أن نعتاد على النظرة الإيجابية، بيد أننا عوّدنا أنفسنا على النظرة السلبية والتشاؤم/ السورة الوحيدة الواجبة في القرآن هي سورة الحمد
أحد أسباب تأكيد الإسلام على الشكر وإظهار الشكر باللسان وتکرار ذكر «الحمد لله»، هو أهميّة النظرة الإيجابية والتفاؤل بالخير وعدم التعوّد على التشاؤم والنظرة السلبية في الحياة. لقد أراد الإسلام أن نعوّد لساننا على ذكر الخير وتسليط الضوء على المحاسن والإيجابيات وحمد الله. السورة الوحيدة الواجبة في القرآن الكريم هي سورة الحمد التي تجب قراءتها في الصلاة يوميا. وقد سميت هذه السورة بسورة «الحمد» وتبدأ بآية «الحمد لله رب العالمين». وهذا يدلّ على أنّ الله ليعوّدنا من خلال هذه السورة على الشكر والنظرة الإيجابية، بيد أنّنا وللأسف نعوّد أنفسنا على التشاؤم والرؤية السلبية. فقد يتصور البعض أنهم لو شكروا الله بألسنتهم، سيتصوّر الله أنه لا مشكلة لهم وعليه فلا يعينهم على حلّ مشاكلهم! بينما الأمر بالعكس تماما. فعندما نشكر الله سبحانه وتعالى: يقول الله لملائكته أن عبدي قد شكرني بالرغم من معاناته كلّها، فيأمرهم بتخفيف بعض المشاكل عنّا. إذ أن الله هو أعلم منا بما نعاني منه من مشاكل، فإن التزمنا بأدب العبوديّة وشكرنا الله سبحانه في خضمّ المشاكل، سوف يزيدنا الله سبحانه من فضله وعونه. ولهذا يقول: «وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکُمْ لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزیدَنَّکُمْ»(إبراهیم/7). إن لم نراقب ما نكسبه من عادات، سوف يُشقينا الشيطان بالعادات السيئة إن لم يبرمج الإنسان لعاداته فقد دخل في مخاطرة كبيرة جدا. فإننا إن لم نبرمج لعاداتنا ولم نكترث بهذا الموضوع يهلكنا الشيطان بتعويدنا على العادات السيئة. فإن الشيطان يقول مع نفسه: يكفي لهذا الإنسان أن يمارس العمل السيئ لعدّة مرات، فعند ذلك لا يستطيع التخلّص منه ويشقى. يتورّط الإنسان ببعض العادات السيئة ـ مع الأسف ـ بسبب الغفلة وعدم الالتفات. فعلى سبيل المثال قد يعتاد البعض على التلهّي بالنظر فإنه لم يعد يشعر باللذة بعد ما تعوّد على هذا العمل، ولكنّه يبقى يمارس هذا السلوك لعادته فقط، فتلحق هذه العادة به أضرارا وصدمات فادحة. وكذلك ترى بعض الفتيات قد تعودن على عدم الالتزام بالحجاب الكامل، فإنهن عندما تعوّدن على هذا السلوك، يصبح الحجاب أصعب عليهنّ. فقد يكون هذا الإنسان المعتاد على هذه العادات السيئة إنسانا صالحا وذا قلب نقيّ وباطن طاهر، ولكن بضع عادات سيئة في اللسان والبصر والسمع بإمكانها أن توقع الإنسان في متاهات وتلحق به أضرارا لا تجبر. أسلوب الحياة مما يأنس به الإنسان/ تكفي بضع عادات سيئة لتَعَس الإنسان/ وكذلك من شأن بضع عادات حميدة أن تنقذ الإنسان من مهالك لماذا أسلوب الحياة أمر مهمّ جدا؟ لأن أسلوب الحياة يعني تلك الأعمال التي يقوم بها الإنسان بشكل مستمرّ وهذا الاستمرار يؤدي إلى تبلور العادات. فأسلوب الحياة مما يأنس به الإنسان، فإننا إذا استأنسنا أسلوب ما في الحياة وكان هذا الأسلوب ينطوي على بعض السلبيات والثغرات، سيفرض هذا الأسلوب بعض العادات السيئة علينا وهي بحد ذاتها كافية لتَعَس الإنسان. ومن جانب آخر إن كان أسلوب حياتنا ينطوي على بعض العادات الحميدة في السلوك أو الكلام أو النظر، سوف تقدر هذه العادات الحميدة على إنقاذنا من بعض المهالك. كل إنسان سوف يبحث عند موته عمّا اعتاد عليه في حياته ترى بعض الناس قد اعتادوا على بعض الأذكار، فعلى سبيل المثال تجدهم يكررون أسماء أهل البيت(ع) عند النوازل والمصائب فيرددون ذكر «يا زهراء» و«يا علي(ع)» و«يا حسين(ع)» دائما، وهذه من العادات الجميلة جدا. في لحظات آخر عمرنا وعند سكرات الموت سوف نعجز عن كلّ شيء ولا يصدر منّا وقتئذ إلا ما اعتدنا عليه طول حياتنا. فسوف تسكن جميع قوانا وإراداتنا إلا ما أنسنا به فلم نعد نقدر على أي عمل آخر. ولهذا ترى بعض الناس عند نزع روحهم يداومون على ذكر «یا حسین(ع)» إذ قد تعوّدوا طيلة حياتهم على أن ينادوا الحسين عند المحن والمصاعب والوحشة. فكل إنسان سوف يبحث عند موته عمّا اعتاد عليه وأنس به في حياته. فإن أنس أحد بأمير المؤمنين(ع)، حينئذ يأتي إليه أمير المؤمنين(ع) عند مماته ويخرجه من وحشته. حيث قال أميرالمؤمنين(ع): «مَنْ أَحَبَّنِی وَجَدَنِی عِنْدَ مَمَاتِهِ حیْثُ یُحِب»(صحیفة الإمام الرضا(ع)/ص86). إن شاء الله عند مماتنا وفي تلك اللحظات الأخيرة التي يهشّ قلب الإنسان إلى ما تعلق به واستأنس به، يضيق صدرنا شوقا إلى جلسات مصائب الحسين(ع)، وإلى المسجد وإلى الصلاة. ذات يوم في الجبهة كنت أنظر إلى أحد الشباب المجاهدين، وإذا بطلقة تصيب في قلبه، فما أن أصيب بقلبه وراح يفارق الحياة نادى ثلاث مرات، علي علي علي، ثم استشهد. هذا هو دور عاداتنا وأنسنا في آخر لحظات الحياة. كانت الزهراء قد فارقت الحياة بحسب الظاهر، فما أن جاءها أمير المؤمنين(ع) أخذ رأسها وتركه في حجره وناداها يا زهراء فلم تكلمه، فناداها يا بنت محمد المصطفى فلم تكلّمه...إلى أن قال لها يا فاطمة كلميني فأنا ابن عمّك عليّ بن أبي طالب، فما إن سمعت فاطمة باسم عليّ، فتحت عينيها ونظرت إليه، وبكت ثم أوصته بالبكاء عليها وولديها الحسن والحسين فقالت: ابكني إن بكيت يا خيرَ هادِ/ واسبل الدمع فهو يوم الفراقِ/ يا قرين البتول أوصيك بالنسلِ/ فقد أصبحا حليفَ اشتياقِ/ ابكني وابكِ لليتامى ولا/ تنسَ قتيلَ العِدى بطفِّ العراقِ. فكأنها أقامت مجلس عزاء في آخر لحظات عمرها، ولعلها كانت تريد أن تخفّف من غليل زوجها حيث كانت تعلم أن لن يتسنّى لعليّ البكاء بسهولة بعد رحيلها، فأين يبكي بعدها أفي المسجد أم في البيت عند أطفاله، أين يبكى علي حزنا على فراق فاطمة؟... ألا لعنة الله على القوم الظالمين. |
![]() |
![]() |
#3 |
موالي فعال
![]() |
![]() بين يديك أيها القارئ الكريم ملخص الجلسة الرابعة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «دور العبادة في أسلوب الحياة» حيث ألقاها في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة طهران، في شهر رمضان عام 1434هـ. وهي وإن كانت تنطوي على بعض الأبحاث الخاصة في شهر رمضان ولكنّها لا تخلو من الكثير من المفاهيم العامّة والمفيدة لجميع الأزمنة، كما إنها تذكّرنا بأيام شهر رمضان والأجواء الروحانية التي كنا نعيشها في تلك الضيافة الرائعة.
ما يقال بأني لا أريد أن أتعود على العمل الصالح الفلاني فليس بصحيح/ بل لابد أن نتعوّد على الأعمال الصالحة ليست العادة أمرا مذموما على الإطلاق، فما يقوله البعض من أني لا أريد أن أعتاد على هذا العمل الصالح أو ذاك فليس بقول صحيح. بل بالعكس، حيث تؤكّد الروايات على ضرورة تعوّد الإنسان على الأعمال الصالحة. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «عوّدوا أنفسكم الخيرَ»[الخرائج والجرائح/ج2/ص596] طبعا وبالتأكيد لابدّ أن نحترز عن العادات السيئة، كما أن التعوّد على الأعمال الصالحة لا يخلو من بعض الآفات والسلبيات وسوف أشير إلى بعض هذه الآفات في تكملة البحث. هناك جهات تبرمج لمختلف عاداتنا من الزيّ والطعام والكلام والعلاقات إلى غيرها من العادات إن لم نبرمج لعاداتنا بأنفسنا، فهناك جهات أخر وراء الكواليس تبرمج لعاداتنا من إبليس الرجيم إلى الصهاينة وباقي شياطين الثقافة الذين يبرمجون لعاداتنا وأسلوب حياتنا في مختلف أرجاء العالم. فترى في كثير من الأفلام يحاولون أن يعوّدونا على بعض الأعمال الباطلة والفارغة التي نحن أجلّ شأنا منها. إنهم يخططون ويبرمجون بشكل جادّ من أجل أن نتعوّد على بعض الأزياء وبعض الأطعمة وبعض العلاقات وبعض أساليب الكلام. فإن لم نبرمج لعاداتنا السلوكية التي هي أحد وجوه أسلوب الحياة، تأتي جهات أخرى وتقوم حينئذ بهذا المهمّ. وحتى بغض النظر عن تلك الجهات ولا سيما الصهاينة الذين يخططون في سبيل حرف أسلوب حياة شعوب العالم إلى ما يشاؤون، فحتى لو لم نأخذ هذا العامل بعين الاعتبار، إن نفسنا الأمارة بحدّ ذاتها مستعدة لتعودينا على بعض السيئات. لابد أن نكون في مقاومة مستمرة أمام تبلور العادات السيئة في وجودنا لابدّ أن نكون في مقاومة مستمرّة أمام تبلور العادات السيئة في وجودنا. حيث تتبلور بعض العادات في نفوسنا تلقائيا ولن نقدر على اجتثاثها بعد، فنصبح كالأسرى بيدها. فإن أهمل الإنسان نفسه، تتبلور العادات في كيانه بلا إرادة. وإذا لم نراقب أنفسنا ما هي إلا فترة وإذا بالعادات السيئة والخاطئة نجدها تحيط بنا وتكوّن شخصيتنا بمقتضاها. فعلى سبيل المثال ما أكثر الأشخاص الذين لا يقدرون على دفع التثاؤب عن أنفسهم بسبب عادتهم فلا يستطيعون أن يسيطروا على أنفسهم أمام الآخرين، ولكن ينقل عن الإمام الخميني(ره) أنه لم ير أحد تثاؤبه أبدا، فإنه كان قد سيطر حتى على تثاؤبه. العادات السيئة تقف مانعا أمام التوبة الصحيحة، إذ تفرض على الإنسان أن يرجع إلى ما تعوّد عليه/ إن ترك العادة أشبه بالمعجزة أحيانا نجتنب عن بعض السيئات مخافة أن يلحق بنا ضررها الأخروي أو خشية على سمعتنا، وكلا الدافعين جيدان. ولكن هناك دافع آخر حري بنا أن نجتنب السيئات بسببه، وهو أن نجتنب السيئات مخافة أن نتعوّد عليها. فإذا اعتاد الإنسان على سيئة ما، سوف لا تكون توبته عنها توبة صحيحة، وإذا تاب يرجع إلى تلك المعصية مرة أخرى، إذ قد تعوّد عليها. إن حياتنا مليئة بمختلف العادات، فحري بنا أن نكون على حذر شديد من التورط بالعادات السيئة إذ إن ترك العادة أشبه بالمعجزة «ردُّ المُعتادِ عَن عادَاتَهِ كالمُعجِز»[تحف العقول/ص489]. بعض العادات الشائعة من العادات السيئة التي تورط بها كثير منا هو أننا اعتدنا على أن ننام حتى يوقظنا أحد أو يوقظنا جرس الساعة، وكذلك تعودنا على أن نأكل حتى نشبع تماما. أو أننا اعتدنا على أن نستمع أيّ حديث فقد أطلقنا سراح سماعنا ليسمع ما يشاء. أو اعتاد بعض الناس على مشاهدة أي فيلم ومسلسل، بينما ينبغي للإنسان أن يرى هل هذا الفيلم صالح وهل ينفعه أم لا، وهل هناك ضرورة لمشاهدته أم لا، أوليس له عمل أكثر ضرورة من الفيلم. وهل هذه الساعة هي ساعة استراحته ونزهته، فلابدّ أن نأخذ بعين الاعتبار كثيرا من هذه الملاحظات. إن ترك العادات السيئة من أفضل العبادة/ لابدّ أن نبرمج من أجل ترك العادات السيئة يقول أمير المؤمنين(ع) في أهمية مواجهة العادات السيئة: «أفضَلُ العِبادَةِ غَلبَةُ العَادَةِ»[غرر الحكم/ص187/ح45] إذن لابدّ أن نسعى ونكسر عاداتنا الباطلة، وإن كسر هذه العادات التي هي من الصعوبة بمكان حيث عبروا عنها بأنها كالمعجز، أفضل عبادة. يتبع إن شاء الله... |
![]() |
![]() |
#4 |
موالي فعال
![]() |
![]() لابدّ أن نبرمج في سبيل ترك عاداتنا السيئة. لابدّ أن نتعرف على عاداتنا السيئة ونشخصها أولا، وبعد ذلك نسعى لمحاربتها وتغييرها. فليستعن الرجال والنساء بأزواجهم في مسار ترك عاداتهم السيئة. وليستعن الأولاد بآبائهم وأمهاتهم في سبيل ترك عاداتهم السيئة.
يقول أمير المؤمنين(ع): «خالِف سوءَ عادَتِكَ تَزْكُ نَفْسُك»[غرر الحكم/ص338/ح44] وأنتم تعلمون أن تزكية النفس تمثل أحد الأهداف العالية في رسالة الأنبياء. وفي المقابل إن لم يحارب أحد عاداته السيئة ولم يهذب نفسه، تفضحه عاداته السيئة وتذهب بماء وجهه. «مَنْ لم یُهَذّبْ نَفْسُهُ فَضَحَهُ سُوءُ العَادَة»[غرر الحكم/ص666/ح1517] إن الجوع لنعم العون على كسر العادات والسيطرة على النفس/ يتيسر لنا تغيير عاداتنا وأخلاقنا السيئة في شهر رمضان من هنا بودّي أن انطلق إلى موضوع دور العبادة ولا سيما الصيام في عاداتنا وأسلوب حياتنا لأرى ما هو دورها في أسلوب الحياة. يقول أمير المؤمنين(ع): «نِعمَ العَونُ على أسرِ النَّفسِ وَكَسْرِ عادَتِها التجوّع»[عيون الحكم/ ص494]. إن الصوم يمنح الإنسان قوّة يقدر بها على تغيير عاداته. ولهذا يتيسر لنا تغيير عاداتنا وأخلاقنا السيئة في شهر رمضان. إن صوم شهر رمضان والضعف الذي يلحق بالإنسان إثر ذاك الجوع يعين الإنسان على تغيير عاداته الكلامية والسلوكية. كما أن أجواء شهر رمضان وخصائصه الأخرى أيضا تعيننا في هذا المسار، فعلى سبيل المثال من المحبّذ جدا أن تكون وجبة طعامنا في أول الليل وبعد المغرب مباشرة، إذ إن الأكل في آخر الليل مضرّ جدا. ويا حبّذا لو احتفظنا بهذه العادة بعد شهر رمضان أيضا ونتعشّى في أول الليل. إن حذف وجبة الغداء من برنامج الطعام اليومي من العادات الحسنة التي يعطيها لنا شهر رمضان/ على أساس رواياتنا تكفي جسم الإنسان وجبتا الفطور والعشاء في الصبح والمساء من العادات الحسنة التي يعطيها لنا شهر رمضان هي أنه يمنعنا من تناول الطعام أثناء النهار ويحذف وجبة الغداء من البرنامج، فيا حبذا لو استمرنا على هذه العادة بعد شهر رمضان أيضا وحذفنا وجبة الغداء من البرنامج، فنكتفي بأكل بعض الفواكه ظهرا؛ حيث قد جاءت بعض التوصيات في الروايات أن اكتفوا بوجبتي الصبح والعشاء «شَکَوْتُ إِلَى أَبِی عَبْدِ اللَّهِ ع مَا أَلْقَى مِنَ الْأَوْجَاعِ وَ التُّخَمِ فَقَالَ لِی تَغَدَّ وَ تَعَشَّ وَ لَا تَأْکُلْ بَیْنَهُمَا شَیْئاً فَإِنَّ فِیهِ فَسَادَ الْبَدَنِ أَ مَا سَمِعْتَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ- لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِیها بُکْرَةً وَ عَشِیًّا»[الكافي/ج6/ص288]. كما جاء في رسالة توضيح المسائل للإمام الخميني(ره) في المسألة 2636: «...الخامس عشر: أن يأكل في أول النهار وأول الليل ولا يأكل بين النهار وبين الليل شيئا». ولكن قد اعتدنا مع الأسف على أن نأكل ثلاث وجبات في اليوم وتعوّدنا على وجبة الغداء ونتصور أن جسمنا بحاجة إليها. واحدة أخرى من العادات الحسنة التي يقدّمها لنا شهر رمضان، هي الاستيقاظ عند السحر. طبعا لعلّ أكثر ما يوقظنا عند السحر في شهر رمضان هو تناول السحور، ولكن يا حبّذا لو استمرنا على هذه العادة بعد هذا الشهر المبارك حيث إنها سوف تجلب لنا بركات كثيرة جدا. الإنسان الأكّال عاجز في عملية تغيير عاداته السلوكية/ إن الجوع بحدّ ذاته يقوي الروح على مجابهة العادات وتغييرها إن شهر رمضان وعبر تغييره المباشر لبرنامجنا اليوميّ، بات يصلح بعض عاداتنا الخاطئة، ولكن مضافا إلى هذا نفس الجوع ذاته سواء أكان جوع الصيام أو غيره يقوّي روح الإنسان ويمكّنه من تغيير عاداته. فإن الإنسان الأكّال عاجز في عملية تغيير عاداته السلوكية. إن الجوع يزيد من قوة روح الإنسان ويعينه على تغيير عاداته. قللوا من أكلكم لفترة وشاهدوا آثاره على أنفسكم. هناك وصيتان رائعتان وصلت إلينا في هذا المجال وهي أن لا يأكل الإنسان ما لم يجع، ويكفّ عن الطعام قبل أن يشبع. فقال أمير المؤمنين (ع): «لا تجلس عن الطعام إلا وأنت جائع ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه.»[وسائل الشيعة/ج24/ص245] لقد بلغ التعود على الشبع لدى البعض إلى درجة بحيث يغضب وتسوء أخلاقه إن جاع إن الإنسان العاجز عن تحمل الجوع لا يقدر على تغيير عاداته الأخلاقية والسلوكية والكلامية. فتجد بعض الناس ـ وللإسف ـ قد بلغ به التعود على الشبع إلى درجة بحيث يغضب وتسوء أخلاقه إن جاع! وكأنه لم ينو في طول عمره أن يجرب الجوع ويتحمّله. بينما حري بالإنسان أن يرحّب بالجوع ويشكر الله على توفيق الجوع في ضيافة شهر رمضان. يدفع الجوع كثيرا من سموم البدن بغض النظر عن الآثار والبركات التي يتركها الجوع في روح الإنسان، إنه مفيد لجسم الإنسان أيضا ولا سيما في أيّام الصيف الطويلة حيث إنه يدفع كثيرا من سموم البدن ويطهّره من كثير من التلوثات. يقول بعض الأطباء: إن رائحة فم الصائم علامة لدفع كثير من سموم البدن. وقد قال رسول الله(ص): «صوموا تصحّوا»[دعوات الراوندي/ص76] وقد تحدث الأطباء كثيرا ولا سيما في الآونة الأخيرة عن فوائد الجوع على جسم الإنسان. حققوا جيدا وتأكدوا من كون الصيام مضرا لكم/فعسى أن يكون الصيام سببا للشفاء من أمراض كثيرة ينبغي للإنسان المريض أن يحقّق ويتأكد من كون الصيام مضرّا لمرضه ولا يكتفي بقول طبيب واحد. إذ في كثير من الأحيان ليس الجوع والصيام مضرا للمريض فحسب بل إنه مفيد، وعسى أن يكون سببا للشفاء من أمراض كثيرة. فقد قال الإمام الرضا(ع): «الحمية رأس كل دواء»[فقه الرضا/ص340]. ولهذا إذا منعكم الطبيب عن الصيام، ينبغي لكم أن تحققوا في الموضوع أكثر فلعلّ طبيبا آخر لا يمنعكم عنه بل يعتبره مفيدا لمرضكم. حتى سمعت بعض الأطباء أنّ مشكلة الكلى ليست من قلة شرب الماء والعطش، بل لها أسباب أخرى. طبعا وبالتأكيد إن منعكم الطبيب من الصيام واطمأنتم بصحة قوله لا يجوز لكم الصيام وهذا هو حكم الإسلام. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا بالصحة والعافية لئلا نحرم من بركات الصوم وإذا كان لابدّ من الأمراض فأسأله أن يجعل شفاءها في الصوم والحمية. يتبع إن شاء الله... |
![]() |
![]() |
#5 |
موالي فعال
![]() |
![]() إن من يعجز عن ترك عاداته السيئة في الجوع الحاصل من الصيام، هل يقدر على ذلك في حال الشبع؟!
كما أن جوع الصيام يعين الإنسان على صحته وقوّته البدنية، كذلك يقوّيه على المستوى الروحي، فيقوى بذلك على تغيير عاداته. إن من صام في شهر رمضان المبارك ثلاثين يوما ولا سيما في هذا الصيف اللاهب، ثم لم يستطع أن يغيّر أخلاقه في هذه الفرصة النادرة، فهل يقدر على تغيير نفسه في غير هذا الشهر المبارك؟ ومن عجز عن ترك عاداته السيئة في الجوع الحاصل من الصيام، هل يقدر على ذلك في حال الشبع؟! إن ترك العادات السيئة بحاجة إلى جهاد أساسا لابدّ أن نعدّ برنامجا من أجل تغيير عاداتنا، بل يا حبذا لو نبّهنا إخواننا وأحبائنا على عاداتهم السيئة. من جملة هذه العادات السيئة هي أن يتعوّد الإنسان على عدم إكمال أعماله وعدم إنجازها بشكل كامل. فعلى سبيل المثال ينبغي لطلاب المدرسة والجامعة أن يتعودوا على إنجاز تكاليفهم وواجبهم بشكل كامل ويحاولوا منذ البداية أن لا تحصل لديهم هذه العادة السيئة. فمن أجل ترك العادات السيئة لابدّ للإنسان أن يجاهد ويتحمل المصاعب. يقول الإمام الصادق(ع): «بِالْمُجَاهَدَةِ یُغْلَبُ سُوءُ الْعَادَة»[مجموعه ورام/ج2/ص119] آية الله العظمى البروجردي(ره): إذا غضبت مرة أخرى أصوم ثلاثة أيام. من جملة ما كان يمارسه الأولياء هو أنه عندما كانوا يعزمون على ترك عادة ما، كانوا يشترطون على أنفسهم بعض العقوبات. فعلى سبيل المثال ينقل عن السيد البروجردي(ره) أنه كان يغضب أحيانا على بعض تلاميذه إذا سألوا سؤالا غير مربوط. فعهد على نفسه أن يصوم ثلاثة أيام إن غضب مرة أخرى، وكان يعمل بعهده. اجعلوا ترك الشهوات أجمل عاداتكم يقول أمير المؤمنين(ع): «تَرْکُ الشَّهَوَاتِ أَفْضَلُ عِبَادَةٍ وَ أَجْمَلُ عَادَةٍ»[غررالحکم/ص320/ح65]، فيا حبّذا لو جعلنا ترك الشهوات أجمل عادتنا، فنتعوّد على ترك الشهوات وما تشتهيه الأنفس؛ لا أن نتعوّد على تلبية الرغائب ونيل اللذائذ. نماذج من جهاد الإمام الخميني(ره) لنفسه يوجد هناك من لا يستمع الموسيقى حتى الحلال منها لأنه يستلذّها. ينقل عن الإمام الخميني(ره) أنه كان يحب مرقة السبزي[1] كثيرا. ذات يوم قدموا له هذه المرقة مضافا إلى الخبز واللبن. فرأوا الإمام لم يمدّ يده إلى المرقة وبدأ بالخبز واللبن. فقالوا له: ألا تحب هذه المرقة فلماذا لا تأكل منها؟ فقال: تركتها لأني أحبّها! وكذلك نجل الشيخ آية الله البهجت(ره) قال: كان أبي صديق الإمام كثيرا. فطلبت من أبي ذات مرّة أن ينقل لي عن الإمام شيئا. فقال لي: كنت ضيفا عند الإمام وكان قد قدم لنا مرقة السبزي ولكنه لم يذقها. فسألته عن السبب. فقال لي: أحبّها كثيرا فأردت أن لا أذقها. (لقاء حجة الإسلام علي بهجت مع وكالة فارس للأنباء بمناسبة الذكرى الرابعة لارتحال الشيخ بهجت(ره)) إن من تعوّد على ترك الشهوات، سيزيده الله حلاوة في حياته إذا تعوّد الإنسان على ترك الشهوات وراح يبتعد عن اللذائذ والرغائب، سوف تحلو حياة هذا الإنسان. إذ قد قدر الله سبحانه أن يزيد حياته حلاوة ورغدا، ولكن الله يحلّي حياة هذا الإنسان بطريقته وأسلوبه. فلعله يحلّي حياته بفتح باب مناجاة هذا العبد مع ربّه، كما نقول في أسحار شهر رمضان: «مَوْلَایَ بِذِکْرِکَ عَاشَ قَلْبِی»[مصباح المتهجد/ج2/ص592] إلهي حلّ وأرغد حياتنا بذكرك. إلهي أذقنا مرارة كل حلاوة غيرك. اللهم لا تجعلنا ممن خدعه الشيطان. صلى الله عليك يا أبا عبد الله هل تصدقون أنّ سيد الشهداء(ع) الذي استشهد من أجل عزته وقال: «هیهات منا الذلة»، يسأل عدوّه شيئا؟! فليس هو ممن يسأل العدوّ إلا أن يضطر لأمر مهمّ جدّا. لقد سجل التاريخ للإمام أن سأل أعداءه مرتين، إحداهما قطعية والثانية غير قطعية. السؤال الأول الذي لا شك فيه هو أنه قال لأخيه العباس: «ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُؤَخِّرَهُمْ إِلَى الْغُدْوَةِ وَ تَدْفَعَهُمْ عَنَّا الْعَشِيَّةَ لَعَلَّنَا نُصَلِّي لِرَبِّنَا اللَّيْلَةَ وَ نَدْعُوهُ وَ نَسْتَغْفِرُهُ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أُحِبُ الصَّلَاةَ لَهُ وَ تِلَاوَةَ كِتَابِهِ وَ الدُّعَاءَ وَ الِاسْتِغْفَارَ»[الإرشاد/ج2/ص91]. ولعل أبا عبد الله الحسين(ع) كان قد لاحظ قلب الحوراء زينب في هذا السؤال والطلب وأراد لها أن تودّعه وداعا كاملا في تلك الليلة فهي آخر ليلة تسمع فيها صوت الحسين(ع) إذ يتلو القرآن. إن حلاوة العبادة والصلاة وقراءة القرآن قد تبلغ بدرجة من الشدة ما قد تجعل الإمام يستمهل عدوّه ليلة شوقا إلى الصلاة والعبادة. وهناك سؤال آخر سجلته بعض الأخبار ولعله لم يحدث، وهو عندما اشتدّ العطش بولده الرضيع، خاطب القوم وقال: «أما ترونه يتلظى عطشا». وحاشا الإمام أن يذلّ نفسه أمام أعدائه، ولكنه أراد أن يتمّ الحجة عليهم. فكأنه أراد أن يقول لهم: لقد حاربتموني وقتلتموني مخافة أن تتكرر عليكم حكومة علي(ع)، ولكن ما عداؤكم لهذا الطفل الرضيع؛ «إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل». فاختلف العسكر فيما بينهم ولأول مرة تقع مثل هذه الفتنة بينهم، فصاح ابن سعد في حرملة بن كاهل: اقطع نزاع القوم. قال فوضعت السهم في كبد القوس وقلت: أللوالد أم الولد؟! قال: بل الولد. فرميته وهو في حجر أبيه فذبحته من الوريد إلى الوريد. ألا لعنة الله على القوم الظالمين. [1]. وهي من الأمراق الإيرانية اللذيذة وتشبه مرقة الإسبيناغ العراقية بلونها وطعمها. |
![]() |
![]() |
#6 |
موالي فعال
![]() |
![]() بين يديك أيها القارئ الكريم ملخص الجلسة الخامسة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «دور العبادة في أسلوب الحياة» حيث ألقاها في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة طهران، في شهر رمضان عام 1434هـ. وهي وإن كانت تنطوي على بعض الأبحاث الخاصة في شهر رمضان ولكنّها لا تخلو من الكثير من المفاهيم العامّة والمفيدة لجميع الأزمنة، كما إنها تذكّرنا بأيام شهر رمضان والأجواء الروحانية التي كنا نعيشها في تلك الضيافة الرائعة. إن دور العبادة في تكوين أسلوب حياة الإنسان كدور الهيكل الحديدي للبناء إن دور العبادة في تكوين أسلوب حياة المسلم كشأن الهيكل الحديدي أو الكنكريتي بالنسبة إلى البناء. فباقي أجزاء البناء من اللَبِنات والأبواب والشبابيك وإن كان لها شأنها في إكمال البناء، أما استحكام البناء فهو على عاتق الهيكل الحديدي أو الكنكريتي في البناء. فإذا كان الهيكل محكما، يمكن ترميم باقي الأجزاء وتجديدها حتى وإن مرّ على عمر البناء مئة سنة. وإن لم يكن كذلك، فلابدّ من هدم البناء من الأساس إن أردنا تجديده. إن الصلاة هي التي قادرة على حفظ سائر أجزاء الحياة في الزلازل والهزائز والأزمات التي تعتري حياة الإنسان لاشك في أن العبادة هي جزء من حياتنا ولا تشملها بشكل كامل. فتنطوي حياتنا على أجزاء أخرى من قبيل النوم وأكل الطعام والعمل والنزهة والضيافة وغيرها. ولكن العبادة هي أكثرها استحكاما ومتانة، فإذا اعتنى الإنسان بالعبادة جيدا، فكأنه أقام هيكلا حديديا محكما بين جميع أجزاء حياته، فإذا ابتلت حياته بزلزلة أو أزمة، سوف يحافظ هذا الهيكل على باقي الأجزاء. إن الصلاة هي التي قادرة على حفظ سائر أجزاء الحياة في الزلازل والهزائز والأزمات التي تعتري حياة الإنسان. فإذا تغيّرت أو هدّمت بعض أجزاء حياة الإنسان، لن يفقد شخصيته ما دام الهيكل محكما. ولهذا نرى البعض يصاب بمرض النسيان ولكن يبقى