![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
المناظرة الثالثة والخمسون
مناظرة الكراجكي مع رجل من العامة قال الشيخ الكراجكي (1) ـ اعلى الله مقامه ـ : سألني رجل من أهل الخلاف فقال : إنا نراكم معشر الشيعة تكثرون القول بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان ، وتناظرون على ذلك ، وترددون هذا الكلام ، وإطلاق هذا اللفظ منكم يضاد مذهبكم ، ويناقض معتقدكم ، ولستم تعلمون أن التفضيل بين الشيئين لا يكون إلا وقد شمل الفضل لهما ، ثم زاد في الفضل أحدهما على صاحبه ، وأن ذلك لا يجوز مع تعرّي أحدهما من خلال الفضل على كل حال ، لِمَ جهلتم ذلك من معنى الكلام ؟ فإن زعمتم أن لابي بكر وعمر وعثمان قسطا من الفضل يشملهم به ، يصح به القول أن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أفضلهم ، تركتم مذهبكم وخالفتم سلفكم ، وإن مضيتم على أصلكم ونفيتم عنهم جميع خلال الفضل على ما عهد من قولكم لم يصح القول بأن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أفضل منهم. فقلت له : ليس في إطلاق أن القول بأن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان ما يوجب على قائله ماذكرتم فيالسؤال. والشيعة أعرف من خصومهم بمواقع الالفاظ ومعاني الكلام ، وذلك : أن التفضيل ، وإن كان كما وصفت يكون بين الشيئين إذا اشتركا في الفضل وزاد أحدهما على الاخر فيه ، فقد يصح أيضا فيهما إذا اختص بالفضل أحدهما ، وعرى الاخر منه ، ويكون معنى قول القائل : هذا أفضل من هذا ، أنه الفاضل دونه ، وأن الاخر لا فضل له ، وليس في هذا خروج عن لسان العرب ، ولا مخالفة لكلامها ، وكتاب الله تعالى يشهد به ، وأن أشعار المتقدمين يتضمنه ، قال الله جلّ اسمه : ( أصحاب الجنة يومئذٍ خيرٌ مستقرا وأحسنُ مقيلاً ) (2). يعني أنهم خير من أصحاب النار ، وقد علم أن أصحاب النار أصحاب شر ، ولا خير فيهم. ووصف النار في آية أخرى فقال : ( بل كـذبوا بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ، إذا رأتهم من كان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) إلى قوله ( وادعوا ثبورا ) (3) ثم قال : ( قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون ، كانت لهم جزأً ومصيرا ) (4). فذكر سبحانه أن الجنة وما أعد فيها خير من النار ، ونحن نعلم أنه لا خير في النار. وقال تعالى في آيةٍ أُخرى : ( قل أفأنبئكم بشرٍ من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا ، وبئس المصير ) (5). وقال : ( وهـو أهـون عليه ) (6). والمعنى في ذلك هين ، لان شيئا لا يكون أهون على الله من شيء ، فكذلك قولنا : هذا أفضل ، يكون المراد به هذا الفاضل. وليس بعد إيراد هذه الايات لبسٌ في السؤال يعترض العاقل ، وقد قال حسان بن ثابت في رجل هجا سيدنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ من المشركين : هجوتَ محمدا برا تقيـا * وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفـؤ * فشركما لخيركما فداء (7) وقد علمنا أنه لا شر في النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، ولا خير فيمن هجاه. وقال غيره من الجاهلية : خالي بنو أنَسٍ وخال سراتهم * أوس ، فأيهما أدق وألأم يريد فأيهما الدقيق واللئيم ، وليس المعنى فيه أن الدقة واللؤم قد اشتملا عليهما ثم زاد أحدهما على صاحبه فيهما. وعلى هذا المعنى فسرَّ عثمان بن الجني (8) قول المتنبي : أعق خليليه الصفيين لائمه. وأنهما لم يشتركا في العقوق ثم زاد أحدهما على الاخر صاحبه فيه ، مع كونهما خليلين صفيين ، وإنمـا المـراد إن الذي يستحيل منهما عن الصفا ، فيصير عاقّا لائمه. والشواهد في ذلك كثيرة ، وفيما أوردته منها كفاية في إبطال ما ألزمت ، ودلالة على أن الشيعة في قولها إن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان ، لم تناقض لها مذهبا ، ولا خالفت معتقدا ، وإن المراد بذلك أنه الفاضل دونهم ، والمختص بهذا الوصف عنهم ، فتأمل ذلك تجده صحيحا ، والحمد لله. على أن من الشيعة من امتنع من إطلاق هذا المقال عند تحقيق الكلام ، ويقول في الجملة : إنه ـ عليه السلام ـ بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أفضل الناس ، فسؤالك ساقط عنه ، إذ كان لا يلفظ بما ذكرته إلاّ على المجاز. فلما سمع السائل الجواب اعترف بأنه الصواب ، ولم يزد حرفا في هذا الباب ، والحمد لله على خيرته من خلقه سيدنا محمد رسوله وآله الطيبين الطاهرين وسلامه وبركاته (9). ____________ (1) هو : أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان المعروف بالكراجكي ، من أجلاّء علماء وفقهاء ورؤساء الشيعة في حلب ، له عدة كتب منها عدة المصير في صحيح الغدير ، التلقين لاولاد المؤمنين ، ردع الحاصل وتنبيه الغافل ، نهج البيان في مناسك النسوان ، روضة العابدين ، كنز الفوائد ، وغيرها ، وكان جوّالاً بين دمشق وبغداد وحلب وطبرية وصيدا وصور وطرابلس ، ومن شيوخه : الشيخ المفيد والشريف المرتضى وغيرهم من أجلة العلماء ، ومن تلاميذه : المفيد النيسابوري ، وعبد العزيز الطرابلسي وغيرهما. والكراجكي من أئمة عصره في الفقه والكلام والفلسفة والطب والفلك والرياضيات وغيرها من العلوم ، قال عنه العماد الحنبلي : كان نحوياً لغوياً ، منجماً طبيباً متكلماً متقناً ، من كبار أصحاب الشريف المرتضى ، وتوفي في حوادث سنة 499 هـ. راجع ترجمته في : شذرات الذهب ج3 ص283 في حوادث سنة 499 هـ ، سير أعلام النبلاء ج18 ص121 ، لسان الميزان ج5 ص300 ، مرآة الجنان ج3 ص69 ـ 70. (2) سورة الفرقان : الاية 24. (3) سورة الفرقان : الاية 11 ـ 14. (4) سورة الفرقان : الاية 15. (5) سورة الحج : الاية 72. (6) سورة الروم : الاية 27. (7) ديوان حسان بن ثابت ص9 ، من قصيدة يمدح فيها النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قبل فتح مكة ويهجو أبا سفيان. (8) أبو الفتح عثمان بن جني ولد ونشأ في الموصل وسكن وتوفي ببغداد عام ( 392 هـ ) ، من أكابر علماء النحو والصرف والادب وهو من أساتذة الشريفين الرضي والمرتضى ، وله مؤلفات عديدة ومنها شرح ديوان المتنبي. (9) كنز الفوائد للكراجكي ج2 ص57. |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |