الاستهزاء بعلماء الدين تكذيب بآيات الله ..

اكد سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي على ضرورة الايمان برسالات الله والانبياء والرسل والائمة عليهم الصلاة والسلام وتوقير كل من يمثل هذا الخط من العلماء والخطباء وحتى المؤمنين، وقال: ( الايمان بهؤلاء ايمانٌ بايات الله والاستهزاء بهم – سواء كانوا من العلماء اوحتى من شيعة اهل البيت عليهم السلام- إستهزاء بايات الله وكفر بها).
جاء ذلك خلال مواصلة التدبّر في الاية العاشرة من سورة الروم عبر دروسه الرمضانية على العلماء الافاضل وطلبة العلوم الدينية والشباب المؤمن. تقول الآية الكريمة: (ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون.)


ما هي آيات الله؟


وتساءل سماحته في بداية حديثه عن معنى آيات الله ومصاديقها وعن معنى التكذيب بايات الله وقال: " ما هومعنى (ايات الله)؟ هل ايات الله هي الشمس والقمر والنجوم وغيرها من ايات الخلق؟ ام هي السماء والأرض؟ ام ايات الله هم رسل الله والمبلغون عنه؟"
وفي الاجابة على هذا التساؤل قال سماحته: "ربنا سبحانه يقول في سورة الأعراف - وهي سورة تتحدث عن حقيقة الإنسان وطبيعته-: يقول (وَاتْلُ عَلَيْهِم نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ) مفردة سَلَخ تعني اخراج شيء من شيء كإخراج الليل من النهار، فالله سبحانه وتعالى يتحدث في هذه الاية عن من كانت الآيات محيطة به من كل جانب – وكان عالما من علماء بني اسرائيل اوتي الاسم الاعظم حسب بعض الروايات- لكن انسلخ منها، وبمجرد خروجه من الايات (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ) ثم يقول (وَلَوشِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ وَاتـَّــبَعَ هَوَاهُ) فصار يبحث عن الدنيا وحطامها واصبح متبعا للشهوات. (مَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوتَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذيِنَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ) فهذا مثل من يكذب بايات الله وهي نزلت في بلعم باعوراء. وفي تاريخنا الاسلامي هناك عدة امثلة لهذا الامر كالزبير بن العوام وعمر بن سعد و...
فحسب هذه الايات يكون معنى (ايات الله) الرسل والانبياء والائمة عليهم السلام ومن يسير على نهجهم.
لكن ما هومعنى (ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذيِنَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا)؟


التناغم بين الخلق دليل على الخالق


مما نستطيع ان نستفيده من الخلق هوالتناغم والارتباط بين أجزائه المختلفة، فآخر نجمة في أبعد مجرة في هذا الكون الرحيب لها تأثير على الكرة الأرضية – وان كان ضئيلا- وبالتالي تؤثر على حياتنا. وكما ان الكائنات ترتبط ببعضها البعض كذلك لها ارتباط بالإنسان ويرتبط الإنسان ايضا بها عبر الحواس، فاذا حصل خلل في احد هذه الحواس يختل حياته. وفي عالم المحسوس ايضا يوجد هناك ترابط.
فكل هذه الخلقة يرتبط بها الإنسان فتدله على الله سبحانه وتعالى، لكن المشكلة فينا إذ لم نستجب لهذه الايات العظيمة، بينما الخلق يدل كله على الخالق، وكما نقرأ في دعاء الامام الحسين يوم عرفه ( الهي ترددي في الاثار يوجب بُعد المزار، فاجمعني بخدمة توصلني اليك) ثم يقول الامام (كيف يُستدل عليك بما هوفي وجوده مفتقر اليك، أيكون من الظهور ما ليس لك، متى غِبْتَ حتى تحتاج الى دليل يدل عليك، ومتى بَعُدْتَ حتى تكون الاثار هي الموصلة اليك)
فالله جعل في الكون ايات تدل عليه اذ يستطيع الانسان ان يصل عبرها الى الله سبحانه وتعالى والى معرفته، لكن اذا لم يتوجه الى هذه الايات واغلق بصيرته عنها فقد كذب بايات الله.
فالاية هي العلامة والعلامة هي الارشادات، لكن اذا لم يكن هناك استجابة فلا تنفع الإنسان افضل واوضح الحجج (ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذيِنَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا)
فاذا كذّب الإنسان بايات الله – وهي بالمعنى الأول اي الطبيعة – فلا يستطيع الإنسان ان يستفيد من حواسه.( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون)


اقسام الايات الالهية


فايات الله على ثلاثة اقسام:
اولاً: الدلائل والشواهد والحجج من السماوات والارض وفي كل شيء وكما يقول الشاعر:


وفي كل شيء له اية ** تــدل على انه واحد


ثانياً: الايات القرانية هي ايات الله ايضاً، والكفر بها يكون عبر تأويلها تأويلا خاطئا ومحاولة الفرار منها ومن الحقائق التي تطرح فيها.
ثالثا: النبي واهل بيته عليهم السلام، فالإنسان اذا كذب بهؤلاء ولم يؤمن بهم كان مصداقا لتكذيب الايات، فبلعم باعوراء والزبير بن العوام وقابيل و.. ابتلوا بهذا الأمر، فمن اشد الأمور في الإنسان حب الرئاسة. فمن واجبات الانسان المؤمن ان يؤمن بالانبياء جميعا، وحينما نقرأ في الروايات أنه حتى كل الأنبياء امتحنوا بالاقرار ببعضهم البعض وبالايمان بنبوة النبي الاعظم محمد (ص).
ومما يدل على ان الانبياء والائمة عليهم السلام جميعا هم ايات الله وعدم الايمان بهم ونصرتهم بمثابة تكذيبهم، استشهاد الامام زين العابدين عليه السلام في خطبته في الشام بهذه الاية (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون) فأبوعبد الله الحسين عليه السلام كان اية من ايات الله واولئك القوم شملتهم هذه الاية بعدم نصرتهم له – بل وقتلهم اياه-.
وفي ختام حديثه اكد سماحة المرجع المدرسي على جانب اخلاقي يجب ان يلتزم به الانسان المؤمن في تعامله مع النقد الموجه اليه وقال: " اذا انتقدك احدهم فلا تحاول ان ترد عليه، بل توقف وتأمل يوماً كاملاً، فان كان محقا اعمل على تصحيح عملك، وان كان مخطئا إستغفر له الله، اما الرد المباشر والتكذيب والاستهزاء فلا تكون له اثار ايجابية"
يذكر ان سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله، قد اغنت تأليفاته في جميع الحقول المعرفية المكتبة الاسلامية بالكثير من الأفكار والاطروحات الجديدة، التي يستفيد منها العلماء والخطباء كما يستفيد منها المثقفون والشباب الرساليون. حيث تتسم افكاره بالدقة والموضوعية والعمق من جانب وبسهولة الطرح من جانب اخر، وتتميز جميع هذه التأليفات بالطابع القراني، حيث لا يكاد ان ترى فكرة الا ولها شواهد قرانية. ومن جملة تأليفاته كتاب "التشريع الاسلامي اصوله ومناهجه" حيث يعد ابداعا جديدا في الفقه والأصول. كما له تأليفات قرانية ابرزها "تفسير من هدى القران" و"بينات من فقه القران" وكتب قيمة اخرى في شتى حقول المعرفة.