نبها لصلاته وهي آخر ما ينساه من شؤون حياته، فتحافظ صلاته على قوام شخصيته لفترة طويلة. إن جميع الصائمين الذين يقيمون مراسم عيد النوروز يعلمون أن لا قياس بين أثر مائدة سبع سينات وبين سفرة الإفطار في تعزيز الروح/ أثر العبادة في استحكام شخصية الإنسان وترسيخ هويته إن مختلف أجزاء حياتنا ليست سواء في قيمتها وأثرها على استحكام شخصية الإنسان وترسيخ هويته. إن الصلاة تشكل الهيكل الحديدي أو الكنكريتي الذي يمسك باقي أجزاء البناء. وكذلك صيام شهر رمضان حيث إنه يشكل جزء من هذا الهيكل المحكم. إن جميع المؤمنين الصائمين الذين يقيمون مراسم عيد النوروز يعلمون جيدا أن مهما تقيدوا بمائدة سبع سينات (هفت سين)، لن تشقّ هذه المائدة غبار مائدة الإفطار ولا يمكن قياسها بأثرها الراسخ في الروح. فكثير من الذين يبسطون مائدة سبع سينات يجلسون حولها بضحك ومزاح ولا يشعرون أنها مائدة مباركة، ولكنهم عندما يجلسون حول مائدة الإفطار يذكرون الله ويشعرون بأنهم يقومون بعمل مستحب ذي أجر عظيم. إن كان لابدّ من وجود قسم ثابت في حياتنا، فلمَ لا تشكل العبادة هذا القسم؟! بعد أن دخلنا في هذا العالم، يبدو أن لا مناص لنا من الحياة ولابدّ من تنظيمها. ومن جانب آخر لا يمكن أن تكون جميع أجزاء الحياة متغيرات لا ثابت فيها، إذ عند ذلك سوف يشعر الإنسان بالحيرة وانعدام الهوية. إذن لابدّ أن تكون بعض أجزاء حياتنا ثابتة مستحكمة بلا تغيير. فإذا كان لابدّ من وجود بعض الأجزاء الثابتة في حياتنا، فلم لا تكون العبادة هي الجزء الثابت والمحكم في حياتنا الذي سوف نتّكل عليه كثيرا بمقتضى ثباته واستحكامه؟ إن ما يترتب على الصلاة والعبادة من أثر فوري وسريع على المستوى الحياة الدنيا ليس بهيّن أبدا إن ما يترتب على الصلاة ـ حتى هذه الصلاة العارية من حضور القلب ولا يدرى هل ستُقبَل أم لا ـ من أثر فوري وسريع على امطئناننا الروحي في هذه الدنيا ليس بهين أبدا. إنها تمنح الإنسان اطمئنانا واستقرارا يقدر بهما على الحياة.
طبعا إثبات هذه الحقيقة تجريبيا بحاجة إلى دقة وتعمق كثيرين، ولابدّ من وجود أجهزة دقيقة جدا من أجل كشف الفارق الكبير بين حياة الإنسان المصلّي وحياة التارك للصلاة. ولهذا فإن أراد أحد أن يقارن بين الحياتين بسذاجة وسطحية، قد ينكر هذا الفارق الكبير ويقول حتى البهائم يعيشون بلا مشكلة فما بالك بتاركي الصلاة فما الداعي لها؟ يتبع إن شاء الله.. |
![]() |
![]() |
#7 |
موالي فعال
![]() |
![]() يعتقد علماء النفس اليوم أن نزعة العبادة لدى الإنسان هي نزعة مستقلة إلى جانب سائر غرائز الإنسان
لقد توصل علماء النفس اليوم إلى نتائج لطيفة في نزعة العبادة لدى الإنسان، حيث يعتبرونها نزعة مستقلة إلى جانب سائر غرائز الإنسان الطبيعية وهو بحاجة إليها. طبعا لم يبالوا هؤلاء العلماء بأدلة العبادة وأنه عمل صالح أم لا، بل قد جربوا هذه الحقيقة في حياة الناس ولمسوها عبر تجاربهم. فخرجوا بهذه النتيجة وهي أن هذا الإنسان الذي درسنا أحواله سيزداد هدوء واطمئنانا فيما إذا كان لديه برنامج عبادي. وقد زاد علماء النفس على ذلك وقالوا إذا كان لديك برنامج ثابت عبادي يوميا أو اسبوعيا، ففي تلك الساعة المعينة التي تباشر فيها بعبادتك، يرسل دماغك إيعازا فتخرج إفرازات مهدئة في الدم كالنوكيتين مثلا وهذا ما يسبب راحة جسم الإنسان واستقراره. فالبرنامج الثابت العبادي يؤدي إلى ارتياح جسم الإنسان فضلا عن روحه. لعلكم تتساءلون لماذا أن الله سبحانه وتعالى قد أكد على أوقات الصلاة بهذا القدر؟ ولماذا أعدّ لنا برنامجا أسبوعيا للعبادة؟ أو لماذا يجب أن نتوجه إلى الكعبة أثناء الصلاة؟ فلعلّ أحد أدلته ـ على أساس مقالات بعض المحققين ـ هو أن الكعبة لها ارتباط فسلجي بجسم الإنسان. إن العبادة تنظم روح الإنسان ونفسيته وترشّد حياته إن العبادة تنظم روح الإنسان ونفسيته وترشّد حياته. والمقصود من تنظيم نفسية الإنسان، هو الآثار العصبية التي يتركه سلوك الإنسان على روحه ونفسيته. فمن بين جميع الأفعال الدائمية واليومية التي نمارسها، تؤدي العبادة دورا رئيسا ومهما جدا في ترسيخ دعائم حياة الإنسان واستقراره الروحي وحتى صحته الجسميّة. إن موقع عباداتنا الأساسية والمحورية بالنسبة إلى سائر أعمالنا اليومية الثابتة كشأن أركان البناء. فمن هذا المنطلق تمثل الصلاة في حياتنا دور الركن والعمود، ومن ترك الصلاة ستختلّ أجزاء مهمّة من حياته في هذه الدنيا فضلا عن الآخرة. إن إسلوب الحياة يمنح الإنسان هوية وثباتا كما يقوم بتنظيم حياته/ إن للعبادة موقعا أساسيا في أسلوب الحياة بغض النظر عن الآثار الأخروية والمعنوية والروحية التي تتركها العبادة وأسلوب الحياة، إن أسلوب الحياة يمنح الإنسان هويّة وثباتا كما يقوم بتنظيم حياته. فمن هذا المنطلق إذا كان أسلوب حياتنا غير صائب، عند ذلك تتّجه حياتنا إلى غير صواب بطبيعة الحال، فتعتلّ شخصيّة الإنسان وتضطرب نفسيته. وللعبادة موقع أساسي في أسلوب الحياة. لماذا نجد كثيرا من عباداتنا تكرارية ودائمية لماذا نجد كثيرا من عباداتنا تكرارية ودائمية؟ فقد جعلت كذلك من أجل أن تقدر على أداء دورها المهمّ في أسلوب حياتنا. وهنا لابدّ لي أن أشير إلى بعض المسائل حتى نعرف قيمة الصلاة أكثر؛ حيث إننا لا نستطيع أن نؤدي شكر نعمة وجوب الصلاة، ولهذا لا ينبغي أن تنسوا سجدة الشكر بعد كلّ صلاة. إن العمل المداوم هو الذي يدخل في منظومة أسلوب حياتنا وهو الذي سوف يؤثر أثرا عميقا في هويتنا وشخصيتنا. وقد بلغتنا روايات كثيرة عن أئمة الهدى(ع) تؤكّد على دوام العمل الصالح. فقد روي عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ عَمَلٍ يُدَاوَمُ عَلَيْهِ وَ إِنْ قَلّ»[الكافي/ج2/ص72] فعلى أساس هذه الرواية، إذا تعوّد أحد على دفع الصدقة كلّ ليلة جمعة، كان عمله أحب عند الله من الآخر الذي يتصدق في كل سنة مرة واحدة، حتى وإن كان مبلغ صدقته أضعاف مبلغ الأوّل. فإن الله لا يبالي بالأسلوب الثاني ولا يعتني كثيرا بكميّة المبلغ بقدر ما يهتمّ بدوام العمل والتعوّد عليه. وكذلك قد ترى البعض يقرأ زيارة مفصلة طويلة كزيارة الجامعة مثلا بين حين وأخرى ولا على الدوام، وفي المقابل يلتزم أحد آخر بأن يسلّم على أبي عبد الله الحسين(ع) يوميا ويقول: «صلى الله عليك يا أبا عبد الله». أو يقول: «السلام علیکم يا أهل بيت النبوة». فلا شك في أن عمل الثاني أعظم عند الله، حيث إنه مداوم عليه وإن قلّ. وكذلك روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «إياك أن تفرض على نفسك فريضة فتقارقها إثنى عشر هلالا»[مفتاح الفلاح في ترجمة مفتاح الفلاح/ المقدمة2/ص43]. فإذا أراد الإنسان أن لا يستمرّ على عمل طيلة حياته، لابدّ أن لا يقطعه قبل سنة، فلعل السبب في ذلك هو أنّ العمل الصالح لا يؤثر تأثيره في روح الإنسان ما لم يداوم عليه عاما كاملا. و قد أشار الإمام الصادق(ع) في حديث آخر إلى حکمة المداومة سنةً فقال: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَدُمْ عَلَيْهِ سَنَةً ثُمَّ يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ إِلَى غَيْرِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَكُونُ فِيهَا فِي عَامِهِ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ.»[الكافي/ج2/ص82]. |
![]() |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |