هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التوظيف والتعيين والإست... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 80 ]       »     دورة : مهارات التخطيط المالي و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 63 ]       »     دورة : اساسيات التأمين [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 75 ]       »     دورة : تحليل البيانات والقوائم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 73 ]       »     دورة : السلامة والصحة المهنية ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 70 ]       »     دورة : آليات الرقابة الحديثة و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 112 ]       »     دورة : تكنولوجيا التميز والإبد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 97 ]       »     دورة : القيادة عالية الإنجاز و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : فنون العرض والتقديم وال... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : الإدارة الفعالة للمختبر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 103 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات



يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
#1  
قديم 11-07-2010, 11:19 PM
الفاروق الاعظم
مشرف عام
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5057 يوم
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي مصحف [الإمام] علىّ [عليه السلام] والقفاري



408


مصحف [الإمام] علىّ [عليه السلام]

لاحظت في الأبحاث المتقدمة أن الدكتور القفاري لم يترك الكلام عن مصحف علي بمناسبة أو بغير مناسبة، فانّه افتتح مبحثه هذا بخبر مصحف الإمام علي عليه السلام، وقد عدّ هذا المصحف من الأمور الموجودة في وهم الشيعة وخيالهم، ولا حقيقة له في الواقع، وانّه وُلد في محيط الشيعة فقط، وقال:


"ومن هذه الدّعوى والتي وجدت في محيط الشيعة... أنـّها ولدت وفي أحشائها أسباب فنائها وبراهين زيفها وكذبها... فهي تقوم على دعوى أنّ القرآن ناقص ومغيّر... وأنّ القرآن الكامل المحفوظ من أيّ تغيير هو عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم أورثه الأئمة من بعده...

ولو كان لدى أمير المؤمنين غيره لأخرجه للناس ولم يجز أن يتعبّد الله بكتاب محرّف وناقص ولتدارك الأمر حين أفضت إليه الخلافة، لأنّ من أقرّ الخائن على خيانته كان كفاعلها...

وأنهم ـ أي الشيعة ـ ربطوا وجود المصحف بإمامهم المنتظر... والإمام الغائب والمصحف الغائب كلاهما وهم وخيال..."(1).



ثم ربط خبر مصحف الإمام علي عليه السلام بالأيدي السبئية وحاول اكتشافها فقال:


"هذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنها ضرورية لمحاولة اكتشاف الأيدي السبئية التي افترت هذه الفرية إذ أنـّنا نلاحظ أن



____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 202 وانظر أيضاً: 339، 1022، قال الدكتور القفاري: "ذاك المصحف من رواسب روايات اسطورة التّحريف خرافة... ويعدُّ من النقض على قول من قال بصيانة القرآن عن التّحريف" انظر: المصدر نفسه: ص 285.

الصفحة 409


الفرية بدأت من كتاب سليم بن قيس..."(1).




ومراد الدكتور القفاري من بدء فرية التّحريف واثر الأيدي السبئية في كتاب سليم بن قيس، خبر مصحف الإمام علي عليه السلام فيه. حيث قال:


"وأول كتاب تعرض لهذه الفرية هو كتاب سليم بن قيس حيث نجد الصورة لهذه الفرية في بدايتها فترد هذه المسألة في أثناء روايتين... وفيها "إنّ عليّاً لزم بيته حتى جمع القرآن وكان في الصحف والرقاع"(2).



وبالتالي فإنّ الدكتور القفاري حكم من خلال هاتين الروايتين على مصحف الإمام علي عليه السلام بهذا الحكم:


"وقد سجلت هذه المقالة ـ أي مقالة تحريف القرآن ـ في أول كتاب ظهر لهم... وهو كتاب سليم بن قيس"(3).



ونكتفي بهذا المقدار من الكلام لأن نذعن بأنّ مصحف الإمام علي عليه السلام برأي الدكتور القفاري ـ وغيره(4) ـ يكتسب أهمية كبرى، فإنّ هذا المصحف سراب ويعتبرونه في الأصل من أفكار "عبد الله بن سبأ"، ومجرّد وجود خبر هذا المصحف ـ بقطع النظر عن محتواه ـ يشير إلى نقطة الصفر في تحريف القرآن في عقيدة الشيعة، وخبر هذا المصحف يعتبر مبرراً للحملة الشرسة التي قام بها الدكتور

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 229.

2 ـ المصدر السابق: ص 235 ـ 236.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1281. كما ذكر سابقاً فان الدكتور القفاري يعد خبر مصحف الإمام علي عليه السلام أحد الاكتشافات الكبيرة في عالم التحقيق ويعتبره نقطة بداية تحريف القرآن في عقيدة الشيعة!!

4 ـ انظر: "الوشيعة في نقد عقائد الشيعة": ص 112 و"الثورة الايرانية في ميزان الإسلام": ص 200 و"الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن": ص 50 و...
الصفحة 410

القفاري وأضرابه ضدّ الشيعة مستخدمين أشنع الألفاظ وأقبحها.

ونحن هنا نرى أنّ من واجبنا البحث حول هذا المصحف وذلك من خلال ثلاث مسائل:

المسألة الاُولى: البحث عن مصحف الإمام علي عليه السلام في مصادر الفريقين.

المسألة الثانية: البحث عن محتوى هذا المصحف ومضمونه.

المسألة الثالثة: دراسة الشبهات والمناقشات التي أثارها الدكتور القفاري في هذا المقام ونقده




رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 11:20 PM   #2
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



المسألة الاولى: مصحف الإمام علي عليه السلام في مصادر الفريقين:

إنّ وجود هذا المصحف من الامور الثابتة المتفق عليها بين الفريقين، وهنا نشير إلى بعض مصادر الفريقين:


مصحف الإمام علىّ في مصادر الشيعة:

1 ـ كتاب سليم بن قيس (سليم بن قيس الهلالي ت 76 هـ.): في هذا الكتاب ذكرت مسألة مصحف الإمام علي عليه السلام ضمن ثلاث روايات; هي الرابعة، والحادية عشرة والثانية عشرة. وقد فصّلت الرواية الرابعة القول في هذا المصحف(1).

2 ـ كتاب التفسير (المعروف بتفسير العيّاشي) لمحمد بن مسعود العيّاشي (المتوفى نحو 320 هـ.)(2).

3 ـ الكافي لثقة الإسلام أبي جعفر الكليني (ت 329 هـ.)(3)

____________

1 ـ كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 581 ـ 582 و660 و665.

2 ـ كتاب التفسير: ج 2، ص 307.

3 ـ الكافي، كتاب فضل القرآن: ج 2، ص 633، الرقم 29.
الصفحة 411

4 ـ الاعتقادات لأبي جعفر الصدوق (ت 381 هـ.)(1).

5 ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب (ت 588 هـ.).

وقد نقل ابن شهرآشوب خبر مصحف الإمام علي عليه السلام من طرق الفريقين، فمن طرق الشيعة نقله عن أبي رافع، ومن طرق أهل السنة عن قول "الشيرازي"(2) في كتابه "نزول القرآن" و"أبي يوسف يعقوب"(3) في تفسيره، باسنادهما عن "ابن عباس" وعن "الخطيب البغدادي" في كتابه "الأربعين" باسناده عن عبد خير وأيضاً بسنده عن "أبي العلاء العطار"(4) و"الموفق خطيب خوارزم"(5) باسنادهما عن "علي بن رباح"(6).

والقدر المتيقن من تلك الرّوايات في جميع هذه المصادر هو: أنه "لمّا توفي النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لزم الإمام علي عليه السلام بيته وجمع القرآن في مصحف".


____________

1 ـ الاعتقادات: ص 81.

2 ـ الشيرازي: هو "محمّد بن عبيد الله أبو بكر بن مؤمن" من مشايخ الحاكم الحسكاني مع الواسطة، فالحسكاني فى كتابه "شواهد التنزيل" قد أورد منه عشرات الرّوايات، انظر: أهل البيت في المكتبة العربية: لعبد العزيز الطباطبائي: ص 451.

3 ـ وهو "يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي" من اكابر علماء الحديث والرجال. انظر: تهذيب التهذيب: ج 11، ص 338 وشذرات الذهب: ج 2، ص 171.

4 - وهو "محمّد بن سهل العطار الهمداني" محدث، حافظ، نحوي، لغوي من آثاره "زاد المسافر". انظر: تذكرة الحفاظ: ج 4، ص 114 - 117.

5 ـ "الموفق بن أحمد بن محمّد المكي، خطيب خوارزم" اديب، فاضل، غزير العلم فقيه... انظر: انباه الرواة على أنباه النحاة، للقفطي: ج 3، ص 332 رقم الترجمة 779 وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي: ج 2، ص 308.

6 ـ مناقب آل أبي طالب: ج 2، ص 50 ـ 51. من علماء الإمامية: كمولى محسن الفيض الكاشاني في كتابه "تفسير الصافي": ج 1، ص 24 والمحدث القمي في "سفينة البحار": ج 2، ص 414 و... ممن ذكروا مصحف الإمام علي عليه السلام قد اخذوا عن المصادر المذكورة.
الصفحة 412


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 11:21 PM   #3
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 412



مصحف الإمام علىّ في مصادر أهل السنة:

1 ـ الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد (ت 230 هـ.) فقد أخرج ابن سعد بسنده عن "محمّد بن سيرين":


"نبئت أنّ عليّاً أبطأ عن بيعة أبي بكر وقال... آليت بيمين أن لا أرتدي بردائي إلاّ إلى الصلاة حتّى أجمع القرآن"(1).



2 ـ الفضائل، لمحمد بن أيوب بن الضريس (ت 294) بسنده عن "محمّد بن سيرين" عن "عكرمة مولى ابن عبّاس" عن [الإمام] علي [عليه السلام] قال:


"فحدّثت نفسي أن لا أرتدي ردائي إلاّ لصلاة حتّى أجمع القرآن..."(2).



3 ـ كتاب المصاحف، لابن أبي داود (ت 316) إذ أورد مثل ما أورده "ابن الضريس" وأضاف:


"لمّا توفي النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أقسم علىّ أن لا يرتدي برداء إلاّ لجُمُعة حتّى يجمع القرآن في مصحف ففعل"(3).



وبمضمونه في:

4 ـ كتاب الفهرست للنديم، عن أحمد بن جعفر بن محمّد المنادي (المعروف بابن المنادي ت 332 هـ.)(4).

5 ـ المصاحف لمحمد بن عبد الله بن أشته (ت 360)(5).

6 ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الإصبهاني (ت 430 هـ.) بسنده

____________

1 ـ الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338.

2 ـ عن الاتقان: ج 1، ص 58.

3 ـ كتاب المصاحف: ص 16.

4 ـ كتاب الفهرست: ص 31 ـ 32.

5 ـ عن الاتقان: ج 1، ص 58.
الصفحة 413

عن "عبد خير"(1).

7 ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البرّ (ت 463 هـ.) بسنده عن "محمّد بن سيرين" وأيضاً عن "عكرمة مولى ابن عباس"(2).

8 ـ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني من أعلام القرن الخامس، فقد ذكر خبر المصحف بأسانيد متعددة(3).

9 ـ مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار، لعبد الكريم الشهرستاني (ت 548 هـ.) وقد ذكر هذه المسألة بتفصيل أكثر من بين علماء أهل السنة فقال:


"وهو عليه السلام لمّا فرغ من تجهيز رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وتغسيله وتكفينه والصلوة عليه ودفنه، آلى أن لا يرتدي برداء إلاّ لجمعة حتى يجمع القرآن، إذ كان مأموراً بذلك أمراً جزماً فجمعه كما اُنزل من غير تحريف وتبديل وزيادة ونقصان وقد كان أشار النبىّ صلّى الله عليه وآله إلى مواضع الترتيب والوضع والتقديم والتأخير... ويروى أنـّه لمّا فرغ من جمعه أخرجه هو وغلامه قنبر إلى النّاس وهم في المسجد... وقال لهم هذا كتاب الله كما أنزله على محمّد صلّى الله عليه وسلّم جمعته بين اللّوحين فقالوا: ارفع مصحفك لا حاجة بنا إليه، فقال والله لا ترونه بعد هذا أبداً إنّما كان عَلَيَّ أن اُخبركم حين جمعته. فرجع به إلى بيته قائلاً (يا ربِّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً)(4) وتركهم على ما هم عليه كما ترك هارون عليه السلام قوم



____________

1 ـ حلية الاولياء وطبقات الاصفياء: ج 1، ص 67.

2 ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب: القسم الثالث، ص 974.

3 ـ شواهد التنزيل: ج 1، ص 36 ـ 38.

4 ـ سورة الفرقان (25): الآية 30.
الصفحة 414


أخيه موسى بعد إلقاء الحجَّة عليهم واعتذر لأخيه بقوله: (إنّي خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي)..."(1).



9 ـ المناقب، لخطيب خوارزم (ت 568 هـ.)(2).

10 ـ التسهيل في علوم التنزيل، لابن جزي الكلبي (ت 741 هـ.)(3).

وغيرهم من العلماء.

فكثرة المصادر في هذا المقام تحكي لنا عن اهتمام علماء الإسلام بهذا المصحف واتفاقهم على وجوده.

فعلى هذا لو بنينا على قول الدكتور القفاري بأن مجرّد وجود خبر مصحف الإمام علي عليه السلام في كتاب يحكي عن وجود "الأيدي السبئية" في هذا الكتاب، وأن خبر المصحف يدلّ على وجود "التّحريف في القرآن"، فإنّ قصّة الأيدي السبئية قد ذكرتها جميع المصادر المتقدّمة لأنّها تكلّمت عن المصحف ولأنهم قد تكلّموا عن هذا المصحف لتحقق لنا أنهم يعتقدون بفرية التّحريف لا محالة!!

مع أننا لا نحتاج إلى بحث سند هذه الرّوايات لنصدر هذه الأحكام بالضبط كما أصدرها الدكتور القفاري جزافاً لأنّ الدكتور نفسه صرّح بأنَّ "أبان بن أبي عيّاش" راوي كتاب سليم بن قيس ضعيف باتفاق علماء رجال الفريقين، ومع هذا ترى الدكتور القفاري يقول:


____________

1 ـ مفاتيح الأسرار ومصابيح الابرار: ج 1، ص 121، والشهرستاني هو "أبو الفتح محمّد بن أبي القاسم عبد الكريم الشهرستاني" الفيلسوف المتكلم على مذهب الاشعري من كتبه "الملل والنحل" وقد كتب عنه "ابن السمعاني" وأشاد بذكره وعظم صيته... انظر: مقدمة كتاب "الملل والنحل" لمحققه الشيخ أحمد فهمي محمّد، ص (ل).

2 ـ المناقب: ص 94.

3 ـ التسهيل في علوم التنزيل: ج 1، ص 4 نقلاً عن علوم القرآن عند المفسرين: ج 1، ص 351.
الصفحة 415


"وهذه الوقفة عند كتاب سليم بن قيس أرى أنها ضرورية لمحاولة اكتشاف الأيدي السبئية التي افترت هذه الفرية، إذ إنّنا نلاحظ أنّ الفرية بدأت من كتاب سليم بن قيس فترد هذه المسألة في اثناء روايتين... وفيها "أنّ عليّاً [عليه السلام] لزم بيته حتّى جمع القرآن..."(1).


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 11:23 PM   #4
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



دراسة في أسانيد خبر مصحف الإمام علىّ في مصادر أهل السنة:

ونحن نريد هنا أن نبحث في اسناد هذا المصحف من وجهة نظر علمية في كتب أهل السنّة من حيث صحّته واستفاضته، ذلك أن بعضاً من علماء أهل السنّة ناقش في إسناد هذا الخبر ومن جملتهم ابن أبي داود حينما أورد الخبر بسنده عن محمّد بن فضيل عن أشعث عن محمّد بن سيرين قال:


"لمّا توفي النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أقسم عليّ أن لا يرتدي برداء إلاّ لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل"(2).



ثم قال:


"لم يذكر المصحف أحد إلاّ أشعث وهو ليّن الحديث وإنّما رووا حتّى أجمع القرآن يعني أتمّ حفظه فإنّه يقال للذي يحفظ القرآن قد جمع القرآن"(3).



فعلى هذا يكون خبر مصحف الإمام علي عليه السلام مخدوشاً عند ابن أبي داود من عدّة جهات:

أ: لم يذكر المصحف أحد إلاّ أشعث.


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 229.

2 ـ كتاب المصاحف: ص 16.

3 ـ المصدر السابق.
الصفحة 416

ب: اشعث ليّن الحديث.

ج: جمع القرآن يعني أتم حفظه لا بمعنى جمعه في مصحف.

لكنّ كلّ مناقشاته لا تتم. وإليك تفصيل ذلك:

أ: إنّ ما قاله ابن أبي داود من أنه "لم يذكر أحد إلاّ أشعث" خطأ منه لأنّ من روى الخبر ليس أشعثاً فقط، بل هو كما قال السيوطي:


"قد ورد من طرق أخرى، أخرجه ابن الضريس في فضائله بسنده عن عون عن محمّد بن سيرين عن عكرمة عن علي "... فحدثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلاّ لصلاة حتى أجمعه..." قال محمّد بن سيرين: فقلت لعكرمة الّفه كما انزل الأوّل فالأول، قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلّفوه هذا التأليف ما استطاعوا"(1).



وقال أيضاً:


"واخرجه ابن أشته في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وابن سيرين قال: "تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه"(2).



ب: وأمّا قوله بأنّ "أشعث" ليّن الحديث:

فإنّ "الأشعث" في سند أبي داود بقرينة الراوي ـ وهو محمّد بن فضيل ـ والمروي عنه ـ وهو محمّد بن سيرين ـ هو "الأشعث بن سوّار الكنديّ النجّار" وتضعيفه ليس مورد اتفاق الجميع، فإنّ يحيى بن معين عدّه من الثقات، وكذا العجلي وابن شاهين والبزّاز أيضاً قَبِلَ قول ابن عدي في حقِّ الأشعث إذ يقول:


____________

1 ـ الاتقان: ج 1، ص 58.

2 ـ المصدر السابق.
الصفحة 417


"وفي الجملة يكتب حديثه"(1).



ج: وأمّا قوله أجمع القرآن يعني أتمّ حفظه، وإنّما رووا حتى أجمع القرآن يعني أتمّ حفظه الخ فهذا منه ادّعاء خال من الدليل بل هو مجازفة; ذلك لانّه لم ترد رواية بهذا التعبير، بل فيما نحن فيه لا يجوز جمع القرآن بمعنى حفظه في الصدر كما سنتكلم عنه.

هذا وقد قال ابن حجر في المقام:


"ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق ابن سيرين قال: "قال علي: لمّا مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، آليت أن لا آخذ علىَّ ردائي إلاّ لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن، فجمعه" فاسناده ضعيف لانقطاعه وعلى تقدير أن يكون محفوظاً فمراده بجمعه حفظه في صدره والذي وقع في بعض طرقه حتّى جمعته بين اللّوحين، وَهم من راويه."(2)


وقد أورد العيني في عمدة القاري نفس مضمون عبارة ابن حجر(3).

والآلوسي لم يتأخّر عن قافلة العلماء في اقوالهم تلك، إذ تبع ابن حجر بقوله:


"وما شاع أنّ عليّاً كرّم الله وجهه لمّا توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تخلّف لجمعه، فبعض طرقه ضعيف(4) وبعضها موضوع(5) وما



____________

1 ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال: ج 3، ص 269. وقال الدكتور بشار في تعليقه على الكتاب: "يظهر ان الرجل لم يكن ضعيفاً بالمرة بل اختلفت الاقوال فيه فانه لا يحسن اطلاق صفة الضعف عليه" ثم استند إلى أقوال علماء الرجال.

2 ـ فتح الباري بشرح البخاري: ج 9، ص 12 ـ 13.

3 ـ عمدة القاري (شرح صحيح البخاري): ج 20، ص 17.

4 ـ وهو ما اخرجه أبو داود من طريق ابن سيرين. منه.

5 - وهو ما اخرجه غير واحد من رواية أبي حيان التوحيدي، احد زنادقة الدنيا. منه.
الصفحة 418


صحّ(1) فمحمول كما قيل على الجمع في الصدور وقيل كان جمعاً بصورة أخرى لغرض آخر ويؤيده أنه قد كتب فيه الناسخ والمنسوخ لكتاب علم"(2).



وبالتالي فانّ الدكتور القفاري قد ألقى بنفسه في ذلك الخضم فقال:


"مثل هذه الدعوى ـ أي تأليف القرآن وجمعه من الإمام علي عليه السلام ـ وردت في بعض كتب أهل السنة ولكنّها لم تثبت بسند صحيح".

ثم وضع يده بيد ابن حجر مستنداً إلى قوله الموهوم بأنّ المصحف من نسج الخيال(3).



وبناء على هذا فإنّ وجود مثل هذا المصحف في نظر ابن حجر والآخرين أمر غير مقبول للأدلة الآتية:

أ: إنّ سند الرّوايات الواردة حول مصحف الإمام علي عليه السلام ضعيف لانقطاعها.

ب: وعلى تقدير أن يكون الاسناد محفوظاً فقول الإمام علي عليه السلام، "حتى أجمع القرآن" يعني حفظه في صدره.

ج: الذي وقع في بعض طرقه بقوله عليه السلام "حتى جمعته بين اللّوحين" وَهم من راويه.

وإليك ما في هذه الإيرادات من الوهن والضعف:

فأمّا الاشكال الأوّل: فان انقطاع السند بـ "محمّد بن سيرين" ـ الذي هو من

____________

1 ـ كرواية أبي الضريس في فضائل علي [عليه السلام]. منه.

2 ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: ص 41.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 236.
الصفحة 419

التابعين ـ إنما هو في بعض الطرق، ولكنّه في بعضها الآخر غير مقطوع، إذ أنَّ أحد طرقه ما ذكره "ابن الضريس" حيث نقله عن محمّد بن سيرين عن عكرمة عن الإمام علي عليه السلام(1) وعكرمة يعتبر من الموثوقين عند ابن حجر(2). وهذا وقد اعتبر الآلوسي نفسه طريق "ابن الضريس" صحيحاً(3). مضافاً إلى ذلك أنّ "محمّد بن سيرين" ذكر له علماء الرجال عدة أوصاف منها: ثقة، عابد، كبير الشأن ولا يرى الرواية بالمعنى(4)، وقد ثبت لديه وجود هذا المصحف.

وقد سأل عكرمة عن خصوصيات المصحف. وفي رواية أخرى حول بحثه عن ذلك المصحف يقول:


"تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه"(5).



والاشكال الثاني لابن حجر سببه حذف بعض الرواية الواردة ثمّ إيراد الاشكال وهو ما لا يتفق والأمانة العلمية، فان رواية ابن أبي داود هكذا: "... أقسم عليّ [عليه السلام] أن لا يرتدي برداء إلاّ لجُمُعة حتّى يجمع القرآن في مصحف ففعل". فقال ابن حجر عن ابن أبي داود: "... أقسم عليّ... حتّى أجمع القرآن فجمعه". فحذف ابن حجر عبارة "يجمع القرآن في مصحف ففعل" ثمّ بنى عليه اشكاله وقال: "حتى أجمع القرآن فجمعه مراده حفظه في صدره".

وهذا من مثل ابن حجر غريب جداً.

وأمّا الاشكال الثالث: فإنّه غير وارد أيضاً وهو ما ذكره ابن حجر حيث قال:


____________

1 ـ ومحمّد بن سيرين يعدّ من رواة عكرمة، انظر: تهذيب الكمال: ج 20، ص 268.

2 ـ تحرير تقريب التهذيب: ج 3، ص 32، الرقم 4673.

3 ـ روح المعاني: ج 1، ص 41.

4 ـ تهذيب الكمال: ج 25، ص 344. وقال ابن تيمية في شأنه: "محمّد بن سيرين من اورع الناس في منطقه، ومراسيله من اصح المراسيل". منهاج السنة، تحقيق رشاد سالم: ج 6، ص 237.

5 ـ الاتقان: ج 1، ص 58.
الصفحة 420


"والذي وقع في بعض طرقه حتّى جمعته بين اللّوحين وَهْم من راويه".



أىّ حكم هذا من ابن حجر؟ والحال أنّ راويه الذي اتهمه ابن حجر بالوهم والخطأ مما يوجب تضعيفه هو "عبد الخير" وعبد الخير نفسه ورد في رواية اُخرى عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا المقام وأوردها ابن حجر قائلاً:


"... وأصحّ منه ـ أي من حديث جمع الإمام المصحف ـ وهو المعتمد ما أخرجه ابن أبي داود باسناد حسن عن عبد الخير; قال: "سمعت علّياً يقول أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله"(1).



فالراوي واحد وقد اتهمه ابن حجر هناك بالوهم والخطأ أمّا هنا فقد جعله محلّ اعتماده وثقته، فهل هذا من العدل؟!

والعجب من الآلوسي حيث صحّح رواية ابن الضريس، والتي ورد في متنها أنّ ابن سيرين سأل عكرمة عن خصوصيات ذلك المصحف بقوله:


"فقلت لعكرمة ألـَّفه كما اُنزل الأوّل فالأوّل...؟".



ومع هذا الوصف يقول الآلوسي:


"وما صحّ فمحمول كما قيل على الجمع في الصدر".



فلا بدّ أن يكون مراد الآلوسي هو أنّ الإمام علياً عليه السلام الّف القرآن في صدره كما اُنزل الأوّل فالاول!! وما عشت أراك الدهر عجبا!

هذا ولا يخفى أنّ الآلوسي والآخرين لم يسلكوا الطريقة العلمية في هذه الأحاديث; لأنّ مضمون تلك الأحاديث واحد، وهو في اصطلاح علم الدراية

____________

1 ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري: ج 9، ص 12.
الصفحة 421

يسمّى بالحديث "المتابع" أو "الشاهد"(1). وهذا يعني أنّ الرّوايات التي هي في نظر الآلوسي ضعيفة أو موضوعة; تعطي القوة للحديث الصحيح لموافقتها الصحيح في المضمون، ولذا يكتسب الصحيح صفة الاستفاضة لا أنها تعزل عن الصحّة وتؤوّل بما يلائم الاذواق.

ولندع ذلك جانباً ونقول: إنّ القول بأنّ تعبير "جمع القرآن" ـ الذي ورد في بعض الرّوايات ـ لا يمكن حمله هنا على معنى الجمع في الصدر ـ أي الحفظ في الصدر ـ لأنّ الإمام بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وتعيين الخليفة في السقيفة لم يشتغل بشيء فما الحاجة لجلوسه في البيت وتفرغه لحفظ القرآن في صدره؟

وإن كان هذا ممّا حدا بالبعض إلى توجيه كثرة المعارف والرّوايات والعلوم الصادرة عن الإمام علي عليه السلام بذلك فقال:


"معظم ما روي من التفسير عن الخلفاء الراشدين هو من علي كرم الله وجهه وذلك لبعده عن مهام الخلافة إلى نهاية عثمان..."(2)


وهذا التوجيه هزيل لا أساس له من الصحّة كما ترى، وذلك:

أولاً: إنّ الإمام علىّ عليه السلام ذكر في عصر خلافته كثيراً من تفسير القرآن والرواية عن النبىّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ خصوصاً في خطبه ـ.


____________

1 ـ حديث "المتابع" أو "الشاهد" هو الحديث المؤيد بمضمونه لحديث آخر بغض النظر عن سنده. فحديث "المتابع" ما وافق راويه راوياً آخر وفيما نحن فيه، المتابع كان تاماً لانه جاءت المتابعة فيه للراوي نفسه. واما حديث "الشاهد" فهو اعم من التابع، يشهد للمعنى تارة وللفظ والمعنى كليهما تارة أخرى، وفي المقام من الحديث "الشاهد المعنوي" أي الذي يعزّز معنى الحديث الآخر لا لفظه. ولا يرى بعض المحدثين بأساً في اطلاق المتابع على الشاهد وان كان بينهما فرق دقيق. انظر: علوم الحديث ومصطلحاته: ص 241 ـ 243.

2 ـ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ج 1، ص 13.
الصفحة 422

ثانياً: إنّ مثل عثمان بن عفان أيضاً كان بعيد عن مهام الخلافة في عصر الخليفتين الأوّل والثاني ومع ذلك لم يرو عنه سوى تسع روايات في التفسير فقط ـ ولو قبل هذا التوجيه ـ فنحن نسأل: إذا كان الإمام بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قد تفرّغ عن كل شغل لبعده عن مهام الخلافة، فما الحاجة إلى الجلوس في البيت والإيلاء على نفسه بأنه لا يرتدي برداء حتّى يحفظ القرآن في صدره؟ وعلاوة على ذلك فان الآلوسي نفسه ذكر في ذيل الآية (ولنجعلها لكم تذكرة وتعيها اُذن واعية)قال:


"في الخبر أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم، قال لعلي كرم الله وجهه: "إني دعوت الله تعالى ان يجعلها اُذنك يا عليّ" قال علي كرّم الله تعالى وجهه: فما سمعت شيئاً فنسيته وما كان لي ان انسى"(1).



بهذه الخصوصية حفظ الإمام علي القرآن بل السنة والسيرة وكلّ العلوم التي أودعها النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في صدره الشّريف، ولا يحتاج إلى الجلوس في البيت وحفظ القرآن في صدره. نعم جمع علىّ عليه السلام القرآن في مصحف بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما أشارت مجموعة من الرّوايات إلى أنّ النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أمره بذلك، وقام الإمام علي عليه السلام بجمع القرآن تنفيذاً لأمره صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا أحد غير الإمام علي عليه السلام كان يمتلك صلاحية القيام بذلك العمل الخطير(2)، وعلى هذا فالرواية التي ذكرها ابن

____________

1 ـ روح المعاني: ج 16، ص 73، والآلوسي الذي بناؤه في التفسير على نقد وبحث الرّوايات التفسيرية لم ينتقد هنا بشيء فيما يرتبط بهذه الرواية، والجدير بالذكر ان طرق هذا الحديث بلغت (30) طريقاً وجاءت الرّوايات متواترة بهذا المعنى، واكثرها عن أهل السنة. راجع: سعد السعود: ص 108.

2 ـ هذه النكتة غير خافية على أحد وقد ذكرها الشهرستاني في مفاتيح الأسرار ومصابيح الابرار، وسنذكر توضيحاً اكثر لها فيما بعد ان شاء الله تعالى.
الصفحة 423

حجر وجعلها محلّ اعتماده هي خبر الواحد(1) في مقابل تلك الرّوايات المستفيضة والتي جاء بعضها بسند صحيح، ولا يمكن الاعتماد على الحديث الذي يسمّى "شاذّاً"(2) في اصطلاح علم الحديث.

علاوة على هذا إنّ هذه الرواية لا تتلاءم والواقع التأريخي، حيث إنّ أبا بكر لا يمكن عدّه أول من جمع القرآن بل كان قبله مصحف ابن مسعود واُبي بن كعب وآخرين، رغم أنـّهم حاولوا توجيه المسألة قائلين: إن هذه المصاحف كانت شخصية(3) وأمّا صحائف أبي بكر فهي للاُمّة، ولكننا نستطيع ردّ ذلك بالاعتماد على نفس كتب أهل السنة، فاننا على فرض قبول ذلك في عصر خلافة أبي بكر، حيث أمر زيد بن ثابت بجمع تلك الصحائف كما تذكر بعض رواياتهم(4)، ولكنّ تلك الصحائف لم تستنسخ للاُمة، ولم تصل إلى يد أحد من أبناء الأمّة، بل إنّها بقيت في

____________

1 ـ رغم انّ ابن أبي داود ذكر هذه الرواية في كتابه المصاحف بخمسة وجوه إلاّ ان الطريق فيها كلّها هو سفيان عن السدي عن عبد خير عن الإمام علي عليه السلام، وفي هذه الصورة تكون من خبر الواحد.

2 ـ الحديث الشاذ هو الرواية الصحيحة التي تتعارض مع الأرجح منها.

وقال ارتور جفري:


"روي ان غير واحد من الصحابة جمع القرآن في مصحف ومنهم علي بن أبي طالب، وزعم بعض ان المراد بالجمع في هذا الحديث، الحفظ ولكننا لا نوافق على قولهم..." مقدمة كتاب المصاحف: ص 5.



3 ـ اعترف الدكتور القفاري أيضاً بهذا الأمر، وأورد نفس التوجيه المتقدم بان هذه المصاحف كانت شخصية. (اصول مذهب الشيعة: ص 1025).

4 ـ ان وقوع هذه الحادثة في عصر أبي بكر كانت مورد شكّ لدى المحققين، بل انهم استدلوا من القرآن والسنة والعقل على ان القرآن الموجود الآن هو نفسه الذي جُمع في زمان النبىّ الاكرم صلّى الله عليه وآله ومن جملة دلائل شكّ وترديد المحققين في قبول تلك الرّوايات هو اختلاف الأخبار واضطراب متونها. ومن هؤلاء المحققين: السيد المرتضى في "الذخيرة في علم الكلام": ص 364 وما بعدها والنهاوندي في مقدمة "نفحات الرحمن وتبيين الفرقان": ص 6 والعلامة الشيخ محمّد جواد البلاغي في "آلاء الرحمن": ص 19 والسيد الخوئي في "البيان في تفسير القرآن": ص 240 وغيرهم.

الصفحة 424

يد أبي بكر، ثمّ انتقلت إلى عمر، ومن بعد ذلك صارت لحفصة وانقطع خبرها، وأغلب الظنّ أنّ عثمان لم يطلب تلك الصحائف من حفصة ولم يستنسخها بل بقيت محفوظة في أعقاب عمر لو لم يخبر حذيفة بن اليمان عثمان باختلاف قراءات الصحابة في حرب أرمينية(1).



فحاصل القول في المسألة الاولى:

إنّ مصحف الإمام علي عليه السلام أمر ثابت وواقع موقع القبول لدى الفريقين، والخدش في رواياته يعدّ مكابرة، وكما قال أحد الكتّاب المعاصرين:


"لعلّ إعراض القوم عن مصحف علي عليه السلام هو السبب في قدح ابن حجر العسقلاني ومن تبعه كالآلوسي في الخبر الحاكي له... مع أنّ هذا الأمر من الامور الثابتة المستغنية عن أيّ خبر مسند..."(2).



والعجيبُ من الدكتور القفاري أن يدّعي أنّ خبر مصحف الإمام علي عليه السلام في كتاب سليم بن قيس يعتبر من آثار الأيدي السبئية، وهي نقطة البداية في القول بتحريف القرآن عند الشيعة!!

وكما هو حال البعيدين عن القيم القرآنية فأنت تراه قد طرحها بأقبح الألفاظ وفي غاية الإساءة للأدب في حق أمير المؤمنين عليه السلام(3)، وبالتالي حكم على من نقل خبر المصحف بهذا الحكم الجائر حيث قال:


"وكيف يصدق مثل هذا الافك الذي نقله شرذمة الكذّابين... إنّها



____________

1 ـ الغالبية العظمى من كتب علوم القرآن بحثت تلك المسألة فراجع على سبيل المثال، الاتقان: ج 1، ص 135.

2 ـ التحقيق في نفي التّحريف: ص 278.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 202.
الصفحة 425


خرافات لا يصدقها عقل بريء من الهوى والغرض، ولا تدخل قلباً خالطته بشاشة الايمان"(1).



فهل إنّ الدكتور القفاري يعي لوازم كلامه هذا؟ وهل إنّ جميع علماء أهل السنة الذين نقلوا خبر مصحف علي عليه السلام لا ينطبق عليهم هذا الحكم؟ أفليسوا والحالُ هذه من "شرذمة الكذابين" و"مصدقي الخرافات" و؟!... أفهل يدري الدكتور القفاري ما يقوله؟

وعلى أية حال فمع إحراز وجود هذا المصحف في كتب الفريقين يبقى هذا السؤال مطروحاً بين الفريقين لا الشيعة وحدها وهو أنه لماذا لم يظهر الإمام علي عليه السلام في زمان خلافته هذا المصحف للناس(2)؟ وسوف ترى جوابه إن شاء الله، ولكن قبل الإجابة عن ذلك نودّ أن نبيّن ماهية هذا المصحف.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 11:24 PM   #5
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



المسألة الثانية: دراسة في محتوى ومضمون مصحف الإمام علىّ:


أ: محتوى المصحف في مصادر أهل السنة:

توجد لدينا عدّة روايات من كتب أهل السنّة تدور حول مضمون مصحف الإمام علي عليه السلام، نشير إلى بعضها:

قال محمّد بن سعد بعد أن أورد الخبر:


"فزعموا أنـّه كتبه على تنزيله، وقال محمّد بن سيرين فلو اُصيب



____________

1 ـ المصدر السابق: ص 262.

2 ـ يرى "الفضل بن شاذان ت 260" أنّ هذا السؤال أجاب عنه أهل السنة فيقول: "ثم رويتم بعد ذلك كله ان رسول الله صلّى الله عليه وآله عهد إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ان يؤلف القرآن فالّفه وكتبه ورويتم أنّ ابطاء عليّ على أبي بكر البيعة [على ما] زعمتم لتأليف القرآن فاين ذهب ما الّفه علي بن أبي طالب عليه السلام حتى صرتم تجمعونه من افواه الرجال...". الايضاح: ص 222، وهذا الجواب يدل على قدم مسألة وجود مصحف الإمام علي عليه السلام في كتب أهل السنة بشكل لا يقبل الانكار.
الصفحة 426


ذلك الكتاب لكان فيه علم..."(1).



وقال ابن عبد البرّ بسنده عن محمّد بن سيرين مثله(2).

وقال ابن جزي:


"فجمعه على ترتيب نزوله ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ولكنّه لم يوجد"(3).



وقال ابن اشته:


"كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ"(4).



وقال ابن الضريس بسنده عن عكرمة:


"... لو أجمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا"(5).



وأخيراً قال السيوطي:


"جمهور العلماء اتفقوا على أنّ ترتيب السور كان باجتهاد الصحابة وان ابن فارس استدل لذلك بان منهم من رتبها على النزول وهو مصحف علي كان أوله إقرأ ثمّ نون ثم المزّمّل هكذا ذكر السور إلى آخر المكّي ثم المدني"(6).



وقد ذكر عبد الكريم الشهرستاني في مقدمة تفسيره فهرساً لترتيب السور في

____________

1 ـ الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338.

2 ـ الاستيعاب، القسم الثالث: ص 976.

3 ـ التسهيل: ج 1، ص 4.

4 ـ نقلاً عن الاتقان: ج 1، ص 58.

5 ـ نقلاً عن الاتقان: ج 1، ص 66.

6 ـ الاتقان في علوم القرآن: ج 1، ص 66.
الصفحة 427

مصحف الإمام علي عليه السلام(1).

فنلاحظ ان مضامين هذه الرّوايات تتحد مع روايات الشيعة ـ الآتي ذكرها ـ في الدلالة على ان مصحف الإمام علي عليه السلام علاوة على أنّ سوره وآياته مرتبة كما أنزلها الوحي، فهو يشتمل على حقائق كثيرة من تبيين وتفسير للآيات الشريفة. فعلى هذا فإنَّ ما قاله ابن سيرين في شأن المصحف: "كتبه على تنزيله" ـ مع التنبه إلى اصطلاح "التنزيل" عند القدماء ـ كان بهذا المعنى أي إنَّ ذلك المصحف يشتمل على حقائق شرح وتفسير مراد الله عز وجل بحيث صار كنزاً عظيماً من العلم وهذا ما اكدته الرّوايات بقوله: "لو اصبت ذلك الكتاب لكان فيه علم" ولو كان التفاوت بين مصحف الإمام علي عليه السلام وهذا المصحف الذي هو الآن في أيدينا هو الترتيب والتأليف في الآيات والسور فقط لما قال عنه ابن سيرين وآخرون: "لكان فيه علم كثير" وهذا ممّا لا شكَ فيه لأنّا إذا تنبَّهنا إلى عظمة شخصية الإمام علي عليه السلام ومكانته من القرآن والنبىّ ـ فيما لو أمعنّا في مفاد حديث الثقلين وأنه عدل القرآن ـ لقطعنا بأنّ أمر تدوين القرآن الكريم لم يعرف علمه عند غير الإمام علي عليه السلام، ولو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يؤلّفوه هذا التأليف لما استطاعوا.


ب: محتوى المصحف في مصادر الإمامية:

لقد ذكرت روايات الخاصّة أيضاً شيئاً عن مضمون هذا المصحف، ولأنّ هذا المصحف موجود لدى الأئمة الطاهرين وراثة عن أمير المؤمنين عليه السلام فيجب ان نبحث هذه المسألة أكثر تفصيلا، لأنّ الدكتور القفاري ادّعى بأنّ هاتين الرّوايتين فيما يتعلق بهذا المصحف(2) وكلاهما تدلان على التّحريف اُولاهما عن

____________

1 ـ مفاتيح الأسرار: ج 1، ص 125.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 261.
الصفحة 428

الباقر عليه السلام يقول:


"ما ادّعى أحد من الناس أنـّه جمع القرآن كلّه كما اُنزل إلاّ كذّاب وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده."(1).



وفي الحديث الآخر عن الإمام الباقر عليه السلام أيضاً يقول:


"ما يستطيع أحد ان يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء"(2).



ولكنَّ هاتين الروايتين مع غض النظر عن سندهما(3) لا تدلان على تحريف القرآن إطلاقاً وهذا ما يستفاد من القرائن الداخلية في تلكما الروايتين كما قاله العلاّمة الطباطبائي:


"قوله عليه السلام "إنّ عنده القرآن كلّه" الجملة وإن كانت ظاهرة في لفظ القرآن ومشعرة بوقوع التّحريف فيه لكن تقييدها بقوله: ظاهره وباطنه يفيد أنّ المراد هو العلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة الفهم العادي ومعانيه الخافية على الفهم العادي وكذا قوله في الرواية السابقة "وما جمعه وحفظه" الخ، حيث قيد الجمع بالحفظ فافهم"(4).



وقرينة "الاوصياء والأئمة من بعده" في هذه الرّوايات هي أيضاً خير شاهد على أنّ المراد من جمع القرآن كله ظاهره وباطنه، هو العلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة والباطنة وعلى الرغم من أنّ الدكتور القفاري قد تجاهل ذلك قائلاً:


____________

1 ـ الكافي: ج 1، ص 228.

2 ـ المصدر السابق وأيضاً بصائر الدرّجات: ص 193.

3 ـ يقول العلامة المجلسي في سند الحديث الأوّل: انه مختلف فيه، والثاني ضعيف، مرآة العقول: ج 3، ص 30.

4 ـ تعليق على اصول الكافي: ج 1، ص 228.
الصفحة 429


"ثم هم يقولون في رواياتهم وأبوابهم "من ادعى إنّه جمع القرآن غير الأئمة فهو كذّاب" مع أنهم زعموا أن القرآن كان مدوّناً مجموعاً من عهد النبىّ صلّى الله عليه وسلّم، ويستدلّون على هذا برواية جاءت في البحار فهل كان الحسن والحسين وبقية الأئمة هم الذين يتولّون جمعه في عهد النبىّ صلّى الله عليه؟"(1).



أقول: من فمك ندينك ايها الدكتور فإنّ نفس الرواية التي جاءت في بحار الأنوار ورواية سليم القائل: "جمع تنزيله وتأويله والناسخ والمنسوخ" وأيضاً الرّوايات الاخرى بعنوان قرائن خارجية وقرائن داخلية في نفس تلك الرّوايات تدل على ان المراد من "الجمع" ـ في الحديث ما ادّعى أحد إنّه جمع القرآن كلّه... ـ هو نفس المعنى الذي ذكرناه يعني جميع علومه ظواهرها وبواطنها عند الأئمة عليهم السلام فعلى أساس تلك الرواية والدراية في مفادها تسالم كبار علماء الشيعة من متقدمين ومتأخرين على وجود تفاوت بين مصحف أمير المؤمنين والمصحف الموجود، بعد أن اتّفقوا على ان هذا التفاوت ليس من سنخ الآيات والوحي القرآني، ومن هؤلاء العلماء اعتقدوا بأنّ هذا الاختلاف في الزيادة والنقصان من نوع الأحاديث القدسية كالشيخ الصدوق رحمة الله عليه إذ يقول:


"وقد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جمع إلى القرآن لبلغ مقدار سبع عشرة ألف آية... كما كان أمير المؤمنين عليه السلام جمعه، فلمّا جاء به قال: هذا كتاب ربّكم كما اُنزل على نبيّكم، لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف..."(2).



وبعضهم اعتقدوا بان هذا الاختلاف هو من ناحية التأويل والتفسير كالشيخ

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 262.

2 ـ الاعتقادات: ص 92.
الصفحة 430

المفيد حيث يقول:


"... ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز..."(1).



وكذلك المحدّث الكاشاني(2)، والشيخ جعفر الكبير(3)، والمحقّق الكاظمي(4)، والسيد الخوئي في "البيان" قال:


"... لا دلالة على أنّ هذه الزيادات كانت من القرآن وقد اسقطت بالتحريف، بل الصحيح أنّ تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل، وما يؤول إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد"(5).



ويرى بعض آخر من العلماء أنّ هذا التفاوت إنّما هو ترتيب وتأليف الآيات كالشيخ المفيد في موضع آخر إذ يقول:


"... قد جمع أمير المؤمنين عليه السّلام القرآن المنزل من أوله إلى آخره بحسب ما وجب من تأليفه فقدّم المكّي على المدنىّ والمنسوخ على الناسخ ووضع كلَّ شيء منه في موضعه ولذلك قال جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام: أما والله لو قرئ القرآن كما اُنزل لألفيتمونا فيه مسمَّين كما سمّي من كان قبلنا..."(6).




____________

1 ـ اوائل المقالات: ص 93.

2 ـ تفسير الصافي: ج 1، ص 43 وعلم اليقين: ص 130. والمحجّة البيضاء: ج 2، ص 264.

3 ـ كشف الغطاء;كتاب القرآن: ص 274.

4 ـ شرح الوافية في علم الاصول نقلاً عن فصل الخطاب: ص 31.

5 ـ البيان: ص 223.

6 ـ المسائل السروية: المسألة التاسعة، ص 133.
الصفحة 431

ومنهم ابن شهرآشوب في "المناقب"(1) والنهاوندي في "نفحات الرحمن"(2)وأبو عبد الله الزنجاني في "تاريخ القرآن"(3) والعلاّمة الطباطبائي في تفسيره "الميزان" مستدلاً بالآتي:


"... ولو كان مخالفته في بعض الحقائق الدينية لعارضهم بالاحتجاج ودافع فيه ولم يقنع بمجرد اعراضهم عمّا جمعه واستغنائهم عنه"(4).



والشخص الوحيد من الإمامية الذي ادّعى أنّ التفاوت بين مصحف الإمام علي عليه السلام والمصحف الموجود بين أيدينا هو تفاوت في جوهر القرآن ـ بحسب علمي ـ هو المحدّث النوري تابعاً للمحدّث الجزائري في فصل الخطاب على عادته!! فهو في اثبات توهماته يقول:


"إنّها ـ زيادات ـ من أعيان المنزل اعجازاً أي نفس القرآن حقيقة لا من الأحاديث القدسية ولا من التفسير والتأويل"(5).



لقد كان بعض أدلّة المحدث النوري في هذا المقام من روايات أهل السنة، ولكن لو تأمّل أىُّ منصف أدلة المحدّث النوري وهي عبارة عن روايات عن العامة والخاصة لرأى أنها من حيث السند ساقطة، ومن حيث المتن فبعضها لا ربط له بمصحف الإمام علي عليه السلام وبعضها الآخر لا يدل تماماً على مراده، واليك تفصيله:

إنّ المحدث النوري توهم أنّ هذه الرّوايات تدل على ما ادّعاه وهي:

1 ـ ما رواه السياري عن هشام عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى:


____________

1 ـ مناقب آل أبي طالب: ج 2، ص 49.

2 - نفحات الرحمن: المخطوط، الورقة 12.

3 ـ تاريخ القرآن: ص 76.

4 ـ الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 119.

5 ـ فصل الخطاب: ص 97.
الصفحة 432

"والملائكة حول العرش يسبّحون بحمد ربّهم ولا يفترون ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين" قلت ما هذا جُعلتُ فداك، قال: هذا القرآن كما اُنزل على محمّد بخطّ علىّ صلوات الله عليهما قلت، إنّا نقرأ (... ويستغفرون لمن في الأرض...)قال: ففي الأرض اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الاوثان أفَترى أن حملة العرش يستغفرون لهم...؟(1) ففي سند هذه الرواية السياري يعني أحمد بن محمّد السياري الذي اتفق علماء الرجال من الشيعة والسنة على فساد مذهبه وتضعيفه، واتفقوا أيضاً على سقوط كتابه "القراءات" بالاتفاق(2).

وأمّا من جهة المتن فلا دلالة فيه على مدّعى النّوري، لأنـّنا نجد في القرآن في هذا المقام آيتين إحداهما الآية الثامنة من سورة غافر وهي قوله تعالى: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربّنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم)والاخرى هي الآية الخامسة من سورة الشورى وهي قوله تعالى: (... والملائكة يسبحون بحمد ربّهم ويستغفرون لمن في الأرض إنّ الله هو الغفور الرحيم)، وآية سورة الشورى عامة وآية سورة غافر خاصّة، وحمل العام على الخاص هو مطابق للمحاورات العرفية، وقد ذكر سلفاً بأنـّه في مصحف الإمام علي عليه السلام شخصت الآيات العامة والآيات الخاصّة، وعلى فرض صدور هذه الرّوايات فإنّ الإمام الصادق عليه السلام استفاد من هذه الطريقة في "تفسير

____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 124.

2 ـ معجم رجال الحديث: ج 2، ص 282، قال النجاشي فيه: "أحمد بن محمّد السياري ضعيف الحديث، فاسد المذهب" وأضاف الشيخ الطوسي أنه مجفو الرواية، كثير المراسيل و...". المصدر نفسه، ولسان الميزان: ج 1، ص 382، رقم 800.
الصفحة 433

الآية".

2 ـ الرّوايات التي وردت حول سورة "لم يكن" واستند إليها الدكتور القفاري أيضاً وسيأتيك الكلام عنها قريباً إن شاء الله.

3 ـ الرّوايات التي وردت في باب القراءة وجاءت في كتب الفريقين(1) مثل زيادة كلمة "وصلاة العصر" في قوله تعالى: (... والصلاة الوسطى)(2) وزيادة كلمة "ولا محدّث" في قوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبىّ...)(3) وزيادة "إلى آخر الدهر" بعد قوله تعالى: (إن الإنسان لفي خسر)(4) ومثل تعبير "آل محمّد" في آية (ان الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران ـ وآل محمّد ـ على العالمين)وهي تعدّ من القراءات الواردة و...(5).

4 ـ الرواية التي تقول: "إنّ القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمّد صلّى الله عليه وآله سبعة عشر ألف آية". وقد فصلنا القول في هذه الرواية في المقام الأول في مبحث "دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 11:25 PM   #6
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



المسألة الثالثة: دراسة ونقد شبهات الدكتور القفاري حول مصحف الإمام علىّ:

إنّ الدكتور القفاري بعد أن جعل فكرة وجود مصحف الإمام علي عليه السَّلام من الامور الخيالية، وبنى على ذلك اكتشافه وهو أن القول بفكرة وجود هذا المصحف يعني بداية وجود التّحريف في القرآن والتي وضع لبنتها ـ بحسب رأي

____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 105.

2 ـ فضائل القرآن: ص 165 والآية 238 من سورة البقرة (2).

3 ـ الدرّ المنثور: ج 6، ص 65 والآية 52 من سورة الحج (22).

4 - فضائل القرآن: ص 189 والآية 2 من سورة العصر (103).

5 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 735، والآية 33 من سورة آل عمران (3) وشواهد التنزيل ذيل الآية 31 وهكذا تفسير الثعلبي، وروى نحوه أو ما يؤيده السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. وسيأتي البحث فيها مفصلاً.
الصفحة 434

الدكتور القفاري ـ عبد الله بن سبأ، والآن وليضفي الدكتور القفاري الصبغة العلمية على اشكالاته فقد طرح عدة مناقشات على النحو الآتي:


المناقشة الاولى:

قال الدكتور القفاري:


"نجد الصورة لهذه الفرية في بدايتها... التي يرويها أبان بن أبي عياش المتفق على ضعفه ـ كما اسلفنا ـ عن سليم وفيها: "إنّ عليّاً لزم بيته حتى جمعه وكان في الصحف والرقاع..." وهذه الدعوى وردت في بعض كتب أهل السنة ولكنها لم تثبت بسند صحيح"(1).



ثم ذكر الدكتور القفاري رأي ابن حجر تأييداً لمذهبه.

لقد اثبتنا في المسألتين الاولى والثانية أن وجود المصحف أمر مستفيض لدى الخاصة والعامة ورأيت:

أولاً: ان مصدره ليس هو فقط كتاب سليم بن قيس برواية أبان بن أبي عياش.

ثانياً: لا يوجد في الرواية ما يدل على التّحريف والطعن في كتاب الله بل يؤكّد حجّية القرآن الموجود.

وقد ذكرنا لك سابقاً عبارة سليم وبحثناها باختصار وعرضنا عليك جواب مناقشات ابن حجر وأمثاله.

وأمّا الآن فنحن نقف مع الدكتور القفاري حول هذه النقطة وهي: إنّ الدكتور القفاري تعهّد في كتابه أن ينقل الأحاديث من الكتب المعتبرة لدى الشيعة ويعتمد على الرّوايات الموثقة(2)، ولكنه نسي ولعلّ تناسى تعهده في هذه المسألة العظيمة،

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 236.

2 ـ نفس المصدر: ص 15 و23 و219.
الصفحة 435

فنسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن وحكم بتكفيرهم(1) مستدلاً برواية أبان بن أبي عياش الذي أقرّ الدكتور القفاري نفسه بأنـّه متفق على ضعفه


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 11:26 PM   #7
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



المناقشة الثانية:

قال الدكتور القفاري:


"تصف رواية سليم جمع علي القرآن بأنه لم يكن كلّه قرآناً بل جمع تنزيله وتأويله والناسخ والمنسوخ منه وهذا رغم أنـّه لا يصحّ من أصله إلاّ أنه يدل على أنه ليس وفق الاصول التي أمر بها النبىّ صلّى الله عليه وسلّم لجمع القرآن ومنها قوله: "لا تكتبوا عنّي شيئاً غير القرآن"(2) فقد أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلّم بكتابة القرآن ونهى أن يكتب معه غيره خشية أن يختلط بشيء آخر"(3).



أولاً: إنّ رواية سليم ليست وحدها التي ذكرت أنّ في هذا المصحف التنزيل والتأويل والناسخ، بل إنّ ذلك ورد في روايات أهل السنة أيضاً.

ثانياً: إنّ الدكتور القفاري نفسه يدّعي أنه:


"كان لابن مسعود وأبي بن كعب وعائشة وسالم مولى حذيفة مصاحف... وقد يكتبون تفسيراً لبعض الآيات في نفس المصحف... وربما كتبوا ما نسخت تلاوته..."(4).



فهل انّ جميع هؤلاء نسوا أمر النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بعدم كتابة شيء سوى القرآن؟ أم انّ رواية "لا تكتبوا عنّي شيئاً غير القرآن" في الأساس إمّا

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 200.

2 ـ وردت رواية بمضمونها عن ابي هريرة، انظر: تقييد العلم: ص 34.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 236.

4 ـ نفس المصدر: ص 1025.
الصفحة 436

صادرة في مورد خاص أو انها موضوعة ومختلقة كما هو الاقوى.

ثالثاً: ان رواية "لا تكتبوا عنّي شيئاً سوى القرآن" لم ترد من طريق أهل البيت ولا من طريق من يركن إليه، وهي من الحديث الموقوف(1) والمعارض(2) بزخم من الرّوايات، وما هو في الواقع إلاّ توجيه لحفظ عمل الخلفاء واُمراء بني امية الذين منعوا كتابة ـ وحتى نشر ـ روايات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى النصف الأوّل من القرن الثاني(3)، فهم لم يجدوا حيلة يدافعون بها عن اجتهاد الخلفاء وحكام الجور إلاّ الاستناد إلى رواية هي على أضعف الفرضيات موقوفة وعلى أكثر الشواهد مختلقة. بل إنّ الخلفاء أنفسهم قد منعوا من كتابة ونشر حديث النبىّ صلّى الله عليه وآله لم يستندوا إلى هذه الرواية.

رابعاً: كما ان سنة النبىّ صلّى الله عليه وآله لم تكن على منع كتابة الحديث، إذ هل يعقل ان المولى عزّ وجلّ امر النبىّ صلّى الله عليه وآله بتبيين وتعليم آيات الوحي للناس في جميع ابعادها من الاصول والفروع ولكن النبىّ صلّى الله عليه وآله وهو معلِّم الوحي(4) ومبيّنه(5) منع عن كتابة كلامه؟! والحال ان دين الإسلام هو الدين العالمي ويجب أن يصل صوته إلى جميع أرجاء المعمورة إلى يوم القيامة الأمر الذي يقع على عاتق الكتاب والسنة.

خامساً: إنّ مسألة منع كتابة الحديث ليست بالأمر الهيّن إذ هي محل ابتلاء

____________

1 ـ عدّ البخاري هذا الحديث موقوفاً. نقلاً عن تقييد العلم: ص 31.

2 ـ فهي معارض لسنّة وسيرة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والرّوايات الصريحة المنقولة عن عبد الله بن عمرو بن العاص، كما سيأتي.

3 ـ المنع من كتابة الحديث حتى النصف الأوّل من القرن الثاني من المسلّمات التأريخية، وهناك شواهد ومصادر كثيرة تدلّ على ذلك. انظر مثلاً: أضواء على السنّة المحمّديّة: ص 47.

4 ـ سورة الجمعة (62): الآية 2.

5 ـ سورة النحل (16): الآية 46.
الصفحة 437

الناس وهم في أمسِّ الحاجة إليها فعلى هذا كيف ترد في تلك المسألة العظيمة ومحل الابتلاء، رواية أو روايتان فقط وتتعارض مع روايات عديدة(1).

والطامة الكبرى هي أنّ كثيراً من الصحابة خالفوا هذا الأمر الخطير فهذه الرواية المنقولة عن عائشة أمّ المؤمنين وفيها:


"جمع أُبي الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب كثيراً قالت: فغمّني، فقلت: أتتقلّب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلمّا أصبح قال: أي بنيّة هلمّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرّقها..."(2).



وهكذا الأمر بالنسبة إلى عمر بن الخطاب الخليفة، إذ بلغه انه قد ظهر في أيدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها وقال:


["أيها الناس... فلا يبقين أحد عنده كتاب إلاّ أتاني به، فأرى فيه رأيي فظنوا انه يريد ينظر فيها، ويقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار..."](3).



سادساً: ثم كيف يمكن أن ينهى النبىّ صلّى الله عليه وآله عن الكتابة والحال انّ الرّوايات الاخرى الكثيرة تنقل عن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أمره بالكتابة والتعليم والتعلم، وحتى الأمر بكتابة الحديث، فعلى سبيل المثال:

إن النهي عن الكتابة يخالف ما روي عن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في كتاب وصيته في حادثة يوم الخميس التي روتها أهل السنة والشيعة(4)، ولوضوح موقفه

____________

1 ـ ان كانت المسألة عظيمة وكثيرة الابتلاء ومع هذا لم ينقل عنها إلاّ عدد قليل، فهذا دليل على انها موضوعة أو خطأ من راويها.

2 ـ تذكرة الحفاظ: ج 1، ص 5.

3 ـ الطبقات الكبرى: ج 5، ص 188 وتقييد العلم: ص 52.

4 ـ وهي الحادثة التي وصف فيها ابن عباس بالرزية وقال: "الرزّية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب..."، انظر صحيح البخاري مع فتح الباري: ج 8، ص 32، كتاب المغازي الرقم 4432، النص والاجتهاد: ص 151، صحيح مسلم: ج 3، ص 1259، كتاب الوصية: الرقم 22، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي و... وغيرها كثير من روايات أهل السنة التي أوردت هذه الحادثة المرّة، ولغرض استيفاء سند ومتن كتابة الوصية انظر الهوامش التحقيقية الملحقة بكتاب "المراجعات": ص 446 وما بعدها.
الصفحة 438

صلّى الله عليه وآله وسلّم من كتابة الحديث وأمره به، فانّ ثلّة من علماء أهل السنّة اعتمدوا على ذلك في جواز كتابة العلم في عصر النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم منهم "ابن حجر" في فتح الباري(1) ورفعت فوزي "في توثيق السنّة في القرن الثاني الهجري"(2).

وأمّا التوجيه الذي ذكره بعضٌ وتبعه الدكتور القفاري في نهي النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الكتابة وهو: "نهى أن يكتب معه ـ أي مع القرآن ـ غيره خشية أن يختلط بشيء آخر" فهو غير مقبول ولا مسموع، وإنّ ما ذهب إليه الدكتور القفاري مستفاد من قول النووي في شرحه على صحيح مسلم حيث يقول النووي:


"اختلفوا ـ أي المسلمون ـ في فهم المراد بهذا الحديث: لا تكتبوا عنّي شيئاً غير القرآن الوارد في النهي"


وبعد أن أورد وجوهاً في تعيين المراد من هذا الحديث قال:


"قيل: إن حديث النهي منسوخ بالأحاديث الواردة في جواز الكتابة، وكان النهي حيث خيف اختلاطه بالقرآن، فلمّا أمن ذلك أذن في الكتابة و..."(3).




____________

1 ـ فتح الباري: ج 4، ص 210.

2 ـ توثيق السنّة في القرن الثاني الهجري: ص 47.

3 ـ صحيح مسلم بشرح النووي: ج 18، ص 130. وأوردها أيضاً في فتح الباري: ج 1، ص 206 وما بعدها بهذا الاختلاف.
الصفحة 439

لكن إعجاز القرآن ينفي وجود مثل هذا الاختلاط، وخاصة في حياة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وعلى مرأىً منه، إذ إنّ النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم سيمنع من وقوع أي اختلاط، ومع جواز هذا الاحتمال الباطل فان الخوف من الاختلاط إنّما يتأتّى في أوائل البعثة يعني الزمان الذي لم يدوّن فيه القرآن كما ذهب إليه كثير من أهل السنة قديماً(1) وحديثاً(2)، فهناك يكون خوف الاختلاط أمراً وارداً، لكن الاشكال حينئذ يصبح أشدّ صعوبة حيث ان الراويين للحديث اثنان فقط أحدهما: "أبو سعيد الخدري"(3) والآخر "أبو هريرة"(4). فأمّا أبو سعيد فكان عُمره يوم اُحُد ثلاث عشرة سنة، وأبو هريرة دخل الإسلام في السنة السابعة من الهجرة في المدينة، فكيف يتسنّى لهما نقل رواية كهذه في أوائل البعثة.

نعم، إنّ مسألة منع كتابة الحديث في زمن الخلفاء لها جذور تمتد إلى عصر الرسالة، حيث انّ صدى الرسالة لم يصل إلى أعماق نفوسهم، فجوّزوا لأنفسهم الاجتهاد في مقابل النص، وإليك ما ذكر "عبد الله بن عمرو بن العاص" شاهداً على ما ذكرناه، فقال:


"كنت أكتب كلّ شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: إنّك تكتب كلّ شيء تسمعه من رسول



____________

1 - كابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: ص 266 وابن القيم، كما في تهذيب سنن أبي داود: ج 5، ص 245، وقد عزا الخطيب البغدادي هذا القول الى عدّة من الناس. تقييد العلم: ص 57.

2 ـ كمحمد أبو زهرة في كتابه "الحديث والمحدثون": ص 124 وصبحي الصالح في "علوم الحديث ومصطلحاته": ص 20.

3 ـ انظر: كتب التراجم والرجال كـ "سير أعلام النبلاء": ج 2، ص 168.

4 ـ أسلّم أبو هريرة قبل وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بثلاث سنين (في وقعة خيبر). انظر: اضواء على السنة المحمدية: ص 202 وشيخ المضيرة: ص 45.

الصفحة 440


الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بشر يتكلّم في الغضب والرّضا، فأبيت عن الكتابة، فذكرت ذلك للرسول فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلاّ الحقّ"(1).




والمؤسف أنَّ هذه الفكرة استمرت إلى ما بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وتركت آثاراً مضرّة ومخرّبة، ودراسة تلك الأضرار، من فتح الطريق لدخول الاختلاق والوضع في الأحاديث ونشر الاسرائيليات بشكل واسع، وابتعاد الناس عن المنبع الثاني في التشريع وهم أهل البيت عِدل القرآن ـ ونقدها وتقويم آراء العلماء في هذه المسألة يحتاج إلى مجال آخر


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 11:27 PM   #8
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



المناقشة الثالثة:

قال الدكتور القفاري:


"على أي الأحوال فإنّ قصارى ما في هذه الدعوى أن يكون لعليّ [عليه السلام] مصحف مثل بعض الصحابة كابن مسعود وغيره... وهذا لا يتضمن الطعن في كتاب الله سبحانه..."(2).



سبحان الله!! هل أنّ في روايات الشيعة أو في آراء كبار علماء الشيعة رأي كهذا؟ فمن من عظماء الشيعة يذهب إلى وجود مصحف للإمام علىّ عليه السلام ويطعن في كتاب الله؟! ثمّ إنّ الدكتور القفاري ليدّعي ويقول:


"قد أكثر القوم في الحديث عن مصحف [الإمام] علي [عليه السلام ]المزعوم والذي يحتوي كما يزعمون على زيادات في كتاب الله"(3).




____________

1 ـ تقييد العلم: ص 80 ـ 81 والمستدرك على الصحيحين: ج 1، ص 105 و106 ومسند أحمد: ج 2، ص 162، 192 وسنن الدارمي: ج 1، ص 125 وسنن أبي داود: ج 2، ص 126 وبمضمونه في تقييد العلم: ص 68 وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر: ج 1، ص 85.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 237.

3 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 261.
الصفحة 441

وقد ذكرنا لك عزيزي القارئ روايات كتاب سليم فهل وجدت فيها موارد للطعن في كتاب الله أم العكس هو الصحيح؟ فإنّ الرّوايات توكّد حجّية هذا القرآن الموجود، وأنَّ الأخذ به موجب للنجاة من النار ودخول الجنة، ففيها يقول الإمام علي عليه السلام لطلحة حينما سأله عليه السلام: "ما أراك يا أبا الحسن أجبتني عمّا سألتك عنه من أمر القرآن; ألا تظهره للناس؟! قال عليه السلام: ياطلحة! عمداً كففت عن جوابك.

قال: فاخبرني عما كتب عمر وعثمان، أقرآن كلُّه أم فيه ما ليس بقرآن؟

قال عليه السلام: بل هو قرآن كلّه إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنّة فإنّ فيه حجّتنا وبيان [أمرنا و] حقّنا وفرض طاعتنا، فقال طلحة، حسبي، أما إذا كان قرآناً فحسبي"(1).

ونحن قد ذكرنا أنه لا يوجد مصحف كمصحف الإمام علي عليه السلام من حيث احتوائه على كافة علوم الوحي كما دلّت على ذلك روايات الفريقين.

على هذا فإن ما قاله الدكتور القفاري: "والذي يحتوي كما يزعمون على زيادات في كتاب الله..." إذا كان المقصود من الزيادات ما ورد بعنوان التأويل والتفسير و... كما هو عليه اتفاق علماء الإمامية فهذا مالا يوجب الطعن في القرآن، وإن كان المراد من الزيادات هو الزيادة في نصوص آيات الوحي والقرآن المُنزل، فما هو دليل الدكتور القفاري على ذلك؟ لا دليل لديه سوى عدّة روايات من خبر الواحد، ولو غضضنا النظر عن سندها ومتنها وفرضنا صحّة سندها وقوّة متنها، وغمضنا أيضاً عن أن ما يرتبط بنفس آيات الوحي والقرآن المنزل، يحتاج إلى روايات متواترة لفظياً لا معنوياً ولا اجمالياً ـ لو أغمضنا النظر عن كل ذلك ـ لما وجدنا فيها دلالة على وجود زيادات في نصوص الآيات القرآنية كما هو واضح لدى كل منصف.


____________

1 ـ كتاب سليم بن قيس، ص 581 ـ 582.
الصفحة 442


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 11:32 PM   #9
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



المناقشة الرابعة:

وهي التّي أثارها الدكتور القفاري مستنداً إلى بعض الرّوايات في كتب الشيعة.

فالدكتور القفاري في بحثه تلك الرّوايات بدأ بالنقل على "كتاب الاحتجاج" لكن روايات كتاب الاحتجاج خالية من السند كما يعلم بذلك الدكتور القفاري، ورغم أن المؤلف ألزم نفسه بأنه لا يذكر في احتجاجه إلاّ الرّوايات المعتبرة، ولكنه ـ كما قلنا ـ بحذفه الاسناد سقط كتابه الاحتجاج في مقام الاحتجاج والاستدلال وهو غير قابل للاعتماد في البحث العلمي، بل هناك ترديد لدى بعض علماء الشيعة في المؤلف الحقيقي لكتاب الاحتجاج(1)، ومع هذه الأوصاف التي يحملها كتاب الاحتجاج فلننظر إلى ماتمسك به الدكتور القفاري من كتاب الاحتجاج؟ فيقول:


"فإذا كانت رواية سليم تقول بأنهم ردّوا مصحف علىّ حينما جاء لأوّل وهلة فإن رواية الطبرسي تشير إلى أنهم أخذوه; فلمّا فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فضائح القوم; وهي هنا تقدم لنا موضوعاً من موضوعات مصحف علي وهو فضائح القوم يعني الطعن في صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم".



وقام بعد ذكر هذه العبارة كما هو شأنه وشأن غيره كابن تيمية بكيل السباب والألفاظ البذيئة ضد الشيعة(2).

فنحن نقول:

أولاً: إنّ هذا حسب قولك هو طعن في الصحابة لا طعناً في كتاب الله، فالكلام

____________

1 ـ كالاستاذ الشيخ معرفة في صيانة القرآن عن التّحريف: ص 231.

2 ـ كهذه العبارة: "لا يطفئ الحقد الذي اكل قلوب هذه الزمرة الحاقدة تجاه الرعيل الأوّل الذين فتحوا ديارهم ونشروا الإسلام بينهم بل لا تتغذى قلوبهم الحاقدة إلاّ على موائد سب الصحابة، ولا ترتوي نفوسهم السوداء إلاّ بالطعن فيه". اصول مذهب الشيعة: ص 237.
الصفحة 443

هنا ليس في الزيادات في متن آيات الوحي.

ثانياً: إنّ وجود المنافقين من الصحابة في عصر الوحي وقبيل وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر مسلَّم به دلّ عليه القرآن والسنّة، ومن البديهي أيضاً أنـّه في خلافة أبي بكر لم يكن جميع هؤلاء قد ماتوا، وليس جميعهم قد دخل نور الإيمان في قلوبهم، بل ان بعضهم قد بقي حياً بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم واستمر في نفاقه، ودليل ذلك قوله تعالى: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إنّ الله مخرج ما تحذرون)(1) وكذلك قوله تعالى: (وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرّتين ثمّ يردون إلى عذاب عظيم)(2). وقال السيوطي: نقلاً عن "ابن المنذر" و"ابن حاتم" و"أبي الشيخ" عن "قتادة":


"كانت هذه السورة تسمى الفاضحة، فاضحة المنافقين وكان يقال لها المثيرة، أنبأت بمثالبهم وعوراتهم"(3).



وعلى هذا فإنّ وجود المنافقين في أوساط صحابة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر بديهي، والله تبارك وتعالى ذكر في سور القرآن الكريم ومن ضمنها سورة التوبة الأوصاف الروحية للمنافقين، وخططهم وبرامجهم التي أعدّوها للكيد للإسلام والمسلمين، ولكن طريقة القرآن الكريم لم تكن ذكر المنافقين بأسمائهم، وهو أيضاً سنة وسيرة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم التي استقاها من السّماء، "فانّ سيرة النبىّ صلّى الله عليه وآله مع المنافقين تأبى ذلك فان رأيه تأليف قلوبهم

____________

1 - سورة التوبة (9): الآية 64.

2 ـ السورة نفسها: الآية 102.

3 ـ الدرّ المنثور: ج 3، ص 209.
الصفحة 444

والأسرار بما يعلمه من نفاقهم"(1) وطريقة أمير المؤمنين ليست إلاّ طريقة الكتاب والسنة، فهو لم يذكر أسماء المنافقين أبداً وأئمتنا عليهم السلام علّمونا بأنّ كلما خالف الكتاب والسنة الصحيحة هو زخرف من القول(2).

وعلى هذا فلو تغاضينا عن سند تلك الرّوايات ونظرنا إلى دلالتها فما دلّ منها على ذكر أوصاف المنافقين فقط لا أسمائهم فهذا ممّا لا سبيل إلى ردّه وإنكاره، وما كان مصحوباً بذكر أسمائهم فإننا نردّه أيّاً كان سنده لمخالفته الكتاب والسنة الصحيحة.

والرواية الاخرى ذكرها الدكتور عن كتاب "قرب الإسناد نقلاً عن بحار الأنوار" عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال:


"دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخرج إليّ مصحفاً، قال: فتفحصته فوقع بصري على موضع منه فإذا فيه مكتوب هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان فاصليا فيها لا تموتان فيها ولا تحييان يعني الاولين"(3).



كيف يسوغ للدكتور القفاري الاعتماد على هذا الخبر في إثبات وجود الزيادة في القرآن، والحال ان هذا الخبر من حيث السند خبر الواحد، ومن حيث المتن "مدرج" وبالتالي فهو ساقط عن الاعتبار؟ وأمّا أنـّه مدرج فان هذا المصحف الّذي ادّعى الراوي أنـّه أخذه من الإمام الصادق عليه السلام لو كان هو مصحف الإمام علي عليه السلام، فإنّ الإمام علياً دوّنه في زمان خلافة أبي بكر ولمّا يحكم عمر بعد، حتّى يصدق عليهما عنوان الأولين وهذا ممّا يثبت إدراج عبارة "يعني الاولين" في متن الرواية ـ التي نسبها الدكتور القفاري اشتباهاً إلى المجلسي ـ

____________

1 ـ البيان: ص 225.

2 ـ هذه الرواية جاءت بصورة متواترة وقد تعرّضنا إلى سندها ومتنها في المقام الأوّل.

3 ـ بحار الأنوار: ج 92، ص 48.
الصفحة 445

فالإدراج كما رأيت من الراوي فكيف يمكن إثبات الزيادة في متن القرآن بتلك الرواية والحال ان متن القرآن لا يثبت إلاّ على خبر متواتر باجماع الفريقين.

الرواية الثالثة هي رواية الكافي بسند مرسل وقد ذكرت في كتاب بصائر الدرّجات واختيار معرفة الرجال بمضمون آخر، ففي بصائر الدرّجات بسنده عن البزنطي قال:


"... ففتحت المصحف لأقرأ فيه، فلما نشرته نظرت فيه في "لم يكن" فاذا فيها أكثر مما في أيدينا أضعافه فقدمت على قراءتها فلم أعرف منها شيئاً، فأخذت الدواة والقرطاس فأردت أن أكتبها لكي أسأل عنها، فأتاني مسافر قبل أن أكتب منها بشيء ومعه منديل وخيط فقال، مولاي يأمرك أن تضع المصحف في منديل وتختمه وتبعث إليه بالخاتم ففعلت ذلك."(1).



وفي الكافي أورد عن البزنطي نفسه:


"دفع الي أبو الحسن مصحفاً وقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه "لم يكن الذين كفروا" فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال فبعث إليّ: ابعث إليّ بالمصحف."(2).



وفي "اختيار معرفة الرجال" أيضاً عن البزنطي قال:


"لما أُتي بابي الحسن عليه السلام اخذ به على القادسية ولم يدخل الكوفة واخذ به على البِّر إلى البصرة قال، فبعث إليّ مصحفاً وانا بالقادسية، ففتحته فوقعت بين يدي سورة "لم يكن" فإذا هي أطول وأكثر مما يقرأها الناس، قال فحفظت منه أشياء قال، فأتاني مسافر ومعه منديل وطين وخاتم فقال، هات! فدفعته إليه فجعله في المنديل ووضع عليه الطين وختمه فذهب عنّي



____________

1 ـ بصائر الدرّجات: ص 246 وبحار الأنوار: ج 92، ص 51.

2 ـ الكافي: ج 2، ص 631.
الصفحة 446


ما كنت حفظت منه وجهدت أن أذكر منه حرفاً واحداً فلم أذكره."


وهذه الرواية أيضاً من حيث السند خبر الواحد، ومن حيث المتن مضطربة، ولا يمكن إطلاقاً الاعتماد عليها في هذا الموضوع المهم جدّاً، وعلى فرض صدورها واعتبار متنها فهي لم تصرّح بزيادة أسماء سبعين رجلاً من قريش أو أشياء أخرى كانت في متن السورة، وهو كما ذكره المحدث الفيض الكاشاني بقوله:


"لعلّ المراد انّه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً للذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي، لا أنها كانت من أجزاء القرآن"(1).



ولكن الكلام هنا مع الدكتور القفاري كيف طوعت له نفسه الاعتماد على مثل هذا الحديث الضعيف سنداً والمضطرب متناً مع إنّه لاحظ ذلك الحديث وقال:


"نصوص متناقضة كالعادة في كلّ اسطورة وإذا كان يصعب كتابة شيء منه أو حفظ جزء منه، فكيف حفظت وكتبت تلك الأساطير؟ وإنّها أوهام يناقض بعضها بعضاً"(2).



ثم استفاد من هذا التناقض بطلان المذهب بقوله:


"والتناقض أمارة بطلان المذهب"(3).



وعلى هذا يمكن لنا أن نستنتج أنّ كلّ رواية من روايات كتب أهل السنة مضطربة المتن ـ وهو ما يوجب عدم اعتبارها ـ فإنها في نظر أهل الشقاق دليل على التناقض وعلامة بطلان المذهب!! وهكذا يستمر الدكتور القفاري ويقول:


"... هذا المصحف يشير إلى أنّ من موضوعاته تكفير صحابة رسول



____________

1 ـ الوافي: ج 5، ص 273.

2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 264.

3 ـ نفس المصدر: 268.
الصفحة 447


الله صلّى الله عليه وسلّم فهو ليس كتاب الله الذي اُنزل للناس كافّة والذي أثنى على الصحابة في جمل من آياته... بل هو مصحف تتداوله الأيدي الباطنية بصفة سرية وتنسب بعض الأخبار لأهل البيت لتسيء لهم".



ورجماً بالغيب يقول:


"وإنّ ما حفظ من سبعين اسماً يتعلق بأعداء الأئمة من قريش"(1).



هذه الخرافة نسبها الدكتور القفاري إلى رواية البزنطي، والحال أنّ سورة "لم يكن" لم تكن في الأصل تخص المنافقين، وإنّما هي حول أهل الكتاب والمشركين وفي الواقع إن تلك الثورة العاصفة والغضب الصاعق والاتهامات الصادرة من الدكتور القفاري إنّما سببها في الحقيقة هو بحسب زعم الدكتور القفاري إنّ مصحف الإمام علي طعن في الصحابة وكفّر بعضهم والصحابة بأجمعهم أعلى وأجلّ من الكفر والنفاق في حين أنّ المنافقين كانوا في أوساط الصحابة. فهذا ابن تيمية يقول في "حذيفة بن اليمان":


"وأما حديث حذيفة فقد ثبت في الصحيح ان حذيفة كان يعلم السر الذي لا يعلمه غيره وكان ذلك ما أسرّه إليه النبىّ صلّى الله عليه وسلّم عام تبوك من أعيان المنافقين، فإنّه روى أن جماعة من المنافقين أرادوا أن يحلّوا حزام ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالليل ليسقط من بعيره فيموت وإنّه أوحي إليه بذلك وكان حذيفة قريباً منه فأسرّ إليه أسماءَهم"(2).




____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 264.

2 ـ التفسير الكبير، ابن تيمية: ج 2، ص 69 ـ 70، صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب عمار وحذيفة ـ رضي الله عنهما ـ الرقم 3743.
الصفحة 448

وعلى هذا فإنّه بزعم الدكتور القفاري ان رسول الله صلّى الله عليه يكون ـ والعياذ بالله ـ أول من طعن بالصحابة لأنـّه ذكر بعضاً من المنافقين من الصحابة وعرّف حذيفة أسماءهم.

وعلى أية حال فإنّا نقول: ساحة القرآن المقدسة أعلى وأعظم شأناً من أن تمس بوجود أمثال هذه الرّوايات أو الافتراءات التي لفقّها الدكتور القفاري، وإلاّ فهذا النوع من الرّوايات يوجد أمثالها في كتب أهل السنة في مقام نفس هذه السورة "لم يكن" أيضاً ـ كما مرّ علينا في علينا في المقام الأوّل ـ فهل يجب علينا الركون إلى معايير الدكتور القفاري وتعصّبه مع تلك الرّوايات المتعددة والتي بعضها صحيح السند، يعني أنـّه بدلاً من أن يجعل الاضطراب في متن هذه الرّوايات وبُعدها عن الفخامة والعذوبة دليلاً على أجنبيتها عن القرآن وكونها ليست منه، بدلاً عن ذلك يستنتج من التناقض الذي فيها بطلان المذهب، أو يستدل بهذه الرّوايات المزعومة على وجود مصحف سرّي في أيدي الباطنية، فاي من هذين الطريقين يمكن عدّه من الطريقة التحقيقية السليمة المتصفة بالإنصاف والحكم بالعدل لبيان الحقائق؟

وعلى هذا فماذا يريد أن يثبته الدكتور القفاري من ادّعائه هذا يا ترى؟ طبعاً الشيعة تقول ـ كما هو قول كبار علماء أهل السنة أيضاً ـ إنّنا لو كان هذا المصحف ـ أي مصحف الإمام علي عليه السلام ـ في متناول أيدينا لحصلنا على معلومات أكثر عمقاً فيما يرتبط بالآيات وتفسيرها وتأويلها وشأن نزولها وغير ذلك ممّا هو في أيدينا الآن، وهذه النكتة غير خافية على المحققين. وأظنّ انّ هذا المصحف الذي لم ير النور بين أوساط المسلمين بالنظر إلى مؤلفه الذي يمتلك تلك الشخصية العظيمة; هو باتفاق الفريقين "باب مدينة علم النبىّ"(1) و"لم يسبقه الاوّلون ولم يدركه

____________

1 ـ استقصى مؤلف كتاب "نفحات الازهار في خلاصة عبقات الأنوار" أسانيد هذا الحديث وقال: هذا الحديث من الأحاديث المتواترة بين المسلمين: انظر: نفحات الازهار: ج 10 وأيضاً راجع: فتح الملك العلي بصحة أحاديث باب مدينة العلم علىّ، أحمد بن محمد الغماري والسيوطي قد حكم بأنّه حديث حسن! تاريخ الخلفاء: ص 159.
الصفحة 449

الآخرون بعلم"(1) و"علي مع القرآن والقرآن مع علي"(2). ومن أخبر عن نفسه بأنـّه: "والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت..."(3) وقال: "سلوني عن كتاب الله فإنّه ليس من آية إلاّ وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل"(4) وشواهد ذلك كثيرة جداً، نعم، لو كان لدينا ذلك المصحف، لما كان وضع علم التفسير كما هو عليه الآن، ولما قال أحمد بن حنبل: "ثلاثة ليست لها أصل، التفسير والملاحم والمغازي"(5).

وكذلك ابن تيمية بعد ذكره الوضع والاختلاق في الأحاديث إذ يقول:



"وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة... والموضوعات في كتب التفسير كثيرة"(6).




____________

1 ـ هذا مقطع من خطبة الإمام الحسن عليه السلام بعد استشهاد أمير المؤمنين علي عليه السلام، والتي نقلها الفريقان، فمثلاً راجع: حلية الاولياء: ج 1، ص 65.

2 ـ المستدرك للحاكم: ج 3، ص 124 والصواعق المحرقة: ص 76 ـ 77 والمعجم الاوسط والصغير للطبراني نقلاً عن تاريخ الخلفاء: ص 162، للسيوطي وقال: "وزاد في المعجم: لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض" نفس المصدر.

3 ـ الطبقات الكبرى: ج 2، ص 338 والصواعق المحرقة: ص 12 وانساب الأشراف: ج 2، ص 98 وتاريخ دمشق: ج 2، ص 485 والمحرر الوجيز: ج 1، ص 13.

4 ـ الطبقات الكبرى: ج 2، ص 328 وتفسير الطبري: ج 13، ص 221 وشواهد التنزيل بعدّة أسانيد: ج 1، ص 40 و45 والمستدرك للحاكم: ج 2، ص 466، حلية الاولياء: ج 1، ص 67، والاستيعاب: ج 4، ص 1107.

5 ـ نقلاً عن مقدمة في اصول التفسير لابن تيمية: ص 4.

6 ـ مقدمة في اصول التفسير: ص 19.

بواسطة كعب الاحبار وابن منبه وسواهما من اليهود الذين أسلموا تسربت إلى الحديث لا سيما في التفسير طائفة من اقاصيص التلمود ـ الاسرائيليات ـ وما لبثت هذه الرّوايات ان أصبحت جزءاً من الأخبار الدينية والتاريخية. فعلى سبيل المثال انظر: الدرّ المنثور: ج 5، ص 347 و... واستمع بعد ذلك إلى كلام ابن كثير فانه بعد أن روى عدة روايات عن كعب الاحبار في تفسير الآيات 102 ـ 107 من سورة الصافات قال:

"وهذه الاقوال والله اعلم كلّها مأخوذة عن كعب الأحبار فانه لما اسلّم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضي الله عنه عمّا في كتبه قديماً فربما استمع له عمر رضي الله عنه فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها وليس لهذه الأمّة والله اعلم حاجة إلى حرف واحد مما عنده". تفسير القرآن العظيم: ج 4، ص 17.
الصفحة 450

ولو كان لدينا ذلك المصحف، لما فسح المجال لدخول الاسرائيليات في كتب التفسير أو لكانت قليلة، تلك الاسرائيليات التي بدأت في عصر الصحابة، ثم توسعت في عصر التابعين، وكما يقول الذهبي:


"إنّ دخول الاسرائيليات في التفسير أمر يرجع إلى عهد الصحابة رضي الله عنهم... وسبق لنا القول بأن الرجوع إلى أهل الكتاب كان مصدراً من مصادر التفسير عند الصحابة... وأما التابعون فقد توسعوا في الأخذ عن أهل الكتاب فكثرت على عهدهم الرّوايات الإسرائيلية في التفسير..."(1).



فإنّ عمدة هذه المصائب هو تجريد القرآن من تبيين وتفسير النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم له، والفراغ الحاصل لدى المسلمين في تفسير القرآن لوجود فاصلة بين المجتمع الاسلامي والأشخاص الذين جعلهم النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عدل القرآن وورّاثه(2)، ولَنِعْمَ ما قاله عبد الكريم الشهرستاني في المقام:


____________

1 ـ التفسير والمفسرون: ج 1، ص 169.

2 ـ وهو مفاد حديث الثقلين.
الصفحة 451


"كيف لم يطلبوا جمع علي بن أبي طالب أَوَ ما كان أَكتَب من زيد بن ثابت؟! أَوَ ما كان أَعرَب من سعيد بن العاص؟! أَوَ ما كان أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله من الجماعة؟! بل تركوا بأجمعهم جَمعَه واتخذوه مهجوراً ونبذوه ظهرياً وجعلوه نسياً منسياً...

ومن المعلوم إنّ الذين تولوا جمعه كيف خاضوا فيه ولم يراجعوا أهل البيت عليهم السلام في حرف، بعد اتفاقهم على أنّ القرآن مخصوص بهم وإنّهم أحد الثقلين في قول النبىّ صلّى الله عليه وآله إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وفي رواية أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض..."(1).




____________

1 ـ مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار: ج 1، ص 125.

أقول: ما قاله الشهرستاني قولٌ في محله، فانّ القرآن مخصوص بهم وهم حملة تراثه، وإنّا ـ كما قال بعض المحققين ـ إذا أخذنا بنظر الاعتبار السؤال الذي يطرح عادةً وهو السؤال عن حدود التفسير الذي مارسه الرسول الاعظم صلّى الله عليه وآله ومداه، فهل شمل القرآن كله بان كان يفسّر الآيات تفسيراً شاملاً؟ أم اقتصر على جزء منه؟ أم كان يتناول الآيات التي يستشكل الصحابة في فهمها ويسألون عن معناها وحسب؟

فهناك من يعتقد ان النبىّ صلّى الله عليه وآله لم يفسر إلاّ آيات من القرآن ويستند أصحاب هذا القول في ذلك إلى روايات تنفي ان يكون الرسول صلّى الله عليه وآله قد فسّر القرآن كلّه تفسيراً شاملاً وعلى رأس هؤلاء السيوطي في الاتقان (ج 4، ص 196 ـ 200).

فمن تلك الرّوايات ما أخرجه البزاز عن عائشة قال: "ما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يفسر... إلاّ آياً بعدد..." (التفسير والمفسرون، للذهبي، ج 1، ص 51).

وأهم ما يعزز هذا القول هو طبيعة الأشياء والوقائع المشهودة وإلاّ لكثرت روايات الصحابة عنه في هذا الشأن، ولما وجدنا الكثرة الكاثرة منهم أو كبار رجالاتهم يتحيرون في معنى آية أو كلمة من القرآن ويغيب عنهم حتّى المدلول اللفظي للنص.

ولكن توجد في مقابل ذلك أدلّة وشواهد من القرآن وغيره تشير إلى ان النبىّ صلّى الله عليه وآله كان يقوم بعملية تفسير شامل للقرآن كله، ولعل في طليعة ذلك قوله تعالى: (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) البقرة (2)/ 151 وقوله تعالى: (...وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون)النحل/ 44.

وطبيعة الأشياء حين ننظر إليها من زاوية أخرى غير الزاوية السابقة... تدلّ على أنّ النبىّ صلّى الله عليه وآله قد فسّر القرآن تفسيراً شاملاً كاملاً لأنـّنا عرفنا: من ناحية أنّ الفهم الاجمالي للقرآن لم يكن كافياً لكي يفهم الصحابة القرآن فهماً شاملاً دقيقاً... ومن ناحية أخرى نحن نعرف: أنّ القرآن لم يكن في حياة المسلمين نصاً أدبياً أو أشياء ترتل ترتيلاً في عباداتهم وطقوسهم وانما كان الكتاب الذي أُنزل لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وتزكيتهم وتثقيفهم والارتفاع بمختلف مستوياتهم وبناء الشخصية الاسلامية الواعية للفرد والاسرة والمجتمع.

ومن الواضح أنّ هذا الدور العظيم لا يمكن للقرآن الكريم أن يؤديه بصورة كاملة شاملة ما لم يفهم فهماً كاملاً شاملاً...وهكذا نجد أنفسنا أمام تناقض بين قولين لكلّ منهما شواهده ومعززاته وهذا التناقض بحاجة إلى حلّ.

وقد لا نجد حداً منطقياً أقرب إلى القبول من القول: بأنَّ النبىّ صلّى الله عليه وآله فسّر القرآن الكريم على مستويين: فقد كان يفسّره على مستوى العام في حدود الحاجة ومتطلبات الموقف الفعلي ولهذا لم يستوعب القرآن كله.

وكان يفسّره كذلك على مستوى خاص تفسيراً شاملاً كاملاً بقصد ايجاد من يحمل تراث القرآن ويندمج به اندماجاً مطلقاً بالدرجة التي تتيح له ان يكون مرجعاً بعد ذلك في فهم الأُمة للقرآن...

ونحن إذا فسّرنا الموقف في هذا الضوء، وجدنا أنـّه يتّفق مع طبيعة الأشياء من كل ناحية.

فندرة ما صح عن الصحابة من الرّوايات عن النبىّ صلّى الله عليه وآله في التفسير مردها إلى أنّ التفسير على المستوى العام لم يكن يتناول جميع الآيات بل كان يقتصر على قدر الحاجة الفعلية.

ومسؤولية النبىّ صلّى الله عليه وآله في ضمان فهم الأُمة للقرآن وصيانته من الانحراف يعبّر عنها المستوى الخاص الذي مارسه من التفسير ولا يكفي المستوى العام لحصول هذا الضمان...

وهذا الحلّ المنطقي للموقف تدعمه النّصوص المتواترة الدالة على وضع النبىّ صلّى الله عليه وآله لمبدأ مرجعية أهل البيت عليهم السلام في مختلف الجوانب الفكرية للرسالة ووجود تفصيلات خاصة لدى أهل البيت تلقوها عن النبىّ صلّى الله عليه وآله في مجالات التفسير والفقه وغيرهما.

أما النصوص التي تمثل مبدأ مرجعية أهل البيت عليهم السلام في الجوانب الفكرية للرسالة فهي كثيرة..." ثم ذكر عدة نصوص، منها حديث الثقلين وحديث الامان (وهو قوله صلّى الله عليه وآله: "النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف" انظر: مستدرك الصحيحين: 3/ 149 والصواعق: 140) وحديث السفينة (وهو قوله صلّى الله عليه وآله: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها غرق"، راجع لمصادره، فضائل الخمسة: ج 2، ص 44 ـ 66) وحديث الحق (وهو قوله صلّى الله عليه وآله: "علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض" انظر: تاريخ بغداد، ج 14، ص 321 وتفصيل الرواة في فضائل الخمسة: ج 2، ص 122 ـ 124) وغيرها من النصوص... (علوم القرآن: السيد محمّد باقر الحكيم، ص 252 ـ 257.


 

رد مع اقتباس
إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 10:08 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية