هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التوظيف والتعيين والإست... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 80 ]       »     دورة : مهارات التخطيط المالي و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 63 ]       »     دورة : اساسيات التأمين [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 75 ]       »     دورة : تحليل البيانات والقوائم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 73 ]       »     دورة : السلامة والصحة المهنية ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 70 ]       »     دورة : آليات الرقابة الحديثة و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 112 ]       »     دورة : تكنولوجيا التميز والإبد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 97 ]       »     دورة : القيادة عالية الإنجاز و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : فنون العرض والتقديم وال... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : الإدارة الفعالة للمختبر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 103 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات



يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
#1  
قديم 11-07-2010, 10:29 PM
الفاروق الاعظم
مشرف عام
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5057 يوم
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي نظرة إلى أجوبة أهل السنة عن روايات تحريف القرآن



الصفحة 187


الفصل السادس
نظرة إلى أجوبة أهل السنة عن روايات تحريف القرآن

لقد تنوعت أجوبة علماء السنّة عن تلك الرّوايات بين النفي والاثبات وهما على طرفي نقيض وعلى النحو التالي:


أ: الجواب عن روايات اللحن والخطأ في القرآن

وقد أورد بعضهم مجموعة تلك الرّوايات بدون أن يردّها أو يؤولها، وهذا الموقف مع التنبّه إلى المواقف الآتية يشعر بقبولهم لهذه الرّوايات.

من هؤلاء "إبن جزي الكلبي"(1) و"الخطيب الشربيني"(2) فقد نقلا قول عائشة وأبان بن عثمان في مورد اللحن والخطأ في كلمات: "الصابئون" و"المقيمين" و"إن هذان لساحران"، وأورد الشربيني رأي عثمان بن عفان بأنّه قال: "أرى فيه لحناً..." وعلق عليه قائلا: "وعامة الصّحابة وأهل العلم على أنـّه صحيح"(3).

وقال "الراغب الأصبهاني":


____________

1 ـ التسهيل: ج 1، ص 4.

2 ـ السراج المنير: ج 1، ص 345.

3 ـ المصدر السابق.
الصفحة 188


"كان القوم الذين كتبوا المصحف لم يكونوا قد حذقوا الكتابة فلذلك وضعت احرف على غير ما يجب ان تكون عليه، وقيل: لما كتبت المصاحف وعرضت على عثمان وجد فيه حروفاً من اللّحن في الكتابة فقال: لا تغيّروها فإنّ العرب ستغيرها أو ستعبرها. ولو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف"(1).



والفخر الرازي يردّ هذه الروايات ويقول:


"وأمّا قوله: (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) ففيه أقوال، ثم روى الحديث عن عثمان وعائشة وقال: واعلم ان هذا بعيد; لأنّ هذا المصحف منقول بالنقل المتواتر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكيف يمكن ثبوت اللّحن فيه؟"(2).



وقال بمثله في رواية ابن عباس في شأن الآية (... حتى تسأنسوا...)وأضاف:


"وفتح هذين البابين يطرق الشك في كل القرآن وانه باطل"(3).



وقال في الآية (إن هذان لساحران):


"منهم من ترك هذه القراءة ثم قال: هذه القراءات لا يجوز تصحيحها، لأنّها منقولة بطريق الآحاد..."(4).



وهكذا قال النيسابوري:


"روي عن عثمان وعائشة أنـّهما قالا: "إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها" ولا يخفى ركاكة هذا القول، لأنّ هذا المصحف منقول



____________

1 ـ محاضرات الادباء: ج 2، ص 436.

2 ـ التفسير الكبير: ج 11، ص 105 ـ 106.

3 ـ التفسير الكبير: ج 23، ص 196.

4 ـ نفس المصدر: ج 22، ص 74.

الصفحة 189


بالتواتر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه؟!"(1)



وقال ابن كثير في (... حتى تسأنسوا...) بعد نقل قول ابن عباس:


"وهذا غريب جدّاً عن ابن عباس"(2).



ومثله عن الخازن في تفسيره(3)، وقال ابن الأنباري:


"وما روي عن عثمان لا يصح لأنّه غير متصل ومحال أن يؤخِّر عثمان شيئاً فاسداً ليصلحه غيره..."(4).



وقال الآلوسي في (والمقيمين):


"ولا يلتفت إلى من زعم أنّ هذا من لحن القرآن... وأمّا ما روي عن عثمان... فقد قال السخاوي: إنّه ضعيف والإسناد فيه اضطراب وانقطاع."(5)


وقال الطبري بعد ذكر مختاره:


"وإنّما اخترنا هذا على غيره; لأنّه قد ذكر أنّ ذلك في قراءة أُبي بن كعب (والمقيمين) وكذلك هو في مصحفه فيما ذكروا... مع أنّ ذلك لو كان خطأ من جهة الخطّ لم يكن الذين اُخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلِّمون من عَلّموا ذلك من المسلمين على وجه اللّحن... وفي نقل المسلمين جميعاً ذلك ـ قراءة على ما هو به في الخط مرسوماً ـ أدلّ دليل على صحة ذلك وصوابه وأن لا صنع في



____________

1 ـ غرائب القرآن ورغائب الفرقان: هامش تفسير الطبري: ج 6، ص 23.

2 ـ تفسير القرآن العظيم: ج 3، ص 280.

3 ـ تفسير الخازن: ج 1، ص 422.

4 ـ عن فتح البيان: ج 6، ص 407 ـ 408.

5 ـ روح المعاني: ج 6، ص 13 ـ 14.
الصفحة 190


ذلك للكتّاب"(1).



وقال الداني بعد ما روى عن عثمان:


"هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة ولا يصح به دليل من جهتين..." ثم بدأ بتأويل الرواية وقال: "أراد عثمان باللّحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم"(2).



وقال الزمخشري:


"(المقيمين) نصب على المدح لبيان فضل الصلاة وهو باب واسع قد ذكره سيبويه على أمثلة وشواهد، ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحناً في خطّ المصحف..."(3).



وقال في الآية(... حتى تستأنسوا...) بعد نقل الرّواية عن ابن عبّاس فيها:


"ولا يعوّل على هذه الرواية"(4).



هذه هي كلماتهم في ردّ تلك الأساطير، وفي "الإتقان" عن ابن الانباري أنـّه جنح إلى تضعيف هذه الرّوايات(5)، وعليه الباقلاني في "نكت الانتصار"(6)وجماعة.

وجماعة ذهبوا إلى أبعد من كل هذا، وقالوا بوضع هذه الأحاديث واختلاقها من قبل أعداء الإسلام...


____________

1 ـ جامع البيان: ج 6، ص 19.

2 ـ تاريخ القرآن لمحمد طاهر الكردي: ص 65.

3 ـ الكشاف: ج 1، ص 582.

4 ـ نفس المصدر: ج 3، ص 59.

5 ـ الإتقان: ج 2، ص 329.

6 ـ نكت الانتصار: ص 127.
الصفحة 191

فيقول الحكيم الترمذي(1):


"... ما أرى مثل هذه الرّوايات إلاّ من كيد الزنادقة..."(2).



ويقول أبو حيّان الأندلسي:


"ومن روى عن ابن عباس... وانه قرأ (حتّى تستأذنوا) فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين وابن عباس بريء من هذا القول"(3).



ومثل هذا الموقف قاله بعض العلماء المعاصرين كصاحب المنار(4) ومحمّد أبو زهرة(5).

هذا وقد اغتاظ من هذا الموقف جماعة واستنكروه بشدّة... ومن أشهرهم الحافظ ابن حجر العسقلاني، الذي تحامل على الزمخشري ومن كان على رأيه قائلاً بعد الحديث عن ابن عباس ـ كتبها وهو ناعس:


"وأمّا ما أسنده الطبري عن ابن عباس فقد اشتدّ انكار جماعة ممّن لا علم له بالرجال صحته، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته ـ إلى أن قال: ـ وهي والله فرية بلا مرية وتبعه جماعة بعده، والله المستعان.

وقد جاء عن ابن عباس نحو ذلك في قوله تعالى: (وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه) أخرجه سعيد ابن منصور باسناد جيّد عنه، وهذه الأشياء ـ وإن كان غيرها المعتمد ـ لكنّ تكذيب المنقول بعد صحّته



____________

1 ـ وهو الحافظ أبو عبد الله محمّد بن علي، صاحب التصانيف، من ائمة علم الحديث، له ترجمة في تذكرة الحفاظ: ج 2، ص 645 وغيرها.

2 ـ نوادر الاصول: ص 386.

3 ـ البحر المحيط: ج 6، ص 445.

4 ـ المنار: ج 6، ص 64 و478.

5 ـ المعجزة الكبرى: ص 43 واستشهد بكلام الرافعي القائل: "... نحسب أن أكثر هذا ممّا افترته الملحدة".
الصفحة 192


ليس من دأب أهل التحصيل، فلينظر في تأويله بما يليق"(1).



لكن ابن حجر وهو بصدد الدفاع عن هذه الأحاديث لم يذكر أىّ تأويل لائق على حدّ تعبيره!!(2)

____________

1 ـ فتح الباري: ج 8، ص 301.

2 ـ انظر: التحقيق في نفي التّحريف: ص 228 وما بعدها.




رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:30 PM   #2
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 193


ب: الجواب عن روايات التّحريف بالزيادة

اختلف العلماء من أهل السنّة في حديث إنكار ابن مسعود الفاتحة والمعوذتين ففي الإتقان، عن الفخر الرازي:


"نقل في بعض الكتب القديمة أنّ ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوذتين من القرآن، وهو في غاية الصعوبة، لأنّا إن قلنا إنّ النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصّحابة يكون ذلك من القرآن، فإنكاره يوجب الكفر، وإن قلنا لم يكن حاصلاً في ذلك الزمان فيلزم أنّ القرآن ليس بمتواتر في الأصل، قال: والأغلب على الظن أنّ نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة. وعن القاضي أبي بكر: "لا يصحُّ عنه ـ أي ابن مسعود ـ أنها ليست من القرآن ولا حفظ عنه". وعن النَّووي في شرح المهذّب: "أجمع المسلمون على أنَّ المعوذتين والفاتحة من القرآن، ومن جحد منها شيئاً كفر وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح" وقال ابن حزم: "هذا كذب على ابن مسعود وموضوع..."(1).



وقال الباقلاني في ذلك:


"أمّا دعوى من ادّعى أن ابن مسعود أنكر أن تكون المعوذتان قرآناً منزلاً وجحد ذلك، فإنّها دعوى تدل على جهل من ظنَّ صحتها وغباوته وشدة بُعده عن التحصيل..."(2).



لكن ابن حجر استنكر هذا الموقف وردّه بشدة حيث قال في شرح البخاري:


"قد صح عن ابن مسعود انكار ذلك وبعد سرد الرّوايات قال: فقول



____________

1 ـ عن الإتقان: ج 1، ص 79 ـ 80.

2 ـ عن حاشية "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة: ص 43.
الصفحة 194


من قال إنه كذب عليه مردود والطعن في الرّوايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرّوايات صحيحة والتأويل محتمل... ثم ذكر تأويل القاضي وغيره في هذا المجال مع اشكال وجواب"(1).



وبعد تنازع أهل السنّة في سند حديث انكار ابن مسعود الفاتحة والمعوذتين بين كذب موضوع وصحيح مقبول، تنازعوا في تأويل هذا الانكار، فقال القاضي أبو بكر:


"... إنّما حكها واسقطها من مصحفه انكاراً لكتابتها لا جحداً لكونها قرآناً..."


ثم قال ابن حجر بعد ذكر تأويل القاضي:


"هو تأويل حسن إلاّ أنّ الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها; ويقول: انهما ليستا من كتاب الله، قال ويمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتم التأويل المذكور، لكن قال: من تأمل سياق الطرق المذكورة استبعد هذا الجمع قال: وقد أجاب ابن الصبّاغ... انهما كانتا متواترتين في عصره لكنهما لم يتواترا عنده"(2).



وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن:


"... ظن ابن مسعود أنّ المعوذتين ليستا من القرآن; لأنّه رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلّم يعوذ بهما الحسن والحسين(3)... فأقامه على ظنّه ولا نقول: إنّه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار...، وأمّا



____________

1 ـ عن الإتقان: ج 1، ص 80.

2 ـ عن الإتقان: ج 1، ص 80.

3 ـ أخرجه البخاري في كتاب الانبياء: باب قول الله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلاً): ج 6، ص 292 ـ 293 ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: ج 4، ص 2080 ـ 2081.
الصفحة 195


إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنّه أنـّها ليست من القرآن معاذ الله... ولكنّه ذهب إلى أنّ القرآن انما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشكّ والنسيان والزيادة والنقصان ورأى أن ذلك مأمون في سورة الفاتحة لقصرها... ووجوب تعلمها على كلِّ أحد"(1).




____________

1 ـ تأويل مشكل القرآن: ص 42 ـ 49 وعنه في جامع الأحكام للقرطبي: ج 20، ص 251 والإتقان للسيوطي: ج 1، ص 80.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:30 PM   #3
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 196


ج: الجواب عن روايات إلقاء الشيطان في الوحي

فبعضهم ردّ الاُسطورة وحكم بضعف إسنادها:

ومن هؤلاء: "القاضي عياض" قال:


"إنّ هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواهُ ثقة بسند سليم متصل وإنّما اُولِعَ به وبمثله المفسرون والمؤرّخون المولعون بكلّ غريب، المتلقّفون من الصحف كل صحيح وسقيم..."(1).



ثمّ بحث القاضي عياض طرق هذا الحديث، وانتهى إلى أنّ اضطراب متنها وانقطاع سندها واختلاف كلماتها دليل على ضعف تلك الرّوايات.

وقال أبو جعفر النحاس: "الحديثان منقطعان"(2).

وبعضهم قَبِل تلك الاُسطورة وعزاها إلى المفسرين. كالشيخ عبد القادر أبي صالح الجيلاني قال:


"قال أهل التفسير... نعس النبىّ صلّى الله عليه وسلّم فألقى الشيطان على لسانه: الغرانيق العلى عندها الشفاعة ترتجى يعني الأصنام ففرح المشركون بذلك"(3).



وممّن تابع عبد القادر الجيلاني في رأيه، الخفاجي في "نسيم الرياض" فهو لم يقبل قول القاضي عياض، وكذا أبو بكر بن العربي الذي يقول: "إنّ طرق هذا الحديث كلّها باطلة" يقول الخفاجي:


"فإنّ له طرقاً متعددة كثيرة متتابعة المخارج وكل ذلك يدل على أنّ له أصلاً، وقد ذكرنا له ثلاثة أسانيد منها ما هو على شرط



____________

1 ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج 2، ص 750.

2 ـ كتاب الناسخ والمنسوخ: ص 13.

3 ـ الغنية: ج 1، ص 195 ـ 196.
الصفحة 197


الصحيح..."(1).



وقد سار "ابن حجر" على هذه العقيدة فقال:


"... فإنّ الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أنّ لها أصلاً وقد ذكرت أنّ ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح... وإذا تقرر ذلك تعيّن تأويل ما وقع فيها ممّا يستنكر... فإنّ ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنّه يستحيل عليه صلّى الله عليه وسلّم ان يزيد في القرآن عمداً ما ليس منه وكذا سهواً إذا كان مغايراً لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته وقد سلك العلماء في ذلك مسالك..."(2).



ثمّ ذكر محامل العلماء في هذه المسألة ـ وأورد بحث ونقد القاضي عياض ـ تلك المحامل التي لا تسمن ولا تغني من الحقّ شيئاً، ومن شاء فليرجع إلى فتح الباري(3).

وظاهر كلام ابن تيمية أنـّه قبل اُسطورة الغرانيق حيثُ قال ـ وهو بصدد معنى المحكم والنسخ من آيات القرآن ـ:


"فإنّ الكلام هنا فيما يلقي الشيطان ممّا نسخه الله ثم يحكم الله آياته، وجعل المحكم ضد الذي نسخه الله مما ألقاه الشيطان ولهذا قال طائفة من المفسرين المتقدمين: إنّ المحكم هو الناسخ والمتشابه هو المنسوخ أرادوا والله أعلم قوله: (فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم آياته)(4)والنسخ هنا رفع ما ألقاه الشيطان لا رفع ما شرعه الله"(5).




____________

1 ـ نسيم الرياض: ج 4، ص 100.

2 ـ فتح الباري كتاب التفسير، تفسير سورة الحج: ج 8، ص 439.

3 ـ نفس المصدر: ج 8، ص 439.

4 ـ سورة الحج (22): الآية 52.

5 ـ التفسير الكبير: ج 2، ص 90.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:32 PM   #4
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 198


د: الجواب عن الرّوايات التي تدلُّ على التّحريف بالنقيصة


1 ـ البحث في أسانيد الأحاديث:

وهذه الأحاديث محلّ اختلاف وتنازع كثير جدّاً من ناحية السند; إذ إنّ بعض أهل السنّة يقول: إنّه من وضع الملاحدة واختلاقهم في كتب أهل السنة، وبعض آخر حكموا بصحة تلك الرّوايات وجلالة رواتها ووثاقتهم:

1 ـ إسقاط آية: "لو أنّ لابن آدم وادياً" من سورة البينة:

قال ابن الانباري: "ان هذا باطل عند أهل العلم، لأنّ قراءتي ابن كثير وأبي عمرو متصلتان باُبىّ بن كعب لا يفرقان فيهما هذا المذكور في: لم يكن"(1). لكن قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"(2).

2 ـ إسقاط آية الحمية من سورة الفتح:

فقال بعضهم في آية الحمية المزعومة في سورة الفتح: "... فهذه وما يشبهها أحاديث لم تشتهر بين نقلة الحديث، وإنّما يرغب فيها من يكتبها طلباً للغريب"(3). وقال في عدد سورة الأحزاب: "يحمل ـ إن صحّ، لأنّ أهل النقل ضعّفوا سنده ـ على أنّ تفسيرها..."(4).

لكنّ ابن حزم الاندلسي قال: "هذا اسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه..."(5).

والحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه صحّحاه(6)، والضياء المقدسي في "المختارة في الحديث" يرى أنـّه صحيح حيث التزم في المختارة أحاديث

____________

1 ـ مقدمتان في علوم القرآن: ص 85.

2 ـ سنن الترمذي: ج 3، ص 203 ـ 204.

3 ـ مقدمتان في علوم القرآن: ص 92.

4 ـ نفس المصدر.

5 ـ المحلى: ج 11، ص 23.

6 ـ المستدرك مع تلخيصه: ج 2، ص 415.
الصفحة 199

صحاحاً(1).

3 ـ إسقاط آية الرّضاع:

قال الطحاوي في "آية الرّضاع":


"هذا ممّا لا نعلم أحداً رواه كما ذكرنا، غير عبد الله بن أبي بكر، وهو عندنا وَهْم منه، أعني ما فيه ممّا حكاه عن عائشة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفي وهُنّ مما يقرأ من القرآن"(2).



وقال النحّاس بعد ذكر حديث الرضاع:


"فتنازع العلماء [في] هذا الحديث لما فيه من الإشكال، فمنهم من تركه وهو مالك بن أنس وهو راوي الحديث... وممّن تركه أحمد بن حنبل وأبو ثور..."(3).



وقال السرخسي: "... حديث عائشة لا يكاد يصحّ"(4).

وقال صاحب المنار:


"... إنّ الرواية عن عائشة مضطربة... وردّ هذه الرواية عن عائشة لأهون من قبولها مع عدم عمل جمهور من السّلف والخلف بها..."(5).



واعترف بعضهم بوضع الملاحدة في كتب القوم، فمنهم صاحب الكشاف، حيث قال:


"... وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أنّ ذلك ضاع بأكل الداجن من غير



____________

1 ـ نقلاً عن روح المعاني: ج 12، ص 216.

2 ـ مشكل الآثار: ج 3، ص 7 ـ 8.

3 ـ الناسخ والمنسوخ: ص 12.

4 ـ الاصول: ج 2، ص 78.

5 ـ المنار: ج 4، ص 472.
الصفحة 200


نسخ"(1).



ومثله عن الدكتور مصطفى زيد حيث قال:


"نحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار ـ أي منسوخ التلاوة باقي الحكم ـ بالرغم من ورودها في الكتب الصّحاح... وفي بعض هذه الرّوايات جاءت العبارات التي لا تتّفق ومكانة عمر ولا عائشة، ممّا يجعلنا نطمئن إلى اختلاقها ودسّها على المسلمين"(2).



هذا وقال ابن حزم في آيتي الرضاع الكبير والصغير أيضاً:


"هذان خبران في غاية الصحة وجلالة الرواة وثقتهم ولا يسع أحداً الخروج عنها!"(3).



ورواه مسلم في صحيحه عن طريق مالك وعن طريق يحيى بن سعيد وما جاء في صحيح مسلم، صحيح لا محالة عنده(4).


2 ـ البحث في متون الأحاديث:

فالمعروف في هذه الأحاديث ـ بعد اعترافهم بأنّها أكثر من أن تحصى(5) ـ، حملها على القراءة الواردة أو نسخ التلاوة، لئلاّ يلزم ضياع شيء من القرآن ولا الطعن فيما أخرجه الشيخان وما رواه الأئمة الأَعيان وسوف نبحث حول نسخ التلاوة إن شاء الله تعالى، لكن أوردنا هنا وجوهاً أُخر من التأويلات، منها:


____________

1 ـ الكشاف: ج 3، ص 518.

2 ـ النسخ في القرآن: ج 1، ص 283.

3 ـ المحلي: ج 10، ص 14 ـ 16.

4 ـ صحيح مسلم: ج 4، ص 167.

5 ـ روح المعاني: ج 1، ص 46.
الصفحة 201


1 ـ الحمل على التفسير والتأويل:

قال ابن سلاّم بعد أن أخرج شطراً من تلك الرّوايات:


"فهذه الحروف وأشباهٌ لها كثيرة، قد صارت مفسرة للقرآن... وإنّما أراد أهل العلم منها أن يستشهدوا بها على تأويل ما بين اللّوحين ويكون دلائل على معرفة معانيه وعلم وجوهه"(1)، وقد حمل بعضهم على التفسير عدداً من الأحاديث بخصوصها ومن ذلك: ماورد حول آية المحافظة على الصلوات عن عائشة وحفصة من الحاق كلمة "وصلاة العصر" بقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوُسطى) بأن الكلمة اُدرجت على سبيل التفسير والايضاح"(2).



ومن ذلك: ماورد عن أبي موسى الأشعري حول سورة كانوا يشبّهونها في الطول والشدّة بسورة براءة، فقد ذكر بعضهم له وجوهاً منها:


"إنّه يجوز أن يكون تفسيراً، وحفظ منها أي من تفسيرها ومعناها"(3).



ومن ذلك: ماورد حول ما أسميناه بآية الجهاد:


____________

1 ـ فضائل القرآن: ص 195.

2 ـ البرهان في علوم القرآن: ج 1، ص 215، مباحث في علوم القرآن: ص 112.

3 ـ مقدمتان في علوم القرآن: ص 97 ومن الجدير ذكره: أن هاتين المقدمتين، احداهما عن ابن عطية الاندلسي، والاُخرى عن مقدمة كتاب "المباني لنظم المعاني" الذي لم يعرف مؤلّفه في البداية حتّى تصحيح وتحقيق كتاب "زين الفتى" فحينئذ تبيّن أنّ مؤلِّفهما واحد وهو: الحافظ أحمد بن محمّد بن أحمد العاصمي، المولود سنة 378 هـ.، إذ يقول في مواضع مختلفة من كتابه "زين الفتى": "وقد بيّنت وجوه الاحتجاج التي في هذا الفصل في كتاب المباني لنظم المعاني" انظر: زين الفتى تحقيق محمّد باقر المحمودي: ج 1، ص 85، 96 و102 وج 2، ص 8.

الصفحة 202


"يحمل على التفسير، والمراد من "أسقط من القرآن" أي: أسقط من لفظه فلم تنزل الآية بهذا اللفظ، لا أنها كانت منزلة ثم اسقطت، وإلاّ فما مَنَعَ عمر وعبدالرحمن من الشهادة على أنّ الآية من القرآن وإثباتها فيه"(1).




وفي الفرقان:


"وقد ذهب بعضهم إلى أن أغلب ما وجد من الخلاف إنّما هو من وضع بعض كلمات بين الأسطر تفسيراً لما في المصحف فظنّها القارئ من جنس القرآن خطأً وليست من القرآن"(2).



ومن ذلك: ماورد عن زرّ بن حبيش، عن اُبيّ بن كعب، أنه قال له:


"كم تقرأ سورة الأعراف ـ كذا، والذي نقلنا سابقاً عن مصادرهم كم تقرأ سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاثاً وسبعين آية..." فقد قيل: "يحمل إنْ صحّ ـ لأنّ أهل النقل ضعفوا سنده ـ على أن تفسيرها كان يوازي سورة البقرة وإن في تفسيرها ذكر الرجم الذي وردت به السُّنة"(3).




2 ـ الحمل على السنّة:

وهذا وجه آخر اعتمد عليه بعض العلماء بالنسبة لعدد من الأحاديث:

ومن ذلك: قول أبي جعفر النحّاس وبعضهم في آية الرجم:


"إسناد الحديث صحيح، إلاّ أنـّه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ولكنّها سُنّة ثابتة... وقد يقول الإنسان: "كنت أقرأ كذا" لغير القرآن، والدليل على هذا أنـّه قال: ولولا أنـّي أكره أن



____________

1 ـ مقدمتان في علوم القرآن: ص 100.

2 ـ الفرقان: ص 110.

3 ـ مقدمتان في علوم القرآن: ص 83.
الصفحة 203

يقال: زاد عمر في القرآن، لزدته"(1).

ومن ذلك: قول بعضهم حول آية: "لو كان لابن آدم...":


"إنّ هذا معروف في حديث النبىّ صلّى الله عليه وسلّم، على أنـّه من كلام الرسول لا يحكيه عن ربّ العالمين في القرآن... ويؤيّده حديث روي عن العبّاس بن سهل، قال: سمعت ابن الزُّبير على المنبر يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو أنّ ابن آدم اُعطي واديان..."(2).



وهو قول العلاّمة الزبيدي حيث ذكره في كتابه في الأحاديث المتواترة وقال:


"الحديث الرابع والأربعون: "لو أنّ لابن آدم وادياً من ذهب لأحبَّ..." رواه من الصّحابة خمسة عشر نفساً..."(3).



ويؤيد هذا الحمل ما قد روى مسلم بعدة أسانيد، أنـّه من حديث الرسول(4)وهكذا في رواية أبي نعيم الأصبهاني(5).


3 ـ الحمل على الحديث القدسي:

وعليه حمل ابن قتيبة إذ قال:


"يجوز أن يكون أنزله وحياً إليه كما كان تنزل عليه أشياء من أمور الدين ولا يكون ذلك قرآناً... كقوله صلّى الله عليه وسلّم: يقول الله تعالى: إنّي خلقت عبادي جميعاً حنيفاً..."(6)



____________

1 ـ الناسخ والمنسوخ: ص 8.

2 ـ مقدمتان في علوم القرآن: ص 85.

3 ـ المصدر السابق: ص 87 ـ 88.

4 - صحيح مسلم: ج 3، ص 100.

5 ـ حلية الاولياء: ج 3، ص 316.

6 ـ تأويل مختلف الحديث: ص 292.
الصفحة 204

وهكذا حمله الحافظ أحمد العاصمي (المولود 378 هـ.) فقال:


"إنّ هذا من جنس ما كان نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأمر والنهي وغير ذلك على جهة التبليغ لا على جهة أنـّه قرآن يُتلى ويكتب في المصاحف; لأنّه لو كان من القرآن المتلوّ المكتوب في المصاحف لما بطل بأكل الداجن ولما سقط بالنسخ، والله عزّ وجلّ يقول: (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون) وقال: (لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه)، ولو كان من القرآن لما اجتمع الناسخ والمنسوخ في آية واحدة بل كانت الآية الناسخة تتأخر عن المنسوخ كما لا يجوز أنْ يجتمع حكمان مختلفان في وقت واحد وحال واحدة.

وكيف يجوز أن يكون قرآناً يُتلى على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما أخبرت به عائشة رضي الله عنها ولا يحفظه واحد من الصحابة ولا كاتب الوحي الذي جمع القرآن في زمن أبي بكر وعثمان وهو زيد بن ثابت رضي الله عنهم، ولو كان من القرآن لما احتمل ما يذكرون حدوثه من السَّهو والإغفال والتفريط حتّى أكله الداجن أو سقط من المصحف مع شدة حرص الصّحابة رضي الله عنهم على جمعه وحفظه كما لم يحدث في غيره من الآي، يدل على أنـّه من جنس ما كان ينزل عليه على جهة التبليغ والرِّسالة لا على جهة أنـّه قرآن يتلى أو يكتب. ومن نحو هذا ما روي عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال حكاية عن ربّه عزّ وجلّ: "كل عمل ابن آدم له إلاّ الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به" وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء" وما نحوها، أخبار كثيرة... وقولها (أي عائشة) "كانت في صحيفة" تجوز أن تكون من السنة المكتوبة في

الصفحة 205


الصحيفة لأنّهم كانوا يكتبون السنن في الصحيفة.

ويحتمل ـ إن صحت هذه اللفظة ـ أن يكون من القرآن متأوَّلاً مفسّراً من حكمه لا متلواً من لفظه ونظمه ولولا أنه كذلك لما كانت الأمّة تجمع على إسقاط ما ضمّن الله"(1).



ويظهر ذلك ـ أي الحمل على الحديث القدسي أيضاً ـ من رواية أبي واقد اللَّيثي حيث قال:


"كنّا نأتي النبىَّ صلّى الله عليه وسلّم إذا انزل عليه، فيحدثنا فقال صلّى الله عليه وسلّم لنا ذات يوم: إنّ الله عزّ وجلّ قال: انا أنزلنا المال لإقام الصلوة وايتاء الزَّكاة ولو كان لابن آدم واد لأحبّ أن يكون إليه ثان..."(2).



وقال ابن حزم:


"قد قال قوم في آية الرجم: إنّها لم تكن قرآناً وفي آية الرضعات كذلك، ونحن لا نأبى هذا ولا نقطع أنـّها كانت قرآناً متلوّاً في الصلوات ولكنّا نقول: إنّها كانت وحياً أوحاه إلى نبيّه كما أوحى إليه من القرآن فقرئ المتلوّ مكتوباً في المصاحف والصلوات، وقرئ سائر الوحي منقولاً محفوظاً معمولاً به كسائر كلامه الذي هو وحي فقط"(3).




4 ـ الحمل على الدعاء:

وهذا ما قاله بعضهم في ما سمّي بسورة "الحفد" وسورة "الخلع" فقال:


____________

1 ـ المباني لنظم المعاني: المخطوط، الورقة 62، 63، 64 وعنه في: "مقدمتان في علوم القرآن": ص 85 ـ 86.

2 ـ مسند أحمد: ج 5، ص 219.

3 ـ الأحكام في أصول الأحكام: ج 1، ص 93 وعنه فتح المنان في نسخ القرآن: ص 226 ـ 227.
الصفحة 206


"وأمّا ما ذكر عن اُبي بن كعب انه عدّ دعاء القنوت: اللّهم انا نستعينك... سورة من القرآن، فانه ـ إن صحّ ذلك ـ كتبها في مصحفه لا على أنـّها من القرآن بل ليحفظها ولا ينساها احتياطاً، لأنّه سمع النبىّ صلّى الله عليه وسلّم وكان يقنت بها في صلاة الوتر..."(1).




5 ـ الحمل على الوضع أو الخطأ في الفهم:

قال الآلوسي فيما أخرج أبو عبيد في الفضائل وابن الانباري وابن مردويه، عن عائشة حيث قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبىّ صلّى الله عليه وسلّم مئتي آية، فلمّا كتب عثمان رضي الله عنه المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ماهو الآن:


"وهو ظاهر في الضياع من القرآن، ومقتضى ما سمعت أنـّه موضوع، والحق ان كل خبر ظاهره ضياع شيء من القرآن إمّا موضوع أو مؤوَّل"(2).



وقال الرافعي:


"ولا يتوهمن أحد أنّ نسبة بعض القول إلى الصحابة نصّ في أنّ ذلك المقول صحيح البتة; فإن الصحابة غير معصومين وقد جاءت روايات صحيحة بما أخطأ فيه بعضهم من فهم أشياء من القرآن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذلك العهد هو ما هو. ثم بما ذَهَلَ عنه بعضهم مما تحدثوا من أحاديثه الشريفة فأخطأوا في فهم ما سمعوا..."(3).




____________

1 ـ مقدمتان في علوم القرآن: ص 75.

2 ـ روح المعاني: ج 12، ص 217.

3 ـ اعجاز القرآن: ص 44.
الصفحة 207


6 ـ القول بالتحريف:

وهو ظاهر قول أبي الحسن محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ البغدادي (ت / 328 هـ.) قال:


"إنّ عثمان قد أسقط من القرآن خمسمائة حرف وإنّه والصحابة زادوا في القرآن ما ليس فيه... والمصحف الذي في أيدينا اشتمل على تصحيف حروف مفسدة مغيرة"(1).



وأيضاً قول الشعراني حيث قال:


"ولولا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير أهلها لبيّنت جميع ما سقط من مصحف عثمان"(2).



وفي القرن الأخير محمد الخطيب حيث ألّف كتاب الفرقان في سنة 1948 م. وحشاه بتلك الروايات وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب(3).

وعلى هذا قد تبيّن زلة أخرى من الدكتور القفاري حيث اتّهم محمّد مهدى الآصفي بأنّه كذب على علماء أهل السنة حيث قال:


"شذّ عن اجماع الفريقين على سلامة القرآن من التحريف بعض الشيعة وبعض أهل السنة"(4).




____________

1 ـ انظر: تفسير القرطبي: ج 1، ص 45 وتاريخ بغداد: ج 1، ص 280 والمرشد الوجيز: ص 186 وسيأتي تفصيل البحث عنه في المقام الثاني مبحث "بداية هذا الافتراء كما تقوله مصادر أهل السنة".

2 ـ الكبريت الاحمر المطبوع بهامش اليواقيت والجواهر: ج 1، ص 143 والشعراني هو الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (ت 973 هـ.)، من فقهاء الحنفية له مؤلفات كثيرة في الحديث والمواعظ وغيرها من العلوم. انظر: شذرات الذهب: ج 8، ص 372 وغيرها.

3 ـ انظر مقال الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة في الجامع الأزهر، مجلة رسالة الإسلام، العدد الرابع من السنة الحادية عشرة: ص 382 و383.

4 ـ أصول مذهب الشيعة: ص 216.
الصفحة 208

إلى هنا تبيّن أن بعض أهل السنة اعتمد تلك الرّوايات للاستدلال بها على وجود لحن وخطأ في القرآن ـ نعوذ بالله ـ في الوقت الذي يعتبر فيه جمع آخر منهم أنّ هذه الرّوايات مردودة، وذهب جمع إلى أنّ تلك الرّوايات التي يستفاد منها سقوط آيات من سورة الأحزاب وسورة لم يكن، ووجود سورة شبيهة بسورة براءة و...، حملوها على أنـّها من التفسير أو السنة، وقد حمل بعضهم وجود بعض السورة كسورتي الحفد والخلع بأنّهما من باب الدعاء، بينما عدّ جمع آخر هذه الرّوايات باطلة. وجمع آخر قَبِل هذه الرّوايات بالاجمال وقال: إنّها تحمل على التأويل بيد أنـّه لم يذكر نوع التأويل، كما عدّ قسم آخر هذا التأويل من باب الحديث القدسي.

ولكن المحصل من آراء الكثير من علماء أهل السنة هو اعتبار هذه الرّوايات صحيحة وأن الآيات المذكورة فيها نسخت وسمّوا ذلك "نسخ التلاوة دون الحكم أو مع الحكم" وإليك تفصيلها:
الصفحة 209


دراسة في نسخ التلاوة

استدلّ بعض علماء أهل السنة بوجود آيات منسوخة التلاوة على وجه العموم بآيتين كريمتين:

أ ـ آية (ما ننسخ من آية أو نُنسها نأت بخير منها أو مثلها)(1).

فيكون المعنى ـ على حدّ زعمهم ـ ما ننسخ من آية من آيات القرآن أو نمحها من الأَذهان، نأت بآيات قرآنية خير منها أو مثلها.

ب ـ آية (وإذا بدّلنا آية مكان آية...)(2).

فيكون المعنى فيها أيضاً: إذا بدّلنا آية من آيات سور القرآن مكان آية أخرى.

وقد استشهد علماء السنة بالآيتين(3) وأوردوا في تفسيرهما الرّوايات السابقة

____________

1 ـ البقرة (2): الآية 106.

2 ـ سورة النحل (16): الآية 101.

3 ـ بعض العلماء اعتقدوا أنّ هاتين الآيتين لا تدلان على نسخ التلاوة اطلاقاً وذلك لامور، نلخص جملة منها:

فأوّلاً: ان لفظ "آية" في قوله تعالى (ما ننسخ من آية...) إذا ورد في القرآن الكريم بصيغة المفرد فانه يراد به الأمر العظيم الخارق للعادة لا الفقرة القرآنية.

ثانياً: ولو سُلِّمَ، ان قوله تعالى (ما ننسخ من آية...) قد ورد في مقام التعريض باهل الكتاب والمشركين فلابد وان يراد به نسخ ما ورد في الشرايع السابقة لاجل هذه القرينة السياقية. فانظر إلى سياق الآيات فانها كما يلي: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها الم تعلم ان الله على كل شيء قدير * الم تعلم ان الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون الله من وليّ ولا نصير * ام تريدون ان تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل و...).

فمع وجود هذه القرائن التي قبل الآية وبعدها نعلم ان المقصود من الآية هاهنا هو تبديل استقبال بيت المقدس في الصلاة بحكم استقبال الكعبة فيها، ومن ثمّ ندرك انّ المقصود من تبديل آية مكان آية في قوله تعالى: (وإذا بدّلنا آية مكان آية...)تبديل حكم استقبال بيت المقدس في الصلاة بحكم استقبال الكعبة فيها، أو نظائره.

فانظر "القرآن الكريم وروايات المدرستين": ج 2، ص 351 وما بعدها و"حقائق هامة حول القرآن الكريم": ص 314.
الصفحة 210

التي تتحدث عن نقصان القرآن(1). وبتفسيرهم هذا وجدوا حلاًّ لمعضلة تلكم الرّوايات وقالوا: إنّها نسخت تلاوتها، أي إن الله سبحانه كان قد أنزل على نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم تلكم الآيات والسور ثم نسخها مع حكمها أو بدون حكمها.

فقال ابن حزم:


"فأمّا قول من لا يرى الرجم أصلاً فقول مرغوب عنه، لأنّه خلاف الثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد كان نزل به القرآن ولكنه نسخ لفظه وبقي حكمه"(2).



وعلى ذلك حمل "أبو شامة" وكذا "الطحاوي" فقال:


"لكنّ عمر لم يقف على النسخ فقال ما قال ووقف على ذلك غيره من الأصحاب"(3).



وقال السيوطي:


"وأمثلة هذا الضرب كثيرة".



ثمَّ حمل قول ابن عمر: "لا يقولَنَّ أحدكم قد أخذت القرآن كلَّه... قد ذهب منه قرآن كثير...". وكذلك ما روي عن عائشة في شأن سورة الأحزاب(4).

وفي "المحلّى" بعد أن روى قول اُبي بن كعب في عدد آيات ـ مزعومة من ـ سورة الأحزاب قال:


"هذا اسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه... ولو لم ينسخ لفظها



____________

1 ـ أورد "الطبري" بتفسير آية (ما ننسخ...) قليلاً منها: ج 1، ص 378 ـ 383 و"السيوطي" كثيراً منها في "الدرّ المنثور": ج 1، ص 104 ـ 106.

2 ـ المحلى: ج 11، ص 234.

3 ـ المرشد الوجيز: ص 42.

4 ـ الاتقان في علوم القرآن: ج 2، ص 81.
الصفحة 211


لأقرأها أُبي بن كعب زِرّاً بلا شك ولكنّه أخبره بأنّها كانت تعدل سورة البقرة ولم يقل له: إنّها تعدل الآن; فصح نسخ لفظها"(1).



وقال "الآلوسي":


"اُسقط زمن الصديق ما لم يتواتر وما نسخت تلاوته وكان يقرأه من لم يبلغه النسخ وما لم يكن في العرضة الأخيرة..."


ثمّ ذكر طائفة من الآثار الدّالة على نقصان القرآن عن كتبهم وقال:


"ومثله كثير وعليه يحمل ما رواه أبو عبيد عن ابن عمر أنـّه قال: "لا يقولَنَّ أحدُكم..." والرّوايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى إلاّ أنـّها محمولة على ما ذكرنا"(2).



ووافق "الزرقاني" على حمل هذه الأحاديث على النسخ لورود ذلك في الأحاديث(3)، وكذا ذكر غيرهم.

وقد عدّ الدكتور القفاري أيضاً كل هذه الطوائف من الرّوايات من باب "القراءة الواردة" أو "منسوخ التلاوة" تبعاً لغيره، ودافع عن هذه النظرية بشدّة قائلاً:


"إنّ تلك الآثار كان قرآناً ثمّ رفع في حياة الرسول والوحي ينزل، ولهذا وضعت من باب النسخ من مباحث علوم القرآن عند أهل السنة..."(4).



ونسب هذا النسخ إلى الله تعالى ودافع عنه وقد أصرّ على أن نظر السيد الخوئي رحمه الله تعالى في ردّ هذه النظرية يوصد باب نسخ التلاوة الذي هو بمثابة القاعدة

____________

1 ـ المحلى: ج 11، ص 234.

2 ـ روح المعاني: ج 1، ص 45.

3 ـ مناهل العرفان: ج 2، ص 225.

4 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1019. أورد الدكتور القفاري مزعومة نسخ التلاوة في مواضع عديدة من كتابه انظر: ص 1031، 1052 و...
الصفحة 212

الثابتة من الله تعالى; ولهذا نراه يتهم السيد الخوئي بالتظاهر بالدفاع عن القرآن، فيقول:


"... وكأنّه أراد [السيد الخوئي] ان يوصد هذا الباب ويرد هذه القاعدة الثابتة [أي نسخ التلاوة] ليثبت بطريق ملتو عقيدة في نفسه يكاد يخفيها..."(1).



وأخيراً فإن الدكتور القفاري يجعل من نظرية نسخ التلاوة أمراً مشتركاً بين الفريقين(2)، مع أنـّه لا يخفى أنّ من يقول بنسخ التلاوة في آيات القرآن لا يحتاج إلى التواتر في اثبات آيات الوحي(3)، أو التواتر في نسخها; لأنّا نرى أنّ من روى تلك الآيات المزعومة هم ثلة قليلة لا تبلغ حد التواتر كـ "عائشة"، "عمر بن الخطاب"، "عبد الله بن عمر"، "اُبي بن كعب" و"أبو موسى الأشعري" ولو كانت متواترة لكثر الراوون لها، بل انهم قرأوا تلك الآيات المزعومة ولا يعلمون أنـّها منسوخة(4) ومع ذلك يعتبر أكثر علماء أهل السنة أنها من آيات الوحي أولاً ونسخها ثانياً.


____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 247 ـ 248 وج 3، ص 1053، وقد تقدم نص كلام الدكتور القفاري بتمامه.

2 ـ هذا جهل أو تجاهل وسيأتي في المقام الثاني ان شاء الله تعالى نص عبارات علماء الإمامية وهم يقولون بامكان نسخ التلاوة في عالم الامكان والثبوت في ردّ من أنكر وقال انه محال ذاتاً ـ وهو شاذ من المعتزلة ـ لا في عالم الوقوع والاثبات إلاّ في آية الرجم ولا يخفى على ذي حجىً البون الشاسع بين مقام الثبوت ومقام الاثبات.

3 ـ وان كانوا يقولون: "لا خلاف ان كل ما هو من القرآن يجب ان يكون متواتراً في اصله واجزائه، واما في محله ووضعه وترتيبه فكذلك عند محققي أهل السنة للقطع بان العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله." الاتقان: ج 1، ص 77 ـ 78.

4 ـ كما صرح به الآلوسي وقال: "... اسقط زمن الصديق ما لم يتواتر... وكان يقرؤه من لم يبلغه النسخ..." روح المعاني: ج 1، ص 45.
الصفحة 213


هل نسخ التلاوة واقع أم خيال؟

نأتي هنا إلى بحث الجانب التطبيقي لنظرية "نسخ التلاوة"، يعني أننا لو فرضنا أن هذه الأنواع الثلاثة من النسخ ممكنة ثبوتاً، وأيضاً على فرض أن هاتين الآيتين (ما ننسخ من آية أو ننسها...) و(وإذا بدلنا آية مكان آية) ناظرتان إلى نسخ التلاوة، مع هذه الفرضيات نقول: إنّ هذه الرّوايات التي تتحدث عن نقصان القرآن هل يمكن أن يشملها نسخ التلاوة أم أنها في مقام التطبيق تواجه اشكالات كثيرة جداً؟ وهنا لسنا بحاجة إلى أدلة علماء الإمامية، في ردّهم على تلك النظرية، بل يكفي الاعتماد على أدلّة جماعة من متقدمي أهل السنّة ومتأخريهم في ردّهم لتلك النظرية ـ نسخ التلاوة ـ في مقام التطبيق.

وأدلتهم تلك تنقسم الى أقسام ثلاثة:


1 ـ إنّ هذه الرّوايات أخبار آحاد ومن البديهي أنه لا يمكن اثبات آية قرآنية أو إثبات نسخها اعتماداً على خبر الواحد:

قال الزركشي في مورد آية الرضاع المزعومة:


"حكى القاضي أبو بكر (ت 403) في "الانتصار" عن قوم إنكار هذا الضرب لأنّ الأخبار فيه أخبار آحاد ولا يجوز القطع على انزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها"(1).



وقد ردّ "أبو جعفر النحّاس" (ت 338) منسوخ التلاوة دون الحكم بقوة وأورد في جملة كلامه حديث الرجم عن عمر بن الخطاب وقال:


"واسناده صحيح إلاّ أنه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله جماعة عن الجماعة ولكنّه سنة ثابتة..."(2).




____________

1 ـ البرهان في علوم القرآن: ج 2، ص 39 ـ 40 وأيضاً حكى عنه الاتقان في علوم القرآن: ج 2، ص 85.

2 ـ الناسخ والمنسوخ: ص 10 ـ 11.
الصفحة 214

وقال أبو عبد الله بن ظفر صاحب كتاب "الينبوع في التفسير":


"خبر الواحد لا يثبت القرآن وقد صرّحوا ـ أي العلماء ـ بعدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد ونسبه "القطّان" إلى الجمهور"(1).



وقال الشوكاني:


"لقد اختلف في المنقول آحاداً هل هو قرآن أم لا، فقيل: ليس بقرآن لأنّ القرآن ما تتوفر الدواعي على نقله... فما لم يتواتر فليس بقرآن(2). وقال في موضع آخر: منع قوم من نسخ اللّفظ مع بقاء الحكم وبه جزم "شمس الدين السرخسي" لأنّ الحكم لا يثبت بدون دليل"(3).



وقال ابن الجزري:


"... فما عدا مصحف عثمان ـ وهو المصحف الموجود ـ لا يقطع عليه وإنّما يجري مجرى الآحاد"(4).



وهكذا غيرهم من العلماء(5).

ومن المعاصرين "رشيد رضا"(6) و"صبحي الصالح" و"الرافعي"(7) و"مصطفى زيد"(8) وغيرهم حيث أنكروا نظرية نسخ التلاوة، فقال صبحي الصالح:


"والولوع باكتشاف النسخ في آيات الكتاب أوقع القوم في أخطاء



____________

1 ـ عن "صبحي الصالح" مباحث في علوم القرآن: ص 265.

2 ـ ارشاد الفحول: ص 30.

3 ـ المصدر السابق: ص 180 ـ 190.

4 ـ النشر في القراءات العشر: ص 32.

5 ـ انظر: الموافقات للشاطبي: ج 3، ص 105 ـ 106، البرهان للزركشي: ج 2، ص 35 وما بعدها ونواسخ القرآن لابن الجوزي: ص 8.

6 ـ المنار: ج 1، ص 413 ـ 415.

7 ـ اعجاز القرآن: ص 44.

8 ـ النسخ في القرآن الكريم: ج 1، ص 283.
الصفحة 215


منهجية كان خليقاً بهم أن يتجنبوها لئلاّ يحملها الجاهلون حملاً على كتاب الله... لم يكن خفياً على أحد منهم أنّ الآية القرآنية لا تثبت إلاّ بالتواتر، وأنّ أخبار الآحاد ظنية لا قطعية وجعلوا النسخ في القرآن ـ مع ذلك ـ على ثلاثة أضرب: نسخ الحكم دون التلاوة، نسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم والتلاوة جميعاً... ففي الضربين الثاني والثالث اللّذين نسخت فيهما بزعمهما تلاوة آيات معينة أمّا مع نسخ أحكامها وأمّا دون نسخ أحكامها والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأ مركّباً وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على انزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها..."(1).



وفي تفسير "المنار":


"ان عائشة نقلت آية خمس رضعات معلومات يحرمن نقل قرآن لا نقل حديث... [لكن] لو صحّ أن ذلك قرآناً يتلى لما بقي علمه خاصاً بعائشة بل كانت الرّوايات تكثر فيه ويعمل به جماهير الناس ويحكم به الخلفاء الراشدون وكل ذلك لم يكن..."(2).




2 ـ نصوص الآيات المزعومة لا تتفق مع سنخ آيات القرآن:

من البديهي أنّ الآيات التي أُوردت بعنوان "منسوخ التلاوة" يجب ان تتوافق مع بقية الآيات القرآنية من حيث الاُسلوب والفصاحة والبلاغة في حدّ الإعجاز، فإن الآيات المزعومة طبقاً لهذه النظرية كانت ممّا نزل من الله تعالى في الأصل، لكنّها نسخت بعد ذلك، ولكن لو نظر إليها أيّ شخص له أدنى معرفة بآيات القرآن

____________

1 ـ مباحث في علوم القرآن: ص 265 ـ 266.

2 ـ المنار: ج 4، ص 471 ـ 474.
الصفحة 216

الكريم لأذعن بأنّها خزعبلات ليس فيها من طلاوة وعذوبة آيات القرآن الكريم من شيء، بل على العكس يظهر منها ولأوّل وهلة التناقض والاختلاف، ولو كانت من عند الله لم يرد فيها هذا الاضطراب والتناقض، يقول عزّ وجلّ: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)(1).

قال في الفرقان:


"... ومن ذلك أيضاً ما يدّعونه من نسخ تلاوة "إنا أنزلنا المال لاقام الصلوة وإيتاء الزكاة ولو أنّ لابن آدم وادياً لأحبّ..." ونسخ تلاوة "وان الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم" ونسخ تلاوة "يا أيّها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم..." وكثير غير هذا يضيق المقام عن ذكره ويعلم العقلاء انه ليس بكلام الخالق تعالى وليست له طلاوة وليست به حلاوة وعذوبة وليست عليه بهجة بل ويتبرأ من ركاكته المخلوقون فكيف برب العالمين"(2).



وقال "صبحي صالح":


"ومما يدل على اضطراب الرواية، أنّ في صحيح ابن حبان ما يفيد أن هذه الآية التي زعموا نسخ تلاوتها كانت في سورة الأحزاب لا في سورة النور..."(3).



وأخيراً قال "العلامة البلاغي" من علماء الإمامية:


"هب ان المعرفة والصدق لا يطلبان المحدثين "ولا نقول القصاص" ولا يسألانهم عن هذا الاضطراب الفاحش فيما يزعمون انه من



____________

1 ـ سورة النساء (4): الآية 64.

2 ـ الفرقان: ص 157 ـ 158.

3 ـ مباحث في علوم القرآن: ص 266.

الصفحة 217


القرآن ولا يسألانهم عن التمييز بين بلاغة القرآن وعلو شأنه فيها وبين انحطاط هذه الفقرات، ولكن أليس للمعرفة ان تسألهم عن الغلط في قولهم "لا المشركة" فهل يوصف الدين بأنّه مشركة؟ وفي قولهم "الحنيفة المسلمة" وهل يوصف الدين أو الحنيفة بأنّه مسلمة؟..."(1).




ثمّ تطرق إلى الاضطراب والغلط في قولهم "انا انزلنا المال لاقام الصلوة..." فقال:


"أو لم يكونوا عرباً أو لهم إلمام باللغة العربية... وها أنت ترى روايات عائشة وجابر وأنس وابن عباس تجعل حديث الوادي والواديين من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وتمثله فهي بسوقها تنفي كونه من القرآن الكريم ومع ذلك فقد نسب إلى كلام الرسول صلّى الله عليه وآله ما يأتي فيه بعض من الاعتراضات المتقدمة مما يجب ان ينزّه عنه ودع عنك الاضطراب الذي يدع الرواية مهزلة"(2).




3 ـ إنّ نسخ الآيات إنّما يختص بزمن نزول الوحي وبعض تلك الأخبار توحي بأنّ النسخ كان بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وانقطاع الوحي:

وهذا اشكال متين لأنّ موضوع النسخ والإنساء بعد انقطاع الوحي بوفاة الرّسول صلّى الله عليه وآله منتف موضوعاً كما هو معلوم، ولكن كلام بعض الناقلين الذين رووا هذه الآيات المزعومة يوحي بأنّها كانت تتلى حتّى بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وليست من النسخ في شيء.

فهذه عائشة تقول في آية الرضاع المزعومة:


____________

1 ـ آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ص 20.

2 ـ المصدر السابق: ص 21.
الصفحة 218


"فتوفي رسولُ الله وهنّ مما نقرأ من القرآن"(1).



وأيضاً قولها:


"كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبىّ صلّى الله عليه وسلم مأتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ما هو الآن"(2).



وذاك عمر بن الخطاب القائل:


"والله لولا أن يقول القائلون زاد عمر في كتاب الله لأثبتها كما اُنزلت"(3).



وقول حميدة بنت أبي موسى قالت:


"قرأ علىّ أبي وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة: "إنّ الله وملائكته يصلّون على النبىّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلموا تسليماً وعلى الّذين يصلون الصفوف الأول، قالت قبل أن يغير عثمان المصاحف"(4).



أليس هذا القول صريحاً في عدم النسخ في عصر نزول الوحي؟ بل إنّ عائشة لم

____________

1 ـ سبق ذكر مصادره، منها الموطأ: ج 2، كتاب الرضاع، ص 605.

2 ـ فضائل القرآن لابن سلام: ص 190 و الدرّ المنثور: ج 5، ص 180.

3 ـ فضائل القرآن لابن سلام: ص 191.

أو في هذه الرواية التي يقول فيها عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف: "الم تجد فيما انزل علينا، ان جاهدوا كما جاهدتم اوّل مرّة فأنا لا اجدها، قال: اسقطت فيما اسقط من القرآن" فاذا كانت هذه الآية قد نسخت في زمن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم فهل يعبّر عنها بقوله: "اسقطت فيما..." أو يجب التعبير بـ "نسخت فيما نسخ من القرآن"؟

ورواية أبو بكر بن أبي داود عن ابن شهاب الزهري قال: "بلغنا أنـّه كان انزل قرآن كثير فقتل علماءُه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه ولم يعلم بعدهم ولم يكتب..." المصاحف لأبي داود: ص 31 ولم يوجد في عبارته نسخ القرآن.

4 ـ الاتقان: ج 2، ص 718.
الصفحة 219

تقرأ به باعتباره قرآناً فحسب، وإنّما عملت بمضمون آية الرضاع طيلة حياتها وقد جاء في "الموطأ"(1) و"صحيح مسلم"(2):


"فأخذت بذلك ـ أي رضاع خمس رضعات لنشر الحرمة ـ عائشة اُمّ المؤمنين فيمن كانت تحبّ أن يدخل عليها من الرِّجال فكانت تأمر اُختها اُمَّ كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات اُختها أن يُرضعْنَ من احبّت أن يدخل عليها من الرِّجال، وأبى سائر أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس".



ولا ننسى أنّ هذه الوقعة كانت بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

هذا عجيب وأعجب منه تشبّثهم ببعض الآيات التي فيها كلمة "النسخ" أو "الانساء" حتى يضفوا على نظريتهم طابعاً قرآنياً.

وقد تفطن جمع من علماء أهل السنة إلى هذه النكتة فقال أبو جعفر النحاس (338 هـ.):


"وفي الحديث ـ الرضاع ـ لفظة شديدة الاشكال وهو قولها ـ أي عائشة ـ فتوفي رسول الله وهن مما نقرأ في القرآن"(3).



وقال السرخسي:


"والدليل على بطلان هذا القول قوله تعالى: (إنّا نحن نزّلنا الذكر...)وبه يتبين أنـّه لا يجوز نسخ شيء منه بعد وفاته صلّى الله عليه، وما ينقل من أخبار آحاد شاذ لا يكاد يصح شيء منها"(4).




____________

1 ـ الموطأ: ج 2، كتاب الرضاع، ص 605.

2 ـ كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبير، الأحاديث 26 و27 و28 ومن طريق آخر الأحاديث 29 و30 و31.

3 ـ الناسخ والمنسوخ: ص 13.

4 ـ الاصول: ج 2، ص 78، نقلاً عن الاتقان: ج 3، ص 85.
الصفحة 220

والحاصل أنـّه هل يجب على كلّ عالم تقبّل هذه الرّوايات مع انها أخبار آحاد أولاً، ومضطربة المتن ثانياً، وبعيدة كلّ البعد عن فصاحة القرآن وتعاليمه ثالثاً، وكون تلك الآيات نسخت بعد وفاة النبىّ رابعاً؟

وأىّ معنى لـ "نسخ التلاوة" بعد كلّ هذه الأمور؟ ومع كلّ هذا انظر كيف يسوغ للدكتور القفاري أن يجعل من ردّ نظرية "نسخ التلاوة" من أهل السنّة وغيرهم محتجاً بهذه الإشكالات مكذّباً لربّ العالمين، فيقول:


"من يزعم أنّ نسخ التلاوة من الباطل يكذّب ربّ العالمين وقد وقع [هذا النسخ] في كتاب الله فانظر ما أعظم جرمه؟!"(1).



والطريف أنّ الدكتور القفاري نفسه أورد نصَّ عبارة أبي جعفر النحّاس قائلاً: "إنّ النسخ ارتفع بموت النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلّم" ثم قال: إنّ من زعم أنّ النسخ يمكن وقوعه بعد النبىّ فهو من أصناف الغلاة(2).

والحاصل أنّ علماء السنة لم يتخذوا موقفاً واحداً من تلك الرّوايات، بل اختلفت آراؤهم في ردّ وقبول وتأويل وتوجيه هذه الرّوايات، وسبب هذا الاختلاف هو التباين في محور التفكر وهل هو القرآن أو الحديث؟ فالذاهبون إلى أنّ القرآن هو المحور الاساس، رأوا أنّ الرّوايات وإن بلغت ما بلغت من أعلى درجات الصحّة، إذا كانت مخالفة للقرآن، ولم يوجد محمل تحمل عليه، فإنّها تضرب عرض الجدار، ذلك لأنّ ساحة القرآن المقدسة أعلى وأعظم من هذا النوع من الرّوايات المزعومة، وكان أصل هذا التفكير معرفة عمق الرسالة والقرآن الكريم، وهذا يعني أنـّه وقف على أنّ حجية الرّوايات حدوثاً وبقاءً منوطة بالقرآن الكريم; لأنّ القرآن نفسه عهد إلى السنة أمر تبيينه وتوضيحه والرّوايات حاكية

____________

1 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 1044.

2 ـ المصدر السابق: ص 149.
الصفحة 221

عن السنة. وعلى هذا فان هذه الرّوايات إن لم تكن ممضاة من قبل القرآن فلا دليل على حجّيتها، وصحّة سندها لا تكفي لاعتبارها كما لا يخفى.

وفي مقابل هذا الاتجاه، اتجاه من تمسّك بالصّحاح والمسانيد والسنن إلى الحدّ الذي لم يسمح لنفسه بتجاوز هذه الرّوايات وصحّتها، فأوقع نفسه في الحيرة، فإذا أراد أن ينأى بنفسه عن تلك المشكلة دخل في مشكلة أخرى، كاللجوء إلى نظرية نسخ التلاوة مع ما فيها من اشكالات عديدة لا مفرّ منها.

وعلى هذا ينبغي لنا حفظ حريم القرآن كما هو حقه تبعاً لمسلك القرآن نفسه في صيانة حريمه عن التّحريف وأن نبتعد عن التعصب الأعمى حيال الرّوايات وأصحابها ونجلّ ساحة القرآن عن الابتذال والتوهين.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:33 PM   #5
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 222


شهادة علماء أهل السنة بنزاهة القرآن عن التحريف

قلنا مسبقاً إنّ سلامة القرآن من التحريف موضع اتفاق علماء أهل السنة كما هو موضع اجماع علماء الشيعة ومن شذّ من الفريقين لا يعبأ برأيه، فههنا نشير إلى بعض أسماء علماء أهل السنة الذين صرّحوا بنزاهة القرآن من التحريف تتميماً للفائدة:

الثعلبي(1) (ت / 437 هـ.)، ابن حزم الأندلسي(2) (ت / 456 هـ)، الواحدي النيسابوري(3) (ت / 468 هـ.)، البغوي(4) (ت / 516 هـ.)، جار الله الزمخشري(5)(ت / 528 هـ.)، القاضي عياض(6) (ت / 544 هـ.)، ابن عطية الأندلسي(7) (ت / 546 هـ.)، الفخر الرازي(8) (ت / 606 هـ.)، ابن عربي(9) (ت / 638 هـ.)، محمد بن أحمد القرطبي(10) (ت / 671 هـ.)، أبو البركات النسفي(11) (ت / 710 هـ.)، أبو الفداء ابن كثير الدمشقي(12) (ت / 774 هـ.)، البيضاوي(13) (ت / 791 هـ.)، ابن الجزري(14)

____________

1 ـ الكشف والبيان: ج 5، ص 331.

2 ـ الفصل: ج 5، ص 40 وص 251.

3 ـ الوسيط في تفسير القرآن المجيد: ج 3، ص 40.

4 ـ معالم التنزيل (تفسير البغوي): ج 3، ص 44.

5 ـ الكشاف: ج 2، ص 572.

6 ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج 3، ص 763.

7 ـ المحرر الوجيز: ج 3، ص 352.

8 ـ التفسير الكبير (تفسير الفخر الرازي): ج 19، ص 160.

9 ـ تفسير القرآن الكريم: ج 2، ص 444.

10 ـ الجامع لأحكام القرآن: ج 10، ص 5.

11 ـ تفيسر النسفي: ج 2، ص 179.

12 ـ تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير): ج 2، ص 547.

13 ـ تفسير البيضاوي: ج 1، ص 526.

14 ـ النشر في القراءات العشر: ج 1، ص 4.
الصفحة 223

(ت / 833 هـ.)، جلال الدين السيوطي(1) (ت / 911 هـ.)، الشوكاني(2) (ت / 1250 هـ.)، محمود الآلوسي(3) (ت / 1270 هـ.)، السيد قطب(4) وغيرهم كثير.

* * *


____________

1 ـ تفسير الجلالين: ص 344.

2 ـ فتح القدير: ج 3، ص 122.

3 ـ روح المعاني: ج 1، ص 45.

4 ـ في ظلال القرآن: ج 4، ص 2128 ـ 2129.


 

رد مع اقتباس
إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 11:50 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية