هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التوظيف والتعيين والإست... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 80 ]       »     دورة : مهارات التخطيط المالي و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 63 ]       »     دورة : اساسيات التأمين [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 75 ]       »     دورة : تحليل البيانات والقوائم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 73 ]       »     دورة : السلامة والصحة المهنية ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 70 ]       »     دورة : آليات الرقابة الحديثة و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 112 ]       »     دورة : تكنولوجيا التميز والإبد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 97 ]       »     دورة : القيادة عالية الإنجاز و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : فنون العرض والتقديم وال... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : الإدارة الفعالة للمختبر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 103 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات


العودة   :: منتديات ثار الله الإسلامي :: > الأقــســـام الــعـــامــة > المــنـتـــدى الــعــام

يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
#1  
قديم 10-27-2010, 05:36 PM
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5056 يوم
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
Post زيف اللغة الملونة "الدكتور علي شريعتي " بقلم الشيخ مصطفى اليحفوفي



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بقائمهم

زيف اللغة الملونة "الدكتور علي شريعتي " بقلم الشيخ مصطفى اليحفوفي

مقدمة

يحدثنا "موريس كرانستون" في كتابه "سارتر بين الفلسفة والأدب" عن أسلوب سارتر في الكتابة، فيقول: ((إن الناس يتوقّعون عادة من الفلاسفة أن يكونوا كُتّابًا هادئين متّزنين غير منفعلين، أما سارتر فهو على عكس هذا، إنه يعبّر عن أفكاره بلغة ملونة وعبارات مثيرة، وإن اللون يُعمي أحيانًَا حتى أنه يسببالعمى)) ([1]).
إن "كرانستون" وإن كان يَصِف بكلامه هذا أسلوب سارتر بالخصوص، إلا أن الشقّ الأخير من كلامه يكشف عن مشكلة عامة تتجاوز سارتر، لتشمل كل شخص يستخدم في التعبير عن أفكاره اللغة الملونة والعبارات المثيرة، لأنه باستخدامه هذا قد يعمي أحيانًا حتى أنه يسبب العمى.
والذي نلاحظه في زماننا هو أن هذه اللغة تزداد شيوعًا حتى باتت هي الأسلوب المتبّع لدى عدد من الكتّاب والمفكّرين، بمن فيهم بعض رجال الدين. ولذا رأينا أن نحاول -وبمقدار الوسع- أن ننبّه على ما يمكن أن تحتفّ به هذه اللغة من مخاطر، فاخترنا لمحاولتنا هذه واحدًا من أبرز روّاد الميدان، عنيت به الدكتور علي شريعتي، ليكون لنا مثلاً نُظهر من خلاله جانبًا مما قد تنطوي عليه اللغة الملونة من اضطراب فكري وتشويش معنوي، ولكن بعد أن تغلفهما بغلاف أنيق وجذاب.
وللقارئ بعدها أن يقيس على هذا المثل غيره ممن يشاركون شريعتي في طريقته، وإن كانوا قد يختلفون عنه في بعض الرؤى والطروحات.
وبناء عليه يتبين أننا لا نرمي في مقالتنا هذه إلى مناقشة شريعتي في مختلف آرائه ونظرياته، كما أننا لسنا بصدد تتبّع كل ما يمكن تتبعه من أخطاء اشتملت عليها مؤلفاته، بل الذي يهمّنا هو تحذير القارئ حين يُقبل على قراءة النصوص المكتوبة بلغة ملونة وبعبارات مثيرة، لكي يقرأ بأناة وتبصّر، فلا يشغله جمال البلاغة عن تدبّر الحقيقة، ولا يلهيه سحر البيان عن ترصّد البرهان.
وهذا ما دعانا لأن ننتخب من كلام شريعتي بضعة نماذج متنوعة لندلل بها على المراد، ولم يكن غرضنا منها الدراسة المستوفية ولا الاستقصاء الشامل. ولذلك عمدنا عند مناقشتنا لبعض جوانب هذه النماذج إلى التركيز ما أمكن على الأمور ذات الصلة المباشرة بموضوع بحثنا، متجاوزين بذلك عن العديد من النقاط التي يمكن طرحها أو مناقشتها، على أننا نرجو من المولى سبحانه أن يوفقنا لاحقًا لإعداد مقالة ثانية نناقش فيها بشيء من التفصيل بعض آراء شريعتي، ونعرض فيها نماذج من معلوماته الخاطئة التي تمثل جزءًا معتبرًا من المادة التي أقام عليها صرحه الفكري.
ولا بد قبل الانتقال إلى صلب الموضوع من التنبيه على أننا حين ننسب إلى شريعتي قولاً أو رأيًا فنحن نقصد ما وجدناه من أقواله ونصوصه في كتبه المعرّبة والتي هي بين أيدي قراء اللغة العربية، ولا يدَ لنا في الأمر فيما لو كانت الترجمة قد أحدثت بعض الأخطاء.
ولنمض الآن في استعراض ما كنا قد انتخبناه من النماذج:
النموذج الأول: تهافت البلاغة

يقول شريعتي في كتابه "سيماء محمد (صلى الله عليه وآله)": (( وأكثر وجوه الحكمة تألّقًا في تاريخ البشر بلا جدال، هو "سقراط"، ذلك الذي بقيت أقواله طوال خمسة وعشرين قرنًا، أقواتًا للفكر، وشرابًا سائغًا للأفهام. وهو مثال التأمل البشري، رائد العوالم الغريبة، التي لم تطأها قدم أي حكيم، ذلك الذي صعد إلى قمة "لست أدري" ولأول مرة. وهو بستاني رياض النبوغ الرائعة: بدءًا من "أفلاطون" و"أرسطو" إلى (سن اغوستن وسن أوجن، ومن ثم إلى الكندي وابن سينا وابن رشد).. ولكن إلى أيّ أمر دعا ؟ الفلاسفة وحدهم هم القادرون على الجواب. وبماذا يُثَمَّن ؟ عشاق المنطق وحدهم هم الذين يثمّنون، أما أبناء "أثينا" فهم لا يعلمون، وكذلك أبناء أيّ مِصر، وأبناء أيّ عصر، ولو أننا رفعنا "سقراط وتلامذته من التاريخ، ماذا يحصل ؟ إن المدارس ودور الكتب وحدها هي التي سيرتفع عويلها، أما الناس فلن ينتبهوا. أليس هؤلاء هم الذين عدّوا الديمقراطية اليونانية بلاء، واعتبروا حكم الشعب للبلاد مصيبة، وكيف كانوا يتحسّرون على حكومة الأشراف ؟))([2]).
ثم يقول بعد ذلك: ((إن جاهلاً مثل "سبارتكوس" أجدى للغرب وأنفع من مجمع علمي "أكاديمية" حافل برجال كـ"سقراط" و"أفلاطون" و"أرسطو". كما أن رجلاً عربيًا بدويًا كـ"أبي ذر الغفاري" لأنفع للشرق من مئات "ابن سينا" و"ابن رشد" و"ملا صدرا"))([3]).
إنها لغة خلابة بدون شك، تُطرب القارئ، وتوقظ عواطفه، وتسيطر على مجرى أفكاره، فينقاد لها مستسلمًا، ولعله لشدة انفعاله يشرع أيضا بالتصفيق.
وكيف لا يفعل، وقد خُمِّر النصّ بكل ما أتيح له من فنون البلاغة وأدوات التأثير، مما لا يمكن الإحاطة به في هذه العجالة، لذا نكتفي بإيراد لمحات سريعة تشير إلى المراد وتدلّل على المقصود.
ولنلتفت بادئ ذي بدء إلى اللغة التصويرية الجذابة التي حِيكَ بها نسيج النص، ولنُعِدْ قراءة بعض ما جاء فيه من صور بلاغية، من قبيل [أقواتًا للفكر، وشرابًا سائغًا للأفهام]، [رائد العوالم الغربية]، [صعد إلى قمة "لست أدري"]، [بستاني رياض النبوغ الرائعة]... وكلها صور بلاغية ساحرة تزين النص بألوانها الجذابة ، فتحرك الخيال وترضي النفس وتريح العقل .. وهذا ما يجعل القراءة محببة ، ويضفي على النص نوعا من التشويق .
ولنلتفت بعدها إلى الأسلوب الساخر الذي يهوّن من شأن ما يسخر منه النص، فيجعل القارئ يتهيب من الوقوف إلى جانبه أو التعاطف معه، وذلك من قبيل قوله: [إن المدارس ودور الكتب وحدها هي التي سيرتفع عويلها]، وكذلك قوله: [ولكن إلى أيّ أمر دعا ؟ الفلاسفة وحدهم هم القادرون على الجواب، وبماذا يثمن ؟ عشاق المنطق وحدهم هم الذين يثمّنون] الخ.
ثم لنتأمّل قليلاً الأسلوبَ الذكي الذي اتبعه شريعتي للانقضاض على سقراط ليرفعه من التاريخ، حيث نجده قد مهّد لذلك بنعت هذا الفيلسوف العظيم بالعديد من النعوت القيمة والصفات الجليلة، الأمر الذي يُظهر ما يتمّيز به شريعتي من موضوعية، وما يتصف به من شجاعة. وقد تجلت موضوعيته في إقراره لسقراط بالعديد من فضائله ، كما برزت شجاعته في إقدامه الجريء على رمي الرجل إلى خارج دائرة التاريخ ، على الرغم مما يقترن به اسمه من سمعة وشهرة وإجلال وتقدير.
ولنتوقف لحظة عند جملة الأسماء التي أوردها شريعتي للفلاسفة والثوّار، من الغرب ومن الشرق، والتي يفصح تعدادها عن معرفة واسعة واطلاع عريض، مما يميل بالقارئ إلى تقبّل الأحكام بدون الكثير من التردد، لأنها صادرة عن مثقّف مطلع وعالم خبير.
ولننعطف بعدها نحو المفردات المنتقاة ذات الدلالات الغنية، مثل كلمة (عشاق) في قوله: [عشاق المنطق وحدهم هم الذين يثمّنون، أما أبناء أثينا فهم لا يعلمون ]، ومثل كلمة (جاهل) في قوله: [إن جاهلاً مثل "سبارتكوس" أجدى للغرب وأنفع من مجمع علمي "أكاديمية"]. ولنلاحظ أن استخدام كلمة (عشاق) أوغل في السخرية من كلمة (دارسو) مثلا، فيما لو قال: " دارسو المنطق وحدهم هم الذين يثمنون"، كما أن دائرة العشاق أضيق بكثير من دائرة الدارسين، والنتيجة هي أن التثمين يقتصر على قلة قليلة من الناس، هم العشاق الولهون بالمنطق والذين لا نعرف في أي فضاء يسبحون.
وبمثل هذا يمكننا إدراك السر في استخدام كلمة [جاهل] بدلا من كلمة (ثائر) مثلا..
وعلى هذا المنوال يتجه النص لمخاطبتنا بكل ما ينطوي عليه من قدرات بلاغية، وما يضجّ به من أدوات التأثير، ليثير حماس القارئ ويقنعه بالوقوف إلى جانب شريعتي مطالبًا معه برفع سقراط وتلامذته من التاريخ...
ونحن لا نريد أن نأخذ على شريعتي طريقته في التعبير، كما أننا لا نرفض استخدام اللغة البلاغية والأساليب التأثيرية من أساس. ولكننا نسجّل اعتراضنا حين يُتخّذ هذا الصنف من اللغة كوسيلة للتعمية وكبديل عن الدليل.
ولن نناقش الآن شريعي فيما ذهب إليه، ولن نثير في وجهه أيًا من الأسئلة التي يمكن إثارتها، على الرغم من سعة المجال للمناقشة وطرح الأسئلة، بل سنسلم له بكل ما أراد، لنرى بعد ذلك ما إذا كان سيلتزم هو نفسه بالنتائج والأحكام التي أفضت إليها بلاغته هنا، أم إن بلاغته ستضطره لاحقًا لهدم ما بنى ونقض ما أبرم؟!
ولكي نعرف حقيقة الأمر دعنا نقرأ نصه التالي من كتابه "العودة إلى الذات"، والذي يقول فيه: (( وفي اليونان، كنت ضيفًا على اتحاد طلاب أثينا بدعوة من الطلاب اليونانيين في أوروبا، وكنت سعيدًا أنني سوف أكون بين جماعة من المتعلّمين المفكرين، وسوف أعرف اليونان العزيزة معرفة دقيقة وصحيحة، فإن الوطن الحقيقي لكل إنسان (ليس)([4]) مسقط رأسه، بل ثقافته، وأنا الذي أعتبر قلبي بجوار بيت إبراهيم، اعتبر عقلي في أكاديمية أثينا...)) ([5]).
لله درُّك يا دكتور علي، ما أفصح لسانك وما أروع بيانك ! فهل في الناس مثلك من استطاع أن يربط بين الحقيقة والشريعة كما استطعت ؟! إنك وبجملة واحدة كشفت النقاب عن المثل الأعلى الذي يجدر بكل عاقل حكيم أن يطمح إليه، فيستودع قلبه في بيت إبراهيم، ويوجه عقله إلى أكاديمية أثينا، ليغدو بذلك النموذج الأمثل لأشواق الإنسان وتطلعاته، هنالك حيث تتلاقى وفي بوتقة واحدة دعوة الأنبياء مع بهجة الفلسفة ومعارفها.
فهنيئًا لك يا شريعتي على هذا الخيار الموفّق، وهنيئًا لأثينا بك، تلك المدينة التي غدت دون جميع حواضر العلم والمعرفة في العالم هي الوطن الحقيقي لك، لأنها تمثّل بأكاديميتها العظيمة النجم المضيئ الذي يدور عقلك في فلكه، وأنت قلت أن الوطن الحقيقي للإنسان ثقافته.
ولا أخفيك يا دكتور علي، إن كلامك الرائع هذا قد زادني حبًا لأكاديمية أثينا، لذا أخذني الحماس لأزداد بها معرفة، فراجعت ما كنت قد قرأته سابقًا عنها، وقرأت أيضًا ما لم أكن قد قرأته من قبل، فتيقّنت أنك على حق فيما ذهبت إليه حين اخترتها رمزًا لثقافتك ومقصدًا لحركة عقلك.
واسمح لي الآن أن أورد للقارئ تعريفًا موجزًا عن هذه الأكاديمية لكي أذكّره بحقيقة أمرها وما الذي تعنيه.
الأكاديمية: [مدرسة أو جمعية فلسفية أنشأها أفلاطون بعد سنة 387 ق.م، واتخذ مقرّها ببيت له اشتراه بالقرب من الحديقة العامة التي كانت تسمى أكاديميا، على بعد نحو ميل من بوابة ديبلون في مدينة أثينا القديمة، وظلت مفتوحة تمارس تدريس الفلسفة حتى أغلقها جيستنيان ضمن ما أغلق من مدارس التفكير الوثني سنة 259 ق.م]([6]).
فالأكاديمية هذه هي نفسها الأكاديمية التي سخّفها شريعتي في نصه الأول حين قال: [إن جاهلاً مثل "سبارتكوس" أجدى للغرب وأنفع من مجمع علمي "أكاديمية" حافل برجال كـ"سقراط" و"أفلاطون" و"أرسطو"].
وأفلاطون أيضًا -مؤسس الأكاديمية- هو ذاته أفلاطون الذي حرّضنا شريعتي على رفعه من التاريخ، كما قرأنا في النص عينه.
فلو جمعنا الآن بين أقوال شريعتي المختلفة لحصلنا على هذه المعادلة السهلة الواضحة:
أ - إذا رفعنا أفلاطون -مؤسس الأكاديمية- من التاريخ كما يدعونا شريعتي، وزالت الأكاديمية من الوجود تبعا لذلك، لأنه هو مؤسسها...
ب - وإذا اعتبرنا أن عقل شريعتي -كما يقول هو- موجود في الأكاديمية التي أزلناها من الوجود .
فماذا ستكون النتيجة ؟
النتيجة هي إذًا...
هذه هي النتيجة التي يفضي إليها كلام شريعتي نفسه بعد أن نجمع بين أقواله المختلفة. ولكننا لو راجعنا الأكاديمية قبل ذلك لكنّا وفرنا على أنفسنا عناء هذا الجمع، إذ من المؤكد أن الأكاديمية كانت سترفض قبول طلب شريعتي للانضمام إليها، وكيف لها أن تقبله وقد كتب مؤسسها أفلاطون على باب هيكله العبارة التالية: ((من لم يكن مهندسًا فلا يدخل علينا )). وهذا يعني أن أفلاطون لا يرضى أن يدخل عليه إلا أصحاب الأدلة الرياضية أو ما هو بمنزلتها ولا يرحّب في حرم أكاديميّته بأولي الحذلقة والسفسطائيين.
وهكذا نرى كيف تتهافت البلاغة لدى شريعتي، حيث نجده وقد غدا هو نفسه ممن يقدرون ويثمنون ، ويولي تلك الأهمية الكبرى للأكاديمية، بعد أن سخّفها واستهان بها ، وبعد أن سخر من أؤلئك الذين يقدّرون ويثمنون .
بهذا نصل إلى غاية ما أردنا بيانه في النموذج الأول من مزالق اللغة الملونة والعبارات المثيرة، لننتقل بعدها إلى أنواع أخرى من المزالق، يبيّنها لنا النموذج الثاني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) موريس كرانستون: سارتر بين الفلسفة والأدب، ترجمة مجاهد عبد المنعم، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1975، ص59.
([2]) د. علي شريعتي: سيماء محمد (صلى الله عليه وآله)، ترجمة د. سيد جعفر شامي الدبوني، دار الصحف للنشر، ط1، ص10.

([3]) نفسه، ص10- 11.

([4]) كلمة (ليس) زيادة منّا ليتضح معنى الإضراب في الكلام، هذا إن لم تكن هذه الكلمة قد سقطت سهوًا.

([5]) علي شريعتي: العودة إلى الذات، ترجمة د. إبراهيم دسوقي شتا، الزهراء للإعلام، ط2، 1413هـ- 1993م، ص123.

([6]) د. عبد المنعم الحنفي: موسوعة الفلسفة والفلاسفة، مكتبة مدبولي، ط2، 1999.



 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء








آخر تعديل السيد عباس ابو الحسن يوم 10-27-2010 في 05:47 PM.
رد مع اقتباس
قديم 10-27-2010, 05:39 PM   #2
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام


الصورة الرمزية السيد عباس ابو الحسن
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



النموذج الثاني: التحريف والانتقائية

يقول شريعتي في كتابه "الإنسان والإسلام": (( إن قصة هابيل وقابيل الموجودة في قصصنا الإسلامية، والتي يسميها القرآن نفسه بـ[القصة]، مليئة بالحقيقة العلمية. (إذا أخذنا القصص المشابهة باعتبارها وقائع تاريخية تكون غير مفهومة وبدون نتيجة([7])، ولكن إذا أخذناها باعتبارها حقايق نموذجية فإنها مليئة بالأسرار العلمية لمعرفة الإنسان ومعرفة التاريخ).
قابيل وهابيل، من هما ؟ ابنا آدم. إذًا عندما تُذكر قصة قابيل وهابيل فإنه المراد بها قصة بداية التاريخ البشري بصورة رمزية ونموذجية. (كما يذكر "البير كامو" قصة "أوران" ))([8]).
بهذه المقدمة يضعنا شريعتي أمام المنهج الذي يريدنا أن نتبّعه في فهم القصص الديني ومن بينها قصة ابني آدم، فهو يدعونا إلى عدم أخذ قصة ابني آدم وما يشابهها من القصص باعتبارها وقائع تاريخية، وإلا كانت غير مفهومة وبدون نتيجة. لذا علينا أن نأخذها باعتبارها حقائق نموذجية ورموزًا على نحو ما يذكر "البير كامو" قصة "أوران".
والشاهد الذي يؤيد به شريعتي كلامه هو أن القرآن نفسه يسمي قصة ابني آدم بـ(القصة).
ولكي يتأكد القارئ من صحة هذه الدعوى لشريعتي فما عليه إلا أن يرجع بنفسه إلى القرآن الكريم.
وغالبًا ما يصدّق القارئ الكلام ويمضي قُدُمًا... ولكنه لو توقّف لحظة ليفحص ويتأكد لأصيب بصدمة تذهل عقله.
لماذا ؟ لأن القرآن الكريم يقول: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناًفَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}([9]). فالقرآن يسمي هذه القصة بـ(النبأ) ولم يسمّها بـ(القصة) كما ادّعى شريعتي.
و(النبأ) يأتي بمعنى الخبر، وقد عرّفه الراغب الأصفهاني في "معجم مفردات ألفاظ القرآن" بقوله: (( النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمّن هذه الأشياء الثلاثة، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرّى عن الكذب، كالتواتر وخبر الله تعالى، وخبر النبي عليه الصلاة والسلام )).
والنبأ بهذا المعنى – أي بمعنى الخبر - لا يناسب مذهب شريعتي ولا يؤيد منهجه الذي ينكر واقعية قصة ابني آدم وما يشابهها من القصص.
وأما (القصة) فهي مأخوذة لغة من قصِّ الأثر أي تتبّعه. و(القصص) كما يذكر الراغب الأصفهاني في "مفرداته" هي [الأخبار المُتتبّعة]، ولفظ (القصة) بهذا المعنى لا يخدم هو أيضًا غرض شريعتي. غير أن هذا اللفظ قد خضع لشيء من التطوّر في دلالته فصار يستعمل في الحكاية مطلقًا حتى لو كانت كلها أو بعضها من نسج الخيال، ولم يعد مقتصرًا على قصِّ الأثر أو تتبّع الخبر. وبناء على هذا التطور الدلالي يحاول شريعتي أن يقنعنا بأن قصة ابني آدم ما هي سوى قصة رمزية تضعنا أمام حقائق نموذجية ولا تخبرنا عن الوقائع التاريخية شيئًا.
ولكن الغريب في الأمر هو أن هذا التحريف على شناعته لا يتيح لشريعتي الوصول إلى مبتغاه، وذلك لأنه حتى لو سلمنا بأن القرآن يسمي قصة ابني آدم بـ(القصة)، فإن القرائن([10]) تشير إلى أن القرآن لم يستعمل لفظ القصة بدلالته المتطورة كما يذهب إليه شريعتي، وإنما استعملها بمعناها اللغوي والذي يفيد معنى (تتبّع الأثر، والأخبار المتتبّعة). خصوصًا وأنه يصف قصصه بأنها القصص الحق كما في قوله تعالى {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}([11]).
وعلى كل حال دعنا نتجاوز الآن عن هذه المقدمة([12]) التي يمهّد بها شريعتي لرواية القصة على ما انطوت عليه من تحريف، ولنستمع إليه وهو يروي الحكاية حيث يقول: ((نموذجان هما قابيل وهابيل. يقوم آدم بخطبة ابنتيه لابنيه هذين. ولكن قابيل يرى خطيبة أخيه أجمل من خطيبته فيطمع فيها، ومن أجل ذلك يتمرّد قابيل.
إنهما أول إنسانين على وجه الأرض يبدآن بالتاريخ البشري. آدم أنموذج لنوع الإنسان، أما هذين([13]) فهما أنموذج بدء التاريخ البشري.
يقول هابيل: أنا قانع بحقي الذي اختير لي. ولكن قابيل يقول: لا، عليّ أن آخذ حقي منك. فيبدأ صراعهما على صورة تمرّدِ واعتداءِ قابيل على هابيل، بدافع أخذ خطيبته منه، فيشكوان إلى آدم، يقول آدم: فلينتخب كلٌّ منكما قربانا، وأيّ منكما قبل الله قربانه، فليذعن الآخر. قبلا بذلك. ينتخب هابيل من إبله ناقة شقراء عزيزة ويأتي بها إلى المنحر قربانًا لله. وقابيل يأتي بقبضة من القمح الذابل الأجوف القاتم المضروب الذي لا يفيد كل شخص، إلى محل القرابين. وبالتالي -وبصورة طبيعية- يُقبل قربان هابيل. ويظل قابيل خائبًا مرة أخرى.
قابيل -الذي حُرم من هذا العمل أيضًا- يستمرّ في اعتدائه، ويخدع أخاه هابيل في الصحراء ويقتله، وهذا أول دم سفك في التاريخ البشري بواسطة الإنسان، أول قتل أخٍ بدأ في النوع الإنساني))([14]).
وبعد أن يستنتج شريعتي من هذه القصة عقيدته في فلسفة التاريخ، يعود ليقول لنا: ((.. أنّ التاريخ -بمقتولية هابيل وقاتلية قابيل- ينتقل من مرحلة الوحدة الإنسانية إلى مرحلة التمييز الإنساني، ومن مرحلة أصالة النوع البشري إلى مرحلة أصالة الفرد البشري وحبّ الانفرادية للنوع البشري.
أي أن التاريخ بذهاب هابيل وبقاء قابيل انتقل من المرحلة الهابيليّة إلى المرحلة القابيليّة. وبإزالة هابيل وبقاء قابيل، أصبحنا جميعًا أبناء قابيل لأن هابيل لم يتزوج وظلّ محرومًا))([15]).
ثم يقول بعد هذا: ((قابيل حيّ دائمًا في تاريخ البشرية لأن هابيل قد مات))([16]).
هنا وقبل الشروع في مناقشتنا لا بد أن نلتفت إلى الملاحظة التالية، وهي أن كلام شريعتي قد يوحي بالتناقض وذلك لأنه ذهب سابقًا إلى أن قصة ابني آدم هي قصة رمزية لا يجب أخذها كوقائع تاريخية، ويعود هنا ليقول أننا جميعًا أبناء قابيل. فكيف يمكن الجمع بين الأمرين؟
والجواب هو أن شريعتي -على ما يفهم من كلامه- حين يقول بأننا جميعًا أبناء قابيل فإنه لا يقصد البنوّة الحقيقية، بل يقصد البنوّة الرمزية أي أننا نحن أبناء [معنى] قابيل وما يرمز إليه من دلالات وقِيَم.
ونعود الآن إلى ما كنا فيه لنقول: إننا هنا أيضًا وعلى ما هو ديدننا في هذه المقالة لا نرمي إلى مناقشة شريعتي في مختلف نظرياته، ومنها نظريته في فلسفة التاريخ، ولذلك لم ننقل عنه جميع استنتاجاته من القصة السابقة([17]). وإنما الذي نرمي إليه هو أن نقف على ما تمتزج به بلاغته المؤثرة من خلل في المنهج و قصور في الدليل.
ولا أجد داعيًا للإفاضة في تناول القوة البلاغية التي يتميّز بها النص الآنف، فهي واضحة يحسُّ بها القارئُ إحساسًا جليًا. ويكفيك منها قوله [أصبحنا جميعًا أبناء قابيل] و[قابيل حيّ دائمًا في تاريخ البشرية].. لذا سأقصر الكلام على مناقشة بعض ما يتعلق بالمنهج والدليل.
وأهم ما يجدر بنا ذكره هو أن هذه القصة كما يرويها شريعتي مأخوذة من كتب التراث الموجودة بين أيدي المسلمين، وليست مما رواه لنا القرآن الكريم.. ولذلك نجد أن بعض ما روي عن أهل البيت يكذب هذه القصة ولا يقيم لها وزنًا. وكذلك يفعل بعض العلماء من المسلمين السنة.
وإليك على سبيل المثال هذه الكلمة التي يعلّق بها أحد علماء السنة على هذه القصة فيقول: ((هذا من قصص أهل الكتاب، ليس له أصل صحيح))([18]).
فهذه القصة إذًا وكما يرى هذا العالم ليس لها أصل صحيح بل هي من قصص أهل الكتاب، أي من الإسرائيليات.
وأما أهل البيت (عليهم السلام) فقد روي عنهم العديد من الروايات([19]) التي تردّ على هذه القصة، بل وتستنكر على بعض السائلين حتى مجرد نقلها وروايتها.
فعن زرارة قال: ((سئل أبو عبد الله (عليه السلام): كيف بدؤ النسل من ذرية آدم (عليه السلام) فإن عندنا أناسًا يقولون إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم (عليه السلام) أن يزوج بناته من بنيه، وأن هذا الخلق كله أصله من الإخوة والأخوات ؟
قال أبو عبد الله (عليه السلام): سبحان الله، وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، يقول من يقول هذا: إن الله عز وجل جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله وحججه والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر والطاهر الطيب..)) ([20]).
بلى والله، إن لله عزّ وجلّ القدرة كل القدرة على خلق صفوة خلقه وباقي المؤمنين والمؤمنات من الحلال دون الحرام، خصوصًا وأنه قد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب.
وليس بنا من حاجة تدعونا لأن نتعلق بالإسرائيليات ونتخذها مادةً تاريخية أو رمزية لنا نفسّر على أساسها التاريخ ونستنتج منها فلسفته.
هذا فيما يتعلّق ببدء النسل وما إذا كان من حلال أو حرام. فماذا عن السبب الذي قدّم من أجله ابنا آدم القربان؟
في رواية عن سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام)، قال سليمان: ((جعلت فداك إنهم يزعمون أن قابيل إنما قتل هابيل لأنهما تغايرا على أختهما ؟ فقال له: يا سليمان تقول هذا ؟ أما تستحيي أن تروي هذا على نبي الله آدم ؟! فقلت: جعلت فداك ففيم قتل قابيل هابيل ؟ فقال: في الوصية، ثم قال لي: يا سليمان إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية واسم الله الأعظم إلى هابيل، وكان قابيل أكبر منه، فبلغ ذلك قابيل فغضب فقال: أنا أولى بالكرامة والوصية، فأمرهما أن يقربا قربانًا بوحي من الله إليه ففعلا، فقبل الله قربان هابيل فحسده قابيل فقتله))([21]).
إن التأمل في مضامين هذه الرواية يكشف لنا عن ثلاثة أمور هامة:
1- يبدو أن سليمان بن خالد لم تطمئن نفسه لما سمعه من حكاية اختلاف ابني آدم على أختيهما، ولذلك راح يسأل عنها الإمام الصادق (عليه السلام)، وكان سؤاله بصيغة (يزعمون).
2- إن الإمام الصادق (عليه السلام) يستنكر على سليمان حتى رواية هذا الزعم، لأنه يسيء إلى نبي الله آدم (عليه السلام).
3- يُنكر الإمام الصادق (عليه السلام) أن يكون الخلاف بين ابني آدم على أختهما، ويبيّن لنا أنه كان على الوصيّة. وما أبعد الفرق بين أن يكون الخلاف على الأخت أو يكون على الوصية وعلى اسم الله الأعظم!
ويبقى أن نسأل عن مدى صحة استنتاج شريعتي أنه وبإزالة هابيل وبقاء قابيل أصبحنا جميعًا أبناء قابيل.. وأن قابيل حيٌّ دائمًا في تاريخ البشرية؟
عن هذا السؤال تجيبنا أيضًا بعض الروايات ، ومنها الرواية التالية الواردة عن أبي بصير والتي جاء فيها أن طاووسًا اليماني سأل الإمام الباقر (عليه السلام): ((.. فأيهما كان أبًا للناس، القاتل أو القتيل؟ قال: لا واحد منهما بل أبوهم شيث بن آدم))([22]).
ولا يخفى على القارئ أن شيثًا (عليه السلام) كان نبيًا ، فإذا ما مضينا مع شريعتي في عملية الاستنتاج ، لأمكننا القول بأننا أصبحنا جميعًا أبناء شيث، وأن شيثًا النبي هو الحي دائمًا في تاريخ البشرية وليس قابيل القاتل، كما حلا له أن يستنبط ويفسّر.
ويبقى في البين سؤال عن الباقين من ولد آدم إذ المعروف أنه (عليه السلام) كان له الكثير من الأولاد غير قابيل وهابيل؟
تجيبنا بعض الروايات الإسلامية على هذا السؤال بأن الباقين من ولد آدم قد أُغرقوا في طوفان نوح (عليه السلام). وعلى كل حال فالمسألة مورد بحث، غير أن المؤكد هو أن قابيل لم يكن الأب الوحيد للبشرية جمعاء كما يجزم شريعتي.
من كل ما تقدم يظهر لنا النهج الشريعتيّ على حقيقته، فهو يتبنّى فهمًا مسبقًا لفلسفة التاريخ، ثم يحاول إقناعنا بأن هذا هو الفهم الصحيح والمناسب للمنهج الإسلامي، فيقوم لأجل ذلك بانتقاء قصة معيّنة تناسب فهمه المسبق مغفلاً غيرها من القصص وبدون ذكر أيّ تعليل أو تبرير لهذه (الانتقائية)، حتى لو كانت القصة المنتقاة مخالفة للعديد من روايات أهل البيت(عليهم السلام)، ومرفوضة من قبل بعض علماء السنة. وما ذلك إلا لأن هذه القصة هي التي يمكنها أن تعبّد له الطريق لبلوغ مأربه، وتمكّنه من إسقاط ما يحلو له إسقاطه من نظريات مسبقة على حقائق الإسلام ومعارفه.
وهكذا يبيّن لنا النموذج الثاني بعض أمثلة (التحريف) و(الانتقائية) في فكر شريعتي، والتي يحاول تمريرها بنبرته العالية، وبلاغته الأخّاذة، وبمؤثراته المتنوعة، وبكل ما من شأنه أن يُعمي ويُصم، ولا يكاد يسلم من تبعاته إلا المتدبّرون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([7]) هذا الكلام لا يصح على إطلاقه، إذ من الممكن أن تكون القصة قصة واقعية بكل ما للكلمة من معنى، ولكنها تضعنا في الوقت نفسه أمام حقائق نموذجية ويكون لها دلالاتها الرمزية أيضًا.

([8]) د. علي شريعتي: الإنسان والإسلام، ترجمة د. عباس الترجمان، دار الصحف للنشر، طهران، ط 1، 1411هـ، ص35.

([9]) المائدة: من الآية27.

([10]) إن تتبّع الموارد التي يستعمل فيها القرآن الكريم لفظي [القصة] و[النبأ] ثم المقارنة بينهما يظهر بوضوح أن مراد القرآن من لفظ القصة في مثل موردنا هو ما كان له واقع وكان ذا حقيقة تاريخية.

([11]) آل عمران: 62.

([12]) إن النقاش التفصيلي لكلام شريعتي في مقدمته هذه يخرجنا عن الغرض المحدد الذي تلتزمه مقالتنا، على أننا وبما بيّناه من التحريف الذي اصطنعه شريعتي نكون قد أقمنا الأساس لهدم منهجه في اعتبار القصة القرآنية قصة رمزية، وتفصيل البحث ينتظر المهتمين من أصحاب القلم.

([13]) كذا في الأصل، والصحيح : هذان.

([14]) الإنسان والإسلام، مصدر سابق، ص36.

([15]) نفسه، ص38.

([16]) نفسه، ص39.

([17]) هنا ايضا ينفتح المجال واسعًا لمناقشة شريعتي في ما يستنتجه من فلسفة التاريخ، حيث يرى أن سبب الصراع بين قابيل وهابيل هو الملكية الفردية. غير أننا سنرى لاحقًا أن سبب الصراع قد يكون هو الوصية واسم الله الأعظم. هذا من جهة، ومن جهة ثانية نجد شريعتي يقول: إن قابيل كان فلاحًا لأنه جاء بالقمح.
ولكننا لو دققنا في هذه المسألة -وبناء على القصة التي يرويها شريعتي- لوجدنا أن استنتاجه هذا في غير محله، وذلك لأن الأصح هو جعل قابيل (رمزًا) لمرحلة التقاط الغذاء وليس لمرحلة الفلاحة. ومرحلة التقاط الغذاء سابقة على مرحلة الفلاحة كما هو معروف، ولذلك فإنه أمر أكثر انسجامًا أن نقول أن قابيل (يرمز) إلى مرحلة التقاط الغذاء، خصوصًا وأن القصة التي يتمسك بها شريعتي تحكي البدايات الأولى للبشرية. كما أن بعض الدراسات في علم الاجتماع تخبرنا بأن القمح والشعير كانا ينموان طبيعيًا في بعض البيئات وقبل أن يدجّنها الإنسان. (انظر على سبيل المثال: بيتر فارب، بنو الإنسان، ترجمة زهير الكرمي، سلسلة عالم المعرفة الكويتية، العدد 67، ص77) .
فهاهنا أيضًا بحث آخر ينتظر المهتمين من أصحاب القلم.

([18]) الشيخ محمد متولي الشعرواي: قصص الأنبياء، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، هامش ص 240.

([19]) لم نتعرّض لصحة هذه الروايات لأن غرضنا هنا لا يتعلق بالوصول إلى ما هو الصحيح من قصة ابني آدم، بل أردنا فقط أن نشير إلى انتقائية شريعتي حيث ينتخب الحكاية التي تناسبه، ويغفل غيرها من دون أيّة إشارة أو تعليل.

([20]) الشيخ الصدوق: علل الشرائع، ج1، ص 17 (مكتبة أهل البيت الالكترونية).

([21]) محمد بن مسعود العياشي: تفسير العياشي ج 1، ص 312 (مكتبة أهل البيت الالكترونية).

([22]) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، ج3، ص332 (مكتبة أهل البيت الالكترونية).


 
 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء







التعديل الأخير تم بواسطة السيد عباس ابو الحسن ; 10-27-2010 الساعة 05:48 PM

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2010, 05:41 PM   #3
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام


الصورة الرمزية السيد عباس ابو الحسن
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



النموذج الثالث: تزييف الحقائق - تزوير النصوص

يقول شريعتي في كتابه "الأمة والإمامة": ((علم الأخلاق هو العلم الذي يدرس [كيف يجب أن يكون] والإنسان لا يعرف ذلك! فقد أضحت الأسس البديهية للفضائل الأخلاقية مورد تشكيك وتردد في عصرنا الحاضر. بل نجد شخصية كسارتر يهاجم أعزّ وأقدس المسائل الأخلاقية التي يعتقد بها الجميع على الدوام، ويعدّها غير قابلة للتحليل المنطقي.
ويتحدّث في مسرحية الجدار عن شخصية سجينة، تطرح الاستفهام التالي: ماذا يعني إخلاصي لأصدقائي وبقائي الدائم في هذا العذاب أسيرًا؟ لِمَ أبقى في هذه المعاناة؟ لأجل ماذا، ومقابل ماذا؟ ألأجل أن يتمتع جمع بالحرية والاطمئنان؟ ماذا يعني ذلك؟
بعد ذلك يتهيّأ للاعتراف على عنوان أصدقائه وهو مقبرة المدينة، فتهاجم الشرطة المقبرة ويقبضون على زعيم الجماعة، وبعد أن يرى السجين صديقه بقبضة الشرطة يقهقه ضاحكًا، ثم تفرج الشرطة عنه!
لمَ ؟ لأن التضحية والفداء بما له من عظمة وإنسانية ليس له أيّ توجيه منطقي اليوم، والإنسان متردّد حتى أمام الفضائل والإيمان بالأصول الإنسانية التي كانت على الدوام أصولاً بديهية ومقدسة، فالإنسان لا يدري واقعًا ومنطقًا: هل أن الصيرورة والحياة على هذه الفضائل أمر حسن أم لا؟))([23]).
ربما يتعجّب القارئ من اختياري مثل هذا النص لأجعله شاهدًا من شواهد اللغة المثيرة التي تسبّب العمى ودليلاً على التزييف والتزوير اللذين يصطنعهما شريعتي في مؤلفاته! بل لعل بعض القرّاء المتحمّسين حين يقرأ هذا النص لشريعتي تنبثق في نفسه آيات التقدير ويتملّكه الشعور بالإعجاب، فينبري لتبيان ما ينطوي عليه النص من معارف وما يدعو إليه من مواقف. كيف لا ؟ وهو نصٌّ لا تكاد تتجاوز مساحته الصفحة الواحدة، ولكنها صفحة قد تغنيك قراءتها عن قراءة العديد من الصفحات.
فانظر كيف يعرّفك شريعتي فيها على الأصول الأخلاقية التي كانت على الدوام أصولاً بديهية ومقدسة، ثم انظر كيف يدلّك على طبيعة عصرنا الحاضر وما يحمله من تشكيك وتردد تجاه تلك الأصول. ولاحظ بعد ذلك ما تشتمل عليه هذه الصفحة من غنىً بالموضوعات الفلسفية والأدبية. ولا تنس أيضًا أن الموضوعَ موردَ البحث هو موضوع إسلامي ولكنّ صفحتنا هذه لم تقتصر في معالجته على المعارف الإسلامية وحدها، بل يمّمت وجهها شطر الثقافة الغربية أيضًا لكي تأتي المعالجة شاملة ووافية. وتأمّل أخيرًا كيف تنير هذه الصفحة عقولنا وتشحذ إرادتنا مما يزوّدنا بالشجاعة كلها لكي نقف إزاء الفكر الغربي موقف الباحث الناقد، ولا نغترّ بسمعته فنسلك تجاهه سلوك المستلَب المأخوذ...
بهذا النحو أو ما يماثله قد يؤثر نص شريعتي السابق على القرّاء الذين يقرأون بطريقة انفعالية.
ولكن ما الذي يمكن أن يحدث فيما لو قرأنا النص قراءة متفحّصة متدبرة؟ إننا لو فعلنا ذلك فإن الواقع المرّ سيصدمنا، لأننا سوف نتفاجأ بأمرين خطيرين هما: تزييف الحقيقة وتزوير النصوص. ولنبدأ بالأمر الأول.
تزييف الحقيقة
قرأنا في هذا النص قول شريعتي: [بل نجد شخصية كسارتر يهاجم أعزّ وأقدس المسائل الأخلاقية التي يعتقد بها الجميع على الدوام، ويعدّها غير قابلة للتحليل المنطقي]. وكذلك قوله: [لأن التضحية والفداء بما له من عظمة وإنسانية ليس له أيّ توجيه منطقي اليوم، والإنسان متردّد حتى أمام الفضائل والإيمان بالأصول الإنسانية التي كانت على الدوام أصولاً بديهية ومقدسة].
والذي يهمّنا الآن من كلام شريعتي هو ادّعاؤه أن المسائل والأصول الأخلاقية التي يتحدّث عنها هي من المسائل والأصول التي كان يعتقد بها الجميع وعلى الدوام، ولذلك كانت دائمًا أصولاً بديهية ومقدّسة.
ومن حقنا هنا أن نسأل: ما الحجة وما الدليل اللذان استند إليهما شريعتي لكي يبيح لنفسه أن يجزم هذا الجزم القاطع، وأن يعمّم هذا التعميم الواسع مدعيًا بأن الجميع وعلى الدوام كانوا يعتنقون هذه الأصول الأخلاقية ويقدسونها؟
وليته كلّف نفسه القيام ولو باستقراء عجول قبل أن يطلق كلامه هذا ويرسله إرسال المسلمات. ولكنه لم يفعل، ولا يناسبه أن يفعل، وإلا لما تسنّى له عندها أن يجزم ويعمّم، وهذا ما كان سيُفقد كلامه بعض قوّته، ويحرم بلاغته بعض مؤثراتها، لأنه من الواضح أن الإنسان حين يقف مدافعًا عن الحقائق العامة الدائمة، والبديهية المقدسة، سيكون كلامه أشد وقعًا وأبلغ أثرًا ممن يدافع عن حقيقة ليست لها القداسة نفسها عند الجميع، بل إن البعض يدعو إلى خلافها. وشريعتي كما عهدناه هو في صف البلاغة ولو على حساب الدليل الذي هو من شأن عشّاق المنطق.
وعليه نقول: إن دعوى شريعتي وعلى الرغم مما تتصف به من جزم وتعميم هي دعوى باطلة لا تؤيدها أية حجة صحيحة، والتاريخ يشهد على ما نقول، فهو يحدّثنا عن أناس ممن لا تنطبق عليهم دعوى شريعتي الآنفة، نذكر من بينهم -وعلى سبيل المثال- أصحاب مذهب اللذة، هؤلاء الذين يرون: ((أن اللذة خير حتى لو نجمت عن أشد الأمور مَجلبة للعار. إن الفعل هو العار، أما اللذة الناجمة عنه فهي في ذاتها فضيلة وخير)) ([24]).
ولا يتّسع المجال للإفاضة بالحديث عن الناس والحكّام والشعراء.. ولا عن الفلاسفة والمنظّرين.. ولا عن أصحاب مذهب (الشك)، ممن تكذّب آراؤهم ومعتقداتهم دعوى شريعتي الآنفة.
بهذا يتبيّن لنا جليًا كيف قام شريعتي بتزييف الحقيقة، فجزم حيث لا ينبغي الجزم، وعمّم حيث يقبح التعميم، وذلك لغاية في نفسه قضاها.
والطريف في المسألة أن شريعتي نفسه يحذّرنا كما يحذرّنا كتّاب آخرون من الانزلاق في مهاوي الجزم والتعميم.
ولنقرأ أولاً هذا النص لشريعتي - وهو يحكم على نفسه - حيث يقول: ((إن من شروط النظرة العلمية الصحيحة أن تكون شاملة ومتعددة الزوايا والأبعاد، وذات طابع نسبي، خلافًا للعوام الذين يميلون عادةً إلى تعميم الأحكام، وإضفاء صفة الجزم عليها))([25]).
وهذا كلام يُغنينا فعلاً عن الإدلاء بأي تعليق، وقد كان بالإمكان أن نجعل من مسألة التناقض بين دعوة شريعتي إلى عدم الجزم والتعميم وبين ارتكابه لخطيئة الجزم والتعميم التي هي من شأن (العوام) محورًا مستقلاً، ولكننا اكتفينا بهذه الإشارة إذ ليس غرضنا في هذه المقالة سوى التنبيه وضرب الأمثال.
ولنقرأ بعد هذا تحذيرًا آخر كتبه المفكّر الاجتماعي الرصين "مالك بن نبي" في كتابه "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" حيث يقول: ((والمجتمع الذي يقع في مثل تلك الطفولية يكشف عن ظاهرة غريبة من التعويض عن افتقاره إلى الأفكار (...) إلى أن يقول: فعدم التماسك تبدو علاماته حين تنعدم الأفكار، حينئذ يأتي الصوت ليعلو كيما يحلّ محل حجة افتقدت.
ويبرز التصنع البلاغي في الأدب: الإفراط في أدوات التفضيل، التشدّق في الأوصاف (...).
إنها حجة الإثارة أن يقال إنه أمر خطير جدًا، بدلاً من أن تعطي مجرد فكرة محدودة عن الموقف.
إنها المبالغة في التهويل أو التهوين بأن يقال: [كل الدنيا تعلم بذلك] لتأييد رأي، أو [لا أحد يصدق ذلك] للانتقاص من قيمة رأي.
والخلاصة إنه حشو الكلام حيث كل كلمة تلقي ظلالاً من الغموض على الموضوع بدلاً من أن تجلّيه، فعندما يسيطر التشويش وانعدام التماسك على عالم الأفكار، تظهر علاماتها في أبسط الأعمال))([26]).
وهذا لعمري وصف دقيق وجليل حقًا للظاهرة التي يمثّل شريعتي أحد مصاديقها البارزين: بدءًا بعدم التماسك، ومرورًا بالصوت الذي يعلو ليحلّ محلّ حجة افتقدت، وعطفًا على حجة الإثارة والتصنّع البلاغي، وانتهاءً بالتعميم أو التهويل..
هذا فيما يرتبط بالأمر الأول من محورنا وهو تزييف الحقيقة، ويبقى أن نبين الأمر الثاني وهو تزوير النصوص.
تزوير النصوص
قرأنا في النص الآنف لشريعتي تلخيصه لأحداث (مسرحية) الجدار للفيلسوف الفرنسي سارتر، مستدلاً بهذا التلخيص على موقف سارتر ومهاجمته لأعزّ وأقدس المسائل الأخلاقية التي يعتقد بها الجميع على الدوام..
ولكي لا أكرر الكلام فإنني أرجو من القارئ الكريم أن يراجع التلخيص كما أورده شريعتي، ثم ليرافقني بعدها للكشف عن وجه الحقيقة.
والحقيقة هي أن قصة الجدار -وهي قصة قصيرة وليست بمسرحية- بريئة كل البراءة مما نسبه شريعتي إليها. إذ ليس صحيحًا أن الشخصية السجينة قد طرحت الاستفهام حول معنى إخلاصها وبقائها في العذاب الدائم لأجل أن يتمتّع جمعٌ بالحرية والاطمئنان، ثم خلصت إلى أنه لا معنى لذلك.
كما أنه ليس صحيحًا أيضًا أن هذه الشخصية قد تهيّأت للاعتراف والذي كانت نتيجته مهاجمة الشرطة للمقبرة والقبض على زعيم الجماعة، حتى إذا رأى سجيننا صديقه بقبضة الشرطة قهقه ضاحكًا، ثم أفرجت عنه الشرطة.
وإنما الصحيح هو عكس ما يخبرنا به شريعتي تمامًا من أحداث القصة، فالقصة تقول أن هذا السجين ظلّ محافظًا على سرّ صديقه إلى آخر لحظة موطّنًا نفسه على الموت قبل أن يفشي السرّ، بل إنه علاوة على هذا أراد أن يهزأ بسجّانيه فقال : ((أنا أعرف أين هو. فهو مختبئ في المقبرة)). وهو يُوضح سبب تصرّفه هذا بالقول: ((كان ذلك لأهزأ منهما، أودّ أن أراهما يقفان، ويشدان حزاميهما ويعطيان الأوامر)). إلى أن يقول: ((كنت أضحك من وقت لآخر من الوجه الذي سيقابلونني به))، وذلك لأنه كان يعلم علم اليقين أين يختبئ صديقه وأنه ليس في المقبرة. ولكن الصدفة لعبت دورها فلجأ صديقه إلى المقبرة دون علم سجيننا بذلك، فكان أن وجدته الشرطة هناك وقتلته.
وحين علم سجيننا بالأمر بدأ يرتجف، وقال: ((كل شيء بدأ بالدوران، ووجدتني جالسًا على الأرض، كنت أخجل بقوة، إلى حدّ أن الدموع بانت في عينيّ))([27]).
فيا سبحان الله كيف انقلبت الحقائق وتبدّلت الوقائع على لسان شريعتي فصار الهُزء بالسجانين استسلامًا، وغدا حفظ السر وشاية، واستحال الارتجاف والخجل والبكاء قهقهةً وضحكًا؟!
وأين يحدث كل هذا؟
إنه يحدث في بحث حول الأخلاق يدافع فيه المعلم شريعتي عن الأصول الإنسانية والمبادئ الأخلاقية التي كانت على الدوام أصولاً بديهية ومقدسة.
ولا أدري ما الذي علينا أن نصدّقه: أقوال المعلم أم أفعاله؟
ولكنني على يقين من أن النزهة في حدائق شريعتي والتجوال بين مؤلفاته هما من الأمور الطريفة والممتعة، لذا دعنا نقرأ له هذا النص من كتابه " التشيع العلوي والتشيع الصفوي " والذي يصف فيه جماعة السوفسطائيين وهم يقلبون النهار إلى ليل ببيانهم الساحر، فيقول: (( وكانت اليونان في ذلك العهد انتشر فيها السوفسطائيون، وهم أشخاص ذوو حذاقة عالية في الجدال والمناقشة، وكانوا قادرين ببيانهم الساحر على قلب الليل إلى نهار والنهار إلى ليل. وقد هيمن السوفسطائيون بقوة استدلالهم وسحر بيانهم على مقاليد الأمور في اليونان على كافة الأصعدة السياسية والفكرية والقضائية))([28]).
ولا أدري ما إذا كان هؤلاء السوفسطائيون يقلبون الليل إلى نهار والنهار إلى ليل، بقوة استدلالهم وسحر بيانهم فقط، أم أنهم كانوا علاوة على ذلك يزيّفون الحقائق ويزوّرون النصوص؟!
وهنا لا بد أن نسأل: إننا لو قبلنا التصنيف المحبّب على قلب شريعتي، وهو تصنيف التشيّع إلى تشيّع علوي وتشيع صفوي، فأين يمكننا أن ندرج عملية تزييف الحقائق وتزوير النصوص؟
أم لعله يجدر بنا اختراع صنف ثالث لكي نتمكن من إدراج مثل هذه العملية فيه، لأن الصنفين الأولين لا يتسعان لها. ولنطلق على هذا الصنف اسم: التشيع (الميتاصفوي).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
([23]) د. علي شريعتي: الأمة والإمامة، دار الأمير، بيروت، 1992م-1413هـ، ص96-97.

([24]) د. عبد الرحمن بدوي: الأخلاق النظرية، وكالة المطبوعات، الكويت، ط2، أيار-مايو، 1976م، ص242.

([25]) د. علي شريعتي: التشيّع العلوي والتشيع الصفوي، ترجمة حيدر مجيد، دار الأمير، بيروت، ط1، 1422هـ - 2002م، ص68.

([26]) مالك بن نبي: مشكلة الأفكار في العالم ألإسلامي، دار الفكر المعاصر- بيروت، ودار الفكر - دمشق، 1423هـ-2002م، ص66-67.

([27]) كل ما أوردناه من القصة يمكن الاطلاع عليه في: الجدار لجون بول سارتر، ترجمة هاشم الحسيني، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1979م.

([28]) التشيّع العلوي والتشيع الصفوي، مصدر سابق، ص43.



 
 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء








رد مع اقتباس
قديم 10-27-2010, 05:50 PM   #4
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام


الصورة الرمزية السيد عباس ابو الحسن
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



النموذج الرابع: اضطراب الميزان

يقول شريعتي في كتابه "العودة إلى الذات": (( الخلاصة: أنني لا أطرح قضية الدين في المجتمع بهذا الشكل على أساس فكرةٍ ما أو عاطفة ما، لأن منطلقي من الدين من نوعٍ يستطيع معه حتى مفكر علماني أن يأتي وينطلق معي منه، والفرق بيني وبينه أن منطلقي يُعدّ إيمانًا ومسئولية اجتماعية، بينما يستطيع ذلك المفكر أن يشترك معي من موقع المسئولية الاجتماعية فحسب.
على كل حال، أريد هنا كمفكر مسئول عن عصره وجيله أن أحدّد الهدف من مسئوليتنا، وأن أحدّد الدور الاجتماعي الملقى على عواتق المفكرين والمتعلمين والمثقفين في المجتمعات الآسيوية أو الإسلامية. وذلك على أساس الشعار نفسه الذي قَبِله المفكرون الدينيون وغير الدينيين -خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية- مثل عمر اوزجان وإيما سيزار وفرانز فانون ويوجين يونسكو، فهم يعتقدون أن من حق كل مجتمع أن يكون المفكر فيه مرتكزًا على تاريخه وثقافته، وعليه أن يلعب دوره كمفكّر ويقوم برسالته على أساس تاريخ السواد الأعظم وثقافته ولغته، أجل على أساس هذه المبادئ الثلاثة.
على كل حال فإن شعار العودة إلى الذات، شعار لم يطرح الآن في عالم المتدينين، بل إن أكثر المفكرين التقدميين العلمانيين من أمثال إيما سيزار وفي إفريقيا مثل فرانز فانون وجوليوس نيريري وجومو كينياتا وسنغور في السنغال وكاتب ياسين الجزائري وجلال آل أحمد في إيران هم الذين طرحوا هذه القضية لأول مرة.)) ([29]).
يريد شريعتي في هذا النص أن يطرح قضية [العودة إلى الذات]، ولكنه يمهّد لطرحه هذا بمقدمة يبيّن لنا فيها جملة من الحيثيات المرتبطة بموضوع كلامه.
وأول هذه الحيثيات هي انطلاقه من موقع المسؤولية الاجتماعية، الأمر الذي يفسح المجال حتى للمفكر العلماني لكي يشاركه في منطلقاته..
ويمضي بعد ذلك ليبيّن لنا ماهية الصفة التي يتحدّث إلينا من خلالها، وما هي المسائل التي يشتمل عليها موضوع بحثه. ولذلك قال: [على كل حال، أريد هنا كمفكر مسئول عن عصره وجيله أن أحدّد الهدف من مسئوليتنا، وأن أحدّد الدور الاجتماعي الملقى على عواتق المفكرين والمتعلمين والمثقفين في المجتمعات الآسيوية أو الإسلامية].
ينمّ هذا التمهيد عن خبرة عالية بالأساليب البلاغية، فهو يثير في نفس القارئ شعورًا بالتهيّب أمام ما سيلقى عليه من كلام.
كيف لا ؟! وهو كلام يتميّز بجلال مصدره [مفكر مسؤول عن عصره وجيله]، وبخطورة موضوعه (تحديد الهدف من مسؤوليتنا، وتحديد الدور الاجتماعي الملقى على عاتق المفكرين والمتعلمين والمثقفين).
وحين يتملّك القارئَ الشعورُ بالتهيّب فإنه غالبًا ما يميل إلى قبول الأفكار المطروحة دون أن ينتبه لما قد يتضمنه الكلام من خطأ أو بطلان.
لكنه ومن حسن الحظ يبقى بين القرّاء أشخاص يستطيعون الفكاك من أسر البلاغة، وتبقى عقولهم متنبّهة لمضمون الكلام فيميزون الغثّ من السمين، غير متأثرين ببهارج البلاغة وزخارفها.
وهذا ما حدث للنص الذي بين أيدينا. فنحن نجد فيه أن شريعتي وبعد أن وصف نفسه بأنه مفكر مسؤول عن عصره وجيله، وأنه في مقام تحديد الأهداف والمسؤوليات الملقاة على عواتق المفكرين والمتعلمين والمثقفين، إنه وبعد هذا كله يقدّم لنا: "جوليوس نيريري" و"جومو كينياتا" و"سنغور" كمفكرين تقدميين.
والغريب هو أن هؤلاء جميعهم معروفون بدورهم المشبوه، وبخدماتهم التي أدّوها للاستعمار. ولذلك نجد أن هذا النص قد أثار حفيظة مترجم كتاب شريعتي، فكتب حاشية يعلّق فيها على كلامه -وهي من المرات النادرة التي يكتب فيها واحد من مترجمي كتب شريعتي حاشية تنتقد كلامه- وقد جاء فيها:
((على مدى هذا الكتاب يذكر الزعماء الأفارقة الذين أمسكوا بمقاليد الحكم في بلادهم بعد استقلالها الصوري على أساس أنهم من كبار المفكرين الأصلاء، في حين أنه مهما كانت لبعضهم بعض الاجتهادات الفكرية علينا أن نلاحظ عدة نقاط من أهمهما أن أغلب هؤلاء الزعماء قد تقلّدوا الزعامة في بلادهم (لا)([30]) على أساس اختيار شعبي عام أو سابقة ممتدة في الكفاح بل كان معظمهم مباركًا من السلطة الاستعمارية ربيبًا لها، إما في جيشها أو في جامعاتها، ومعظمهم الجيل الأول المرتد من أسر مسلمة، ولا أدري كيف فات علي شريعتي أن معظم هؤلاء مسيحيون من أبوين مسلمين، وأن بعضهم يحكم شعوبًا أغلبيتها مسلمة وهو مسيحي، وجواز السلطة الوحيد أنه مسيحي، أما [أفريقانية] سنغور فهي [أفريكانية] فرنسية للاستهلاك العالمي، وهدفها الوحيد الحيلولة دون أفريقيا وواحدٍ من أهم مقومات ثقافتها وهو الإسلام، ولا أدري أيضًا كيف لم يلحظ شريعتي المصير الذي لقيه بعض حكام أفريقيا الذين حاولوا الحفاظ على إسلامهم من تشنيع وتلويث ثم إقصاء، وأفضل هؤلاء الحكام هم بالفعل الذين يتظاهرون بالفكر ووضع النظريات، وهم أرحم حالاً من الميجورات الذين انقلبوا في يوم وليلة إلى جنرالات ثم سُلّطوا على شعوبهم بمساعدة من الفرقة الأجنبية، ويعمل التبشير العسكري في بلادهم على قدم وساق، بينما يُحْرَمُ المسلم في بلادٍ غالبيتها من المسلمين من أبسط الحقوق المدنية، ليس نيريري وسنغور وكينياتا ذوي الروابط الوثيقة جدًا بإسرائيل بالنماذج والمثل التي تضرب هنا، بل هم من وجوه الاستعمار الجديد.))([31]).
إن ما جاء في هذه الحاشية يضعنا أمام صورة موجزة لما هو معروف من مآسي هؤلاء الحكام، لكن وعلى الرغم من ذلك فقد شاء شريعتي أن يصنّفهم بين المفكّرين التقدميين.
ولست أدري، ما هو الميزان، بل ما هو الدافع الذي حدا بشريعتي لكي يعتبر أمثال هؤلاء المشبوهين مفكرين تقدميين.
وعلى كل حال فإن هذا يبيّن لنا مدى اضطراب الميزان لدى شريعتي، هذا الميزان الذي نجده هنا يقدّر "نيريري" وأصحابه، بينما نراه في أماكن أخرى يلفظ أشخاصًا آخرين ولأدنى سبب مما يعتبره شريعتي خطأً في توجّههم السياسي.
وأخيرًا نسأل: هل إن شريعتي مؤهّل حقًا للدور الذي نسبه إلى نفسه في مقدمة كلامه ؟ وهل يحقّ له أن يضع نفسه في مقام المفكّر المسؤول عن عصره والذي يناط به تحديد الدور الاجتماعي الملقى على عواتق المفكرين والمتعلمين والمثقفين، وهو يجهل في الوقت ذاته واقع أمثال هؤلاء الحكّام من أبناء عصره، ويغفل عن حقيقة أمرهم ؟!
وهكذا نجد أن الأسلوب البلاغي الذي مهّد به شريعتي لفرض هيبته الفكرية على القارئ، لم ينفعه هنا، بل تصدّى له هذه المرة حتى مترجم كتابه ليقول لنا أن الحقيقة قد فاتت شريعتي. ومن طرائف الصدف أن يأتي هذا الاحتجاج من المترجم على شريعتي في الموضع الذي يُنصِّب فيه شريعتي نفسه قيّمًا على العصر والجيل، ومرشدًا للمفكرين والمتعلمين والمثقفين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([29]) العودة إلى الذات، مصدر سابق، ص34-35.

([30]) غير موجودة في الأصل ولكن السياق يقتضيها.

([31]) العودة إلى الذات، مصدر سابق، هامش ص35.

([32]) اسم الموقع هو (واحات ينابيع المودة).



 
 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء








رد مع اقتباس
قديم 10-27-2010, 05:51 PM   #5
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام


الصورة الرمزية السيد عباس ابو الحسن
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



النموذج الخامس: شهادة الواقع

بيّنت في النماذج الأربعة السابقة جوانب من الوهن الفكري والمنهجي الذي تنطوي عليه اللغة الملونة والبلاغة المثيرة لدى شريعتي.
وأوّد الآن أن أنتقل من عالم النصوص إلى عالم النفوس لأبيّن كيف يمكن أن تنطلي تلك اللغة المثيرة على القرّاء فيصدحون بأناشيدها ويتراقصون على أنغامها رغم أنها تطعنهم في الصميم وهم لا يشعرون.
لذا سألجأ هذه المرة إلى الواقع لأستقي منه النموذج الخامس والأخير.
نشر أحد الإخوة الكرام في أحد المنتديات الحوارية على الانترنت([32]) رسالة يوجّهها السيد مقتدى الصدر للنساء.
وقد كان هذا سببًا لإثارة نقاش سياسي بين أعضاء المنتدى، سألخّص منه الجانب المتعلق بموضوع هذه المقالة.
كتب ناشر الرسالة في إحدى مداخلاته العبارة التالية : [وسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد القائد مقتدى الصدر ذو حسب ونسب قديم مشرق أضاء لكل الأجيال، وذو حسب جديد شاهق ببصمات التشيّع العلوي لا الصفوي].
وكتب أيضًا: [وهل محاربة أرباب التشيّع الصفوي جريمة؟!]
وهذا ما دفعني لأن أوجه إليه السؤال التالي: [.. الرجاء أن توضح معنى التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي حتى نفهم كلامك بصورة جلية، ونرى مدى صحة هذا التصنيف وفائدته، لنعرف بعدها من يخدم هذا التشيّع أو ذاك، ومن هم الذين يجب أن نحاربهم من أرباب التشيّع الصفوي؟].
فكان جوابه: [ومن يسأل ما الفرق بين التشيع العلوي والتشيّع الصفوي فليراجع كتب الدكتور علي شريعتي].
وبعد ذلك أضاف: [أما بالنسبة للتشيّع العلوي والتشيع الصفوي، تستطيع فهمهما من كتاب الشهيد الدكتور علي شريعتي في كتابه الرائع "التشيع العلوي والتشيع الصفوي"].
وأجبت: [أقول لك (...)
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة


أو كنت تدري فالمصيبة أعظم

فلو أنك قرأت هذا الكتاب الذي تقول عنه أنه رائع لوجدت أن التشيّع الصفوي إنما ينطبق على الشهيد السيد محمد الصدر رحمة الله عليه، ولا يقتصر على باقي العلماء، ولكنك على ما يبدو لا تعرف من الكتاب سوى اسمه، كما أنك تُردّد ما لُقّنتَ من مصطلحات دون أن تدرك ما الذي يراد منها.
فبالله عليك اقرأ أولاً، وافهم ثانيًا، ثم بعد ذلك أطلق أحكامك، ولا تكن ببغاء تردد دونما وعي (...).
وما دام تصنيفكم للتشيّع يتّبع قواعد الدكتور علي شريعتي، فيا مرحبًا بالتشيع وبالإسلام، وهنيئًا لكم.
وإنما هذا سيكون ظلمًا للشهيد السيد محمد الصدر رحمه الله، وإساءة إليه. فانظروا على أيّ أرض تقفون].
فكان رده: [الحمد لله رب العالمين أنني قرأت هذا الكتاب أكثر من مرة، والحمد لله الذي جعل الذي يدّعي أنه شيعي يبهت الشيعي، ويرميه بما ليس فيه، وهو اتهامه بأنني لم أقرأ الكتاب.
أثبت بالدليل أن الكتاب يتكلم على كل العلماء، وأثبت لي بأن التشيع الصفوي ينطبق على المرجع الأعلى السيد الشهيد محمد الصدر. طبعًا وفق أطروحات الشهيد شريعتي].
وأجبت: [ (...) إن كتاب الدكتور الشهيد علي شريعتي فيه الغث والسمين، ومن يقرأه بتفهّم فإنه يجد أن صفة التشيّع الصفوي تطال شريحة واسعة من العلماء، ومنهم الشهيد السيد محمد الصدر، ولم يأتِ في كلامي أن الكتاب يتكلم على كل العلماء حتى أثبت ذلك. نعم إنما قلت أن التشيّع الصفوي ينطبق على الشهيد السيد محمد الصدر -حسب الكتاب- وإلا فمن وجهة نظري فإن الشهيد السيد محمد الصدر صاحب فكر أصيل، ولا أزال أستفيد مما كتب رحمه الله سواء في موسوعته القيمة عن الإمام الحجة، أو موسوعته الأخرى "ما وراء الفقه" كما استفيد من باقي كتبه.
وقبل أن أثبت دعواي دعني أوضح أنني أردت الدفاع عن الشهيد الصدر من الظلم الذي يقع عليه من مؤيديه قبل غيرهم حين يريدون أن ينتصروا له بمصطلحات الدكتور علي شريعتي].
ثم قلت: [والآن إلى بيان أن مصطلح التشيّع الصفوي ينطبق على الشهيد الصدر بحسب الدكتور شريعتي، وسأعطيك مثالاً واحدًا كافيًا وافيًا.
يقول الدكتور شريعتي في كتابه "التشيع العلوي والتشيع الصفوي"، دار الأمير، الطبعة الأولى، ص157-158: ((حقًا هذه الأمور ليست بشيء ! إذا ما قيست بما هو أخطر وأفدح منها من قبيل مسألة استرقاق العبيد، الظاهرة التي حاربها النبي وعليّ بكل شدة، ومع ذلك استمرّت الروحانية الأموية والعباسية والصفوية بتدريسها لقرون تارة باسم الفقه السنّي وأخرى باسم فقه أهل البيت... وتحت عنوان جذاب وعصري هو (العتق) يتمّ الحديث علنًا ودون حياء عن أحكام بيع وشراء الرقيق، وما زالت هذه البحوث تتداول حتى في زماننا الحاضر بما يوحي للناس أن الدين الإسلامي هو دين الاسترقاق الذي يبيح للمرء أن يبيع إنسانًا أو يشتريه، أليس هناك من يفتي بحرمة الاستماع إلى السمفونية الخامسة لبيتهوفن والتي تجسد صورة حية لحرية إرادة الإنسان قبال قوى الهيمنة والاستعباد، وفي نفس الوقت يبيح اقتناء فتى أو فتاة بمثابة عبد أو جارية!))
إلى أن يقول: ((إلا أن وعّاظ السلاطين انتهجوا منهجًا آخر أسهم في تكريس هذه الظاهرة إلى درجة أنه لم يعد اليوم من يجرؤ على تحريم الاسترقاق أو على الأقل ترك تدريس أحكام وبيع وشراء العبيد وذلك بالرغم من خلوّ الأسواق من العبيد وانتفاء الموضوع لأبحاث من هذا القبيل.))
ويا تُرى، هل كتب الشهيد محمد الصدر وفي عصرنا هذا بحوثًا حول الرقّ والعتق أم لا ؟!!
وهل يحرّم الموسيقى السيمفونية والتصويرية أم لا؟!
وهل هو ممن ينطبق عليهم مصطلح التشيع الصفوي -بحسب الدكتور علي شريعتي-أم لا؟!]([33]).
وكانت النتيجة أن هذا الأخ ترك الحوار بعد مداخلتي الأخيرة والتي كُتبت في العام 2005، ولم نره ثانية.
فكتبت أخيرًا: [نرجو أن يكون المانع من متابعتك الحوار خيرًا فقد أطلت الغياب، وكنا نتمنى أن يستمر الحوار نقطة نقطة لتظهر الحقيقة جلية، كما كنت أتمنى أن أعرف تعليقك حول انطباق التشيع الصفوي -بحسب الدكتور علي شريعتي- على السيد محمد الصدر.. وعلى كل حال، لا نعرف ما هي ظروفك، فنتمنى لك التوفيق].
تبين هذه الواقعة كيف يمكن للغة المثيرة أن تنطلي على بعض القرّاء فتحرّك نفوسهم وتثير حماستهم، ولكنها تعطل في الوقت نفسه عقولهم، وتشلّ قدرتهم على الفحص والتمييز، ولذلك نجد أن شخصًا مثل محاورنا الكريم قد قرأ كتاب التشيع العلوي والصفوي عدة مرات، ووصفه بالكتاب الرائع، ثم راح يتبنّى مصطلحاته ويستخدمها دون أن يشعر ولو للحظة واحدة أن هذا الكتاب يطعنه في الصميم ويصيب منه مقتلاً !
وإذا كان هذا هو شأن من قرأ الكتاب عدة مرات، فما بالك بمن يكون قد قرأه مرة واحدة فقط؟!
خاتمة

يروي جلال الدين الرومي في كتابه "المثنوي" حكاية مسافر لجأ أثناء سفره إلى إحدى الزوايا ليبيت ليلته فيها.
وموجز الحكاية: أن هذا المسافر لما وصل إلى تلك الزاوية قاد حماره إلى الحظيرة. وكان في الزاوية جماعة من الصوفية المعوزين الفقراء، وهم لفرط فاقتهم قد اتفقت كلمتهم على بيع الحمار. وقد عللوا فعلتهم هذه بالقول: [إن الضرورة تبيح أكل الميتة، وكم من فساد جعلته الضرورة صلاحًا!].
وسرعان ما باعوا الحمار الصغير، واشتروا بثمنه طعامًا شهيًا، وأضاؤوا الشموع!
وتعالت الصيحات في جوانب الخانقاه: [إن الليلة للطعام الشهي والمسرّة ومجلس السماع!].
وذلك المسافر أيضًا كان متعبًا من الطريق الطويل، فرأى هذا الإقبال والتكريم. ولما رأى ميلهم إليه قال: [لو أنني لم أطرب الليلة، فمتى يكون ذلك؟].
فأكلوا لذيذ الطعام ثم بدأ السماع، فامتلأ جو الزاوية بالدخان والغبار. دخان من المطبخ، وغبار يتصاعد من الأرض تدقّها أقدام الراقصين! وأرواح ثائرة غلب عليها الاشتياق والوجد!
وحينما اكتمل السماع من أوله إلى آخره، بدأ المطرب من جديد يعزف نغمة قوية!
وبدأ يترنّم قائلاً: [ذهب الحمار!] فدفعت حرارة النغمة جملة الحاضرين لمشاركة الغناء.
وبتلك الحرارة ظلوا يرقصون حتى السحر، ويصفقون بالأكف مرددين: [إن الحمار مضى وولى يا فتى]، وعلى سبيل التقليد بدأ هذا المسافر أيضًا يردد مترنمًا: [ذهب الحمار].
وحينما انقضت هذه النشوة والانفعال وذاك السماع، بزغ الصبح، فقالوا جميعًا: [الوداع].
وأخرج المسافر متاعه من الحجرة ليربطه فوق الحمار، ودخل الحظيرة ولم يجد حماره، وأقبل الخادم فسأله المسافر: [أين الحمار؟]. فقال له الخادم: [انظر إلى لحيتك]، فقام بينهما عراك.
وقال المسافر: [إنني أسلمت إليك الحمار. وجعلتك موكلاً به، فالزم حدود هذا البحث ولا تجادلني. وردّ إليّ ما أودعته عندك].
فقال الخادم: [لقد كنتُ مغلوبًا على أمري، فإن الصوفية تهجّموا عليّ فغدوت خائفًا على روحي].
قال المسافر: [فلنسلّم أنهم قد أخذوه منك ظلمًا، وأنهم أصبحوا قاصدين دمي أنا المسكين. فإنك لم تجئ، ولم تقل لي: [ها هم أولاء يأخذون حمارك، أيها المسكين!].
فقال الخادم: [والله، إني قد جئت إليك مرارًا، حتى أنبئك بهذه الأعمال. فكنت تقول لي: (إن الحمار مضى وولى يا فتى)!، وكنتَ أكثر انفعالاً من جميع الناطقين بهذا القول. فكنت أرجع قائلاً: (إنه واقف على هذا الأمر. وهو راض بهذا القضاء، فهو رجل عارف!)].
قال المسافر: [إنهم جميعًا كانوا يُحسنون ترديد هذا القول، ولقد راق لي أنا أيضًا أن أردده!
وإن تقليد هؤلاء هو الذي أسلمني للريح. فعلى هذا التقليد مئتان من اللعنات]([34]).
. . . .
ولولا أن يجيء الكلام مبتورًا ونابيًا عن العرف والمألوف، لوضعت نقطة على السطر عند نهاية الحكاية، واكتفيت بها خاتمة للبحث تُغنيني عن أية إضافة أو استطراد.
ولكنني وجدت نفسي مضطرًا إلى المتابعة قليلاً لا لأقول جديدًا، وإنما مراعاة للذوق الشائع وللعادة الجارية.
ولذا أختم كلامي بالقول: ما أشبه حال اللغة الملونة بحال الحكاية السابقة. إذ كثيرًا ما يُقبل القارئ على قراءة بعض النصوص المثيرة فتأخذه النشوة، وتدفعه حرارة النغمة ليردد مع صاحب النص وبانفعال يفوق انفعال الجميع: [إن الحمار مضى وولى يا فتى]، وهو لا يشعر أن الحمار حمارُه، وأنه في غمرة نشوته إنما يندب الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها للانتقال والسفر.
إنه وعلى سبيل التقليد يردد ما يقرأ مترنمًا، ويفوته الكثير مما ينطوي عليه النص المقروء من تهافت أو تزييف أو تزوير أو قلب للحقائق..
ولذا حاولت في هذه المقالة أن أنبّه على بعض المخاطر التي تحتفّ بها اللغة المثيرة لكي لا يغلب الطرب على عقل القارئ، وتسقط الحقيقة شهيدة عند أقدام البلاغة الأخاذة والبيان الساحر.
وأرجو أن تكون النماذج التي قدمتها كافية في تحفيز القارئ على التدبّر عند قراءته لأي نص تغلب عليه اللغة الملونة، سواء تعلّق الأمر بالدكتور علي شريعتي أم بغيره من الكُتّاب والمؤلفين.
ونحن إنما طرحنا كلام شريعتي من باب المثال، وكان اختيارنا له بالخصوص لأنه يُعدّ واحدًا من أبرز رواد هذا الميدان.
كما أن النماذج التي سقناها من كلامه إنما تمثل بعض العيّنات مما قد تطفح به كتبه من مشكلات، وهي على كل حال عينات كافية في التدليل على المراد، وقد استطاعت أن تُظهر بجلاء: أن بلاغة الدكتور علي شريعتي لا ترقى إلى مستوى الدليل.
(انتهى المقال)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
([33]) وليكن معلومًَا للقارئ أن الشهيد السيد محمد الصدر قد كتب في موسوعته "ما وراء الفقه" بحثاحول الرق والعتق، كما أنه ذهب في هذا الكتاب إلى تحريم الموسيقى السيمفونية.

([34]) انظر تمام القصة في: مثنوي جلال الدين الرومي، ترجمة د. محمد عبد السلام كفافي، دار المكتبة العصرية، بيروت - صيدا، 1967، ط1، المجلد الثاني، ص67-73.



 
 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء








رد مع اقتباس
قديم 10-27-2010, 08:31 PM   #6
أي اسم
موالي جديد


الصورة الرمزية أي اسم
أي اسم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 152
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 11-01-2010 (01:10 AM)
 المشاركات : 16 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



سيدي الفاضل السيد عباس
أحسنت صنعا بنشر مقالة الشيخ اليحفوفي في منتداكم الموقر
فعلى بركات الله


 

رد مع اقتباس
قديم 10-30-2010, 01:03 PM   #7
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام


الصورة الرمزية السيد عباس ابو الحسن
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



اخي الكريم "اجمل اسم " هذا اقل الواجب
وان شاء الله سيتم الرد على مقالتهم قريبا

بجهودكم نستمر


 
 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء








رد مع اقتباس
قديم 10-30-2010, 11:41 PM   #8
أي اسم
موالي جديد


الصورة الرمزية أي اسم
أي اسم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 152
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 11-01-2010 (01:10 AM)
 المشاركات : 16 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



أخي الفاضل السيد عباس
ننتظر بشوق ردودكم الواعدة بالعلم الغزير والمعرفة الدقيقة


 

رد مع اقتباس
قديم 10-31-2010, 08:32 PM   #9
الشيخ القنبري
موالي نشيط


الصورة الرمزية الشيخ القنبري
الشيخ القنبري غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 169
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 08-01-2014 (04:56 AM)
 المشاركات : 38 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



موفقي انشاء الله نقراء ونعطيكم رائينا القاصر


 

رد مع اقتباس
قديم 03-06-2011, 02:44 PM   #10
لبيك يا حسين
موالي نشيط


الصورة الرمزية لبيك يا حسين
لبيك يا حسين غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 380
 تاريخ التسجيل :  Mar 2011
 أخر زيارة : 04-26-2011 (03:58 PM)
 المشاركات : 42 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



بارك الله فيكم شيخنا

ربي يعطيكم ألف ألف عافية

و ربي يوفقكم للرد على مقالة الشيخ اليحفوفي

مأجورين إن شاء الله على نقل المقالة

الله يوفقكم


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 07:31 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية