![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
#11 |
خادم الحسين
![]() |
![]()
[ الرد على حديث الاقتداء بالشيخين ]
تكملة : لقد جاء في بعض طرق هذا الحديث : اقتدوا باللذين . . . واهتدوا بهدي عمار . وتمسكوا بعهد ابن أم عبد . أو : إذا حدثكم ابن أم عبد فصدقوه أو : ما حدثكم ابن مسعود فصدقوه . فالحديث مشتمل على ثلاث فقرات ، الأولى تخص الشيخين ، والثانية عمار بن ياسر ، والثالثة عبد الله بن مسعود . أما الفقرة الأولى فكانت موضوع بحثنا ، فلذا أشبعنا فيها الكلام سندا ودلالة . . . وظهر عدم جواز الاستدلال بها والأخذ بظاهر لفظها ، وأن من المحتمل قو يا وقوع التحريف في لفظها أو لدى النقل لها بإسقاط القرائن الحافة بها الموجب لخروج الكلام من التقييد إلى الإطلاق ، فإنه نوع من أنواع التحريف ، بل من أقبحها ‹ صفحة 52 › وأشنعها كما هو معلوم لدى أهل العلم . وأما الفقرتان الأخريان فلا نتعرض لهما إلا من ناحية المدلول والمفاد لئلا يطول بنا المقام . . . وإن ذكرا في فضائل الرجلين ، وربما استدل بهما بعضهم في مقابلة بعض فضائل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام . . . فنقول : قوله : اهتدوا بهدي عمار معناه : سيروا بسيرته واسترشدوا بإرشاده . فكيف كانت سيرة عمار ؟ وما كان إرشاده ؟ وهل سار القوم بسيرته واسترشدوا بإرشاده ؟ ! هذه كتب السير والتواريخ بين يديك ! ! وهذه نقاط من سيرته وإرشاده : تخلف عن بيعة أبي بكر ( 1 ) وقال لعبد الرحمن بن عوف - حينما قال للناس في قصة الشورى : أشيروا علي - إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليا ( 2 ) . وقال - بعد أن بويع عثمان - : يا معشر قريش ، أما إذا صدفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرة هاهنا مرة ، فما أنا بآمن من أن ينزعه الله فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله ( 3 ) وكان مع علي عليه السلام منذ اليوم الأول حتى استشهد معه بصفين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عمار تقتله الفئة الباغية ( 4 ) ومن عادى عمارا عاداه الله ( 5 ) . ثم لماذا أمر النبي صلى الله عليه وآله بالاهتداء بهدي عمار والسير على سيرته ؟ لأنه قال له من قبل : يا عمار ، إن رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس كلهم واديا ‹ صفحة 53 › غيره فاسلك مع علي ، فإنه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى . . . يا عمار : إن طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله عز وجل ( 1 ) . وقوله : وتمسكوا بعهد ابن أم عبد أو إذا حدثكم ابن أم عبد فصدقوه ما معناه ؟ إن كان الحديث فهل يصدق في كل ما حدث ؟ هذا لا يقول به أحد . . . وقد وجدناهم على خلافه . . . فقد منعوه من الحديث ، بل كذبوه ، بل ضربوه . . . فراجع ما رووه ونقلوه . . . ( 2 ) . وإن كان العهد فأي عهد هذا ؟ لا بد أن يكون إشارة إلى أمر خاص . . . صدر في مورد خاص . . . لم تنقله الرواة . . . لقد رووا في حق ابن مسعود حديثا آخر - جعلوه من فضائله - بلفظ : رضيت لكم ما رضي به ابن أم عبد ( 3 ) . . . ولكن ما هو ؟ لا بد أن يكون صادرا في مورد خاص . . . بالنسبة إلى أمر خاص . . . لم تنقله الرواة . . . إنه - فيما رواه الحاكم - كما يلي : قال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لعبد الله بن مسعود : اقرأ . قال : أقرأ وعليك أنزل ؟ ! قال : إني أحب أن أسمع من غيري . قال : فافتح سورة النساء حتى بلغ : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) فاستعبر رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، وكف ‹ صفحة 54 › عبد الله . فقال له رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : تكلم . فحمد الله في أول كلامه وأثنى على الله وصلى على النبي صلى الله عليه [ وآله ] . وسلم وشهد شهادة الحق . وقال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا ، ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله . فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ( 1 ) . فانظر كيف تلاعبوا بأقوال النبي صلى الله عليه وآله وتصرفوا في السنة الشريفة . . . فضلوا وأضلوا . . . ! ! ونعود فنقول : إن السنة الكريمة بحاجة ماسة إلى تحقيق وتمحيص ، لا سيما في القضايا التي لها صلة وثيقة بأساس الدين الحنيف ، تبنى عليها أصول العقائد ، وتتفرع منها الأحكام الشرعية . * * * والله نسأل أن يتغمد بواسع رحمته مشايخنا الأبرار ، الذين تعلمنا في مدرستهم مناهج التحقيق ، وتدربنا على سبل البحث والاستدلال . . . لا سيما السيد صاحب عبقات الأنوار . . . وأن يوفقنا لتحقيق الحق وقبول ما هو به جدير ، إنه سميع مجيب وهو على كل شئ قدير . علي الحسيني الميلاني . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ‹ هامش ص 51 › ( 1 ) تلخيص الشافي 3 / 38 . ‹ هامش ص 52 › ( 1 ) المختصر في أخبار البشر 1 / 156 ، تتمة المختصر 1 / 187 . ( 2 ) تاريخ الطبري 3 / 297 ، الكامل 3 / 37 العقد الفريد 2 / 182 . ( 3 ) مروج الذهب 2 / 342 . ( 4 ) المسند 2 / 164 ، تاريخ الطبري 4 / 2 و 4 / 28 ، طبقات ابن سعد 3 / 253 ، الخصائص : 133 ، المستدرك 3 / 378 ، عمدة القاري 24 / 192 ، كنز العمال 16 / 143 . ( 5 ) الإستيعاب 3 / 1138 ، الإصابة 2 / 506 ، كنز العمال 13 / 298 ، إنسان العيون 2 / 265 . ‹ هامش ص 53 › ( 1 ) تاريخ بغداد 13 / 186 ، كنز العمال 12 / 212 ، فرائد السمطين 1 / 178 . المناقب - للخوارزمي - : 57 و 124 . ( 2 ) مسند الدارمي 1 / 61 . طبقات ابن سعد 2 / 336 ، تذكرة الحفاظ 1 / 5 - 8 ، المعارف : 194 ، الرياض النضرة 2 / 163 ، تاريخ الخلفاء 158 ، أسد الغابة 3 / 259 . ( 3 ) هكذا رووه في كتب الحديث . . . . . أنظر : فيض القدير 4 / 33 . ‹ هامش ص 54 › ( 1 ) المستدرك على الصحيحين 3 / 319 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . هذه البحوث المتقدمة من كتاب رسالة في حديث الاقتداء بالشيخين - السيد علي الميلاني - ص 51 - 54 |
![]() |
![]() |
#12 |
خادم الحسين
![]() |
![]() تأملات في متن ودلالة حديث الاقتداء * * قد أشرنا في المقدمة إلى استدلال القوم بحديث الاقتداء في باب الخلافة والإمامة وفي الفقه والأصول في مسائل مهمة . . . فقد استدل به القاضي البيضاوي في كتابه الشهير طوالع الأنوار في علم الكلام وابن حجر المكي في الصواعق المحرقة وابن تيمية في منهاج السنة وولي الله الدهلوي - صاحب : حجة الله البالغة - في كتابه قرة العينين في تفضيل الشيخين . . . . ومن الطريف جدا أن هذا الأخير ينسب رواية الحديث إلى البخاري ومسلم . . . وهذه عبارته : قوله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . فعن حذيفة : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر متفق عليه . وعن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود . أخرجه الترمذي ( 1 ) . إذ لا يخفى أن النسبة كاذبة . . . إلا أن يكون متفق عليه اصطلاحا خاصا بالدهلوي ، يعني به اتفاقهما على عدم الإخراج ! ! واستدل به الشيخ علي القاري . . . . ووقع فيما وقع فيه الدهلوي . . . فقد جاء في شرح الفقه الأكبر : مذهب عثمان وعبد الرحمن بن عوف : أن المجتهد يجوز له أن يقلد غيره إذا كان أعلم منه بطريق الدين ، وأن يترك اجتهاد نفسه ويتبع اجتهاد غيره . وهو المروي عن أبي حذيفة ، لا سيما وقد ورد في الصحيحين : اقتدوا باللذين من ‹ صفحة 42 › بعدي أبي بكر وعمر . فأخذ عثمان وعبد الرحمن بعموم هذا الحديث وظاهره . ولعله يريد غير صحيحي البخاري ، ومسلم ! ! وإلا فقد نص الحاكم - كما عرفت - على أنها لم يخرجاه ! ! وهكذا فإنك تجد حديث الاقتداء . . . . يذكر أو يستدل به في كتب الأصول المعتمدة . . . فقد جاء في المختصر . ( مسألة : الإجماع لا ينعقد بأهل البيت وحدهم خلافا للشيعة . ولا بالأئمة الأربعة عند الأكثرين خلافا لأحمد . ولا بأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - عند الأكثرين ، قالوا : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي . اقتدوا باللذين من بعدي . قلنا : يدل على أهلية اتباع المقلد ، ومعارض بمثل : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم . وخذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء . قال شارحه العضد : أقول : لا ينعقد الإجماع بأهل البيت وحدهم ، مع مخالفة غيرهم لهم ، أو عدم الموافقة والمخالفة ، خلافا للشيعة . ولا بالأئمة الأربعة عند الأكثرين خلافا لأحمد . ولا بأبي بكر وعمر عند الأكثرين خلافا لبعضهم . لنا : أن الأدلة لا تتناولهم . وقد تكرر فلم يكرر . أما الشيعة فبنوا على أصلهم في العصمة ، وقد قرر في الكلام فلم يتعرض له . وأما الآخرون فقالوا : قال عليه الصلاة والسلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي . وقال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . الجواب : أنهما إنما يدلان على أهلية الأربعة أو الاثنين لتقليد المقلد لهم ، لا على حجية قولهم على المجتهد . ثم إنه معارض بقوله : أصحاب كالنجوم . . . ( 1 ) . وفي المنهاج وشرحه : وذهب بعضهم إلى أن إجماع الشيخين وحدهما حجة لقوله عليه السلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواه أحمد بن حنبل وابن ماجة والترمذي وقال : حسن ، وذكره ابن حبان في صحيحه . ‹ صفحة 43 › وأجاب الإمام وغيره عن الخبرين بالمعارضة بقوله : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم . وهو حديث ضعيف . وأجاب الشيخ أبو إسحاق في ( شرح اللمع ) بأن ابن عباس خالف جميع الصحابة في خمس مسائل انفرد بها ، وابن مسعود انفرد بأربع مسائل ، ولم يحتج عليهما أحد بإجماع . . . ( 1 ) . وفي مسلم الثبوت وشرحه : ولا ينعقد الإجماع بالشيخين أميري المؤمنين أبي بكر وعمر عند الأكثر ، خلافا للبعض ، ولا ينعقد بالخلفاء الأربعة خلافا لأحمد الإمام ولبعض الحنفية . . . قالوا : كون اتفاق الشيخين إجماعا ، قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواه أحمد ، فمخالفتهما حرام . . . . قلنا : هذا خطاب للمقلدين ، فلا يكون حجة على المجتهدين ، وبيان لأهلية الاتباع ، لا حصر الاتباع فيهم ، وعلى هذا فالأمر للإباحة أو للندب ، وأحد هذين التأويلين ضروري ، لأن المجتهدين كانوا يخالفونهم ، والمقلدون كانوا قد يقلدون غيرهم ولم ينكر عليهم أحد ، لا الخلفاء أنفسهم ولا غيرهم ، فعدم حجية قولهم كان معتقدهم . وبهذا اندفع ما قيل إن الإيجاب ينافي هذا التأويل . . . ( 2 ) . فهذه نماذج من استدلال القوم بحديث الاقتداء بالشيخين . . . في مسائل الفقه والأصولين . . . لكن الذي يظهر من مجموع هذه الكلمات أن الأكثر على عدم حجية إجماعهما . . . وإذا ضممنا إلى ذلك أن الأكثر - أيضا - على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينص على خلافة أحد من بعده . . . كما جاء في المواقف وشرحها والإمام الحق بعد النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : أبو بكر ثبتت إمامته بالإجماع وإن توقف فيه بعضهم . . . ولم ينص رسول الله صلى الله [ وآله ] وسلم على أحد خلافا للبكرية ، ‹ صفحة 44 › فإنهم زعموا النص على أبي بكر ، وللشيعة فإنهم يزعمون النص على علي كرم الله وجهه ، إما نصا جليا وإما نصا خفيا . والحق عند الجمهور نفيهما ( 1 ) . وقال المناوي بشرحه : فإن قلت : هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الأصول من أنه لم ينص على خلافة أحد . قلت : مرادهم : لم ينص نصا صريحا ، وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الاقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة ونحو ذلك ( 2 ) . علمنا أن المستدلين بهذا الحديث في جميع المجالات - ابتداء بباب الإمامة والخلافة ، وانتهاء بباب الاجتهاد والإجماع - هم البكرية وأتباعهم . . . . إذن . . . . فالأكثر يعرضون عن مدلول هذا الحديث ومفاده . . . وإن المستدلين به قوم متعصبون لأبي بكر وإمامته . . . وهذا وجه آخر من وجوه وضعه واختلافه . . قال الحافظ ابن الجوزي : قد تعصب قوم لا خلاق لهم يدعون التمسك بالسنة فوضعوا لأبي بكر فضائل . . . ( 3 ) . لكن من هم ؟ هم البكرية أنفسهم ! ! قال العلامة المعتزلي : فلما رأت البكرية ما صنعت الشيعة ( 4 ) وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث ، نحو : ( لو كنت متخذا خليلا ) فإنهم وضعوه في مقابلة ( حديث الإخاء ) . ونحو : ( سد الأبواب ) فإنه كان لعلي عليه السلام ، فقلبته البكرية إلى أبي بكر . ونحو : ( إيتوني بدواة وبياض أكتب فيه لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه اثنان ) ثم قال : ( يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ) فإنهم وضعوه في مقابلة الحديث المروي عنه في مرضه : ( إيتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلون بعده ‹ صفحة 45 › أبدا . فاختلفوا عنده وقال قوم منهم : لقد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله ) ونحو حديث : ( أنا راض عنك ، فهل أنت عني راض ؟ ) ونحو ذلك ( 1 ) . وبعد ، فما مدلول هذا الحديث ونحن نتكلم هنا عن هذه الجهة وبغض النظر عن السند ؟ يقول المناوي : أمره بمطاوعتهما يتضمن الثناء عليهما ، ليكونا أهلا لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه . . . . لكن أول شئ يعترض عليه به تخلف أمير المؤمنين عليه السلام ومن تبعه عن البيعة مع أمرهما به ، ولذا قال : فإن قلت : حيث أمر باتباعهما فكيف تخلف علي رضي الله عنه عن البيعة ؟ قلت : كان لعذر ثم بايع ، وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما . . . ( 2 ) . أقول : لقد وقع القوم - بعد إنكار النص وحصر دليل الخلافة في الإجماع - في مأزق كبير وإشكال شديد ، وذلك لأنهم قرروا في علم الأصول أنه إذا خالف واحد من الأمة أو اثنان لم ينعقد الإجماع . قال الغزالي : إذا خالف واحد من الأمة أو اثنان لم ينعقد الإجماع دونه ، فلو مات لم تصر المسألة إجماعا ، خلافا لبعضهم . ودليلنا : أن المحرم مخالفة الأمة كافة . . . . ( 3 ) وفي مسلم الثبوت وشرحه : قيل : إجماع الأكثر مع ندرة المخالف بأن يكون واحدا أو اثنين إجماع . . . . والمختار أنه ليس بإجماع لانتفاء الكل الذي هو مناط العصمة . ثم اختلفوا فقيل : ليس بحجة أصلا كما أنه ليس بإجماع ، وقيل : بل حجة ظنية غير الإجماع ، لأن الظاهر إصابة السواد الأعظم . . . قيل : ربما كان الحق مع الأقل ‹ صفحة 46 › وليس فيه بعد . . . . فقال المكتفون بإجماع الأكثر : صح خلافة أبي بكر مع خلاف علي وسعد بن عبادة وسلمان . فأجيب : ويدفع بأن الإجماع بعد رجوعهم إلى بيعته . هذا وأضح في أمير المؤمنين علي . فلو سلمنا ما ذكروه من بيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، فما الجواب عن تخلف سعد بن عبادة ؟ ! أما المناوي فلم يتعرض لهذه المشكلة . . . وتعرض لها شارح مسلم الثبوت فقال بعد ما تقدم : لكن رجوع سعد بن عبادة فيه خفاء ، فإنه تخلف ولم يبايع وخرج عن المدينة ، ولم ينصرف إلى أن مات بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف مضتا من خلافة أمير المؤمنين عمر ، وقيل : مات سنة إحدى عشرة في خلافة أمير المؤمنين الصديق الأكبر . كذا في الاستيعاب وغيره . فالجواب الصحيح عن تخلفه : أن تخلفه لم يكن عن اجتهاد ، فإن أكثر الخزرج قالوا : منا أمير ومنكم أمير ، لئلا تفوت رئاستهم . . . ولم يبايع سعد لما كان له حب السيادة ، وإذا لم تكن مخالفته عن الاجتهاد فلا يضر الإجماع . . . . فإن قلت : فحينئذ قد مات هو رضي الله عنه شاق عصا المسلمين مفارق الجماعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وأصحابه وسلم : لم يفارق الجماعة أحد ومات إلا مات ميتة الجاهلية . رواه البخاري . والصحابة لا سيما مثل سعد برآء عن موت الجاهلية . قلت : هب أن مخالفة الإجماع كذلك ، إلا أن سعدا شهد بدرا على ما في صحيح مسلم ، والبدريون غير مؤاخذين بذنب ، مثلهم كمثل التائب وإن عظمت المصيبة ، لما أعطاهم الله تعالى من المنزلة الرفيعة برحمته الخاصة بهم . وأيضا : هو عقبي ممن بايع في العقبة ، وقد وعدهم رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وأصحابه وسلم الجنة ‹ صفحة 47 › والمغفرة . فإياك وسوء الظن بهذا الصنيع . فاحفظ الأدب . . . . ( 1 ) . ولو تنزلنا عن قضية سعد بن عبادة ، فما الجواب عن تخلف الصديقة الزهراء عليها السلام ؟ ! وهي من الصحابة ، بل بضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . فإذا كان الصحابة - لا سيما مثل سعد - برآء عن موت الجاهلية ، فما ظنك بالزهراء التي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ( 3 ) وقال : فاطمة بضعة مني ، يقضبني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها ( 2 ) وقال : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران ( 4 ) هذه الأحاديث التي استدل بها الحافظ السهيلي وغيره من الحفاظ على أنها أفضل من الشيخين فضلا عن غيرهما ( 5 ) . . . . . فإن من ضروريات التاريخ أن الزهراء عليها السلام فارقت الدنيا ولم تبايع أبا بكر . . . وأن أمير المؤمنين عليه السلام لم يأمرها بالمبادرة إلى البيعة ، وهو يعلم أنه لم يفارق الجماعة أحد ومات إلا مات ميتة الجاهلية ! ! أقول : إذن . . . لا يدل هذا الحديث على شئ مما زعموه أو أرادوا له الاستدلال به فما هو واقع الحال ؟ سنذكر له وجها على سبيل الاحتمال في نهاية المقال . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ‹ هامش ص 41 › ( 1 ) قرة العينين : 189 . ‹ هامش ص 42 › ( 1 ) شرح المختصر في الأصول 2 / 36 . ‹ هامش ص 43 › ( 1 ) الإبهاج في شرح المنهاج 2 / 367 . ( 2 ) فواتح الرحموت في مسلم الثبوت 2 / 231 . ‹ هامش ص 44 › ( 1 ) الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلمين 2 / 643 - 644 . ( 2 ) فيض القدير 2 / 56 . ( 3 ) الموضوعات 1 / 303 . ( 4 ) الذي صنعته الشيعة أنها استدلت بالأحاديث التي رواها أهل السنة في فضل أمير المؤمنين عليه السلام ‹ هامش ص 45 › باعتبار أنها نصوص جلية أو خفية على إمامته كما ذكر صاحب شرح المواقف وغيره . ( 1 ) شرح نهج البلاغة 11 / 49 . ( 2 ) فيض القدير 2 / 56 . ( 3 ) المستصفى 1 / 203 . ‹ هامش ص 47 › ( 1 ) فواتح الرحموت - شرح مسلم الثبوت 2 / 223 - 224 . ( 2 ) فيض القدير 4 / 421 عن البخاري في المناقب . ( 3 ) فيض القدير 4 / 421 . ( 4 ) فيض القدير 4 / 421 . ( 5 ) فيض القدير 4 / 421 . |
![]() |
![]() |
#13 |
خادم الحسين
![]() |
![]() ثم إن مما يبطل هذا الحديث من حيث الدلالة والمعنى وجوها أخر . ‹ صفحة 48 › - 1 – إن أبا بكر وعمر اختلفا في كثير من الأحكام ، والأفعال ، واتباع المختلفين متعذر غير ممكن . . . . فمثلا : أقر أبو بكر جواز المتعة ومنعها عمر . وأن عمر منع أن يورث أحدا من الأعاجم إلا واحدا ولد في العرب . . . . فبمن يكون الاقتداء ؟ ! ثم جاء عثمان فخالف الشيخين في كثير من أقواله وأفعاله وأحكامه . . . . وهو عندهم ثالث الخلفاء الراشدين . . . وكان في الصحابة من خالف الشيخين أو الثلاثة كلهم في الأحكام الشرعية والآداب الدينية . . . . وكل ذلك مذكور في مظانه من الفقه والأصول . . . . ولو كان واقع هذا الحديث كما يقتضيه لفظه لوجب الحكم بضلالة كل هؤلاء ! ! - 2 – إن المعروف من الشيخين الجهل بكثير من المسائل الإسلامية مما يتعلق بالأصول والفروع ، وحتى في معاني بعض الألفاظ العربية في القرآن الكريم . . . . فهل يأمر النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بالاقتداء المطلق لمن هذه حاله ويأمر بالرجوع إليه والانقياد له في أوامره ونواهيه كلها ؟ ! - 3 – إن في هذا الحديث بهذا اللفظ يقتضي عصمة أبي بكر وعمر والمنع من جواز الخطأ عليهما ، وليس هذا بقول أحد من المسلمين فيهما ، لأن إيجاب الاقتداء بمن ليس بمعصوم إيجاب لما لا يؤمن من كونه قبيحا . . . . - 4 – ولو كان هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله لاحتج به أبو بكر نفسه ‹ صفحة 49 › يوم السقيفة . . . . ولكن لم نجد في واحد من كتب الحديث والتاريخ أنه احتج به على القوم . . . . فلو كان لنقل واشتهر ، كما نقل خبر السقيفة وما وقع فيها من النزاع والمغالبة . . . بل لم نجد احتجاجا له به في وقت من الأوقات . - 5 – بل وجدناه في السقيفة يخاطب الحاضرين بقوله : بايعوا أي الرجلين شئتم يعني : أبا عبيدة وعمر بن الخطاب ( 1 ) . ويلتفت إلى أبي عبيدة الجراح قائلا : أمدد يدك أبايعك ( 2 ) . - 6 – ثم لما بويع بالخلافة قال : أقيلوني ، أقيلوني ، فلست بخيركم . . . ( 3 ) . - 7 – ثم لما حضرته الوفاة قال : وددت أني سألت رسول الله لمن هذا الأمر ، فلا ينازعه أحد ، وددت أني كنت سألت : هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ( 4 ) . ‹ صفحة 50 › - 8 – وجاء عمر يقول : كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وقى المسلمين شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ( 1 ) . * * * وبعد : فما هو متن الحديث ؟ وما هو مدلوله ؟ قد عرفت سقوط هذا الحديث معنى على فرض صدوره . . . وعلى الفرض المذكور . . . فلا بد من الالتزام بأحد أمرين : إما وقوع التحريف في لفظه ، وإما صدوره في قضية خاصة . . . أما الأول فيشهد به : أنه قد روى هذا الخبر بالنصب ، أي جاء بلفظ أبا بكر وعمر بدلا عن أبي بكر وعمر وجعل أبو بكر وعمر مناديين مأمورين بالاقتداء . . ( 2 ) . فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر المسلمين عامة بقوله اقتدوا - مع تخصيص . لأبي بكر وعمر بالخطاب - باللذين من بعده وهما الكتاب والعترة ، وهما ثقلاه اللذان طالما أمر بالاقتداء والتمسك والاعتصام بهما ( 3 ) . وأما الثاني . . . فهو ما قيل : من أن سبب هذا الخبر : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان سالكا بعض الطرق ، وكان أبو بكر وعمر متأخرين عنه ، جائيين على عقبه ، ‹ صفحة 51 › فقال النبي صلى الله عليه وآله لبعض من سأله عن الطريق الذي سلكه في اتباعه واللحوق به : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر وعنى في سلوك الطريق دون غيره ( 1 ) . وعلى هذا فليس الحديث على إطلاقه ، بل كانت تحفه قرائن تخصه بمورده ، فأسقط الراوي القرائن عن عمد أو سهو ، فبدأ بظاهره أمرا مطلقا بالاقتداء بالرجلين . . . وكم لهذه القضية من نظير في الأخبار والأحاديث الفقهية والتفسيرية والتاريخية . . . ومن ذلك . . . ما في ذيل حديث الاقتداء نفسه في بعض طرقه . . . وهذا ما نتكلم عليه بإيجاز . . . ليظهر لك أن هذا الحديث - لو كان صادرا - ليس حديثا واحدا ، بل أحاديث متعددة صدر كل منها في مورد خاص لا علاقة له بغيره . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ‹ هامش ص 47 › ( 1 ) فواتح الرحموت - شرح مسلم الثبوت 2 / 223 - 224 . ( 2 ) فيض القدير 4 / 421 عن البخاري في المناقب . ( 3 ) فيض القدير 4 / 421 . ( 4 ) فيض القدير 4 / 421 . ( 5 ) فيض القدير 4 / 421 . ‹ هامش ص 49 › ( 1 ) أنظر : صحيح البخاري - باب فضل أبي بكر ، مسند أحمد 1 / 56 ، تاريخ الطبري 3 / 309 ، السيرة الحلبية 3 / 386 ، وغيرها . ( 2 ) الطبقات الكبرى 3 / 128 ، مسند أحمد 1 / 35 ، السيرة الحلبية 3 / 386 . ( 3 ) الإمامة والسياسة 1 / 14 ، الصواعق المحرقة : 30 ، الرياض النظرة 1 / 175 ، كنز العمال 3 / 132 . ( 4 ) تاريخ الطبري 3 / 431 ، العقد الفريد 2 / 254 ، الإمامة والسياسة 1 / 18 ، مروج الذهب 2 / 302 . ‹ هامش ص 50 › ( 1 ) صحيح البخاري 5 / 208 ، الصواعق المحرقة : 5 ، تاريخ الخلفاء : 67 . ( 2 ) تلخيص الشافي 3 / 35 . ( 3 ) راجع حديث الثقلين لألفاظه وطرقه ودلالاته في الأجزاء الثلاثة الأولى من كتابنا الكبير نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار . ‹ هامش ص 51 › ( 1 ) تلخيص الشافي 3 / 38 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . |
![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |