هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التوظيف والتعيين والإست... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 80 ]       »     دورة : مهارات التخطيط المالي و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 63 ]       »     دورة : اساسيات التأمين [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 75 ]       »     دورة : تحليل البيانات والقوائم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 73 ]       »     دورة : السلامة والصحة المهنية ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 70 ]       »     دورة : آليات الرقابة الحديثة و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 112 ]       »     دورة : تكنولوجيا التميز والإبد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 97 ]       »     دورة : القيادة عالية الإنجاز و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : فنون العرض والتقديم وال... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : الإدارة الفعالة للمختبر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 103 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات



يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
قديم 03-17-2015, 11:00 AM   #11
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 9



حكومة القانون


قد يقول قائل بأنا نعترف بأصل النظام التسخيري كما نعترف بتعارض القوى وكذلك نقرّ بضرورة وجود سلطة مركزية، ولكن ما الداعي من تمثّل هذه السلطة بفرد واحد، إذ هناك خيار آخر وهو أن تتمثل هذه السلطة المركزية بـ«القانون» ونجعل القانون مسيطرا على باقي القوى.

لا نريد حاليا أن نبحث عن الأسس التي اعتمدت في تدوين القانون؛ هل تم تدوينه على أساس العقل الجمعي البشري، أم على أساس أحد الأديان السماوية، أو قد وضعه عدد من العلماء الجامعيين أو تم تدوينه عن طرق أخرى. دعنا عن هذا الموضوع فلا نريد التطرق إليه، ولكن ما نريد طرحه هو أنه هل هذا أمر ممكن أساسا أم لا؟

القانون سواء أكان جيدا أم سيئا، يحتاج تنفيذه إلى منفذّين يتصدون لمسؤولية تنفيذه. لا يقدر أيّ قانون على ضمان صحّة المجتمع من دون وجود منفّذين مخلصين. فإذن ألا يُحتمل لهذا القانون وإن كان قانونا جيدا متكاملا، أن يصبح ملعبة بيد أصحاب القدرة والثروة؟ خاصة وإن القانون غير قادر على الدفاع عن نفسه. ولهذا مع أنه في جميع بلدان العالم يتمّ اختيار القضاة من بين الأشخاص المعتمدين والمخلصين، ولكن مع ذلك يتمّ تعيين مراقبين ومشرفين ليراقبوا مدى تنفيذ القضاة للقانون.

ومن جانب آخر هناك مئات الطرق للالتفاف حول القوانين ولا سيما القوانين التي دوّنها الإنسان. فإن أراد أمرء أن يظلم ابن بلدته أو زوجه أو جيرانه أو زميله... فهناك طرق شتى يستطيع أن يجدها فرارا من القانون. فعلى سبيل المثال هل يمكن الوقوف أمام ظلم المرأة للرجل في أجواء الأسرة من خلال وضع القانون؟ فإن كان القانون قادرا على معالجة هذه المشكلة، فلماذا يشقّ الجميع على أنفسهم في سبيل الحصول على الزوج الصالح؟ لماذا لا يقدم أحد على الزواج مع أيٍّ كان اعتمادا على القانون وقدرته على حل المشاكل إن حدثت؟ لأنّ القانون ليس بضمان لسلامة الأسرة. فكيف يمكن للقانون الذي غير قادر على ضمان سلامة الأسرة بوحده، أن يضمن سلامة المجتمع؟

ولا بأس أن نستطرد الكلام إلى هذا السؤال؟ هل من الصحيح أن تقيّد حياة الإنسان بهذا الكم الهائل من القوانين؟ هل يحتاج المجتمع المثالي إلى هذا القدر من القوانين؟ فيفترض على هذا الأساس أنه سوف يتنفس المجتمع في زمن إمام العصر (عج) عن ركام هذه القوانين. إن لم يسرق أحد في المجتمع فما الداعي من وجود هذا العدد من مراكز الشرطة والسيطرات والمحكمات وغيرها؟ و أساسا ليس من الصحيح في المجتمعات الإنسانية أن ندع كل الأمور إلى القانون. إن هذا العمل يهين كرامة الإنسان. إن تحميل عدد كبير من المسؤوليات على القانون بمعنى ذبح الأخلاق، فهل هذا من الصحيح؟[1]


نقد حكومة الشعب على الشعب (الديمقراطية)

كما مرّ سابقا، إن مناقشة إمكان إدارة المجتمع وإشراف الناس على السلطة المركزية يقتصر على دراسة ومناقشة نظرية «الديمقراطية»، إذ أن باقي أساليب حكومة الشعب على الشعب فقدت مقبوليتها ولا مدافع عنها حتى نقوم بمناقشتها. فلم يبق من تلك الأشكال سوى الديمقراطية التي سبقت الميدان في أكثر بقاع العالم بادعاء أنها تؤمّن سعادة الناس وتأخذ بيدهم إلى نيل حقوقهم ومطالباتهم.

إن الديمقراطية بصفتها آخر نموذج لأسلوب الحكومة وإدارة المجتمع والتي عبّر عنها بعض المفكّرين بأنها حصيلة تجربة الإنسان منذ آلاف السنين في قضية الحكومة وإدارة البلاد، قد شهدت تطورا واسعا في القرن الأخير إلى أن أصبحت اليوم تدّعي ظاهرة العولمة والقرية العالمية. ومع ذلك لم يدعّ المفكرون الغربيون بعدم وجود ثغرة ونقص في هذا الأسلوب.[2] يقولون وإن كان هذا الأسلوب قد ينطوي على بعض الإشكالات ولكن لابدّ لنا من تقبله مع إشكالاته، إذ ليس لنا أيّ بديل عن هذا الأسلوب مضافا إلى أن فيه امتيازات كثيرة.

كلامنا هو أنه من قال لكم بعدم وجود خيار آخر لإدارة المجتمعات الإنسانية؟ إذ أن هناك نموذج راق جدا لإدارة المجتمع وهو خال عن كل هذه التداعيات والسلبيات الموجودة في باقي الأساليب الحكومية كما تراعى فيه حقوق الإنسان بشكل كامل، وهو عبارة عن «نموذج الولاية» في إدارة المجتمع.

قبل أن نبدأ بتعريف نموذج الولاية وبيان أسلوب الولاية في إدارة المجتمع، لابدّ أن نلقي نظرة إلى الديمقراطية وإشكالاتها الخفية والجلية التي يؤول إليها هذا الأسلوب. ومن هذا المنطلق نتناول في بادئ ذي بدء موضوع مشروعية حكومة الشعب على الشعب، ثم نتطرق إلى أدوات قدرة هذا النظام وسيطرته (الأحزاب والإعلام)، وبعد ذلك نشير إلى خداع النظام الديمقراطي وحيله التي يمارسها خلف ستار الصداقة والصراحة، وأخيرا نستعرض أنواع الظلم الخفي الذي يمارسه هذا النوع من الحكم.


يتبع إن شاء الله...


[1] سوف نتطرق إن شاء الله إلى القانون وموقعه في إدارة المجتمع في الأبحاث القادمة إن شاء الله.

[2] يعتقد الكثير من العلماء الغربيين أن الديمقراطية نظاما لا يخلو من عيوب ولكنهم يعتقدون أن هذا الأسلوب في الحكومة أقل عيبا من بين باقي الأنظمة السياسية. (بهرام اخوان کاظمي، مجلة «علوم انسانی، دانشگاه اسلامی»، عام1377ش، العدد6، ص22)




 

رد مع اقتباس
قديم 04-07-2015, 06:48 AM   #12
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 10



منطق حكومة الشعب على الشعب



السؤال الأول الذي لابد أن يجاب عنه بشأن الديمقراطية هو أنه هل يحق للناس أساسا أن يتحكموا في شؤونهم ومصيرهم؟ هل أن الله الذي خلق الناس وأرسل إليهم الأنبياء لهدايتهم وإيصالهم إلى الكمال المطلوب، قد سمح لهم بالتحكّم في مصيرهم؟

ولابدّ لكل متدين بدين ما أن يجيب عن هذا السؤال، وإن لم يجد جوابا صحيحا عنه فلا داعي لمواصلة البحث. ولكن بما أنّا أخذنا على أنفسنا أن نناقش الموضوع بلا تقيّد بنطاق الدين، فنغض الطرف عن جواب هذا السؤال وننتقل إلى السؤال الثاني وهو ما هو المنطق الذي ارتكزت عليه حكومة الشعب على الشعب؟ وقد أجيب عن هذا السؤال وقيل إنه «منطق حكومة الأغلبية على الأقلية». ولكن هناك سؤال آخر يطرح نفسه وهو ما الدليل على ضرورة اتباع جميع الناس لأغلب الناس؟ حيث إن هذا الأسلوب يمثل نوعا من أنواع الدكتاتورية أيضا وهو الدكتاتورية الاجتماعية. لماذا يجب على الأقلية أن تتبع الأغلبية وتستسلم لمطالبهم ومصالحهم؟ وما الحلّ في ما لو أراد الأغلبية أن يضطهد الأقلية طمعا بمصالحهم؟ فهل علينا أن نستسلم لهذا المنطق؟

نعم، إن اتباع الأغلبية في سبيل تحقيق «النظام والترتيب» أسلوب لا بأس به، ولكنه لا يوجد «حقا». فعلى سبيل المثال لقد طرحت «اتفاقية حقوق المرأة»1 في الأوساط الدولية، واعترف بها أكثر بلدان العالم، فهل نستطيع استنتاج صحة هذه الاتفاقية وأحقيتها بسبب اعتراف الأكثرية بها؟ فهل علينا أن نقرّ بها بمجرّد قبول الأغلبية.

لا يعطي الإسلام أية موضوعية للأغلبية، والمهمّ عنده هو تطابق أو عدم تطابق مطالبة الأغلبية مع الأحكام الإلهية، من خلال الآية 116 من سورة الأنعام التي يحذر فيها الله نبيّه من اتباع الأغلبية والآيات الأخرى التي تعتبر أكثر الناس «لا يؤمنون»، «لا يعلمون»، «لا يشكرون» إلى غيرها من الآيات،2 قد نستطيع أن نخرج بنتيجة وهي أساسا لا يعطي الله أية موضوعية وأي موقع للأغلبية بمعنى الأغلبية في المجتمع الدولي.

إن أساس تشكيل الحكومات مرتكز على الوقوف أمام الظلم في هذا النظام التسخيري. طيّب، فإذا قامت الديمقراطية بممارسة الظلم مستندة إلى منطق حاكمية الأغلبية على الأغلبية، فمن الذي يقف أمامها حينئذ؟ يقول الغربيون: في سبيل الوقوف أمام الظلم في الإطار الذي ترسمه الديمقراطية، هناك آليّتان قويتان تحت عنوان «الأحزاب» و «الإعلام». إذن نحاول أن ندرس ونناقش هذه الآليتين بشكل مستقل، لنقيّم مدى صحة هذا الإدعاء.

يتبع إن شاء الله ...


1.«اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» هي اتفاقية دوليّة أقرّت في تاريخ 18 ديسمبر 1979 في المجمع العام للأمم المتحدة وقد وقع عليها جميع الدول أعضاء الأمم المتحدة ما عدى إيران والصومال والسودان والسودان الجنوبية وتونغا. إن ملخص مضمون هذه الاتفاقية التي تمثل أهم اتفاقية دولية بشأن التمييز الجنسي، عبارة عن القضاء على جميع أنواع التمييز بين المرأة والرجل في كافة المجالات. إن بعض بنود هذه الاتفاقية تتعارض مع صريح أحكام الأسلام من قبيل: المساواة بين الرجل والمرأة في الدية والإرث، إعطاء حق الطلاق للنساء، حق النساء في تعدد الأزواج، إباحة المثلية للنساء، وشرعية ممارسة الدعارة كشغل معترف به و... .

2.به‌عنوان نمونه: اعراف،187؛ هود،17؛ یوسف،21؛ روم،6 و...


 

رد مع اقتباس
قديم 04-11-2015, 07:37 AM   #13
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 11



نقد موقع «الأحزاب» في الديمقراطية

الحلّ الذي طرحه المفكّرون الغربيون في سبيل السيطرة على هذا النظام التسخيري في إطار النظام الديمقراطي، هو منافسة الأحزاب. يقول هؤلاء عندما تتبلور قوى متعددة في المجتمع تحت عنوان الأحزاب وتتنافس مع بعض لكسب آراء الشعب، حينئذ وفي مسار هذا التنافس يراقب كلّ حزب، الآخر مخافة أن تضيع حقوق الشعب. فعلى سبيل المثال عندما يكسب حزب «أ» الأراء ويتكئ على أريكة السلطة، تقوم باقي الأحزاب ولا سيما حزب «الباء» الذي يعدّ المنافس الأول له، بمراقبة دائمة لأداء حزب «أ»، فبمشاهدة أقلّ زلة وخطأ من هذا الحزب الحاكم، يذيعون الخبر ويعيدون حقوق الشعب إليهم.

هناك عدة إشكالات على هذه الرؤية فنشير إلى بعضها. الإشكال الأول الذي لم يخفَ عن بعض علماء الغرب، هو أنه نظرا إلى وجود المجتمعات المتطورة وأنواع المعاملات المعقّدة التي تمارَس بين هذه المجتمعات بشكل واسع، لا سبيل للإشراف والمراقبة الكاملتين أبدا. أجل، لو كانت المجتمعات محافظة على طابعها التقليدي القديم، ولم يتعدّ نطاق اتصالات الإنسان عما كان عليه قبل مئة سنة، فلعلنا نقتنع بإمكان هذه المراقبة الكاملة، ولكن في هذه الظروف التي نعيشها فلا معنى بعد لهذه المراقبة.

ومضافا إلى ذلك، بعض ممارسات المدراء وأصحاب المناصب في المجتمع مما لا يمكن مراقبتها. فعلى سبيل المثال افترض أن رئيس البلدية قد نزل ضيفا في بيت ابن خالته. وبالمناسبة في نفس اليوم كان قد تمّ التصويب على مشروع تعريض أحد الشوارع في المدينة. فماذا سيحدث إن أعطى هذا الرئيس خبر مشروع تعريض الشارع لابن خالته الذي يعمل في بيع وشراء الأراضي والعقارات؟ وهل قد ارتكب رئيس البلدية جريمة أم لا؟ وهل يمكن إدانة هذا الرئيس في إحدى المحكمات؟ من هذا المنطلق نقول أن الإشراف والمراقبة الكاملة والدقيقة على أصحاب القوة في المجتمع أمر خارج عن قدرة الأحزاب.

ومن جانب آخر، كثير من المعاملات والأحداث السياسية والاقتصادية التي تجري اليوم في الأوساط الدولية، هي مسائل تخصصية؛ بحيث يتعذّر على نوّاب المجلس (الذين هم أعضاء في الأحزاب) وعلى باقي مسؤولي الأحزاب فهمها وإدراك أبعادها. فعلى سبيل المثال اليوم، تحرّر كثير من العقود الاقتصادية الضخمة باللغة الإنجليزية وباستخدام مصطلحات فنية خاصة. طيب، فإذا كان نائب المجلس لا يعرف اللغة الانجليزية، كيف يستطيع أن يقيّم العقد وويشخص صحته أو سقمه؟ قد يقول قائل: إذن نختار النواب من ذوي الشهادات العليا، ولكن مع ذلك لا تنحل المشكلة. وذلك بسبب عدم وجود من كان متخصصا في كافة المجالات؟

وبغض النظر عن كل هذه الإشكالات، ما الضمان على عدم تواطؤ الأحزاب معا؟ فعلى سبيل المثال افترض أن رئيس البلدية الذي هو من حزب «أ»، قد استغل منصبه واختلس أموالا بالغة. ثم يطّلع حزب «الباء» على هذا الخبر ويعمد على كشف اللثام عنه. فكيف إذا قال لهم رئيس البلدية بأنه سوف يعطيهم نصف المال شريطة أن يطمّوا الخبر؟ إذن من الذي يستطيع أن يستوفي حقوق الشعب؟

وحتى لو تركنا هذا الإشكال، أساسا إنّ الأحزاب لا يمثلون الشعب حتى يراعوا حقوقه. لقد تمخضت الأحزاب من تبلور القوى. حيث إن القوى هي التي تنتج الأحزاب ولا الشعب. ليس للشعب سوى أن يختار أحد الأحزاب اضطرارا كما لا سبيل له للسيطرة والإشراف عليهم.1

يتبع إن شاء الله...


1 تأييدا لهذا الكلام لا بأس أن نشير إلى الاحتجاجات التي باتت تخرج على أعتاب كل دورات الانتخابات لرئاسة الجمهورية في أمريكا مطالبة بالخلاص والتحرّر عن نظام الحزبين الأمريكي. وبالمناسبة كان أحد أهم مطالبات الحركة التي انطلقت في عام 2011 تحت شعار «احتلوا وول استريت» هي هذه القضية.


 

رد مع اقتباس
قديم 06-18-2015, 04:29 PM   #14
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 12



نقد موقع «الإعلام» في الديمقراطية

الآلية الثانية التي أريد منها أن تكون ضمانا بإشرافها ومراقبتها على عدم ضياع حقوق الشعب في الأنظمة الديمقراطية، هي «الإعلام». بمعنى أن الإعلام باعتباره مراقبا واعيا، يرصد على الدّوام سلوك وتصرفات منتخبي الشعب، ولا يسمح بتضييع حقوقه. وبالمناسبة لقد صرف البلدان الغربية مبالغ باهضة في سبيل إقناع الشعب على أن الإعلام هو الملجأ والملاذ الوحيد لإحقاق حقوقه. ومن هذا المنطلق، في أكثر الأفلام التي تحاول أن تنقد أصحاب القوى، يأتي مراسل أو صحفي في آخر المطاف فيكشف الستار عن الأسرار والخفايا ويُزيل العوائق بين الحقيقة وبين أنظار الشعب. إن هذا الأسلوب في كتابة السناريوهات، إنما هو من أجل أن تثق الشعوب بانحياز وسائل الإعلام إليهم وليتسنى بعد ذلك لأصحاب القدرة والثروة أن يسيطروا على الشعوب عبر وسائل الإعلام.
إن الإعلام في هذا الزمان لا أنه لا يؤمّن مصالح الشعب وحسب، بل إن أكثر دوره يصبّ في تأمين مصالح أصحاب رؤوس الأموال والمادّين أيدهم على أموال الناس من وراء الكواليس. إن أكثر نشاط الإعلام اليوم يصبّ في تدمير النظام التسخيري لا السيطرة والإشراف عليه. وأساسا من هم أصحاب الإعلام في العالم؟ ومن هم أصحاب الأحزاب في العالم؟ إن جواب كلا السؤالين واحد: وهم «أصحاب رؤوس الأموال». إذا كان أصحاب رؤوس الأموال هم على رأس قائمة مالكي وسائل الإعلام، فكيف نتوقع من الإعلام أن يصبح مدافعا عن حقوق الشعوب؟!
ومضافا إلى هذه المسائل، يأتي في هذا المقام كلّ ما ذكرناه بشأن الأحزاب. أساسا هل بإمكان الأعلام أن يشرف على جميع ممارسات السياسيين وأصحاب المناصب على مختلف أبعادها وأشكالها؟ ومن جانب آخر، ما هو الضمان على عدم تواطؤ هذه الوسائل الإعلامية مع السياسيين الفاسدين؟
بشكل عام، لا يمكن أبدا أن نعتبر وسائل الإعلام تحكي عن واقع المجتمع كما هو عليه. فإن ما تبثّه وسائل الإعلام وتلقيه على الناس إنما هو متناغم مع مصالح أصحاب هذه الوسائل ولا مصالح الناس. وأساسا لا يمكن لهذه الوسائل أن تكشف الستار عن حقائق المجتمع بغضّ النظر عن مصالح أربابها.
فعلى أساس مجموع هذه المسائل يمكن أن نخرج بهذه النتيجة وهي أن السيطرة والرقابة البشرية على حركة الحياة وتطبيق قواعد النظام التسخيري بشكل صحيح وسليم، أمر لا سبيل إليه، سواء أكان المراقب فردا ديكتاتورا مستبدا أم مجموعة متعددة الأطراف تحت لواء الديمقراطية.

يتبع إن شاء الله ...


 

رد مع اقتباس
قديم 06-28-2015, 05:00 PM   #15
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 13



الخداع المغلّف بظواهر الصدق


إن كلّ كيان الديمقراطية من ألفه إلى يائه قائم على أساس الخداع. واللطيف هو أن كثيرا ما يشرعن هذا الخداع والتضليل. من الظواهر التي لفتت أنظار الكثير من الناس تجاه الثقافة السائدة في الغرب، هي صدق الناس في البلدان الغربية. فكثيرا ما نسمع من هنا وهناك أن «صحیح أن الشعب الغربي لا يحظى بالدين والإيمان الصحيحين وقد لا تخلو ثقافتهم من بعض الثغور، بيد أن ثقافتهم قد انطوت على نقاط إيجابية كثيرة وحري بنا أن نتعلمها منهم»! وبعد ذلك يشير المتكلم إلى بعض المصاديق من قبيل الصدق والنظام والالتزام بأخلاقيات العمل، واحترام بعضهم البعض وغيرها. طبعا على أساس ما نعتقد به، لا تدلّ أيّة ظاهرة من أمثال هذه الظواهر التي أحصيت للشعب الغربي على حسنة لهذا الشعب، إذ لابدّ أن نلقي نظرة أعمق على الواقع السائد في العالم الغربي في سبيل تحليل سلوك شعبه، ولكن نسطّر بعض النقاط على هامش صدق الغربيّين بالتحديد:

النقطة الأولى ترتبط بأصل وجود الصدق في الغرب. نحن لا ننكر أن الشعب الغربيّ قليل الكذب في التعامل مع بعض، ولكن هل لهذا الصدق دلالة على حسن ما؟ إن الجواب على هذا السؤال يقتضي مجالا آخرا، أما إذا أردنا أن نختصر الجواب في بضع جمل قصيرة، فنقول إن المجتمع الذي تفتتت فيه الحصون الأخلاقية ولا يحاسَب فيها أحد لإهماله لبعض القيم والمثل الأخلاقية، لا يبقى فيه دافع ومحفز للكذب بعد. فعلى سبيل المثال إن أخطأ ولد وارتكب خطيئة أو موبقة، فإن كان لا ينظر إليها كسيئة، ومن جانب آخر إن كان لا يحترم أباه ولا يستحيي منه شيئا، وفيما إذا علم أن أباه غير قادر على مؤاخذته على ما ارتكب، فما الداعي لأن يكذب عندئذ؟ فحينها سوف يرفع رأسه ويصارح أباه عن صدق وبكل فخر. فهل لهذا الصدق قيمة؟ طبعا كما ذكرنا آنفا، إن تحليل ظاهرة الصدق في الغرب بحاجة إلى مزيد من التعمّق والتدقيق الذي له مقامه الخاصّ به، ونحن في هذا المقام قد اقتصرنا على الإشارة إلى أحد أبعاد هذه الظاهرة.

ثم نحن لا نؤمن بأن لا يكذب أحد على أحد هناك! نعم؛ إن ظاهرة الكذب غير متفشية في المجتمع، ولكنها لم تستأصل. كما نستطيع أن نشاهد أجلى صور الكذب في الغرب في كذب وخداع القادة السياسيين والحكّام في البلدان الغربية. سوف نتطرق إلى بعض نماذج هذا الخداع والتضليل في القسم القادم، ولكن هنا بودّي أن أثير انتباهكم إلى نقطة واحدة، وهي أن في الرؤية العلمانية التي تشكّل الخلفية النظرية للأنظمة الديمقراطية، لا مانع من استخدام الصدق في سبيل خداع الناس. وهذه إحدى ثغور الأنظمة الديمقراطية. فإن استطاع الحكّام أن ينالوا مطامعهم باستخدام الصدق، عند ذلك لا يمكن إدانتهم في أيّة محكمة. سوف يحتجّون بأنهم لم يكذبوا ولم يطرحوا سوى الحقيقة. وهنا ينبغي أن نكشف الستار عن بعض خفايا أسرار الولاية لنفهم حكمة صمت النبي (ص) وسكوت أمير المؤمنين (ع) عن إظهار بعض الحقائق.

تذكّروا «سجن أبي غريب» كنموذج لما نحن فيه. إنه سجن يبعد عن بغداد بـ 32 كيلو متر وقد اشتهر اسمه لأول مرّة في زمن صدام حيث كان وكرا لتعذيب المتّهمين السياسيين ولاسيّما شيعة العراق. بعد ذلك وفي عام 2004م. نشرت بعض وسائل الإعلام الأمريكية صورا من مشاهد تعذيب السجناء العراقيين في هذا السجن وكان لها صدى عالمي كما أنها أثارت حفيظة الكثير من الشعوب ولا سيما المسلمين ضدّ الأمريكان. فإذا أردنا أن نفسّر سبب تلك الأحداث، حري بنا أن ننظر إليها بمزيد من التعمق والإمعان.

لقد أذيعت تلك الصور عبر الإعلام الأمريكي آنذاك، وكانت تلك الفترة تشهد تبلور معارضة واسعة من قبل الشعب والكوادر العراقيين تجاه تواجد الأمريكان في العراق، وما أكثر المظاهرات والاحتجاجات التي كانت تخرج في مختلف مدن العراق ومحافظاتها ضدّ الأمريكان. فجاءت أمريكا بخطّة متمخظة من نتائج دراستها للشعب العراقي. إذ إنها كانت قد خرجت بهذه النتيجة آنذاك، وهي أنه لا يمكن السيطرة على الشعب العراقي إلا بالرعب، وهذا هو المنهج الذي كان قد اعتمده صدام طوال حكمه على العراق. فهم أرادوا أن يثيروا موجة من الرعب والخوف بين أبناء العراق ولا يخفى أن مبادرتهم لم تخل من التأثير في تلك الفترة. فأرادوا بهذا الصدق وهذه الصراحة أن يسيطروا على أبناء العراق حفاظا على بقائهم ودوام ظلمهم. فهل لهذا الصدق قيمة؟

إن المهمّ الأول والأخير في الأنظمة الديمقراطية هو كسب آراء الناس، ولا بأس بسلوك أي طريق في سبيل نيل هذا الهدف. إن أصحاب الثروة والقدرة الذين قد مسكوا بزمام الأحزاب والدول المنبثقة من هذه الأحزاب، عادة ما يمارسون تضليل الفكر العام في سبيلهم الذي يخطوه إلى مقاصدهم. وكما أشرنا آنفا، أحد أساليب هذا التضليل والخداع هو الصدق والصراحة. إن الصدق لا يعتبر حسنا دائما. فإذا أراد أحد أو زمرة أن يحرفوا الفكر العام عن حقيقة مهمة جدا عن طريق الصدق والصراحة، فهذا الصدق هو عين الكذب والخيانة.

فعلى سبيل المثال، في الانتخابات التي يتنافس فيها عدد من المرشحين من مختلف الأحزاب، لو قام أحد المرشحين قُبَيل انتهاء مهلة الدعاية الانتخابية بفضح ما وراء الكواليس، وقال إنّ كل هذه المنافسات لعبة وخداع، ونحن المرشحون وجوه لعملة واحدة وكلّ هذه المنافسات كانت مسرحية وحسب...، فيبدو أنه قد خدم شعبه بصدقه وصراحته، كما أن الشعب سوف يدلي بصوته لصالحه. أما لو كان المرشحون متفقين فعلا، وكان الجميع متورطين بملفات فسادٍ اقتصاديّ على وشك الفضيحة، فتواطؤوا لهذا السبب على أن يفضحهم هذا المرشّح في الساعات الأخيرة، ويمضي في سبيله بلا منازع لاستقطاب رأي الناخبين، وبذلك ينفسح المجال لباقي المرشحين أن يمدّوا أيدهم على حقوق الشعب وينالوا منه ما يشاءون بلا مهابة، فهل تبقى هذه الصداقة ذات قيمة وثمن. فمن هذا المنطلق نقول: «لا مانع في الديمقراطية من خداع الناس بالصدق والصراحة».

يتبع إن شاء الله ...




 

رد مع اقتباس
قديم 07-13-2015, 07:09 AM   #16
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 14



الظلم الكامن خلف قناع الديمقراطية

كما مرّ مسبقا، إن الفوارق الموجودة بين الناس تنجرّ إلى تفوق بعضهم على بعض، وفي هذا المسار قد يستغلّ البعض تفوقهم ويؤدي بهم الأمر إلى الاعتداء على الآخرين. أحد السبل الذي كان يُسلك منذ القِدَم بغية السيطرة على الظلم، هو السيطرة على الظالمين بالظالمين، حيث كانت القوة الظالمة العليا تسيطر على باقي الظَلَمة. فكان هذا التنازع الحاصل بين القوى يؤدي إلى تحقّق التعادل بينهم.

فعلى سبيل المثال، كل الناس كانوا يعلمون أن صدّام طاغوت ظالم، ولكنّ بعضهم كانوا قانعين بهذا الظلم ويقولون لولا وجوده لذهبت الأوضاع إلى الأسوأ. ففي الحقيقة أن الناس قد رضوا بالظلم «المنتظم»؛ وباعتقادهم إن لم تكن القوة المركزية ظالمة، سوف يتلقون الظلم من كلّ غاد وذاهب، أما إذا كانت هناك حكومة مركزية قوية، فسوف تقف أمام باقي الظلمة حتى وإن كانت هي ظالمة، وعند ذلك يواجه الشعب ظالما واحدا لا ظَلَمة عدّة. هذا هو ديدن الناس حيث إنهم إن عجزوا عن استئصال الظلم بأسره، يفضّلوا أن يكون الظلم منتظما غير مبعثر.

ونفس هذه الحقيقة سارية في النظام الرأسمالي الغربي الآن. إن بعض الناس في الغرب غافلون عن مدى الظلم الذي يفرضه النظام الحكومي الديمقراطي، ولكن أولئك الذين أدركوا الظلم الذي لا ينفكّ عن هذا النظام قد ساوموه انطلاقا من وحي الرضا بالظلم المنتظم. إن أصل النظام الرأسمالي هو ظلم بحدّ ذاته، لا أنه جيّد ولكن يمارس الظلم فيه. كلا، إن نفس هذا النظام هو ظلم.

بما أنه قد تجاوز عقل الإنسان مرحلة البساطة والسذاجة وإلى جانب هذا النضج قد كثرت أدوات الاتصال والإعلام، فلا سبيل لأغلب الحكّام بعد إلى أساليب السلطة الظالمة بلا قناع وستار. فمن هذا المنطلق وفي سبيل التعرّف على النظام الظالم الذي يسود الأنظمة الديمقراطية في عالم الغرب، لابد من تسليط الأضواء على قضيتين؛ إحداهما هي تعاطي منهج «الخداع والتضليل» في هذا النظام، والأخرى هي «الظلم الخفيّ» الذي لا ينفكّ عن الديمقراطية.

لقد أصبحت وسائل الإعلام اليوم أحد أركان الديمقراطية وأحيانا تسمى بالركن الرابع لها. [1] إن دور الإعلام الرئيس في النظام الديمقراطي ليس هو التداول الحرّ للمعلومات، بل هو خداع الناس. و لا يحتاج تصديق هذه الحقيقة أكثر من إلقاء نظرة بسيطة. من هم أصحاب وسائل الإعلام في هذا العالم الحرّ؟ من الذين يديرون يديرون وكالات الأنباء المعتبرة في العالم؟ من هم أصحاب أسهم الإذاعات والقنوات التلفزيونية والفضائيات؟ فإذا أجبنا عن هذه الأسئلة سندرك بكل بساطة أنّ نبْضَ المعلومات في شرايين الإعلام هو بيد أقليّة من الناس، وهي التي لها دور مهمّ في مقدّرات الدول.

الدول الغربية اليوم، تخبّئ أنواع ظلمها غبر سلطتهم الإعلامية وعن طريق تضليل شعوبهم وخداع الرأي العام. ما كان انطباع الشعوب الغربية عن هجوم أمريكا على أفغانستان والعراق؟ لقد بلغت الأغلبية الساحقة من الشعب الأمريكي بعد ما توالى عليهم إعلامهم بقصف المعلومات بلا انقطاع، إلى هذه القناعة وهي أن السبيل الوحيد للتخلص من الإرهاب والحصول على حياة هادئة بلا إزعاج، هو اقتلاع جذور الإرهاب في أفغانستان والعراق بالحرب. أما اليوم وبعد مضيّ نيف و شر سنين من واقعة 11 سبتمبر، كشف الغطاء عن أبصار الشعب الأمريكي وأدرك خداع رجاله، وعليه فلا يمرّ اسبوع إلّا وتخرج فيه مظاهرات من إحدى أرجاء الإيالات المتحدة مطالبة بإيقاف الحروب.

لا تقتصر أنواع الظلم في النظام الديمقراطي على أشكال الظلم التي تفرض بالخداع والتضليل على الشعب، بل ينطوي هذا النظام على أشكال أخرى من الظلم الخفيّ الذي يعجز عن إدراكه كثير من الناس. لا ينبغي الاكتفاء بإحصاء المظالم الفادحة والواضحة في عملية نقد النظام الديمقراطي. فإذا أراد الإنسان أن يقضي على الظلم برمّته، فلا بدّ أن يأهّل نفسه لرؤية المظالم الخفية. فإذا أراد الشعب الأمريكي أن يثور على حكومته، لا ينبغي له أن يحتجّ على الحروب التي شنتها أمريكا في جميع أنحاء العالم بشكل مباشر أو غير مباشر، بل لابدّ له أن يحتجّ على أصل النظام الرأسمالي أيضا. وهذا ما بدأ يحدث في هذه الأيام. إن حركة الاحتجاج ضد النظام الرأسمالي (حركة احتلال وول ستريت) التي باتب تمتدّ بجذورها في جميع العالم، تبشر ببدء فصل جديد في صحوة الشعوب في عالم الغرب.

يتبع إن شاء الله...


[1] . يرى مفكرو الغرب أن الديمقراطية قد شُيِّد كيانها على أربعة أركان فأي حكومة أخذت هذه الأركان بعين الاعتبار والتزمت بها نظريا وعمليا، فنظامها ديمقراطي. وهي: 1. القانون الأساسي 2. النظام البرلماني (مجلس الشورى) 3. الأحزاب السياسية 4. حرية الصحافة. وقد أضاف بعضهم إلى هذه الأربعة خامسا باسم "الحرية المدنية" وأرادوا بها حرية التعبير والقلم والفكر والعقيدة والمثل وكذلك تنمية المؤسسات المدنية المدافعة عن حقوق الشعب. وبالرغم من حلاوة ظاهر هذه المصطلحات الرنّانة، إن كل هذا التفنن بالألفاظ إنما هو من أجل ضمان سلطة الرأسماليين المطلقة على الشعوب، وسنقف عند هذا الموضوع قليلا في الأبحاث القادمة إن شاء الله.



 

رد مع اقتباس
قديم 07-22-2015, 09:27 AM   #17
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 15



إن كثيرا من المعاملات التي تمارس في الأنظمة الديمقراطية هي معاملات ظالمة. فعلى سبيل المثال، من قال إن الأغنى له أن يحتكر جميع الفرص لنفسه ويمنعها عن الآخرين؟ وعلى أيّ أساس أعطي الحقّ لكبير المساهمين أن يأخذ بزمام مقدرات باقي الأعضاء؟ أساسا إن مفهومي النموّ والتنمية في إطار النظام الرأسمالي الحرّ يشيران إلى ضرب من الظلم. لا مانع لدى النظام الرأسماليّ من ارتقاء الناس في الجانب الاقتصادي، بل يشجعهم على كسب الغنى والثراء وحتى قد يقرضهم ويوفّر لهم جميع الإمكانات في سبيل تحسين وضعهم الاقتصاديّ، بيد أن الهدف الأول والأخير في هذه السياسة هي زيادة القوّة الشرائية لدى الناس لتكون ضمانا على بيع منتجات أصحاب رؤوس الأموال. وهذه هي أحد المظالم الخفية في النظام الرأسمالي.
في جولة كانت لي قبل فترة في عدد من البلدان الأفريقية، سألت أحد المسؤولين السياسيين عن سبب قلّة تواجد الشركات الأجنبية ولاسيما الأوروبية في أفريقيا. فأجابني: «لقد نفض الأوروبيون أيديهم من ترفّه واغتناء الأفريقيين، ولهذا فلا ميل لهم إلى تكثير هذه الشركات». قلت له: «وهل يودّ الأوروبيون أن يترفّه الشعب الأفريقي؟!» فأجاب: «کلا، إن ما يهدفون إليه هو أن يجدوا سوقا لبضائعهم ولكنهم عرفوا أن أفريقيا لن تصبح سوقا جيدا لها؛ إذ لم يتطبّع شعبها على النزعة الاستهلاكية». وفعلا بسبب الظروف الأقليمية والمناخية هناك، لم تتوغل ثقافة الاستهلاك بعدُ في نفوس الشعب الأفريقي. حيث يكتفي أحدهم ببلوز صيفي طوال سنته ولا يضطره مناخها المعتدل إلى ارتداء شيء آخر. ينمو هناك نوعان من الموز، فيأكلون أحدهما كفاكهة ويطبخون الآخر كغذاء. فلا تهتشّ نفوسهم لابتياع البضائع الأجنبية الكماليّة على سبيل الإفراط. وعليه فلا يوجد للدول الأوروبيّة أيّ حافز لتنمية أفريقيا !
يعني النظامُ الرأسماليُّ من تنمية البلدان الفقيرة، ضمانا على تصاعد بيع بضائعهم. ومن هذا المنطلق أنشأوا المصرف الدولي وبادروا بإقراض البلدان الفقيرة. فهل قد احترق قلبهم على البلدان الفقيرة أو النامية؟ كلا، الواقع هو كلما تقرّبت البلدان صوب الحداثة والتطوّر ازدادت حاجة إلى بضائع البلدان الرأسمالية، فيتضاعف بيع هؤلاء وأرباحهم وإلى جانبه تتفاقم الاتكالية الاقتصادية في سائر البلدان. فعلى سبيل المثال قبل أن تنتصر الثورة في بلدنا إيران، كنا نستورد بعض البضائع كالقمح و غيره من الخارج، أما الآن وبعد ما بلغنا هذا التطوّر الباهر في مختلف مجالات العلم والتقنية، أصبحنا غير مستغنين عن أجهزة الحاسوب وغيرها من الأجهزة الحديثة، وبهذا فقد ازددنا اتّكالا. أصبح جهاز الحاسوب لدى الكثير منّا من أوجب الواجبات، فإذا خطينا خطوات أخرى نحو التطور والحداثة، تزداد حاجتنا شيئا فشيئا إلى باقي الأجهزة المتطورة وبرامجها، ومآل هذا المسار هو استفحال الاتكال فينا وتضاعف البيع والأرباح للبلدان المنتجة لهذه البضائع.
وكذا الحال في المجالين الثقافي والاجتماعي. فلا بأس أن نقف ـ على سبيل المثال ـ على الرؤية الظالمة التي تنظر بها الأنظمة الرأسمالية إلى حجاب المرأة وسترها. إن هذه الرؤية إلى المرأة بأن لها الحريّة المطلقة في أن تخرج كيف ما تشاء أمام أنظار الناس وتدخل في مختلف مجالات المجتمع بما طاب لها من زيّ، هو ظلم على المرأة نفسها. لقد أصبحت هذه الثقافة معترف بها في الغرب وهي أن كلّ فرد له أن يحضر في مختلف الأوساط الاجتماعية بما راق له من زيّ ومظهر، وبات الناس جميعا هناك ينظرون إلى هذه الحريّة كحقّ لهم. بينما السفور والتبرّج في حقيقة أمره ظلم على سائر النساء. الفتاة التي تحظى بالحسن والجمال وقد سبقت بجمالها باقي النساء في لفت أنظار الرجال وفتونهم، فهي في الواقع تظلم أولئك النساء اللاتي لم يحظين بجمالها أو قد سُلِب منهنّ لمضيّ عمرهنّ. كما أن هذه الفتاة تمضي في سبيل تفقد فيه جمالها وسوف تأتي فتيات أخريات فيهمشّونها بنفس هذا السلوك الظاهر في ظلمه. في هذه المنافسة الباطلة، تهان كلّ فتاة لم تحظ بهذه المغريات الظاهرية. وإن هذا لأكبر ظلم على النساء.
وكذلك نغمة المساواة بين حقوق المرأة والرجل تمثّل ضربا آخرا من أنواع المظالم التي تمارس بحقّ النساء، ولكن قلّ ما لفتت أنظار الناس لخفائها. كيف تكون نتيجة المساواة بين حقوق المرأة والرجل في شؤون المجتمع، لصالح المرأة، ومن قال بأننا سوف نخدم المرأة ونتفضل عليها فيما لو أنجزنا هذه المساواة؟
إنّ تحليل هذه القضية يقتضي مجالا آخرا ولكن نكتفي هنا بتسليط الضوء على نقطة واحدة. إن المساواة بين حقوق المرأة والرجل في حقيقة أمرها هي سحق فطرة المرأة وغض الطرف عن احتياجاتها ونزعاتها الطبيعية. فهل هي لصالحهنّ؟ إنها تشبه في سخافتها بما لو نادينا بالمساواة بين حقوق الأطفال والكبار، ومن ثمّ نمنح الأطفال جميع حقوق الكبار وامتيازاتهم. فقد لا تبدو مشكلة في هذه المساواة إلى هذا الحدّ من تصوّرها، ولكن ستظهر مشاكلها في ما لو ارتفع مستوى توقعاتنا من الأطفال بدرجة ما نتوقعه من الكبار، فنتوقع منهم أن لا يختلف سلوكهم عن سلوك الكبار، وأن يمارسوا العمل كشأن الكبار، وأن يلتزموا بالآداب الاجتماعية مثلهم، وأن يتعهدوا بجميع العهود والعقود الأسرية والاجتماعية كشأنهم و... فهل هذه المساواة خدمة للأطفال أم خيانة بحقهم؟

يتبع إن شاء الله...



 

رد مع اقتباس
قديم 07-27-2015, 05:06 PM   #18
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 16



إن للطفل اقتضاءاته الفطرية والطبيعية الخاصة به ولابدّ من تلبيتها، فأي مانع وحدّ يوضع في مسار تلبية احتياجاته الطبيعية والفطرية، فإنه في الواقع خيانة له. وكذلك في قضيتنا إن ذكر موضوع المساواة بين حقوق المرأة والرجل، عادة ما لم تسلّط الأضواء على هذه الحقيقة وهي أن المرأة والرجل يختلفان في ماهيتهما، وإن هذه الفوارق الظاهرية بين حقوقهما إنما هي ناشئة من الفوارق الفطرية واقتضاءاتهما الروحية. فإن المساواة بين المرأة والرجل هي بمعنى غض الطرف عن هذه الاقتضاءات الروحية. فهل سَحق فطرة النساء لصالحهنّ؟
أن أكبر ظلم يمارس تجاه النّاس في الغرب، هو «تجاهل كرامتهم» وسوف نقف في الأبحاث القادمة على هذه القضية. على أيّ حال إن النظام الديمقراطي ليس أنه عاجز عن الحيلولة دون نشوء الظلم في النظام التسخيري وحسب، بل إنه ينطوي على بعض المعاملات الظاهرة أو الخفية بظلمها، ولا يبقى بعد داعٍ للالتزام بقيم هذا النظام وأعرافه إن تأمّلنا قليلا في عواقبه السيئة.
وهنا بودّي أن أختم هذا البحث بمسك الختام من كلمات المفسر الكبير للقرآن الكريم، العلامة الطباطبائي (ره). فخلال بحث مفصل حول «الاجتماع» يخوضه العلامة الطباطبائي في ذيل الآية 200 من سورة آل عمران المباركة، يعرّج سماحته على حقيقة الديمقراطية ويعتبرها نفس الديكتاتورية والاستكبار ولكن بمظهر حديث. لقد جئنا هنا بمقطع قصير من كلامه بما لا يغني القارئ الكريم عن مراجعة جميع بحثه في هذا الموضوع: «و من أعظمها (أعظم الفوارق الموجودة بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي) أن هذه المجتمعات لما بنيت على أساس التمتع المادي نفخت في قالبها روح الاستخدام و الاستثمار و هو الاستكبار الإنساني الذي يجعل كل شي‏ء تحت إرادة الإنسان و عمله حتى الإنسان بالنسبة إلى الإنسان، و يبيح له طريق الوصول إليه و التسلط على ما يهواه و يأمله منه لنفسه، و هذا بعينه هو الاستبداد الملوكي في الأعصار السالفة و قد ظهرت في زي الاجتماع المدني على ما هو نصب أعيننا اليوم من مظالم الملل القوية و إجحافاتهم و تحكماتهم بالنسبة إلى الأمم الضعيفة و على ما هو في ذكرنا من أعمالهم المضبوطة في التواريخ».[1]

ضرورة تدخل الله في مراقبة السلطة المركزية

إلى هنا خرجنا بنتيجة أن الناس عاجزون عن مراقبة هذه السلطة المركزية التي تضمن سلامة النظام التسخيري. وبما أن الإنسان غير قادر على مراقبة هذه السلطة المركزية والسيطرة عليها، لم يبق لنا بدّ سوى أن نلجأ إلى الله باعتباره القادر المطلق وخالق الإنسانَ وهذا النظامَ التسخيريَّ المهيمنَ على حياته، ونحاول أن نسيطر على هذه السلطة المركزية ومن ثم نضمن سعادة البشر عن هذا الطريق. نحن قد وصلنا إلى هذه النتيجة عن طريق الرؤية العقلية إلى الموضوع، فاقتضت الضرورة العقلية أن يكون زمام السلطة في المجتمعات البشرية بيد الله سبحانه.
إن الحلّ الذي يقترحه الله سبحانه، في سبيل استقامة النظام التسخيري وعدم انحرافه إلى الظلم، هو اتباع «الولایة». ولكن قبل أن نخوض في موضوع منهج الولاية في إدارة المجتمع، وآلية إدارة المجتمع عبر أسلوب الولاية، لا بأس أن نقف عند أدلّة ضرورة تدخّل الله في مراقبة السلطة المركزية. هناك ثلاثة أدلّة تفرض ضرورة تدخل الله سبحانه وتعالى في عملية مراقبة النظام التسخيري المهيمن على عالم الوجود.

صعوبة الإلمام بجميع التعقيدات في إدارة الناس

إن إدارة الناس وولايتهم من أعقد الأمور، وقد أثبتت التجربة البشرية أن عقل البشر في غاية العجز عن الإلمام بجميع أبعادها وعقدها. إنه ليس بأمر هيّن حتى يستطيع العلماء والمفكّرون أن يجتعوا معا ويرسموا نموذجا يمكّنهم من إدارة الناس والأخذ بأيديهم صوب الكمال. إن ولاية الناس وسبل استخدام تلك السلطة المركزية على الناس في غاية التعقيد، ومن أدرك من تعقيداتها شيئا، سوف يسلّم أمره إلى الله ويقرّ بأن المقام يقتضي أن تأتي سلطة من مقام عِلويّ غير بشريّ فتتصدّى للسيطرة على هذا النظام.
إن حياة الإنسان في غاية التعقيد. فهل بإمكان المنظّرين في المغرب أو المشرق أن يقدّموا نموذجا كاملا لإدارة حياة الإنسان اعتمادا على ما توصلت إليه أفكارهم؟ هل بلغت أعمارنا إلى هذه الدرجة من الرّخص حتى نضعها كفأر المختبر بين يدي التجارب البشرية الناقصة التي تتمخض من نظريات تُستجَدّ وتُستبدَل ولم تلبث إحداهنّ في فترة ثبوتها أياما إلا وتبطلها نظرية أخرى. وأساسا أهمّ دليل على عدم كفاءة التجارب البشرية، هو توالي إبطالها واحدة تلو الأخرى.
لقد تبلورت في زمن ما الشيوعية أو الماركسية على أساس نظريات «كارل ماركس»، وبعد ما حكمت نصف العالم عقودا من الزمن، أعلنت عن إفلاسها. واليوم نحن نشهد احتجاجات شعبية واسعة في مختلف البلدان الغربية ضدّ النظام الرأسمالي تحت عنوان «حركة احتلال وول ستريت» وسوف نرى ـ إن شاء الله ـ عن قريب تنبؤ الإمام الخميني (ره) في اندثار النظام الرأسمالي وانهياره بعد انتهاء شوطه. وباتت تقترب هذه الحقيقة من حين إثباتها بعد ما كانت غريبة لا يميل إليها أحد، وهي أن الرؤية العلمانية الغربية التي تمّ تشييدها على أساس "الأومانية" وأصالة الإنسان وصَحِبتها عناوين تُعرَف بها كالليبراليّة في مجال الفكر والثقافة، والأمبريالية في مجال الاقتصاد، أضحت نظرية مفلسة لم تضمّ بين جنبيها شيئا.

يتبع إن شاء الله ...

[1]. العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 4، ص 123.



 

رد مع اقتباس
قديم 09-23-2015, 10:52 AM   #19
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 17



صعوبة إدارة الناس في مقام العمل

بالإضافة إلى البعد النظري و صعوبة إدراك خفايا قواعد إدارة الناس وقيمومتهم، كذلك الأمر ليس بهيّن في مقام العمل والتنفيذ. فلو كنا قد عرفنا جميع قواعد إدارة الناس عن طريق الوحي، هل بإمكاننا أن نتصدّى لتطبيقها وهل نستطيع أن ندّعي أنّ لنا الكفاءة والقدرة على إدارة أنفسنا؟
لقد ثبت في القسم السابق ضرورة «علم» الإمام وحاكم المجتمع، وهنا تثبت ضرورة «عصمته». لنفرض أننا وقفنا على جميع غوامض أبعاد الإنسان وأحطنا بقواعد إدارته وقيمومته بمدد من الله، أي أدركنا كنه حقيقة العدل والإنصاف مثلا، ولكن هل تطبيق هذه القواعد على أرض الواقع وفي خضمّ إدارة المجتمع أمر هيّن؟ من يستطع أن يطبق العدل بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حتى على نفسه؟ فلا ضمان على تحقق هذا العدل إلّا الضمانات الدينية التي تسدّد وليّ الله وإمام الناس على أن يقيم هذه الأطروحة باستعانة قوّته الروحية.

الضمان على إمكان إدارة الناس

الدليل الثالث على ضرورة تدخل الله في السيطرة على السلطة المركزية هو القداسة التي لا تنفكّ عن «أمر الله». إن هذه القداسة بنفسها تمثل ضمانا على إمكان إدارة الناس وقيمومتهم. يعني أن هذه القداسة هي التي تمهّد الأرضية للحكومة الولائية أن تمارس الحكم وهي التي تمنحها الشرعية. فلو حصل رجل كفوء وقادر على إدارة المجتمع لِما أعطاه الله من القوة الروحيّة العالية، وكان قد أخذ برنامجَه لإدارة المجتمع من الله، يبقى لا يزال محتاجا إلى تدخّل الله في سبيل إمكان حكومته على الناس، وذلك بأن يأمرهم الله باتباعه.
لنضرب مثلا؛ إن التحكيم في ساحة كرة القدم أمر صعب جدا. ومن هذا المنطلق قد وضعت قوانين دقيقة جدا للتحكيم لا يمكن تغييرها بسهولة (العامل الأول). ومن جانب آخر، تطبيق هذه القوانين على الساحة بحاجة إلى حضور حكّام متمّرسين قد جمعت فيهم الإحاطة بالقوانين، والحيادية أثناء التحكيم (العامل الثاني). ولكن إذا لم تكن في البين جهة مركزية عليا تفرض بوجوب إطاعة الحكم في ساحة المباراة، هل يبقى ضمان على تنفيذ أحكام الحَكَم في الساحة. فلابدّ من وجود «اتحاد» قوي لكرة القدم، ليكون ضمانا على تنفيذ جميع القوانين والبرامج (العامل الثالث).
حصيلة الكلام: هناك ثلاث ضرورات تقتضي تدخل الله في السيطرة على السلطة المركزية. بعبارة أخرى، هناك ثلاثة أدلة تحكم بضرورة خضوع المجتمع الإنساني لولاية الله وقيمومته المباشرة أو غير المباشرة. الدليل الأول: هو أن الإنسان معقّد في تركيبته وأبعاده، وعليه فإدارة هذا الإنسان عملية معقدة صعبة جدا، ولا يقوى عليها سوى الله، إذ هو الذي يستطيع أن يضع برنامجا كاملا لإدارة الناس وقيمومتهم لأحاطته بجميع هذه الأبعاد. الدليل الثاني: لابدّ لهذا الإنسان الذي يتصدّى لإدارة المجتمع أن يحمل بتسديد الله بين جنبيه قوة روحية عالية ليكون قادرا على تنفيذ هذه القانون بشكل صحيح. الدليل الثالث: ولا بدّ أن يوجّه الله أمرا للجميع على اتباع وليّه، وإلّا فسوف لا يكون أيّ ضمان على اتباع أمره في المجتمع وفسح المجال لحكومته.

الفصل الثالث: منهج الولاية في فرض القوّة

إن مجمل الأبحاث التي أشير إليها لحدّ الآن قد أوصلتنا إلى هذه النتيجة: بمقتضى النظام التسخيري الذي أحاط بجميع أبعاد حياة الناس، لابدّ من تسلّط بعض الناس على بعض. ومآل هذا التسلّط بطبيعته هو إلى تبلور القوة بين الناس. فهنا قد يطغى بعضهم ويمارسون الظلم والعدوان على الآخرين. ففي سبيل الحيلولة دون هذا الظلم والطغيان الذي قد يؤدّي إليه النظام التسخيري بطبيعة الحال، لابدّ من وجود سلطة مركزية قويّة لتشكّل ضمانا على تطبيق قواعد هذا النظام التسخيري بشكل صحيح، وتؤمّن راحة الحياة المصحوبة بالاطمئنان في خضمّ هذا النظام التسخيري.
لقد وقفنا في الفصل السابق عند ضرورة تدخّل الله سبحانه في عمليّة مراقبة هذه السلطة المركزية. وقلنا هناك: من خلال استقراء تجربة الإنسان في الحكم وإدارة البلاد منذ آلاف السنين، ونظرا إلى الظروف التي نعيشها في عالمنا اليوم، نجد ضرورة تدخّل الله في عمليّة إدارة الناس ليكون هو الحاسم في حلّ أزمات هذا الموضوع. فكما تشاهد أيها القارئ العزيز، لقد جرّتنا مقدمات منطقيّة وعقليّة إلى هذه النتيجة وهي التي ألجأتنا إلى البتّ بضرورة تدخّل الله، فلم ننطلق إلى هذه النتيجة من وحي الأدلّة النقليّة والدينيّة.
على أيّ حال إنّ النموذج الذي يطرحه الله سبحانه لإدارة المجتمع ومراقبة هذا النظام التسخيري هو نموذج «الحكومة الولائيّة». نحن لازلنا لم ندع منهجنا في البحث، فسننطلق لدراسة أساليب الولاية في إدارة المجتمع بالمنظار العقلاني. طبعا باعتبار أنّ «الولاية» هي مفهوم إسلاميّ أو دينيّ، فلا بدّ لنا أن نتطرّق إلى بعض التعاليم الدينية ونستند أحيانا إلى بعض المعارف النقلية، كما قد نشير إلى بعض مصاديق سلوك الإمام الخميني (ره) وسماحة السيد القائد (حفظه الله) في عمليّة إدارة البلد، ولكن سوف نأتي بهذه المصاديق أو المعارف الإسلامية كمؤيّد لما ننتهي إليه عبر دراستنا العقلية في الموضوع، وليس هدفنا الآن في هذه العجالة أن نثبت نظريّة «ولاية الفقيه» أو ندعو لقبولها.
في هذا الفصل ومن أجل التعرّف الأكثر على خصائص الحكومة الولائية، نتطرق بادئ ذي بدء إلى منهج الولاية في استخدام «أدوات القوة»، ثم نذكر أسباب منهج الولاية هذا في استخدام أدوات القوة، وبعد ذلك نعرّج على موضوع علاقة الولاية بـ«استقلال» الناس في إطار شبهة سوف نطرحها، ثم ننهي الموضوع في آخر المطاف بمدى علاقة «الحرية» بالولاية.

يتبع إن شاء الله...


 

رد مع اقتباس
قديم 10-12-2015, 06:40 PM   #20
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 18



استخدام الولاية لأدوات السلطة على نطاق محدود


لابدّ لأي حكومة ومن أجل أن تتسنى لها إدارة شعبها وتحافظ على بقائها أن تستخدم خمس أدوات نسميها «أدوات السلطة». وهي: القوة القهرية والثروة والقانون والإعلام والعمل السياسي. نحن في هذا الفصل سوف نقف عند شأن هذه الأدوات في الحكومة الولائية وندرس نطاق استخدام الوليّ وقائد المجتمع لها. وفي سبيل اتضاح الحدود المعترف بها عند النظام الولائي في استخدام هذه الأدوات، لابدّ لنا أن نقارن أحيانا بين الأنظمة المتمظهرة بالديمقراطية الحاكمة على ما يسمّى بالبلدان المتطورة الغربية.

قبل الخوض في هذا البحث ينبغي أن نؤكد هنا بأن كلّ ما يدعو إلى الفخر والشرف في مفهوم الولاية إنما هو راجع إلى أسلوب الولاية في استخدام هذه الأدوات. يعني لا ندّعي أن الولاية لا تستخدم هذه الأدوات إطلاقا، بل ما ندعيه هو أنها لا تتعاطاها على سبيل الطغيان وبلا نطاق. فمن أجل اتضاح المعنى، لا بأس قبل الخوض في تفاصيل البحث، نلقي نظرة على الآية 112 من سورة هود المباركة التي أشار إليها النبي (ص) بأنها السبب في مشيبه. [1]

في هذه الآية المباركة، أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه بالاستقامة: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَن تَابَ مَعَكَ وَ لَا تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير). إنها في الواقع تبيّن منهج الولاية في عملها وحركتها. يقول الله سبحانه للنبيّه استقم كما أمرت، ومعنى هذه الاستقامة هو أن يكون النبيّ بصدد إكمال العمل الذي شرع به ويعدّ خطّته في سبيل استمرار هذه الحركة ودوامها. ولمن نال شيئا من السلطة هناك مئات الأساليب تتاح له حتى يستعين بها على إبقاء دولته ودوام حكومته، أما في هذه الآية يقول الله سبحانه ليس لك إلا أن تستمرّ على أساس ما أمرتك به.

من أجل اتّضاح المراد من «كما أمرت» افترضوا معلّما مندوبا من قبل وزارة التربية والتعليم إلى إحدى القرى لكي يتكلم مع أبناء القرية ويقنعهم بأي نحو كان على تأسيس مدرسة ودراسة أبنائهم فيها. بطبيعة الحال لم يعبأ به أحد في بادئ الأمر، ويزعم الجميع أنه إذا انشغل أبناؤهم بالدراسة سوف لا يعينونهم في المشاغل والأعمال، وقد يواجهونه بشدّة، ولكنه كان يتعامل معهم بالرأفة والتواضع، وبذلك استطاع أن يأخذ مأخذه في قلوبهم وينشئ المدرسة. وبعد مضيّ نيّف من السنين يبلغ عدد طلابها إلى مئتين طالب مثلا. فافترضوا بعد مضي عشر سنين من حصوله على المنصب والقدرة في تلك القرية، يأتي رجل من قرية أخرى ويبادر بشتمه والاستهزاء به، فإذا واجهه هذا المعلم بنفس تلك الابتسامة التي كان يواجه بها أبناء القرية في أيامه الأولى، فقد اتخذ موقفه بمقتضى «کما أمرت». أما إذا عاف ابتسامته الأولى وراح يواجهه بطريقة أخرى، فإنما قد طغى ولم يعمل بمقتضى «کما أمرت».

وكذلك الأمر بالنسبة للولاية، فلابدّ لها أن تمارس الولاية مثل هذا المعلم. فحتى لو كانت الولاية قادرة على استخدام ما ناشته يدها من أدوات في سبيل تعزيز حكومتها، بيد أنها ملزمة باستخدامها ضمن النطاق المسموح لها من قبل الله، وهو نطاق احترام كرامة الناس. ثم في ذيل هذه الآية يخاطب الله نبيه (ص) وأتباعه بقوله «ومن تاب معك» ويمنعهم من الطغيان؛ «ولا تطغوا»، ما يدلّ على أن قوله «کما أمرت» يحكي عن الاستقامة التي لا يصحبها طغيان.

إن استطعنا أن نجسّد منهج الولاية في إدارة المجتمع لجميع أهل العالم، سوف يتلهّف جميع الناس في مختلف أرجاء العالم إلى هذا المفهوم. وبالمناسبة إن سبب مظلومية جميع أولياء الله على مرّ التاريخ راجع إلى أسلوب استخدامهم لأدوات القوة. و سوف يظهر إمام زماننا (عج) بعد ما يأمن المظلومية بالرغم من استخدامه لأدوات القوة على نطاق محدود.

1ـ القوة القهرية

واحدة من أدوات القوة التي هي في متناول الحكّام ليديروا بها المجتمع هي سياسة القوة واستخدام القوة القهرية. طبعا أصبح هذا الأسلوب اليوم غير ممكن للاستخدام الواسع. اليوم حتى أشرس الطواغيت لم يعد قادرا على استخدام هذه الأداة بلا قيد وحدود. كان استخدام هذا الأسلوب أيسر سابقا. ففي الأزمنة الماضية كان إذا تمرّد أحد على رأي الملك يلقى بيد الجلّاد، أما الآن فباتت هذه الأساليب غير ميسورة. طبعا لا تزال بعض الحكومات تتعاطى هذا الأسلوب بلا أيّ حدّ وقيد حفاظا على أريكتها، أمّا في ما يسمى بالبلدان الديمقراطية الغربية، فلم يعد الاستخدام المطلق لهذا الأسلوب أمرا متعارفا.

ولا شكّ في أن الولاية لن تستخدم هذه الأداة بلا قيد وحدود، كما أن في صدر الإسلام لم يتعاطَ النبيّ (ص) ولا أمير المؤمنين (ع) هذه الأداة على نطاق غير محدود. فباعتبار أن هذا الموضوع ليس محلا للنزاع ولا ينادي به أحد في عالمنا اليوم، نكتفي بذكر مثال واحد عن سيرة حكومة أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

بعد هلاك يزيد، تآمر مروان بن الحکم على «معاوية بن يزيد» واتكأ على أريكة الحكم. وبعد فترة من الزمن وعندما قُتل مروان على يد زوجه، تقلّد الخلافة ابنُه «عبد الملك». فعيّن عبد الملك حجاج بن يوسف الثقفي واليا على العراق. فكانت قد خرجت في تلك الفترة بعض الاحتجاجات ضدّ الحكومة في «رامهرمز»، بيد أن أهل الكوفة لم يكونوا مستعدّين لمواجهة المحتجّين وكانوا قد تخلفوا عن جيش مهلّب ورجعوا إلى الكوفة. فاتّجه الحجّاج صوب الكوفة وارتقى منبر الكوفة منذ وصوله مباشرة فخطب بأهلها وقال: «...إني لأرى رؤوساً قد أينعت و حان قطافها , و إني لأنظر إلى الدماء بين العمائم و اللحى... إن أمير المؤمنين عبد الملك نشر كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرها عوداً و أصلبها مكسراً, فوجهني إليكم...» إلى أن قال: «و الله لتسقيمن على سبيل الحق أو لأدعن لكل رجل منكم شغلاً في جسده أو لأهبرنكمبالسيف هبراً يدع النساء أيامى , و الولدان يتامى...». بعد ثلاثة أيام من خطبته جاءه رجل كبير وقال له: "إني شيخ كبير عليل، وهذا ابني حنظلة وليس في بني تميم رجل أشدّ منه ظهرا وبطشا فإن رأيت أن تخرجه مكاني فافعل». فأمر الحجاج بضرب عنقه فضربوا عنقه. بعد ذلك تطايرت عصاة الجيوش إلى جيش مهلّب ولم يتخلف عنه حتى رجل واحد. شاهد الكلام هو أنه ألم يستطع أمير المؤمنين (ع) أن يستخدم هذا الأسلوب في تجييش الجيش ضدّ معاوية؟ فلا شكّ في أن أمير المؤمنين (ع) كان يعرف نفسية أهل الكوفة جيدا،[2] بيد أن الولاية لا تستخدم أيّة أداة من أدوات القوّة بلا قيد وحدود.

يتبع إن شاء الله...


[1]شرح نهج‌ البلاغة لابن أبي الحدید، ج11، ص213.

[2] حيث قال لهم أمير المؤمنين (ع) في كلام يخاطب فيه أهل الكوفة: «عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم، وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا، وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا، ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف، وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي...» (الاحتجاج، لأحمد بن علي الطبرسي، ج1، ص256)



 

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 12:10 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية