![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بقائمهم إِشكال على برهان النَّظم : إِعترض الفيلسوف الإِنكليزي ديفيد هيوم (2) على برهان النَّظم بما حاصله أنَّ أساس برهان النَّظم ـ كما توهمه هيوم و فلاسفة الغرب ـ قائم على أنَّنا شاهدنا أنَّ جميع المصنوعات البشرية المنظَّمة لا تخلو من صانع ماهر ، فالبيت لا ينشأ بلا بنّاء ، و السفينة لا توجد بلا عمال ، فلا بدَّ للكون المنظّم من صانع خالق أيضاً لشباهته بتلك المصنوعات البشرية. ثم انتقد هذا الإِستدلال بأَنَّه مبني على التَّشابه بين الكائنات الطبيعية ، و المصنوعات البشرية. ولكن هذا التشابه بمجرده لا يكفي لسحب و تعدية حكم أَحدهما إلى الآخر لاختلافهما ، فإِنَّ مصنوعات البشر موجود صناعي بينما الكون موجود طبيعي فهما صنفان لا تسانخ بينهما ، فكيف يمكن أَنْ نستكشف من أَحدهما حكم الآخر؟ و صحيح أنَّنا جرَّبنا مصنوعات البشر فوجدناها لا توجد إِلا بصانع 1 ـ سورة البقرة الآية 164. 2 ـ و هو اسكتلندي المولد ، ولد عام 1711 م و توفي عام 1776 م. و كان يعد من أَكبر الفلاسفة المشككين ، و قد أورد هذا الإِشكال في كتابه المسمى ب ـ « المحاورات » و هو مؤلف على شكل حوار بين شخصين افتراضيين أَحدهما يمثل مشككاً في برهان النَّظم باسم « فيلون » و الآخر يمثل المدافع عنه باسم « كلثانتس ». عاقل ، و لكننا لم نجرّب ذلك في الكون ، فإِنَّ الكون لم يتكرر وجوده حتى يقف الإِنسان على كيفية خلقه و إِيجاده ، بل واجهه لأول مرة ، و بهذا لا يمكن أَنْ يثبت له علّة خالقة على غرار مصنوعات البشر إِلا إِذا جرّبه من قبل عشرات المرات ، و شهد عملية الخلق و التكوّن كما شاهد ذلك و جرَّبه في المصنوعات البشرية ، حتى يقف على أَنَّ الكون بما فيه من النّظام لا يمكن أَنْ يوجد من دون خالق عليم و صانع خبير. هذا هو محصل إِشكاله أَوردناه بغاية الوضوح. إِنَّ ماذكره من الإِشكال ينم عن فهم ساذج وسطحي للغاية لبرهان النَّظم ، و يعرب عن فقدان الغرب لمدرسة فلسفية متكاملة تدرك و تستوعب برهان النَّظم بصورته الصحيحة ، فإِنَّ هذا البرهان لا يرتبط أَبداً بالتشابه و التمثيل و التجربة ، و إِنَّما هو برهان عقلي تام ، يحكم العقل فيه بعد ملاحظة طبيعة النظام و ماهيته بأَنَّه صادر من فاعل عاقل و خالق قدير. توضيح ما ذكرناه أَنَّ برهان النَّظم ليس مبنياً على التشابه بين مصنوعات البشر و الموجود الطبيعي كما جاءَ في اعتراض « هيوم » ، حتى يقال بالفرق بين الصنفين ، و يقال هذا صناعي و ذاك طبيعي و لا يمكن إِسراء حكم الأَول إلى الثاني. و لا على التماثل ـ الذي هو المِلاك في التجربة ـ حتى يقال إِنَّا جربنا ذلك في المصنوعات البشرية و لم نجرّبه في الكون لعدم تكرر وقوعه و عدم وقوفنا على تواجده مراراً ، فلا يصح سحب حكم الأَول على الثاني و تعديته إليه. و إِنَّما هو قائم على ملاحظة العقل للنَّظم و التناسق و الإِنضباط بين أَجزاء الوجود ، فيحكم بما هو هو ، من دون دخالة لأَية تجربة و مشابهة ، بأَنَّ موجد النَّظم لا محالة يكون موجوداً ذا عقل و شعور ، و إليك البيان : إِنَّ برهان النَّظم مركَّب من مقدمتين ، إِحداهما حسّية و الأَخرى عقليَّة و دور الحسّ ينحصر فى إِثبات الموضوع ، أَيْ وجود النظام في الكون و السنن السائدة عليه ، و أَمَّا دور العقل فهو يرجع إلى أَنَّ هذا النّظام بالكيفيَّة و الكميَّة المحددة ، لا يمكن أنْ يكون نتيجة الصّدفة أَو أَيِّ عامل فاقد للشعور. أَمّا الصغرى ، فلا تحتاج إلى البيان. فإِنَّ جميع العلوم الطبيعيَّة متكفلة ببيان النُّظُم البديعة السائدة على العالم من الذرة إلى المجرة ، و إِنَّما المهم هو بيان الكبرى ، و هي قضاء العقل بأَنه وليد دخالة عقل كبير في حدوثه من دون استعانة في حكمه بمسألة التشابه أَو التجربة. بل يستقل به مجرداً عن كل ذلك فنقول : 1 ـ الإِرتباط المنطقي بين النظام و دخالة الشعور إِنَّ العقل يحكم بوجود رابطة منطقية بين النظم و دخالة الشعور ، و ذلك لأَنَّ النظم ليس في الحقيقة إِلاّ أُمور ثلاثة : 1 ـ الترابط بين أَجزاء متنوعه مختلفة من حيث الكمية و الكيفية. 2 ـ ترتيبها و تنسيقها بنحو يمكن التعاون و التفاعل فيما بينها. 3 ـ الهادفية إلى غاية مطلوبة و متوخاة من ذلك الجهاز المنظم. والنظام بهذا المعنى موجود في كل أَجزاء الكون من ذرته إلى مجرته ، فإذا نظر العقل في كل جوانب الكون ابتداءً من الذرة و مروراً بالإِنسان و الحيوان و النبات وانتهاءً بالنجوم و الكواكب و المجرّات و رأى فيها أجزاءً مختلفة في الكمية و الكيفية أَولا ، و منسقة و مرتبة بنحو خاص ثانياً ، ورأى كيف يتحقق بذلك الهدف المنشود من وجودها ثالثاً ، حكم من فوره بأَنَّ ذلك لا يمكن أَنْ يصدر إِلاّ من فاعل عاقل ، و خالق هادف شاعر ، يوجد الأجزاء المختلفة كمّاً و كيفاً ، و يرتبها و ينسّقها بحيث يمكن أَنْ تتفاعل فيما بينها و تتعاون لتحقيق الهدف المطلوب من وجودها. و هذا الحكم الذي يصدره العقل لا يستند إلى شيء غير النظر إلى ماهية النظام و طبيعة الآبية للتحقق بلا فاعل عاقل مدبر. و هو لا يستند لا إلى التشابه و لا إلى التجربة كما تخيل (هيوم) و أَضرابه. إِنَّ ملاحظة العقل لما في جهاز العين أَو الأذن أَو المخ أَو القلب أو الخلية من النظام ، بمعنى وجود أَجزاء مختلفة كمّاً و كيفاً ، أولا ، و تناسقها بشكل يمكنها من التفاعل فيما بينها ثانياً ، و تحقيق الهدف الخاص منها ثالثاً ، يدفع العقل إلى الحكم بأنها من فعل خالق عليم ، لاحتياجها إلى دخالة شعور و عقل و هادفية و قصد. و بهذا تبين أَنَّ بين الجهاز المنظّم ، و دخالة العقل و الشعور رابطة منطقية. و إِنْ شئت قلت : إِنَّ ماهية نفس النظام بمقوّماته الثلاثة (الترابط ، و التناسق ، و الهادفية) تنادي بلسانها التكويني : إِنَّ النظام مخلوق عقل واسع و شعور كبير. 2 ـ تقرير الرابطة المنطقية بين النظام و دخالة الشعور بشكل آخر إِنَّ العقل عندما يرى اجتماع ملايين الشرائط اللازمة لاستقرار الحياة على الأرض بحيث لو فقد بعضها لاختلت الحياة ، أو عندما يرى اجتماع آلاف الأَجزاء و العناصر اللازمة للإِبصار ، في العين ، بحيث لو فقد جزء واحد أو تقدم أو تأخر عن مكانه المعين لاختلت عملية الرؤية واستحال الإِبصار ، يحكم أَنَّ هناك عقلا جباراً أرسى مثل هذا النظام ، و أوجد مثل هذا التنسيق و الإِنسجام و الترتيب و التوفيق ، و يحكم بدخالة الشعور في ذلك و نفي حصوله بالصدفة و الإِتفاق ، لأنَّ اجتماعها عن طريق الصدفة كما يمكن أن يكون بهذه الصورة المناسبة كذلك يمكنه أن يكون بما لا يعدّ ولا يحصى من الصور و الكيفياتْ الأُخرى غير المناسبة ، و حينئذ يكون احتمال استقرار هذه الصورة من بين تلكم الصور الهائلة ، احتمالا ضعيفاً جداً يكاد يبلغ الصفر الرياضي في ضآلته ، و هو ما لا يذهب إليه الإِنسان العادي فضلا عن العاقل المحاسب. أَجل ، إِنَّ هذه المحاسبة الرياضيَّة التي يُجريها العقل إِذا هو شاهد النظام السائد في الكون ، تدفعه إلى الحكم بأَنَّ هناك علة عاقلة اختارت هذه الصورة من بين تلك الصور الهائلة بقصد و إِرادة ، و جمعت تلك الشرائط اللازمة بهذا الشكل المناسب للحياة (1). و بهذا يبقى برهان النظم قوياً صامداً سليماً عن أَيَّ نقد و لا يرتبط بشيء من التمثيل أَوْ التجربة كما تصور « هيوم » ، و إِنما هو العقل وحده ينتهي إِليه عن طريق ملاحظة نفس ماهية النظام من دون تنظيرها بشيء ، و بهذا يتساوى الموجود الطبيعي والمصنوع البشري. فالعقل إذا رفض الإِذعان بأَنَّ الساعة وجدت بلا صانع أَو أنَّ السيارة وجدت بلا علة ، فإِنما هو لأَجل ملاحظة نفس الظاهرة (الساعة و السيارة) حيث يرى أَنَّها تحققت بعد ما لم تكن ، فيحكم من فوره بأَنَّ لها موجداً. و ليس هذا الحكم إِلا لأَجل الإِرتباط المنطقي بين وجود الشيء بعد عدمه ، و لزوم وجود فاعل له ، و إِنْ شئت قلت لأَجل قانون العلية و المعلولية الذي يعترف به العقل في جميع المجالات. كما أَنَّ حكم العقل في المقام بأَنَّ الموجود المنظم مخلوق عقل كبير ، ناشئ من الإِرتباط المنطقي بين النظام و دخالة الشعور ، أَو استحالة ظهور النظام صدفة للمحاسبة الرياضية التي مرّت ، لا لأَن العقل مثل أَو جرّب فتوصل إلى هذه النتيجة. و حصيلة الكلام : إِنَّ طبيعة النظام و ماهيته في الأشياء التي نراها تنادي بلسان تكوينها أَنَّها صادرة عن فاعل شاعر و خالق عاقل ، و هذا هو الذي يجعل العقل يذعن بوجود مثل هذا الخالق وراء النظام الكوني ، من دون النَّظر إلى شيء آخر (2). 1 ـ راجع التقرير الرابع لبرهان النَّظم ، فقد أَشرنا فيه إلى ماها هنا مفصّلا. 2 ـ إِنَّ الأسئلة المتوجهة إلى برهان النَّظم لا تنحصر بما ذكرناه ، و إِنْ كان هو أَقواها. و قد ذكر الأُستاذ (دام ظله) جميع الإِشكالات المطروحة حول هذا البرهان و تربو على السبع ، و أَجاب عنها في كتاب « الله خالق الكون » فمن أراد التوسع فيها فليرجع إلى الصفحات التالية من : (220 إلى 279). الالهيات الشيخ السبحاني ![]()
آخر تعديل السيد عباس ابو الحسن يوم
06-17-2011 في 11:33 AM.
|
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |