![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
ما معنى التأويل ؟
فسر قوم من المفسرين التأويل بالتفسير وهو المراد من الكلام وإذ كان المراد من بعض الآيات معلوما بالضرورة كان المراد بالتأويل على هذا من قوله تعالى " وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله الآية هو المعنى المراد بالآية المتشابهة فلا طريق إلى العلم بالآيات المتشابهة على هذا القول لغير الله سبحانه أو لغيره وغير الراسخين في العلم . وقالت طائفة أخرى أن المراد بالتأويل هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ وقد شاع هذا المعنى بحيث عاد اللفظ حقيقة ثانية فيه بعد ما كان بحسب اللفظ لمعنى مطلق الارجاع أو المرجع . وكيف كان فهذا المعنى هو الشائع عند المتأخرين كما أن المعنى الأول هو الذي كان شائعا بين قدماء المفسرين سواء فيه من كان يقول إن التأويل لا يعلمه إلا الله ومن كان يقول إن الراسخين في العلم أيضا يعلمونه كما نقل عن ابن عباس أنه كان يقول : أنا من الراسخين في العلم وأنا أعلم تأويله . وذهب طائفة أخرى إلى أن التأويل معنى من معاني الآية لا يعلمه إلا الله تعالى أو لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم مع عدم كونه خلاف ظاهر اللفظ فيرجع الامر إلى أن للآية المتشابهة معاني متعددة بعضها تحت بعض منها ما هو تحت اللفظ يناله جميع الافهام ومنها ما هو أبعد منه لا يناله إلا الله سبحانه أو هو تعالى والراسخون في العلم . وقد اختلفت أنظارهم في كيفية ارتباط هذه المعاني باللفظ فإن من المتيقن أنها من حيث كونها مرادة من اللفظ ليست في عرض واحد وإلا لزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد وهو غير جائز على ما بين في محله فهي لا محالة معان مترتبة في الطول فقيل إنها لوازم معنى اللفظ إلا أنها لوازم مترتبة بحيث يكون للفظ معني مطابقي وله لازم وللازمه لازم وهكذا وقيل إنها معان مترتبة بعضها على بعض ترتب الباطن على ظاهره فإرادة المعنى المعهود المألوف إرادة لمعنى اللفظ وإرادة لباطنه بعين إرادته نفسه كما أنك إذا قلت اسقني فلا تطلب بذاك إلا السقي وهو بعينه طلب للارواء وطلب لرفع الحاجة الوجودية وطلب للكمال الوجودي وليس هناك أربعة أوامر ومطالب بل الطلب الواحد المتعلق بالسقي متعلق بعينه بهذه الأمور التي بعضها في باطن بعض والسقي مرتبط بها ومعتمد عليها . وهيهنا قول رابع وهو أن التأويل ليس من قبيل المعاني المرادة باللفظ بل هو الامر العيني الذي يعتمد عليه الكلام فإن كان الكلام حكما إنشائيا كالأمر والنهي فتأويله المصلحة التي توجب إنشاء الحكم وجعله وتشريعه فتأويل قوله أقيموا الصلاة مثلا هو الحالة النورانية الخارجية التي تقوم بنفس المصلي في الخارج فتنهاه عن الفحشاء والمنكر وإن كان الكلام خبريا فإن كان إخبارا عن الحوادث الماضية كان تأويله نفس الحادثة الواقعة في ظرف الماضي كالآيات المشتملة على أخبار الأنبياء والأمم الماضية فتأويلها نفس القضايا الواقعة في الماضي وإن كان إخبارا عن الحوادث والأمور الحالية والمستقبلة فهو على قسمين فإما أن يكون المخبر به من الأمور التي تناله الحواس أو تدركه العقول كان أيضا تأويله ما هو في الخارج من القضية الواقعة كقوله تعالى وفيكم سماعون لهم " التوبة - 47 وقوله تعالى " غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين " الروم - 4 وإن كان من الأمور المستقبلة الغيبية التي لا تناله حواسنا الدنيوية ولا يدرك حقيقتها عقولنا كالأمور المربوطة بيوم القيامة ووقت الساعة وحشر الأموات والجمع والسؤال والحساب وتطائر الكتب أو كان مما هو خارج من سنخ الزمان وإدراك العقول كحقيقة صفاته وأفعاله تعالى فتأويلها أيضا نفس حقائقها الخارجية . والفرق بين هذا القسم أعني الآيات المبينة لحال صفات الله تعالى وأفعاله وما يلحق بها من أحوال يوم القيامة ونحوها وبين الأقسام الاخر أن الأقسام الاخر يمكن حصول العلم بتأويلها بخلاف هذا القسم فإنه لا يعلم حقيقة تأويله إلا الله تعالى نعم يمكن ان يناله الراسخون في العلم بتعليم الله تعالى بعض النيل على قدر ما تسعه عقولهم ‹ صفحة 46 › وأما حقيقة الامر الذي هو حق التأويل فهو مما استأثر الله سبحانه بعلمه . فهذا هو الذي يتحصل من مذاهبهم في معنى التأويل وهي أربعة . وهيهنا أقوال أخر ذكروها هي في الحقيقة من شعب القول الأول وإن تحاشى القائلون بها عن قبوله . فمن جملتها أن التفسير أعم من التأويل وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل وأكثر ما يستعمل التأويل في الكتب الإلهية ويستعمل التفسير فيها وفي غيرها . ومن جملتها أن التفسير بيان معنى اللفظ الذي لا يحتمل إلا وجها واحدا والتأويل تشخيص أحد محتملات اللفظ بالدليل استنباطا . ومن جملتها أن التفسير بيان المعنى المقطوع من اللفظ والتأويل ترجيح أحد المحتملات من المعاني غير المقطوع بها وهو قريب من سابقه . ومن جملتها أن التفسير بيان دليل المراد والتأويل بيان حقيقة المراد مثاله قوله تعالى إن ربك لبالمرصاد فتفسيره أن المرصاد مفعال من قولهم رصد يرصد إذا راقب وتأويله التحذير عن التهاون بأمر الله والغفلة عنه . ومن جملتها أن التفسير بيان المعنى الظاهر من اللفظ والتأويل بيان المعنى المشكل . ومن جملتها أن التفسير يتعلق بالرواية والتأويل يتعلق بالدراية . ومن جملتها أن التفسير يتعلق بالاتباع والسماع والتأويل يتعلق بالاستنباط والنظر فهذه سبعة أقوال هي في الحقيقة من شعب القول الأول الذي نقلناه يرد عليها ما يرد عليه وكيف كان فلا يصح الركون إلى شئ من هذه الأقوال الأربعة وما ينشعب منها . أما إجمالا فلانك قد عرفت : أن المراد بتأويل الآية ليس مفهوما من المفاهيم تدل عليه الآية سواء كان مخالفا لظاهرها أو موافقا ، بل هو من قبيل الأمور الخارجية ، ولا كل أمر خارجي حتى يكون المصداق الخارجي للخير تأويلا له ، بل أمر خارجي مخصوص نسبته إلى الكلام نسبة الممثل إلى المثل ( بفتحتين ) والباطن إلى الظاهر . وأما تفصيلا فيرد على القول الأول : أن أقل ما يلزمه أن يكون بعض الآيات القرآنية لا ينال تأويلها أي تفسيرها أي المراد من مداليلها اللفظية عامة الافهام ، وليس في القرآن آيات كذلك بل القرآن ناطق بأنه أنما أنزل قرآنا ليناله الافهام ، ولا مناص لصاحب هذا القول إلا أن يختار أن الآيات المتشابهة إنما هي فواتح السور من الحروف المقطعة حيث لا ينال معانيها عامة الافهام ، ويرد عليه : أنه لا دليل عليه ، ومجرد كون التأويل مشتملا على معنى الرجوع وكون التفسير أيضا غير خال عن معنى الرجوع لا يوجب كون التأويل هو التفسير كما أن الام مرجع لاولادها وليست بتأويل لهم ، والرئيس مرجع للمرؤوس وليس بتأويل له . على أن ابتغاء الفتنة عد في الآية خاصة مستقلة للتشابه وهو يوجد في غير فواتح السور فإن أكثر الفتن المحدثة في الاسلام إنما حدثت باتباع علل الاحكام وآيات الصفات وغيرها . وأما القول الثاني فيرد عليه : أن لازمه وجود آيات في القرآن أريد بها معان يخالفها ظاهرها الذي يوجب الفتنة في الدين بتنافيه مع المحكمات ومرجعه إلى أن في القرآن اختلافا بين الآيات لا يرتفع إلا بصرف بعضها عن ظواهرها إلى معان لا يفهمها عامة الافهام وهذا يبطل الاحتجاج الذي في قوله تعالى " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " النساء - 82 إذ لو كان ارتفاع اختلاف آية مع آية بان يقال إنه أريد بإحديهما أو بهما معا غير ما يدل عليه الظاهر بل معنى تأويلي باصطلاحهم لا يعلمه إلا الله سبحانه مثلا لم تنجح حجة الآية فان انتفاء الاختلاف بالتأويل باصطلاحهم في كل مجموع من الكلام ولو كان لغير الله أمر ممكن ولا دلالة فيه على كونه غير كلام البشر إذ من الواضح أن كل كلام حتى القطعي الكذب واللغو يمكن ارجاعه إلى الصدق والحق بالتأويل والصرف عن ظاهره فلا يدل ارتفاع الاختلاف بهذا المعنى عن مجموع كلام على كونه كلام من يتعالى عن اختلاف الأحوال وتناقض الآراء والسهو والنسيان والخطاء والتكامل بمرور الزمان كما هو المعني بالاحتجاج في الآية فالآية بلسان احتجاجها صريح في أن القرآن معرض لعامة الافهام ومسرح للبحث والتأمل والتدبر وليس فيه آية أريد بها معنى يخالف ظاهر الكلام العربي ولا أن فيه أحجية وتعمية وأما القول الثالث فيرد عليه أن اشتمال الآيات القرآنية على معان مترتبة بعضها فوق بعض وبعضها تحت بعض مما لا ينكره إلا من حرم نعمة التدبر إلا أنها جميعا وخاصة لو قلنا أنها لوازم المعنى مداليل لفظية مختلفة من حيث الانفهام وذكاء السامع المتدبر وبلادته وهذا لا يلائم قوله تعالى في وصف التأويل وما يعلم تأويله إلا الله فان المعارف العالية والمسائل الدقيقة لا يختلف فيها الأذهان من حيث التقوى وطهارة النفس بل من حيث الحدة وعدمها وإن كانت التقوى وطهارة النفس معينين في فهم المعارف الطاهرة الإلهية لكن ذلك ليس على نحو الدوران والعلية كما هو ظاهر قوله وما يعلم تأويله إلا الله . وأما القول الرابع فيرد عليه أنه وأن أصاب في بعض كلامه لكنه أخطأ في بعضه الآخر فإنه وإن أصاب في القول بأن التأويل لا يختص بالمتشابه بل يوجد لجميع القرآن وأن التأويل ليس من سنخ المدلول اللفظي بل هو أمر خارجي يبتني عليه الكلام لكنه أخطأ في عد كل أمر خارجي مرتبط بمضمون الكلام حتى مصاديق الاخبار الحاكية عن الحوادث الماضية والمستقبلة تأويلا للكلام وفي حصر المتشابه الذي لا يعلم تأويله في آيات الصفات وآيات القيامة . توضيحه أن المراد حينئذ من التأويل في قوله تعالى وابتغاء تأويله " إلخ " إما أن يكون تأويل القرآن برجوع ضميره إلى الكتاب فلا يستقيم قوله ولا يعلم تأويله إلا الله إلخ فإن كثيرا من تأويل القرآن وهو تأويلات القصص بل الاحكام أيضا وآيات الأخلاق مما يمكن أن يعلمه غيره تعالى وغير الراسخين في العلم من الناس حتى الزائغون قلبا على قوله فإن الحوادث التي تدل عليها آيات القصص يتساوى في إدراكها جميع الناس من غير أن يحرم عنه بعضهم وكذا الحقائق الخلقية والمصالح التي يوجدها العمل بالأحكام من العبادات والمعاملات وسائر الأمور المشرعة . وإن كان المراد بالتأويل فيه تأويل المتشابه فقط استقام الحصر في قوله وما يعلم تأويله إلا الله إلخ وأفاد أن غيره تعالى وغير الراسخين في العلم مثلا لا ينبغي لهم ابتغاء تأويل المتشابه وهو يؤدي إلى الفتنة واضلال الناس لكن لا وجه لحصر المتشابه الذي لا يعلم تأويله في آيات الصفات والقيامة فإن الفتنة والضلال كما يوجد في تأويلها يوجد في تأويل غيرها من آيات الاحكام والقصص وغيرهما كأن يقول القائل وقد قيل إن المراد من تشريع الاحكام إحياء الاجتماع الانساني بإصلاح شأنه بما ينطبق على الصلاح فلو فرض أن صلاح المجتمع في غير الحكم المشرع أو أنه لا ينطبق على صلاح الوقت وجب اتباعه وإلغاء الحكم الديني المشرع وكأن يقول القائل وقد قيل إن المراد من كرامات الأنبياء المنقولة في القرآن أمور عادية وإنما نقل بألفاظ ظاهرها خلاف العادة لصلاح استمالة قلوب العامة لانجذاب نفوسهم وخضوع قلوبهم لما يتخيلونه خارقا للعادة قاهرا لقوانين الطبيعة ويوجد في المذاهب المنشعبة المحدثة في الاسلام شئ كثير من هذه الأقاويل وجميعها من التأويل في القرآن ابتغاءا للفتنة بلا شك فلا وجه لقصر المتشابه على آيات الصفات وآيات القيامة . إذا عرفت ما مر علمت : أن الحق في تفسير التأويل أنه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية من حكم أو موعظة أو حكمة وأنه موجود لجميع الآيات القرآنية محكمها ومتشابهها وأنه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ بل هي من الأمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات الألفاظ وإنما قيدها الله سبحانه بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التقريب فهى كالأمثال تضرب ليقرب بها المقاصد وتوضح بحسب ما يناسب فهم السامع كما قال تعالى " والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم " الزخرف - 4 وفي القرآن تصريحات وتلويحات بهذا المعنى . على أنك قد عرفت فيما مر من البيان أن القرآن لم يستعمل لفظ التأويل في الموارد التي استعملها وهي ستة عشر موردا على ما عدت إلا في المعنى الذي ذكرناه . |
![]() |
#2 |
مشرف عام
![]() |
![]()
هل يعلم تأويل القرآن غير الله سبحانه ؟
هذه المسألة أيضا من موارد الخلاف الشديد بين المفسرين ومنشأه الخلاف الواقع بينهم في تفسير قوله تعالى : والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا الآية وأن الواو هل هو للعطف أو للاستيناف فذهب بعض القدماء والشافعية ومعظم المفسرين من الشيعة إلى أن الواو للعطف وأن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه من القرآن وذهب معظم القدماء والحنفية من أهل السنة إلى أنه للاستيناف وأنه لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله وهو مما استأثر الله سبحانه بعلمه وقد استدلت الطائفة الأولى على مذهبها بوجوه كثيرة وببعض الروايات والطائفة الثانية بوجوه اخر وعدة من الروايات الواردة في أن تأويل المتشابهات مما استأثر الله سبحانه بعلمه وتمادت كل طائفة في مناقضة صاحبتها والمعارضة مع حججها . والذي ينبغي أن يتنبه له الباحث في المقام أن المسألة لم تخل عن الخلط والاشتباه من أول ما دارت بينهم ووقعت موردا للبحث والتنقير فاختلط رجوع المتشابه إلى المحكم وبعبارة أخرى المعنى المراد من المتشابه بتأويل الآية كما ينبئ به ما عنونا به المسألة وقررنا عليه الخلاف وقول كل من الطرفين آنفا . ولذلك تركنا التعرض لنقل حجج الطرفين لعدم الجدوى في إثباتها أو نفيها بعد ابتنائها على الخلط وأما الروايات فإنها مخالفة لظاهر الكتاب فإن الروايات المثبتة أعني الدالة على أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل فإنها أخذت التأويل مرادفا للمعنى المراد من لفظ المتشابه ولا تأويل في القرآن بهذا المعنى كما روى من طرق أهل السنة : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا لابن عباس فقال - اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وما روي من قول ابن عباس : أنا من الراسخين في العلم وأنا أعلم تأويله ومن قوله : إن المحكمات هي الآيات الناسخة - والمتشابهات هي المنسوخة فإن لازم هذه الروايات على ما فهموه أن يكون معنى الآية المحكمة تأويلا للآية المتشابهة وهو الذي أشرنا إليه أن التأويل بهذا المعنى ليس موردا لنظر الآية . وأما الروايات النافية أعني الدالة على أن غيره لا يعلم تأويل المتشابهات مثل ما روى أن ابن عباس كان يقرأ : وما يعلم تأويله إلا الله - ويقول الراسخون في العلم آمنا به وكذلك كان يقرأ أبي بن كعب وما روي أن ابن مسعود كان يقرأ : وإن تأويله إلا عند الله - والراسخون في العلم يقولون آمنا به فهذه لا تصلح لاثبات شئ أما أولا فلان هذه القراءات لا حجية فيها وأما ثانيا فلان غاية دلالتها أن الآية لا تدل على علم الراسخين في العلم بالتأويل وعدم دلالة الآية عليه غير دلالتها على عدمه كما هو المدعى فمن الممكن أن يدل عليه دليل آخر . ومثل ما في الدر المنثور عن الطبراني عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خصال - أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتلوا - وأن يفتح لهم الكتاب - فيأخذه المؤمن يبتغى تأويله - وما يعلم تأويله إلا الله - والراسخون في العلم يقولون آمنا به - كل من عند ربنا وما يذكر إلا اولوا الألباب - وأن يكثر علمهم فيضيعونه ولا يبالون به وهذا الحديث على تقدير دلالته على النفي لا يدل إلا على نفيه عن مطلق المؤمن لا عن خصوص الراسخين في العلم ولا ينفع المستدل إلا الثاني . ومثل الروايات الدالة على وجوب اتباع المحكم والايمان بالمتشابه وعدم دلالتها على النفي مما لا يرتاب فيه . ومثل ما في تفسير الآلوسي عن ابن جرير عن ابن عباس مرفوعا : أنزل القرآن على أربعة أحرف : حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلا الله ومن ادعى علمه سوى الله تعالى فهو كاذب والحديث مع كونه مرفوعا ومعارضا بما نقل عنه من دعوة الرسول له وادعائه العلم به لنفسه مخالف لظاهر القرآن : أن التأويل غير المعنى المراد بالمتشابه على ما عرفت فيما مر . والذي ينبغي ؟ ؟ أن يقال أن القرآن يدل على جواز العلم بتأويله لغيره تعالى وأما هذه الآية فلا دلالة لها على ذلك . أما الجهة الثانية فلما مر في البيان السابق أن الآية بقرينة صدرها وذيلها وما تتلوها من الآيات إنما هي في مقام بيان انقسام الكتاب إلى المحكم والمتشابه وتفرق الناس في الاخذ بها فهم بين مائل إلى اتباع المتشابه لزيغ في قلبه وثابت على اتباع المحكم والايمان بالمتشابه لرسوخ في علمه فإنما القصد الأول في ذكر الراسخين في العلم بيان حالهم وطريقتهم في الاخذ بالقرآن ومدحهم فيه قبال ما ذكر من حال الزائغين وطريقتهم وذمهم والزائد على هذا القدر خارج عن القصد الأول ولا دليل على تشريكهم في العلم بالتأويل مع ذلك إلا وجوه غير تامة تقدمت الإشارة إليها فيبقى الحصر المدلول عليه بقوله تعالى " وما يعلم تأويله إلا الله من غير ناقض ينقضه من عطف واستثناء وغير ذلك فالذي تدل عليه الآية هو انحصار العلم بالتأويل فيه تعالى واختصاصه به . لكنه لا ينافي دلالة دليل منفصل يدل على علم غيره تعالى به بإذنه كما في نظائره مثل العلم بالغيب قال تعالى " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله " النمل - 65 وقال تعالى " إنما الغيب لله " يونس – 20 وقال تعالى " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو " الانعام - 59 فدل جميع ذلك على الحصر ثم قال تعالى " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول " الجن - 27 . فأثبت ذلك لبعض من هو غيره وهو من ارتضى من رسول ولذلك نظائر في القرآن . المصدر تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 3 - ص 44 - 48 |
![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |