كتابه إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري
يكتب إلى إسحاق النيسابوري قائلاً:
"سترنا الله وإيّاك بستره، وتولاّك في جميع أمورك بصنعه، فهمت كتابك، ونحن بحمد الله ونعمته أهلُ بيتٍ نرقُّ على أوليائنا، ونُسَرُّ بتتابع إحسان الله إليهم، وفضله لديهم، ونعتدُّ بكلِّ نعمةٍ يُنعمها الله تبارك وتعالى عليهم، والحمدُ لله ـ تقدّست أسماؤه ـ عليها مؤدّ شكرها، وأنا أقول الحمد لله أفضل ما حمده حامدُه إلى أبد الأبد بما منَّ الله عليك من رحمته ونجّاك من الهَلَكة وسهّل سبيلك على العقبة. وأيم الله، إنَّها لعقبةٌ كؤود، شديدٌ أمرها، صعبٌ مسلكُها، عظيمٌ بلاؤها..
فاعلم يقيناً يا إسحاق، أنَّه من خَرج من هذه الدنيا أعمى، فهو في الآخرة أعمى وأضلُّ سبيلاً، وذلك قول الله في محكم كتابه حكايةً عن الظالم إذ يقول: {رَبِّ لِمَ حشرتني أعمى وقد كنتُ بصيراً* قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتَها وكذلك اليوم تُنسى} [طه:125ـ126]، وأيُّ آيةٍ أعظم من حجّة الله على خلقه وأمينه في بلاده وشهيده على عباده من بعد مَنْ سلف من آبائه الأولين النبيّين، وآبائه الآخرين الوصيّين، عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته.
فأين يُتَاهُ بكم، وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم، عن الحقّ تصدفون وبالباطل تؤمنون وبنعمة الله تكفرون، أوتكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، فما جزاء من يفعلُ ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزيٌ في الحياة الدنيا وطول عذابٍ في الآخرة الباقية.
إنَّ الله بمنِّه ورحمته لما فَرَض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجةٍ منه إليكم، بل برحمة منه ـ لا إله إلاَّ هو ـ عليكم، لِيَميزَ الخبيث من الطيّب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، لتتسابقوا إلى رحمة الله، ولتتفاضل منازلُكم في جنّته، ففرض عليكم الحجَّ والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية"(21).
ونلاحظ في هذا الكتاب أن الإمام الحسن العسكري(ع) كان يتابع أوضاع شيعته في أمورهم السلبية والإيجابية مما يطرأ عليهم من خيرٍ وبلاء، فيعطيهم العاطفة والحنان، ثم يؤكد عليهم الالتزام بالقيادة بشكل كامل شامل، ويوجههم بالسير على خط الله في ما فرض عليهم من الواجبات، ليحصلوا على رضاه وعلى القرب منه من خلال طاعتهم له، إنه التواصل الشعوري والتوجيهي بين الإمامة والسائرين معها على الخط المستقيم.
|