هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التوظيف والتعيين والإست... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 80 ]       »     دورة : مهارات التخطيط المالي و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 63 ]       »     دورة : اساسيات التأمين [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 75 ]       »     دورة : تحليل البيانات والقوائم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 73 ]       »     دورة : السلامة والصحة المهنية ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 70 ]       »     دورة : آليات الرقابة الحديثة و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 112 ]       »     دورة : تكنولوجيا التميز والإبد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 97 ]       »     دورة : القيادة عالية الإنجاز و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : فنون العرض والتقديم وال... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : الإدارة الفعالة للمختبر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 103 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات



يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
#1  
قديم 05-13-2011, 12:03 AM
الشيخ حسن العبد الله
مشرف
الشيخ حسن العبد الله غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 232
 تاريخ التسجيل : Nov 2010
 فترة الأقامة : 4876 يوم
 أخر زيارة : 03-18-2014 (09:42 PM)
 المشاركات : 352 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
Man مدرسة جبل عامل



رياض المسائل - السيد علي الطباطبائي - ج 1 - ص 64 - 70
مدرسة جبل عامل
نبذة عن التاريخ السياسي للتشيع في بلاد الشام :
لبلاد الشام علاقة عريقة وقديمة بالتشيع منذ عهد الأمويين والعباسيين ، إلا أن الشيعة في هذين العهدين كانوا يعيشون مرحلة التقية والسرية من الناحية السياسية والدينية بسبب الاضطهاد الطائفي الذي كان يمارسه حكام بني أمية والعباسيين وولاتهم في هذه المنطقة وغيرها من مناطق العالم الاسلامي .
حتى إذا انقضى عصر عهد العباسيين وظهرت للشيعة دول في التاريخ بعد سقوط الدولة العباسية
- مثل دولة البويهيين في العراق وفارس ، ودولة الحمدانيين في الموصل وحلب ، ودولة العلويين في مصر والحجاز والشام وإفريقيا -
بدأ الشيعة يتحركون في بلاد الشام وينشطون ثقافيا وسياسيا .
ولقد عاش شيعة الشام أيام الفاطميين في القرن الرابع فترة حرية واستقرار ، نشطت فيها حركة التشيع في بلاد الشام .
وعن هذه الفترة يقول ، السيوطي : غلا الرفض وفار بمصر والمشرق والمغرب ( 1 ) . ‹ صفحة 65 › في هذه الفترة انتعش التشيع وامتد وانتشر في بلاد الشام ،

ثم تلا هذه الفترة حكم الأيوبيين الذين استلموا الحكم من الفاطميين وحكوا مصر والشام وجددوا اضطهاد الشيعة في بلاد مصر والشام معا ، مما أدى إلى ضمور كبير للحالة الشيعية في مصر والشام ،
ثم جاء من بعدهم المماليك عام 648 ليواصلوا نفس السياسة التي مارسها سلفهم الأيوبيون في اضطهاد الشيعة والتضيق عليهم في بلاد الشام ، وكانت أيامهم من أشق الفترات على شيعة الشام .
وكان المماليك يتخذون من فتاوى ابن التيمية ذريعة للفتك بالشيعة وإباحة دمائهم ، وأدى ذلك إلى أن يحتمي طائفة منهم بالجبال والمناطق الجبلية ليحموا أنفسهم من فتك النظام وبطشه ، ويتظاهر طائفة منهم بالانتماء إلى المذاهب السنية ليحمي نفسه وذويه من بطش الحكام .
ونتج عن ذلك ضمور للتشيع في بلاد الشام واختفاء معالمه الفكرية والثقافية .
فقد فقدت الطائفة الأولى بالتدريج انتماءها الفكري والعملي للتشيع ، ولذلك أسموهم بالشيعة المتخاذلة أو المتستين . وأما الطائفة الثانية فقد شاع فيها الجهل نتيجة البعد والانقطاع عن مراكز العلم . في مثل هذه الظروف الصعبة في عصر المماليك
حاول الشهيد الأول أن يوصل جبل عامل بمدرسة الحلة وينقل إليها العلم والفقاهة والفكر ، ويجعل من جبل عامل مدرسة للفقاهة والثقافة الإمامية مستفيدا من موقعها الجغرافي الذي يمنحها حصانة طبيعية في مقابل تعدي المماليك .

وكانت مدرسة ( جزين ) التي أنشأها الشهيد الأول في جبل عامل بذرة لشجرة طيبة نمت فيما بعد وأثمرت واتسعت واستتبعت مدارس فقهية أخرى في مناطق كثيرة من جبل عامل . ورغم أن الشهيد الأول نفسه الذي أنشأ هذه المدرسة ذهب ضحية فتنة طائفية أوجدها المماليك في الشام واستشهد على يد " بيد مر " أحد ولاة المماليك على الشام إلا أن العلم انتشر في جبل عامل ، وتعددت مراكز العلم ‹ صفحة 66 › والفقاهة وأصبحت هذه المنطقة مدرسة عامرة بالفقهاء والعلماء ، واستعاد التشيع وجهه الفقهي والثقافي وأصالته في بلاد الشام .
ولما امتد بعد ذلك سلطان العثمانيين إلى بلاد الشام وواصل العثمانيون سياسة الاضطهاد والتضيق على شيعة الشام لم يكن هناك ما يهدد كيان الشيعة العقائدي والفقهي في الشام كما حدث ذلك في فتنة المماليك من قبل ، فقد استطاع فقهاء الشيعة خلال هذه الفترة أن يعمقوا في بلاد الشام وفي جبل عامل بالخصوص الأسس الفكرية والفقهية للتشيع . وقد استحدث الشهيد الأول نظاما خاصا لجباية الخمس وتوزيع العلماء في المناطق ، وكان لهذا العمل الفكري والثقافي والتنظيمي الذي نهض به الشهيد ومن خلفه من فقهاء الشيعة دور كبير في حفظ التشيع في بلاد الشام .
وفي بداية القرن العاشر ( 905 ه‍ ) أنشأ السلطان إسماعيل الصفوي الدولة الصفوية في إيران ، وهي دولة شيعية معروفة في التاريخ .
وفي سنة 914 سيطر السلطان إسماعيل الصفوي على العراق وقضى على دولة " آقا قوينلو " وضم المراقد المقدسة في النجف وكربلاء وبغداد وسامراء إلى الدولة الصفوية . وتزامن ظهور وتوسع الدولة الصفوية في إيران والعراق وخراسان وهرات مع سقوط دولة المماليك على يد السلطان سليم العثماني وامتداد نفوذ العثمانيين إلى بلاد الشام سنة 923 ه‍ .

وتحولت الساحة الاسلامية إلى ساحة صراع عنيف بين الدولتين الصفوية والعثمانية ، وكانت الحرب بينهما سجالا . واتخذت الحرب بينهما صفة مذهبية مما كان يزيد في عنف المعارك بين هاتين الدولتين . ففي سنة 920 ه‍ انتصر العثمانيون على الصفويين في موقعة ( چالدران ) المعروفة .
وبذلك انتقل العراق من النفوذ الصفوي إلى النفوذ العثماني ولم يتمكن الشاه إسماعيل الصفوي أن يسترد العراق حتى وفاته سنة 930 ه‍ ‹ صفحة 67 › واستعاد الصفويون سيطرتهم على العراق سنة 937 ه‍ . ثم فتح العثمانيون العراق مرة أخرى عام 941 ه‍ ، وهكذا كانت المعارك سجالا بين الصفويين والعثمانيين ، وكان من الطبيعي في هذا الصراع أن يتعاطف شيعة وفقهاء جبل عامل مع الصفويين . وكان الصفويون يستقدمون فقهاء جبل عامل إلى إيران ويولوهم مراكز القضاء والفتيا والتوجيه ، وكان هذا كله ينعكس على علاقة شيعة الشام وعلماء جبل عامل بآل عثمان الذين كانوا يحكون بلاد الشام يومئذ .
وقد وجد الشيعة في الشام عموما وفي جبل عامل خصوصا حرية نسبية في أخريات العصر المملوكي ، وأفادوا من ضعف الدولة المملوكية في ممارسة نشاط ثقافي واسع في مدارس جبل عامل .
فلما سقطت الدولة المملوكية على يد آل عثمان واستولى العثمانيون على الشام وقامت الدولة الصفوية في إيران جدد العثمانيون سياسة الاضطهاد ضد الشيعة بشكل عنيف وضيقوا عليهم .
وكان من أبرز أحداث هذا الاضطهاد الطائفي مصرع الشهيد الثاني زين الدين بن علي عام 965 ه‍ بعد ملاحقة طويلة له في دمشق وجبل عامل والحجاز في موسم الحج .

وكان لهذا الارهاب الذي مارسه العثمانيون ضد فقهاء الشيعة في جبل عامل من جانب وحاجة الدولة الصفوية من جانب آخر إلى الفقهاء والعلماء لإدارة شؤون القضاء والفتيا والتوجيه الديني في النظام الصفوي دور كبير في هجرة علماء جبل عامل من بلاد الشام إلى إيران .
وقد استفادت الدولة الصفوية كثيرا من وجود فقهاء جبل عامل في تنظيم شؤونها كما استفادت في توفير القضاء الشرعي لها ، ووجد علماء جبل عامل في إيران مكانا آمنا لهم من الارهاب الذي كان يمارسه العثمانيون ضد الشيعة في الشام . ‹ صفحة 68 ›
وكان - هذا العامل المزدوج سببا في انتقال العلم من جبل عامل إلى أصفهان عاصمة الدولة الصفوية . جبل عامل ( 1 ) : جبل عامل منطقة عريقة في التشيع والولاء لأهل البيت عليهم السلام ، وتعود جذور التشيع في هذه المنطقة إلى أيام ابعاد الصحابي الجليل أبي ذر رحمه الله من المدينة إلى الشام بأمر من الخليفة عثمان بن عفان ، وتوجد حتى هذا اليوم مساجد ينسبها الناس إلى هذا الصحابي الجليل .
يقول القاضي نور الله التستري الشهيد الثالث رحمه الله :

جبل عامل ولاية من أعمال الشام معمور مشهور مشتمل على قرى وبلاد ، تنبو عن الحصر .
وبالجملة تجلي أنوار الرحمة الإلهية شامل لأهل جبل عامل ونور المحبة من نواصي أعيانهم ظاهر ، ولا يوجد قرية من قراه لم يخرج منها جماعة من الفقهاء والفضلاء الإمامية ، وجميع أهله من الخواص والعوام والرضيع والشريف يجدون في تعليم وتعلم المسائل الاعتقادية والأحكام الفرعية على طبق مذهب الإمامية وفي التقوى والمروءة والقناعة يقتدون بطريقة مولاهم المرضية ( 2 ) . ولجبل عامل علاقة ثقافية وفكرية قديمة وعريقة بالعراق ، فقد كان الناس يوفدون أبناءهم لدراسة الفقه إلى بغداد على يد فقهاء العراق . ولما انتقل الفقه من بغداد إلى الحلة بعد سقوط الدولة العباسية أقبل طلبة جبل عامل إلى الحلة لتلقي العلم من فقهاء الحلة . ‹ صفحة 69 › ومن هؤلاء الشيخ نجم الدين طمان بن أحمد العاملي ، قرأ على السيد فخار الموسوي سنة 630 ه‍ بالحلة ، وروى عن الشيخ ابن إدريس وغيره من فقهاء الحلة ( 1 ) . والشيخ صالح بن مشرف جد الشهيد الثاني ، قرأ على العلامة الحلي . وجمال الدين يوسف بن حاتم العاملي ، قرأ على المحقق جعفر بن سعيد . وابن الحسام العاملي ، أجيز من قبل العلامة الحلي . والشيخ محمد بن جمال الدين مكي العاملي الشهيد الأول ، قرأ على فخر المحققين ابن العلامة الحلي ، وغيرهم من علماء جبل عامل وفقهائه . وازدهرت مدرسة جبل عامل وحفلت بالعلماء والفقهاء والمعاهد العلمية ، وإليها انتقل تراث مدرسة الحلة ، واجتمع فيها جمع غفير من علماء الشيعة
حتى أن الحر العاملي رحمه الله يقول : إن علماء الشيعة في جبل عامل يبلغون نحو الخمس من علماء الشيعة في جميع الأقطار مع أن بلادهم أقل من عشر عشر بلاد الشيعة . وقد تأسست في هذه المنطقة مجموعة من المعاهد والمدارس العلمية ، استقطبت طلبة العلم ، وأخرجت جمعا كبيرا من الفقهاء والعلماء .

ونحن نشير هنا إلى جملة من هذه المدارس التي اشتهرت في جبل عامل . مدرسة جزين مدرسة جزين من أبرز معاهد هذه المنطقة العامرة والحافلة بالفقهاء والعلماء . وقد تأسست وازدهرت هذه المدرسة على يد الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني رحمه الله . . .
إلا أن جزين كانت قبل الشهيد معروفة بمن فيها من العلماء ، ومنهم والد الشهيد جمال الدين مكي بن ‹ صفحة 70 › محمد العاملي الجزيني . يقول عنه الحرفي " الأمل " : كان من فضلاء المشايخ في زمانه ومن أجلاء مشايخ الإجازة ( 1 ) .
وقال السيد حسن الصدر في التكملة في ترجمته : قال الشهيد في بعض إجازاته : وقد كان والدي جمال الدين أبو محمد مكي رحمه الله من تلامذة المجاز له الشيخ العلامة الفاضل نجم الدين طومان والمترددين إليه في سفره إلى الحجاز الشريف ، ووفاته بطيبة في نحو سنة ثمان وعشرين وسبعمائة أو ما قاربها رحمة الله عليهم أجمعين ( 2 ) . وذكره السيد الأمين في الأعيان على النحو الذي ذكر ( 3 ) . ونشطت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 64 › ( 1 ) تاريخ الخلفاء : ص 406 . ‹ هامش ص 68 › ( 1 ) جبل عامل - أو عاملة - يقع في الجنوب في جبل لبنان في سورية الكبرى ويشتمل على قرى ومدن كثيرة عامرة ، ويحده غربا البحر الأبيض المتوسط وشرقا الحوله ووادي اليتم والبقاع وبعض جبل لبنان وجنوبا فلسطين . ( 2 ) أعيان الشيعة :
ج 1 ص 240 .

‹ هامش ص 69 › ( 1 ) أمل الآمل : ج 1 ص 103 . ‹ هامش ص 70 › ( 1 ) أمل الآمل : ج 1 ص 185 . ( 2 ) تكلة أمل الآمل : ص 400 . ( 3 ) أعيان الشيعة : ج 10 ص 134 . ( 4 ) راجع تاريخ جبل عامل : ص 134 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رياض المسائل - السيد علي الطباطبائي - ج 1 - ص 70 - 76
مدرسة جزين نشاطا ملحوظا بعد عودة الشهيد الأول من الحلة ، وكان لهذه المدرسة دور كبير في التاريخ الثقافي والفقهي لجبل عامل ( 4 ) .
والشهيد الأول هو مؤسس هذه المدرسة وأبرز فقهائها . . . هاجر من جزين إلى الحلة ، وحضر على جمع من علماء الحلة وفقهائها ، وكان أبرزهم وأخصهم به هو فخر المحققين ابن العلامة الحلي الذي أعجب بنبوغ هذا الشاب الذي خف لطلب العلم من لبنان إلى العراق ، وأكرمه وأولاه الكثير من رعايته واهتمامه ، وأعطاه من وقته وجهده الكثير ، ويظهر مدى اهتمام واحترام فخر المحققين لتلميذه الشاب من الإجازة التي كتبها له بخطه على ظهر كتاب " القواعد " . يقول رحمه الله : قرأ علي مولانا الإمام العلامة الأعظم أفضل علماء العالم سيد فضلاء بني آدم مولانا شمس الحق والدين محمد بن مكي بن محمد بن حامد أدام الله ‹ صفحة 71 › أيامه من هذا الكتاب مشكلاته ، وأجزت له رواية جميع كتب والدي قدس سره وجميع ما صنفه أصحابنا المتقدمون رضي الله عنهم عن والدي عنهم بالطرق المذكورة لها . وأعجب من ذلك هو كلمته المأثورة في الشهيد : لقد استفدت من تلميذي محمد بن مكي أكثر مما استفاد مني . وما عدا فخر المحققين الذي كان أبرز شيوخ الشهيد رحمه الله ، حضر الشهيد في الحلة عند الشيخ ابن معية من كبار تلامذة العلامة الحلي والسيد عبد المطلب بن السيد مجد الدين بن الفوارس . والسيد ضياء الدين عبد الله بن السيد مجد الدين بن الفوارس وهما ابنا أخت العلامة الحلي رحمه الله . وفي الشام قرأ الشهيد الحكمة والفلسفة الإلهية على الحكيم المتأله قطب الدين الرازي البويهي تلميذ العلامة الحلي وذلك سنة 776 ه‍ ، قرأ عليه شرح المطالع والمحاكمتين . . . وقد أعجب الشهيد بهذا الحكيم المتأله ولازمه واستفاد منه واستجازه واختص به في الشام . يقول رحمه الله في لقائه به : اتفق اجتماعي به في دمشق أخريات شعبان سنة 776 ه‍ فإذا هو بحر لا ينزف ، وأجازني جميع ما يجوز عنه روايته ( 1 ) . وقرأ الشهيد على عدد من مشايخ السنة كالشيخ إبراهيم بن عمر الملقب ببرهان الدين الجعبري بشيخ مشيخة مقام الخليل بفلسطين ، كما قرأ على الشيخ إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن سعد الله بن جماعة كما صرح به الشهيد في إجازته لابن الخازن ( 2 ) يقول رحمه الله : وأما مصنفات العامة ومروياتهم فإني أروي عن نحو من أربعين شيخا من علمائهم بمكة والمدينة ودار السلام بغداد ‹ صفحة 72 › ومصر ودمشق وبيت المقدس ومقام الخليل إبراهيم عليه السلام . فرويت صحيح البخاري عن جماعة كثيرة بسندهم إلى البخاري وكذا صحيح مسلم ومسند ابن داود وجامع الترمذي ومسند أحمد وموطأ مالك ومسند الدارقطني ومسند ابن ماجة والمستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله النيسابوري إلى غير ذلك مما لو ذكر لطال ( 1 ) . وقد كان لهذا الانفتاح الثقافي والفقهي أثر واضح في شخصية الشهيد رحمه الله وتآليفه ودروسه التي كان يلقيها على تلاميذه ، وفي مدرسة جزين التي وضع أسسها الأولى بنفسه في جبل عامل . وأكمل الشهيد الشوط الأول من حياته العلمية في العراق والشام بجدية واهتمام ، ورجع إلى جزين قريته التي ولد فيها بعلم غزير وطموحات كبيرة وأسس مدرسة جزين ، وبدأ فيها بالتدريس . وكان من جملة تلاميذ هذه المدرسة - والذين تخرجوا منها - أبناؤه الثلاثة : ( 1 ) الشيخ جمال الدين أبو منصور حسن ابن الشهيد الأول . ( 2 ) الشيخ ضياء الدين أبو القاسم علي ابن الشهيد . ( 3 ) الشيخ رضي الدين أبو طالب محمد أكبر أبناء الشهيد . وقد أجازهم والدهم الشهيد ، وصورة الإجازة موجودة في البحار . وازدهرت هذه المدرسة على يد الشهيد رحمه الله وكان الشهيد يمارس التدريس فيها بنفسه ويعطيها من اهتمامه وجهده ووقته الكثير . كما عمل الشهيد رحمه الله في هذه الفترة بتنظيم علاقة الأمة بالفقهاء من خلال شبكة الوكلاء الذين ينوبون عن الفقهاء في تنظيم شؤون الناس في دينهم ودنياهم كما يقومون بجمع الحقوق المالية الشرعية لتوزيعها على مستحقيها بنظر الفقيه . والمعروف أن الشهيد الأول رحمه الله هو أول من أسس هذا التنظيم الذي ‹ صفحة 73 › يربط الفقيه المتصدي بالأمة بواسطة شبكة من الوكلاء ، واستمر هذا التنظيم فيما بعد ونمى وتطور على أيدي الفقهاء الذين تصدوا لشؤون الناس إلى اليوم الحاضر . وكان الشهيد يتردد خلال فترة عمله قي جزين على دمشق كثيرا ، وكان له بيت عامر في دمشق بالعلماء وطلبة العلم . وكان مجلسه حافلا في دمشق بمختلف الطبقات ومن مختلف المذاهب ، حتى أن أصحاب السير يعدون من كرامات الشهيد ، أن أحدا من رواد مجلسه من علماء المذاهب الأربعة لم يطلع على المختصر الذي ألفه الشهيد في الفقه باسم " اللمعة الدمشقية " خلال سبعة أيام قضاها في تأليف هذه الرسالة ، إجابة لدعوة الأمير علي بن مؤيد حاكم خراسان الذي أرسل إليه وزيره الشيخ محمد الآوي إلى دمشق يستقدمه إلى خراسان ليكون مرجعا للمسلمين هناك ، فاعتذر الشهيد بعذر جميل وأرسل إليه هذا المختصر الخالد في الفقه والذي لا يزال موضع دراسة واهتمام الفقهاء وطلاب الفقه . إذن كان الشهيد يقوم في وقت واحد بجهد علمي في جزين ، ونشاط سياسي في دمشق ، وعمل اجتماعي واسع في تنظيم المرجعية في بلاد الشام وخراسان . ونمت وتطورت مدرسة جزين بعد شهادة الشهيد رحمه الله واستقطبت طلبة العلم من مناطق مختلفة ، وأصبح جبل عامل بفضل هذه المدرسة وجهود الشهيد مركزا للاشعاع الفكري في بلاد الشام خاصة والعالم الاسلامي عامة . ومما يذكر في حجم مدرسة جبل عامل الفقهية في هذه المرحلة أن " ست المشايخ " فاطمة بنت الشهيد لما توفيت في قرية جزين حضر تشييعها سبعون مجتهدا من جبل عامل . مدرسة جبع مدرسة جبع من المدارس الفقهية المعروفة في جبل عامل ، وفي هذه المدرسة ‹ صفحة 74 › درس الشيخ صالح بن مشرف العاملي الجبعي جد شيخنا الشهيد الثاني . ويظهر من كتب التراجم أن الشيخ صالح كان قد تلمذ فترة من حياته على العلامة الحلي ثم رجع إلى جبع فكان من فضلاء عصره وفقهائه كما يقول الحر العاملي ( 1 ) . كما نشأ في هذه المدرسة ودرس فيها الشيخ نور الدين علي بن أحمد بن محمد العاملي الجبعي والد الشهيد الثاني المعروف بابن الحاجة . وكان فاضلا جليلا كما يقول الحر العاملي ( 2 ) . ونشأ فيها شيخنا الجليل الشهيد الثاني ( 911 - 966 ه‍ ) وحضر فيها المقدمات على والده الشيخ نور الدين . ثم هاجر بعد وفاة والده جبع إلى ( ميس ) وحضر فيها على الشيخ الجليل علي بن عبد العال الميسي سنة 925 ه‍ واستمر في الحضور على الشيخ الميسي إلى سنة 933 ه‍ ثم هاجر إلى ( كرك نوح ) وحضر فيها على السيد حسن ابن السيد جعفر مؤلف كتاب " المحجة البيضاء " وقرأ عليه الفقه والأصول والحديث والكلام والأدب . ثم عاد إلى جبع في سنة 934 ه‍ وبقي فيها يتعاطى العلم إلى سنة 937 ه‍ حيث هاجر منها إلى دمشق ليكمل دراسته فيها . وعاد إلى جبع مرة أخرى سنة 938 ه‍ وأقام فيها . إلى سنة 941 ه‍ يمارس التدريس والتوجيه والتأليف ، وفي هذه السنة غادر جبع إلى دمشق حيث حضر فيها على علماء أهل السنة ، فاجتمع بالشيخ شمس الدين بن طولون الدمشقي الحنفي وقرأ عليه جملة من الصحيحين ، وأجازه روايتهما معا . ثم غادر دمشق إلى مصر سنة 943 ه‍ ، فاجتمع في مصر بجمع من أعلام مصر وفقهائها منهم الشيخ شهاب الدين أحمد الرملي الشافعي ، قرأ عليهم ‹ صفحة 75 › واستفاد منهم الملا محمد الاسترآبادي والملا محمد الكيلاني والشيخ شهاب الدين بن أحمد النجار الحنبلي والشيخ أبو الحسن البكري والشيخ زين الدين الجرمي المالكي والشيخ - ناصر الدين الملقاني المالكي والشيخ شمس الدين محمد بن أبي النحاس والشيخ عبد الحميد السنهوري وغيرهم ممن يعدهم ابن العودي تلميذ الشهيد الثاني في ترجمته للشهيد . ثم عاد الشهيد إلى جبع في 934 ه‍ وازدهرت بعودته مدرسة جبع بعد ضمور وخمول . يقول ابن العودي رحمه الله : وكان قدومه إلى البلاد كرحمة نازلة أو غيوث هاطلة ، أحيى بعلومه نفوسا أماتها الجهل ، وازدحم عليه أولوا العلم والفضل ، كأن أبواب العلم مقفلة ففتحت وسوقه كانت كاسدة فربحت ، وأشرقت أنواره على ظلمة الجهالة ، فاستنارت وابتهجت قلوب أهل المعارف وأضاءت ، وظهر من فوائده ما لم يطرق الأسماع ، رتب الطلاب ترتيب الرجال وأوضح السبيل لمن طلب ( 1 ) .
وكذلك نشطت مدرسة جبع بعد عودة الشهيد ، واجتمع فيها حوله شباب الطلبة من مختلف بلاد الشام ، وبنى فيها مسجدا لا يزال قائما في جبع ، ورتب شؤون الطلبة وعين لهم المدرسين للتدريس . وحضر عند الشهيد خلال هذه الفترة جمع من الأعلام نذكر منهم : 1 - الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي .
2 - السيد علي بن الصائغ العاملي الجزيني الحسني .
3 - السيد نور الدين بن فخر الدين بن عبد الحميد الكركي .
4 - المولى محمود بن محمد علي الجيلاني اللاهيجي .
5 - الشيخ محي الدين أحمد بن تاج الدين الميسي العاملي . ‹ صفحة 76 ›
6 - الشيخ بهاء الدين محمد بن علي بن الحسن العودي الجزيني ، الذي كان من خواص تلاميذ الشهيد ، وكتب كتابا قيما في ترجمة الشهيد أسماه " بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد " .

ومن أعلام جبع ، المحقق جمال الدين أبو منصور الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثاني ( 959 - 1011 ه‍ ) ، من كبار فقهاء الشيعة . اشتهر بكتابه القيم " معالم الدين وملاذ المجتهدين " . كان عمره عند استشهاد والده الشهيد أربع سنين . حضر عند السيد علي الصائغ والسيد علي نور الدين الكبير - والد السيد محمد صاحب " المدارك " - والشيخ حسين بن عبد الصمد - والد الشيخ البهائي - . واختص بالسيد علي الصائغ وكان أكثر دراسته في العلوم العقلية والنقلية عليه . واستفاد من إقامة الشيخ عبد الله اليزدي رحمه الله صاحب " حاشية التهذيب " في هذه المنطقة فقرأ عليه هو والسيد محمد صاحب " المدارك " . ثم هاجر هو وصاحب " المدارك " إلى النجف وحضرا عند المولى المقدس الأرد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 70 › ( 1 ) أمل الآمل : ج 1 ص 185 . ( 2 ) تكلة أمل الآمل : ص 400 . ( 3 ) أعيان الشيعة : ج 10 ص 134 . ( 4 ) راجع تاريخ جبل عامل : ص 134 . ‹ هامش ص 71 › ( 1 ) الكنى والألقاب : ج 3 ص 61 . ( 2 ) الإمام الشهيد الأول : ص 460 . ‹ هامش ص 72 › ( 1 ) بحار الأنوار : ج 107 ص 190 و 191 . ‹ هامش ص 74 › ( 1 ) أمل الآمل : القسم الأول ص 102 . ( 2 ) أمل الآمل : القسم الأول ص 118 . ‹ هامش ص 75 › ( 1 ) رسالة ابن العودي في ترجمة الشهيد الثاني .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رياض المسائل - السيد علي الطباطبائي - ج 1 - ص 76 - 82
يلي في الفقه والأصول ، ثم رجعا إلى جبع . واستقل صاحب " المعالم " الشيخ حسن بعد عودته إلى جبع في التدريس ، وألف مجموعة من الكتب . وتمتاز تأليفاته بالتحرير والتركيز ، ومن أهم ما كتب خلال هذه " منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان " في مجلدين في الحديث و " معالم الدين وملاذ المجتهدين " في الأصول و " حاشية على مختلف الشيعة " للعلامة الحلي في الفقه ، و " مشكاة القول السديد في الاجتهاد والتقليد " ، وكتاب " الإجازات " و " التحرير الطاووسي " في الرجال ، و " رسالة الاثنا عشرية " في الطهارة والصلاة ، وله ديوان شعر وله فيه شعر جيد . زامل السيد محمد صاحب " المدارك " ابن أخته منذ الصبا ودرسا معا على ‹ صفحة 77 › والد السيد محمد - السيد علي نور الدين الكبير - والمولى الشيخ عبد الله اليزدي ، ثم رحلا معا إلى النجف ، ورجعا إلى جبع ، وكانت بينهما ألفة ومودة ، وكان كل واحد منهما إذا كتب شيئا أرسل ما كتبه إلى الآخر لينظر فيه ، ويبدي ملاحظاته عليه ، وكانا يصليان معا في مسجد من مساجد جبع فأيهما بلغ المسجد بعد صاحبه كان يأتم به . . . وتوفي صاحب . " المدارك " قبل صاحب " المعالم " بمدة قصيرة ( بقدر ما بينهما من تفاوت في العمر ) وكانا متقاربين في السن ، ففجع صاحب " المعالم " بوفاة ابن أخته رفيق العمر وزميل الدراسة والتحصيل ، وكتب على قبره " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " ( 1 ) . وكتب على قبره أبياتا هي : لهفي لرهن ضريح صار كالعلم للجود والمجد والمعروف والكرم قد كان للدين شمسا يستضاء به ( محمد ) ذو المزايا طاهر الشيم سقى ثراه وهناه الكرامة والريحان والروح طرا بارئ النسم مدرسة كرك نوح كرك نوح مدينة صغيرة جنوب جبل لبنان وفيها قبر ينسب إلى نبي الله نوح عليه السلام ، وهذه المدينة ليست من جبل عامل إلا أنها قريبة منها ، وتغلب على علمائها النسبة إلى جبل عامل . وفي هذه القرية مدرسة فقهية من أكثر المدارس الفقهية خصوبة وعراقة في جبل عامل ولبنان . نشأ فيها وتخرج منها في القرن العاشر الهجري والقرن ‹ صفحة 78 › الحادي عشر جمع غفير من الفقهاء والعلماء . ومن هذه القرية الصغيرة كان الفقهاء ينطلقون إلى إيران في العهد الصفوي ليشاركوا في نشر مذهب أهل البيت وترسيخه في إيران وتثقيف المسلمين فيها .

معالم مدرسة جبل عامل وأهم انجازاتها الفقهية : فيما يلي نحاول أن نبرز أهم الانجازات والمكاسب الفقهية التي حققها فقهاء هذه المدرسة
وهي على أربعة محاور :
( الحديث ) و
( الأصول ) و
( الفقه ) و
( القواعد الفقهية )
وبالصورة التالية :
1 - تنقيح أحاديث الكتب ، الأربعة .
2 - تنقيح وتنظيم المباحث الأصولية .
3 - تدوين الفقه .
4 - تدوين القواعد الفقهية .
وسوف نرى أن هذه المدرسة حققت إنجازات كبيرة وعلى درجة عالية من التطور على هذه المحاور الأربعة .

أما عل المحور الأول :
فقد تم تنقيح كتب الحديث الأربعة الشهيرة ، وأفرزت الصحاح والحسان منها عن الموثقات والضعاف ، وقد نهض بهذا المشروع أبو منصور جمال الدين الشيخ حسن - المعروف لدى الفقهاء ب‍ " صاحب المعالم " نجل الشهيد الثاني رحمهما الله - في كتابه الجليل القيم " منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان " . وهذا الكتاب يعتبر التطبيق العملي للنظرية التي تم وضعها في مدرسة الحلة على يد السيد ابن طاووس والعلامة الحلي في التقسيم الرباعي للحديث إلى الصحيح والحسن والموثق والضعيف . وقد دخلت هذه النظرية مرحلة التنفيذ أولا على يد العلامة الحلي رحمه الله في كتابه " الدر والمرجان في الأحاديث الصحاح والحسان " الذي دونه العلامة ‹ صفحة 79 › في عشرة أجزاء ( 1 ) ، إلا أننا لا نعرف لهذا الكتاب نسخة في المكتبات . كما أن للعلامة كتابا آخر في نفس الموضوع باسم " النهج الوضاح في الأحاديث الصحاح " ( 2 ) . وأول كتاب نعرفه في انتقاء الأحاديث الصحيحة والحسان من الكتب الأربعة هو " منتقى الجمان " للشيخ حسن . وفي مقدمة هذا الكتاب يقرر المؤلف أن القدماء رحمهم الله كانوا قد تسامحوا كثيرا في قبول الروايات وتوسعوا فيها وأخذوها من غير الثقات اعتمادا على القرائن التي كانت تدل على صحة الحديث وصدوره عن المعصوم . أما في العصور المتأخرة فقد ضاع أكثر هذه القرائن ولا يمكن اعتمادها في قبول الروايات . يقول رحمه الله في مقدمة " منتقى الجمان " : وقال المرتضى رضي الله عنه في جواب المسائل التبانيات المتعلقة بأخبار الآحاد : " إن أكثر الأخبار المروية في كتبنا معلومة مقطوع على صحتها ، إما بالتواتر من طريق الإشاعة والإذاعة أو بأمارة وعلامة دلت على صحتها وصدق رواتها ، فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند مخصوص معين من طريق الآحاد " . وغير خاف أنه لم يبق لنا سبيل إلى الاطلاع على الجهات التي عرفوا منها ما ذكروا حيث حظوا بالعين ، وأصبح حظنا الأثر ، وفازوا بالعيان وعوضنا عنه بالخبر ، فلا جرم انسد عنا باب الاعتماد على ما كانت لهم أبوابه مشرعة ، وضاقت علينا مذاهب كانت المسالك لهم فيها متسعة ، ولو لم يكن إلا انقطاع طريق الرواية عنا من غير جهة الإجازة التي هي أدنى مراتبها لكفى به سببا لإباء ‹ صفحة 80 › الدراية عل طالبها ( 1 ) . وأما على المحور الثاني في ( أصول الفقه ) : فقد ألف أيضا الشيخ حسن نجل الشهيد الثاني ، كتاب " معالم الدين وملاذ المجتهدين " وهو من أفضل ما كتب في الأصول . ويمتاز هذا الكتاب بتحرير المسائل الأصولية وتنظيمها وتبويبها ضمن مقدمات ومطالب . وفي هذا الكتاب يبحث المؤلف عن دلالة الألفاظ ثم عن الأوامر والنواهي ( الأحكام ) بصورة مستوفاة ، ويبحث فيه عن حجية الخبر والاجماع ، كما يبحث عن الاستصحاب . ولولا أن المنهج الذي يلتزمه مؤلف " المعالم " في تنظيم المباحث الأصولية لا يفرق بين الأصول من جانب والطرق من جانب آخر أو ما يسميه علماء الأصول المتأخرون عادة ب‍ ( الأدلة الفقاهتية والأدلة الاجتهادية ) لكان هذا الكتاب يوازي في منهجيته المناهج الأصولية الحديثة . وقد حظي هذا الكتاب نظرا لاختصاره وتركيزه واحتوائه على أمهات المسائل الأصولية بشروح وتعليقات كثيرة من أهمها الشرح القيم للعالم المحقق الشيخ محمد تقي الأصفهاني المعروف ب‍ " هداية المسترشدين " . ويروى عن الشيخ الأنصاري أنه اكتفى بهذا الشرح من كتابه مباحث الألفاظ في الأصول ، واقتصر في كتابه " الفرائد " على المباحث العقلية فقط مباحث القطع والظن والشك . وقد حظي هذا الكتاب - المعالم - في الحوزات العلمية باهتمام الأساتذة والطلبة ، ويعتبر الكتاب - الذي يبدأ به الطالب دراسته في الأصول ولا زال - موضع اهتمام وعناية كبيرة في الحوزات العلمية .


وعلى المحور الثالث
( البحث الفقهي ) :
لدينا عملان فقهيان جليلان لهذه ‹ صفحة 81 › المدرسة :

أحدهما ( الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ) . والمتن للشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي ( 734 - 786 ه‍ ) والشرح للشهيد الثاني زين الدين الجبعي العاملي ( 911 - 965 ه‍ ) .
وهذا الكتاب مختصر جليل في الفقه يتميز بمتانة الاستدلال وتركيز الدليل وتجنب الخوض في المناقشات المطولة للآراء وروعة البيان وجمال التعبير . وكل ذلك كان سببا ليدخل هذا الكتاب في المنهاج الدراسي للحوزات العلمية في الفقه إلى اليوم الحاضر ، وهو أول كتاب دراسي استدلالي يقرأه الطالب في الفقه ، ويتذوق من خلاله الاستدلال الفقهي بصورة متيسرة ومبسطة . ونلاحظ في هذا الكتاب وسيما في المجلد الثاني منه في أبحاث المعاملات استخداما واسعا للقواعد الفقهية ، ما لا نجد نظيرا له في الأعمال الفقهية السابقة عليه من نحو كتب العلامة والمحقق الحلي والشيخ الطوسي رحمهم الله تعالى . والعمل الفقهي الآخر الذي أنجز في هذه المرحلة هو كتاب " مدارك الأحكام في شرح شرائع الاسلام " للفقيه المحقق السيد محمد بن علي الموسوي العاملي ( 1009 ه‍ ) وهو شرح تعليقي على شرائع الاسلام ، في مقابل الشرح المزجي للشهيد الثاني لكتاب الشرائع " المسالك " . وهذا الكتاب يبتني على تدقيق الروايات من حيث السند ورفض الضعاف والموثقات منها والعمل بالصحاح والحسان على مذهبه في قبول الحديث ورفضه . فيرد الخبر إذا كان ضعيفا عندما يكون هو المستند الوحيد للحكم الإلزامي ويقبله إذا كان مدعوما بشهرة فتوائية من قبل الفقهاء وهذا المسلك يتبناه السيد محمد العاملي في " المدارك " وخاله الشيخ حسن صاحب " المعالم " في كتاب " منتقى الجمان " وهو موضع نقد المحدثين رحمهم الله . يقول المحقق الفقيه الشيخ يوسف البحراني رحمه الله عنهما وعن هذا المنهج في رواية الحديث في لؤلؤة البحرين : إلا أنه ( أي الشيخ حسن ) مع السيد محمد قد ‹ صفحة 82 › سلكا في الأخبار مسلكا وعرا ونهجا عسرا . أما السيد محمد فإنه رد أكثر الأحاديث من الموثقات والضعاف باصطلاحه ، وله فيه اضطراب كما لا يخفى على من راجع كتابه فيما بين أن يردها تارة وما بين أن يستدل بها أخرى . . . وأما خاله الشيخ حسن فإن تصانيفه على غاية من التحقيق والتدقيق ، إلا أنه بما اصطلح عليه في كتاب المنتقى - من عدم صحة الحديث عنده ، إلا ما يرويه العدل الإمامي المنصوص عليه بالتوثيق بشهادة ثقتين عدلين فرمز له ب‍ " صحي " وللصحيح عند الأصحاب ب‍ " صحر " - قد بلغ في الضيق إلى مبلغ سحيق ، وأنت خبير بأنا في عويل من أصل هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح ، حيث إن اللازم منه - لو وقف عليه أصحابه - فساد الشريعة ، وربما انجر إلى البدع الفظيعة ، فإنه متى كان الضعيف باصطلاحهم مع إضافة الموثق إليه - كما جرى عليه في المدارك - ليس بدليل شرعي بل هو كذب وبهتان ، مع أن ما عداهما من الصحيح والحسن لا يفيان لهما إلا بالقليل من الأحكام فإلى م يرجعون في باقي الأحكام الشرعية ولا سيما أصولها وفضائل الأئمة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 77 › ( 1 ) الأحزاب : 23 . ‹ هامش ص 79 › ( 1 ) الذريعة : ج 8 ص 87 تحت رقم 312 الطبعة الثانية . ( 2 ) الذريعة : ج 24 ص 427 تحت رقم 2229 . ‹ هامش ص 80 › ( 1 ) منتقى الجمان : ص 2 و 3 طبع مؤسسة النشر الإسلامي .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رياض المسائل - السيد علي الطباطبائي - ج 1 - ص 82 - 84


وعصمتهم وبيان فضائلهم وكراماتهم ونحو ذلك ، وإذا نظرت إلى أصول الكافي وأمثاله وجدت جله وأكثره إنما هو من هذا القسم الذي أطرحوه ، ولهذا ترى جملة منهم لضيق الخناق خرجوا من اصطلاحهم في مواضع عديدة ، وتستروا بأعذار غير سديدة ، وإذا كان الحال هذه في أصل الاصطلاح فكيف الحال في اصطلاح صاحب المنتقى وتخصيصه الصحيح بما ذكره ، ما هذه إلا غفلة ظاهرة . والواجب إما الأخذ بهذه الأخبار - كما هو عليه متقدمو علمائنا الأبرار - أو تحصيل دين غير هذا الدين وشريعة أخرى غير هذه الشريعة لنقصانها وعدم تمامها لعدم الدليل على جملة من أحكامها . ولا أراهم يلتزمون شيئا من الأمرين مع أنه لا ثالث لهما في البين ، وهذا بحمد الله ظاهر لكل ناظر غير ‹ صفحة 83 › متعسف ولا مكابر ( 1 ) .

المحور الرابع - للانجازات الفقهية في هذه المدرسة - ( تدوين القواعد الفقهية )

وهو أمر جديد في تاريخ الفقه الإمامي . والقواعد الفقهية أحكام كلية تندرج تحت كل منها تطبيقات جزئية من أبواب مختلفة من الفقه أو من باب واحد من أبوابه ، وهي كثيرة في أبواب المعاملات والعقود والنكاح والمواريث والعبادات والجنايات وغيرها . وتعتبر هذه القواعد من أهم مصادر الاجتهاد ومساحة خصبة من مساحات الفقه ، يستطيع الفقيه أن يفيد من تطبيقاتها فائدة واسعة في مختلف أبواب الفقه ، ويستخرج منها أحكاما لفروع فقهية جديدة . ولا بد للفقيه من استخدام الأصول والقواعد معا إلا أن ولادة الأصول ونشوءه في الفقه الإمامي كان قبل ولادة القواعد . وفي مدرسة جبل عامل تم تدوين القواعد الفقهية لأول مرة في تاريخ أهل البيت ، وكان الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي رحمه الله ( المتوفى في 786 ه‍ ) هو أول فقيه إمامي ينهض بهذا المشروع الفقهي بصورة منهجية وذلك في كتابه القيم الجليل " القواعد والفوائد " . يقول الشهيد عن كتابه هذا في إجازته لابن الخازن أنه لم يعمل الأصحاب مثله . وهذا الكتاب يحتوي على ما يقرب من ثلاثمائة وثلاثين قاعدة ، وما يقرب من مائة فائدة ، ويبحث الشهيد هذه القواعد في كثير من الأحيان بصورة مقارنة بين المذاهب المختلفة ، يستعرض فيها الآراء ويخضعها لمناقشة علمية دقيقة . ونظرا لتداخل القواعد والفوائد في هذا الكتاب وعدم انتظامها بنظام معين قام تلميذه المقداد السيوري الحلي بنظم وتهذيب هذا الكتاب وأسماه ب‍ " نضد القواعد ‹ صفحة 84 › الفقهية " . هذه هي - على نحو الاجمال والتركيز - أهم المكاسب الفقهية في هذه المدرسة ، وهي مكاسب جليلة وذات قيمة علمية كبيرة ، وهي تستحق دراسة تفصيلية أكثر من هذا الاجمال .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 83 › ( 1 ) لؤلؤة البحرين : ص 45 - 47 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .




رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 12:54 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية