هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التوظيف والتعيين والإست... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 82 ]       »     دورة : مهارات التخطيط المالي و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 63 ]       »     دورة : اساسيات التأمين [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 75 ]       »     دورة : تحليل البيانات والقوائم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 73 ]       »     دورة : السلامة والصحة المهنية ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 70 ]       »     دورة : آليات الرقابة الحديثة و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 112 ]       »     دورة : تكنولوجيا التميز والإبد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 97 ]       »     دورة : القيادة عالية الإنجاز و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : فنون العرض والتقديم وال... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : الإدارة الفعالة للمختبر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 103 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات



يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
#1  
قديم 11-07-2010, 10:37 PM
الفاروق الاعظم
مشرف عام
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5058 يوم
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي تفنيد الإفتراءات على الشيعة الإمامية



الصفحة 241


المقام الثاني:

تفنيد الإفتراءات على الشيعة الإمامية
الصفحة 242
الصفحة 243


دراسة ونقد آراء الدكتور ناصر بن علي القفاري




نظرة اجمالية لكتاب أصول مذهب الشيعة للدكتور القفاري
وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري
دعاوى الدكتور القفاري في ميزان النقد
تذييل: دراسة ادعائي الدكتور القفاري الآخرين
الصفحة 244
الصفحة 245


نظرة إجمالية إلى كتاب
"اُصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية"

كتاب اُصول مذهب الشيعة الاثني عشرية ـ الذي سميناه اختصاراً بـ "اصول مذهب الشيعة" ـ من تأليف الدكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري، وهو في الأصل رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة "الدكتوراه" من قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمّد بن سعود الاسلامية بإشراف الدكتور محمّد رشاد سالم(1) وقد اجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف الاُولى مع التوصية بطبعها وتبادلها بين الجامعات(2). وقد طبعت مرّتين كانت ثانيتهما عام 1415 هـ. في ثلاثة أجزاء وقد بلغ مجموع صفحاتها: 1380 صفحة.

اشتمل الكتاب على تمهيد وخمسة أبواب:


____________

1 ـ هو شيخ القفاري واستاذه الذي غمر الدكتور القفاري بفضله وخلقه. حصل على شهادة الدكتوراه على كتابه الموسوم بـ "موافقة العقل للشرع عند ابن تيمية". ويعتبر رشاد سالم من نوّاب ابن تيمية في عصرنا الحاضر، وقد اهتمّ بنشر تراثه، وكرّس عمره لدراسة آرائه، وتحقيق كتبه كـ "درء تعارض العقل والنقل" و"منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة القدرية" و"الصفدين" وغيرها، وابتلي بالسجن مرّتين في حياته، وتوفي في القاهرة عام 1407 هـ. انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 26 ـ 27.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 4.
الصفحة 246

وقد تناول في التمهيد: التعريف بالشيعة ونشأتها وجذورها التاريخية وفرقها وألقاب الاثني عشرية وفرقها الباب الأوّل: اعتقاد الشيعة في مصادر الإسلام: القرآن والسنة والاجماع.

الباب الثاني: اعتقاد الشيعة في اصول الدين من التوحيد والأسماء والصفات، واعتقاد الشيعة في الإيمان وأركانه.

الباب الثالث: يتعلق بعقائد الشيعة واصولها التي تفردوا بها ـ بزعم المؤلف ـ وهي الإمامة، العصمة، التقية، المهدوية والغيبة، الرجعة، الظهور، البداء والطينة.

الباب الرابع: يتصل بالشيعة المعاصرين وصلتهم بأسلافهم الباب الخامس: يتعلق بالحكم عليهم واثرهم في العالم الإسلامي ومن ثم الخاتمة: وفيها عرض لأهم النتائج التي توصل إليها البحث(1).

ومن أبرز ظواهر كتاب الدكتور القفاري هو تتبعه الشاسع والاعتماد على كثير من مصادر الشيعة وأهل السنّة، فهو يريد أن يثبت للقارئ أنّه توصّل إلى نتائجه بعد مطالعة المصادر ودراستها وبحثها، وأنه ليس أمثال الآخرين الذين يحكمون على غيرهم دون الرجوع إلى مصادرهم(2). ولعله لهذه الميزة إضافة إلى المميزات الأخرى التي ادعاها الدكتور القفاري في بداية تأليفه وهي:


الموضوعية الصادقة. أن ننقل من كتبهم بأمانة!

أن نختار المصادر المعتمدة عندهم!




____________

1 ـ يتّضح جليّاً من أبواب هذا الكتاب أن مراد الدكتور القفاري من "اُصول مذهب الشيعة" ليس الاُصول فحسب بل ما يعم الفروع والمسائل السياسية والاجتماعية وغيرهما.

2 ـ كشمس الدين الذهبي الّذي عرّف الشيخ المفيد بأنه صاحب فنون وكلام واعتزال وادب، ثم اتهمه بأنه رافضي يُضّل الناس، مع ذلك كلّه يقول عنه: بلغت تآليفه مئتين; لم أقف على شيء منها وللّه الحمد!!! فإذا كان الذهبي غير مطّلع على أيّ من كتب المفيد فكيف ساغ له اتهامه بما ذكر؟

انظر سير أعلام النبلاء: ج 17، ص 344، رقم الترجمة 213.
الصفحة 247


أن نعدل في الحكم!

أن نحرص على الرّوايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم ـ مهما أمكن ـ كما أنني أحياناً أناقشهم على وفق منطقهم وبمتقضى مقرراتهم وقواعدهم وعلى ضوء رواياتهم"(1).



تلك المميزات التي طالما كررها الدكتور القفاري في كتابه(2)، وتعهد لنا بالالتزام بها ليوحي للقارئ بأن كتابه يكون بمثابة مصدر له قيمة علمية في بيان آراء الشيعة، كما أن المؤلف ـ كما يدّعي ـ نأى بنفسه عن التعصّب والحقد المرير وتحرّى الأمانة والدقّة والعدالة ومراعاة أُصول التحقيق والنقد عند دراسة آراء الشيعة، ويتراءى من قوله أنه كشف في رسالته تلك القناع عن كثير من الحقائق الخافية لدى الشيعة وابرزها بحيث صارت رسالته صالحة للتداول بين المجامع العلمية والتحقيقية ولذا يطالعك في أول رسالته بالقول:


"وقد أجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف الأولى، مع التوصية بطبعها وتبادلها بين الجامعات"(3).



فهل يصمد هذا المدّعى أو لا؟

إنّ من يمتلك أدنى علم بهذا الكتاب يتّضح له جليّاً عدم صحّة هذا المدّعى

____________

1 ـ أصول مذهب الشيعة: ص 15 ـ 16.

2 ـ قال في آخر مقدمة الكتاب:


"والخلاصة أنني لم أعمد إلاّ إلى كتبهم المعتمدة عندهم في النقل والاقتباس لتصوير المذهب، ولم أذكر من عقائدهم في هذه الرسالة إلاّ ما استفاضت أخبارهم به وأقرّه شيوخهم... وأذكر ما أجد لهم من تصحيحات وحكم على الرّوايات بمقتضى مقاييسهم... واهتممت بالنقل "الحرفي" في الغالب رعاية للموضوعية وضرورة الدقة في النقل والعزو..."


المصدر نفسه: ص 23 ـ 24، وانظر أيضاً: ص 133، 280، 508، 550، 558، 653 وغيرها كثير.

3 ـ أصول مذهب الشيعة: ص 4.
الصفحة 248

بالمرة، فإنّ الدكتور القفاري لم يراع إطلاقاً في رسالته "التقوى العلمية"; إذ إنّ ادّعاؤه الأمانة العلمية، فالمتتبع لما نقله الدكتور القفاري من المصادر يرى أنـّه قد خان الأمانة العلمية مرّات، فالخيانة واضحة لكلّ من يلقي نظرة فاحصة على كتابه، ويرى عدم الدقة في النقل في كثير من الأحيان.

وأمّا العدالة في الحكم، فقد حاد الدكتور القفاري عنها كثيراً وجار، وهو ما لا يليق برجل يدّعي العلم والمعرفة.

وأمّا اختياره المصادر المعتمدة والرّوايات المستفيضة والموثقة عندنا فهذا أيضاً ممّا لم يفِ به الدكتور القفاري في كثير من الأحيان كما ستراها، ووقع الدكتور في كثير من الأحيان تحت تأثير الأفكار السلفيّة ومبانيها، التي هي في الغالب كانت محلّ كلام ونقاش بين أهل السنّة أنفسهم(1)، كما رأينا بأنّ مقاييسه في صحّة آراء الشيعة وسقمها لا تخرج عن التعصّب، والحكم اعتماداً على الآراء المسبقة عند مذهبه.

ولإثبات صحّة ما ذكرناه مما تقدّم، نقدّم لك هذا المبحث "مبحث هل الشيعة تقول بأنّ في كتاب الله نقصاً أو تغييراً" الذي كتبه الدكتور القفاري مع دراسته ونقده وهو في الحقيقة غيض من فيض، ونترك الحكم لك أيها القارئ على سائر مباحث كتاب الدكتور القفاري.


____________

1 ـ كآرائهم في توحيد الالوهية والربوبية، مسألة الزيارة والشفاعة والتوسل والتبرك و... انظر: الردودعلى آراء ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهاب ككتاب "شفاء السقام" للسبكي; "الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابية" للشيخ سليمان بن عبد الوهاب; و"أوضح الإشارة في الردّ على من أجاز الممنوع من الزيارة"، أحمد بن يحيى النجمي; و"الأجوبة النعمانية عن الأسئلة الهندية" لنعمان بن محمود الشهير بابن الآلوسي البغدادي الحنفي; "اعتراضات على ابن تيمية في علم الكلام"، أحمد بن إبراهيم السروطي الحنفي و... وبعض الباحثين قد عمل فهرساً لهذه الكتب في آخر كتاب "نقض الفتاوى الوهابية" لكاشف الغطاء.
الصفحة 249


مؤلف الكتاب وغرضه من التأليف:

إنّ الدكتور القفاري يعتبر من متعصّبي الوهابيّة(1)، وله إيمان كبير بآراء ابن تيمية، ويمكننا القول بجرأة إنّ رسالته في الواقع ما هي إلاّ شرح لدعاوى ابن تيمية في كتابه "منهاج السنّة"، فالدكتور القفاري في أكثر فصول الكتاب حينما يصل إلى المقاطع الحسّاسة من بحثه أو ما يسمى ببيت القصيد أو صلب البحث; تراه يأتي برأي ابن تيمية ويحاول جاهداً باذلا أقصى طاقته لإثبات صحَّته ولكن في بعض الأحيان ـ مع الأسف ـ عن طريق اعتماده على تقطيع وتحريف العبارات وصرفها عن وجهها الحقيقي ليصل إلى غايته.

ألّف الدكتور القفاري ـ اضافة إلى اصول مذهب الشيعة ـ كتابه الموسوم بـ "مسألة التقريب بين أهل السنّة والشيعة" وهي في الواقع رسالته في الماجستير، والتي يعتبرها الدكتور القفاري البذرة الأولى في معرفته بالشيعة حيث يقول:


"ولقد كانت صلتي بقضية الشيعة تعود إلى مرحلة "الماجستير" حيث كان موضوعها "فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة"(2).



والحقيقة أنّ الدكتور القفاري في كتابيه هذين ـ وخصوصاً في كتابه أُصول مذهب الشيعة ـ قد بزّ غيره ممن سبقه في الاتهام والافتراء والسبّ والشتم مستعملاً أقبح الألفاظ وأكثرها فحشاً، بحيث لا تخلو صفحة من كتابه من هذه الألفاظ المبتذلة.

ومثل هذا النوع من الحديث المبتذل والكلام الفاحش يجعل القارئ الذي لا يعرف مصدر علوم الدكتور القفاري يعجب من أمره لأنّه قلّ وجود مثل هذا النمط من الكلام في الأبحاث العلمية، إلاّ انّ الشخص العارف بمسلك الدكتور القفاري

____________

1 ـ انظر على سبيل المثال: اصول مذهب الشيعة: ص 478 ـ 479.

2 ـ أصول مذهب الشيعة: ص 8.
الصفحة 250

وأتّباعه المتشدد إلى حدّ التعبّد لمسلك ابن تيمية المعروف بألفاظه القبيحة يزول عنه هذا العجب.

فانّ كتاب منهاج السنّة لابن تيمية الذي كتبه ردّاً على الشيعة مملوء بهذه الألفاظ البذيئة، بل إنّ ساحة أمير المؤمنين المقدّسة لم تسلم من لسان ابن تيمية الفاحش، وهو ما حدا بابن حجر لأن يقول:


"... وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص علي رضي الله عنه"(1).



ويمكننا القول بكلّ جرأة إننا لو جمعنا شتائم الدكتور القفاري في هذا الكتاب فقط لبلغت الخمس من حجمه، بل إنّ مجرّد عمل فهرس لهذا الموضوع يحتاج إلى بضع الصفحات، وهذا ممّا يزيد من عجب القارئ، ذلك لأنّ الدكتور القفاري ادّعى الدفاع عن الدّين، وإحياء سنّة السلف باعتباره فرداً من المسلمين وقد اعتبر مسلكه مسلك السنة والجماعة!! فقال في طليعة كتابه في معرض بيان غرضه من التأليف:


"ولا شكّ بأنّ بيان حال الفرق الخارجة عن الجماعة والمجانبة للسنّة ضروريّ لدفع الالتباس وبيان الحقّ للناس ونشر دين الله سبحانه، وإقامة الحجّة على تلك الطوائف; ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة. فإنّ الحقّ لا يكاد يخفى عن أحد، وإنّما يضلّل هؤلاء أتباعهم بالشبهات والأقوال الموهمة، ولذلك فانّ اتباع تلك الطوائف



____________

1 ـ لسان الميزان: ج 7، ص 530، رقم الترجمة 9465، وفي سنن ابن أبي عاصم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... فلو أنّ رجلا صف بين الركن والمقام فصلى وقام ثمّ لقى الله عزّ وجلّ وهو ينقص أهل بيت محمّد دخل النار" كتاب السنة: ص 628، رقم الحديث 1546.
الصفحة 251


هم ما بين زنديق أو جاهل، ومن الضروري تعليم الجاهل وكشف حال الزنديق ليعرف ويحذر"(1).



فهل إن بيان الحقّ للناس ونشر دين الله وإقامة الحجّة تقتضى اعتماد الألفاظ الفاحشة والأقوال السخيفة؟

ولعلّ الدكتور القفاري سلك هذا المسلك ـ أي مسلك السبّ والشتم ـ لاعتقاده بأنه نوع من وجوب إنكار المنكر وتبيينه دون غموض، ولذا يقول:


"وأمّا إنكار ما أقف عليه من منكر وبيان فساده فهذا ليس خروجاً عن الموضوعية بل هو جزء من واجب كلِّ مسلم، فمن يتعرّض لكتاب الله سبحانه ويدّعي فيه نقصاً وتحريفاً أو يقول بأن علياً هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن وأمثال هذه الكفريات الظاهرة لا تملك إلاّ أن تصمه بما يستحقّه، وأن تظهر فداحة جرمه وشناعة معتقده، وإلاّ كان في الأمر خداع وتغرير بالقارئ المسلم"(2).



فلو سلّمنا أنّ الشيعة متلبّسة بالمنكرات والفساد والصدّ عن دين الله(3)، كما

____________

1 ـ أصول مذهب الشيعة: ص 6.

2 ـ أصول مذهب الشيعة: ص 15.

سترى في دراستنا هذه ان قول الدكتور القفاري بان الشيعة تتعرض لكتاب الله وتدّعي فيه نقصاً وتحريفاً، كذب أو سوء فهم وقوله بان الشيعة تقول ان عليّاً هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن. خيانة الدكتور القفاري العُظمى وبلوغ امانته العلمية أوجاً حيث قطّع الرواية التي وردت في هذا المجال ولم يوردها كاملة كي يتضح معناها الواقعي، انظر: مبحث: "بداية الافتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة، بحث أخطر آراء السبئية في كتاب سليم بن قيس".

3 ـ أصول مذهب الشيعة: ص 1190. ولا بد ـ في نظر الدكتور القفاري ـ ان يكون أحد المصاديق البارزة لهذا الصدّ الحكم المشهور للامام الخميني رحمه الله تعالى بقتل المرتد سلمان رشدي والذي أصدره دفاعاً عن الحريم القدسي للنبي الاكرم محمّد صلّى الله عليه وآله، ودينه المقدس، واعتبره حكماً أبديّاً غير قابل للنقض.
الصفحة 252

ادّعى ذلك الدكتور القفاري زوراً وبهتاناً، ولكن لنسأل الدكتور القفاري هل إنّ طريقته تتفق وطريقة القرآن والأنبياء سيما خاتمهم وأفضلهم نبينا محمّد صلّى الله عليه وآله الذين هم في طليعة المنكرين للمنكر والدافعين للفساد والآمرين بالمعروف؟

فهل وجب على أنفسهم تلويث ألسنتهم بالكلمات البذيئة لأجل انكار المنكر(1).

أخرج الكليني بسنده عن أمير المؤمنين علىّ عليه السلام قال:


"قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن الله حرّم الجنّة على كلّ فحّاش بذيٍّ قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له..."(2).



وعلى هذا فكتاب الدكتور القفاري الذي يحمل تلك الصفات المشينة لا يستحق النشر في المجامع العلمية فكيف يكون محلاً للدراسة والنقد؟ ولكننا انما تعرضنا لنقد بعض دعاويه كي لا يترك أثراً سلبياً على عقول بعض الناس.

ودعاوى الدكتور القفاري هذه التي ذكرها لتوجيه عدم عفّته وبُعده عن الخلق العلمي، يمكن ان يخدع بها كثيراً من المسلمين فيتصوّرون أن الشيعة تتعرّض لكتاب الله وتدّعي ـ والعياذ بالله ـ أن فيه نقصاً أو تحريفاً، أو تقول بأنّ علياً هو الأوّل والآخر و... وهذا مما يؤدّي إلى إثارة مشاعر المسلمين ضدَّ الشيعة ويجعل قلوبهم تمتلي غيظاً وحنقاً على الشيعة، وبالنهاية يؤدي إلى حصول التفرقة بين

____________

1 ـ لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وآله فاحشاً ولا متفحشاً. انظر: صحيح البخاري، كتاب المناقب، ص 23، كتاب الادب، ص 38 ـ 39، وصحيح مسلم: كتاب الفضائل: ص 68، وكتب سيرة الرسول صلّى الله عليه وآله كجوامع السيرة النبوية لابن حزم باب اخلاقه صلّى الله عليه وآله: ص 32، وغاية السؤول في سيرة الرسول لعبد الباسط الحنفي، ذكر أخلاقه عليه السلام: ص 38، والسيرة النبويّة لمحمد بن حبّان البسّي: ذكر وصف رسول الله صلّى الله عليه وآله: ص 410 وغيرها من المصادر.

2 ـ الكافي: ج 2، ص 322، الرقم 3.
الصفحة 253

المسلمين ونفرة بعضهم من بعض، وهو بالضبط ما يريده أعداء الإسلام. لكن يخفى عليهم أن أساس هذه الدعاوى من الدكتور القفاري مبتن على الافتراء والبهتان والخيانة العلمية وظلم الغير.

نعم فالدكتور القفاري طفق ينقل كلمات متناثرة من هنا وهناك ويتفوّه بألفاظ بذيئة يصم بها علماء الشيعة فهو يصفهم بـ "شرذمة الكذّابين، مصدّقي الخرافات معقودين بالهوى والغرض(1)، يشايعون الشيطان(2)".

ولكن الدكتور القفاري لا يعلم ـ أو يتجاهل بأنّ تلك الألفاظ طبقاً لمعاييره تنطبق على علماء وكبار وحفاظ أهل السنة بلا شك أمثال: محمّد بن سعد، ابن أبي داود، محمّد بن أيوب بن الضريس، ابن المنادي، أبو نعيم الاصبهاني، ابن عبد البر، عبد الكريم الشهرستاني و...(3).

وإذا كان الدكتور القفاري قد اتّهم الشيخ الصدوق وغيره من الشيعة بأنّهم لم تسلم كتبهم من "الإلحاد"، فإنّنا لو اعتمدنا على مقياسه لحكمنا بعدم سلامة كتب أحمد بن حنبل، وسعيد بن منصور والطبراني والديلمي من الإلحاد(4).

وإذا كان الدكتور القفاري قد اتّهم جمعاً من علماء الشيعة الذين أتوا بأدلّة قويّة على إبطال نظرية نسخ التلاوة فاتهمهم بأنّهم مكذّبون لربّ العالمين قائلاً: "ما أعظم جرمهم!!" هذا الحكم نفسه منطبق على مجموعة كبيرة من علماء أهل السنة قديماً وحديثاً الذين أنكروا نسخ التلاوة بأدلّتهم ورأيتم نص آرائهم كأبي جعفر النحّاس وشمس الدين السرخسي وأبي عبد الله ظفر والقطّان وصبحي الصالح

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 226.

2 ـ نفس المصدر: ص 1010.

3 ـ انظر: "مبحث مصحف علىّ عليه السلام" في هذا المقام.

4 ـ انظر بحث: "ابن بابويه وإنكاره لما ينسب لطائفته" من هذا الكتاب، وأصول مذهب الشيعة: ص 287.
الصفحة 254

والرافعي(1) و...

وإذا كان الرافضة بزعم الدكتور القفاري لغرض إشباع أهوائهم وميولهم يلجأون إلى جعل القراءات بما يطيب لأنفسهم فابن جرير الطبري وغيره أولى بذلك(2).

وإن كان الرافضة وارثين للتأويلات المنحرفة فالقرطبي والسيوطي والآلوسي بل عائشة وغيرهم هم أيضاً ممّن ورث ذلك بلا شك(3).

وإن كان...

وإن كان...

* * *



____________

1 ـ انظر مبحث "دراسة في نسخ التلاوة" في المقام الأول واصول مذهب الشيعة: ص 1044.

2 ـ انظر: مبحث "مضامين روايات التحريف في كتب الشيعة": في هذا المقام واصول مذهب الشيعة: ص 1011.

3 ـ انظر: مبحث "شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة": في هذا المقام.




رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:38 PM   #2
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 255


وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري

قال الدكتور القفاري في مدخل مبحثه "هل الشيعة تقول بأنّ في كتاب الله نقصاً أو تغييراً":


"... ومن قال بأن في القرآن نقصاً وتحريفاً فليس من أهل القبلة وليس من الإسلام في شيء... فإن الباحث المسلم يعاني بلا شك من قراءة تلك السوداء ومن الاستماع لاُولئك الأقزام الذين يتطاولون على كلام الله سبحانه ويعاني من ذلك أبلغ المعاناة... ثم ما أسهل الادعاء الكاذب على حاقد موتور ومن ثم فليس علينا ان نتتبع كل دعوى كاذبة لنردها.
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لكان كل مثقال بدينار(1)


كما ان إهمال القول الكاذب قد يكون أحرى لأماتته وانصراف الانظار عنه ما لم يتفش هذا القول ويشتهر وتحمله طائفة وتسير به



____________

1 - كذا جاء في كتاب الدكتور القفاري ولعلّ صحيحه:
لو كل كلب عوى ألقمته حجَراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار

الصفحة 256


كتب فحينئذ يجب كشف المبطل وباطله... ومن حاول المساس بكتاب الله والنيل من قدسيّته فإنّه بعيد عن الإسلام وإن تسمّى به، وإنّه يجب كشفه لتعرف الأمّة عداوته لأنّه يحارب الإسلام عن أصله العظيم وركنه المتين..."(1).




لابدّ أن نيّة الدكتور القفاري هي فقط الدفاع عن حريم القرآن وحفظ قداسته ولهذا تراه مضطرب البال مكسور الخاطر كثير المعاناة، وحكم بكفر أصحاب الكتب الذين أوردوا فيها روايات التّحريف!

ثمّ ذكر انّه ينبغي الاحتياط أشدّ الاحتياط في هذه المسألة قائلاً:


"ومن هنا فإن العدل يقتضي ان نحتاط في دراستنا لهذه المسألة أبلغ الاحتياط وان نعدل في القول، فلا نرمي طائفة بهذه المقالة اِلاّ بعد الدرّاسة والتثبت..."(2).



وأخيراً، وبعد الدرّاسة والبحث في أطراف هذه المسألة توصل إلى النتيجة الآتية:


"فرية التّحريف ابتدأ القول بها الروافض في القرن الثاني ونسبت إلى هشام بن الحكم وشيطان الطاق... وإنّ بعض أهل العلم ينسب هذه العقيدة إلى الباطنية في حين أنّ الباطنية لم تخص بهذه المقالة والذي تولى كبرها وأكثر الوضع فيها هم الاثنا عشرية، وقد سجلت هذه المقالة في... كتاب سليم بن قيس..."(3).




____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 200 ـ 201.

2 ـ نفس المصدر السابق.

3 ـ نفس المصدر: ص 1281، وقوله: "قد سجلت هذه المقالة...." لان سليم أورد في كتابه خبر مصحف علي عليه السلام وسيأتي الكلام فيها مفصلاً.
الصفحة 257

وقد بلغ احتياطه وعدالته في الحكم أوجَه!! حين حكم على كتب حديث الشيعة كالكافي وتفسيرهم بالمأثور كتفسير علي بن إبراهيم بقوله:


"أنّ أصحاب هذه المقالة والكتب التي حوت هذا الكفر ـ أي تحريف القرآن نعوذ بالله ـ هي محل تقدير عند هؤلاء [أي الإمامية] وصدق الموقف يقتضي البراءة من معتقديها كالكليني وكتابه الكافي والقمّي وتفسيره وغيرهما ممّن ذهب إلى هذا الكفر"(1).



وبالتالي فإنّ في كتابه مواضع من هذه الأحكام والقضايا ليست بالقليلة وكنموذج لذلك قوله:


"إنّه لا ثقة برواياتهم بعد هذا وإنّ كتبهم هي المحرفة المفتراة... وقد انكشف أمرها بهذه الفرية...

وكثرة الأخبار في هذا الباب تدل على أن دين الشيعة سداه ولحمته الكذب والكيد للإسلام بمحاربة ركنه العظيم وأصله الذي يقوم عليه وهو القرآن..."(2).



وقال أيضاً:


"... وهذا بلا شك دليل بطلان أخبارهم كلِّها... وكان من أعظم الأدلة والبراهين على سقوط أخبارهم وتهافت رواياتهم..."(3).



بعد كلّ هذا نسأل:

هل أنّ الدكتور القفاري عادل في احكامه تلك؟


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1001 وقال أيضاً: "الصفار وإبراهيم القمي والكليني هم من الغلاة الذين يجب اعتبارهم خارج الصف الاسلامي لنقلهم اساطير نقص القرآن وتحريفه"، ص 671 ومثله ص 697 و751 و993.

2 ـ نفس المصدر: ص 1039 وقال بعده: "... وإذا لم تستح فاصنع ما شئت وليس بعد الكفر ذنب".

3 ـ نفس المصدر: ص 1050.
الصفحة 258

وهل أنّ الدكتور القفاري يراعي الموازين العلمية في هذا البحث الذي يعد من البحوث المهمة جداً عند المسلمين؟

وهل أنّ الدكتور القفاري تحلّى بالأمانة العلمية في نقل روايات وعبارات الشيعة من مصادرهم؟

وهل؟

وهل؟

وسيأتيك عن قريب الجواب الشافي عن كلّ تلكم الأسئلة، وأنت تحكم بنفسك عليه، وقبل أن نبحث في أجوبة تلك الأسئلة، علينا أن نقف وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري ونسأل السؤال الذي يدور في الخاطر، وهو: ماذا يقول الدكتور القفاري في روايات أهل السنّة في هذا المقام؟ إذ أنـّه لابدّ أن يكون قد اطلع على الأنواع المختلفة لتلك الرّوايات في كتب أهل السنة، من حيث العدد (حيث يقول الآلوسي إنّها أكثر من أن تحصى(1)، ويقول السيوطي وأمثلة هذا الضرب كثير(2)) ومن حيث كيفية المصادر (فهي من كتب الصّحاح والكتب الأخرى المعتبرة عندهم) ومن حيث قوّة متونها وتنوع مدلولها (بأنها من خطأ الكتّاب، وإلقاء الشياطين في الوحي، وتغيير الحجّاج في كلمات القرآن، والرّوايات الدالة على الزيادة والنقيصة في القرآن، وإسقاط آيات بعد وفاة الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله) والدكتور القفاري يعلم علم اليقين أنـّهم رووا بمثل ما رواه الكليني وغيره وبعضه أكثر صراحة وأشدّ ظهوراً في التّحريف وأصح سنداً وأقوى حجة وأبعد عن التأويل الظاهر والمقبول وقد لاحظ هو بنفسه أجوبة علماء أهل السنة

____________

1 ـ روح المعاني: ج 1، ص 45.

2 ـ الاتقان: ج 1، ص 81 وقد عبّر ابن سلاّم بعد ذكر بعض تلك الرّوايات: "فهذه الحروف واشباهٌ له كثير" فضائل القرآن: ص 195.
الصفحة 259

المتناقضة عن تلك الرّوايات ومع ذلك فقد أصدر تلك الأحكام على الشيعة مع كونه محتاطاً أبلغ الاحتياط حسبما ادّعى!!

فإذا كان الدكتور القفاري عادلاً في حكمه وبقصد الدفاع عن الدين وقد توصل إلى تلك النتائج الموهومة على طبق الموازين العلمية، فيجب عليه أن يطبق النتائج التي توصل إليها في كتب الشيعة على كتب أهل السنة: كموطأ مالك، صحيحي البخاري ومسلم، سنن الترمذي والنسائي وأبي داود والبيهقي، ومسند أحمد والطيالسي، ومستدرك الحاكم ومعجم الطبراني ومصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة والمحلى لابن حزم الأندلسي وفضائل القرآن لابن سلام وتفسير الطبري والدرّ المنثور والقرطبي وغير ذلك من كتب الحديث وعلوم القرآن والتفسير من تأليف كبار العلماء والأئمة من أهل السنة.

فعلى الدكتور القفاري أن يتبرأ من هذه الكتب والمؤلفات ويحكم بأنّ كثرة الأخبار في هذا الباب يدل على الكيد والكذب على الإسلام والمحاربة لركنه العظيم ـ وهو القرآن ـ وفي نهاية المطاف ليقل: "لا ثقة بروايات أهل السنة بعد هذا..."!! حتّى يثبت عدالته ونثق بكلامه وإلاّ فالتعصب في المجال العلمي لا يؤدّي إلاّ إلى التفرقة وتضييع الحقائق وإضلال العباد كما لا يخفى.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:39 PM   #3
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 260


اتهام مفضوح

الدكتور القفاري وهو ينكر روايات أهل السنة قد اتّهم الشيخ الطوسي بالكذب حيث قال الشيخ الطوسي:


"رويت روايات كثيرة من جهة العامة والخاصة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع لكن طريقها الآحاد لا توجب علماً، فالأوْلى الاعراض عنها... لأنّه يمكن تأويلها"(1).



فقال الدكتور القفاري:


"إنّ ما زعمه الشيخ الطوسي أنّ العامة قد شاركوا طائفته في رواية هذا الكفر، كذب..."(2).



وتعليقاً على كلام الطبرسي الذي قال:


"روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً..."(3).



قال الدكتور القفاري:


"يحاول الطبرسي ـ كعادة هؤلاء ـ أن يشرك بعض أهل السنة الذين عبر عنهم "بحشوية العامة" في هذا الكفر كنوع من الدفاع عن المذهب وحفظ ماء الوجه ولون من النقد المبطن لاهل السنة"(4).



ولكنّ انكار الدكتور القفاري واتهامه للطوسي والطبرسي لا وجه له فإنّ روايات أهل السنة التي أوردنا شطراً منها تصدّق قولهما.


____________

1 ـ التبيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 3.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 292.

3 ـ مجمع البيان: ص 83.

4 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 295.
الصفحة 261


محاولة فاشلة

نعم الدكتور القفاري يقول في موضع آخر في مقام قبوله لتلك الرّوايات: إنّ الرّوايات الموجودة في كتب أهل السنة من جنس "روايات القراءات" أو "نسخ التلاوة" بخلاف روايات الشيعة التي هي من جنس التّحريف، وقد كرّر الدكتور القفاري هذا القول عشرات المرات ودافع عنه دفاعاً مريراً، فمثلاً تراه يقول:


"فكيف يجعل نسخ التلاوة كالقول بالتحريف إنْ ذلك إلاّ ضلال مبين وكيد متين... لان غاية ما تدل عليه تلك الآثار ان ذلك كان قرآناً ثمّ رفع في حياة الرسول والوحي ينزل..."(1).



وقال أيضاً:


"فمن يقل من الشيعة إنّ رواياتهم الواردة في كتبهم من جنس روايات القراءات ونسخ التلاوة فهو يتستر على هذا الكفر ويساوي بين الحق والباطل"(2).



ولكن كيف يمكن حمل كل روايات أهل السنة ـ التي أوردناها في المقام الأوّل "مبحث دراسة أحاديث التحريف في مصادر أهل السنة" ـ على القراءات أو نسخ التلاوة؟ وإذا كانت نظرية نسخ التلاوة من عند الله، وتعطي جواباً شافياً لقسم من الرّوايات، فلماذا هذا الترديد والإنكار من أهل السنة أنفسهم لهذه النظرية؟ وكيف تبطل نصوص تلك الرّوايات تلك النظرية؟ وإشكالات متعددة اُخر ذكرناها في المقام الأوّل، وعلى فرض المحال فلو قبلنا بأن القراءات أو نسخ التلاوة كلها من عند الله فإن الرّوايات الموهومة التي تقول بوجود اللّحن في القرآن والزيادة في القرآن وإلقاء الشياطين في الوحي القرآني وتغيير بعض الحكام في كلمات القرآن

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1019 وأيضاً ص 1044، 1054.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ج 1، ص 300 وأيضاً ص 248.
الصفحة 262

وغيرها من الرّوايات هل هي من جنس القراءات أو من جنس نسخ التلاوة؟؟

والأعجب من هذا، الإدّعاء الآخر الذي ذكره الدكتور القفاري بقوله:


"الإقرار بنسخ التلاوة أمر مشترك بين الفريقين وهو شيء آخر غير التّحريف"(1).



أولاً: من هو الذي أقرّ بنظرية نسخ التلاوة المزعومة من الأساطين الإمامية؟ ذكر الدكتور القفاري أسماء ثلاثة من علماء الإمامية وهم "شيخ الطائفة الطوسي" و"الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي مؤلف مجمع البيان" و"الشريف المرتضى علم الهدى" وقال: الاقرار بنسخ التلاوة أمر مشترك بين الفريقين...".

ثانياً: ما المقصود من "نسخ التلاوة" في عبارة الدكتور القفاري هل هو نسخ التلاوة دون الحكم أو نسخها مع الحكم؟ فالأول ورد مرّة واحدة وهي آية الرجم، والشيخان الطوسي والطبرسي قبلا هذا المورد فقط، ولكنّ تمام الرّوايات المزعومة والتي هي أكثر من أن تحصى ـ ما عدا هذا المورد ـ هي من باب نسخ التلاوة مع الحكم، ولا يوجد أحد من الإمامية يشترك مع غير الإمامية في هذا الأمر البيّن الغيّ وإليك تفصيل ذلك: قال شيخ الطائفة:


"ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم فإنّ وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه والآية التي كانت متضمنة له منسوخة بلا خلاف وهي قوله: "الشيخ والشيخة إذا زنيا..."(2).



وفي موضع آخر يقول شيخ الطائفة:


"وقد أنكر قوم جواز نسخ القرآن وفيما ذكرناه دليل على بطلان



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1021، وتابع الدكتور القفاري في ادّعائه هذا أفراد آخرون أمثال: "محمّد عبد الرحمن السيف" في كتابه "الشيعة الاثني عشرية وتحريف القرآن": ص 22.

2 ـ التبيان: ج 1، ص 13.
الصفحة 263


قولهم"(1).



وهذه العبارات بعينها ذكرها الدكتور القفاري عن الشيخ ولم يورد ما بعده.

فالشيخ الطوسي حينما ذكر جواز النسخ فإنّما أراد به الاستدلال على جواز النسخ في عالم الثبوت والإمكان ـ مقابل قول بعض المعتزلة بعدم جواز النسخ حتى في عالم الثبوت(2) ـ ولم ينظر الشيخ في كلامه إلى عالم الإثبات والوقوع، فقال الشيخ بعد استدلاله: "وفيما ذكرنا دليل على بطلان قولهم".

ثم قسّم الشيخ رحمه الله النسخ في الشّرع إلى ثلاثة أقسام، وقال في القسم الثالث (نسخ التلاوة مع الحكم) ما نصّه:


"الثالث ـ هو مجوّز وإن لم نقطع بأنـّه كان. وقد روي عن أبي بكر أنـّه



____________

1 ـ التبيان: ج 1، ص 394.

2 ـ اتفق أكثر الاصوليين على جواز نسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس ونسخهما معاً في عالم الثبوت والامكان واستدلوا على ذلك بدليل العقل والنقل وخالفهم شواذٌّ من المعتزلة حيث نسب إليهم بأنه لا يجوز نسخ الحكم وبقاء التلاوة لانّه يبقى الدليل ولا مدلول معه فحكى الزرقاني عن جماعة في منسوخ التلاوة دون الحكم أنـّه مستحيل عقلا. مناهل العرفان: ج 2، ص 125. وقال بعض: لا يجوز نسخ التلاوة مع بقاء حكمها لان الحكم تابع لها فلا يجوز ارتفاع الأصل وبقاء التّابع.

انظر: الأحكام للآمدي: ج 3، ص 128، اللُّمع: ص 58، شرح اللّمع: ج 1، ص 495 ـ 496. الذريعة (للسيد المرتضى): ج 1، ص 428 ـ 429 والمنخول: ص 297.

وامّا حديث آية الرجم ونسخ تلاوتها وبقاء حكمها فقد أخرجه الشيعة والسنة في كتبهم الحديثية في أبواب الحدود. والأصل في هذه القضية هي تفرد عمر بن الخطاب بنقله فالخبر واحد لا يثبت به نص القرآني ولا نسخه وإنَّ مقارنة الخبر بسياق بقيّة الآيات القرآنيّة واسلوبها تؤدي إلى انكار كونها قرآناً، هذا فضلاً عن أنّ عليّاً عليه السلام قد أنكر ـ بالملازمة وليس بالصراحة ـ كونها آية قرآنية فانه عليه السلام لمّا جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال:

((حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.))

انظر: جواهر الكلام: ج 41، ص 30، عوالي اللآلي: ج 2، ص 152 وج 3، ص 553 ورواه أحمد والبخاري والنسائي والحاكم وغيرهم فلو كان عليه السلام يرى أن حكم الرجم ثابت بآية قرآنية قد نسخت تلاوتها كما رأى عمر لم يقل ذلك.
الصفحة 264


كان يقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر"(1).



ولو دققنا في قول الشيخ: "هو مجوّز" فإنه يعني امكان حدوث النسخ ثبوتاً لكنّه في مقام الإثبات قال: "لم نقطع بأنـّه كان" أي لم يثبت النسخ في عالم الإثبات والوقوع، وما ورد في الرّوايات ليس آية قرآنية حتى يمكن اعتبارها قسماً من النسخ وإنما هي روايات آحاد لا حجّة فيها في المقام.

هذا الكلام كان في مورد شيخ الطائفة، وأمّا الشيخ الطبرسي فهو كالشيخ الطوسي ذهب إلى أنّ الآية الوحيدة التي جرى فيها نسخ التلاوة دون الحكم هي آية الرجم(2).

أمّا السيد المرتضى رحمه الله فهو منكر لكلا هذين القسمين من النسخ; ولا أدري من أين جاء الدكتور القفاري بهذه النسبة للسيد المرتضى إذ يقول:


"وهو (أي السيد المرتضى) يقرّ بنسخ التلاوة ففي كتابه الذريعة قال: "فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دونه ثم تكلّم عن ذلك"(3).



ونحن نعجب من الدكتور القفاري كيف فهم من عبارة المرتضى القول بجواز نسخ التلاوة في عالم الوقوع والإثبات، والحال إنا ننقل لك نصّ عبارته لتتضح لك واقعية الدكتور القفاري. قال السيد المرتضى:


"فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دونه... مثال نسخ الحكم دون التلاوة نسخ الاعتداد بالحول وتقديم الصدقة أمام المناجاة ومثال نسخ التلاوة دون الحكم غير مقطوع به لأنـّه من جهة



____________

1 ـ التبيان: ج 1، ص 398.

2 ـ مجمع البيان: ج 1، ص 180.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1021.
الصفحة 265


خبر الآحاد... وهكذا مثال نسخ الحكم والتلاوة معاً موجود ـ أيضاً ـ في أخبار الآحاد..."(1).



فالسيد المرتضى ـ كالشيخ الطوسي ـ في مقام بيان أنّ نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دونه ثبوتاً جائز أو لا، فمثال نسخ الحكم دون التلاوة هنا موردان من الآيات يمكن الاتيان بهما لأنـّه مقطوع به وأمّا في مقام نسخ التلاوة دون الحكم أو معه فهو غير مقطوع به لانّ طريقه هو خبر الواحد، إذ ان نسخ الآيات القرآنية ـ كالآيات القرآنية نفسها ـ يجب أن يكون متواتراً ومقطوعاً به، وعلى هذا يكون نسخ التلاوة بكلا قسميه مردوداً عنده لأن أخبارهما آحاد وبناء على هذا فكيف يمكن للقفاري أنْ يقول بأنّ السيد المرتضى يذهب إلى قبول نسخ التلاوة؟

على هذا فإنَّ كل ما عند الدكتور القفاري من جواب لروايات أهل السنَّة هو نسخ التلاوة أو القراءة الواردة فنسخ التلاوة موهوم لا غير وادّعاؤه بأنـّه مشترك بين الفريقين كذب لا غير وأمّا القراءة الواردة فإنّها من عند الله إذا كانت تلك الرّوايات في كتب أهل السنة فقط لا في كتب الآخرين. قال الدكتور القفاري:


"الأحاديث الصريحة الدلالة في أنّ كلّ واحد من القرّاء قد أخذ قراءته من الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهي مخالفة لقراءة صاحبه وأنّ النبىّ أقرّ كلاً منهم وأخبر بأنها هكذا نزلت فبان أنّ الجميع نازل من عند الله"(2).




____________

1 ـ الذريعة إلى اصول الشريعة: ج 1، ص 429.

وهما آيتان، الاولى من سورة البقرة: الآية 240 وهي آية نسخ الاعتداد بالحول، والاخرى من سورة المجادلة: الآية 12 وهي آية نسخ الصدقة أمام المناجاة. فعلى هذا فإمكان النسخ وجوازه، أمر متفق عليه بخلاف وقوعه ووروده، والمنقول من جمهور الاصوليين هو الجواز ونسب بعض الخلاف إلى شاذ من المعتزلة. انظر: البيان: ص 206 و279 و284.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1035.
الصفحة 266

فعلى هذا كل قراءة في زعم الدكتور القفاري من عند الله لكن إذا كانت نفس تلك الرّوايات في كتب الشيعة فإنها من باب كذب وافتراء.

فعلى سبيل المثال جاءت في بعض مصادر الشيعة(1) قراءة الآية بدون كلمة "عن" في الآية الشريفة (يسألونك عن الأنفال...) فقال الدكتور القفاري:


"وغرض الرافضة من هذا الزعم أنّ الأنفال كانت خاصة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم هي للأئمة الاثني عشر المعصومين من بعده والصحابة إنما كانوا يسألون الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يعطيهم منها على سبيل الصدقة ولم يكن سؤالهم عن حكمها وهذا لا يتأتى للرافضة إلاّ بحذف كلمة "عن"(2).



لكن هذه القراءة توجد في مصادر أهل السنة عن كثير من الصحابة والتابعين(3)بل نقل "ابن جرير" عن بعض انهم قالوا:


"نزلت الآية لأنَّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر فأعلمهم الله أنَّ ذلك للّه ولرسوله دونهم"(4).




____________

1 ـ وردت هذه القراءة عن ائمة الهدى عليهم السلام: الإمام علي بن الحسين والصادقين عليهم السلام. انظر التبيان للطوسي: ج 5، ص 86 ـ 87.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1011. ورأى في موضع آخر أن قراءة الآية بدون كلمة "عن" من وحي الشيطان وحقد على الإسلام وأهله. اصول مذهب الشيعة: ص 1007، الهامش رقم 2.

3 - كابن مسعود و سعد بن ابي وقاص وزيد بن علي وعطاء والضحاك وغيرهم راجع: الاعراب للنحاس: ج 1، ص 664، البحر المحيط: ج 4، ص 456، التبيان للشيخ الطوسي: ج 5، ص 86 - 87 وجامع البيان للطبري: ج 6، ص 176.

4 ـ جامع البيان: ج 6، ص 174.
الصفحة 267

فهل يريد الدكتور القفاري أصرح من هذا، فلماذا افترى على الشيعة وقال: "وهذا لا يتأتّى للرافضة إلاّ بحذف كلمة "عن".

ومثله كثير وسيأتي بعضه(1).

وهنا نستعرض نكاتاً قصيرة في أصل وجود روايات أهل السنة، وموقف الدكتور القفاري منها، ونقف هنا وقفة قصيرة لمقارنة "أجوبة" أهل السنة ـ عن رواياتهم ـ بمعايير الدكتور القفاري وموازينه.


____________

1 ـ انظر على سبيل المثال مبحث: "مضامين روايات التّحريف في كتب الشيعة" و"هل انكار المنكرين لهذا الكفر من قبيل التقية".


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:39 PM   #4
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 268


نظرة إلى أجوبة أهل السنّة وموازين الدكتور القفاري

لو وازنّا بين أجوبة علماء أهل السنة ومعيار الدكتور القفاري لتوصّلنا إلى نتائج عجيبة غريبة، فمثلاً حينما قال العلاّمة البلاغي (ت / 1352 هـ.) في أسانيد روايات الشيعة التي ظاهرها يدل على وقوع التّحريف في القرآن ما نصّه:


"منها ما لا يتيسر احتمال صدقها ومنها ما هو مختلف باختلاف يؤول إلى التناقض والتعارض... هذا مع أنّ القسم الوافر من الرِّوايات ترجع أسانيدها إلى بضعة أنفار وقد وصف علماء الرجال كلاًّ منهم إمّا بأنـّه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية وإمّا بأنـّه مضطرب الحديث والمذهب... وإمّا بأنـّه كذّاب متهم... وإمّا بأنـّه ضعيف لا يلتفت إليه و..."(1).



وهو ما ذهب إليه الميرزا مهدي الشيرازي (ت / 1381 هـ.) في مجال هذه الأخبار(2).

ردّ عليهم الدكتور القفاري بعد نقل عباراتهم بقوله:


"هذا قول البلاغي والشيرازي في رجالهم وأسانيدهم.

ولسنا بحاجة إلى حكم الروافض ولكن نذكرها لبيان تناقض أقوالهم وشعورهم بتفاهة قولهم وسقوطه ومحاولتهم التستر على مذهبهم أو نفي هذا الكفر والعار الذي ألحقه بالطائفة شيوخهم الأوائل"(3).



أقول: إذا كان تقييم الدكتور القفاري صحيح ومنصف بالنسبة لحكم العلماء

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ج 3، ص 1038 عن آلاء الرحمن: ص 26 وقد أوردنا سابقاً تمام عبارة العلاّمة البلاغي في المقام الأوّل.

2 ـ المعارف الجلية: ص 18.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ج 3، ص 1039.
الصفحة 269

المعاصرين من الشيعة كالبلاغي والشيرازي على رواة وروايات التّحريف فهل يمكن للدكتور القفاري تطبيق هذا الحكم ـ العادل والصائب!! ـ على بعض العلماء المعاصرين من أهل السنة الذين حكموا بضعف رواة وروايات التّحريف ووضعها وجعلها ويقول:


"هذا قول الآلوسي ومصطفى زيد ورشيد رضا ومحمد أبو زهرة و... في رجال أهل السنة وأسانيدهم... نذكرها لبيان تناقض أقوالهم وشعورهم بتفاهة قولهم وسقوطه ومحاولتهم التستر على مذهبهم أو نفي هذا الكفر والعار الذي الحقه بأهل السنة شيوخهم الأوائل..."(1).



وهل أذعن الدكتور القفاري إلى أنّ ما حكم به على جواب العلاّمة الطباطبائي من الإمامية قد شمل أجوبة بعض علماء أهل السنة إذ يقول العلاّمة:


"المراد في كثير من روايات التّحريف من قولهم عليهم السلام كذا اُنزل، هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل..."(2).



فقال الدكتور القفاري:


"فهذا تأكيد للاُسطورة وليس دفاعاً عنها، ذلك أنّ من حرّف وردّ وأسقط النصوص النازلة من عند الله والتي تفسر القرآن وتبيّنه هو لردّ وتحريف الآيات أقرب..."(3).



ألم يكن هذا هو نفس جواب علماء أهل السنّة عن رواياتهم؟ ألم يعدّ جمع من علمائهم أمثال "أبو عبيد القاسم بن سلاّم" و"الحافظ أحمد العاصمي" و"ابن حزم الاندلسي" و"بدر الدين الزركشي" وغيرهم تلك الرّوايات من باب التفسير

____________

1 ـ انظر المقام الأوّل: أجوبة أهل السنّة عن روايات التّحريف.

2 ـ الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 108.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 998.
الصفحة 270

والسنّة؟

ففي هذه الصورة وطبق معيار الدكتور القفاري أليست أقوال هؤلاء أقرب إلى رد وتحريف الآيات، وتأكيداً للاُسطورة...!؟

فلو ركنّا إلى معيار وموازين الدكتور القفاري في البحث والدرّاسة عن تلك الرّوايات لصار علماء كلّ من الفريقين ممّن يقول بالتحريف بحسب نظره، وسنشير لاحقاً الى بعض المقاييس الاُخر للدكتور القفاري.

هذا، ولو اتّبع الدكتور القفاري وأضرابه الموازين العلمية وابتعدوا عن التعصبات ثمّ وَلَجوا في مثل هذه الأبحاث لتوصلوا قطعاً إلى النتيجة التي تستفاد من روح تعاليم الوحي والتي اعترف بها محققو الفريقين واستدلوا عليها، وهي: "إذا وجدنا لهذه الرّوايات تأويلاً صحيحاً متّفقاً مع السليقة القرآنية فهذا أمر مقبول لا محالة وإلاّ فيجب تبرئة ساحة القرآن المقدسة عن هذه الأوهام لوجود الأدلة القاطعة على صيانة القرآن عن التّحريف; سيـّمـا وأنّ نصوص بعض تلك الرّوايات يعتبر خير شاهد على أنـّها أجنبية بالمرّة عن كلام الله تعالى." فلا ينبغي لاحد نسبة القول بتحريف القرآن لأيّة طائفة بسبب وجود بعض الرّوايات في كتبهم أو وجود عدّة قليلة ممّن قبلت هذه الرّوايات، والقاء مسؤولية تلك الرّوايات والقائلين بها على عهدة تلك الطائفة بأجمعها.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:40 PM   #5
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 271


حديث مصحف الإمام علي عليه السلام في سطور

وهناك مطلب آخر ذكره الدكتور القفاري في مدخل موضوع بحثه، يرتبط بمصحف الإمام علي عليه السلام حيث قال:


"ومن أمر هذه الدعوى والتي وجدت في محيط الشيعة... أنـّها ولدت وفي أحشائها أسباب فنائها وبراهين زيفها وكذبها... فهي تقوم على دعوى أنّ القرآن ناقص ومغير... وان القرآن الكامل المحفوظ من أي تغيير هو عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم أورثه الأئمة من بعده...

ولو كان لدى أمير المؤمنين غيره لأخرجه للناس ولم يجز أن يتعبّد الله بكتاب محرّف وناقص، ولتدارك الأمر حين أفضت إليه الخلافة; لأن من أقرّ الخائن على خيانته كان كفاعلها...

لم يجد أصحاب هذا الافتراء ما يجيبون به عن هذا السؤال الكبير الذي ينسف بنيانهم من القواعد سوى قولهم على لسان عالمهم نعمة الله الجزائري...

كما أنـّهم ربطوا ـ والكلام للقفاري ـ وجود المصحف بإمامهم المنتظر... والإمام الغائب والمصحف الغائب كلاهما وهم وخيال..."(1).



فالدكتور القفاري في موارد متعددة تحدّث عن مصحف الإمام علي عليه السلام، وكل مرة يستعمل أقبح الألفاظ وأهجنها، التي هي في الواقع بعيدة كلّ البعد عن ذوق كلّ محقق يطلب الحقيقة والدفاع عن دين الله.


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ج 1، ص 202.
الصفحة 272

بل إنّه يفرد بحثاً مستقلاً(1) تحت عنوان "مصحف [الإمام] علي" يستنتج في نهايته أنّ:


"... أوّل كتاب تعرض لهذه الفرية هو كتاب سليم بن قيس حيث نجد الصورة لهذه الفرية في بدايتها فترد هذه المسألة في أثناء روايتين... وفيها "أن عليّاً لزم بيته حتى جمع القرآن وكان في المصحف والرِّقاع..."(2).



وهذا الخبر لمصحف الإمام علي عليه السلام في كتاب سليم بن قيس، يوجب عند الدكتور القفاري أن يحكم ويقول:


"وقد سجلت هذه المقالة ـ أي تحريف القرآن ـ في أول كتاب ظهر لهم... وهو كتاب سليم بن قيس"(3).



ونحن قد تكلمنا عن جميع الخطوط العامة لمسألة مصحف الإمام علي عليه السلام من مصادر الفريقين في المقام الأوّل، وسترى قريباً "في مبحث مصحف الإمام علىّ" أن خبر مصحف الإمام علي عليه السلام في كتب أهل السنة فاق روايات الشيعة وبعضها وردت بأسانيد صحيحة ومتضافرة.

وعلى هذا، فقول الدكتور القفاري بأنّ خبر هذا المصحف وجد منحصراً في محيط الشيعة وهذا المصحف وَهم وخيال وكذلك قوله بأنّ هذا المصحف في نظر الشيعة خال من التغيير والتّحريف بخلاف المصحف الموجود، وكذلك قوله: الوحيد الذي أجاب عن ذلك السؤال الكبير ـ وهو إذا كان عند الإمام علي عليه السلام مثل هذا المصحف فلماذا لم يخرجه للناس ـ السيد نعمة الله الجزائري، كل هذه

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 339 و1022 و...

2 ـ نفس المصدر: ص 235 ـ 236.

3 ـ نفس المصدر: ص 1281.
الصفحة 273

الدعاوي من سوء الفهم والتجاهل من الدكتور القفاري لأنـّه:


أولاً: إن خبر مصحف الإمام علي عليه السلام في مصادر الفريقين ورد متواتراً معنى.

ثانياً: إن المصحف الموجود عند المسلمين عامّة بنظر علماء ومحققي الإمامية مصون عن كل نوع من التغيير والتّحريف وقد عرضنا عليك في المقام الأوّل أقوالهم وأدلتهم، وقلنا: إنّ مصحف الإمام علي عليه السلام عند محققي الإمامية ـ وهم أكثرهم ـ مشتمل على التنزيل الذي هو بمعنى شرح المراد من الله والتأويل وما يرجع إليه الكلام من المعاني ظاهراً وباطناً وكذا بيان شأن النزول والناسخ والمنسوخ و... وبيّنا هناك أنّ هذه الامور لا مساس لها بمسألة التّحريف اطلاقاً.

ثالثاً: ذلك السؤال الذي هو في الواقع متوجه لكلا الفريقين لا الى الشيعة فقط، أجاب عنه كلّ علماء الإمامية ـ ما عدا قلّة من الأخباريين ـ بقولهم:


"لو كانت مخالفة مصحف الإمام في بعض الحقائق الدينية متعلقة بالوحي القرآني لعارضهم بالاحتجاج ودافع عنه ولم يقنع بمجرد اعراضهم عما جمعه واستغنائهم عنه"(1).



وعلى هذا فلم يكن المحدث الجزائري هو الوحيد الذي أجاب عن السؤال.

هذا، ولنا في مبحث مصحف الإمام علي عليه السلام في هذا المقام بحث مفصّل نسبياً فانتظر.

إلى هنا كانت وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري لمدخل مبحثه "هل الشيعة تقول بأنّ في كتاب الله نقصاً أو تغييراً" والآن نشرع بإذن الله في أصل المبحث وهو تحت عنوان "دعاوى الدكتور القفاري في ميزان النقد".


____________

1 ـ الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 116.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:41 PM   #6
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 275


دعاوى الدكتور القفاري في ميزان النقد

قال الدكتور القفاري بعد مدخل الموضوع:


"وفيما يلي نبدأ بدراسة هذه القضية عند الشيعة ومتى بدأت وكيف امتدت، ومن الذي تولى كبر وضعها، وهل تقول الشيعة كلها بذلك أم فيها من أنكر وتبرأ؟ وسنذكر أولاً ما تقوله كتب السنة ثم نرجع لتحقيق ذلك من كتب الشيعة الإثني عشرية نفسها"(1).




____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ج 1، ص 203 ـ 204.
الصفحة 276


بداية هذا الافتراء كما تقوله مصادر أهل السنة

يتّضح لنا من هذا العنوان أنه يحاول كشف نقطة البداية في تحريف القرآن من وجهة نظر الإمامية في مصادر أهل السنة، فهو في تفحصه، يتشبث بقول ابن الانباري (ت 328) إذ يقول:


"يقول الإمام أبو بكر محمّد بن القاسم الانباري: "لم يزل أهل الفضل والعقل يعرفون شرف القرآن وعلو منزلته... حتى نبغ في زماننا هذا زائغ عن الملة بما يحاول به ابطال الشريعة فزعم ان المصحف الذي جمعه عثمان باتفاق أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله على تصويبه فيما فعل لا يشتمل على جميع القرآن إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف... (ثم ذكر ابن الانباري) ان هذا الزنديق اخذ يقرأ القرآن على غير وجهه زندقة والحاداً فكان يقرأ: (ولقد نصركم الله ببدر بسيف علي وأنتم أذلة)"(1).



وكما ترى فان ابن الأنباري لم يبين هويّة هذا الشخص ومذهبه، وكذا القرطبي الذي نقل كلام ابن الأنباري لم يذكر شيئاً فيما يتعلق بهذا الناقل، ولكن الدكتور القفاري تمكن من معرفة هوية القائل حين قال:


"هذا النص قاله ابن الانباري المولود سنة (271 هـ) والمتوفى سنة (328 هـ) وهو يشير إلى ان هذا الافتراء بدأ في زمنه... ويدل النص المذكور على أن مصدر هذا الافتراء من طائفة الشيعة كما تفيده تلك الزيادة المفتراة (بسيف علي)... وكأنّ ابن الانباري بهذا يشير إلى شخص بعينه إلاّ انه لم يذكره باسمه... ولكن بدت هويته المذهبية من



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 204 عن القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن": ج 1، ص 80 ـ 81.
الصفحة 277


خلال افتراءاته"(1).



فهل أصاب الدكتور القفاري الحقيقة في اكتشافه هذا؟؟

لنرجع الآن إلى كلام "القرطبي" في تفسيره الذي نقل لنا كلام "ابن الانباري" كي نعرف هوية مذهبية هذا الشخص من خلال "افتراءاته" الاُخرى ونعرف صحة دعاوى الدكتور القفاري في هذا المجال.

قال القرطبي أيضاً فيما ينقل عن "ابن الانباري":


"فزعم ـ هذا الزائغ ـ ان المصحف الذي جمعه عثمان رضي الله عنه لا يشتمل على جميع القرآن إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف... فمنها: "والعصر ونوائب الدهر" ومنها: "حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس ـ وما كان الله ليهلكها إلاّ بذنوب اهلها ـ" وادعى أنّ عثمان والصحابة زادوا في القرآن ما ليس فيه... وادعى أنّ المصحف الذي في أيدينا اشتمل على تصحيف حروف مفسدة مغيّرة...

وقال هذا القائل: لي ان اخالف مصحف عثمان كما خالفه أبو عمرو بن العلا فقرأ: "اِنّ هذين لساحران"...(2)


وقد مرّ عليك في المقام الأوّل أن قائل هذا القول... "ان المصحف الذي جمعه عثمان لا يشتمل على جميع القرآن إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف" في الأصل هي "عائشة" أمّ المؤمنين فقد نقل عنها "مصعب بن الزبير" أنها قالت:


"كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبىّ صلّى الله عليه وسلّم مائتي



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 204.

2 ـ الجامع لاحكام القرآن: ج 1، ص 80 ـ 81.
الصفحة 278


آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ما هو الآن"(1).



وأيضاً ما قاله ابن الانباري عن ذلك الشخص في قراءة سورة "العصر" لم يرد في مصادر الشيعة قط بل جاء في كتاب "فضائل القرآن"(2). لأبي عبيد القاسم بن سلاّم من أهل السنة وما قاله "ابن الانباري" بقوله: "وذكر هذا الإنسان أنّ اُبي بن كعب هو الذي قرأ... "كأن لم تغن بالأمس ـ ما كان الله ليهلكها إلاّ بذنوب أهلها ـ" هذا الاختلاف في القراءة أيضاً يوجد في مصادر أهل السنة(3) لا الشيعة، كما أن أصل اختلاف القراءة في قراءة "ان هذان لساحران" أيضاً عن عائشة حيث قالت: "هذه الآية ـ وآيات أخرى ـ من عمل الكتّاب أخطأوا في الكتابة ورأت أنّ الصحيح قراءتها بالنصب(4).

وأمّا ما قاله "ابن الانباري": "... وحكى لنا آخرون عن آخرين أنـّهم سمعوه يقرأ: (ولقد نصركم الله ببدر ـ بسيف علي ـ وأنتم أذلة...) فهذه القراءة لا توجد في كتب التفسير بالمأثور من الشيعة كتفسير "البرهان" و"نور الثقلين" وتفسير "القمي" و"العياشي" وغيرها. فلو كان هذا الشخص شيعياً لَوُجِدَت قراءته في أحد هذه الكتب وما شابهها على أقلّ تقدير، نعم يوجد نحوها في شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي النيسابوري وهو من كبار المحدثين في القرن الخامس من أهل السنة بأسانيد عن عبد الله بن مسعود وابن عباس، ومثله(5) في تفسير الدرّ المنثور للسيوطي عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود:


____________

1 ـ انظر: مبحث "دراسة روايات التّحريف في مصادر أهل السنة".

2 ـ فضائل القرآن: ص 189.

3 ـ المصدر السابق: ص 173.

4 ـ انظر: المقام الأوّل، مبحث "دراسة روايات التّحريف في مصادر أهل السنة"، الطائفة الاولى.

5 ـ شواهد التنزيل: ج 2، ص 7 ـ 18.
الصفحة 279

إنـّه كان يقرأ الآية: (كفى الله المؤمنين القتال ـ بعلي بن أبي طالب ـ)(1).

ومع هذا كلّه كيف يدّعي الدكتور القفاري إنـّه كشف عن هوية هذا الشخص الشيعية!! وهذه الرّوايات في مصادر أهل السنة والقائلون بها منهم، بل إن كان الدكتور القفاري وغيره يريدون أن يعرفوا هذا الرجل بشخصه، فهذه هو الخطيب البغدادي صرّح بأبلغ التصريح بأنّ هذا الشخص لا يكون إلاّ "أبا الحسن محمّد بن أحمد المقري" المعروف "بابن شنبوذ" وهو من كبار علماء أهل السنة(2) (ت 328) قال:


"كان قد تخيّر لنفسه حروفاً من شواذ القراءات تخالف الاجماع فقرأ بها، فصنّف أبو بكر بن الأنباري وغيره كتباً في الردّ عليه"(3).



وهذا أبو شامة المقدسي في كتابه "المرشد الوجيز" قال:


"هذا الشخص المشار إليه هو "أبو الحسن محمّد بن أحمد بن أيوب المقري" المعروف "بابن شنبوذ البغدادي" في طبقة ابن مجاهد..."(4).




____________

1 ـ الدرّ المنثور: ج 6، ص 590.

2 ـ فابن شنبوذ (ت 328) هو شيخ الإقراء بالعراق، وعاش في عصر ابن الانباري (ت 328) والذي يقول عنه ابن الانباري: "حتى نبغ في زماننا هذا زائغ عن الملّة..." ونسب بعض تلك القراءات إلى ابن شنبوذ ثم تاب عن تلك القراءات، ولعلّ لتوجيه امر الوزير بضربه سبع درر عليه نسب إليه قراءات أخرى اتهاماً وإلاّ ليس الضرب لأجل القراءات فقط بل سببها الأصلي على ماذكره ابن الجزري هو: "ان أصل الإستتابة والضرب لان ابن شنبوذ كان يحط من قدر ابن مجاهد ويقول: هذا العطشى (أي ابن مجاهد) لم تغبر قدماه في طلب العلم (أي لم يرحل من بغداد)" انظر: غاية النهاية في طبقات القراء: ج 2، ص 52 ـ 56 ومعرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: ص 157، ومعجم الأدباء: ج 6، ص 300.

3 ـ تاريخ بغداد: ج 1، ص 280، رقم الترجمة 122.

4 ـ المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز: 187. ونقل أبو شامة هذه أيضاً عن إسماعيل الخطبي (إسماعيل بن علىّ بن إسماعيل أبو محمد) في كتابه التاريخ، وانظر أيضاً: النشر في القراءات العشر: ج 1، ص 17.
الصفحة 280

فهل يريد الدكتور القفاري إعلاماً أصرح من هذا. والعجيب انّ الدكتور القفاري مع علمه (أو على الأقل على ظنّه) بذلك لاشتهار قضية ابن شنبوذ وأنـّه عاش في عصر ابن الانباري ـ ووجود كتاب "المرشد الوجيز" لابي شامة في دليل المراجع من كتابه(1) وغيره من القرائن ـ اختلق هذه الأقاويل!

واعجب من هذا أنّ الدكتور القفاري لإدامة مسرحيته كان قد جعل ذلك الشخص هشام بن الحكم متشبثاً بكلام الملطي فقال:


"بينما نجد الملطي (ت 377) يشير إلى هذا الشخص صاحب الفرية هو هشام بن الحكم فانه زعم أن القرآن الذي في أيدي الناس وضع أيام عثمان، وأما القرآن فقد صعد به إلى السماء لردّة الصحابة بزعمه..."(2).



واذاً نسأل الدكتور القفاري: كيف يمكن أن يكون هذا الشخص هشام بن الحكم الذي توفي قبل ولادة ابن الانباري بـ 190 سنة حيث أن ابن الانباري ولد في (271 هـ.)، وقد ذكر "ابن الانباري" أنّ هذا الشخص حيّ يرزق في زمانه وعصره حيث قال "... حتى نبغ في زماننا هذا زائغ عن الملة..." قال الدكتور القفاري اعتماداً على اكتشافه!!


"... إذا لاحظنا أن هذه الفرية مرتبطة أشد الارتباط بمسألة الإمامة والأئمة عند الشيعة... إذاً أدركنا ذلك فإنّه لا يبعد أن يكون ما قاله "الملطي" في أن هشاماً هو الذي تولى كبر هذا الافتراء..."(3).



ثمّ يضيف بضرس قاطع:


____________

1 ـ فقد ذكره في دليل مصادره، بالرقم 278.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 205.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 205.
الصفحة 281


"لا يبعد أن يكون هذا واقعاً، لا سيما أنّ هشاماً كان أول من تكلّم في الإمامة حتى قال ابن النديم: إن هشام بن الحكم ممّن فتق الكلام في الإمامة... وقال ابن المطهر الحلّي: وكان ممّن فتق الكلام في الإمامة وهذّب المذهب بالنظر..."(1).



أقول: أما كان ينبغي للدكتور القفاري أن يتأمل ولو يسيراً في كلام الملطي؟! فإنّ الملطي يرمى هشام بن الحكم(2) بالافتراء وقال: إنّ عقيدته في القرآن هي: "...


____________

1 ـ المصدر السابق. وقال الدكتور القفاري في موضع آخر من كتابه: "إنّ قول هشام بفرية دعوى التحريف للقرآن، استشرى داؤها في مذهب الاثنى عشرية". المصدر نفسه: ص 530.

2 ـ انظر ترجمة "هشام بن الحكم" في معجم رجال الحديث: ج 19، ص 271، الرقم 13329، واقوال العلماء في جلالة امره. قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى: "هشام بن الحكم كان من اكبر أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام وكان فقيهاً، وروى حديثاً كثيراً وصحب ابا عبد الله عليه السلام وبعده ابا الحسن موسى عليه السلام وكان يكنّى ابا محمّد وابا الحكم، وكان مولى بني شيبان وكان مقيماً بالكوفة وبلغ من مرتبته وعلوّه عند أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام انه دخل عليه بمنى وهو غلام اول ما اختطّ عارضاه وفي مجلسه شيوخ الشيعة كحمران بن اعين وقيس الماصر ويونس بن يعقوب وأبي جعفر الاحول وغيرهم فرفعه على جماعتهم وليس فيهم إلاّ من هو اكبر سنّاً منه.

فلما رأى أبو عبد الله عليه السلام ان ذلك الفعل قد كبر على أصحابه قال: هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده...". الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ص 50 ـ 52.

اما حديث اتهام هشام بن الحكم وغيره من خواص أصحاب الأئمة فامر عادي لا يبعث على العجب، فالمخالفون بدلاً من مقابلة الاستدلال القويم والقوي بمثله، ونتيجةً لعجزهم عن الجواب وعدم ركونهم إلى الحقّ فانهم يلجأون إلى الخدش في هشام بن الحكم وامثاله مريدين اطفاء النور من مشكاتهم حتى يصموا اسماع الناس عن الحقائق ويسقطوا قيمة اولئك العلماء في نفوسهم فيتهمونهم بشتّى التهم كقولهم، هو يقول: "القرآن فقد صعد به إلى السماء" تارةً وأخرى يتهمونه أيضاً بأنه يقول: "انه تعالى جسم" وأكثر تلك الشائعات لا أساس لها من الصحّة وهي في الحقيقة مجرّد اتهامات لا صلة لها بالواقع، وتوسعت رقعة الاتهامات بشكل كبير حتى ان بعض أصحاب الأئمة الطاهرين أيضاً وقعوا تحت تأثير تلك الشائعات واصبحوا في مقام الاستفسار من الأئمة الطاهرين حول وضع أصحاب الأئمة والاشاعات والتهم التي تحاك ضدّهم، والدكتور القفاري هنا ـ كما هو شأنه دائماً ـ لم يأت بجميع الرّوايات المرتبطة بهشام بن الحكم والتي تتحدث عن خلقه العالي واخلاصه للأئمة وتفانيه في الدين وذبّه عن حمى الإسلام مقابل الزنادقة والمبتدعة، نعم ترك الدكتور القفاري كل ذلك واعتمد على روايات أخذ منها مقطعاً وترك أوله وآخره ممّا يوهم ان هشاماً يقول بالتجسيم وأسس على ذلك عنوان مبحث في عقائد الشيعة وطبل وزمّر لها كثيراً لما أسماه (الغلو في الاثبات والتجسيم عند الشيعة) وهو مما يعتبر خيانة عظمى للعلم والمعرفة، وسيأتيك توضيح اكثر لهذه النقطة وسنعرض عليك رواية هشام بكاملها لتتضح لك الخيانة العلمية للقفاري في عدم النقل الصحيح من مصادرنا ومصادرهم والذي اخذ به على نفسه في أول الكتاب. (حيث قال: "الموضوعية الصادقة ان تنقل من كتبهم بأمانة" اصول مذهب الشيعة: ص 15.) ونكتفي هنا بكلام فذّ عن السيد المرتضى رحمه الله.

قال السيد المرتضى علم الهدى (ت 436) في معرض ردّه على اتهامات القاضي عبد الجبار حيث قال:


"وبيّن شيخنا أبو علي... ان هشام بن الحكم قال بالتجسيم وبحدوث العالم...". الشافي: ج 1، ص 82.



فقال السيد المرتضى في جوابه:


"ونحن مبيّنون عمّا في كلامه من الخطأ والتحامل. فاما ما رمى به هشام بن الحكم رحمه الله بالتجسيم فالظاهر الحكاية عند القوم بالجسم لا كالاجسام ولا خلاف في ان هذا القول ليس تشبيهاً ولا ناقضاً لاصل ولا معترضاً على فرع وانه غلط في عبارة يرجع في اثباتها ونفيها إلى اللغة.

واكثر اصحابنا يقولون: انه أورد ذلك على سبيل المعارضة للمعتزلة، فقال لهم: إذا قلتم ان القديم تعالى شيء لا كالاشياء فقولوا: انه جسم لا كالأجسام.

وليس كل من عارض بشيء وسأل عنه يكون معتقداً له متديناً به...". الشافي: ج 1، ص 83 ـ 84.



ثمّ بدأ بعرض الاتهامات الموجّهة الى هشام واحداً واحداً، وأجاب عنها جواباً قاطعاً لا يقبل الجدال وان شئت فراجع الشافي في الامامة لتتضح لك الصورة أكثر. وطبيعي أنَّ مثل جواب السيد المرتضى لا يشفي قلب الدكتور القفاري واضرابه وهو "انه أورد ذلك على سبيل المعارضة" لأن ذلك نقله أكثر علماء الإمامية، ولكننا نحيل الدكتور القفاري إلى مصدر معتمد عنده وهو الملل والنحل للشهرستاني حيث يقول:


"وذلك انه [أي هشام بن الحكم] الزم العلاف فقال: انك تقول: الباري تعالى عالم بعلم... فلِمَ لا تقول: انه جسم لا كالاجسام...". الملل والنحل: ج 1، ص 185.


الصفحة 282
الصفحة 283

القرآن فقد صعد به إلى السماء لردّة الصحابة بزعمه" فمع صعود القرآن الواقعي إلى السماء; أولاً: كيف يدّعي ذاك الشخص الذي يعيش في عصر ابن الانباري بأنـّه يأخذه ويقرأ به. وثانياً: إنّ الشخص الذي يعيش في زمن ابن الانباري قد زعم: "إنّ المصحف الذي جمعه عثمان لا يشتمل على جميع القرآن إذ كان قد سقط منه خمسمائة حرف..." ولكن الملطي يقول في مورد هشام ما نصه: "زعم أن القرآن الذي في أيدي الناس وضع أيّام عثمان" وهذا يعني أن هوية هذا القرآن الموجود تختلف جوهرياً عن القرآن الصاعد إلى السّماء لا أنـّه نفس هذا القرآن الموجود ونقص شيء منه. وعلى هذا كيف يمكن نسبة ذاك القول إلى هشام وأنـّى له ذلك؟

ثالثاً: تعبير "سيف علي" ما ربطه بمسألة الإمامة، حتى يعتبره الدكتور القفاري مرتبطاً أشدّ الارتباط بمسألة الامامة والأئمة عند الشيعة"؟ فتعبير "سيف علي" في الرواية على فرض صدورها يمكن أن يكون شرحاً وتفسيراً للآية وبياناً لمنقبة من مناقب الإمام التي لا تحصى، وقد ورد نحوها في تفسير "الدرّ المنثور"، ـ كما تقدّم ـ ويدعم ذلك الشواهد التأريخية(1). علماً ان هذا التعبير لم يستدل به أحد من علماء الإمامية المتقدمين والمتأخرين على مسألة النص على إمامة الإمام علىّ عليه السلام.

رابعاً: أي شخص من الخاصة أو العامة ذكر أن هشام بن الحكم لاجل مسألة الإمامة تمسك بهذا النوع من التعبير؟


____________

1 ـ انظر: السيرة النبوية لابن هشام [فصل] "ذكر من قتل المشركين يوم بدر": ج 1، ص 527 وما بعدها. فقد ذكر ابن هشام انّ نصف القتلى ببدر كان على يد الإمام علي عليه السلام أو مع حمزة عمه.
الصفحة 284

وخامساً: نسأل الدكتور القفاري ما علاقة قراءة سورة "العصر" بذاك الشكل وقراءة "إنّ هذين لساحران" بمسألة الإمامة؟

وأخيراً لا بدّ أن نذكر أنّ "ابن النديم" قال في هشام بن الحكم: من متكلمي الشيعة ممن فتق الكلام في الامامة وهذب المذهب بالنظر"(1).

وقد أورد هذه العبارة أيضاً "العلامة الحلّي" لكنّ الدكتور القفاري لم يورد عبارة "هذب المذهب بالنظر" من عبارة ابن النديم كي تصبح عبارة ابن النديم مطابقة لإرادته. والحال ان مراد "ابن النديم" وكذلك "العلامة الحلّي" هو أن هشام بن الحكم طرح مسألة الإمامة بشكل استدلالي وبرهاني، كما في محاجّته المعروفة مع عمرو بن عبيد، وإلاّ فمسألة الإمامة سابقة على زمان هشام بن الحكم(2).

ولعلّ الدكتور القفاري استوحى هذا الاكتشاف العجيب من "الدكتور الرافعي" ويحتمل أن يكون الرافعي أيضاً قد سلك خطّ غيره فهو حينما يعجز عن إيراد الدليل على قوله يلجأ إلى سلاح العاجز وهو الشتم والاتهام والقول الفاحش.

فان الرافعي يقول:


"أمّا الرافضة ـ أخزاهم الله ـ فكانوا يزعمون ان القرآن بدّل وغيّر وزيد فيه ونقص منه وحرّف عن مواضعه وان الأمّة فعلت ذلك بالسنة أيضاً وكل هذا من مزاعم شيخهم وعالمهم (هشام بن الحكم) لاسباب لا محل لشرحها هنا وتابعوه عليها جهلاً وحماقة"(3).



وما عسانا أن نقول في مقام الكلام عن تلك التعابير البعيدة عن التقوى

____________

1 ـ الفهرست: ص 223.

2 ـ ولمعرفة أول من تكلّم في الإمامة في الشيعة، انظر الغدير للشيخ عبد الحسين الاميني رحمه الله: ج 2، ص 191.

3 ـ اعجاز القرآن والبلاغة النبوية: ص 143 ط.التاسعة 1393.
الصفحة 285

والانصاف إلاّ ان نذكر قول الأستاذ الشيخ معرفة:


"كلّ كلمة من تعابيره هذه كذب فظيع وفرية شنيعة وإن شئت فقل كلّها سباب وشتائم لاذعة لا تليق بقلم كاتب أديب له شأن في امته وبلاده اللّهم إلاّ إذا استحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله والعياذ بالله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلّي العظيم والعاقبة للمتقين"(1).



وبعد أن أتمّ الدكتور القفاري قوله في هشام انتقل الدور إلى "مؤمن الطاق" فَلْنَرَ ماذا كتب الدكتور القفاري عنه بعد التتبع والبحث. يقول:


"فتشير القرائن ـ كما ترى ـ إلى هشام وشيعته فهذا يدل على أقل الإفتراضات ان هذه "الفرية" وجدت في عصر هشام وممّا يدل على وجود هذه الدعوى في تلك الفترة ما ذكره ابن حزم عن الجاحظ قال: أخبرني أبو اسحاق النظّام وبشر بن خالد أنهما قالا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق: "ويحك أما استحيت من الله أن تقول في كتابك في الإمامة ان الله تعالى لم يقل قط في القرآن: (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا) قالا: فضحك والله شيطان الطاق طويلاً حتى كأنا نحن الذي [كذا في المصدر والصواب الذين] أذنبنا"... وشيطان الطاق هو محمّد بن علىّ ابن النعمان أبو جعفر الأحول (ت 160 هـ)... فقد يكون أحد الشركاء في هذه "الجريمة" مع هشام بن الحكم فهو شريك في التأليف حول مسألة الإمامة والتي هي السبب والأصل للقول بهذا الافتراء..."(2).




____________

1 ـ صيانة القرآن عن التّحريف: ص 92.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ج 1، ص 207.
الصفحة 286

ويعلم من كلام الدكتور القفاري في مؤمن الطاق(1) ـ الذي سموه: شيطان الطاق ـ أنّ مؤمن الطاق بزعم هؤلاء يقول بتحريف القرآن بالزيادة لا النقيصة، يعنـي أنّ مؤمـن الطاق بنـاء علـى قول هؤلاء يعتبر قوله تعالـى: (ثاني اثنين...)ليس من القرآن في الأصل، وإنّها اُضيفت فيما بعد إليـه، وستعرف قريباً بأنّ أحداً من علماء الشيعـة المتقدمين والمتأخريـن لم يقل بتحريف القرآن بالزيادة إطلاقاً وهو ممّا يعترف بـه الدكتور القفاري نفسـه(2) وكل أهل السنّة من أمثال "الأشعري"(3) وآخرين أيضاً اعترفوا بذلك.

وبناءً على ذلك فكيف يمكن لـ "مؤمن الطاق" الذي هو في معرض الاتهام ـ وحتى سمّوه بشيطان الطاق ـ أن يورد أمراً كهذا في كتابه "الإمامة" ولم يطلع عليه أحد؟؟! والحال أنـّه لو فرضنا أنـّه كتب واقعاً في موضوع تحريف القرآن بالزيادة لذاع خبره وانتشر صيته وعرفه القاصي والداني لكثرة أعدائه والمخالفين له الذين يترصّدون منه أقل خطأ للايقاع به فكيف بمثل هذه المسألة الخطيرة؟ ولم يكن الراوي الوحيد لهذه المسألة هو الجاحظ الذي يعتبر متهماً في الرواية وغير موثوق به عند أهل السنة حتى قال ابن قتيبة عنه:


"إنّه [أي الجاحظ] من أكذب الأمة وأوضعهم للحديث..."(4).



وهذا معلوم لمن له أدنى تأمل.


____________

1 ـ انظر ترجمته في: معجم رجال الحديث: ج 17، ص 32، الرقم 11360، قال السيد الخوئي بعد ذكر ما روي فيه من المدح والذم: "الرّوايات المادحة على انها متضافرة، فيها ما هو صحيح السند فلا ينبغي الشك في عظمة الرجل وجلالته وقد عرفت من شيخ الطائفة توثيقه صريحاً والروايتان اللتان عدّهما الكشي من الذامة فلا تعارضان ما تقدم من روايات المدح لضعف الاسناد وعدم تمامية الدلالة على الذم." 2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 208.

3 ـ مقالات الاسلاميين: ج 1، ص 119 ـ 120.

4 ـ تأويل مختلف الحديث: ص 58.
الصفحة 287

وعلى فرض صحة المحاورة بين مؤمن الطاق وأبي اسحاق النظّام وبشر بن خالد، فلعلّ مؤمن الطاق ضحك على زعم الشخصين اللّذين حاجّاه، واتّهماه بالتحريف بالقول بالزيادة في القرآن! ولم يرهما أهلاً للبحث والجدل فاكتفى بالسخرية من كلامهما وفارقهما.

والحاصل بداية هذا الافتراء كما تقول مصادر أهل السنة لا يكون إلاّ رجل من علماء أهل السنة وهو "ابن شنبوذ شيخ الاقراء ببغداد".
الصفحة 288


شيوع هذه المقالة عندهم كما تقول كتب أهل السنة

تحت هذا العنوان جمع الدكتور القفاري وحشّد كثيراً من الأقوال التي يندرج بعضها تحت الاتهام المحض الخالي عن الدليل أو أنهم اعتمدوا في أقوالهم تلك على مصادر لا وزن لها في نظر الشيعة حتى يعتمدوا عليها، أو أنهم اعتمدوا على روايات من دون أن ينظروا في أجوبة العلماء عنها، وإليك بعضاً من تلك الأقوال:


1 ـ ادعاء ابن حزم الاندلسي (ت 456) ونقده:

لقد نسب ابن حزم القول بالتحريف إلى الإمامية قاطبة من دون الاتيان بدليل على كلامه إلاّ أنـّه استثنى من الإمامية ثلاثة أشخاص من القول بالتحريف، وتعرف سوء فهمه من عبارته نفسها بقوله:


"من قول الإمامية كلّها قديماً وحديثاً أن القرآن مبدّل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدّل منه كثير حاشا علي بن الحسن بن موسى... وكذلك صاحباه"(1).



ولذلك ـ وكما أشرنا سابقاً ـ فإنَّ من المقطوع به أنّ الإمامية من الذين كانوا قبل زمان ابن حزم، والذين عاصروه والذين جاءوا بعده لم يذكروا رواية واحدة تقول بالتحريف بالزيادة في القرآن الكريم، وأيضاً لم يقل أحد من علماء الإمامية بـ "أن القرآن زيد فيه ما ليس منه" وهذا القول مجمع على بطلانه إطلاقاً كما يقول الطبرسي (ت 548) في "مجمع البيان"(2) و"الأشعري" من علماء السنة في "مقالات الاسلاميين"(3) بل حتى المحدّث النوري صاحب "فصل الخطاب" الذي جمع من الرّوايات كل ما يتعلق بهذا الموضوع، صحيحها وسقيمها، ومع هذا قال في

____________

1 ـ الفصل: ج 5، ص 40.

2 ـ مجمع البيان: ج 1، ص 8.

3 ـ مقالات الاسلاميين: ج 1، ص 119 ـ 120.
الصفحة 289

المقدمة الثانية من كتابه المذكور:


"... التّحريف بمعنى زيادة السورة، ولا ريب في امتناعها... وتبديل السورة كالاوّل... وزيادة الآية وتبديلها منتفيان بالاجماع وليس في أخبار التغيير ما يدل على وقوعهما بل فيها ما ينفيهما..."(1).



نعم اتّهم الأشعري (ت 330 هـ) طائفة من الإمامية بأنها قالت قد نقص منه فقط، وجاء ابن حزم بعده (ت 456 هـ) وقال زوراً وبهتاناً: كلّ الإمامية قالوا بأن القرآن مبدّل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدّل منه كثير إلاّ ثلاثاً" يعني على قول ابن حزم في هذه الفترة (بين وفاة الأشعري وابن حزم) أي في قرن وربع قرن; كان الإمامية كلّهم يعتقدون بالتحريف بالزيادة والنقيصة والتبديل لكنّ أساطين الإمامية في هذه الفترة معروفون، وكتبهم موجودة، كالشيخ الصدوق (ت 381) والشيخ المفيد413) والشريف المرتضى (ت 436) وشيخ الطائفة الطوسي (ت 460) وغيرهم وقد ذكرنا آراءهم في المقام الأوّل وسنذكر شيئاً من التفصيل عند بيان آرائهم في نقد دعاوى الدكتور القفاري.

نعم هذا ابن حزم الظاهري مع رأيه هذه: "القول بأنّ بين اللوحين تبديلا كفر صحيح وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم"(2) قَبِل القول بالنقيصة والتبديل في القرآن واعترف به صريحاً ـ من حيث علم أو لا يعلم ـ فيما رواه بإسناده عن أُبي بن كعب حيث قال:


"كم تعدون سورة الأحزاب؟ قيل له: ثلاثاً أو أربعاً وسبعين آية، قال: إن كانت لتقارن سورة البقرة أو لهي أطول منها، وإن كان فيها لآية الرجم وهي: "إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً



____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 33.

2 ـ الفصل: ج 5، ص 40.
الصفحة 290


من الله والله عزيز حكيم".



قال ابن حزم:


"هذا إسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه."


ثمّ قال:


"ولكنها مما نسخ لفظها وبقي حكمها(1)"؟!!



وهذا تعليل عليل كما اعترف به جماعة من أهل السنة أنفسهم كما رأيتم في المقام الأوّل.

وأشنع من هذا قوله في الآية المزعومة في عدد الرضعات المحرمة التي نقلتها عايشة، قال ابن حزم بعد ذكرها:


"هذان خبران في غاية الصحة وجلالة الرواة وثقتهم ولا يسع الخروج عنهما... ثم اعترض على نفسه وقال: قول الراوي: "فمات عليه الصلاة والسلام وهو مما يقرأ من القرآن"; قول منكر وجرم في القرآن ولا يحل أن يجوز أحد سقوط شيء من القرآن بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فاعتذر بأنه مما يقرأ من القرآن الذي بطل أن يكتب في المصاحف وبقي حكمه كآية الرجم سواء بسواء"(2).



ولعمري إنَّ هذا لقولٌ عجيب يناقض بعضه بعضاً: إذ لو كان القرآن الذي بطل أن يكتب في المصاحف قرآناً منزلاً من الله فلماذا بطل أن يكتب؟ وإن لم يكن قرآناً أو قرآناً منزلاً لكن مع هذا بطل ونسخ فلماذا قرأته عائشة وقالت: "توفي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي مما يقرأ من القرآن" وعملت بمضمونها إلى آخر

____________

1 ـ المحلى: ج 11، ص 23.

2 ـ نفس المصدر: ج 10، ص 14 ـ 16.
الصفحة 291

حياتها(1)؟ وكيف عائشة ـ كما رأينا في ترجمته ـ وهي عالمة لو جمع علمها إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل(2)، لم تكن تعرف الناسخ من المنسوخ!!


2 ـ ادعاء ميرزا مخدوم الشيرازي ونقده:

و"ميرزا مخدوم الشيرازي" (من القرن العاشر) الذي ادّعى ـ على ما نقل الدكتور القفاري ـ إنه قد عاش بين الشيعة وقرأ كثيراً من كتبهم ولم يطلع أحد على تفصيل كتبهم وأقوالهم وشروح عاداتهم وأعمالهم كما اطلع عليه، قال فيما قال: "إنّهم ذكروا في كتب حديثهم وكلامهم أنّ عثمان نقص من آيات القرآن" ويشير إلى أمثلة ممّا قال الشيعة ـ بزعمه ـ إنّه كان في سورة (ألم نشرح) بعد قوله سبحانه (ورفعنا لك ذكرك) "وعليّاً صهرك". والطريف هذه الرواية أوردها أسعد بن إبراهيم بن الحسن الإربلي من مشاهير الحنابلة كما سترون ترجمته ولا توجد في كتب الشيعة الروائية والكلامية بل هي من متفردات كتاب "مشارق الأنوار"(3)الذي لا اعتبار له عند الإمامية كما قاله "المجلسي" في مقدمة بحار الأنوار:


"كتاب مشارق الأنوار وكتاب الألفين للحافظ رجب البرسي ولا اعتمد على ما يتفرد بنقله لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع وإنّما أخرجنا منهما ما يوافق الأخبار المأخوذة من الاصول المعتبرة"(4).



وقال السيد محسن الأمين العاملي في شأن الحافظ رجب البرسي:


____________

1 ـ انظر: الموطأ: ج 2، كتاب الرضاع باب "ما جاء في الرضاعة بعد الكبر"، ص 605 وصحيح مسلم كتاب الرضاع باب رضاعة الكبير: ح 26 و27 و28 و29 و30 و31.

2 ـ تهذيب الكمال: ج 35، ص 236.

3 ـ عن البرهان: ج 4، ص 475. ولعلّ صاحب كتاب مشارق الأنوار أخذ تلك الرواية من كتاب أسعد بن إبراهيم الحنبلي.

4 ـ بحار الأنوار: ج 1، ص 10.
الصفحة 292


"في مؤلفاته خبط وخلط وشيء من المغالاة لا موجب له ولا داعي إليه"(1).



ومثله في "روضات الجنات" للخوانساري(2) وغيرهم.

نعم ـ وكما قلنا ـ قد ذكر تلك الرواية أسعد بن إبراهيم بن الحسن الإربلي من علماء أهل السنة في أربعينه بإسناده عن المقداد بن الاسود الكندي وسيأتي إن شاء الله تمام الكلام في مبحث "الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين".

هذا وما زعم ميرزا مخدوم من أنّ عثمان نقص من آيات القرآن، يوجد في مصادر أهل السنة برواية عائشة أمّ المؤمنين صريحاً كما سبق.


3 ـ ادعاء صاحب كتاب "تكفير الشيعة" ونقده:

الذي ألفّه سنة (990 هـ) يذكر ما صنعه شيعة زمانه من إحراق المصاحف واهانتها واختراعهم مصحفاً محدثاً على ما نقله الدكتور القفاري(3).

سبحانك اللّهم، ما هذا إلاّ بهتان عظيم، ولماذا لم ير أحد من الشيعة وغير الشيعة هذا المصحف لا قديماً ولا حديثاً ولا خبر لهذا المصحف في كتب السير والتاريخ التي دوّنت في ذاك العصر وما بعده. والعجيب من هذا المصحف المخترع المزعوم والذي كان عند صاحب "تكفير الشيعة" معلناً ومتداولاً ولكنه قد خفي بمرور الزمان وصار المصحف السرّيّ إلى زماننا هذا إلى أن قام الدكتور القفاري بالبحث فيه وسبر أغواره تحت عنوان: "هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه؟" وسيأتي

____________

1 ـ أعيان الشيعة: ج 6، ص 466.

2 ـ روضات الجنات: ج 3، ص 329.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 210.

وهذه الأباطيل والتهم لا تستبعد من ذاك الرجل الذي عقد فصلاً في كتابه ـ على ما نقل الدكتور القفاري ـ بعنوان "فصل في أحوال طهماسب الزنيم وزندقته وبيان كفره والحاده" فقد اتهم الناس بالزنيم والزندقة و... اصول مذهب الشيعة: ص 210.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:47 PM   #7
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 293

البحث فيه إن شاء الله تعالى.



4 ـ ادعاء محمّد بن عبد الوهاب ونقده:

وقس على هذا محمّد بن عبد الوهاب (ت 1204) وما ذكره عن كتب الشيعة من القول بنقص القرآن، وأورد الدكتور القفاري نصّ كلامه وقال:


ويذكر بأنّ شيعة زمنه ـ على ما قيل ـ أظهروا سورتين مزعومتين أنهما من القرآن الذي أخفاه عثمان كل سورة مقدار جزء وألحقوهما بآخر المصحف احداهما سورة النورين والاُخرى سورة الولاية.



أيُّ مصحف في آخره تلكما السورتان؟ وأين تلك السورتان في كتب الشيعة؟ نعم لا أثر لهما في أي كتاب من كتب الشيعة بل إن المحدث النوري مع كثرة تتبعه قال:


"لم أجد لها ـ أي لسورة الولاية ـ أثراً في كتب الشيعة سوى ما يحكى عن كتاب "المثالب" للشيخ محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني."(1)


فترى إنّ المحدث النوري يقول: "سوى ما يحكى عن كتاب المثالب" والحاكي عنه هو الآلوسي صاحب تفسير روح المعاني ومفتي الدولة العثمانية ببغداد، وقد نسب الآلوسي ذلك إلى ابن شهرآشوب والحال أن كتاب "المثالب" لابن شهرآشوب لا يوجد فيه مما قال الآلوسي عين ولا أثر! وسيأتي البحث في تلك السورة قريباً في مبحث "هل لدى الشيعة مصحف سرّي يتداولونه" إن شاء الله.

ولعلّ محمّد بن عبد الوهاب يقول "إن شيعة زمنه ـ على ما قيل ـ أظهروا سورتين" قال ذلك تحت تأثير السيوطي الواقع تحت تأثير كثرة روايات أهل

____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 179 ـ 180.
الصفحة 294

السنة لسورتي الحفد والخلع المزعومتين، وقد سجّل السيوطي تلكماالسورتين تحت هذا العنوان في آخر تفسيره، ويحتمل أن ذلك الشخص الذي ذكره ابن عبد الوهاب ـ بقوله على ما قيل ـ اختلط عليه الأمر بين سورتي الحفد والخلع وهاتين السورتين.


5 ـ ادعاءات الآلوسي البغدادي (ت 1270) ونقدها

قال الدكتور القفاري عن الآلوسي:


"لعل الآلوسي أول من كتب بالعربية عن هذه القضية بذلك الاستيعاب (النسبي) حيث عرض لهذه الفرية مقرونة بالاستشهاد المباشر من كتبهم وعرض أحاديثهم كما جاءت في اصول الكافي وغيره وذكر الجناح الآخر من الشيعة الذي أنكر هذه الفرية واستشهد بكلامه وناقشه".



وقال الآلوسي بعد ذكر روايات من الكافي وغيره:


"ولما تفطّن بعض علمائهم ـ أي علماء الشيعة ـ لما من قولهم هذا ـ أي تحريف القرآن! ـ من الفساد جعله قولاً لبعض أصحابه قال الطبرسي في مجمع البيان: أما الزيادة فيه ـ أي القرآن ـ فمجمع على بطلانها وأما النقصان فقد روى قوم من أصحابنا وقوم من حشوية العامة والصحيح خلافه وهو الذي نصره المرتضى واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات".



ثم أورد كلام السيد المرتضى بتمامه وعقّبه بالقول:


"وهو كلام دعاه إليه ظهور فساد مذهب أصحابه حتى للأطفال... إلاّ إن الرجل ـ أي السيد المرتضى ـ قد دسّ في الشهد سماً، وأدخل الباطل في حمى حق الأحمى، فلأنّ نسبة ذلك إلى قوم من حشوية

الصفحة 295


العامة (الذين يعني بهم أهل السنة والجماعة) فهو كذب أو سوء فهم... نعم أسقط زمن الصديق ما لم يتواتر وما نسخت تلاوته وكان يقرأ من لم يبلغه النسخ وما لم يكن في العرضة الأخيرة...".



وبعدها أورد من موارد اختلاف مصحف عائشة مع المصحف الموجود وقال:


"إنّ ذلك قبل أن يغيّر عثمان المصاحف و..."(1).



ثم يعرّج الآلوسي على أساطير أهل السنة للروايات التي نسبت إلى أُبي بن كعب في شأن سورة "البيّنة" واسقاط آيات منها وما روي عنه أيضاً أنه كتب في مصحفه سورتي الخلع والحفد ـ وأورد السورتين بتمامهما ـ وقال:


"فهو من ذلك القليل ومثله كثير وعليه يحمل ما رواه أبو عبيد عن ابن عمر قال: لا يقولَنَّ أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله، قد ذهب منه قرآن كثير ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر والرّوايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى إلاّ إنها محمولة على ما ذكرناه..."(2).



وللآلوسي هنا عدّة ادّعاءات:

أ ـ إن وجود روايات تدلّ على التّحريف في بعض كتب الحديث كالكافي وغيره يدلّ على أن صاحب الكتاب أيضاً يقول بالتحريف.

ب ـ إن جميع علماء الشيعة قالوا بالتحريف إلى القرن السادس زمان المرحوم الطبرسي (ت 542) ـ أو القرن الخامس زمان المرحوم السيد المرتضى (ت 438) ـ وحيث تفطن إلى فساد هذا القول ولعدم وجود الحيلة والمخرج نسبوا القول بالتحريف إلى عدّة من الإمامية ـ لا إلى جميعهم ـ حتى ينأوا بأنفسهم عن هذا

____________

1 ـ روح المعاني: ج 1، ص 43 ـ 47 وعنه اصول مذهب الشيعة: ص 211 ـ 213.

2 ـ روح المعاني: ج 1، ص 43.
الصفحة 296

المأزق.

ج ـ ما قال الطبرسي تبعاً للسيد المرتضى من أن قوماً من حشوية العامة نقلوا أخباراً ضعيفةً ظنوا صحتها، فهو كذب أو سوء فهم لانهم أجمعوا على عدم وقوع النقص فيما تواتر قرآناً كما هو موجود بين الدفتين اليوم.

د ـ اسقط زمن أبي بكر ما لم يتواتر من القرآن وما نسخت تلاوته وكان يقرأه من لم يبلغه النسخ وما لم يكن في العرضة الأخيرة.

هـ ـ الرّوايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى إلاّ أنه محمول على نسخ التلاوة.


الجواب عن ادعاءات الآلوسي:

أ ـ من الواضح لدى كل محقق منصف أنّ وجود روايات يمكن حملها على التّحريف في كتب الحديث أو التفسير بالمأثور هو غير القول بالتحريف، فأصل الرواية شيء، ودراية الرواية وفقهها شيء آخر، وعلى هذا لو فرضنا جدلاً أننا نحكم على كل راو لروايات التّحريف بأنّه متهم بالقول بالتحريف لتحتَّم علينا القول بأنّ أهل السنّة هم أول من يُتّهم بتحريف القرآن وفساد القول، ودليلنا على ذلك الرّوايات الكثيرة المبثوثة في كتبهم بل الأدهى من ذلك أن بعضهم أورد هذه الرّوايات وهو معتقد بصحّتها وملتزم بها، وعلى هذا فادعاء الآلوسي خطأ محض، وهو ادعاء انّ علماء الشيعة كلهم متهمون بالتحريف بمحض وجود روايات التّحريف في كتبهم.

ب ـ في بيان كذب ادعاء الآلوسي نكتفي بذكر فحوى كلام فضل بن شاذان (260 هـ) فهو قد أنكر على أهل السنة قولهم بالتحريف وعدّ ذلك من المطاعن عليهم وهذا يعني براءة الشيعة من تلك الفرية في عصره بالفحوى(1).


____________

1 ـ الايضاح، لابن شاذان: ص 213 وما بعدها.

ولو ان الشيعة كانوا يقولون بذلك، لما استقام ذلك للفضل، ولا لغيره ولكان قد واجه هجوماً عنيفاً ويقولون له: انك لترى الشعرة في عين غيرك ولاترى الخشبة في عينك.
الصفحة 297

وعلى الأقل نذكر رأي أبي جعفر الصدوق (ت 381) والذي أجاب عن هذه المسألة قبل الشيخ الطبرسي رحمه الله بحوالي قرنين حيث كان في جملة جوابه ردّاً على تلك الرواية التي نقلها الآلوسي من الكافي قال:


"روى الكليني منهم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله، ان القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم سبعة عشر ألف آية".



قال الصدوق رحمه الله ضمن بيان قسم من آرائه:


"... بل نقول انه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن كان مبلغه مقدار سبعة عشر ألف آية و..."(1).



وعلى هذا فان قول الآلوسي بأن علماء الإمامية وحتى القرن السادس تقول بالتحريف مدفوع بما ذكرنا وفاسد من أصله. فالصدوق سبق الطبرسي بعشرات السنين وهو صراحةً ينكر التّحريف. وهذا إن دلّ على شيء فانما يدل على جهل الآلوسي بآراء الشيعة وعلمائها في هذا المجال أو تعصبه المرير ضدهم(2). وإن شئت

____________

1 ـ الاعتقادات: ص 82.

وطبعاً هذه الاجوبة في حال ما لو قبلنا تلك الرّوايات مع نسخة "سبعة عشر ألف آية" وإلاّ ففي نسخة اُخرى من الكافي: "سبعة الف آلاف" وهو مطابق تقريباً لعدد آي القرآن الكريم، وسنبحث في ذلك فيما بعد.

2 ـ فمثلاً في تفسير آية (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر...)يقول: "ان الإمامية يجوزون فعل المحظورات بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس". روح المعاني: ج 2، ص 101 ولست ادري إلى ماذا استند في هذه النسبة وهو مفتي بغداد عاصمة العراق مقرّ الشيعة قديماً وحديثاً.
الصفحة 298

فعليك بمراجعة الغدير للعلامة الاميني في جزئه الأوّل لتطلع على حقيقة الآلوسي واضرابه، ومن اللافت للنظر بل المضحك للثكلى أنّ الآلوسي أورد روايات التّحريف من كتب الشيعة وانتقدها بشدّة والحال انّها بعينها في كتب السنّة وهذا دليل آخر على جهله أو تعصّبه ومن جملتها (وكفى الله المؤمنين القتال ـ بعلي بن أبي طالب ـ)(1). أو (وقفوهم إنّهم مسؤولون ـ عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ـ)(2) وأمثالهما التي لو فرضنا صحة سندها لكانت في مقام التبيين والتفسير للآية الشريفة أو بيان شأن النزول، ولا مساس لها بمسألة تحريف القرآن بالمرّة، ولا تتوافق مع مزعومة "نسخ التلاوة"، أو من جملتها ما مرّ عليك من رواية حول سورة الأحزاب، وقد ذكرناها من كتب أهل السنة بروايات عديدة، بل إنّ الآلوسي نفسه ذكر تلك الرّوايات ـ روايات التّحريف ـ في مطلع تفسير سورة الأحزاب من مصادر أهل السنة، ولجأ إلى الاعتراف بأن الملاحدة وضعوا ايديهم في كتب أهل السنة، ثمَّ أعطى قاعدة كلية مفادها: "والحق انّ كل خبر ظاهره ضياع شيء من القرآن امّا موضوع أو مؤول"(3).

فلنقف الآن مع الآلوسي في قاعدته تلك ونسأله: إن كانت تلك القاعدة صحيحة لا غبار عليها برأيكم فلماذا تطبقونها فقط على روايات السنة ولا تطبقونها على روايات الشيعة!؟ وحكم الامثال فيما يجوز أو لا يجوز واحد. وبهذا يتضح أن أقوال الآلوسي في الشيعة لا قيمة علمية لها عند أهل التحقيق، فاذا قال السيد المرتضى: "... إن قوماً من حشوية العامّة نقلوا أخباراً ضعافاً ظنّوا صحّتها" إتَّهمه الآلوسي بدون تدبّر وقال: "فهو كذب أو سوء فهم!" ونقول: أيـّها الآلوسي

____________

1 ـ السيوطي عن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر، الدرّ المنثور: ج 6، ص 590.

2 ـ شواهد التنزيل: ج 2، ص 160.

3 ـ روح المعاني: ج 12، ص 217.
الصفحة 299

ـ ومن حذا حذوه ـ ألم تعترف سلفاً بوجود أخبار كثيرة في التّحريف وقلت بأنّها من وضع الملاحدة عندما ضاق عليك الدليل؟ فلماذا تنقض هنا ما قلته سابقاً وتتهم السيد المرتضى بالكذب؟!

وكذلك نسب الآلوسي وغيره(1) سورة الولاية إلى كتاب المثالب لابن شهرآشوب وهو كذب محض، وستعرف عمّا قريب بأنّ الشيعة لم يذكروا هذه السورة أبداً لا في هذا الكتاب ولا في غيره، وإنّما مصدرها فقط وفقط كتاب "دبستان مذاهب" فمؤلف هذا الكتاب ـ وهو من القرن الحادي عشر ـ ذكر هذه السورة والحال أنّ المؤلف من الزردشتيين (أي يعبدون النار) ولا يعلم من أين أخذ تلك الرّواية، حيث إنّه لم يشر إلى أىّ مصدر في كتابه، ولذلك فهو محكوم بالافتراء والكذب عندنا أيّاً كان مذهبه، فيكون الكتاب المذكور المصدر الوحيد لكل من نقل ذلك من الشيعة وغيرهم.

ج ـ لا بدّ أن الآلوسي في ادّعائه الثالث من قوله "فهو كذب أو سوء فهم" يريد أنّ الطبرسي تبعاً للسيد المرتضى فى قوله: "إنّ قوماً من حشوية العامة نقلوا أخباراً ضعيفةً ظنّوا صحّتها" يقصد أنّ الناقل لهذه الأخبار ليس الحشوية فقط وإنّما أهل السنَّة عامة، وانّ هذه الأخبار ليست ضعيفة بل قويّة ـ واعترفوا هم أنفسهم بقوتها أيضاً ـ ولكن في رأي الآلوسي أولاً: إنّ هذه الأخبار في مورد الآيات التي ليست متواترة. وثانياً: إنّ تلك الآيات منسوخة. وثالثاً: الأشخاص الذين كانوا يقرأونها لا يعلمون أنها منسوخة التلاوة. فالآلوسي يظنّ أن طرح نظرية "نسخ التلاوة" و"عدم التواتر" في بعض آيات القرآن يحلّ مشكلة كل تلك الرّوايات، ولكنّه غفل عن انه كالمستجير من الرمضاء بالنار حيث لاحظت في المقام الأوّل بأنّه لا يمكن

____________

1 ـ مثل رشيد رضا في رسالته "السنة والشيعة": ص 43 ومحب الدين الخطيب في "الخطوط العريضة": ص 10 ـ 19.
الصفحة 300

حمل تلك الرّوايات على نسخ التلاوة وقد تفطّن لهذا الأمر عدد كبير من علماء أهل السنّة أيضاً قديماً وحديثاً واعترفوا به. واضافة إلى ذلك فقول الآلوسي: "وكان يقرأه من لم يبلغه النسخ" قد فضح أمره أكثر; لأنّ هذه الصورة توجب أن نقول: إن عائشة التي قالوا في حقها: "أفقه الناس وأعلم الناس..." وأيضاً قالوا: "لو جمع علم عائشة... إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل"(1) و"كانت سألها الأكابر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله"(2) أو مثل "عمر بن الخطاب الخليفة" الذي نقل في حقّه "لو وضع علم احياء العرب في كفة ميزان ووضع علم عمر في كفّة لرجح علم عمر ولقد كانوا يرون أنـّه ذهب بتسعة أعشار العلم..."(3)و... ومثل ولده "عبد الله بن عمر" الذي قالوا فى حقّه: "يُعَدُّ من فقهاء الأحداث"(4)و"أفضل مئة ضِعف من سعيد بن المسيّب الذي يُعدّ افضل أهل المدينة في عصره"(5) أو مثل "أُبي بن كعب" الذي قال في حقّه النبىّ الاكرم صلّى الله عليه وآله: "أقرأهم أُبي بن كعب" أو قال: "أقرأ اُمتي اُبي"(6) كل هؤلاء الأفراد يعتبرون غير مطّلعين على آيات القرآن ولا يعرفون أيّاً من آيات القرآن متواتر وأيّاً منها آحاد، ولا يعرفون المنسوخ من الآيات ولذلك يقرأون الآيات المنسوخة، والأعجب من ذلك كلّه أنّ كل واحد منهم بقي إلى آخر عمره غير مطّلع على هذا الموضوع; ذلك لأنـّه لم يقل أحد منهم أبداً: إن هذه الآيات منسوخة، والأدهى من

____________

1 ـ تهذيب الكمال: ج 35، ص 236.

2 ـ المصدر السابق: ص 235 والطبقات الكبرى: ج 2، ص 374.

3 ـ المصدر السابق: ج 21، ص 325.

4 ـ الطبقات الكبرى: ج 2، ص 373.

5 ـ تاريخ مدينة دمشق: ج 31، ص 114.

6 ـ تهذيب التهذيب: ج 1، ص 188، اسد الغابة: ج 1، ص 49 وغيرهما.
الصفحة 301

ذلك كله أنه يعمل بمضمون الآية، فدونك موطأ مالك(1) وصحيح مسلم(2) اللّذين أوردا آية الرضاع المزعومة وقالا: "فأخذت بذلك عائشة ام المؤمنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أمّ كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أختها أن يرضعن من احبت أن يدخل عليها من الرجال". فهل يلتزم الآلوسي بهذه النتائج الغريبة العجيبة؟ وعلى كل حال فإنّ للآلوسي ادعاءات اُخر غير ما ذكرنا، وتعقبها نتائج أغرب من تلك(3)، وسنأتي على بعضها عند البحث حول مصحف الإمام علي عليه السلام.

د ـ الادعاء الخامس: ذكر الآلوسي أنّ هذه الرّوايات كثيرة، بل إنّها أكثر من أن تحصى، ولكنّها جميعاً تحمل على نسخ التلاوة ونحن نقول: إنّ الشطر الأوّل من ادعائه صحيح ـ كما لاحظت في المقام الأوّل ـ فإنّ أيّ شخص يسبر كتب الحديث والتفسير والتأريخ وغيرها من كتب أهل السنة يرى كثيراً من تلك الرّوايات وبصور مختلفة، ولكن الشطر الثاني باطل لأنّ "نسخ التلاوة" سراب ليس إلاّ. وعلى هذا فإذا لم نجد جواباً شافياً عن تلك الرّوايات، فإنّها ستكون ساقطة لا محالة

____________

1 ـ الموطأ: ج 2، كتاب الرضاع باب "ما جاء في الرضاعة بعد الكبر" ص 605.

2 ـ صحيح مسلم، كتاب الرضاع: باب "رضاعة الكبير"، ح رقم 26 و27 و28 و29 و30.

3 ـ مثل هذا الجواب في مورد زيد بن ثابت يقول: "ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف... فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الانصاري (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) ألحقناها في سورتها في المصحف.

قال الآلوسي: فانه بظاهره يستدعي أن في المصاحف العثمانية زيادة لم تكن في هاتيك الصحف والأمر في ذلك هين، اذ مثل هذه الزيادة اليسيرة لا توجب مغايرة يُعبأ بها... ولا تقدح أيضاً في الجمع السابق اذ يحتمل أن يكون سقوطهما منه من باب الغفلة... وذكره من تكفّل بحفظ الذكر ـ أي الله تبارك وتعالى ـ فتدارك ما نساه" وهذا يعني بنظر الآلوسي أن زيادة آية من القرآن أمر يسير ليس فيه اشكال!! فعلى هذا سقطت في الفترة الواقعة بين جمع أبي بكر للقرآن وجمع عثمان بحدود 10 سنوات لكن لا اشكال فيه لانه من باب الغفلة!! والله تعالى يذكرهم!! فانظر واعجب!
الصفحة 302

رغم أنّ أصحاب الصّحاح عدّوها صحيحةً.


6 ـ ادعاء الشيخ موسى جار الله (ت 1369) ونقده:

ومن مدّعياته في هذا المقام قوله:


"عاش بين الشيعة فترة وتجوّل في مدنها وحضر حلقات دروسها في البيوت والمساجد والمدارس وقرأ في العديد من اُمّهات كتبها."(1)


ثمّ يقول في مسألة التّحريف عند الشيعة:


"القول بتحريف القرآن باسقاط كلمات وآيات قد نزلت، وبتغيير ترتيب الكلمات والآيات أجمعت عليه كتب الشيعة..."(2) "وأخبار التّحريف مثل أخبار الإمامة متواترة عند الشيعة ومن ردّ أخبار التّحريف أو أوّلها يلزم عليه ردّ أخبار الإمامة والولاية، ونسب إلى المجلسي وصاحب الوافي، أنّ أخبار التّحريف متواترة مثل أخبار الولاية وأخبار الرّجعة"(3).



ولمعرفة تفصيل أجوبة تلك المسائل والأكاذيب للشيخ جار الله يمكنك مراجعة كتاب "نقض الوشيعة"(4) و"أجوبة مسائل جار الله"(5) ونحن نتعرض هنا لمسألتين منها على نحو الاختصار:

أ: إذا كان مراد "موسى جار الله" أنّ تلك الرّوايات موجودة في جميع كتب الشيعة، فاضافة إلى أن دعواه هذه باطلة فإنّ هذه الرّوايات موجودة في كتب

____________

1 ـ الوشيعة: ص 25 ـ 26.

2 ـ المصدر السابق: ص 104.

3 ـ المصدر الاسبق: ص 62 ـ 63.

4 ـ نقض الوشيعة للسيد محسن الامين العاملي: ص 159.

5 ـ أجوبة مسائل جار الله للسيد عبد الحسين شرف الدين: ص 28.
الصفحة 303

العامة والخاصّة على حدّ سواء، وسبق أن قلنا إنهم إن أرادوا أن يعدلوا في قولهم فعليهم أن يُجروا تلك الأحكام على كتب أهل السنّة أيضاً، وإذا كان مراد جار الله هو أنّ علماء الشيعة أجمعوا على القول بالتحريف ـ والعياذ بالله ـ فهذا كذب أشنع من الأوّل، لأنّ الشيخ موسى جار الله نفسه قد قرأ كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق، وقد أورد رأي الصدوق حول الغلاة المفوضة في الصفحة 132 من كتابه "الوشيعة"، والحال أنـّه تجاهل رأي الصدوق في صيانة القرآن عن التّحريف الذي ذكره في كتاب "الاعتقادات" نفسه(1).

ب: إنّ الشيخ موسى يقول: "أخبار التّحريف مثل أخبار الإمامة متواترة عند الشيعة..." ونسب هذا إلى "المجلسي" و"صاحب الوافي" وهذا يعد خيانة في البحث العلمي إذ الأمانة تقتضي نقل العبارة حرفيّاً من غير تلاعب. وقد تابع جار الله في طريقته الفاسدة آخرين(2). وإليك نصّ عبارة المجلسي قال:


"وعندي أنّ الأخبار في هذا الباب متواترة معنى..."(3)


ومثله في "الوافي"(4)، إنّ من الواضح الفرق الشاسع بين لفظ "متواتر" بصورة مطلقة، ولفظ "متواتر" مع قيد "معنى" فالمجلسي وصاحب الوافي يقولان بأنّ أخبار التّحريف متواترة معنى، وهو يعني أنّ جميع تلك الأخبار في معنى مشترك متواتر، وهذا المفهوم المشترك أعم من: "اختلاف القراءات" و"التّحريف في المعنى" و"تفسير وتأويل الآيات" و"نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره" وكلّ تغيير، وواضح أنّ تلك المعاني المشتركة بعيدة عن محلّ النزاع، وسيأتيك توضيح

____________

1 ـ وقد تقدم بعض كلامه رحمه الله تعالى وسيأتي تفصيله.

2 ـ انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 273.

3 ـ مرآة العقول: ج 2، ص 526.

4 ـ الوافي: ج 5، ص 220.
الصفحة 304

أكثر لهذه النقطة مع شواهدها فيما بعد.

وقد سار على هذه الشاكلة "احسان إلهي ظهير" و"محمّد مال الله" وغيرهما، إذ قال أولهما:


"إنّ الشيعة كلَّها على هذا الكفر... ويعدّ إنكار المنكرين لهذه المسألة تقية لا حقيقة"(1).



وجاء الدكتور القفاري ليعضد "احسان الهي" فتشبث بكلام صاحب "فصل الخطاب" وقد حرّف في الواقع كلام النوري وقال:


"وعزا ـ أي صاحب "فصل الخطاب" ـ إنكار التّحريف من شيوخه السابقين إلى التقية أو إلى عدم توفّر المصادر عندهم ـ كما سيأتي ـ فذهب احسان الهي إلى مذهب صاحب "فصل الخطاب" نفسه"(2).



وقال محمّد مال الله:


"إنّ شيوخ الشيعة اتفقوا على القول بهذه الفرية..."


وعلّق عليه الدكتور القفاري:


"لم يشر محمّد مال الله إلى وجود خلاف بينهم في هذا مع أنّ طائفة من شيوخهم أنكروه"(3).



وقال الدكتور القفاري في موضع آخر:


"إنّ فيها ـ أي في الرّوايات التي جمعها مال الله من كتب الشيعة في هذا الباب ـ ما ليس بصريح في هذا الأمر، بل هو يندرج بشكل واضح في باب التأويل كما انه وقع ـ كما وقع إحسان من قبله ـ بذكر بعض



____________

1 ـ نقلاً عن كتاب اصول مذهب الشيعة: ص 214.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 214.

3 ـ المصدر السابق: ص 214.
الصفحة 305


الرّوايات للشيعة والتي ذكر فيها قراءة للآية مروية عن السلف واعتبرها بجهل من قبيل التّحريف، والسبب في ذلك هو اعتمادهم بدون تدبّر على كتاب فصل الخطاب"(1).



أقول: وهذا أدلّ دليل على سوء فهم وجهل ـ على حد تعبير الدكتور القفاري ـ محمد مال الله وإلهي ظهير وأمثالهما وسيأتي البحث حول آراءهما.

ويبقى هذا السؤال وهو: هل المحدث النوري، صاحب كتاب "فصل الخطاب" اعتقد بأنّ جميع علماء الشيعة إلى عصره يقولون بالتحريف وانكارهم لذلك من قبيل التقية؟ كما نسب إليه الدكتور القفاري تبعاً لمحب الدين الخطيب واحسان الهي ظهير وهل النوري عزا إلى الشيوخ السابقين بعدم توفر المصادر عندهم وسيأتي إن شاء الله نصّ كلام المحدث النوري وحينئذ يتبين لك مدى أمانتهم وصدقهم في دعاويهم.

نستنتج من مجموعة البحوث المتقدمة في هذا القسم إنّ هذه المجموعة من الباحثين لو سلكوا العدالة والانصاف لوصلوا إلى نفس ما توصل إليه "محمّد المديني" عميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر، والجدير بالذكر ان الدكتور القفاري لم ينقل عن المديني حرفاً واحداً، وإليك خلاصة كلامه:


"وأمّا الإمامية فيعتقدون نقص القرآن فمعاذ الله وإنّما هي روايات رويت في كتبهم كما روي مثلها في كتبنا وأهل التحقيق من الفريقين قد زيفوها وبيّنوا بطلانها... ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب الاتقان للسيوطي ليرى فيه أمثال هذه الرّوايات التي نضرب عنها



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 289.

ولا يخفى ان الدكتور القفاري في كلامه هذا يعترف بان الرّوايات في فصل الخطاب لم تكن باجمعها في التّحريف بل قسم منها من قبيل التأويل والقراءة الواردة.
الصفحة 306


صفحاً".



ثم ذكر قضية تأليف أحد المصريين في سنة 1498 كتاباً اسمه "الفرقان" والذي حشاه بكثير من أمثال هذه الرّوايات السقيمة المدخولة المرفوضة ناقلاً لها عن كتب ومصادر أهل السنة ورفض العلماء لذلك ومصادرة الحكومة هذا الكتاب وقال:


"أفيقال إنّ أهل السنة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟ أو لكتاب ألّفه فلان، فكذلك الشيعة الإمامية، إنّما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات التي في بعض كتبنا..."(1).



لقد خلا الآن الميدان للدكتور القفاري ليصول فيه ويجول فهو بعد أن جمع أطراف البحث في آراء أهل السنة عرّج على بعض مصادر الشيعة فقال:


"وبعد هذا نرجع إلى مصادر الشيعة المعتمدة عندها نستنطقها علّنا نعرف جلياً الخبر عندها... والعدل والانصاف واجب ولازم (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)".



فيتعهد لنا الدكتور بأنّ مبناه هنا أيضاً هو الاعتماد على المصادر المعتمدة عند الشيعة، وسيسلك طريق العدل والإنصاف، فهل هو وعد بقوله أم لا؟ فيصدر بحثه بالعنوان "ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية".


____________

1 ـ مقال الاستاذ المديني عميد كلية الشريعة في الجامع الازهر، مجلة رسالة الاسلام، العدد الرابع من السنة الحادية عشرة، ص 382 ـ 383.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:48 PM   #8
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 307


ما تقوله مصادر الشيعة في هذه الفرية

ثم يُتبع ذلك بقوله:


"وقبل أن نأخذ بيد القارئ في رحلة تبدأ من نقطة الصفر من أول كتاب وضعه الشيعة وألّفوه، نعرض لصوتين مختلفين ومتعارضين، هذان الصوتان المتعارضان كان لهما ـ في الغالب ـ وجود وصدى في كل الكتب الشيعية التي تعرضت لهذه القضية فلنستمع إليهما ليتسنى إدراك وتصور هذه المسألة عند هؤلاء حتّى لا يحصل غبش في تصورها...

يقول شيخ الشيعة في زمنه ابن بابويه القمِّي [الشيخ الصدوق] (ت 381 هـ.): اعتقادنا ان القرآن الذي انزله الله تعالى على نبيه محمّد وهو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك... ومن نسب إلينا أنا نقول اكثر من ذلك فهو كاذب.

هذا... ويقول المفيد [محمّد بن محمّد بن النعمان] (ت 413 هـ.): "إن أخباراً قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الطاعنين فيه من الحذف والنقصان" ويقول: "واتفقوا ـ أي الإمامية ـ على أنّ أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنّة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم".

هذا قولان مختلفان ومتعارضان صدرا من شيخين من شيوخهم يجمعهما وحدة الزمان والمكان! فمن نصدِّق منهما؟ وأيّ القولين يعبّر عن مذهب الشيعة؟... والتعرف على الحقيقة وسط هذا الركام من الاقوال المتعارضة والمتناقضة ليس بسهل المنال... وإذا لاحظنا أن

الصفحة 308


من أركان الدين عند هؤلاء التقية ولا دين لمن لا تقية له أدركنا أنّ الحقيقة محجوبة بغيوم من الكذب والتزوير وركام من التناقضات والتعارضات..."(1)



الدكتور القفاري وتحريفه لكلام الشيخ المفيد:

أوردنا كلام الدكتور القفاري برغم طوله ليتبين للقارئ، تحريف الدكتور القفاري فهل هذا القول الذي نسبه الدكتور القفاري إلى الشيخ المفيد رحمه الله حقّ، أم أنّ الدكتور القفاري ـ مع الأسف ـ خان الأمانة وحذف ما قبل وما بعد كلام الشيخ المفيد؟ ثم حمله على ما أراد وعقّبه بما قال مع بشاعة قوله وما يليق بسوء أدبه، كما سبق منه.

قال الشيخ المفيد رحمه الله ما نصُّهُ:


"إنّ الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان، فأمّا القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدّم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكّي والمدني لم يرتب بما ذكرناه.

وأمّا النقصان فإنّ العقول لا تحيله ولا تمنع وقوعه وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز...

وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 219 ـ 220.
الصفحة 309


القرآن على الحقيقة دون التأويل وإليه أميل والله أسأل توفيقه للصواب."(1)


هذا نصّ كلام الشيخ رحمه الله في كتابه "أوائل المقالات" وقال في موضع آخر من الكتاب نفسه:


"اتّفقوا ـ الإمامية ـ على أنّ أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية"(2).



هل أراد الشيخ المفيد رحمه الله من قوله "... خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل..."، تحريف القرآن ونقصانه؟ فهذا ما أراد الدكتور القفاري لكن خاب في صفقته، فكلام الشيخ في قوله السابق يفسّر كلامه هنا حيث قال:


"فأمّا القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكّي والمدني لم يرتب بما ذكرناه".



وهذا لا مساس له بمسألة التّحريف اطلاقاً والشيخ المفيد نفسه اعترف بصيانة القرآن عن التّحريف مطلقاً وقال: "عندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل وإليه أميل" كما رأيتم في عبارته السابقة.

ولمزيد من التوضيح نقول:


____________

1 ـ اوائل المقالات ومذاهب المختارات: ص 80 ـ 81.

2 ـ اوائل المقالات: ص 46.
الصفحة 310

أ ـ ما معنى كلمة "التأليف" هل هو بمعنى التّحريف والنقصان في القرآن؟ هذا ما لا يقول به أحد من أهل اللغة وغيرهم، قال "ابن حجر":


"تأليف القرآن أي جمع آيات السورة الواحدة أو جمع السور مرتبة في المصحف"(1).



فمراد الشيخ المفيد رحمه الله من مخالفتهم في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل أي في ترتيب آيات القرآن من جهة التقديم والتأخير والناسخ والمنسوخ وغير ذلك على حسب نزول الوحي، فانهم لا يرتّبون الآيات على حسب نزولها والقرآن الموجود شاهد عليه(2).

وتأليف القرآن على غير تأليف المصحف الموجود لا تستغرب فإنّ مصاحف بعض الصحابة مغايرة للمصحف الموجود من حيث التأليف، قال شمس الدين الذهبي في ترجمة عُقبة بن عمر:


"قال أبو سعيد بن يونس: مصحف عقبة بن عامر الآن موجود بخطه، رأيته عند علىّ بن الحسين بن قُديد على غير التأليف الذي في مصحف عثمان... ولم أزل أسمع شيوخنا يقولون: إنّه مصحف عقبة..."(3).



ب ـ في مصنّفات الشيخ المفيد رحمه الله رسالة مشهورة باسم "تصحيح الاعتقادات" وهذه الرسالة مشتملة على تعليقات قيّمة على رسالة "الاعتقادات"

____________

1 ـ فتح الباري: ج 9، ص 8.

2 ـ فعلى سبيل المثال، آية اعتداد الحول قد نُسخت بآية تربص أربعة أشهر وعشراً، والآية المنسوخة هي الآية 240 من سورة البقرة والآية الناسخة هي الآية 234 من سورة البقرة وهما متقدمة ومتأخرة لان الناسخة لابد وان تكون بعد المنسوخة لا قبلها. وهل ذاك الترتيب توقيفي أو اجتهادي. فالشواهد تدل على أنه اجتهادي من الصحابة، لمزيد التفصيل انظر تفسير الميزان: ج 12، ص 127 وما بعدها.

3 ـ تاريخ الإسلام، حوادث ووفيات (41 ـ 60 هـ.): ص 272 ـ 273.
الصفحة 311

لاستاذه ابن بابويه الصدوق ـ رحمه الله ـ فالشيخ المفيد رحمه الله في كل أمر يخالف استاذه يعلّق على كلامه. ومع هذا فهو عند رأي استاذه فيما قال: "اعتقادنا ان القرآن الذي انزله الله تعالى على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس باكثر من ذلك ومن نسب إلينا أنّا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب..." لم يعلق عليه وقَبِله من غير أىّ تعليق أو تصحيح ولا ننسى أنّ رسالة "تصحيح الاعتقادات" وضعت لبيان عقائد الإمامية في اصول المذهب وغيره.


ج ـ المحدّث النوري الذي ذكر عبارة الشيخ المفيد(1) لم يوردها بعنوان تحريف القرآن، وفي الواقع فان الدكتور القفاري إنّما نقل تلك العبارة من "فصل الخطاب" لكنه حذف ما قبل العبارة وما بعدها لكي يصل إلى مقصوده، ويُضلّ الآخرين.

والآن حيث وصلنا إلى هذه النقطة اسمحوا لي أن أبحث أيضاً مع الدكتور القفاري في هذا المجال، فالدكتور في عدّة مواضع من كتابه أورد عبارة الشيخ المفيد معلقاً عليها بألفاظ يأباها البحث العلمي، وإليك هذه المواضع مرتبة وفق ما جاء في كتابه، ففي الصفحة "230" يقول:


"نرى شيخهم المفيد (ت 413 هـ) سجّل في كتابه "اوائل المقالات" إجماع طائفته على هذا المنكر ونقل بعض أخباره في بعض كتبه كالارشاد وهو من كتبهم المعتبرة"


لاحظت بيان الشيخ المفيد الذي يؤكد إجماع الإمامية على مخالفة "تأليف القرآن" لا "تحريف القرآن"، ورأيت توضيح الشيخ المفيد نفسه، اما إخبار الدكتور القفاري عن كتاب الارشاد، فالذي جاء فيه:


"روى جابر، عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: إذا قام قائم آل محمّد



____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 42.
الصفحة 312


عليه السلام ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما انزل الله جلّ جلاله فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنـّه يخالف فيه التأليف"(1).



فمتن هذه الرواية واضح لا يحتاج إلى تبيان فهي تقول: "فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف" أي قد اَلِفَ الجمهور هذا النسج الحاضر، واعتادوا عليه خلفاً عن سلف طيلة عشرات القرون، فيصعب عليهم التعوّد على خلافه كما أشار إليه الحديث. فتأليف القرآن غير تحريفه وهذا لا يخفى على ذي مسكة من عقل وقد سبق لنا في المقام الأوّل أن ذكرنا، روايات الفساطيط وبسطنا الكلام فيها فراجع إن شئت.

وكتب الدكتور القفاري أيضاً في الصفحة 269:


"كانت دوائرُ الغلاة في القرن الثالث تعمل على الإكثار من صنع الرّوايات في هذا حتّى أنّ شيخهم المفيد الذي يلقبونه بركن الإسلام... يشهد باستفاضتها عند طائفته فيقول: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان".

وهذه الاستفاضة هي ثمرة الكذب... على يد شرذمة من شيوخهم.

فكيف يعقل أنّ المفيد يقول باستفاضة هذا الكفر بين طائفته رغم أنّ شيخه ابن بابويه يقول: إن من نسب إلى الشيعة مثل هذا القول فهو كاذب..."


هذا بعض كلام الدكتور القفاري المحرّف والمبعثر أورده تحت عنوان "حجم

____________

1 ـ الارشاد: ص 386.
الصفحة 313

أخبار هذه الاُسطورة في كتب الشيعة ووزنها عندهم" وسنبحث ذلك إن شاء الله مفصلاً ونبيّن دعاوي الدكتور القفاري فيها، ولكن ينبغي لنا التذكير بهذه النكتة وهي أن الشيخ المفيد هل أراد من كلامه، استفاضة الرِّوايات في باب التّحريف، أو استفاضة القائلين بالتحريف؟ فهذه عبارة الشيخ: "إن الأخبار قد جاءت مستفيضة" ورأيتم تتمّة هذه العبارة، بأنّ في رأي الشيخ المفيد ما حذف ونقص من القرآن لا يرتبط بمتن القرآن ولكن بتأويله وتفسير معانيه التي توجد في مصحف الإمام علي عليه السلام.

وقال في كتاب "المسائل السروية" ما نصّه:


"فإن قال قائل كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة فيه ولا نقصان وأنتم تروون عن الأئمة عليهم السلام أنـّهم قرأوا: "كنتم خير أئمة اُخرجت للناس" و"كذلك جعلناكم أئمة وسطاً".

وقرأوا: "يسألونك الأنفال" وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس؟

قيل له: قد مضى الجواب عن هذا، وهو أنّ الأخبار التي جاءت بذلك; أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحّتها، فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما أُمرنا به حسب ما بيّناه مع أنه لا ينكر أن تأتي القراءة [يأتي بالقرآن] على وجهين منزلين:

أحدهما: ما تضمنه المصحف.

الثاني: ما جاء به الخبر، كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على أوجه شتّى..."(1).




____________

1 ـ المسائل السروية: ص 83 ـ 84.
الصفحة 314

وعلى هذا فهناك تفاوت كبير بين "استفاضة الأخبار" و"استفاضة القائلين بالتحريف" والشيخ المفيد نفسه عالج تلك الأخبار المستفيضة والشيخ الصدوق يقول أيضاً: هذه الرّوايات كثيرة، ولكن في مقام علاجها يقال: إنها وحي غير قرآني.

قال الصدوق ما نصّ كلامه:


"... بل نقول إنه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن كان مبلغه مقدار سبعة عشر الف آية ـ ثم ذكر نماذج منه وقال ـ ومثل هذا كثير، كلّه وحي ليس بقرآن"(1).



وتلك العبارة ادامة لنفس عبارة الصدوق في كتاب الاعتقادات والتي أوردها الدكتور القفاري دون أن يذكر تتمتها. وهي تقول بأنّ أخبار الوحي الذي ليس بقرآن لو جمع مع آي القرآن صارت سبعة عشر ألف وهذه الأخبار هي التي توحي بعضها بتحريف القرآن.

اذن نستنتج أنه لا تفاوت بين آراء هذين العلمين اللّذين يعتبران من أركان التشيع وهما المفيد والصدوق رحمة الله عليهما في مسألة صيانة القرآن عن التّحريف، فكلاهما يقول باستفاضة أخبار الباب وكلاهما يقول بصيانة القرآن عن التّحريف لكنّ الدكتور القفاري الذي رأى تلكما العبارتين ـ على ما ادّعاه ـ حذف بعضهما كي يتمكن من اثبات مدّعاه، فحرّف استفاضة الأخبار الواردة في قول الشيخ المفيد إلى استفاضة القائلين بالتحريف فكتب قائلاً:


"هذا والمفيد يقول باستفاضة هذا الكفر بين طائفته رغم أن شيخه ابن بابويه [الشيخ الصدوق رحمه الله] يقول إن من نسب إلى الشيعة مثل



____________

1 ـ الاعتقادات: ص 81.
الصفحة 315


هذا القول فهو كاذب..."(1).



وإذا ذهبنا إلى نفس مبنى الدكتور القفاري في تلك المسألة وقبلنا استبدال استفاضة الأخبار بالتحريف باستفاضة القائلين بالتحريف، فهذا سيكون حجّة عليه دامغة، حيث أنّ أهل السنّة رووا كثيراً من روايات التّحريف في كتبهم، بل إنّ الآلوسي يقول: "وأخبار تلك الباب أكثر من أن تحصى" وعلى هذا نستطيع ابدال العبارة بالشكل الآتي "عدد القائلين بالتحريف من علماء أهل السنّة أكثر من أن يحصى" ترى هل يقبل الدكتور القفاري بهذا؟ أم له مع الشيعة حسابات اُخرى خارجة عن المنطق والاستدلال؟

وأخيراً قال الدكتور القفاري في الصفحة 275 بعد أن أورد كلام الشيخ المفيد رحمة الله تعالى عليه باتفاق الإمامية على ان أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن... ـ وقد سبق نصّ كلامه ـ إذ قال:


"وهذه شهادة مهمة واعتراف صريح من مفيد الشيعة بأن سائر الفرق الإسلامية لم تقع في هذا الكفر الذي وقعت فيه طائفته وهي شهادة تلجم اُولئك الروافض الذين يحاولون من منطق جبان أن يصموا أهل السنة بشيء من هذه الفرية. وعصمة أهل السنة من هذا الضلال لا تحتاج إلى هذا الاعتراف ولكن ذكرناه هنا لأنه صادر من المخالف وانصاف المخالف أشد وقعاً من انصاف الموافق، ولأنّ في هذا وأمثاله مايسكت اولئك المفترين الذين يفترون الكذب ولا يؤمنون.

كما أنّ مفيدهم يعترف أيضاً بأن اجماع طائفته قائم على هذا الكفر البين ولم يذكر مفيدهم وجود خلاف بين علمائهم في هذا!! مع إن شيخه ابن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق (ت 381 هـ) قد



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 269.
الصفحة 316


أنكر هذا في رسالته "الاعتقادات"... هل تجاهُلُ المفيد لذلك من قبيل اقتناعه بأن مخالفته بسبب التقية أم ماذا...".



يظن الدكتور القفاري بأنّ استعماله للألفاظ البذيئة ـ التي لا تليق بأيّ باحث ـ يسدل الستار على الحقائق فإنّ الله تعالى يقول: (ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد) فإنّه يكتب من غير خوف من الله، وليت الدكتور القفاري عمل بهذه النكتة التي سقطت من لسانه: "انصاف المخالف أشد وقعاً من انصاف الموافق".

ونريد أن نحكّمك أنت أيها القارئ فيما إذا قال شخص بأنّ ترتيب القرآن الآن ليس على طبق النزول، ولكن يوجد فيه تقديم وتأخير كما هو نص كلام الشيخ المفيد:


"فأمّا القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني، لم يرتب بما ذكرناه"(1).



فهل هذا الشخص "كافر" أو "مفتر كاذب" أو "متجاهل" أو...

وجدير بالذكر أن نغمة الدكتور القفاري بعنوان "التقية" التي تكرّر سماعها في

____________

1 ـ قد اختلف العلماء في ترتيب السور والآيات هل هو اجتهادي أو توقيفي، فادعى "الآلوسي" ان الجمهور على ان ترتيب السور توقيفي، روح المعاني: ج 1، ص 26 ـ 27، وفي ادعائه نظر يعرف من قول "القاضي أبي بكر بن طيّب" راجع: المحرر الوجيز: ج 1، ص 66 و"ابن جزي" في التسهيل لعلوم التنزيل: ج 1، ص 4 ونقل "ابن عطيه" عن "الباقلاني" راجع: التحرير والتنوير: ج 1، ص 86 ـ 90 وغيرهم. بل ادّعى "عياض" بان جمهور العلماء اتفقوا على ان ترتيب السور وقع باجتهاد الصحابة راجع; التحرير والتنوير: ج 1، ص 87.

وأمّا في مجال ترتيب الآيات، فقد اصرّ أهل السنّة على أن ترتيبها توقيفي، فآيات المصحف المتداول اليوم وهو المصحف العثماني مرتبة على ما رتبها عليه النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم باشارة من جبريل، لكن رواياتهم في كيفية نزول البسملة وروايات الجمع الأوّل تدفع هذه الدعوى دفعاً صريحاً، ولمزيد من التوضيح انظر: الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 126 ـ 132.
الصفحة 317

كلّ موضع من طنبوره والتي من جملتها ما أورده الدكتور في طليعة هذا الفصل بعد تقطيعه عبارتي الشيخ الصدوق والشيخ المفيد رحمهما الله وقال:


"... والتعرف على الحقيقة وسط هذا الرُّكام من الأقوال المتعارضة... ليس بسهل المنال... وإذا لاحظنا أنّ من أركان الدين عند هؤلاء ـ أي الشيعة ـ التقيّة... أدركنا أنّ الحقيقة محجوبة بغيوم من الكذب والتزوير..."(1).



وهذا ليس بشيء لأنّك سترى قريباً إنّ مَن له معرفة بأركان التقيّة ومفهومها، يتجلّى له أنّ الأقوال المتقدِّمة لا يمكن حملها على التقية بأيّ وجه من الوجوه، فإذا كانت مصادر لا تخلو من الروايات التي تدل بظاهرها التّحريف بل إنّه يوجد حتى القائل بالتحريف من بينهم، فاين هو موضع التقية؟ وسيأتي تفصيل أكثر لهذه المسألة فيما بعد إن شاء الله.


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 219.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:49 PM   #9
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 318


بداية الافتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة

الدكتور القفاري قبل ولوج هذا البحث ـ وكما فعل من قبل ـ ادّعى التزام كمال الصدق والأمانة العلمية في نقل الأقوال، وفي موقف الناصح المشفق والفقيه الناسك ليوحي إلى الآخرين صدق أقواله، وقال:


"سنبدأ بدراسة هذه القضية من بدايتها، والتحري في صدق الأقوال من تقيتها بتحليل الاقوال... وأسأل الله سبحانه أن يعصمنا من اتهام الآخرين بما ليس فيهم... وسنتناول هذه القضية الخطيرة التي يترتب على رمي الشيعة بها انفصالها عن المسلمين لمفارقتها للأصل الذي يتفقون عليه..."(1).



ثمّ قال:


"أول كتاب تسجل فيه هذه الفرية ـ أي فرية التّحريف ـ هو "كتاب سليم بن قيس" الذي رواه عنه أبان بن أبي عيّاش، لم يرو عنه غيره وهو "أول كتاب ظهر للشيعة" كما يقول ابن النديم وغيره.

وقد أكثر الشيعة من مدحه وتوثيقه والثناء على كتابه رغم إنني لم أجد لمؤلفه ذكراً فيما رجعت إليه من مصادر... بل ان من متقدمي الشيعة من قال: "إنّ سليماً لا يعرف ولا ذكر في خبر" وإن كان هذا ليس بمرضي عند متأخري الشيعة. ورغم أنّ الكتاب يحمل أخطر آراء السبئية وهو تأليه علي [عليه السلام] ووصفه بأوصاف لا يوصف بها إلاّ ربّ العالمين... وسليم الذي يزعمون أنـّه مؤلف الكتاب مجهول. وقد لا يكون له وجود إلاّ في خيالات الشيعة... وجاء في الكتاب "إنّ الأئمة ثلاثة عشر" وهذه طامة كبرى تهدد



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 220.
الصفحة 319


بنيان الاثنى عشرية بالسقوط... ولهذا كفونا مؤنة نقض هذا الكتاب..."(1).



فالدراسة التحليلية لـ "كتاب سليم بن قيس" المتداول بين الناس واسعة النطاق جداً وخارجة عن اطار بحثنا هذا، وما يتراءى من اختلاف آراء العلماء في هذا الكتاب يرجع أساساً الى اختلاف نسخه ـ شأنه شأن كل كتاب لم يوفّق المصنف لنشره بنفسه بل يقوم الآخرون بنشره بعد وفاته ـ ويقسم بعض الأفاضل نسخ الكتاب إلى ستّة أنواع وبيان طرقها ونذكر من جملة طرقها، طريق علماء أهل السنة إليه(2). وجملة القول عند علماء الإمامية رحمة الله عليهم أجمعين في شأن الكتاب: "إنْ تأيّد ما فيه بدليل من الخارج فهو وإلاّ فلا اعتبار بما يتفرد به"(3).


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 224.

2 ـ وهي النسخة المروية عن طريق محمّد بن صبيح بن رجاء (المترجم له في تاريخ مدينة دمشق: ج 53، ص 274 بالرقم 6464) عن عصمة بن أبي عصمة البخاري (المترجم له في تاريخ دمشق: ج 40، ص 351، بالرقم 4700) عن أبي بكر أحمد بن المنذر (المترجم له في تاريخ الإسلام: وفيات 221 ـ 230 هـ.، ص 55) عن عبدالرزاق بن همام (مؤلف كتاب المصنف، المترجم له في تهذيب الكمال: ج 18، ص 52، بالرقم 3415) عن معمر بن راشد البصري152 هـ. المترجم له في تهذيب الكمال: ج 28، ص 303 بالرقم 6104) عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي انظر كتاب سليم بن قيس: تحقيق الشيخ محمّد باقر الانصاري: ج 1، ص 151 و318.

3 ـ ومن اللازم ان نتوقف عند رأي العلامة أبي الحسن الشعراني ـ من أعلام الإمامية (ت 1392) ـ في كتاب سليم بن قيس، لأنّ الدكتور القفاري بعد تقطيع وتحريف رأي الشعراني، استنتج ما يحلو له فيقول:


"ان الزيادة امر ميسور عندهم كما بدا لنا ذلك في كتاب سليم بن قيس والذي اعترف بوضعه والتغيير فيه شيوخهم"


اصول مذهب الشيعة: ص 287، ومراده من "شيوخهم" هو العلامة الشعراني كما نصّ عليه ثم جعل ذلك ـ زوراً وبهتاناً ـ معياراً لنقد جميع كتب الشيعة وخصوصاً الكتب الاربعة (التي سنبحث فيه مع دعاوي الدكتور القفاري بشيء من التفصيل في "التذييل") وقال مرّات:


"إنّ الشيعة يغيرون في كتب قدمائهم كما فعلوا في كتاب سليم بن قيس"


انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 291 و294 و286 و289 فهل الشعراني اعترف بوضع وتغيير في كتاب سليم بن قيس، انظر نص كلام الشعراني:


"...الحق ان هذا الكتاب موضوع لغرض صحيح نظير كتاب الحسنية وطرائف ابن طاووس والرحلة المدرسية للبلاغي وامثاله وان واضعه جمع اموراً مشهورة وغير مشهورة ولما لم يكن معصوماً أورد فيه اشياء غير صحيحة... وبالجملة ان تأيّد ما فيه بدليل من خارج فهو وإلاّ فلا اعتبار بما يتفرد به والغالب فيه التأيد وعدم التفرّد"


حواشي الشعراني على شرح جامع الكافي: ج 2، ص 373 ـ 374.

هذا ومعلوم لدى كل مصنف ان مراد الشعراني في قوله "هذا الكتاب موضوع" ـ مع التنبه إلى القرائن في كلامه وأمثلته ـ بمعنى أنّ هذا الكتاب صُنف لغرض صحيح وليس بمعنى أنَّ هذا الكتاب مختلق مكذوب، قد تغيّر ما فيه كما استفاد الدكتور القفاري بعد ان قام بتقطيع عبارة الشعراني ووزّعها في كتابه. انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 384 و224.
الصفحة 320

بعد هذه المقدمة الموجزة حول كتاب سليم بن قيس نبحث في صحة أقوال الدكتور القفاري الذي ادّعى:

أ ـ إنّ سليم بن قيس غير موجود إلاّ في خيالات الشيعة(1).

ب ـ أول كتاب فيه هذه الفرية ـ وهي فرية تحريف القرآن ـ هو كتاب سليم بن قيس.

ج ـ إنّ الكتاب يحمل اخطر آراء السبئية وهو تأليه علي [عليه السلام].

د ـ جاء في الكتاب "إنّ الأئمة ثلاثة عشر" وهذه طامة كبرى...


سليم بن قيس شخص واقعي أم خيالي؟

هل أن سليماً موجود خيالي(2)؟ كيف يمكن للدكتور القفاري ادعاء أن سليم بن قيس مختلق؟ فهل يريد اخفاء جريمة الامويين ـ وسقوط الدولة الاموية التي

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 234.

2 ـ اصول مذهب الشيعة.
الصفحة 321

يعتبره بعضهم سقوطاً لعزة الإسلام ـ(1) وكذا التستر على جرائم الحجّاج ابن يوسف(2).

قال الدكتور القفاري:


"رجعت في البحث عنه إلى مصادر كثيرة من كتب أهل السنة فلم أجد له ذكراً..."


ولكنك لو رجعت إلى كتاب "الجرح والتعديل" للحافظ شيخ الإسلام الرازي (327) لوجدت ما يلي:


"سليم بن قيس العامري روى عن سحيم بن نوفل روى عنه أبان سمعت أبي يقول ذلك"(3).



وسليم بن قيس هذا شهد صفين على ما نقله ابن عساكر إذ قال في كتابه "تاريخ مدينة دمشق" بسنده عن عبدالله بن اُذينة البصري عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليمان بن قيس العامري، قال:


"رأيت اُوَيساً القَرَني بصفين صريعاً بين عمّار وخزيمة بن ثابت"(4).



هذا، و"سليمان بن قيس العامري" تصحيف "سليم بن قيس العامري" قطعاً، لقرينة اللّقب (العامري) والراوي (أبان ابن أبي عيّاش) وعدم وجود شخص

____________

1 ـ منهاج السنة: ج 4، ص 210 والمنتقى (مختصر منهاج السنة): ص 523.

2 ـ وكذلك يقول "ابن النديم" و"العقيقي": "كان سليم هارباً من الحجّاج لانه طلبه ليقتله فلجأ إلى أبان بن أبي عياش فآواه" وكذا أبان بن أبي عياش نفسه يقول: "لما قدم الحجّاج العراق سأل عن سليم بن قيس فهرب منه..." الفهرست لابن النديم: ص 275 وخلاصة الاقوال: ص 83.

3 ـ الجرح والتعديل: ج 4، ص 214، رقم الترجمة 930 وشيخ الإسلام الرازي هو: أبو محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال الذهبي في التذكرة: "الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام الرازي... كتابه في الجرح والتعديل يقضي له بالمرتبة المتقنة في الحفظ" وقال في الميزان: "الحافظ الثبت ابن الحافظ الثبت" انظر مقدمة كتاب "الجرح والتعديل": ص "ز".

4 ـ تاريخ مدينة دمشق: ج 9، ص 455.
الصفحة 322

مسمى بـ "سليمان بن قيس العامري" في كتب التراجم والرِّجال من العامة والخاصة.

و"سليم بن قيس" هذا، يوجد في طريق كثير من الرّوايات، فمن روى عنه من علماء الإمامية فكثير جداً(1) ومن علماء أهل السنة:

1. الفاضل المحدّث القاضي أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم الحسكاني (ت 483) في كتابه "شواهد التنزيل" (ص: 41، 129، 202، 345، 794).

2. الحافظ أبو المؤيد موفق بن أحمد المكّي الحنفي المعروف بخطيب خوارزم (568) في كتابه "مقتل الحسين" (ج 1، ص 146).

3. الشيخ أبو اسحاق إبراهيم بن سعد الدين محمّد بن محمّد المعروف بالحمويني (722) في كتابه "فرائد السمطين" (ج 1، ص 312، باب 58 ح 250).

4. المحدّث علي بن شهاب الدّين بن محمّد الهمداني (ت 786) في كتابه "مودة القربى" ورواه عنه "القندوزي" في "ينابيع المودة" (ص 114، 168، 258، 445، 492). وفيه كفاية ومثل هذا كثير(2).

ثمّ قام الدكتور القفاري تأييداً لآرائه التي قد سبقت ـ بأن لا يكون لسليم بن قيس وجود إلاّ في خيالات الشيعة ـ قال:


"بل إن من متقدمي الشيعة من قال: ان سليماً لا يُعرف ولا ذُكر في خبر"(3).



هذا الادعاء نقل عن "أبي عبد الله الحسين ابن الغضائري" (ت 411) عن بعض

____________

1 ـ انظر: كتاب سليم بن قيس: تحقيق الشيخ محمّد باقر الانصاري، ص 122 وما بعدها.

2 ـ انظر كتاب سليم بن قيس، تحقيق الشيخ محمّد باقر الأنصاري: ص 126 وما بعدها.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 222.
الصفحة 323

ـ على ما نقل عنه العلاّمة الحلّي رحمه الله في "خلاصة الأقوال في معرفة الرجال" ـ ثم قال ابن الغضائري ردّاً عليه: "وقد وجدت ذكره ـ أي سليم بن قيس ـ في مواضع من غير جهة كتابه ولا رواية أبان بن أبي عيّاش وقد ذكر "أبو العباس بن عقدة" في رجال أمير المؤمنين عليه السلام أحاديث عنه"(1).

وبناء على هذا فإن الدكتور القفاري ـ وكعادته السالفة ـ قام بتقطيع عبارة ابن الغضائري وترك ما بعدها ليضفي على آرائه وخيالاته طابع الصحة.


فرية التّحريف في كتاب سليم بن قيس:

أمّا ما ادّعاه الدكتور القفاري بأنّ فرية التّحريف سجّلت في أول كتاب ظهر للشيعة وهو "كتاب سليم بن قيس". لا يكون إلاّ بوجود خبر مصحف الإمام علىّ ـ الذي جمعه الإمام بعد وفاة النبىّ ـ في كتاب سليم بن قيس.

هذا الادعاء ذكره الدكتور القفاري في أول الكتاب(2)، ثم ذكره أيضاً في الخلاصة في خاتمة كتابه(3)، وكذلك كرره في مواضع أُخر.

وقد تكلّمنا في مدخل بحثنا هذا بعض الشيء عن هذا الموضوع، وعرفنا ماهيّة تلك الاقاويل.

هذا وما ذكره الدكتور القفاري بعنوان بداية فرية التّحريف فلم تكن إلاّ ثلاث روايات ـ وإن ذكر الدكتور القفاري أنـّها روايتان اشتباهاً ـ في كتاب "سليم بن قيس" حول مصحف الإمام علي عليه السلام، وذكرنا أنّ مضمون هذه الرّوايات هو أنّ الإمام عليّاً عليه السلام بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم جمع القرآن وجاء به إلى المسجد، ولكنّهم لم يقبلوا به، وقد وردت هذه القضية في كتب أهل

____________

1 ـ رجال العلامة الحلي المعروف بـ "خلاصة الاقوال في معرفة الرجال": ص 83.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 14.

3 ـ المصدر السابق: ص 1281.
الصفحة 324

السنة بشكل مستفيض، وبعضها جاء بروايات صحيحة، ودلالتها واضحة لا إبهام فيها. وسنورد موضوع "مصحف الإمام علىّ عليه السلام" بشكل تفصيلي وندرس أسانيد تلك الروايات ومحتواها إن شاء الله وسوف ترون أن تلك الروايات لا علاقة لها بمسألة التحريف إطلاقاً.

وعلى هذا فعلى قبول كلام الدكتور القفاري، الذي مؤداه أنه لمجرّد وجود خبر عن مصحف الإمام علي عليه السلام في كتاب من الكتب يحكي عن فكرة السبئية، وتحريف القرآن، والطعن في كتاب الله، فيكون جميع كتب أهل السنة التي تحدثت عن مصحف الإمام علي عليه السلام وهي إلى القرن العاشر أربعة عشر كتاباً محكومة بهذه الأحكام.

نعم، الدكتور القفاري وهو في تفحص لآثار السبئية قال:


"هذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنـّها ضرورية لمحاولة اكتشاف الأيدي السبئية التي افترت هذه الفرية [أي فرية تحريف القرآن] إذ أنـّنا نلاحظ ان الفرية بدأت من كتاب سليم بن قيس..."(1).



ولكنّه وبعد السعي اليائس والبحث الفاشل أقرّ قائلاً:


"فإذن لم تكن هذه القضية من مقالات السبئية بل حدثت فيما بعد"(2).



ولو سألنا الدكتور لِمَ لم تنجح في اكتشافك؟ لوجّه كلامه بتوجيه يضحك الثكلى، حيث يقول:


"وقد تتبعت الآراء المنسوبة إلى ابن سبأ وطائفة السبئية فلم أجد أن هذه المقالة [أي تحريف القرآن] قد نقلت عن ابن سبأ لأنـّها ـ فيما



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 225.

2 ـ المصدر السابق.
الصفحة 325


يبدو ـ لم تخطر على باله لوضوح بطلانها امام الجيل الذي عاصر التنزيل ولأنـّها وسيلة سريعة لانكشاف كذبه فلم يتجرأ ابن سبأ على إشاعة هذه الفرية..."(1).



عجبا! كيف تجرّأ ابن سبأ ـ على فرض وجوده في العالم ـ وادعى النبوّة وزعم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو الله ـ تعالى الله وتقدّس ـ واستتابه الإمام علي عليه السلام فلم يتب فَأحرقه بالنار(2)، لكن مع هذا، لم يتجرّأ على اظهار القول بهذه الفرية ـ أي فرية التّحريف ـ؟ هل هذا الادعاء اسرع لانكشاف كذبه أم دعوى النبوة وألوهية الإمام علي عليه السلام...؟؟

أظنّ أنّ الدكتور القفاري في الواقع ـ ويحتمل علمه بذلك ـ أعدّ مسرحية ثرثارة عرضها بصور مختلفة ليُوهم الناس صحّة ادعائه ولينال على هذا الاكتشاف الكبير وهو وجود قصّة السبئية في كتب الشيعة استحسان الجمهور!!

والطريف في الأمر أنّ الدكتور القفاري بعد علمه بفشله في هذا الاكتشاف وعدم الحيلة للخروج من هذا المأزق لجأ إلى اختراع عدّة ادعاءات اُخر، وهي كما سترى فاقدة لأيّ دليل، يقول:


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة.

2 ـ أورد الدكتور القفاري تلك القضية في كتابه: ص 75 ونحن هنا لسنا في مقام البحث حول شخصية عبد الله بن سبأ وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة وجوده أو عدم وجوده أصلاً بل وقد ظهر كتاب نفيس اسمه "عبد الله بن سبأ" من تأليف السيد مرتضى العسكري اثبت فيه بأدلة قويّة مقنعة ان هذا الاسم لا حقيقة له. وقبله الدكتور طه حسين في كتابه "الفتنة الكبرى": ج 2 "علي وبنوه" قال: ـ وهو يتحدث عن وقعة صفين وبعد ذكر الادلّة القويمة على أن عبد الله بن سبأ لم يكن إلاّ وهماً قال: انما هو شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة ليدخلوا في اصول هذا المذهب عنصراً يهودياً امعاناً في الكيد لهم والنيل منهم..." ولم يشر الدكتور القفاري إلى كلام طه حسين مطلقاً ولا إلى أدلة السيد مرتضى العسكري بل ظلّت سجيته الشتم واستعمال الألفاظ البذيئة للوصول إلى مراده بدل الاستدلال العلمي المتين. اصول مذهب الشيعة: ص 72.
الصفحة 326


"فاذن لم تكن هذه القضية من مقالات السبئية بل حدثت فيما بعد، أمّا من هو الذي تولّى كبر وضع هذا الكفر بين الشيعة؟ فإن الاجابة المحددة قد لا تكون ميسرة ولا يجدي في هذا تتبع أسانيد روايات التّحريف لأنّ في أخبارها ماهو عار من السّند كالروايات التي جاءت في كتاب الاحتجاج للطبرسي، ولأنّ مسألة الإسناد عندهم قد وجدت بعض القرائن ـ كما سيأتي ـ التي تدل على انها صنعت متأخرة، كما ان من أساليبهم وضع الأسانيد الصحيحة لمتون مكذوبة فلا يؤدي سلوك هذا المنهج لنتيجة جازمة"(1).



إنّ ما قاله الدكتور القفاري: "ان مسألة الاسناد عندهم قد وجدت بعض القرائن كما سيأتي..." إلى آخر كلامه. هذه دعوى ذكرها الدكتور القفاري بدون ذكر أيّ دليل وبدون بيان الموضع الذي وعدنا بذكره في قوله كما سيأتي وهو أيضاً من الاشكالات المنهجية الواضحة في كتاب الدكتور القفاري.

ولكن نقول للدكتور القفاري على وجه المماشاة:

إن كان في روايات التّحريف ما هو عار من السند فهي غير معتبرة وغير صالحة لأن تعتمد أنت وغيرك عليها، ولكنّك حينما يقول الشيعة بعدم اعتبارها تقول: قولهم "تقية"؟! واختلط الحابل بالنابل.

وأما كتاب "الإحتجاج" للطبرسي الذي أشار إليه الدكتور القفاري، فهو من القرن السابع الهجري فقد ذكر مؤلّفه في مقدمة كتابه علة عدم ذكره الإسناد(2).


أخطر آراء السبئية في كتاب سليم بن قيس

هل الكتاب يحمل أخطر آراء السبئية؟


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 226.

2 ـ مقدمة الاحتجاج على أهل اللجاج: ص 4.
الصفحة 327

وهو مانصّ عليه الدكتور القفاري بقوله:


"إنّ كتاب سليم بن قيس يحمل أخطر آراء السبئية وهو تأليه علي ووصفه بأوصاف لا يوصف بها إلاّ ربّ العالمين فجاء في بعض روايات الكتاب مخاطبة علي بهذه الالقاب "يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شيء عليم"... وهذه الأوصاف هي من الآثار السبئية التي تؤلّه علياً والتي ورثتها الاثنا عشرية... وهذه أوصاف لرب العالمين قال تعالى: (هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم)"(1)


هذا أيضاً كذب عظيم وأسوأ من الاكاذيب المتقدمة، فانظر أصل الخبر ومصدره:

قال محقق كتاب سليم بن قيس، في مقدمة الكتاب:


"الفائدة الخامسة: فيما أورده العلماء من الأحاديث المروية عن سليم ممّا لا يوجد في كتاب سليم بن قيس، ما رواه الشيخ عبد الوهاب بإسناده عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت أبا ذرّ جندب بن جنادة الغفاري. قال: رأيت محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد قال لأمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة إذا كان غداً اقصد إلى جبال البقيع وقف على نشز من الأرض فإذا بزغت الشمس فسلّم عليها فان الله تعالى قد أمرها أن تجيبك بما فيك فلمّا اطلعت الشمس قرنيها قال عليه السلام: السلام عليك يا خلق الله الجديد المطيع له. فسمعوا دويّاً من السماء وجواب قائل يقول: وعليك السلام يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شيء



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 224.
الصفحة 328


عليم، فلما سمع أبو بكر وعمر والمهاجرون والأنصار كلام الشمس صعقوا ثمّ أفاقوا بعد ساعات وقد انصرف أمير المؤمنين عليه السلام عن المكان فوافوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الجماعة وقالوا أنت تقول أنّ علياً بشر مثلنا وقد خاطبته الشَّمس بما خاطب به الباري نفسه فقال النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وما سمعتموه منها؟ فقالوا: سمعناها تقول: السلام عليك يا أوّل. قال: صدقت هو أول من آمن بي، فقالوا: سمعناها تقول: يا آخر قال: صدقت هو آخِرُ الناس عهداً بي يغسّلني ويكفّنني ويُدخلني قبري، فقالوا: سمعناها تقول: يا ظاهر، قال: صدقت ظهر علمي كلُّه له، فقالوا: سمعناها تقول: يا باطن قال: صدقت بَطُنَ سري كلُّه له قالوا: سمعناها: تقول يا من هو بكلّ شيء عليم، قال: صدقت هو العالم بالحلال والحرام والفرائض والسُّنن وما شاكل ذلك فقاموا كلهم..."(1).



على هذا، فإنَّ الرواية ليست من كتاب سليم بن قيس، بل من كتاب عيون المعجزات بسند مؤلفه الشيخ حسين عبد الوهاب ـ المعاصر للسيدين الرضىّ والمرتضى "رحمهما الله" في القرن الخامس ـ عن سليم بن قيس عن أبي ذر جُندب بن جنادة. وعلى فرض اعتبار كتاب عيون المعجزات وصحَّة تلك الرواية، فلا علاقة لها بتأليه الإمام علي عليه السلام.

فالدكتور القفاري ـ مع الأسف ـ خِلوٌ من الأمانة العلمية، وقد بلغت خيانته العلمية أوجها حينما اقتطع من الرّوايات ما لو ذكره لبطل استدلاله بها، فتتمة الرّواية تكمل المعنى المقصود منها، ولا يتم بذكر الصدر فقط، فانظر وتعجب!

وعلى هذا لا توجد في كتاب سليم بن قيس روايات تشتمل على طعن في كتاب

____________

1 ـ مقدمة كتاب سليم بن قيس: 38 ـ 39 ط. دار الفنون وعيون المعجزات: ص 14 ـ 15.
الصفحة 329

الله، ولا توجد رواية في تأليه الإمام علي عليه السلام.



الطامة الكبرى!

5 ـ وأخيراً ما ذكره الدكتور القفاري مسمّياً إيّاه بـ "الطامة الكبرى التي تهدد بنيان الاثني عشرية بالسقوط" وهو ما جاء في بعض نسخ "كتاب سليم بن قيس" بأنّ "الأئمة ثلاثة عشر" فنرجىء تفصيل الكلام فيه إلى مبحث "الإمامة" ونكتفي هنا بذكر ملخّص ما قاله محقق "كتاب سليم بن قيس":

1 ـ النصوص التي وردت في "كتاب سليم" نفسه في حصر عدد الأئمة الطاهرين في اثني عشر، واحد وعشرون مورداً(1)، وموارد كثيرة أخرى فيها تلويحات واشارات إلى الموضوع عينه، وعلى هذا لا مجال للتمسك بمورد واحد.

2 ـ ورد في بعض نسخ "كتاب سليم بن قيس" مورد واحد هذا نصه:


"سليم بن قيس بسنده [عن سلمان] عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "... الا وان الله نظر إلى أهل الأرض فاختار منهم رجلين أحدهما أنا... والآخر علي بن أبي طالب... ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصيّاً من أهل بيتي فجعلهم خيار أُمتي واحداً بعد واحد..."(2).



وترتكز المناقشة في رجوع الضمير في "بعدنا" إلى رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وذكر "اثني عشر" بعدهما.

قال: الاجابة على هذه الشبهة بوجوه:


____________

1 ـ فقد أورد محقق الكتاب نص كل مورد على حدة فراجع مقدمة "كتاب سليم بن قيس": ص 173 وما بعدها، وإليك أرقام الأحاديث: 1، 10، 11 (في الرقم 11 جاء في اربعة موارد)، 14، 16، 21، 25 (في الرقم 25 جاء خمسة موارد)، 37، 42 (في الرقم 42 جاء موردان)، 49، 61 (في الرقم 61 جاء موردان)، 67 و77.

2 ـ كتاب سليم بن قيس: ص 245. ط. دار الفنون، وص 857 ط. الهادي، قم، رقم الحديث: 45.
الصفحة 330


"الأوّل: إنه لا اشكال في العبارة بأن تكون فاطمة الزهراء عليها السلام داخلة في الاثني عشر وذلك ان موضوع الحديث من اختارهم الله وليّاً لنفسه عند ابتداء خلقه من بين جميع أهل الأرض والذين جعلهم خيار اُمة الرسول صلّى الله عليه وآله... فانا نعتقد عصمتها وانها صاحبة الولاية الإلهيّة إلاّ انها ليست بامام.

ويؤيد ذلك ما في الحديث 25 من كتاب سليم في تفسير آية التطهير حيث قال صلّى الله عليه وآله: "انما نزلت فيّ وفي أخي عليّ وابنتي فاطمة وابنيَّ الحسن والحسين وفي تسعة أئمة من ولد الحسين ابني خاصة ليس معنا غيرنا"(1).



الثاني: ان "بعدنا" تصحيف "بعدي" على تقدير ان يكون المراد عدد الأئمة وقد وجدنا في بعض النسخ "بعدي" من دون تصحيف، خاصة وان الكلمة مما يقبل التصحيف مطمئنّين إلى وقوع ذلك من الراوي أو الناسخ عند الكتابة أو السماع. ويؤيد ذلك استعمال ضمير المتكلم بعد ذلك في قوله "أهل بيتي" و"امتي" وكذلك يحتمل تصحيف كلمة "احد عشر" إلى "اثني عشر" كما أشار العلاّمة المجلسي إلى ذلك في البحار(2) ويؤيد ذلك انّ هذا الحديث بعينه مذكور في الحديث 14 من الكتاب أيضاً بهذه العبارة: "ان الله نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي اثني عشر وصيّاً من أهل بيتي وهم خيار امّتي، منهم احد عشر إماماً بعد أخي واحداً بعد واحد..." وأورد في آخر الحديث ذكر أسمائهم بقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "أول الأئمة علىّ خيرهم ثم ابني الحسن...".

الثالث: إذا علمنا باشتهار كتاب سليم بن قيس في التنصيص على الأئمة الاثني

____________

1 ـ كتاب سليم بن قيس: طـ الهادي، ص 761.

2 ـ بحار الأنوار: ج 22، ص 150.
الصفحة 331

عشر عليهم السلام وذكر أسمائهم في كثير من موارده وعلمنا أيضاً ان هذه العبارة المبحوث عنها ليست نصّاً في الثلاثة عشر بل فيه ايهام لذلك يحصل اليقين من جميع ذلك انها من قبيل سوء تعبير الرواة في النقل... يعني ان الراوي لم يُرد إلاّ ذكر التنصيص على الاثني عشر فعبّر بـ "الإثني عشر" وغفل عن كلمة "بعدنا" التي ذكرها قبله ونظائر هذا في الكتب كثيرة(1).

أقول: اضف إلى ذلك ما جاء في الكتب المعتبرة عند أهل السنة من روايات كثيرة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بان الأئمة إثنا عشر وفي بعضها كلهم من قريش.

فمن تلك الكتب: صحيح البخاري: ج 2، ص 101 وصحيح مسلم: ج 3، ص 1453 وسنن الترمذي: ج 4، ص 501 وسنن أبي داود: ج 4، ص 472 والبزّاز وغيرهم. وفي "الصواعق المحرقة" أورد ثمانية من هذه الأحاديث، والسيوطي في "تاريخ الخلفاء": ص 11 وقد أورد السيوطي آراء العلماء حول الحديث المذكور.

فإن كان حديث كتاب سليم بن قيس يهدد بنيان الإثنا عشرية، فإنّه يهدد أيضاً بنيان هذه الكتب ومؤلفيها حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة.


____________

1 ـ كتاب سليم بن قيس: ص 180 ـ 182.

وقد تعرّض محقق كتاب سليم في مقدمته لشبهة اُخرى أثارها بعضهم وهي أنه: كيف وعظ محمّد بن أبي بكر أباه وتكلّم معه عند موته مع صغر سنه؟ الأمر الذي ورد ذكره في الحديث بالرقم 37 من كتاب سليم، ثم أدّى في الجواب عنها ما ملخصّه: "ان رواية تكلّم محمّد بن أبي بكر مع أبيه عند موته قد وردت في كتب أهل السنّة أيضاً، فقد أورد الغزالي في اوائل كتابه "سر العالمين": ص 11 وسبط ابن الجوزي في "تذكرة خواص الاُمّة": الباب الرابع: ص 62. ثم قال: إنّ تاريخ ولادة محمّد بن أبي بكر ممّا اختلف فيه أصحاب السير والتواريخ، ففي بعض الرّوايات انه ولد في حجة الوداع، وفي بعضها انه ولد في سنة ثمان من الهجرة وفي بعضها ما يدلُّ على ان ميلاده كان قبل ذلك. ثم أورد دليل كل منها وقال في آخر المطاف: ان سن محمّد بن أبي بكر كان في حد يمكن معه صدور الكلام منه عند موت ابيه." مقدمة كتاب سليم: ص 187 وما بعدها.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:50 PM   #10
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 332


شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة

إن جميع الكتب التي اعتمد عليها الدكتور القفاري في هذا الفصل هي كتب الحديث والتفسير بالمأثور لدى الشيعة، وقد سبق أن ذكرنا وأكدنا مراراً وتكراراً بما لا يقبل الشك بأنّ الكتاب الذي جمع الرّوايات من مصادر شتى شيء، وتمحيص تلك الرّوايات والحكم عليها بالصحّة والفساد شيء آخر، وهذا الأمر لا يخصّ مذهب الشيعة بل يشمل جميع المذاهب الاسلامية، فاننا لا نحكم على طائفة بحكم مّا لمجرّد وجود رواية في كتبهم الروائية، وإلاّ فما الفائدة من وجود علم الرّجال وعلم الدرّاية وفقه الرّوايات وغيرها؟ فهل هو إلاّ للتأكُّد من صحّة وفساد الراوي والرّواة وصحّة مدلول الرواية؟ فكيف يحقّ للدكتور القفاري وأضرابه الحكم على الشيعة بحكم ما وتكفيرهم؟ في حين أنّ الشيعة أنفسهم لا يصحّحونها بل يعتبرونها باطلة الدلالة، وهذا هو الإنصاف، فما يحكم به الدكتور القفاري علينا من خلال كتب حديثنا عليه أن يحكم به على سائر الفرق لوجود نفس تلك الرّوايات قال تعالى: (إنّ الله يأمركم بالعدل...) ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام هو أن الدكتور القفاري ـ تعمّداً أو جهلاً ـ كثيراً ما يخلط بين مدلول الرواية وفقهها، ولذا وقع في أخطاء عديدة أشرنا إلى بعضها وسنشير إلى بعضها الآخر.

كما ينبغي الاشارة إلى أن الدكتور القفاري كثيراً ما يبتعد عن فقه الرواية بل عن الرواية نفسها وينشغل بالألفاظ البذيئة البعيدة كل البعد عن روح البحث العلمي، وإذا ضاقت به السبل وتعذّر عليه الدليل تشبث بفكرة التقية التي في هذا المبحث لا معنى معقول ـ كما ستعرف بعد ذلك ـ ولأن مباحث هذا الفصل تكرّر بعضها، فنحن هنا نوجز مناقشة آراء الدكتور القفاري في هذه المسألة ضمن عدّة نقاط. قال الدكتور القفاري:


"إن البداية لهذه الفرية كانت بكتاب سليم وبدأت القضية بروايتين

الصفحة 333


فقط... ولم يكثر الوضع والكذب حولها... وجاء في القرن الثالث من تلقف هذه الاسطورة وزاد عليها... [وهو] علي بن إبراهيم القمِّي وحشا تفسيره بهذه الاسطورة وصرّح بها في مقدمة تفسيره; ولهذا قال شيخهم الكاشاني: "فإنّ تفسيره مملوء منه وله غلو فيه" وكذلك قال شيخهم الآخر النوري الطبرسي... ومع أنّ الكتاب قد مُلىء بهذه الزندقة فإن كبير علماء الشيعة اليوم "الخوئي" يوثّق روايات القمّي كلّها ـ كما سلف ـ "(1).



ثم أورد الدكتور القفاري عدة روايات من تفسير القمّي وقال:


"تلك على سبيل المثال وغيرها كثير".



قد مرّ عليك سابقاً قول الدكتور القفاري حول كتاب سليم في هذا المقام وأنـّه لا علاقة له بمسألة تحريف القرآن. وأمّا تفسير القمّي واُسطورة تحريف القرآن.


تفسير القمّي واسطورة تحريف القرآن:

إن هذا التفسير منسوب الى القمّي من غير ان يكون من صُنعه، وإنّما هو تلفيق من املاءاته على تلميذه "أبي الفضل العباس بن محمّد العلوي" من سورة الفاتحة والبقرة وشطر قليل من سورة آل عمران (الآية 45) وقسط وافر من تفسير أبي الجارود، ضمّه إليها أبو الفضل وأكمله بما رواه هو عن سائر مشايخه تتميماً للفائدة.

اذن فهذا التفسير بهذا الشكل، هو من صنع أبي الفضل العلوي وإنّما نسبه إلى شيخه القمّي لأنه الأصل من روايات هذا التفسير(2). والشاهد عليه تصريح مؤلف هذا التفسير في بعض الموارد بأنّ ما أورده في تفسيره ليس في رواية علىّ بن إبراهيم

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 226.

2 ـ انظر تفصيل الكلام كتاب "كليات في علم الرجال" للشيخ جعفر السبحاني: ص 309 ـ 320.
الصفحة 334

القمّي(1). فعلى هذا نقول:

أولاً: إن ما قاله الدكتور القفاري بأنّ "علىّ بن إبراهيم صرّح في مقدمة تفسيره بهذه الفرية" خطأ، فان مقدمة التفسير ليست من صنع علىّ بن إبراهيم لأنـّا نجد في آخر المقدمة هذا الكلام: "أقول: تفسير بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني أبو الفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم العلوي قال حدثنا أبو الحسن علىّ بن إبراهيم القمّي قال حدّثني أبي رحمه الله عن..."(2).

فمقدمة التفسير ليست لعلي بن إبراهيم رحمه الله كي نتهمه بالتحريف بل ان المقدمة من شخص قد جمع هذا التفسير وهو مجهول. أي الشخص الذي روى عن أبي الفضل العباس بقوله: "حدثني"، فهو غير معلوم شخصه وأوصافه كما أنّ أبا الفضل العباس أيضاً لا يوجد له أثر في الاصول الرّجالية أصلاً.

ثانياً: إذا أردنا أن نأخذ بما قاله سيّدنا الخوئي رحمه الله بتوثيق روايات تفسير القمي، لَزمَنا حينئذ توثيق ما روى القمّي بسنده في تفسيره لا ما روى جامع تفسير علي بن إبراهيم ـ وهو أبو الفضل العباس ـ عن مشايخه، فان شهادة القمّي تكون حجّة في ما يرويه نفسه لا ما يرويه تلميذه عن مشايخه. وما يرويه علي بن إبراهيم عن المعصومين باسناده قليل جداً أي لا يتجاوز "17" رواية.

فذاك خطأ آخر من الدكتور القفاري الذي ينسب وثاقة روايات القمي كلها إلى السيد الخوئي رحمه الله. ولو سلمنا بذلك، فان وثاقة الرواة عند السيد الخوئي لا تساوق قبول متن الرواية واعتبارها عنده مطلقاً(3). هذا وقد أخطأ الدكتور

____________

1 ـ كعبارته هذه: "... فيه زيادة أحرف لم تكن في رواية علىّ بن إبراهيم": ج 2، ص 360.

2 ـ التفسير [المنسوب إلى] القمي: ج 1، ص 5.

3 ـ وهذا معلوم من منهج السيد الخوئي فقد صرح رحمه الله باسقاط روايات التّحريف وقال في جملة ما قال: "ان حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال لا يقول به إلا من ضعف عقله..." البيان: ص 259 فهذا منه رحمه الله يعني عدم كفاية وثاقة الرواة في قبول مضمون الرّوايات وهذه قاعدة علمية لدى كل محقق، فَوثاقة الراوي لا توجب قبول متن روايته بدون الدرّاية والفحص عن معارضها والتطبيق مع الموازين القطعية وغيره... وهذا معلوم بأدنى تأمل.
الصفحة 335

القفاري أيضاً حيث يقول: "هذا التفسير يحظى بتقدير الشيعة كلّها"(1).

ثالثاً: ما أورده الدكتور القفاري على سبيل المثال(2) من تفسير [منسوب الى ]القمي لتأييد اتهاماته، ينقسم إلى أربعة اقسام:

القسم الأوّل: ما جاء في التفسير بدون إسناد، فبعضه من آراء كاتبه ـ وهو شخص غير معلوم كما سبق ـ كقوله: قال الله (فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فانزلنا على الذين ظلموا ـ آل محمّد حقّهم ـ رجزاً من السّماء بما كانوا يفسقون)(3).

وبعضه عن علي بن إبراهيم كما في قوله تعالى: (...وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنةً للناس والشجرة الملعونة في القرآن) قال ـ أي علي بن إبراهيم ـ نزلت لمّا رأى النبىّ في نومه كأنّ قروداً تصعد منبره فساءه ذلك وغمّه غمّاً شديداً فأنزل الله: "وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنةً للناس ـ ليعمهوا فيها ـ والشجرة الملعونة في القرآن" قال: كذا نزلت وهم ـ أي الشجرة الملعونة ـ بنو امية(4).

وقد قال الدكتور القفاري عن ابن تيمية ما لفظه:


"جاء تأويلها ـ أي تأويل الشجرة الملعونة ـ عند الاثني عشرية بانها بنو أمية في أكثر من اثنتي عشرة رواية... وهذا من التأويلات



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 269.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 226، وقد ذكر الدكتور القفاري في الحاشية أرقام تلك الرّوايات.

3 ـ تفسير [المنسوب إلى] علي بن إبراهيم: ج 1، ص 48; والآية 59 من سورة البقرة (2).

4 ـ نفس المصدر: والآية التي أوردها 60 من سورة الاسراء (17).
الصفحة 336


المنحرفة التي ورثتها طائفة الاثني عشرية"(1).



وإذا كانت تلك التأويلات وردت في بعض مصادر الشيعة بدون أسانيد(2) فإنّها في كتب أهل السنة وردت بأسانيدها(3).

ولابدّ أن يكون أهل السنة ـ بناءً على زعم الدكتور القفاري وابن تيمية ـ قد ورثوا تلك التأويلات المنحرفة أيضاً، بل قد ورثتها عائشة التي قالت لمروان: "سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لأبيك وجدّك: إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن"(4).

القسم الثاني: ما جاءت في التفسير وهي مرسلة، كالرواية التي رويت عن العالم عليه السلام في ذيل الآية (إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) وقال العالم عليه السلام: نزل: "وآل عمران وآل محمّد على العالمين" فاسقطوا آل محمّد من الكتاب(5).


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 155.

2 ـ تفسير العياشي: ج 2، ص 298.

3 ـ انظر: شواهد التنزيل: ج 2، ص 457 والدرّ المنثور: ج 5، ص 308 و309 و310 والجامع لاحكام القرآن (تفسير القرطبي): ج 10، ص 283 و286 وروح المعاني: ج 9، ص 155 وتاريخ مدينة دمشق: ج 57، ص 340 ـ 342 وتاريخ ابن الاثير: ج 3، ص 407.

والعجب من ابن جرير الطبري، فانه بدل كلمة "بني امية" في رواية سهل بن سعد ـ بقوله ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرى بني اميّة ينزون على منبره (تفسير القرطبي: ج 10، ص 283 وروح المعاني: ج 9، ص 155)ـ بـ "بني فلان"!! (جامع البيان: ج 15، ص 77) واعجب منه توجيه الآلوسي الضعيف لتلك الرّوايات للدفاع عن بني امية، لكن العلامة الطباطبائي ردّ كل تلك الدفاعات الهزيلة بجواب متين واستدلالي. انظر: تفسير الميزان: ج 12، ص 63 ـ 64. ولمزيد من التفصيل حول تلك المسألة عليك بمراجعة الغدير للشيخ العلامة الاميني: ج 8، ص 49 وما بعدها.

4 ـ الدرّ المنثور: ج 5، ص 310 وروح المعاني: ج 9، ص 155 وبهذا المعنى كذلك في تفسير القرطبي: ج 10، ص 281.

5 ـ تفسير [منسوب إلى] علي بن إبراهيم: ج 1، ص 100 والآية 31 من سورة آل عمران (3).
الصفحة 337

وهذه الرواية مضطربة المتن، وقد جاءت بعدّة طرق في كتب أهل السنة وسيأتي تحقيقها ان شاء الله في بحث "الطبرسي وانكاره لهذه الفرية".

ومنها ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام مرسلة أيضاً في قوله تعالى: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) قال أبو عبد الله عليه السلام: "ما كانوا أذلة وفيهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وإنّما نزل "لقد نصركم الله ببدر وأنتم ضعفاء"(1).

فعلى فرض صحّة الرواية، يحتمل انّه عليه السلام يفسّر أنتم أذلّة، بأنتم ضعفاء في هذا المكان للعلّة التي ذكرها عليه السلام.

القسم الثالث: الرّوايات التي لا تمتُّ إلى مسألة التّحريف بصلة على الإطلاق بل من باب المخالفة في التأليف.

فمنها: ما أورد في شأن نزول الآية: (إنّما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه...) قال: "بأنها نزلت في حنظلة بن أبي عامر واستئذانه رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثم عقّب بقوله: فهذه الآية في سورة النور وأخبار اُحد في سورة آل عمران فهذا دليل على ان "التأليف" على خلاف ما انزله الله"(2). وقد قلنا فيما سبق ان التأليف غير التّحريف كما هو واضح.

ومنها ما أورده أيضاً في شأن نزول الآية: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) وقال: "فهذه الآية في سورة النّحل وكان يجب ان تكون في هذه السورة التي فيها أخبار اُحُد (وهي سورة آل عمران)"(3).

القسم الرابع: روايات مسندة في ظاهرها:


____________

1 ـ تفسير [منسوب إلى] علي بن إبراهيم: ج 1، ص 122 والآية 123 من سورة آل عمران.

2 ـ المصدر السابق: ج 1، ص 118.

3 ـ المصدر السابق: ج 1، ص 123.
الصفحة 338

فمنها: ماروي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان قال: "قرأت عند أبي عبد الله عليه السلام (كنتم خير أُمّة اخرجت للناس) فقال أبو عبد الله عليه السلام (خير أمّة) يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام؟ فقال القاري جعلت فداك كيف نزلت؟ قال: نزلت "كنتم خير أئمة اُخرجت للناس" ألا ترى مدح الله لهم (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)(1).

ومنها: ما روي أيضاً بسند علي بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه السلام; قال: "(ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك ـ يا علي ـ فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) هكذا نزلت"(2).

ومنها: ما روي أيضاً بسند علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام; قال: "انما انزلت (لكن الله يشهد بما أنزل إليك ـ في علي ـ أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً)(3).

ومنها: ما روي أيضاً بسند علي بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه السلام قال: "نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بهذه الآية هكذا: (وقال الظالمون ـ لآل محمّد حقّهم ـ إن تتبعون إلاّ رجلاً مسحوراً * انظر كيف ضربوا لك الأمثال...)(4).

صحيح أنّ تلك الرّوايات مسندة في الظاهر، ولكنها ـ كما ذكرنا سابقاً ـ تعتبر مقطوعة الاسناد; لأنَّ الراوي عن علي بن إبراهيم في هذا التفسير مجهول، وأمّا من جهة المتن فإنه يوجد بعض مضامينه في كتب أهل السنّة(5) أيضاً، ولكن عند التنبّه

____________

1 ـ تفسير [منسوب إلى] علي بن إبراهيم القمي: ج 1، ص 110 والآية 110 من سورة آل عمران (3).

2 ـ المصدر نفسه: ج 1، ص 142 والآية 64 من سورة النساء (4).

3 ـ المصدر السابق: ج 1، ص 159 والآية 166 من سورة النساء (4).

4 ـ المصدر الاسبق: ج 2، ص 111 والآيتان 8 ـ 9 من سورة الفرقان (25).

5 ـ انظر: شواهد التنزيل: ج 1، ص 152 و153.
الصفحة 339

إلى التعابير الواردة فيها كـ "نزلت هكذا" والقرائن الاُخرى، حمل على المعنى التفسيري والتأويلي أو بيان شأن نزول أو مصداق أتم و... ـ كما فصّلنا ذلك في المقام الأوّل ـ وإذا لم نستطع حمل تلك الرّوايات على المعاني المتقدمة فانّا نحكم بسقوطها أيضاً لمعارضتها الأدلة القطعية على صيانة القرآن عن التّحريف.

وعلى كلّ حال فإنّا أوردنا نصوص تلك الرّوايات التي أوردها الدكتور القفاري كنموذج للتحريف من تفسير علي بن إبراهيم، أوردناها بكاملها لتكون مقدّمة لفهم كلام المحدّث الكاشاني الذي يقول:


"فإنّ تفسيره ـ [منسوب إلى] علي بن إبراهيم ـ مملوء منه وله غلوٌّ فيه"(1).



والدكتور القفاري حين أورد هذا القول بوصفه شاهداً على كلامه(2); قد غفل تماماً عن أنّ مراد المحدث الكاشاني منه هو أن تفسير علي بن إبراهيم مليء بروايات التّحريف بمعناه الأعم (يعني الشامل لكلّ أنواع التغيير كالاختلاف في القراءة أو الاختلاف في التأليف وغيره) واشتمل هذا المعنى الأعم ـ على الأقل ـ على أربعة أقسام من الرّوايات التي أوردناها، ويؤيد ما نذهب إليه من كلام المحدّث الكاشاني رحمه الله نصّ كلامه حيث قال:


"... إن بعض المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن فيكون التبديل من حيث المعنى... فمعنى "كذا انزلت" ان المراد به التفسير والبيان لا انها نزلت مع هذه الزيادة في لفظها فحذف منها ذلك اللفظ، ومما يدل على هذا..."(3).




____________

1 ـ تفسير الصافي: ج 1، ص 47.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 226.

3 ـ تفسير الصافي: ج 1، ص 46 والوافي: ج 7، ص 1778.
الصفحة 340

وكذلك المحدّث النوري القائل:


"وقوع التغيير والنقصان في القرآن وهو مذهب الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي وملأ كتابه من أخباره..."(1).



كان مراده أعمّ من كل نوع من انواع التغيير والنقصان والتغيير في التأليف والقراءة و...، ومعلوم أنّ التغيير والنقصان في تلك المعاني أعمّ من التّحريف بمعنى النقصان في نصوص آيات الوحي القرآني الذي هو محلّ البحث والنزاع.

وشاهد كلامنا ان ما أورده المحدث النوري من روايات تفسير القمي كلها تندرج ضمن المعاني المتقدمة اجمع ولا تختص بالتحريف بمعنى النقصان في نصوص آيات الوحي(2).

ثمّ قال الدكتور القفاري:


"ومن بعد القمّي جاء تلميذه الكليني (ت 328) الملقّب عند الشيعة بـ "ثقة الإسلام"... فقد روى الكليني في الكافي من أخبار هذه الاسطورة الشيء الكثير مع أنـّه التزم الصحّة فيما يرويه ولهذا قرر الكاتبون عنه من الشيعة: "انه كان يعتقد التّحريف والنقصان في القرآن، لانه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع إنه ذكر في أول كتابه انه يثق بما رواه"... ولكن يلاحظ ان ابن بابويه القمي حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن مع وجودها في الكافي الذي يصفونه بهذا الوصف.

وقد رجعت إلى مرآة العقول للمجلسي فرأيته يحكم على بعض



____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 25.

2 ـ وقد اعترف الدكتور القفاري نفسه بانّ الرّوايات التي أوردها المحدث النوري شاملة للقراءات الواردة، وتفسير الآيات أيضاً. انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 214.
الصفحة 341


أحاديث الكافي بالضعف ولكنه حكم على روايات في التّحريف بالصحّة وكذلك الشافي في شرح اصول الكافي"(1).



فنقول: لو دققنا النظر في قول الدكتور القفاري لتبادرت إلى أذهاننا الأسئلة الآتية:

1 ـ هل الكليني يعتقد بالتحريف والنقصان في القرآن؟

2 ـ هل يوجد تهافت بين رأي ابن بابويه (الشيخ الصدوق) وروايات الكافي؟

3 ـ هل إنّ العلامة المجلسي وكذا صاحب كتاب "الشافي" حكما على روايات التّحريف بـ "الصحّة"؟

وإليك الجواب.


موقف الكليني من روايات التّحريف

هل إنّ الكليني رحمه الله قائل بالتحريف ـ بالمعنى المتنازع فيه ـ أو لا؟

إننا لو فتّشنا الكافي من أوّله إلى آخره لم نعثر على قول صريح للشيخ الكليني بتحريف القرآن، ومن قال ـ وهو المحدّث النوري ـ بإنّ الكليني يقول في كتابه بتحريف القرآن الكريم ينحصر دليله في طريقين لا ثالث لهما:

أ ـ إنّه روى روايات في معنى التّحريف في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها، مع التزامه بأنه يثق بما رواه كما قاله المحدّث الكاشاني(2) وأوردها الدكتور القفاري هنا تأييداً لرأيه.

ب ـ استظهار هذا المعنى من عناوين أبواب الكافي فمنها: باب "انه لم يجمع القرآن كله إلاّ الأئمة عليهم السلام" كما استظهر المحدث النوري ذلك تبعاً لشارح

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 227 ـ 228.

2 ـ تفسير الصافي: ج 1، ص 47.
الصفحة 342

كتاب الوافية(1).

لكن نقول: هذه الاستفادة غير تامّة.

أولاً: انه مرّ عليك مكرراً بما لا مزيد عليه بأنّ ذكر الراوي لرواية في كتابه لا يعني أنه يقول بها، فكثير من الرواة يروون روايات معتبرة، ولكن لا من حيث الدلالة بل من حيث السند، واعتبار سند الرواية لا يعني اعتبار متنها مطلقاً، وخصوصاً إذا كان متن هذه الرّوايات متعارضاً مع روايات اُخرى اقوى منها سنداً ومتناً، وإلاّ لصار أصحاب الصحاح الستّة وكتب التفسير بالمأثور من أهل السنة والذين ختموا على كتبهم بخاتم الصحّة صاروا جميعهم متهمين بالقول بالتحريف وهذا تكرر كثيراً.

ثانياً: على فرض ان هذه المجموعة من روايات الكافي وردت في التّحريف بالمعنى المتنازع فيه فإنها معارضة بروايات اُخرى في كتاب الكافي نفسه وهي أكثر عدداً وأقوى متناً ووردت تحت عناوين أكثر وضوحاً حول القرآن من تلك(2).

وهناك قاعدة قطعية أخذها الكليني من الأئمة الطاهرين وجعلها في بداية كتابه وهي اننا حينما تتعارض الرّوايات ولا يوجد لها محمل صحيح يمكن حمل الرواية عليه أي ان التعارض من نوع التعارض المستقر، فهنا نعرض الروايتين على القرآن الكريم، فما وافق القرآن اُخذ به وما خالفه ضرب عرض الجدار وسقط عن الحجية، قال ثقة الإسلام الكليني:


"فاعلم يا أخي ـ أرشدك الله ـ إنّه لا يسع أحداً تمييز شيء ممّا اختلف



____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 25.

2 ـ مثل باب فضل حامل القرآن، باب من يتعلّم القرآن بمشقة، باب من حفظ القرآن ثم نسيه، باب ثواب قراءة القرآن، باب قراءة القرآن في المصحف، باب البيوت التي يقرأ فيها القرآن و... انظر: الكافي: كتاب فضل القرآن، ج 2، ص 596 وما بعدها.
الصفحة 343


الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه إلاّ على ما أطلقه العالم عليه السلام [أي الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ]بقوله: اعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه..."(1).



والكليني رحمه الله وان لم يكن دأبه من كتابه الردّ والقدح في الرّوايات، بل كان قصده ذكر الرّوايات المعتبرة فقط وهو ملتزم قطعاً وبشكل لا يقبل الشكّ بقاعدة عرض الرّوايات المتعارضة على القرآن وعلى هذا تكون روايات التّحريف ساقطة عنده عن الحجّية.

ونقصد بما ذكرنا أنّ كلام المحدّث الكاشاني الذي يقول في المرحوم الكليني: "إنّه كان يعتقد التّحريف والنقصان لأنّه روى روايات في هذا المعنى"... غير تام إن كان مراده من لفظة "التّحريف والنقصان" المعنى المتنازع فيه ـ يعني إسقاط آيات القرآن ـ وإلاّ فانّ الكاشاني في تتمة كلامه المتقدّم قال:


"إنّ بعض المحذوفات ـ التي سقطت من القرآن ـ كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن فيكون التبديل من حيث المعنى أي حرَّفوه وغيروه في تفسيره وتأويله أعني حملوه على خلاف ما هو به.

ومما يدل على هذا مارواه في الكافي باسناد صحيح عن أبي جعفر عليه السلام، أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير: "وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية..." الحديث.




____________

1 ـ الكافي: ج 1، ص 8.
الصفحة 344


وما رواه العامة من أنّ علّياً عليه السلام كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ. ومعلوم ان الحكم بالنسخ لا يكون إلاّ من قبيل التفسير والبيان ولا يكون جزءاً من القرآن..."(1).



وهذا يدلّنا على ان مراد المحدث الكاشاني من لفظة التّحريف والنقصان في عبارته المتقدمة غير المعنى المتنازع فيه.

ومن هذا المنطلق، فإنّ أحداً من كبار علماء الشيعة كالشيخ الصدوق رحمه الله والشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي رحمة الله عليهم أجمعين وقد كان لديهم كتاب الكافي(2) ووقع نظرهم على عناوين أبوابه لكنهم لم يستنتجوا من هذه الرّوايات والأبواب تحريف القرآن في رأي الكليني، بل إنّك تراهم أوّلوا ما ورد في التّحريف بأنه إمّا "حديث قدسي" أو "تأويل الآيات" أو "القراءة الواردة" كما ذكرنا نصوص عباراتهم فيما تقدم.

ب ـ استظهار معنى التّحريف من عناوين أبواب الكافي:

لو أننا تمكنّا من استظهار عناوين أبواب الكافي لأمكن القول بأنّ المرحوم الكليني معدود في القائلين بالتحريف(3) ولكن قبل البحث في عناوين الكافي يتحتم علينا الجلوس مع القدامى من العلماء لنسألهم عن معنى التّحريف والتنزيل و... ما هو؟ فانهم سيقولون لنا: إنّ "التّحريف" يقصد به الأعم من التغيير في المعنى

____________

1 ـ تفسير الصافي: ج 1، ص 67.

2 ـ جميع هؤلاء العلماء الكبار رأوا كتاب "الكافي" كالصدوق رحمه الله حيث ذكره في "من لا يحضره الفقيه": ج 4، ص 51. وأيضاً ج 4، ص 165 ذيل الحديث: 578 من الباب 115. والسيد المرتضى علم الهدى حينما سئل عنه: "حول الحديث المروي في الكافي في قدرة الله تعالى" فاجابه (قدس سره) راجع: رسائل الشريف المرتضى: المجموعة الاولى، ص 409. والشيخ الطوسي رحمه الله راجع: الفهرست للشيخ الطوسي: ص 161.

3 ـ لان الظاهر من طريقته انه انما يعقد الباب لما يرتضيه وهو مذهب القدماء غالباً.
الصفحة 345

واللفظ، و"التنزيل" أيضاً بمعنى مطلق ما نزل من الوحي من آيات القرآن أو تفسيره وبيانه(1) ـ ومع تلك الحال فلو فتشنا الكافي من أوله إلى آخره، لما وجدنا باباً تحت عنوان "تحريف القرآن" أو شيئاً من هذا القبيل، والذين أرادوا الايقاع بالكليني رحمه الله واتهامه بفرية التّحريف لم يجدوا إلاّ عنواناً واحداً ليتشبثوا به في دعواهم وهو باب "لم يجمع القرآن كلّه إلاّ الأئمة عليهم السلام وإنّهم يعلمون علمه كلَّه"(2) ولكن هذا العنوان لا يدلُّ على التّحريف بالمعنى المتنازع فيه وشاهد ذلك وجود (6) روايات في ذيل ذلك العنوان.

ورد في هذه الرّوايات أنّ جميع القرآن ظاهره وباطنه عند الأئمة الطاهرين عليهم السلام، فالروايتان الأوليان مجملتان والأربعة الباقيات في مقام شرح وتفصيل الأوليين(3)، وقد يعطي نفس عنوان الباب، الاجمال والتفصيل(4)، وفي المجموع فإنّ هذه الأحاديث تثبت أنّ القرآن الكريم من جهة تنزيله وتأويله وعلوم ظاهره وباطنه عند الأئمة الطاهرين(5)، ولا غرو في ذلك فإنّهم أحد الثقلين اللّذين أوصى بهما النبىّ صلّى الله عليه وآله، وهما إمامان لا يختلفان وأخوان لا يتخاذلان ومجتمعان لا يفترقان.


____________

1 ـ قد بحثنا هذه النكتة في المقام الأول.

2 ـ وهو المحدث النوري في فصل الخطاب: ص 25 وعنوان الباب من الكافي، كتاب الحجة: ج 1، ص 228.

3 ـ انظر الرواية الثالثة حيث قال: "... ان من علم ما اُوتينا تفسير القرآن واحكامه" والرّوايات الرابعة والخامسة والسادسة حيث فسّر فيها "من عنده علم الكتاب" بالائمة عليهم السلام. الكافي: ج 1، ص 229.

4 ـ وهو قوله: "لم يجمع القرآن كله... وانهم يعلمون علمه كله".

5 ـ وهو ما افادهُ العلامة الطباطبائي في حاشية الكافي: ج 1، ص 228.
الصفحة 346


التهافت بين حكم الشيخ الصدوق وروايات الكافي:

هل يوجد تهافت بين رأي ابن بابويه (الشيخ الصدوق ت 386) وروايات كتاب "الكافي"؟

إنّ القفاري في كلّ موضع يحاول وبألفاظ رنّانة طنّانة أن يثبت وجود تعارض بين رأي الصدوق وأحاديث الكافي واستنتج من هذا التباين المزعوم نتائج غريبة سيأتي بعضها، قال الدكتور القفاري:


"فقد روى الكليني في الكافي: "إنّ القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، سبعة عشر ألف آية"... وهذا يقتضي سقوط ما يقارب ثلثي القرآن فما أعظم هذا الافتراء!

وقال ابن بابويه: "... إنّه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية وذلك مثل قول جبرائيل... عش ما شئت فإنّك ميت..." فانظر إلى هذا الاختلاف والتباين بين نصّ الكليني ونصّ ابن بابويه... ان ابن بابويه يقول: ان النقص في غير القرآن والكليني يصرح بأن النقص في القرآن"(1).



أنا في الواقع لا أدري لماذا يتجاهل الدكتور القفاري نفسه، وما هو غرضه في الحقيقة؟ فقد قطّع فيما مضى كلام الشيخ المفيد وحرّفه ليحصل له ما يريد، ثمّ بدأ يقارن ويوازن بين قولي الصدوق والكافي، وظلّ يعزف على هذا الوتر ولا أدري ماذا سيحصل له بعد ذلك، هل أنّ الدكتور القفاري حقاً لا يفرق بين الكتاب الحديثي الذي غرض مؤلفه وصاحبه جمع الأحاديث من المصادر المعتبرة (كالكافي) وهو يهتمّ بأن يودع في كتابه من الأحاديث ما هو معتبر السند، ويكون

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 246 ـ 247.
الصفحة 347

أميناً في نقله ومتثبتاً فيما يرويه ـ والكتاب الذي أُلـّف لبيان الاعتقادات و"دراية الحديث" (كرسالة الاعتقاد للشيخ الصدوق رحمه الله) الذي يهتم بتحصيل العقائد ويعطي رأيه في فقه الرّوايات مع الدرّاسة والتّأني وحل المتعارضات والأجوبة للمناقشات وغير ذلك فلا يجد الدكتور القفاري فرقاً بين هذين النوعين من الكتب؟

وإذا كان في كتب الشيعة تباين وتناقض بين كتب الحديث وكتب دراية الحديث، فهذا الاختلاف والتناقض أيضاً موجود في كتب أهل السنة.

فعلى سبيل المثال انظر إلى التباين والاختلاف بين ما روى مالك في الموطأ(1)ومسلم(2) في صحيحه وغيرهما من قول عائشة: "كانت فيما اُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن..." وهذا صريح بحصول النقص في القرآن لأنـّها قالت: كانت فيما اُنزل من القرآن، وقد اجتهد لحلّ تلك المعضلة بعض العلماء كالحافظ العاصمي (المولود سنة 378) وابن قتيبة وغيرهما، قال العاصمي:


"إنّه ـ أي عشر رضعات معلومات ـ من جنس ما كان ينزل عليه على جهة التبليغ والرسالة لا على جهة أنـّه قرآن يتلى أو يكتب ومن نحو هذا ما روي عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنـّه قال حكاية عن ربِّه عزّ وجلّ أنـّه قال: كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصوم فانه لي وأنا أجزي به. وقوله صلّى الله عليه وسلّم: أنا عند ظن عبدي بي فليظنّ بي ما شاء وما نحوها أخبار كثير"(3).




____________

1 - الموطأ: كتاب الرضاع: ص 608، الحديث: 17.

2 ـ صحيح مسلم: ج 4، ص 167.

3 ـ المباني لنظم المعاني المخطوط: الورقة 62، 63، 64، ومقدمتان في علوم القرآن: ص 85 ـ 86، عن المباني، وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: ص 292 فقد أوردنا نص كلامه في المقام الأوّل وقد عزا ابن حزم أيضاً هذا القول في آية الرجم والرضاع إلى قوم: عن فتح المنان في نسخ القرآن: 226 ـ 227.
الصفحة 348

وهذا تصريح بأنّ النقص في غير القرآن وذاك ـ أي قول مالك في موطأه ومسلم في صحيحه ـ تصريح بأنّ النقص في القرآن!! ومثل هذا التباين والاختلاف كثير جداً(1).

وعلى كلّ حال يبدو أنّ الدكتور القفاري يرى التفاوت بينهما ولكنّه يتجاهل هذه المسألة، بل يلجأ إلى الكذب ويقول: "انّ ابن بابويه القمّي حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن مع وجودها في الكافي الذي هو عند شيوخ الرافضة في أعلى درجات الصحّة"(2).

والحال إنّ ابن بابويه لم يقل قط، أولا: إنّ تلك الرواية من الكافي وثانياً: إنّها موضوعة، بل لم يتعرض لصحّة سندها أو سقمه، فابن بابويه عالج متن الرواية فقط وقال: "إنّه قد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن..."(3).


موقف المجلسي من روايات التّحريف:

هل إنّ العلامة المجلسي رحمه الله وصاحب كتاب "الشافي" قد حكما بصحّة روايات تحريف كتاب "الكافي"؟ هذا بعض ما ادّعاه الدكتور القفاري قائلاً:


"وقد رجعت إلى مرآة العقول للمجلسي فرأيته يحكم على بعض أحاديث الكافي بالضعف ولكنّه حكم على روايات في التّحريف بالصحَّة وكذلك الشافي في شرح اُصول الكافي"(4).



هذا كتاب "مرآة العقول" للمجلسي رحمه الله، فعمدة ما في الباب على ما صرّح به الدكتور القفاري الرّوايات التي توجد في باب "فيه نكت ونتف من التنزيل في

____________

1 ـ انظر: المقام الأوّل، فصل: أجوبة أهل السنة لروايات التّحريف.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 227 ـ 228.

3 ـ الاعتقادات: ص 85.

4 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 228 و353.

الصفحة 349

الولاية" من كتاب الكافي ففيه اثنتان وتسعون رواية ـ مع غضّ النظر عن مكرراتها ـ حكم المجلسي بالصحّة والحسن في ثمانية منها(1) وهي لا علاقة لها بمسألة التّحريف أصلاً، بل هي صريحة في بيان تأويل الآيات وتفسيرها، ثمّ إنّها لا تتطابق مع الأرقام التي ذكرها الدكتور القفاري في الهامش ـ وهي 14 رواية ـ(2)وعدّها من أخبار اُسطورة التّحريف، والحال إنّ المجلسي حكم بتضعيفها ـ أي الروايات الأربع عشرة التي ذكرها الدكتور القفاري بأرقامها كلّها ـ إلاّ رواية واحدة فيها قال انها مجهولة(3).


وأورد الدكتور القفاري أيضاً ستّ روايات من الجزء الثاني من كتاب "الكافي" ونصّ على أرقامها في الهامش(4).

وهذه الروايات أيضاً لم يحكم المجلسي عليها بالصحّة ـ كسابقاتها ـ بل وثّق روايتين منها فقط وحكم على الباقي بالضعف والإرسال(5).

نعم ممّا وثقه العلاّمة المجلسي رحمه الله الخبر المتقدّم ذكره في عدد آي القرآن وقال تعليقاً عليه:


"وفي بعض النسخ عن هشام بن سالم موضع هارون بن مسلم فالخبر صحيح حينئذ"(6).




____________

1 ـ أرقام هذه الرّوايات: 17، 65، 67، 72، 74، 78، 80، 83 و89 انظر: مرآة العقول: ج 5، ص 2 ـ 160.

2 ـ وهي ما ذكرها في حاشية كتابه بالارقام: 8، 23، 25، 26، 27، 28، 31، 32، 45، 47، 58، 59، 60، 64، راجع: اصول مذهب الشيعة: ص 227.

3 ـ وهي الرواية رقم: 28، انظر مرآة العقول: ج 5، ص 160 ـ 161.

4 ـ باب ان القرآن يرفع كما انزل: ص 619، رقم 2 وباب النوادر: ص 627 وما بعدها رقم: 2، 3، 4، 23، 28، انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 227.

5 ـ انظر: مرآة العقول: ج 12، ص 506 وص 516 وما بعدها، فكل ما في الباب ثمان وعشرون رواية، ثلاث موثقات وثلاث حسنات والباقيات بين ضعيفة ومرسلة ومجهولة.

6 ـ مرآة العقول: ج 12، ص 525.
الصفحة 350

فعلى كل حال، في تلك الأخبار التي نصّ عليها الدكتور القفاري بأرقامها وعدّها من اُسطورة التّحريف لا يوجد خبر صحيح عند المجلسي رحمه الله إلاّ هذا الخبر إن كان على رواية "هشام بن سالم" وإلاّ فموثّق إن كان راويه "هارون بن مسلم" وهذه عثرة أخرى من الدكتور القفاري.

وأمّا صاحب كتاب "الشافي" فقد حكم بصحّة ستّ روايات فقط(1) من اثنتين وتسعين رواية وكلُّ هذه الستّ لا تتطابق مع الأرقام التي ذكرها الدكتور القفاري وقال هنّ من أخبار اُسطورة التّحريف(2).

إذن لماذا يفتري الدكتور القفاري على العلامة المجلسي وكذلك عبد الحسين المظفّر قائلاً: إنـّهما حكما بصحّة روايات التّحريف، بل انه يذكر ارقاماً لروايات يدعي صحّتها، في حين لم يحكم أحدٌ منّا بصحتها، فهل هذه طريقة المحقق الذي يبغي الحقيقة ويلازم التقوى ليصل إلى مطلوبه أم حَنَّ قِدْحٌ ليس منها!

وبعد أن أتـمّ الدكتور القفاري بحثه حول كتاب الكافـي انتقل إلـى البحث حول "تفسير العياشي" و"تفسيـر فرات" و"كتاب الغيبـة" لمحمد بن إبراهيم النعماني و"الاستغاثة" لأبي القاسم الكوفي، وقـد اعترف بنفسه بأن "تفسير العياشي" عار عن السنـد، وأبرز أيضاً رأي كبـار علمـاء الشيعة في أبي القاسم الكوفي مؤلف كتاب "الاستغاثة" كالنّجاشي الذي قال: "إنه اُصيب آخر عمره بالغلو وفساد المذهب"(3) ولا يوجد أيضاً في كتاب "الغيبة" شيء يدلّ على

____________

1 ـ وهي الرّوايات بالرقم: 17 ـ 72 ـ 74 ـ 75 ـ 80 ـ 83 وقد حكم على اثنتين منها بالمجهول كالصحيح وهما، الروايتان: 6 و65، انظر "الشافي في شرح الكافي": ج 7، ص 227. وقال تعليقاً على خبر عدد آي القرآن بعد حكمه بأنه "موثق" وقال: لعلّ الاختلاف من قبل تحديد الآيات: ج 7، ص 227.

2 ـ انظر: اصول مذهب الشيعة: ص 228، هامش رقم 3 وهي نفس الاربع عشرة رواية التي ذكر ارقامها قبلاً.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 229. انظر: معجم رجال الحديث: ج 11، ص 246 ـ 247.
الصفحة 351

التّحريف(1) ما عدا صفحة واحدة(2) أشار إليها وهي قسم من رواية طويلة عن أبي الحسن علي بن موسى عليهما السلام والتي استدل فيها الإمام الرِّضا عليه السلام على مسألة الإمامة بعدّة آيات; وهي لا ربط لها بمسألة التّحريف، فماذا أراد الدكتور القفاري في بحثه حيث خلط الصحيح بالسقيم والحابل بالنابل وقال:


"ومن بعد هؤلاء نرى شيخهم المفيد (ت 413) سجل في كتابه "اوائل المقالات" اجماع طائفته على هذا المنكر ونقل بعض أخباره عن بعض كتبه كالارشاد وهو من كتبهم المعتمدة"(3).



أوردنا مسبقاً تلك العبارة عن الدكتور القفاري في بحث آراء الشيخ المفيد، ولاحظنا أنّ الدكتور القفاري قام بتقطيعها وهي خيانة واضحة لاتخفى على من له حظ من العلم، ومن ثمّ نسب الاتهام العظيم إلى الشيخ المفيد، وقد صرح الشيخ المفيد بأنّ القرآن الموجود بين أيدينا من جهة "ترتيب الآيات" من حيث التقديم والتأخير والناسخ والمنسوخ والمكّي والمدني، خلاف ما نزل، وفي رأي الشيخ المفيد أن الإمامية اتفقوا على ذلك، ولكنّ الدكتور القفاري زوراً وبهتاناً أبدل "تأليف الآيات" بـ "تحريف الآيات" ثم قال: "سجّل الشيخ المفيد اجماع طائفته على هذا المنكر" فقد مرّ ذلك منه كثيراً; إذ وعدنا بالأمانة فخان وعده بل حرّف.

وأمّا رواية كتاب الارشاد التي أشار إليها الدكتور القفاري أوردناها في المقام الأوّل تفصيلاً تحت عنوان "روايات الفساطيط" فإنّها كما لاحظتم لا تمت إلى التّحريف بصلة لا من قريب ولا من بعيد بل تؤيّد الرّواية نفسها، القرآنَ الموجود.


____________

1 ـ المصدر السابق: ص 230.

2 ـ وهي الصفحة 218 من كتاب الغيبة.

في الواقع ان الدكتور القفاري اخذ هذه المطالب من صاحب "مرآة الأنوار" وأورد نفس الفاظه حول هذه الكتب ولا يخفى ان صاحب مرآة الأنوار أخباري المسلك وهو يذهب إلى تحريف القرآن.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 230.
الصفحة 352

وعلى كلّ حال فان الدكتور القفاري تابع البحث لكي يصل إلى مقصوده الواقعي وهو استخدام أبشع الألفاظ وأهجنها وأقذرها واتهام الإمامية بأبشع الاتهامات قائلاً:


"وهذا الزخم! من المصنفات وغيرها لتأييد هذا الكفر واثباته لا يشك مسلم انه كيد زنديق حاقد على كتاب الله ودينه واتباعه... فادعوا ـ أي علماء الإمامية ـ أنّ في كتاب الله نقصاً وتغييراً... ولكنَّهم فيما يبدو لم يحسبوا لهذه الدعوى حسابها فارتدت عليهم بأسوأ العواقب فقد فضحتهم أمام الملأ وكشفت عن وجوههم وأبانت عن عداوتهم ونفاقهم وقطعت صلتهم بالإسلام والقرآن وأهل البيت"(1).



وبعد هذا تطرّق إلى كتاب "الاحتجاج" للطبرسي واعترف أيضاً بأنّ رواياته مجردة عن كلّ إسناد، وهذا الاعتراف يعنى عدم اعتبار الكتاب في مقام الاحتجاج بلا شك ولا سيما في المسألة الخطيرة التي تمس قداسة القرآن الكريم.

وإن ذكر صاحب الاحتجاج أنّ الرّوايات التي أوردها في كتابه مما اشتهر بين الإمامية، وقوله هذا على الرأس والعين، ولكنّه لا يمكن الركون إليه في مجال التحقيق اعتماداً على هذا القول كما لا يخفى.

ثم قال الدكتور القفاري:


"في ظلّ الحكم الصفوي الذي شهد إثارة لهذه الاُسطورة واختراع روايات لها وترويجها أشد مما كان في القرن الثالث... حتى يلاحظ ان هذه الاُسطورة التي بدأت بروايتين في كتاب سليم بن قيس أصبحت كما يعترف شيخهم نعمة الله الجزائري أكثر من ألفي رواية، حيث إن شيوخ الدولة الصفوية كالمجلسي في بحاره والكاشاني في تفسير



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 231.
الصفحة 353


الصافي والبحراني في البرهان ونعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية وما سواها من كتبه وأبي الحسن الشريف في مرآة الأنوار والمازندراني في شارح الكافي وغيرهم تولوا نشر هذه الفرية على نطاق واسع في ظل الحكم الصفوي الذي ارتفعت فيه التقية إلى حدّ ما"(1).




الحكم الصفوي وفرية التّحريف:

إنّ حكومة الصفويين بدأت سنة 906 واستمرت إلى سنة 1134، وقد كان هناك في هذه الفترة مجموعة كبيرة من العلماء الذين عاصروا الحكومة الصفوية ولكنّهم ذهبوا جمعياً إلى صيانة القرآن عن التّحريف وهم:

1 ـ قاضي القضاة علي بن عبد العالي المعروف بالمحقق الكركي (ت 940) في "رسالة نفي النقيصة"(2).

2 ـ ملا فتح الله الكاشاني (ت 988) في تفسيره "منهج الصادقين" وخلاصة تفسيره المسمى بـ "خلاصة المنهج"(3).


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 233. ونلاحظ ان الدكتور القفاري نفسه متردد أيضاً ولا يعلم ماذا يقول إلاّ انه أضاف كذبة على كذبه قائلاً (في الصفحة 291):

"... والزيادات التي تصرح بالتحريف هو من جعل شيوخ الدولة الصفوية، لكن يرد على ذلك ان تلك الرّوايات موجودة في كتب معاصرة للطوسي أو أقدم كتفسير القمي والعياشي وفرات، إلاّ إذا قلنا ان الشيعة يغيرون في كتب قدمائهم كما فعلوا في كتاب "سليم بن قيس".

وقد بحثنا ادعاء الدكتور القفاري هذا ـ يغيرون في كتب قدمائهم ـ في مبحث "بداية الإفتراء كما يؤخذ من كتب الشيعة" فراجع، وسيأتي تفصيلها في "التذييل".

2 ـ عن آلاء الرحمن: ص 26 وصيانة القرآن عن التّحريف: ص 72.

3 ـ منهج الصادقين: ج 5، ص 154 وخلاصة المنهج: ج 4، ص 59.
الصفحة 354

3 ـ المحقّق المولى أحمد الاردبيلي (ت 993) في "مجمع الفوائد والبرهان"(1).

4 ـ محمّد بن علىّ النقي الشيباني (ت قبل 994 هـ.)(2).

5 ـ الشيخ أبو الفيض الناكوري (ت 1004) في "سواطع الالهام"(3).

6 ـ السيد نور الله التستري (ت 1019) في "مصائب النواصب"(4).

7 ـ شيخ الإسلام عصر الصفوية محمّد بن الحسين الشهير ببهاء الدين العاملي (ت 1030) في "العروة الوثقى"(5).

8 ـ محمد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي المعروف بملاّ صدرا (ت 1050 هـ.) في شرحه على "اصول الكافي" و"تفسير القرآن"(6).

9 ـ الملا عبد الله البشروي الخراساني (المعروف بالفاضل التوني ت 1071) في "الوافية في الاصول"(7).

10 ـ الشريف اللاّهيجي (ت 1097) في تفسيره المشتهر بـ "تفسير شريف اللاهيجي"(8).

11 ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104) في "رسالة تواتر القرآن وعدم نقصه وتحريفه"(9).

12 ـ القاضي سعيد محمد بن محمد مفيد القمي (ت / 1107 هـ.) في كتابه

____________

1 ـ مجمع الفوائد والبرهان: ج 2، ص 218.

2 ـ مختصر نهج البيان عن كشف معاني القرآن: ص 263.

3 ـ سواطع الالهام: ج 3، ص 214.

4 ـ نقلاً عن الشيخ رحمة الله الدهلوي في كتابه اظهار الحق: ج 2، ص 89.

5 ـ عن آلاء الرحمن: ص 26 والعروة الوثقى في تفسير سورة الحمد: ص 57.

6 ـ تفسير القرآن الكريم: ج 5، ص 19.

7 ـ الوافية في الاصول: ص 148.

8 ـ تفسير شريف اللاهيجي: ج 2، ص 658.

9 ـ انظر: فهرس النسخ المخطوطة لمكتبة جامعة طهران: ج 16، ص 153.
الصفحة 355

"الأربعينيات لكشف أنوار القدسيّات"(1).

13 ـ نور الدين محمّد بن مرتضى الكاشاني (ت 1115) في "تفسير المعين"(2).

فإذا ارتفعت التقية في العصر الصفوي ـ على حد مزعومات الدكتور القفاري ـ فكيف يحكم هؤلاء بصيانة القرآن عن التّحريف وهم يستطيعون أن يكشفوا الستر ويعلنوا عما في ضمائرهم من القول بتحريف القرآن في ظلّ الحكم الصفوي.

وعلى هذا فإن في ذلك دلالة على أن الدكتور القفاري تجاهل في معنى التقية ويريد أن يشغل القارئ بمسرحيته ولو بهذه الكلمات وبذلك ينهدم بنيانه الذي أسسه.

نعم في ظلّ الحكومة الصفوية فسح مجال كبير لعلماء الشيعة في ان يجمعوا روايات الشيعة من الكتب المتفرقة، وراج في ذلك العصر تدوين الحديث وعلومه والتفسير بالمأثور وغيرها من العلوم. ولكننا ذكرنا مراراً بأن الروايات وتدوينها شيء، وفقه الرّوايات وبيان مدلولها شيء آخر.

وعلى أية حال فالدكتور القفاري عاد مرّة أخرى وأخرى إلى التمسّك بروايتي سليم بن قيس، واللّتين اثبتنا بالدليل القاطع بعدهما الشاسع عن مسألة التّحريف.

ولو بنينا على ما قال الدكتور القفاري أي أنـّنا ننظر إلى حجم الرّوايات فقط بغض النظر عن مداليلها وعلاجها، لحكمنا على روايات أهل السنة، وقلنا: "ان هذه الاسطورة ـ أي اسطورة التّحريف ـ بدأت برواية في كتاب "الموطأ" لمالك بن أنس(3) (ت 179 هـ) ثم أصبحت كما يعترف به "قاسم بن سلاّم" (م 224 هـ) "بأنـّها

____________

1 ـ الأربعينيّات لكشف أنوار القدسيّات: ص 58.

2 ـ تفسير المعين: ج 2، ص 650.

فقد تقدم نص كلام هؤلاء الاعلام في مبحث "شهادة علماء الإمامية بنزاهة القرآن عن التّحريف" في المقام الأوّل فراجع.

3 ـ الموطأ، كتاب الرضاع: ص 608، الحديث 17، وهي مارواه في مزعومة الرضاع.
الصفحة 356

كثيرة"(1) واشتدّ اختراع الرّوايات وترويجها حتى قال الآلوسي (م 1270) "بأنها أكثر من أن تحصى"(2).

فهل هذا الحكم صحيح وعادل؟

أمّا قول الدكتور القفاري: "يعترف شيخهم نعمة الله الجزائري أكثر من ألفي رواية" فإن مراد السيد نعمة الله الجزائري هو جميع الرّوايات التي تحدّثت عن التّحريف بمعناه العام الشامل لكل نوع من انواع التغيير أمثال اختلاف القراءات المخالفة في التأليف، والتّحريف المعنوي و... وأيضاً الشامل للأعمّ من الرّوايات المسندة والمرسلة والضعيفة والمجهولة، والأعم من روايات أهل السنة والشيعة، والحقيقة إنّ تلك الرّوايات التي ادّعاها السيد الجزائري هي الرّوايات التي ذكرها المحدّث النُّوري في فصل الخطاب، وقد فصّلنا فيها القول في المقام الأوّل في بحث "كتاب فصل الخطاب ونقاط مهمّة" فراجع إن شئت.

وأمّا فيما يخصّ قول الدكتور القفاري في بحار الأنوار فنقول:

إذا لاحظنا أنّ مصادر "بحار الأنوار" الذي اُلّف في العصر الصفوي ـ وهو أكبر موسوعة حديثية عند الشيعة ـ تصل إلى أربعمائة كتاب من كتب الشيعة وخمسة وثمانين كتاباً من كتب أهل السنة(3). ومصنّف هذا الكتاب لمّا رأى أنّ كثيراً من كتب الحديث ـ لصغر حجمها وقدمها ـ سيكون مآلها إلى التلف، أخذ في جمعها وتدوينها في كتابه "بحار الأنوار" وإن كان لا يلتزم بصحّة كل ما في هذه الكتب(4). إذا لاحظنا

____________

1 ـ فضائل القرآن: ص 195.

2 ـ روح المعاني: ج 1، ص 45.

3 ـ وهذا هو المقدار الذي صرح به العلامة المجلسي رحمه الله في المقدمة وغير هذا كثير، قد أشار المجلسي إلى ذلك بقوله: "وان اخرجنا من غير هذه الاصول والكتب ـ المذكورة في المقدمة ـ فنصرّح في الكتاب عند ايراد الخبر" انظر: بحار الأنوار: ج 1، ص 24.

4 ـ كشف الأسرار: ص 319.
الصفحة 357

ذلك يسهل لنا الخطب بأن تكون في كل باب من أبواب البحار عشرات الروايات المزيدة على روايات أبواب "الكافي" مثلاً، وهذا مثل كتاب "كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال" لعلاء الدين علي المتقي الهندي (ت 975) فان الرّوايات في كلّ باب منه أكثر من الرّوايات التي في المصادر أخذ عنها كلا على انفراد ولا غرو.

وعلى هذا المنوال جرت كتب التفسير بالمأثور التي يهتمّ مؤلفوها بأن تجمع فيها الأخبار من مصادر شتّى، فمن الطبيعي أن يوردوا في تفسير كلّ آية روايات كثيرة ربّما بلغ بعضها إلى عشرات الرّوايات ـ من غير تحري الصحّة ـ كتفسير "البرهان في تفسير القرآن" للسيد هاشم البحراني رحمه الله (ت 1107) و"الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور" لجلال الدين السيوطي (ت 911).

فعلى هذا، لا مجال لتوجيه الدكتور القفاري الاتهام في المقام بقوله: "تولّوا نشر هذه الفرية على نطاق واسع في ظلّ الحكم الصفوي... إلى آخر اتهاماته" فوجود الحكم الصفوي وعدمه سيّان في المقام، طبعاً جمع الأخبار من مصادر شتّى مع تأليفه وتنسيقه من جديد في كتاب واحد، يقتضي كمّية هائلة وحجماً واسعاً. ولا علاقة له بالدولة الحاكمة فسواء حكم الصفويون أم غيرهم ممن هو مضادّ للشيعة فالمسألة تبقى ثابتة وهي أنّ استخراج جميع الأخبار من مجموعة كتب تزيد على خمسمائة كتاب وجمعها في كتاب واحد يحتاج إلى عشرات المجلدات.

والطريف في الأمر أن الدكتور القفاري أورد مثالاً عدّه قطرة من بحر من كتاب "بحار الأنوار" لإثبات مطلوبه في فرية التّحريف فأشار إلى: "باب تأليف القرآن وإنه على غير ما أنزل الله عزّ وجلّ"(1). وهذا الباب في الواقع لا علاقة له بتحريف القرآن، بل العلاّمة المجلسي ـ وكما هو واضح من عنوان بحثه الذي هو تأليف القرآن

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 233 قال: انظر: بحار الأنوار، كتاب القرآن، باب تأليف القرآن وانه على غير ما انزل الله، ج 92، ص 66 وما بعدها.
الصفحة 358

لا تحريفه ـ في صدد إثبات انّ ترتيب الآيات القرآنية الشريفة هو اجتهادي لا توقيفي، وضرب لذلك عدّة امثلة: من جملتها الآية 234 من سورة البقرة (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير اخراج)فالعلاّمة المجلسي يقول بانّ الآية 240 منسوخة(1)، والآية 234 ناسخة، والمنسوخ لابد أن يأتي قبل الناسخ، وهذا يدلّ على أنّ تأليف الآيات ـ لا تحريف الآيات ـ هو على غير ما أنزل الله، ثمّ ذكر أمثلة اُخر في هذا المقام، وبيان مذهب الشيخ المفيد(2)، وبالتالي ذكر قصّة جمع القرآن بواسطة زيد بن ثابت من مصادر أهل السنة(3).

وليت شعري كيف فهم الدكتور القفاري مسألة التّحريف من هذا الباب؟

واما رأي الدكتور القفاري في تفسير الصافي لمؤلفه المحدّث الكاشاني فأقول:

فإنّ المرحوم المحدّث الكاشاني (ت 1091 هـ.) مؤلف "تفسير الصافي" ذكر بشكل صريح لا يقبل الجدل بأنّ القرآن مصون من التّحريف والتغيير(4)، ولكنَّ

____________

1 ـ قال المجلسي رحمه الله: "لانّ العدة في الجاهلية كانت سنة فانزل الله في ذلك قرآناً في العلة التي ذكرناها في باب الناسخ والمنسوخ واقرّهم عليها ثم نسخ بعد ذلك فانزل آية اربعة اشهر وعشراً..." بحار الأنوار: ج 92، ص 67.

2 ـ في كتابه "المسائل السروية" وقد تقدم نص كلامه بطوله.

3 ـ كصحيحي البخاري ومسلم وغيرهما.

4 ـ انظر: "علم اليقين في اصول الدين": ج 1، ص 565، تفسير الصافي: ج 3، ص 102. قال في تفسير الآية الكريمة ما نصّه: (انا نحن نزّلنا الذكر)رد لانكارهم واستهزائهم ولذلك أكده من وجوه (وانا له لحافظون) من التّحريف والتغيير والزيادة والنقصان، الآية 9 من سورة الحجر. ومثله قال في تفسيره الآخر المسمّى بـ "الأصفى في تفسير القرآن": ج 1، ص 626. وأصرح من ذلك في كتابه "الوافي" حيث قال: "لو كان تطرّق التّحريف والتغيير في الفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شيء منه اذ على هذا يحتمل كل آية منه ان تكون محرفة ومغيرة وتكون على خلاف ما انزله الله فلا يكون القرآن حجة لنا وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية به وعرض الأخبار المتعارضة عليه. ثم أورد كلام الشيخ الصدوق بتمامه". الوافي: ج 2، ص 273 ط. القديم وج 7، ص 1778 من الطبعة الحديثة وكتابه "المحجة البيضاء": ج 2، ص 263 ـ 264.
الصفحة 359

الدكتور القفاري زعم ـ كما ذكره في الهامش ـ أنَّ الصافي ذكر التّحريف في مقدمة تفسيره وبعض من رواياته المنقولة فيه(1).

إن هذه الرّوايات عددها أربع لا أكثر، وقد نقلها من الكتب الروائية الشيعية مثل "الكافي" و"تفسير العياشي" و"التفسير المنسوب إلى القمّي". ولكنّ هذه الرّوايات أيضاً باعتقاد المحدّث الكاشاني نفسه رحمة الله عليه في مقدمة تفسيره أنـّها من باب التفسير والتأويل، وفي غير هذه الصورة فهي ساقطة.

إنّ المرحوم الفيض الكاشاني في ابتداء تفسيره كغيره من المفسّرين، رتّب مقدّمات، ومن جملتها "المقدمة السادسة" ذكر فيها مسألة "جمع القرآن وتحريفه وزيادته ونقصه وتأويله". ثمّ عرض الرّوايات الخاصة بالتحريف في هذا المقام وأدلّة الموافقين والمخالفين لها، وناقش(2) كلا الرأيين، والذي يعتبر حقّاً لكلّ باحث وطالب للحقيقة، وليس معنى مناقشته الدليل على قبوله أو عدم قبوله للطرف الآخر، وقد افترض جدلاً في البداية وجود التّحريف في القرآن لوجود أدلّة روائية، ولكنه ما لبث أن ردّ هذا الفرض قائلاً:


"ويرد على هذا كلّه إشكال; وهو أنه على هذا التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن اذ على هذا يحتمل كل آية منه ان يكون محرفاً ومغيراً ويكون خلاف ما أنزل الله فلم يبق لنا في القرآن حجّة أصلاً فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك.

هذا وقد قال الله عزّ وجلّ: (وإنـّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه). وقال: (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)فكيف يتطرق إليه التّحريف والتغيير.




____________

1 ـ تفسير الصافي: ص 136 ـ 163 ـ 399 ـ 420.

2 ـ تفسير الصافي، المقدمة السادسة: ص 46.
الصفحة 360


اضافة إلى أنـّه قد استفاض عن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروي على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته، فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض؟ مع أنّ خبر التّحريف مخالف لكتاب الله مكذب له فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله.



ثم بقي رحمه الله متردداً في صحّة أسانيد الأخبار التي تدلُّ بظاهرها على التّحريف والتغيير فقال:


ويخطر بالبال في دفع هذا الاشكال والعلم عند الله أن يقال: إنْ صحّت هذه الأخبار ـ أي أخبار التّحريف ـ فلعلّ التغيير إنما وقع فيما لا يخل بالمقصود كثير إخلال...

ولا يبعد أيضاً أن يقال: إنّ بعض هذه المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن، فيكون التبديل من حيث المعنى أي حرَّفوه وغيروه في تفسيره وتأويله أعني حملوه على خلاف ما هو به.

وممّا يدلّ على هذا ما رواه الكافي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام; إنّه كتب في رسالته إلى سعد الخير: "... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه..." وما رواه العامة أنّ عليّاً عليه السلام كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ، ومعلوم أنّ الحكم بالنسخ لا يكون إلاّ من قبيل التفسير والبيان ولا يكون جزءاً من القرآن فيحتمل ان يكون بعض المحذوفات أيضاً كذلك"(1).




____________

1 ـ تفسير الصافي، المقدمة السادسة: ص 46 ـ 47.
الصفحة 361

أوردنا كلام المحدّث الكاشاني رحمه الله تعالى على رغم طوله لكي يعرف صدوف الدكتور القفاري وغيره عن احكام الشرع وسنن الاخلاق لأنهم ذكروا شطراً من كلام المحدث الكاشاني وحذفوا بقية كلامه لكي يتهموه بالتحريف والتغيير.

ثمّ قال الدكتور القفاري:


"وفي القرن الثالث عشر وقعت الفضيحة الكبرى للشيعة في هذا الباب فقد ألـّف شيخهم حسين النوري الطبرسي... مؤلفاً في هذا الكفر جمع فيه كل ما لهم من "اساطير" في هذا الباب وسماه "فصل الخطاب في تحريف كتاب ربّ الارباب" فاصبح هذا الكتاب عاراً على الشيعة أبد الدهر... وقد كشف بهذا الكتاب ما كان خفيّاً وأبان ما كان مستوراً. لقد وضع "المجهر" الذي كشف ما في زوايا كتب القوم وخباياهم من كيد حاقد وعداوة مبيتة للقرآن وأهله.

وبعد هذه الفضيحة والخزي قام فئة من شيوخ الشيعة المعاصرين يتبرأون من هذه المقالة وينكرونها كالبلاغي في آلاء الرحمن، ومحسن الأمين في الشيعة بين الحقائق والاوهام، وعبد الحسين شرف الدين في أجوبة مسائل جار الله، والخوئي في تفسيره البيان، ومحمّد حسين آل كاشف الغطاء في أصل الشيعة واُصولها، ومحمّد جواد مغنية في الشيعة في الميزان، وفي عدد من كتبه وغيرهم وسنتوقف في مناقشة أقوالهم في فصل "الشيعة المعاصرون وصلتهم بأسلافهم"(1).



نحن لا ننكر، أنّ بعض محدّثي الشيعة قد جرى له ما جرى لبعض أهل السنة

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 234 ـ 235. وسنرى إن شاء الله مناقشات الدكتور القفاري في هذا المجال وأجوبتها في مبحث "الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين".
الصفحة 362

أيضاً، حيث ان بعض علماء أهل السنة قد خدع برواياتهم التي شحنت بها صحاحهم وزخرت بها مجاميعهم الحديثية المعتمدة عندهم، ككتاب "الفرقان"(1)الذي أثار في وقته ضجّة عارمة في القطر المصري وقام الأزهر في وجهه موبّخاً ومؤنّباً وأبان وجه البطلان والفساد فيه ومن ثمّ طلب إلى الحكومة مصادرته، فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرته لكن بقيت منه نسخ كثيرة منتشرة في أرجاء العالم الاسلامي وغيره.

هذا، ومحاولة الدكتور القفاري ـ وغيره ـ نسبة ما في كتاب فصل الخطاب إلى الشيعة بأجمعهم، محاولة يائسة وبعيدة عن الانصاف، وقد اعترف هو نفسه بأنّ جلّة علماء الشيعة قد أنكروا على هذا المحدّث فعله وقبّحوا صنيعه وردّوه بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة.

بل في الوقت نفسه كتب الردّ عليه بعض معاصريه، كالفقيه المحقق الشيخ محمود بن أبي القاسم الشهير بالمعرب الطهراني(2) (ت 1313) والسيد محمّد حسين الشهرستاني(3) (ت 1315) وغيرهما وما تزال الردود تترى عليه إلى الآن. وقد رأيتم فهرس الكتب التي ألّفها علماء الشيعة للردّ على مزعومات المحدث النوري في النقطة الرابعة في بحث "كتاب فصل الخطاب ونقاط مهمّة".

وعلى هذا فقول الدكتور القفاري:


"لقد وضع "المجهر" الذي كشف ما في زوايا كتب القوم وخباياهم من كيد حاقد وعداوة مبيتة للقرآن واهله"



____________

1 - وهو، لـِ "محمّد محمود عبد اللطيف بن الخطيب" احد المصريين الّف كتابه المفضوح سنة 1948 م; وقال في مقدمته "كلمة حق، ان اغضبت مخلوقاً قد ارضت خالقاً وان ساءت جاهلاً، فقد سرت عالماً وان اضرت بعض المقرئين فقد نفعت سائر المسلمين".

2 ـ وهو "كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب" فرغ منه في (17 ج2 ـ 1302 هـ. ق.).

3 ـ وهي رسالة أسماها "حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف".
الصفحة 363

بعيد عن الورع والدين.

وليت شعري ما هذا الكيد الحاقد والعداوة المبيتة من الشيعة للقرآن؟

فكم من كتب كتبت وهي لا تعبر في الحقيقة إلاّ عن رأي كاتبها ومؤلفها ويكون فيها الغث والسمين والحق والباطل وتحمل في طيّاتها الخطأ والصواب، ونحن نجد ذلك عند كلّ الفرق الاسلامية وليس هو أمر يختصّ بالشيعة دون سواهم، أفيجوز لنا أن نحمّل أهل السنة والجماعة مسؤولية كلّ مكتوب في عالم أهل السنة؟ أفيجوز لنا أن نقول قول الدكتور القفاري بالنسبة إلى كتاب "الفرقان": "لقد وضع المجهر الذي كشف ما في زوايا كتب القوم...الخ"؟

بل كيف يشنع أهل الشقاق على الشيعة من أجل كتاب النوري الذي ـ على الأقل ـ نصف رواياته المبثوثة في فصوله هي مصادر أهل السنة، فهل يسوغ لنا أن نقول كما قال الدكتور القفاري لقد وضع المحدّث النوري "المجهر" الذي كشف ما في زوايا كتب أهل السنة وخباياهم من... الخ. ونحن بحمد الله في المقام الأول بحثنا تحت عنوان "فصل الخطاب والنقاط الهامة" ما هو الحق في المقام الذي لا يستغني عنه كلّ محقق منصف فراجع إن شئت.


 

رد مع اقتباس
إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 12:35 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية