هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التوظيف والتعيين والإست... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 80 ]       »     دورة : مهارات التخطيط المالي و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 63 ]       »     دورة : اساسيات التأمين [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 75 ]       »     دورة : تحليل البيانات والقوائم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 73 ]       »     دورة : السلامة والصحة المهنية ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 70 ]       »     دورة : آليات الرقابة الحديثة و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 112 ]       »     دورة : تكنولوجيا التميز والإبد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 97 ]       »     دورة : القيادة عالية الإنجاز و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : فنون العرض والتقديم وال... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : الإدارة الفعالة للمختبر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 103 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات


العودة   :: منتديات ثار الله الإسلامي :: > الأقــســـام الــعـــامــة > المــنـتـــدى الــعــام

يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
#1  
قديم 07-25-2015, 09:49 AM
الرحيق المختوم
موالي فعال
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل : Jan 2015
 فترة الأقامة : 3353 يوم
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني، للإستاذ بناهيان




بين يديك أيها القارئ الكريم هو ملخص الجلسة الأولى من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران. بدأت بترجمتها من الفارسية لما تنطوي على أبحاث بديعة وراقية جدا. فأسأل الله أن يعينني على إنهاء السلسلة بتمامها ويتقبل العمل بأحسن قبول.


لابدّ أن نحصل على رؤية تجاه النظام القائم في معارف ديننا وإرشاداته


يحتاج الإنسان بين الحين والآخر أن ينظم ويرتّب ذهنه، كما هو الحال في أجهزة الحاسوب حيث نحتاج تارة إلى تعديل ملفاته ومسح بعضها وإعادة تنسيقها وتبويبها. فإذا لم نقم بتنظيم وفهرسة معلومات الجهاز بشكل صحيح، لن نقدر على استخدامها بالشكل المطلوب بطبيعة الحال. وهذا ما يحدث في ذهن الإنسان أيضا؛ حيث إننا نعرف الكثير من المعارف والإرشادات الدينية ولكن ينبغي أن ننظمها في الذهن.

إنّ تبعثر المعلومات في الذهن يسبّب الضياع ويمنعنا من الوصول إلى أيّ هدف مطلوب. فأحد أهدافنا في هذه السلسلة من الجلسات هي أن نبحث عن خيط يلمّ خرز الفضائل والإرشادات والمعارف الدينية في سبحة واحدة. فلولا هذا الخيط لانفرطت خرز هذه السبحة. فلابدّ أن نحصل على رؤية تجاه النظام القائم في معارف ديننا وإرشاداته.


إن تنظيم المعارف الدينية حول محور رئيس واحد، يمكننا من صرف طاقتنا بشكل صحيح، وأن لا نفرط بإمكاناتنا


فإذا استطعنا أن ننظّم جميعَ الإرشادات الدينيّة حول محور رئيسيّ واحد، عند ذلك سوف نعرف في ماذا نصبّ كل طاقتنا. وحينئذ سوف لا نفرّط بوقتنا وإمكاناتنا وسوف نعرف ما يجب الحفاظ عليه ولا شك في أن مثل هذه المراقبة تثمر وتصيب الهدف.

إن كثيرا من المعارف الدينية ولا سيّما المعارف الأخلاقية مبعثرة وغير منظّمة لدى هواتها كما أن أكثر الكتب الأخلاقيّة والمعنويّة لا تعالج هذا التبعثر وأحيانا تزيد في تناثرها وبعثرتها. إن كثيرا من الكتب الأخلاقية تسطّر مجموعة من الفضائل والرذائل الأخلاقية معا بيد أنها لا توضح العلاقة القائمة بينها بشكل دقيق.


بسبب عدم انسجام المعارف الأخلاقية لدى هواة هذه الأبحاث، لا يدرى من أية فضيلة لابدّ أن ننطلق إلى تحصيل الفضائل./ تبعثر المعارف الدينية أحد الدواعي للابتعاد عن الدين


كما أنه بسبب عدم انسجام المعارف الأخلاقية لدى أذهان هواتها، لا يدرى في كثير من الأحيان من أية فضيلة لابدّ أن ننطلق إلى تحصيل الفضائل. وهذا ما يسبب أزمة لدى الإنسان ويجعله في حيرة من أمره. بينما نجد في معارفنا الدينية نظاما تتناسق فيه جميع المعارف، بيد أن عدم إدراك هذا النظام جعلنا نتعامل مع هذه المعارف بضعف أو نعتبر العمل بهذه الأحكام والمعارف أشبه بالمستحيل.

إن أحد أسباب ابتعاد البعض عن الدين هو هذا التبعثر وعدم التناسق الذي شاهدوه في المعارف الإسلامية.

ومن جانب آخر إنّ فهم النظام القائم في المعارف الدينية يبدو ضروريا على من هم بصدد النّشاط الثقافي حتى لا يتحيّرون في أمرهم عند تشخيص الأولويات وتحديد ما يجب تناوله قبل أي موضوع آخر.


إن تنسيق معلوماتنا الدّينيّة في نظام واحد يزيدنا شوقا واندفاعا في حركتنا، ويمكّننا من مراقبة أنفسنا، كما أنه يضمن النتيجة لمراقباتنا


الكلام الأوّل الذي نقف عنده كضرورة هو أننا بصدد تنسيق معارفنا ومعلوماتنا الدينية. فإن هذا التنسيق يعالج مشكلتنا في تحديد الأهداف ويزيدنا شوقا واندفاعا في حركتنا. كما أن هذا النظام يقوينا على مراقبة النفس ويجعل هذه المراقبات مثمرة صائبة.


لابدّ لنا من هذا النظام في سبيل تقييم أنفسنا


إن بعض ما يسببه هذا التشتّت والتبعثر في المعارف هو أن بعض الناس أناس صالحون بيد أنهم في جهل من محاسن وجودهم، وفي المقابل ترى بعض الناس سيئين ولكن يعتبرون أنفسهم صالحين، وهذا ما هو ناتج من عدم انتظام المعارف في أذهان الناس. فنحن بحاجة إلى هذا النظام حتى في سبيل تقييم أنفسنا.


إن فهم هذا النظام ضروري حتى أثناء مناجاتنا مع الله/ فيا ترى من أي نقص نتوب إلى الله؟

إن فهم هذا النظام ضروري حتى أثناء مناجاتنا مع الله، إذ أثناء ما يستغفر الإنسان ويناجي ربه، لابدّ أن يعرف النقص والتقصير الذي ينبغي أن يتوب منه إلى الله. ينبغي للإنسان أن يعرف مرضه كي يبحث عن الدواء ببصيرة وروية.

يتبع إن شاء الله...





رد مع اقتباس
قديم 07-26-2015, 02:55 PM   #2
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.1



إن جهاد النفس هو ذاك الخيط الرابط بين خرز الفضائل كلّها/ إن خط العمل في ديننا هو جهاد النفس

لقد استخدم نبينا الأعظم(ص) عبارة لجهاد النفس بودّي أن أستخدمها في مقام التعريف بموضوع بحثنا. إن الجهاد في سبيل الله من أهمّ الأعمال وأروعها وواحدة من النتائج التي قد يصل إليها الإنسان أثناء الجهاد هي الشهادة في سبيل الله وما تشتمل عليه من أجواء الحبّ والعشق. ولكن أثناء ما كان يرجع الرسول الأعظم(ص) من مثل هذا الجهاد، عبّر عن الجهاد وما ينطوي عليه من شهادة وتضحية وفداء بالجهاد الأصغر ثم حرّض المسلمين بالخوض في الجهاد الأكبر. إذن موضوع كلامنا في هذه الأبحاث هو «جهاد النفس» الذي أعتبره الخيط الرابط بين خرز الفضائل برمّتها. هذه هي الاستراتيجية الرئيسة في التربية الدينية وسوف نتناولها بالبحث والنقاش وندرس ماهيتها وكيفيتها بالتفصيل إن شاء الله.

إن مدى قيمة كل امرء هو بمقدار اهتمامه بجهاد النفس/ مدى تلوّث الإنسان مرتبط بمقدار أخطائه في عملية جهاد النفس

إن الموضوع الرئيس في التربية الدينية هو جهاد النفس؛ لا مواضيع أخرى كالحسد والتكبر والخمول والحرص والحسرة والصدق والرأفة وغيرها من فضائل ورذائل. طبعا من المؤكد أن قد تبادرت في أذهانكم بعض الأسئلة والاستفسارات عن سبب هذا التحديد. فلعلكم تسألون إذن ما هو شأن الولاية مع ما تشتمل عليه من أهيمة بالغة؟ ولماذا لم نستبدل جهاد النفس بالعبادة ولم نقل أن هذا الخيط يتمثل بالعبادة؟
فسوف نبحث ذلك في جلسات طويلة ونشير إلى موقع كل من العبادة والولاية وبعض الفضائل المهمة في المنظومة الدينية. ولكن إن خط العمل في التربية الدينية هو محاربة الأميال النفسانية. إن مدى قيمة كل امرء هو بمقدار اهتمامه بجهاد النفس. وفي المقابل يرتبط مدى تلوّثه بالذنوب والرذائل بمقدار أخطائه في عملية جهاد النفس. هذا هو المعيار المهم في تقييم الناس فلا يمكن تقييمهم من خلال مدى صدقهم وكذبهم ومدى تواضعهم وكبرهم وحسب، بل يتمّ ذلك من خلال ميزان جهاده أو تبعيته لنفسه. فإن فشل أحد في عملية جهاد النفس، سوف يظهر فشله في ظهور بعض الرذائل كالحسد والكبر والحرص وغيرها. وإذا نجح الإنسان في عملية جهاد النفس، سوف يظهر بعض هذا النجاح في التزامه بأوقات الصلاة ويظهر بعضه في أخلاقه الطيبة مع الآخرين، وهكذا يظهر في باقي الفضائل والمحاسن.

ما هي العلاقة بين شهر رمضان وموضوع جهاد النفس؟

بإمكاننا أن نتحدث عدة جلسات لنبيّن ما هي العلاقة بين شهر رمضان وموضوع جهاد النفس، وهل من المناسب أن نطرح هذا الموضوع في هذا الشهر أم لا؟ ولكني أكتفي بنقل كلمة للإمام الخميني(ره) حيث إنكم تودّونه وتعتقدون به وأعفيكم عن استماع عدة جلسات في سبيل إثبات شدة الترابط بين موضوع جهاد النفس وشهر رمضان.
لقد قال الإمام الخميني(ره): «كلكم ضيوف الله، والضيافة بالترك. فإن كانت في الإنسان ذرة من هوى النفس، فهو لم يدخل في هذه الضيافة وإن دخلها فلم يستفد من هذه الضيافة.» ثم أضيفوا كلام الإمام هذا إلى حكمة النبي سليمان بن داوود (ع) حيث قال: «إِنَّ الْغَالِبَ لِهَوَاهُ أَشَدُّ مِنَ الَّذِي يَفْتَحُ‏ الْمَدِينَةَ وَحْدَه‏».[مجموعة ورام/ ج1/ ص60] فاعرف أنت مدى صعوبة الطريق أمامنا. ولا شك بأننا لا نريد أن نحرم من بركات هذا الشهر.
ثم يضيف الإمام ويقول: «كل هذه الجعجعة التي تشاهدونها في العالم فهي لعدم انتفاع الناس بهذه الضيافة، وعدم دخولهم في هذه الضيافة، وعدم تلبيتهم لدعوة الله».

القواسم المشتركة بين الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر:

النورانية والأجواء المعنوية/ في أجواء الجهاد الأكبر نستطيع أن نعيش نفس تلك الأجواء المعنوية والروحانية التي كان يعيشها المجاهدون في أيام الدفاع المقدس

نفس الأجواء الممتعة والجميلة التي يعيشها المجاهدون في الجهاد الأصغر، يمكن أن نعيشها في الجهاد الأكبر وفي خضمّ محاربة النفس. حتى أن الصفاء والجمال الذي يشتمل عليه أجواء الجهاد الأكبر هي أكبر وألصق بالفؤاد من أجواء الجهاد الأصغر. نحن نستطيع في أجواء الجهاد الأكبر أن نعيش نفس تلك الأجواء المعنوية والروحانية التي كان يعيشها المجاهدون في أيام الدفاع المقدس. حتى أن في خضم الجهاد الأكبر نستطيع أن نعيش أجواء أكثر معنوية ونورانية. وأنتم تعلمون أن الإمام الخميني(ره) هذا الرجل العظيم الذي قامت هذه الثورة المباركة والعظيمة على أكتافه وببركة وجوده، وتربّى آلاف الشهداء تحت ظله، إنما كان بطلا في ساحة الجهاد الأكبر.
وأنا أتألم عندما أرى بعض الإخوة من المجاهدين يتحدثون بتحسر عن أيام الجبهة ومعنوياتها وروحانياتها وكأنه ذهبت تلك الأيام ولا فرصة بعد لهذا الجيل حتى يعيش الروحانية والأجواء المعنوية. فهذا كلام باطل من أسره؛ إذ لم يمنع الله نعمه عن عباده ولا يظلم أحدا بل يضاعف نعمه على عباده. فإن هذه الفرصة التي أعطاها الله للجميع في ساحة الجهاد الأكبر أثمن بكثير من فرصة الجهاد الأصغر.
في أجواء الجهاد الأصغر كنا نشعر بمحبة الله ولطفه بعد ما كنا نضحي بأنفسنا وأموالنا، أما في الجهاد الأكبر وبعد ما نضحي بأميالنا وأهوائنا، نشعر بمزيد من رضا الله ولطفه ونكسب نورا أقوى من النور الذي نكسبه في أجواء الجهاد الأصغر.


 

رد مع اقتباس
قديم 07-27-2015, 04:52 PM   #3
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3.1



الشعور بخطر العدو/ لابد من رصد العدو في الجهاد الأكبر كما هو الحال في الجهاد الأصغر، لكي تتمكن من مراقبة نفسك وتستعين بربك

القاسم المشترك الآخر بين الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر هو تواجد العدو، والخطر الذي يهددنا من جانبه. فعندما تشعر بوجود العدو في الجهاد الأصغر وتلتفت إلى الخطر الذي يهددك من جانبه، تلتجأ إلى الله وتشعر بالروحانية والمعنوية حينئذ. وكذلك الحال في الجهاد الأكبر حيث لابد لك أن ترى العدو فيه كي تتمكن من مراقبة نفسك وتستعين بربك.
فقد قال رسول الله(ص): «أَعْدَى عَدُوِّکَ نَفْسُکَ‏ الَّتِی بَیْنَ‏ جَنْبَیْک»[عدة الداعي/ص314]. وفي المقابل إن العدو الخارجي في الجهاد الأكبر وهو الشيطان الرجيم يبدو ضعيفا من خلال آيات القرآن؛ (إِنَّ کَیْدَ الشَّیْطانِ کانَ ضَعیفاً)[نساء/76] ولكن لابدّ من أخذه على مأخذ الجدّ.

صعوبة العمل والحاجة إلى الشجاعة/ إن الشجاعة التي يحتاجها الإنسان في الجهاد الأكبر أكثر من الشجاعة التي يحتاجها في الجهاد الأصغر

كلا الجهادين الأكبر والأصغر هي من الأعمال الشاقة والتي تحتاج إلى شجاعة. وأقسم بالله إن الشجاعة التي يحتاجها الإنسان في الجهاد الأكبر أكثر من الشجاعة التي يحتاجها في الجهاد الأصغر. إن خوف فقدان «اللذة» وخوف فقدان «الجاه والسمعة» وخوف فقدان «الفرصة»، يترك أثره السلبيّ على شجاعة الإنسان وهذه هي من مصاعب الجهاد الأكبر. إنه لجهاد أكبر حقا.
وأولئك الذين خاضوا في ساحة الجهاد الأكبر ونجحوا في هذا الميدان، ينظرون إلى ساحة الجهاد الأصغر كما ننظر نحن إلى المقبلات فلا نهتمّ بالمقبلات كما نهتمّ بالطعام الرئيسي في المائدة. وكذلك حال الإنسان المحترف في ساحة الجهاد الأكبر، فإنه بكل سهولة ينزل إلى ميدان الجهاد الأصغر ولا يبالي.
ينقل عن الإمام الخميني(ره) أنه ارتقى المنبر في أيّام شبابه وألقى محاضرة جيّدة. فاستحسن الحضور محاضرته ومدحوه. بعد ذلك امتنع الإمام عن إلقاء المحاضرات لمدّة أربع سنين عقابا لنفسه بعد أن وجدها طربت لمدح الآخرين وانتعشت لثنائهم. بينما نحن إن نحصل على مثل هذا المدح نزداد اندفاعا ونعتبره علامة النجاح والتوفيق في العمل. فانظر مدى الفارق الكبير بين الإمام وبيننا. طيب لماذا ينبغي أن نخالف نفوسنا بهذه الشدة؟ فهذا ما سوف نتناوله في الأبحاث القادمة إن شاء الله.

عشق الله وحبّ الآخرة/ إن الاهتمام بالله وبالآخرة في الجهاد الأكبر أكثر من الجهاد الأصغر

لقد قال الإمام الخميني(ره) أن القوات التعبئة هي مدرسة العشق وكان يؤكد سماحته على عشق الله وحبّه في موسم الجهاد الأصغر وأيّام الدفاع المقدس. ولكن يزداد هذا الاهتمام بالله وبالآخرة في الجهاد الأكبر. فالذي كان يعشق ربه في الجهاد الأصغر ويبكي من فراقه ويناجي الله شوقا إلى لقائه، سيزداد شعورا بهذا الحب والعشق في خضم الجهاد الأكبر.
لقد روي عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي وَ عَظَمَتِي وَ بَهَائِي وَ عُلُوِّ ارْتِفَاعِي لَایُؤْثِرُ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ‏ هَوَایَ‏ عَلى‏ هَوَاهُ فِی شَیْ‏ءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْیَا إِلَّا جَعَلْتُ غِنَاهُ فِی نَفْسِهِ، وَ هِمَّتَهُ فِی آخِرَتِهِ و و ضَمَّنتُ السَّماواتِ و الأرضَ رِزقَهُ، و کُنتُ لَهُ مِن وَراءِ تِجارَةِ کُلِّ تاجِرٍ»[الكافي/ج2/ ص137] وقد رويت هذه الرواية بتعابير مشابهة عن غيره من أئمة أهل البيت(ع).
ولا يخفى عليكم بأني قضيت ثلاثين سنة من عمري في دراسة القضايا الأخلاقية وبودي أن أقدم لكم تقريرا عن نتيجة ما حصلت عليه في هذه السنين الثلاثين في ثلاثين ليلة في شهر رمضان هذا. ولكني أعترف أمامكم بأني لم أفهم هذا الحديث إلى الآن وكلما قرأته طوال هذه السنين الطويلة شعرت بأني لم أفهم مغزى هذا الحديث جيدا.
والعجيب هو أن الشرط في كسب هذه البركات هو أن يؤثر الإنسان هوى الله على هواه في أمر واحد وقضية واحدة لا في حياته كلّها؛ «فِی شَیْ‏ءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْیَا». ومعنى هذا الحديث هو أنّ كلّ الأعمال الصالحة التي قمنا بها واعتبرناها من مصاديق جهاد النفس وإيثار هوى الله على هوى نفسنا فهي ليست كذلك ولا قيمة لها بحيث تؤول إلى تلك النتيجة المباركة المذكورة في الرواية.
فيبدو ـ والله العالم ـ أننا انتقينا الأعمال الصالحة التي تنسجم مع أهوائنا وقمنا بها، فلم نؤثر هوى الله على هوى نفسنا بالشكل الصحيح حتى لمرة واحدة.
سوف نتناول هذا الموضوع في الجلسات القادمة إن شاء الله وهو أن لماذا نحن بأمس الحاجة إلى محبة أهل البيت. طبعا أنا في الليلة الأخيرة وبعد ما وقفنا عند الموضوع ساعات طوال، سوف أقول لكم كلمة بودي أن أقولها في هذه الليلة الأولى. وهو أن ليس شيء يعين الإنسان على غلبة هواه بقدر حبّ أهل البيت(ع). فإن هذا العامل أقوى العوامل وأجدرها بنصرك على نفسك. وسوف نلتقى غدا يوم القيامة بالتأكيد ونرى صحة ما قلته لكم.

صلى الله عليك يا فاطمة الزهراء

ولكن اسمحوا لي أن أقول لكم أن في تلك اللحظات التي كان الشباب يقلعون فيها من كل التعلقات والأواصر عشقا بالشهادة ولقاء الله، كانوا ينطلقون بعدما يسمعون مصائب الزهراء(س) فكانوا يذهبون نصرة للزهراء وانتقاما من أعدائها.
فإنك في تلك اللحظات التي تتدرب فيها على حبّ أهل البيت(ع) وتحاول أن تزداد حبّا لهم، تكسب اللياقة والكفاءة اللازمة لاستلام نصرتهم ومعونتهم عند الحملة في الجهاد الأكبر، كما كان المجهادون يستعدون للحملات بذكر أهل البيت(ع).
وأولئك الذين عاشوا أيام البجهة وأيام الدفاع المقدس يعرفون جيدا أن ليس أحد من المعصومين قد نصر المجاهدين بقدر فاطمة الزهراء(س). فلنستفتح حملتنا ضد أهواء النفس في أول ليلة من شهر رمضان بذكر الزهراء(س).


 

رد مع اقتباس
قديم 07-29-2015, 03:19 PM   #4
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.2



إليك ملخص الجلسة الثانية من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

غربة مفهوم «الجهاد الأكبر» في معرفة الإنسان/ لا فائدة لمعرفة الإنسان واختياره بدون «الجهاد الأكبر»

في مقام الإجابة عن سؤال «ما الفرق بين الإنسان والحيوان؟» عادة ما تسلّط الأضواء على كون الإنسان يشتمل على العقل والمعرفة والإرادة والاخيار دون الحيوان. أما السؤال الأهم هو أنّ ما الفائدة من هذه الخصائص كالإرادة والاختيار والمعرفة التي تميّز بها الإنسان عن «الحيوان» و «المَلَك» وتفضّل عليهما؟ ولماذا حظينا بالمعرفة والإرادة والاختيار؟
إن «المعرفة» و«الإرادة» من المفاهيم المشهورة جدا في حياة الإنسان. ولكن هناك مفهوم آخر مهمّش وغريب، ولولاه لم تبق فائدة للمعرفة والاختيار وهو «الجهاد الأكبر».
إن الجهاد الأكبر مفهوم غريب وعادة ما يهمّش في معرفة الإنسان وتعريفه. فيا ترى لماذا حظينا بالإرادة والاختيار وما ينبغي أن نختار بها؟ فهل أن موقعنا سواء بالنسبة إلى مختلف الخيارات؟ ولماذا يحظى اختيار الإنسان بقيمة وثمن؟ وهل عملية اختيار الإنسان أمر تابع للصدفة؟

إن قيمة اختيار الإنسان تابعة لاختياره ما يكره، وإلا فلا يفرق حينئذ عن اختيار الحيوان

إن لم تؤخذ نزعات الإنسان بعين الاعتبار، يصبح «حرية اختيار» الإنسان مفهوما مضحكا لا معنى له. فإن نزعات الإنسان ورغباته هي التي تحدد نسبة الإنسان تجاه مختلف خياراته، ولن يكون اختيار الإنسان قيّما إلا إذا اختار ما يكره وما لا يحبّ، وإلا فلا فرق حينئذ بين اختياره وبين اختيار الحيوان.

الإنسان موجود خلق من أجل مجاهدة أهوائه

الإنسان موجود خلق من أجل مجاهدة أهوائه، وإلا فتبقى مواهب الإنسان كاختياره وحريته ومعرفته مواهب بلا فائدة. إن هوية الإنسان وذاته والأساس في تعريفه هو أن يجاهد رغباته وأهواءه. وأنا لا أدري لماذا لا يؤخذ جهاد النفس في مقام تعريف الإنسان وبيان أحد مقوّمات ذات الإنسان.

إنّ مصداقية معرفة الإنسان واختياره لا تكون إلا بعد أن كان الإنسان يميل إلى كلا الطرفين من خياراته

لو لم يكن لدى الإنسان ميل إلى أيّ مفردة من الخيارات الممكنة، لما بقت مصداقية لاختياره وحريّته. فهو عندئذ كالخروف إذا خيّرته بين مفهومي السعادة والشقاء لا يميل إلى أي واحد من خياراته. ولو كان الإنسان يميل إلى أحد أطراف الخيارات، دون الخيار المقابل، لجرى نفس الكلام أيضا في انتفاء الاختيار عن الإنسان. وسوف يكون شأنه كشأن الخروف أيضا فإنك أن خيّرته بين أكل العشب أو أكل الحديد لن يختار الحديد أبدا بل يختار العشب دون أي ترديد. فلا تكون مصداقيّة لمعرفة الإنسان واختياره إلا بعد أن كان الإنسان يميل إلى كلا الطرفين من خياراته. وفي مثل هذا الاختيار تتبلور كرامة الإنسان. ففي الواقع إن الإنسان عادة ما يختار خياره المفضّل من بين مجموعة من الرغائب والمطلوبات.
السؤال الآخر هو أن كيف يجب أن تكون نسبة هذه الأميال والرغائب مع بعض لكي يتحقق الاختيار ويكون ذا قيمة؟ فإذا كانت هذه الرغائب والأميال المختلفة تستهوينا وتجرّنا إلى نفسها بشكل مساوٍ بلا أن يكون أحدهم أقوى جذابية من غيره، تبقى المشكلة على حالها ولم يتحقق الاختيار ويبقى الإنسان بلا فارق يفرقه عن الحيوان. كما إذا كان ميلنا إلى أحد أطراف الرغائب أكثر من غيره، سنختاره دائما بطبيعة الحال وسينتفي الاختيار كذلك.

إن أطروحة الله سبحانه وتعالى لتحقق اختيار الإنسان هو جعل «الرغائب القيّمة الخفيّة» في مقابل «الرغائب غير القيّمة الظّاهرة»

لقد أعدّ الله سبحانه وتعالى نظاما لطيفا جدا لتحقق اختيار الإنسان، وهو أن قد جعل للإنسان نوعين من الرغائب، قسم منها أعمق وأمتن وأقوى وأكثر قيمة ولكنها أخفى، وقسم آخر سطحيّة وأقل قيمة وأخفّ وأقلّ لذة ولكنّها أجلى وأوضح. وهنا يتبلور الاختيار وهو أن تمرّ مرور الكرام من رغباتك الجليّة السطحية وتشتغل برغباتك العميقة والقيّمة الكامنة. وهذه هي نقطة انطلاق الإنسان في حركته الإنسانيّة وهنا تتبلور هويته الإنسانية وأساسا هذه هي فلسفة وجود الإنسان.

يتبع إن شاء الله...


 
التعديل الأخير تم بواسطة الرحيق المختوم ; 07-29-2015 الساعة 03:22 PM

رد مع اقتباس
قديم 08-09-2015, 02:56 PM   #5
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.2



«هوى النّفس» هي رغبات الإنسان السطحية والدانية
لا يتحقق الاختيار إلا في هذه الحالة وهي أن يغضّ الإنسان طرفه عن إحدى رغباته الدانية والمجرّبة والملموسة والسطحيّة، ثم يركن إلى إحدى رغباته العميقة. فإن هذه الرغائب الدانية والسطحية هي ما يسمّى بهوى النفس.
إن فلسفة خلقك كإنسان هي أن تختار من بين هاتين الرغبتين. إن هاتين الرغبتين ليست سواء وإلا لبقيتَ متحيرا بينهما. ثم إنها رغبتان وليست رغبة واحدة، وإلا لما كان للاختيار قيمة وثمن. ثم إن إحداهما أثقل وألصق بالفؤاد، فهي تأمّن عشقك وما تهواه، وتبعث في قلبك هيجانا وحماسا، ثم تمتعك بلذة أمتع، وتنفعك بمصلحة أكبر، كما أنها تهديك إلى رشدك وتشعر بالسعادة في أجوائها، ولكنها خفيّة كامنة، بل تهلك حتى تكشف هذه العلائق الكامنة. وفي مقابل هذه الرغبة هناك رغبة لا قيمة لها وسطحية، تجدها في نفسك بسرعة وتستطيع أن تجربها أو تعيشها بأسرع ما يكون.
لقد خلق الإنسان لهذا الأمر وحسب. ومن أجله أعطي المعرفة ومن أجله منح الاختيار ومن أجله حظي بالإرادة ومن أجله أعطي الحريّة. هذا هو معنى الإنسان الذي يشتمل على نوعين من الرغبات؛ الرغبات الدانية وهي «هوى النفس»، والرغبات العالية وهي «النزعات الفطرية».
لقد قال الإمام الخميني(ره) في خصوص التجافي عن العلائق السطحيّة والركون إلى العلائق العميقة: «كل شيء منّا وراجع إلينا وهو رد فعل لنا. لابد أن ننتبه جميعا إلى أن آفة الإنسان هي هوى نفسه، وهي موجودة في الجميع ومستقاة من فطرة التوحيد، حيث إن الفطرة هي فطرة التوحيد وفطرة الميل إلى الكمال. فإن الإنسان يطلب الكمال المطلق وهو لا يدري. يزعم أنه يطلب الجاه ولكن بعد أن وصل إليه يشعر بأنه ليس ذاك الأمر الذي يطلبه. فلو جمعوا العالم بأسره وأعطوه للإنسان لن يقنع. تلاحظون أن القوى التي تحظى بقوة عالية هم أكثر طلبا لها، وأكثر سعيا لتنمية قدرتهم. فإنهم لو سيطروا على الفضاء والبحار والأرض والسماء لن يقنعوا. فإن لم يسيطر الإنسان على نفسه، سوف يقضي عليه جموحه الذي لا حدّ له. لابدّ من صدّ هذا الجموح والسيطرة على النفس... والأهواء النفسانية التي هي مصدر كل أنواع هذا الفساد». [صحيفه امام/ج19/ص376].
ناجو ربكم ـ أعزائي ـ في جوف الليل ولتكن مناجاتكم بتفكّر؛ (يَتَفَكَّرُونَ في‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْض). إن بعض المؤمنين ليسوا من أهل التفكر، بل قد اكتفوا بالتمتع بمناجاة ربّهم وهذه ليست بحالة جيدة أبدا. أنا لا أريد أن أتكلم بكلمة جارحة لبعض الإخوة المتدينين الذين قد يعيشون أجواء روحانية ومعنوية في عباداتهم ولكنهم لم يتعودوا على التفكّر.
قد يتبادر في ذهن بعض الإخوة أن أين تناسب هذه الأبحاث النظرية الفكرية مع ليالي شهر رمضان ولا سيما أول ليلة جمعة من شهر رمضان ونحن جئنا لنستمع ما يعيننا على تجربة أجواء معنوية وروحية مع الله، فما هذه الأبحاث؟! فأقول لهم: حاولوا أن تبكوا وتسكبوا الدموع بهذه الأبحاث. فإن «أولي الألباب» الذين تتحدث عنهم الآية، (يَتَفَكَّرُونَ في‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْض) ثم يخرجون بنتيجة رائعة بعد تفكّرهم هذا فيقولون: (ِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلا سُبحانَك) فإنك لم تخلق العالم باطلا ولم تخلقنا عبثا، بل خلقتنا لنجاهد هوانا ومن أجل هذا الجهاد قد أعطيتنا الاختيار والمعرفة وكرامة الإنسانية. ولولا ذلك لكنّا كالبهائم، أو كنا كالملائكة لا نجاهد أنفسنا. ثم يقولون: (سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّار)[آل عمران/191]. فيا له من طريق رائع يسلكونه بتفكرهم في جوف الليل!

لقد خلق الإنسان لكي يتجافى عن رغباته السطحية

لقد خلق الإنسان لكي يتجافى عن رغباته السطحية. لابد أن نضع هذه الرغبات السطحية على جانب. فإن وراء هذه الرغبات السطحية شيء آخر لابدّ من كشفه. فعلى سبيل المثال قد تكون حاجتك السطحيّة هي أن تملك بيتا، بيد أن الحاجة العميقة التي وراءها هي لقاء الله. فلابد من كشف تلك الرغبات الكامنة. إن إنسانية الإنسان بمجاهدة هذه العلائق السطحية، ولكن لابد أن تكون هذه المجاهدة ضمن برنامج صحيح. فإن أراد الإنسان برنامجا لجهاد النفس، ندعوه إلى الإسلام فقد أعطى الإسلام هذا البرنامج.
التقيت ذات يوم في بيتي بأحد أساتذة الجامعة الفرنسيين الذي كان أصله من الجزائر وكان مديرا متقاعدا في اليونسكو، فدار بيننا حديث إلى أن قال لي: هل تعلم متى يدخل الفرنسيون في دين الإسلام، وما هو موسم إسلامهم هناك؟ فقلت له: لا أدري. فقال: في شهر رمضان! ثم ذكر السبب قائلا: لأن في شهر رمضان يشاهدون المسلمين لا يشربون ولا يأكلون بالرغم من عطشهم وجوعهم، فيستحسنون هذا الدين ويميلون إليه. فكأنهم يقولون بلسان حالهم: نريد أن ندخل في هذا الدين كي لا نأكل كما تعتلف البهائم. فإذا أكلنا وشربنا ما طاب لنا كل حين، نشعر كأنما أصبحنا كالحيوانات. ونشعر بأنك أيها المسلم إنسان لأنك لا تأكل وتشرب كل ما طاب لك واشتهيتَه. فإن هذا الجهاد بحد ذاته هو من اللقطات الجميلة والرائعة في العالم ولهذا استهوت الكثير من الفرنسيين غير المسلمين ودعتهم إلى الإسلام.

يتبع إن شاء الله...


 

رد مع اقتباس
قديم 09-21-2015, 09:01 AM   #6
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3.2



الأساليب المتعارفة في كتابة القصص والروايات غير إنسانية

ولكن في مقابل هذه الحقيقة الجميلة، تجد أن قالب القصص والروايات والأسلوب المتعارف في كتابتها قائم على أساس مشتهيات بطل القصّة، ثم تكتب أحداث القصّة ومنعطفاتها ليرى المشاهد أو القارئ متى يصل بطل القصّة إلى أمنيته ومراده، فهل سينال ما رامه أم سيرجع خائبا. فإن مثل هذه القصّة تعيسة وغير إنسانية من أصلها، فكيف تريد أن تجعلها قصة إسلامية؟! هل يمكن لهذه القصّة التي قامت أركانها على أهواء بطلها ومثابرته من أجل ما يهواه أن تصبح قصّة إسلامية إنسانيّة بمجرد تطعيمها ببعض المظاهر أو الأفعال الإسلاميّة؟! وهل تصبح هذه القصّة إسلامية إذا صحبناها بصوت أذان أو قبّة مسجد؟!

إذا تجافينا عن الرغبات الواضحة وركنّا إلى العلائق الخفية فقد تحقق بهذا «الجهاد الأكبر»

إنما يتحقق الاختيار عندما تكون بين خيارين، أحدهما أثمن وأكثر قيمة ولكنه أخفى من نظيره، والآخر أقل قيمة ولكنه أجلى وأوضح من نظيره. فإنك إن مررت مرور الكرام عن الرغبة الواضحة وصولا إلى الرغبة الخفيّة فقد حققت الجهاد الأكبر وجهاد النفس الذي هو خيط سبحة جميع الفضائل والمكارم. يقول أمير المؤمنين(ع): «نِظَامُ‏ الدِّینِ‏ مُخَالَفَةُ الْهَوَى»(غررالحکم/حدیث32) وقال في مجال آخر: «رَأْسُ الدِّینِ مُخَالَفَةُ الْهَوَى‏» (غررالحکم/حدیث35)
وقد قال النبي الأعظم(ص) حول أبواب جهنم: «...وَ عَلَى الْبَابِ الْخَامِسِ مَکْتُوب: لَا تَتَّبِعِ‏ الْهَوَى‏ فَالْهَوَى‏ مُجَانِبُ الْإِیمَان»(الروضة في فضائل أمیر المؤمنین(ع)/ص177)

إن جهاد النفس أمر عسير

طبعا إن جهاد النفس أمر عسير. فقد جاء في الحديث القدسي: «یَمُوتُ النَّاسُ مَرَّةً وَ یَمُوتُ‏ أَحَدُهُمْ‏ فِی‏ کُلِ‏ یَوْمٍ‏ سَبْعِینَ مَرَّةً مِنْ مُجَاهَدَةِ أَنْفُسِهِمْ وَ مُخَالَفَةِ هَوَاهُم» (میزان الحکمة/الحديث 2916)‏.
كم مرة متّ اليوم؟! فإن قلت: كانت الأوضاع ماشية، فلم تمش الأوضاع على مرامك، بل كنت أنت تمشي على ما تهواه نفسك. أو لعلك كنت منسابا مع الدنيا وتيّاراتها. ولعلك تقول: لم أعثر اليوم على مواطن جهاد النفس، مع أني لم أرتكب ذنبا ولم أترك واجبا... وهذا يعني أنك لم تستطع أن تجد مواطن جهاد النفس من شدّة استئناسك بنفسك وأهوائك. فلابدّ أن تفتش عنها وتنقب بين دفائن وجودك لتجدها، إذ لم تُظهر نفسُك الأمارة نفسَها دائما، فلابدّ من التنقيب عنها وكشفها. فهل زعمت أن أرباب جهاد النفس الذين يموتون في اليوم الواحد سبعين مرّة، هم أناس ملوثون إلى هذا الحدّ حيث يشتهون الفجور والذنوب سبعين مرة في اليوم؟! كلا! بل إنهم يبحثون عن خفايا أهوائهم ويحاربونها؛ تلك الأهواء التي استأنسنا بها نحن واعتدنا عليها وألفناها. بيد أنه يذهب مفتشا عنها غير منفكّ عن محاربتها.

خطة الله سبحانه في تسهيل عملية جهاد النفس

ماذا يمكن أن يقوم به الله سبحانه لتسهيل عملية جهاد النفس علينا؟ لا بأس أن تتأملوا في هذا الموضوع وسوف أطرح في الجلسات القادمة بعض الأساليب التي يستخدمها الله تعالى لتعبيد طريق جهاد النفس لسالكيه.
ولكن أروع الطرق وأكثرها تأثيرا وكفاءة وألصقها بالفؤاد هو أن يُظهر لنا واحدة من تلك الرغبات الفطريّة الخفيّة ويفعّلها ثم يقول لنا: تنحّ عن رغباتك الدانية والرخيصة بحبّ هذا الحبيب الغالي الذي كان حبّه كامنا في زمرة سائر رغباتك الفطرية الخفيّة. فلا سبيل في هذا العالم إلا حبّ أولياء الله. ومع أن حبّ أولياء الله حبّ مشهود وظاهر، وتجد في نفسك هذا الحبّ بكلّ وضوح، حيث تشعر بحرارتها في حرم الإمام الرضا(ع) وعندما تزور الحسين(ع) لا تريد أن تخرج ويضيق صدرك شوقا عندما ترجع من كربلاء الحسين(ع).
سيدي يا أبا عبد الله! انظر إلى هوانا هذا حين نهواك، فإنه الحبّ والهوى الوحيد الذي في غاية الحسن والروعة بالرغم من ظهورة. إن الله سبحانه قد أظهر لنا بعض النزعات الفطرية ليأخذ بأيدينا ويهدينا بحافزها وطاقتها، ولكن من أروعها هو حبّ أهل البيت(ع). فما أن تتردد على حرم الحسين(ع) برجلك أو بقلبك تتعلق به وتعجز عن وصف مدى حبك للحسين(ع). ثم تحضر مجالس الوعظ والذكر منتظرا نعي الخطيب على الحسين(ع). ولعلك تبتهج بحلول شهر رمضان لكونه يعطيك الفرصة الكافية لاستماع مصائب الحسين(ع) لمدة ثلاثين ليلة متتالية. ولعل هذه الفرصة الرائعة هي إحدى علامات رحمة هذا الشهر المبارك للناس، إذ أن الحسين(ع) هو رحمة الله الواسعة.
إن هذه الليلة هي أول ليلة جمعة من شهر رمضان فيا ليتنا كنا نقضيها في كربلاء؛ في ذاك الحرم العظيم وبجوار تلك الأجساد المرملة بالدماء وتلك الأجساد المقطعة التي لا تزال مدماة بدم عبيط. عندما يتوجه جمع من الموالين إلى حرم سيد الشهداء، كأنه يعبق المكان بعطر حرم الحسين(ع)، ويزدهر المكان بنور الحسين(ع).
ماذا تفعل يا موالي إن ضاق صدرك لهفة إلى سيد الشهداء(ع)؟ فلعلك تذهب إلى مجلس من مجالس الحسين(ع) لتستمع مصائبه وتبكي عليه، أما العقيلة زينب فكلما كانت تشتاق إلى أخيها الحسين(ع) كانت تنحّي قليلا من ستار المحمل، لترى قمرها المنير في لياليها الظلماء. عندما يكون البدر في ليلة تمامه لا تُرى النجوم حوله، أما إذا كان هلالا فبإمكانك أن ترى النجوم حول الهلال، ولهذا كانت ترى زينب نجوما حول هلالها، من رأس أخيها العباس وابن أخيها علي الأكبر والقاسم وغيرهم من نجوم بني هاشم.
ما هذه المصائب التي كانت تجرعها زينب؟ كأن هذه القصة كلها هي قصة زينب وهي الرميّة لجميع سهام بلايا كربلاء. كأن العالم بأسره مشاهد ومتفرج ليُظهر الله أمته زينب ويباهي بعشقها وصبرها في هذا الدرب... إن واقعة كربلاء هي قصة زينب في الواقع ونحن مشاهدون.

ألا لعنة الله على القوم الظالمين


 

رد مع اقتباس
قديم 12-16-2015, 02:29 PM   #7
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 4.4




لم يفهم الكثير معنى الدين ومعنى الحياة

أتذكر في أيام الصبى حيث كنا نذهب إلى المدرسة في طهران، كان المعلمون يمارسون الضرب ويؤدبون الطلاب بهذا الأسلوب. ذات يوم أحضر الأستاذ الطالب وقال له: ارفع يدك وبدأ يضربه. فكان الطالب يصرخ ويقول: «أوجعتني العودة، لا تضرب يا أستاذ»! فردّ عليه المعلّم متعجبا وقال: أنا أضربك لتتألم وتشعر بالوجع. يبدو أنك لا تعرف معنى هذا الضرب ولا تعرف سببه، إذ إن الغاية من الضرب هو الألم! فكلما كان الطالب يتأوّه ويصرخ ويقول: أوجعتني وألمتني...، كان يقول المعلم: إنني جئت أضربك من أجل هذا الوجع والألم. فإن كنت غير راض، حاول أن لا أضربك أبدا، لا أن تعترض على وجع الضرب. فكانت نظرة هذا الطالب تجاه ضرب المعلم وتأديبه نظرة خاطئة.
وكذلك الحال في من يستدلّ على عمل ما لكونه يُعجبه، ففي الواقع إن رؤيته للحياة غير صحيحة. فقد زعم أن الحياة هي مثابرة للحصول على الأهواء والمشتهيات. في حين أن الحياة على عكس ما يزعم تماما.
فقد جئنا في هذه الدنيا لنخالف أهواءنا ومشتهياتنا المتنوعة والمتضادة والمتعارضة ولابدّ لنا من أن نضحّي ببعضها في سبيل بعض أخر وتعسا لي إذ دائما أضحّي برغباتي الفطرية والإلهية في سبيل الشكلاتة والحلويات وأمثال هذه التوافه وطوبى لكم إذ تضحون بمشتهياتكم الدنيوية في سبيل رغائب أسمى وأعلى.
لعلك تسألني ألا يمكن أن يكون الدين بالنحو الذي يوفّر لنا ما نرغب وما نشتهي ولا يعارضها؟ لعلك لم تعِ القضية جيدا، ولم تفهم السبب من خلقك إنسانا. فإن أدرك الناس هذه الحقيقة، بعد ذلك لا يمكن لأحد أن يغضب في الشارع أو البيت. فهذا الذي يغضب وينفعل بمجرد أن يزعجه أحد، لم يفهم معنى الحياة. فهو يتصور أن المفترض والقاعدة هي أن لا ينزعج ولا يتألم في حياته. فلا يعلم المسكين أن فلسفة الحياة هي أن يتألم ويلاقي مختلف الإزعاجات.
أكتبوا هذه الآية المباركة؛ (لَقَد خَلَقنَا الإنسانَ فِي کَبَد)[البلد:4] فقد خلق الله الإنسان في كبد، لا أنه مجرد قد اقترح عليه أن يكابد. فما معنى الكبد؟ يعني الشدّة والأحداث التي لا تلائم هواي. هذه هي فلسفة الحياة، وليست أحداث جاءت بها الصدفة. فقد خلقتَ لهذا العناء وتجرّع هذه الآلام.

لابدّ من تربية الأولاد على هذا الأساس

متى يبدأ الوالدان بتعليم الكَبَد والعناء لأولادهم؟ لا أن يفرضوا عليهم العناء ويصعّبوا عليهم الحياة حتى يتعقدوا ويفرّوا من العناء. إن تربية الولد بمعنى أن ترحّب صدره لاستقبال الكبد والعناء. فلابدّ أن يصبح الولد أهلا لتحمل الآلام والمشاكل. لابدّ أن تتحدث أمّه معه بكل سهولة عن المشاكل والآلام والمحن التي سوف تنهال عليه في حياته. فكلما شعر الولد أنه تخلص من مشاكل الدنيا وآلامها لابدّ أن تنبهه على اشتباهه وتقول له: لا تنخدع عزيزي فسوف تأتيك سهامها وآلامها ومحنها، فلا تخف إذ هذه هي قاعدة الحياة. يروي يونس بن يعقوب يقول سمعت الإمام الصادق(ع) يقول: « مَلْعُونٌ كُلُّ بَدَنٍ لَا يُصَابُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ‏ يَوْماً قُلْتُ مَلْعُونٌ قَالَ مَلْعُونٌ قُلْتُ مَلْعُونٌ قَالَ مَلْعُونٌ فَلَمَّا رَآنِي قَدْ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قَالَ يَا يُونُسُ إِنَّ مِنَ الْبَلِيَّةِ الْخَدْشَةَ وَ اللَّطْمَةَ وَ الْعَثْرَةَ وَ النَّكْبَةَ وَ الْهَفْوَةَ وَ انْقِطَاعَ الشِّسْعِ وَ اخْتِلَاجَ الْعَيْنِ وَ أَشْبَاهَ ذَلِكَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ‏ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَمُرَّ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ يَوْماً لَا يُمَحِّصُهُ فِيهَا مِنْ ذُنُوبِهِ وَ لَوْ بِغَمٍّ يُصِيبُهُ لَا يَدْرِي مَا وَجْهُهُ وَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَضَعُ الدَّرَاهِمَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَزِنُهَا فَيَجِدُهَا نَاقِصَةً فَيَغْتَمُّ بِذَلِكَ ثُمَّ يُعِيدُ وَزْنَهَا فَيَجِدُهَا سَوَاءً فَيَكُونُ ذَلِكَ حَطّاً لِبَعْضِ ذُنُوبِهِ».[التمحيص/ص31]
فإن صببت كلّ نشاطك في الحياة الدنيا من أجل إزالة الآلام والمتاعب عن حياتك فإنك مشتبه تماما وتهدف إلى غاية لا تنالها أبدا. وإن دلّت مساعيك العقيمة على شيء فإنها تدل على أنك لم تفهم معنى الحياة.

ما الذي نستطيع أن نغيره في خضمّ الآلام والمحن؟

الشيء الوحيد الذي تقدر عليه في خضمّ هذه الحياة المليئة بالمحن هو أن تختار نوعية محنتك وترفع مدى انتفاعك بمحنتك. بمستطاعك أن تحسن الاستفادة من ألمك كما بإمكانك أن تستقبل وتتلقى وتحتضن المحن التي اخترتها. فاستقبل المحن إذ قال أمير المؤمنين(ع) في دعاء كميل: «لا يمکن الفرار من حکومتک». ما معنى عدم إمكان الفرار من حكومة الله؟ أحد أوجه حكومة الله هي هذه السنن التي تتحكم في حياة الإنسان ومن أصول هذه السنن هو المحنة وكوني عاجزا عن محو المحن والآلام في الحياة.
فإني باق في المحن وسأعيش في خضم الآلام، ولكن إلهي! أعنّي على تحمّل أفضل الآلام وأرقاها، لا أن أعاني وأتألم بسبب الحسد. لماذا نعاني من الحسد؟ فلنختر المعاناة والآلام الراقية والسامية إن كان لابدّ لنا منها.
أحد خيارات الألم والعناء التي أمامكم هو ألم الحسد، فإن ألم الحسد وحزنه شديد جدا وحتى قد يصيب الإنسان بأمراض غريبة. والخيار الآخر هو ألم الحسرة، وذلك أن تتحسر على ما فقدته وضاع منك، فهو حزن يحكي عن خلل عقائدي، إذ قال الله سبحانه: (ما أَصابَ مِنْ مُصيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا في‏ أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ في‏ كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسير * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُور)[الحديد:22ـ 23]. هذه نماذج من الآلام والأحزان التعيسة والسلبية.
وهناك آلام جيدة، مثل ما لو تفضلت على أحد ورأفت به، ثم ينكر فضلَك ولا يقدّرك. أو أن تقوم بعمل أو إنجاز ما فيأتي آخرون ويُشْهرونه باسمهم. كيف تريد أن تحترق ويتألم قلبك، بالحسد أو بسرقة جهدك ونشاطك؟! أما أن تقول لي: لا أريد أن يحترق قلبي مهما كان السبب، فهذا ما لا يمكن. فلا تفرّ واختر أحدهما فلا يمكن أن يصلح الإنسان إلا أن يغصبوا حقّه. إذ إن راقب الإنسان جميع الناس وجميع الشؤون حتى لا يظلمه أحد ولا يغصبه أحد ولا يأكل حقّه أحد، فهو أشبه شيء بالذئب من الإنسان. فقد روي عن الإمام الصادق(ع): «لَيْسَ مِنَ الْإِنْصَافِ مُطَالَبَةُ الْإِخْوَانِ‏ بِالْإِنْصَافِ‏»[أمالي الطوسي: 280]
هل تظن أن الله يسمح لك بالفرار من هذا القانون وأن تعيش حياة هادئة بلا أن يظلمك أحد. فما إن تسلك سبيل الصلاح وتحاول أن تحسّن نفسيتك وروحيّتك، وإذا يبتليك الله بأشخاص لا يقدّرون فضلك وإحسانك فتندم من كلّ فضل وإحسان!
لا يمكن الفرار من الحزن والعناء فاختر ما شئت من أنواعها. أيهما أفضل التحسر على ما فاتك من الدنيا، أو حزن الخجل والندم بين يدي الله؟ فإذا كنت ممن يتحسر على الدنيا، لن تتمكن من البكاء والتحسر على فرص التقرب إلى الله، ولن تقدر على بكاء التوبة أبدا، إذ قد انشغل لبّك بالأحزان الأولية الدنيوية.

يتبع إن شاء الله...


 

رد مع اقتباس
قديم 12-19-2015, 02:27 PM   #8
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 5.4




كيف كانت مراقبة أولياء الله

لقد آمن أولياء الله بقوله تعالى (لَقَد خَلَقنَا الإنسانَ فِي کَبَد) فأخذوا يراقبون قلوبهم، لكي لا يعتريها حزن سيّئ للحظة واحدة، وفي المقابل لا تخلو قلوبهم من حزن جيد. لقد جعلوا حياتهم على أساس أن لا تخلو من الأحزان الجيّدة. وأنا أعرف بعض أولياء الله الذين كانوا يؤذَون وحتى يضربون من قبل زوجاتهم. هذا هو قانون الحياة، إذ قد أعدّ الله المرارة والعناء والحزن والبلاء للجميع.
إن استطعت أن تجعل أحزانك أحزانا راقية جيّدة، تزدهر وتنمو. سلام الله على الحسين(ع) إذ كل ما اشتدّت عليه المصائب والأحزان يوم عاشوراء ازداد وجهه إشراقا. كما قال الإمام زين العابدين(ع): «وَ كَانَ الْحُسَيْنُ(ع) وَ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ مِنْ خَصَائِصِهِ تُشْرِقُ‏ أَلْوَانُهُمْ‏ وَ تَهْدَأُ جَوَارِحُهُمْ وَ تَسْكُنُ نُفُوسُهُم»[معاني الأخبار/288]
لمّا عفا الله النبي إبراهيم(ع) عن ذبح ابنه إسماعيل، حزن إبراهيم وتمنّى أن لم يؤمر بذبح الكبش. إنه كان يحبّ إسماعيل(ع) ولكنّه حزن بعد هذا الإعفاء، إذ فاتت منه فرصة التضحية وتقديم القربان. ما معنى القربان وتقديم الأضحية أيها الإخوة؟ هو أن تذبح شيئا تحبّه في سبيل الله وبأمر الله. فحزن إبراهيم لأنه لم يوفّق لتقديم الأضحية في سبيل الله، إذ لم يقدّم ابنه إسماعيل. وكان إبراهيم صادقا في حزنه واكتئابه.
أسألكم سؤالا؛ هل أن الله قد خفّف الحزن والبلاء على إبراهيم بإعفائه عن ذبح إسماعيل؟ هل تتصورون ذلك؟! كلا، إذ لم يخفّف الله على إبراهيم أبدا. إنه قد عفاه عن ذبح ابنه إسماعيل ولكن كشف له عن حدث مفجع آخر لا تساويه فجيعة ذبح مئة إسماعيل. لقد قال الله سبحانه له: «يَا إِبْرَاهِيمُ‏ مَنْ أَحَبُّ خَلْقِي إِلَيْكَ فَقَالَ يَا رَبِّ مَا خَلَقْتَ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ ص فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ نَفْسُكَ قَالَ بَلْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي قَالَ فَوُلْدُهُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ وُلْدُكَ قَالَ بَلْ وُلْدُهُ قَالَ فَذَبْحُ وُلْدِهِ ظُلْماً عَلَى أَيْدِي أَعْدَائِهِ أَوْجَعُ لِقَلْبِكَ أَوْ ذَبْحُ‏ وُلْدِكَ بِيَدِكَ فِي طَاعَتِي قَالَ يَا رَبِّ بَلْ ذَبْحُ وُلْدِهِ ظُلْماً عَلَى أَيْدِي أَعْدَائِهِ أَوْجَعُ لِقَلْبِي» وکان إبراهيم صادقا في هذه الأجوبة. ثم نقل الله قلب إبراهيم إلى كربلاء وإلى جانب حفرة مقتل الحسين(ع)، فكأن كل هذه القصّة كانت مقدمة لمجلس عزاء الحسين(ع). ثم قال له: «يَا إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ طَائِفَةً تَزْعُمُ أَنَّهَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ سَتَقْتُلُ الْحُسَيْنَ‏ ابْنَهُ مِنْ بَعْدِهِ ظُلْماً وَ عُدْوَاناً كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ وَ يَسْتَوْجِبُونَ بِذَلِكَ سَخَطِي»[الخصال، ج1، ص58]. فهل قد خفف الله على إبراهيم؟ كلا بل أوجع قلبه بألم وحزن أشدّ. فلو كان قد ذبح إسماعيل لما انفجع قلبه بهذه الشدّة، إذ لم يأخذ إسماعيل موقع الحسين(ع) من قلب إبراهيم(ع).

توبوا إلى الله من أحزانكم الرخيصة

لابدّ أن نبحث عن الآلام والأحزان الراقية والبناءة. ولنتب إلى الله سبحانه في هذه الليلة من الآلام السيئة التي تحمّلناها وبذّرنا بها طاقاتنا وأتلفنا بها قوانا فقضينا بها على إنسانيتنا وسوّدنا بها قلوبنا ولم نحصّل بذلك غير الألم والعناء. فلنتب من هذه الآلام التعيسة، ونتقرب بهذه التوبة إلى درجة الاستغفار.
كيف كان أولياء الله، وكيف عاشوا وما كانت آلامهم وأحزانهم؟ فكل أحزانهم كانت في خدمة الله وفي سبيل الله وبسبب ما كانوا يشعرون به من البعد عن الله والبطؤ الذي كانوا يشعرون به في مسيرتهم نحو الله. فهذا كان حزنهم وألمهم وكانوا يزدادون حزنا وألما يوما بعد يوم.
كان يتجلّى لهم الله سبحانه بشيء من جماله وآلائه، فكانوا يحزنون من بعدهم عن الله وطول المسافة بينهم وبين الله، مع قربهم واتصالهم بالله. وكلما يتجلى لهم الله سبحانه يأخذهم الخجل والحياء والحزن والحسرة، إذ يرون أنفسهم عاجزين عن أداء شيء من حق الله عليهم. ولهذا يبكون ويضجون ويسكبون الدموع ويطيلون الوقوف بين يدي الله.
لماذا لا نقدر على تجرّع هذه الآلام والأحزان؟ لأننا غرقنا في مستنقع الحياة الدنيوية وانشغلنا بآلامها وأحزانها وعنائها عن تلك الأحزان الراقية. ينقل السيد أحمد ابن الإمام الخميني(رض) أن الإمام كان يمسح دموعه في آخر سنة من عمره بالنمنشفة وما كان يكفيه المنديل! وهذا حزن لا علاج له، إذ مهما أجابه الله ولطف به وتجلى في قلبه، يبقى يشعر بمدى بعده عن الله وتبقى دموعه تنهمر من شدة هذا الحزن الجميل والرائع.
أما نحن التعساء فلا نشعر بهذا الحزن. إذ أردنا أن نفرّ من الأحزان والغموم ولم نخضع لقاعدة الحياة وفلسفتها. فما زلنا نعترض على خلقنا وفلسفة خلقنا، ونفرّ من الآلام والمتاعب كالأطفال.

صلى الله عليك يا أبا عبد الله

يا أبا عبد الله! إن ما شاهده إبراهيم الخليل من مسافة آلاف السنين وفجع به طيلة حياته، قد شاهدته العقيلة زينب من مسافة أمتار. ساعد الله قلب زينب، فيا لها من امرأة عظيمة. الهي في هذا الشهر المبارك وفي هذه الجلسات عرفنا على عظمة مقام العقيلة زينب.
لا أدري، فلعلّ قد خطر لإبراهيم هذا السؤال أن من الذي رأى الحسين(ع) في آخر لحظات حياته، ومن الذي ودّعه آخر مرة. ألا يا إبراهيم! العقيلة زينب هي آخر من ودعت الحسين(ع)، هي التي حيرت عقول الرجال بصبرها وطاقتها على تحمل هذا المصاب العظيم. وأنا لا أدري أين كانت زينب حينما رفع رأس الحسين(ع) على الرماح؟

ألا لعنة الله على القوم الظالمين.


 

رد مع اقتباس
قديم 12-20-2015, 02:56 PM   #9
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.5




إليك ملخص الجلسة الخامسة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
مرور على ما سبق


لقد بدأنا الأبحاث ـ أيها الإخوة الأعزّاء ـ بطرح موضوع بدلا من طرح مسألة. فقد كان موضوعنا بالتحديد هو الجهاد الأكبر، أو جهاد النفس أو مخالفة الهوى على أساس مختلف التعابير التي جاءت في الروايات وآيات القرآن. ثم طرحنا في أجواء هذا الموضوع سؤالا مهمّا ثم تحوّل السؤال بالتدريج إلى مسألة وقضية.

سألنا لماذا اعتبر النبي الجهاد جهادا أصغر مع كونه من أفضل الأعمال الصالحة وقد ينتهي إلى الذروة والقمة المتمثلة بالشهادة، وبالرغم من اشتماله على الصعاب والمتاعب، ثم دعا إلى جهاد من نمط آخر وسمّاه الجهاد الأكبر.

هل أن مخالفة النفس ومحاربة الأهواء النفسية جهاد واقعا؟ وهل أنها أكبر من ذلك الجهاد؟ وهل أن ظاهرة الحرب وأيام الدفاع المقدس التي عشناها في بداية الثورة، هي ظاهرة أصغر من الجهاد الأكبر؟ فقد انطلقنا بالبحث من هذا الموضوع.

ثم أردفنا إلى هذا الموضوع بعض المعلومات وأجّلنا إثباتها إلى إشعار آخر. فكانت هذه المعلومات هي أن هناك عبادة سيئة وأساسية في مقابل عبادة الله، وهي عبادة الهوى. وهي النقطة المقابلة لجهاد النفس. فقرأت عليكم بعض الروايات في هذا المجال من قبيل ما روي عن رسول الله(ص) حيث قال: «ما تَحَت ظِلِّ السَّماءِ مِن إلهٍ يُعبَدُ مِن دُونِ الله ِ أعظَمَ عِندَ الله ِ مِن هَوىً مُتَّبَعٍ» [ميزان الحكمة، ج13، ص61]

ثم ذكرنا أن الروايات قد اعتبرت مخالفة الهوى نظامَ الدين، فقد روي عن أمير المؤمنين(ع): «نِظَامُ‏ الدِّينِ‏ مُخَالَفَةُ الْهَوَى‏ وَ التَّنَزُّهُ عَنِ الدُّنْيَا»[تصنيف غرر الحكم، ص241]. ما معنى نظام الدين؟ يعني خيط السبحة. فعلمنا أن الجهاد الأكبر ليس أكبر من الحرب والجهاد المسلح وحسب، بل إنه نظام الدين والنقطة المقابلة له هو اتباع الهوى. ثم ذكرنا أن العمل الرئيس والأساسي الذي يجب أن نقوم به طيلة حياتنا من أوّلها إلى آخرها ليس سوى جهاد النفس.
لا يكفي العلم بأهمية جهاد النفس


ولكن لا تنحل المشكلة بمجرّد أن قلنا أنّ أهمّ جهادٍ هو جهاد النفس، إذ من أجل أن ندرك هذا الكلام ونقتنع به، لابدّ أن نعي بعمقٍ أنّ جهاد النفس محور عبادتنا وحياتنا.

أنا أعتقد أن تسعة وتسعين في المئة من الناس الذين سمعوا بالجهاد الأكبر ومخالفة النفس لم يفهموا معناه جيدا. كما أني أسوأ حالا من جميعهم ولا سيما على مستوى العمل. ولكني أرى أن هذا الموضوع لم يأخذ موقعه المحوري في أذهان الناس ورؤاهم، فليست هناك رؤية صحيحة تجاه هذا الموضوع. وقد قلت في مقدمة المحاضرة السابقة إننا نهدف عبر هذه السلسلة إلى تغيير الرؤى تجاه هذا الموضوع. فمن أجل إدراك هذه الحقيقة بعمق، ووجدان محورية جهاد النفس في الحياة والدين، ومن أجل أن يصبح هذا الجهاد همّنا الرئيس في الحياة، لابدّ من كلام ونقاش وبحث مفصل، إذ لا تنحل المشكلة بكلمتين.

ثم بعد ما اتضحت لنا هذه الحقيقة واستوعبناها بكل وجودنا، حينئذ ننتقل إلى كيفية هذا الجهاد، وما هي الرغبات التي لابد من محاربتها وكم يجب أن نخالف أهواءنا. فهذه أبحاث تأتي في المرحلة الثانية. أما الآن فلابدّ أن نسعى لاتضاح أصل هذه الحقيقة. فإن اتضحت سوف تسخّر ذهننا وإدراكنا بشكل كامل. وسوف تكون حاضرة في ذهننا دائما، وتبشّر بمراقبة مستمرة مؤثرة وموفقة. إنكم لستم أشخاصا سيئين، فلماذا تفرّطون بطاقاتكم؟ ولماذا تسمحون لقواكم أن تضعف وتتضاءل فتعجزون عن المراقبة؟ لأنكم تزعمون أن يجب عليكم أن تراقبوا أنفسكم في مئة قضية. ولكن القضية ليست كذلك. فلابدّ لكم من مراقبة قضية واحدة. أما دمج مئة موضوع في موضوع واحد بحاجة إلى فهم عمیق جدا.

لابدّ أن تدرك هذه الحقيقة بكل وجودك يا أخي العزيز! وهي أنّك لا تحتاج إلى مواجهة الحرص والحسرة الباطلة، ولا تحتاج إلى الاحتكاك بموضوع الصدق والصبر وكثير من المواضيع الأخرى. كما لست بحاجة إلى الاحتكاك بالتكبّر والتواضع. فأنت بغنى عن الاحتكاك بكثير من المواضيع، إذ قضيتك قضية واحدة فصبّ همّتك كلّها في معالجة هذه القضيّة. وسوف نخوض في هذا الموضوع إن شاء الله.



لا مفرّ للمؤمن وغير المؤمن من جهاد النفس



لماذا جهاد النفس؟ لا أريد أن أكرّر ما ذكرته في الليالي السابقة، بل أحاول أن أجيب عن هذا السؤال بإشارة وبطريقة أخرى؟ أولا، لا يخفى عليكم أيها الإخوة أن جهاد النفس عمل عسير. ومن جانب آخر لستم وحيدين في مخالفة هواكم، بل قد اجتمع الله ووجودكم والكون بأجمعه على مخالفة هواكم، سواء أكنتم مؤمنين أم كافرين. هذا معنى كونكم غير وحيدين.

يقول الله سبحانه وتعالى: (لَقَد خَلَقْنا الإنسانَ في كَبَد) لا «لقد خلقنا المؤمن في كبد». فلا سبيل لأحد إلى حذف الكبد والعناء من حياته. وقد سبق أن ذكرنا معنى الكبد والعناء وهو تلك الأحداث التي تقع بما لا تشتهي أنفسنا.

بالرغم من سلوك بعض المساكين الجهلة الذين يفسقون بهدف تخفيف الألم والعناء عن حياتهم وأولئك الذين يفرّون من الدين طلبا للمزيد من الراحة وفرارا من العناء، لا يستطيع أحد أن يخفف من عنائه بترك واجب أو ارتكاب محرّم. ولا يشدّد الالتزام بالدين من عناء الإنسان.




يتبع إن شاء الله...


 

رد مع اقتباس
قديم 12-27-2015, 12:53 PM   #10
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.5



إن مخالفتك الهوى ليس من وظائفك فقط، بل هي من شؤون دنياك وشؤون ربّك أيضا. فلن يسمح الله سبحانه لك بحياة بلا عناء ومنغّصات. هذا هو الواقع شئت أم أبيت. لماذا؟ سنتحدث عن العلة لاحقا كما تحدثنا قليلا عن سبب هذا الشيء سابقا. أما الآن فلنشاهد الواقع ونرى هذه الحقيقة في العالم وهي أن لا مفرّ من العناء والكبد لإي إنسان مهما كان دينه وعمله.
هل تتصورون أن تحمّل العناء مختصّ بمن يريد أن يسلك الطريق إلى الله؟ كلا! فقد قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى من القرآن الكريم: (يا أيُّهَا الإنْسَانُ إنَّك كادِحٌ إلى رَبِّكَ كدْحاً فَمُلاقيهِ)[الانشقاق:6]. أنا قد طرحت هذا الموضوع في مكان آخر بلا أن تكون لي الفرصة الكافية للخوض فيه بالتفصيل. فجاءني بعض المستمعين الكرام وقال لي: إن كلامك مرّ جدا! فأرجو من الإخوة أن يمعنوا النظر في مضامين الأبحاث ليروا هل الكلام مرّ واقعا؟! أليس هذه الخطاب الصريح مستوحى من أسلوب القرآن إذ يقول: (يا أيُّهَا الإنْسَانُ إنَّك كادِحٌ إلى رَبِّكَ كدْحاً فَمُلاقيهِ)؟ فماذا يريد أن يفهّمنا القرآن؟ ولماذا يتحدث بهذا القدر من التأكيد؟ إنه يخاطب الإنسان مهما كان دينه ومذهبه ومهما كان التزامه وتديّنه. يقول له إنك في طريق ومسار ينتهي إلى لقاء الله، فهذا هو مصيرك المحتوم الذي لابدّ منه. ثم لا يخلو سيرك إلى الله مهما كان مضمونه ونوعيته، من السعي والكدّ والكدح الشديد.
يقول: (كادِحٌ إلى رَبِّكَ كدْحاً) فهل أنا الذي أبالغ في التأكيد؟! لماذا يعطي الله سبحانه للناس هذه المعرفة بكل صراحة؟ لأن من شأن هذه المعرفة أن تسهّل على الناس مصاعب الدين. فإنها تحكي عن حقيقة راقية جدا وتقول لك عش كيف شئت، فهل تزعم أنك تستطيع أن تعيش بلا أن تجاهد نفسك؟ بل إنك سوف تجاهد نفسك بلا شكّ. وتلذّذْ في الدنيا وتهرّبْ مهما شئت من مخالفة الهوى، فهل تتصور أنك سوف تنجح في هذا الهروب؟ كلا! فإنك سوف تخالف هواك بلا ريب.
وأنا أتصور أن ليس هناك بشارة تدفع الإنسان إلى مخالفة هواه أكثر من هذه الحقيقة الرائعة التي تعبّر عنها هذه الآية المباركة: (يا أيُّهَا الإنْسَانُ إنَّك كادِحٌ إلى رَبِّكَ كدْحاً فَمُلاقيهِ). هل تنزعج من السيطرة على نفسك وتريد أن تطلق عنانها؟ لا بأس، كن كيف شئت ولكنك سوف تضطر إلى السيطرة على نفسك بلا شك.
في الأمس كنّا نقول لا مفرّ ولا مخلص من الألم والعناء، وليس لك إلا أن تختار أحد أنواع المعاناة والآلام. أما في هذه الليلة أقول شيئا آخر ـ أيها الأحبّة ـ وهو أنه هل تريد أن لا تجاهد نفسك مضافا إلى العناء الذي تفرضه عليك الحياة؟ فلا سبيل إلى ذلك إذ سوف تجاهد نفسك أكيدا. إذ في حركتك إلى الله تعالى سوف تسعى سعيا مصحوبا بالعناء والألم وهذا هو الكدح، أي سوف تجاهد نفسك، وإن كان بلا ثمر وطائل ونتيجة.
إن رؤية الله سبحانه وتعالى في القرآن رؤية دقيقة وخاصة جدا تختلف عن رؤانا بكثير. فقد قال سبحانه: (أُولئِكَ الَّذينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُم‏)[الكهف/105] فلعلك تقول: أفهل كانوا يعملون شيئا حتى تحبط أعمالهم؟ نعم! إذ كل الناس يعملون ولكن الله يقبل أعمال الصالحين فقط وإلّا فالكفار والفاسقون يعملون ويكدّون ويكابدون ويجاهدون أنفسهم ويتحملون العناء والتعب والسَهَر وكلّ شيء.
أنظروا إلى من حولكم بتمعّن. من الذي لا يجاهد هوى نفسه؟ أي إنسان وفي أي بلد وفي أي ثقافة؟! إن جميع الناس يجاهدون أهواءهم ويكفون عن الكثير من مشتهياتهم وكلّهم مؤدّبون بمجموعة من الآداب والأصول وكلهم يتحملون العناء والألم في حياتهم، ولكن ما أكثر الناس الذين يجاهدون أنفسهم ويتحملون المشقّات والصعاب والآلام والمحن والأحزان من أجل غايات تافهة لا قيمة لها فلا ينضجون ولا يرشدون ولا يترقّون، أما أنت فاجعل جهادك الذي لا مناص منه جهادا صحيحا قيّما.
كلّما فررت من جهاد النفس وركنت إلى أهوائك سجّل الموقف، لترى أنك سوف تضطر إلى مجاهدة نفسك في نفس الموضوع ولكن بلا نتيجة وبغير صواب. إنها قاعدة لا يسمح الله لأحد بالفرار منها.

إن فهم هذه القاعدة يقضي على حالة العجب

لا أريد أن أخوّفك بذكر هذه الحقائق أبدا. ولكن أريد أن تخرج بهذه النتيجة من خلال هذا الكلام، وهو أن تناجي ربك وتقول له: إلهي أنا لم أفعل أيّ شيء بمجيئي إليك ومناجاتك في جوف الليل وتحمل العناء في سبيلك. أنا لم أفعل أي شيء ولم أضحّ بشيء. ماذا فعلتَ في جنب الله؟ هل عانيت وسهرت مثلا؟ كان لابدّ لك من المعاناة والسهر، فلو كنت لم تعان ولم تسهر مع الله، لعانيت وسهرت في محل آخر بلا نفع ولا رشد، بيد أنك عانيت وسهرت هنا فأجرت ورشدت. إذن العناء مشترك والسهر مشترك فلا تمنّ على الله ولا تحسب أنك شيء ولا تتوهم أنك قد ضحيت بشيء.
هل تعلمون يتحسّرون أهل النار؟ إنهم يتحسرون لأنهم قد عانوا وقاسوا بقدر المؤمنين، ولم تكن حياتهم الفاسقة في الدنيا حياة بلا عناء وألم وحزن. فيشعرون أنهم عاشوا في الحياة الدنيا بتعب وألم وعناء ثم صار مأواهم النار، أما أنت فعشت في الحياة الدنيا بنفس المقدار من العناء والكدح إن لم يكن أقل منهم، ولكن ذهبت إلى الجنان! ولعلّ هذه الحقيقة هي التي جعلت الأنبياء يبكون ويصرخون حسرة على أممهم، إذ يرون مدى الخسران العظيم الذي يلحق بالإنسان إن لم يلتزم بدين ربّه.

يتبع إن شاء الله...


 
 توقيع : الرحيق المختوم



رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 06:36 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية