![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
[ من حكمه ]
الإمام الصادق (ع) ، علم وعقيدة - رمضان لاوند - ص 189 – 195 حكمه كانت الحكمة وما تزال عند كل شعب ، وفي كل عصر ، سجلا تتلخص فيه الشخصية ، وتتبلور فيه الأخلاق والخصائص الفردية والجماعية . والحكمة من تاريخ كل أمة هي أول محاولة لتفسير الوجود ، وتنظيم العلاقات ، وتهذيب النفوس ، وتفسير كثير من الحقائق الاجتماعية والنفسية والسياسية . بل أكاد أقول : إن الحكمة هي جماع ثقافة الأمة قبل ظهور التخصص والتفرغ والتنظيم الدقيق ، أي قبل ظهور المنهجية العلمية والمنطق العقلاني المنظم . فالعرب في الجاهلية قبل الإسلام لم تحفظ لهم ، غير الأمثال السائرة ، والحكم الناضجة ، التي صيغت صياغة تعبيرية رائعة ، تتميز بالوضوح والبلاغة . وجاء العصر الإسلامي فلم تفقد الحكمة قوتها بل أضيفت إلى تراثها القديم ، مكتسبات جديدة ، وخبرات متنوعة مختلفة ، فرضتها أحوال ‹ صفحة 190 › المعيشة الجديدة بعد انتقال العرب من البداوة إلى الحضارة ، ومن الرحلة الدائمة إلى الاستقرار الدائم ، ومن القلة إلى الكثرة ، ومن نظام القبيلة إلى نظام المدينة ، ومن سلطة الشيخ إلى سلطة الحكومة المنظمة . فلبست الحكمة بفضل هذه الظروف الجديدة ، لبوسا آخر غير لبوسها ، وحاولت على طريقتها في التلخيص الشديد أن تعطي حلولها القصيرة الواضحة لأعقد المشكلات التي كانت تعترض المجتمعات الإسلامية يومذاك . ونحن رغم اعترافنا بظهور المجلدات الكبيرة التي يعالج أصحابها مشكلة أخلاقية على حدة ، أو مشكلة سياسية ، وأخرى اجتماعية ، فإننا لا يسعنا إلا أن نعترف أيضا بأن الحكمة قد بقيت في أوساط هذه المجتمعات متداولة بين الناس ، تمثل جانبا مهما من ثقافتهم ، وتصور جزءا غير ضئيل من معنى حضارتهم . وما تزال ثقافة العامة حتى يومنا هذا ثقافة مركزة في مجموعة الحكم التي يتداولها الأبناء عن الآباء ، والتي بها يفصلون في كثير من القضايا ، والتي بها يحددون سيرهم وسلوكهم والنجاح الاجتماعي الذي سجلوه . فإذا صح ما ذكرناه في الفقرات السابقة ، فقد وجب علينا أن نرى في حكم الإمام الصادق ، هذا اللون من الثقافة التي تحمل طابعا قوميا وحضاريا في الوقت نفسه . وها نحن نورد فيما يلي بعضا من هذه الحكم : 1 - إن الثواب على قدر العقل . 2 - أكمل الناس عقلا أحسنهم خلقا . ‹ صفحة 191 › 3 - كمال العقل في ثلاث : التواضع لله ، وحسن اليقين ، والصمت إلا من خير . 4 - من فرط تورط ، ومن خان العاقبة تثبت عن الدخول فيما لا يعلم . 5 - العلماء أمناء ، والأتقياء حصون ، والأوصياء سادة . 6 - لا يقبل الله عملا إلا بمعرفة ، ولا معرفة إلا بعمل ، فمن عرف دلته المعرفة على العمل ، ومن لا يعمل فلا معرفة له ، ألا إن الإيمان بعضه من بعض . 7 - المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق ، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل . 8 - إن الله بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في اليقين والرضا ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط . 9 - لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما قد فات ، فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت . 10 - من أنصف الناس من نفسه رضي به حكما لغيره . 11 - إن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب . 12 - ما من أحد يتيه إلا من ذلة في نفسه . 13 - أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس عقلا من ظلم من دونه ، ولم يصفح عمن اعتذر إليه . 14 - احذر من الناس ثلاثة : الخائن ، والظلوم ، والنمام ، لأن من خان لك خانك ، ومن ظلم لك سيظلمك ، ومن نم إليك سينم عليك . ‹ صفحة 192 › 15 - ثلاثة أشياء يحتاج إليها الناس طرا : الأمن ، والعدل ، والخصب . 16 - ثلاثة تكدر العيش : السلطان الجائر ، والجار السوء ، والمرأة البذيئة . 17 - لا تفتش الناس فتبقى بلا صديق . 18 - إن من أجاب على كل ما يسأل لمجنون . 19 - المؤمن يداري ولا يماري . 20 - من حقيقة الإيمان أن تؤثر الحق وإن ضرك ، على الباطل وإن نفعك ، وألا يجوز منطقك عملك . هذه عشرون حكمة أوردها لا على سبيل الحصر بل في معرض التمثيل . فقد روى كل من أصحاب : الكافي وحلية الأولياء والبحار وغيرهم عشرات من مثل هذه الحكم التي لخص بها الإمام تلخيصا معجبا حقا ، وجهة نظره في كثير من قضايا الإنسان والمجتمع . وقد حاولت كما يلاحظ القارئ أن أنقل من هذه الحكم أصنافا متنوعة بحيث يستطيع بعد قراءتها أن يكون فكرة تقريبية عن شخصية الإمام وطريقة معالجته لكل ما يعرض له . وفي رأيي أن هذه الخطوط ، التي نسميها الحكم ، تستطيع أن تعطي لو جمعت ونسقت ونظمت ، اللوحة التالية : يقول الإمام : ما معناه " أنا مؤمن بالإنسان العاقل ، لأن العقل في نظري هو دليل صاحبه إلى الحقيقة ، والحقيقة الكبرى هي الله . وإذن ‹ صفحة 193 › فطريق المؤمن إلى الله هو طريق العقل . ينتج عن هذا ، أن الثواب الذي يثاب به المؤمن هو في حدود ما يعقله من الخير ويؤمن به . فلا يفعل الخير تقليدا وخضوعا لمن هو أكبر منه ، أو خوفا من المجتمع الذي يراقبه ، بل يفعله لأنه مقتنع به ، مؤمن بضرورته ، واثق من حسن نتائجه ، مدرك لرضا الله عنه . وليس العقل في رأيي عملية وعي وإدراك فقط ، ففعاليته لا تكون إلا حين يرتبط بمفهوم أخلاقي خاص . يرتبط بالتواضع ، والصدق ، والاستقامة ، وحسن الظن بالناس ، والصمت عن كل شئ إلا فيما ينفع الناس ويرضي الله . وهو مرتبط أيضا بالاعتدال في كل شئ ، في الحب والكره ، والكرم والبخل ، والسرعة والبطء ، فلا إفراط ولا تفريط . أما العلم ففي قاعدته حسن الأخلاق . وقيمة العلم في تطبيقه . لأن المعرفة التي لا تدفع صاحبها إلى العمل شئ غير موجود . وينتقل الإمام بعد ذلك فيحدثنا بما معناه ، عما نسميه اليوم ب " الخلق المتحضر " فلا يسير فيه المرء مع شهواته وينسى ما التزمه من قواعد العمل في حياته ، حين يستفزه الغضب ، أو يرضيه الغنى والسلطان . فالمؤمن أي المتحضر الذي يعيش إنسانيته عيشا حقيقيا هو الذي لا ينسى الحق عند غضبه ولا يقبل بالدخول في الباطل عند رضاه . وكم يعجبني أن أكتشف خلال هذه الحكم خطوطا رائعة يصور بها الإمام أحوال النفس الإنسانية ، في اطمئنانها وقلقها ، وحزمها وترددها ، وشكواها ورضاها ، وما يكمن فيها من عقد نفسية عجيبة ، تحاول أن ‹ صفحة 194 › تعوض عنها تعويضا ، يهوي بصاحبها في مهاوي الهلكة والفضيحة . وكم يعجبني أيضا أن يصور في هذه الحكم معنى النبل في القوة ، والسماحة في القدرة . أو ليس قد جعل الهم والحزن ، في الشك والسخط ، والحزم ، في العمل للمستقبل ، ونسيان الماضي وأخطائه ؟ وجعل التخريب النفسي الهدام ، فيما يورثه الحسد لصاحبه ؟ أو ليس قد جعل من التيه ، تعويضا عن شعور الإنسان بحقارة نفسه ، فهو يحاول بمظاهر تيهه وكبريائه أن يخفي شعوره بالحقارة ؟ وقل مثل ذلك حين يحدثنا عن الأمن ، والعدل ، والخصب ويخوفنا من جور السلطان ، وجار السوء ، والمرأة البذيئة في عصر كانت مصائر الناس فيه مرتبطة بإرادة حاكم فرد . وكم هو رقيق ولطيف حين يصر علينا ألا نبالغ في محاسبة الصديق فنخسره ، والاغترار بعلمنا فننفضح ، والشدة في مداراة الناس فنقع في رذيلة النفاق والممالاة . وأخيرا يرسل الإمام مقياسه الدقيق لإنسانية الإنسان فيقول ما معناه : أن إيثار الحق مع ضرره ، ومجانبة الباطل مع نفعه ، وللعمل في حدود منطقنا وتفكيرنا هو شئ من الإيمان بل هو حقيقة الإيمان . والخلاصة أن الإمام هنا إنما يضع بين أيدي الأحفاد خلاصة تجاربه ، وكتاب حياته ، مرسلا عبر الدهور ، معلما ، وفيصلا بين الحق والباطل . إنه في هذه الكلمات يبدو صاحب منهج علمي ورائد سلوك أخلاقي ، وواضح قاعدة للعقلانية في ثقافة المسلمين ، وداعيا إلى الله ، بحق الله ‹ صفحة 195 › عليه في الدعوة إلى الخير ، ومحللا لجوانب خفية من عقد النفس الإنسانية والتواءاتها . ولعل اطلاع القارئ على مجموع هذه الحكم في مصادرها المذكورة آنفا أن يساعده على تكميل صورة الإمام بإضافة خطوط جديدة إليها . تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |