ولاية الأب
رابعا - ولاية الأب :
للأب والجد الولاية على الطفل في
جميع شؤونه : من بيع وشراء ونكاح وغير
ذلك إلى أن يصير بالغا ورشيدا .
وهذا الحكم - بهذا المقدار - إجماعي
وإنما هناك موارد للبحث نشير إليها فيما
يأتي :
1 - المراد من الجد - هنا - هو الجد
للأب وإن علا لا الجد للأم ، فلا ولاية
للجد من طرف الأم وإن كان جدا للأب
من طرف الأم .
قال صاحب الجواهر في كتاب
النكاح : " . . . والمراد من الجد للأب ما
هو منساق منه عن أب الأب وهكذا
فلا يندرج فيه أب أم الأب ، للأصل
وغيره . . . " ( 1 ) .
ثم ذكر وجها عن التذكرة لثبوت
الولاية لجد الأب من طرف الأم في صورة
انفراده ، لكنه تنظر فيه .
وقريب منه عبارة السيد اليزدي في
العروة في فصل " أولياء العقد " ( 2 ) من كتاب
النكاح .
نعم ، نقل في المستمسك عن ابن
الجنيد ثبوت الولاية للأم وآبائها إلا أنه
قال : " لكن لا مجال لذلك بعد دعوى
الإجماع على خلافه " ( 1 ) .
2 - هل تعتبر العدالة في ولاية الأب
والجد ؟
المعروف بين الفقهاء هو : عدم
اعتبار العدالة في الأب والجد لإثبات
ولايتهما ، نعم حكي عن ابن حمزة وفخر
المحققين لزومها ( 2 ) .
وقيد بعض الفقهاء ثبوت الولاية لهما
مع الفسق بصورة عدم ظهور الضرر منهما
عليه وإلا عزلهما الحاكم ، ومنعهما من
التصرف حسبة .
ومن الذين التزموا بهذا القيد :
المحقق الثاني ( 3 ) وصاحب الجواهر ( 4 )
والإمام الخميني ( 5 ) .
3 - هل يجب عليهما مراعاة
المصلحة ؟
‹ صفحة 145 ›
ويقع البحث - هنا - في جهتين :
الأولى - لزوم اعتبار المصلحة في
سائر التصرفات - غير النكاح - وعدمه :
والمعروف هو لزوم اعتبار المصلحة
كما يظهر من الشيخ وغيره ، قال في
المبسوط بعد أن ذكر الأولياء على الطفل :
" فكل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم إلا
على وجه الاحتياط والحظ للصغير المولى
عليه . . . " ( 1 ) .
ومثله قال العلامة في التذكرة :
" الضابط في تصرف المتولي لأموال
اليتامى والمجانين اعتبار الغبطة ، وكون
التصرف على وجه النظر والمصلحة . . .
إلى أن قال : ولا نعلم فيه خلافا إلا ما
روي عن الحسن البصري " ( 2 ) .
وقد نسب ( 3 ) هذا الرأي إلى ابن
إدريس الحلي ، والمحقق الحلي ، والشهيدين
والمحقق الكركي وغيرهم ، بل يظهر من
عبارة التذكرة نفي الخلاف في ذلك حتى
زمانه .
وهناك رأي آخر ظهر في القرون
المتأخرة وحاصله : أن مقتضى الأدلة هو
النهي عن الفساد لا أكثر فلا دلالة فيها
على لزوم اعتبار المصلحة فتبقى عمومات
الولاية على حالها ، ونتيجة ذلك هو عدم
لزوم مراعاة المصلحة ، نعم ينبغي أن
لا يترتب على التصرف مفسدة .
وقد رجح الشيخ الأنصاري هذا
الرأي ونسبه إلى أكثر من واحد من
الأساطين الذين عاصرهم ( 1 ) ، واختاره
عديد من المتأخرين عنه ، منهم الإمام
الخميني في تحرير الوسيلة ( 2 ) والسيد الخوئي
في منهاج الصالحين ( 3 ) .
الثانية - لزوم مراعاة المصلحة في
خصوص النكاح وعدمه :
تأتي الأبحاث المتقدمة في الجهة
الأولى هنا أيضا ، فيعم القولان السابقان
هذا المورد ، إلا أنه ربما يلتزم بعض
الذين اختاروا الرأي الثاني هناك الرأي
الأول في هذا المورد بالخصوص من باب
‹ صفحة 146 ›
الاحتياط ، فقد جاء في تحرير الوسيلة :
" يشترط في صحة تزويج الأب والجد
ونفوذه عدم المفسدة وإلا يكون العقد
فضوليا كالأجنبي يتوقف صحته على
إجازة الصغير بعد البلوغ بل الأحوط
مراعاة المصلحة " ( 1 ) .
4 - ثبوت ولاية الجد مع حياة الأب
وموته :
المعروف أنه لا يشترط في ولاية
الجد حياة الأب ولا موته ، نعم نقل
العلامة في المختلف ( 2 ) عن ابن الجنيد وأبي
الصلاح وابن البراج والصدوق - في الفقيه -
القول باشتراط حياة الأب ، كما اختار
ذلك الشيخ في النهاية في ولاية الجد على
البكر البالغة والصغيرة حيث قال بعد بيان
تقديم الجد على الأب عند التعارض :
" هذا إذا كانت البكر أبوها الأدنى حيا ،
فإن لم يكن أبوها حيا لم يجز للجد أن
يعقد عليها إلا برضاها " ( 3 ) .
5 - ثبوت الخيار للصغير - في
النكاح - إذا بلغ :
قال صاحب الحدائق : " ظاهر
الأصحاب الاتفاق على أنه لا خيار
للصبية بعد البلوغ إذا عقد عليها الأب أو
الجد ، وإنما الخلاف في الصبي فإن المشهور
أنه كذلك ليس له الخيار .
وقيل : إن له الخيار بعد البلوغ
ذهب إليه الشيخ في النهاية ، ونقله في
المختلف أيضا عن ابن إدريس وابن
البراج وابن حمزة ، والخلاف هنا ناش من
اختلاف الأخبار في المسألة " ( 1 ) .
ولكن جاء في منهاج الصالحين :
" . . . إذا زوج الأبوان الصغيرين ولاية
فالعقد وإن كان صحيحا إلا أن في لزومه
عليهما بعد بلوغهما إشكالا ، فالاحتياط
لا يترك " ( 2 ) .
6 - حدود ولاية الأب والجد على
البنت في خصوص النكاح :
إذا كانت البنت صغيرة فيأتي
بالنسبة إليها كل ما سبق ، وأما إذا صارت
بالغة فإن كانت رشيدة ثيبا فلا ولاية لهما
‹ صفحة 147 ›
عليها ، وأما إذا فقد أحد القيدين فإن كان
الرشد فالولاية تكون ثابتة لهما عليها ، وإن
كان الثيبوبة ، بمعنى أنها كانت بكرا
ورشيدة ، فقد اختلف الفقهاء في بقاء
الولاية عليها وعدمه في خصوص النكاح
على أقوال :
الأول - استقلال الولي في الولاية ،
وقد حكي هذا القول عن الشيخ في أكثر
كتبه ، وعن الصدوق وابن أبي عقيل
والقاضي وكاشف اللثام والكاشاني
وغيرهم ( 1 ) .
الثاني - استقلالها في الولاية وعدم
ولاية الأب عليها ، وقد نسب ذلك إلى
المشهور بين القدماء والمتأخرين ( 2 ) .
الثالث - التفصيل بين الدوام
والانقطاع باستقلالها في الأول دون الثاني ،
وقد حكاه في الشرائع قولا ولم يعرف
قائله ( 3 ) .
الرابع - عكس الثالث ( 4 ) .
الخامس - التشريك بمعنى اعتبار
إذنهما معا فلا ينفذ عقدها إلا بإذن الأب
أو الجد وإذنها معا ( 1 ) .
هذا وقد اختار القول الخامس
عديد من الفقهاء المتأخرين ولكن على
وجه الاحتياط كما في العروة وتحرير
الوسيلة والمنهاج .
قال في العروة بعد بيان الأقوال :
" والمسألة مشكلة فلا يترك مراعاة
الاحتياط بالاستئذان منهما " ( 2 ) .
وقال في تحرير الوسيلة : " والأحوط
الاستئذان منهما " ( 3 ) .
وقال في المنهاج : " الأحوط لزوما
في تزويجها اعتبار إذن أحدهما وإذنها
معا " ( 4 ) .
السادس - وهناك رأي سادس تفرد
به في المستمسك وحاصله :
نفوذ عقد الأب بدون إذن البنت ،
‹ صفحة 148 ›
ونفوذ عقد البنت بدون إذن الأب .
ومع ذلك فالأفضل أن يكون
بإذنهما معا .
ويجوز للأب نقض العقد إذا لم يكن
بإذنه مع كونه صحيحا .
أما الجد فلا ولاية له على البكر
لا منضما ولا مستقلا ( 1 ) .
7 - استقلال الأب والجد في الولاية :
المعروف والمشهور هو : أن كلا من
الأب والجد مستقل في الولاية ، فلا يلزم
الاشتراك ولا الاستئذان من الآخر ، فأيهما
سبق مع مراعاة ما يجب مراعاته لم يبق
محل للآخر .
والجد مقدم في صورة التشاح ،
أو تقارن إيقاعهما لعقدين مختلفين ( 2 ) .
8 - الولاية على المجنون :
المجنون إن كان جنونه متصلا
بما قبل البلوغ فالولاية عليه لأبيه وجده ،
وإن لم يتصل ففيه خلاف ، يظهر ثبوت
الولاية من المحقق في الشرائع ( 1 ) والعلامة
في التذكرة ( 2 ) والتحرير ( 3 ) وقواه في
الجواهر ( 4 ) والعروة ( 5 ) واختاره في
المستند ( 6 ) ولكن استشكل فيه فقهاء
آخرون كما في المستمسك ( 7 ) وتحرير
الوسيلة ( 8 ) ، فاحتاط الأخير بالجمع بين
ولاية الأب والجد والحاكم .
...........................
‹ هامش ص 144 ›
( 1 ) الجواهر 29 : 172 .
( 2 ) العروة الوثقى : فصل أولياء العقد .
( 1 ) المستمسك 14 : 436 .
( 2 ) المكاسب : 152 .
( 3 ) المكاسب : 152 .
( 4 ) الجواهر 26 : 102 .
( 5 ) تحرير الوسيلة : 443 .
‹ هامش ص 145 ›
( 1 ) المبسوط 2 : 200 .
( 2 ) التذكرة 2 : 80 .
( 3 ) المكاسب : 152 .
( 1 ) المكاسب : 152 .
( 2 ) تحرير الوسيلة 1 : 443 ، شرائط
المتعاقدين ، المسألة 18 .
( 3 ) منهاج الصالحين 2 : 21 ، كتاب التجارة ،
المسألة 80 في شرائط المتعاقدين .
‹ هامش ص 146 ›
( 1 ) تحرير الوسيلة 2 : 231 ( أولياء العقد ،
المسألة 4 ) .
( 2 ) المختلف : 535 .
( 3 ) النهاية : 466 .
( 1 ) الحدائق 23 : 204 .
( 2 ) منهاج الصالحين 2 : 261 ، المسألة 1236 ،
الفصل الثاني الأولياء .
‹ هامش ص 147 ›
( 1 ) المستمسك 14 : 440 .
( 2 ) نفس المصدر .
( 3 ) نفس المصدر .
( 4 ) نفس المصدر .
‹ هامش ص 147 ›
( 1 ) المستمسك 14 : 440 .
( 2 ) نفس المصدر .
( 3 ) نفس المصدر .
( 4 ) نفس المصدر .
( 1 ) المستمسك 14 : 440 .
( 2 ) العروة ، النكاح ، فصل أولياء العقد ،
المسألة 1 .
( 3 ) تحرير الوسيلة 2 : 230 ، فصل أولياء
العقد .
( 4 ) منهاج الصالحين 2 : 260 ، أولياء العقد ،
المسألة 1236 .
‹ هامش ص 148 ›
( 1 ) المستمسك 14 : 447 و 448 .
( 2 ) الجواهر 29 : 208 ، العروة : فصل أولياء
العقد ، المسألة 9 ، المستمسك 14 : 461 ، مستند
العروة ، النكاح 2 : 488 .
( 1 ) الشرائع 2 : 277 .
( 2 ) التذكرة 2 : 610 ، الفصل التاسع ، المولى
عليه - النكاح .
( 3 ) التحرير 2 : 8 ، آخر الفصل الثاني في
أولياء العقد .
( 4 ) الجواهر 29 : 186 .
( 5 ) العروة ، النكاح ، فصل أولياء العقد ، المسألة
1 .
( 6 ) مستند العروة ( النكاح ) 2 : 248 .
( 7 ) المستمسك 14 : 438 .
( 8 ) تحرير الوسيلة 2 : 15 ، المسألة : 14 ،
كتاب الحجر .
|