الإيمان يخرج الإنسان من وحشة الوحدة
الإيمان يخرج الإنسان من وحشة الوحدة ويجعل الله أنيسه ومونسه. الإيمان بالله يقرّب إليك أرحم موجود في العالم. الإيمان بالله الرحمن الرحيم يؤدي إلى نتائج عجيبة. فإذا بحثت عن أيّ شيء سوى الإيمان تُحرَم من حلاوة الإيمان. فحلاوة الإيمان ليس بحلاوة إلى جانب باقي أنواع الحلاوة في العالم. فمن ذاق لذة الإيمان وحلاوته، لا يبقي مجالا لباقي اللذائذ الحلوة بعد.
ولهذا عندما كان الناس يهتفون في حسينيّة جماران ويفدون أرواحهم له، ما كان الإمام يشعر بلذة من تلك المشاعر. إذ كان الإمام قد التذّ بالإيمان بالله لذّة لا تقاس بحلاوتها شيء، إذ لا تقاس محبّة الله بمحبة الناس. كان السيد الإمام(ره) قد بالغ بمجاهدة نفسه وترك الشهوات والملذّات فنال لذّة الإيمان. على أساس حديث رسول الله(ص)، من كان همّه نيل اللذات والشهوات، لن ينال لذة الإيمان، فما بالك بمن تعلّق بهذه اللذات وراح يركض وراءها. ثم لا تقتصر اللذة والشهوة، بالشهوات الجنسية، بل تعمّ جميع مشتهيات الإنسان، بعضها سلبية كالغضب الذي تطرد به شيئا ما، وبعضها إيجابية تنجذب بها إلى منفعة ما.
لقد حبّب الله الإيمان في قلوب المؤمنين وزيّنه في قلوبهم، فأصبح ذا جمال وجذابيّة تسحر الإنسان. فقد قال الله سبحانه: (وَ لکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإِیمانَ وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُمْ)[الحجرات/7].
إيمان المرء يجعله قريبا من الله ويحيط الله بهذه الإنسان بعد الإيمان لكي لا يشعر بالوحشة. ولهذا يقول: ( نَحنُ أَقرَبُ الیهِ مِنْ حَبْلِ الوَرید)[ق/16] ويقول في آية أخرى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ)[الحديد/4]. وكذلك يقول: (أَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)[البقرة/115]. فلا إمكان لإنسان أن يحيط بك ويخفف من وحشتك، بل الله هو القادر على الاحاطة بك. ولا يقدر الإنسان أن يعيش وحيدا ولا يستطيع أحد أن يخرجك من وحدتك مثل الله سبحانه.
الإيمان، يسبب النفور من المعصية
إذا ذاق الإنسان حلاوة الإيمان وأصبح الإيمان محبوبا لديه، حينئذ ينفر من الكفر والفسوق والعصيان. وكذلك يشمئز من الإيمان بما سوى الله والعمل القبيح. فإذا أدرك الإنسان قبح الذنوب وتنفّر منها، عند ذلك يحصل على مهجة جيدة لمناجاة الله سبحانه، إذ سوف يعرف مدى قباحة الذنب ودناءته، وسوف يستغفر الله ويناجيه من كل قلبه.
في سبيل الشعور بحلاوة الإيمان لابدّ من تحمّل العناء وجهاد النفس
في سبيل أن يذوق الإنسان حلاوة الإيمان، لابدّ له من تحمل العناء والابتعاد عن السيئات عبر جهاد النفس. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «صَابِرُوا أَنْفُسَکُمْ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَ صُونُوهَا عَنْ دَنَسِ السَّیِّئَاتِ تَجِدُوا حَلَاوَةَ الْإِیمَان»[غرر الحكم/الحديث81]
يحصل الإيمان والعلاقة بالله بالعناء والشدائد لا عبر درس أصول العقائد. طبعا إن درس أصول العقائد جيّد، ولكن من أجل الإجابة عن شبهات العدوّ. يعني إذا أراد العدوّ أن يسلبك عقائدك وإيمانك، هنا يأتي دور دروس العقائد والأبحاث العقلية والكلامية.
يعاني الإنسان أحيانا من بعض المعاناة ولكنّه لا يذوق حلاوة الإيمان
لابدّ للإنسان أن يتعرف على نفسه بشكل جيّد ولا يتحمل عناء لا فائدة فيه. إذ أحيانا يعاني الإنسان ويتحمّل الشدائد ولكنها معاناة بلا جدوى لا ترفع مقامه ولا تذيقه حلاوة الإيمان. أحد الأسباب هي أنه عندما كان يعاني من بعض المشاكل والمصائب كان بصدد التعويض عن معاناته. كبعض المتظاهرين بالتقوى الذين يراعون مقتضيات الزهد والتقوى في سبيل أن يجدوا فرصة للتعويض عن كل الأتعاب التي تحملوها في هذا المسار. فمثل هؤلاء لن يجدوا حلاوة الإيمان مهما تحملوا العناء، لأنهم بصدد العثور على فرصة يعوضوا فيها عن كل الشدائد والصعاب التي تحملوها، وفي الواقع قد تحمّلوا كل هذه المعاناة في سبيل الفوز براحة أكبر في هذه الدنيا.
فعلى سبيل المثال من يعفّ عن الشهوات في سبيل أن يصل إلى جاه ومقام في هذه الدنيا، فإنه لا يذوق حلاوة الإيمان. ومثل هؤلاء الناس ينطبق عليهم قوله تعالى: (خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَة)[الحج/11]. إن شهوة الجاه والمقام تمنع حلاوة الإيمان من أن تدخل في القلب. ولعلّ أحد أسباب توفيق بعض الفسقة ورؤساء العصابات للتوبة والهداية هي أنهم يعرفون ماضيهم وملفّ أعمالهم جيدا فلا يطمعون في نيل الجاه والشأن الرفيع في هذه الدنيا عبر الحصول على المقامات العرفانيّة. فمن أجل أن يذيقنا الله حلاوة الإيمان، لابدّ أن نتحمل المعاناة والمصاعب بصدق، لا من أجل نيل غيرها من الشهوات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته