![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
الفرق بين دارهم وديارهم
موقع أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم قال الله تعالى في إهلاك قوم صالح عليه السلام :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(الأعراف:78) ، ﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(هود:67) ، وقال في إهلاك قوم شعيب عليه السلام :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(الأعراف:91)، ﴿ وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(هود:94) . فأخبر سبحانه عن إهلاكهم مرة بالرجفة ، ومرة أخرى بالصيحة ، ووحَّد الدار مع الرجفة ، وجمعها مع الصيحة . فما معنى كل من ( الرجفة ) ، و( الصيحة ) ؟ ولم وحَّد ( الدار ) مع الأولى ، وأتى بها جمعًا مع الثانية ؟ وفي الإجابة عن ذلك أقول بعون الله وتعليمه : أولاً – أما السؤال الأول فجوابه : أن ( الرَّجْفَةُ ) هي الزلزلة الشديدة ، وهي ( فَعلَة ) ندل على حدوث الفعل مرة واحدة ، وهي من ( رجف يرجُف ) ، و( الراء والجيم والفاء ) أصل صحيح يدل على اضطراب . يقال : رجفت الأرض تَرْجُف رَجْفًا ورَجِيْفًا ورجَفانًا ورَجْفَةً . وقيل : الرجفة خفقان القلب واضطرابه حتى ينقطع . وأرجف الناسُ في الشيء ، إذا خاضوا فيه واضطربوا . وقيل : قوله تعالى :﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة ﴾(النازعات:6) ؛ كقوله :﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا ﴾(الزلزلة:1) . وقيل : الرَّجْفَةُ هي الطامَّةُ التي يتزَعْزعُ لها الإِنسان ويضطرب ، ومنه قيل للبحر : رَجَّافٌ ، لاضطرابه . أما ( الصَّيْحةُ ) فهي الصوت الشديد ، وهي ( فَعْلَةٌ ) ندل على حدوث الفعل مرة واحدة ، وهي من ( صاح يصيح ) ، و( الصاد والياء والحاء ) أصلٌ صحيح ، يدل على علو في الصوت . يقال : صاح يصيح صياحًا وصيحة . أي : صوَّت بقوة . قال تعالى في صفة المنافقين :﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾(المنافقون:4) ، ويقال : لقيت فلانًا قبل كل صَيْح ونَفْر . فالصيْحُ : الصياح . والنفْر : التفرُّق . وممّا يستعار من هذا قولهم : صاح النبت ، إذا طال ؛ كأنه لمَّا طال وارتفع ، جُعِلَ طوله كالصياح الذي يدل على الصائح ، ومثله قولهم : صاحت الشجرة . والجمهور على أن ( الصيحة ) هي ( الزلزلة ) ، قال الفراء والزجاج : هي الزلزلة الشديدة . قال تعالى :﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ ﴾(المزمل:14) ، وقال الليث : هي كرجفان البعير تحت الرحل ، وكما ترجف الشجرة ، إذا أرجفتها الريح ، قال النيسابوري :« وهذا لا يناقض ما ورد في موضع آخر أنهم أهلكوا بالطاغية ، وفي آخر أنهم أهلكوا بالصيحة ؛ لأن الطغيان مجاوزة الحد .. فالزلزلة هي الحركة الخارجة عن الحد المعتاد ، والغالب أن الزلزلة لا تنفك عن الصيحة الهائلة » . ثانيًا– وأما السؤال الثاني فقد نقل أبو حيان في البحر عن الكرماني قوله في الجواب عنه ، فقال :« حيث ذكر الرّجفة ، وهي الزلزلة ، وحدّ الدار . وحيث ذكر الصيحة ، جمع ؛ لأن الصيحة كانت من السماء ، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة ، فاتصل كل واحد منهما بما هو لائق به . وقيل : في دارهم . أي : في بلدهم ، كنَّى بالدار عن البلد . وقيل : وحدّ ، والمراد به الجنس » . فذكر أبو حيان أقوالاً ثلاثة ، جمع النيسابوري بين القول الأول والثاني منهما في قول واحد ، فقال :﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ ﴾ . أي : في بلدهم ، كقولك : دار الحرب ، ودار الإسلام . وقد جمع في آية أخرى فقال :﴿ فِي دِيَارِهِمْ ﴾ ؛ لأنه أراد بالدار ما لكل واحد من منزلة الخاص ؛ إلا أنه حيث ذكر الرجفة ، وحَّد ، وحيث ذكر الصيحة ، جمع ؛ لأن الصحية كأنها من السماء ، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة » . ولا يخفى ما في ذلك من خلط واضطراب ، وسوف نرى أن أصح هذه الأقوال هو القول الذي ينصُّ على أن ( الدار ) جاءت بصيغة المفرد ؛ لأن المراد منها : البلد ، أو الأرض ، وأن أضعف هذه الأقوال هو القول الذي نصَّ على « أنه حيث ذكر الرجفة ، وحَّد ، وحيث ذكر الصيحة ، جمع ؛ لأن الصحية كأنها من السماء ، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة » . هذا القول الذي حكاه أبو حيان عن الكرماني ، حكاه الرازي قبله عن بعضهم ، وضعَّفه . وهو القول الذي اعتمد عليه الدكتور فاضل السامرائي في جوابه ، عندما سئل في ( لمسات بيانية ) عن الفرق بين كلمتي ( دارهم ) ، و( ديارهم ) من الناحية البيانية في القرآن الكريم ، فقال في ذلك ما نصُّه :« الصيحة هي أشملُ وأعمُّ من الرجفة ؛ لذا فإنها تُصيب عددًا أكبر ، وتبلغ أكثر من الرجفة » . وأضاف الدكتور السامرائي قائلاً :« والمعلوم أن الصوت يمتد أكثر من الرجفة ؛ ولهذا فهي تؤثر في ديار عديدة ؛ لذا جاء استخدام كلمة ( ديارهم ) مع الصيحة ، كما في سورة هود . أما الرجفة فيكون تأثيرها في مكانها فقط ؛ لذا جاء استخدام كلمة ( دارهم ) مع الرجفة , كما في سورة الأعراف » . هذا الجواب الذي ضعَّفه الإمام الرازي اعتمده السامرائي في إحدى لمساته التي سمَّاها : لمسات بيانية في نصوص من التنزيل ، وهو خطأ مبني على خطأ آخر مثله ، وهو ذهابه إلى أن المراد من ( الدار ) هنا مفرد ( الديار ) ، وهو ليس كذلك ؛ لأن المراد من ( الدار ) هنا : القطعة من الأرض ، وهي التي تسمَّى الوطن ، يقال : دار العرب ، ودار الفرس ، ودار الروم ، ودار الإسلام ، ودار الكفر ، والمراد : أرضهم . وأما ( الديار ) فالمراد منها : المنازل أو البيوت المبنية من الحجر وغيره ، فهي أخصُّ من لفظ ( الدار ) ؛ ولهذا أتى التعبير عن الأولى بلفظ المفرد ، وأتى عن الثانية بلفظ الجمع ، ويبين لك ذلك : 1- أن لفظ ( الدار ) يطلق على البناء الذي تسكنه العائِلة ، كما في قوله تعالى :﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾(القصص:81) ، ويطلق على المكان الذي تحله الجماعة من حي أو قبيلة ، أو أمة ، كما في قوله تعالى :﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ ﴾(الرعد:31) . أي : تحل قريبًا من أرضهم ، وهو المجاور لحدودهم . ويطلق لفظ ( الدار ) أيضًا ، ويراد منه : الدار الدنيا ، والدار الآخرة ، ودار السلام ( الجنة ) ونار الفاسقين ( النار ) ، وقد يراد منه : مآل المرء ومصيره ؛ لأنه بمنزلة الدار يأوي إليه في شأنه ، والشواهد على ذلك من القرآن كثيرة . وعلى هذا المغنى الثاني يحمل لقط ( الدار ) في قوله تعالى :﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ ، وبه صرَّح بعض المفسرين ، كالفخر الرازي ، حيث قال :« يعني : في بلدهم ؛ ولذلك وحَّد ( الدار ) ، كما يقال : دار الحرب ، ومررت بدار البزازين ، وجمع في آية أخرى ، فقال : ( في ديارهم ) ؛ لأنه أراد بالدار ما لكل واحد منهم من منزله الخاص به » . وقال الإمام السيوطي في الدر المنثور :« أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك في قوله :﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ ﴾ يعني : العسكر كله » . وجاء في معجم العين للخليل ، وتهذيب اللغة للأزهري ، ولسان العرب لابن منظور :« وأَما الدّارُ فاسم جامع للعَرَصة والبناء والمحَلّة . وكلُّ موضع حلَّ به قوم فهو دَارُهُمْ . والدنيا دار الفناء ، والآخرة دار القرار ، ودار السلام : الجنة » . فـ( الدار ) لفظ عامٌّ جامعٌ يطلق على البلد ، والأرض ، والمحلة ، وأما ( الديار ) فهو لفظ خاصٌّ يطلق على المساكن المبنية فقط ، ومثله : الدور ، وكلاهما جمع : دار . ويدلك على ذلك قول صالح- عليه السلام- لقومه ، لما عقروا الناقة :﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾(هود:65)، ثم قال تعال :﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(هود:67) ، فجمع بين اللفظين معًا ( الدار ، والديار ) . أما قوله :﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ﴾ فالمراد منه : في بلدكم وأرضكم ، فشمل مساكنهم جميعها ، ثم خصَّ الذين ظلموا منهم بقوله :﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ ﴾ ، فعبر عن ذلك بلفظ ( الديار ) ؛ لأنه أخصُّ من لفظ ( الدار ) . 2- وتأمل بعد ذلك قوله تعالى في خطاب صالح- عليه السلام- لقومه :﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾(الأعراف:74) كيف ذكَّرهم بنعم الله تعالى عليهم ، وهي أن جعلهم خلفاء في الأرض من بعد الأمة التي سبقتهم ، وبوَّأهم فيها يتخذون من سهولها قصورًا ، وينحتون من جبالها بيوتًا . وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن هؤلاء القوم كانوا فئتين : الأولى كانت تسكن القصور التي اتخذتها من السهول . والثانية كانت تسكن البيوت التي تنحتها في الجبال . أما الذين كانوا يسكنون البيوت المنحوتة في الجبال فأهلكوا بالصيحة ، وهي الموجة الصوتية المدوية . وأما الذين كانوا يسكنون القصور التي يتخذونها من السهول فأهلكوا بالرجفة ، وهي الزلزلة الشديدة . ومن هنا يتبين لنا خطأ من يقول : الإهلاك بالصيحة أشمل وأعم من الإهلاك بالرجفة ؛ لأن المراد من الإخبار في الآيتين ليس هو الكم ؛ وإنما المراد هو الكيف ! فتأمل ذلك ، ولا يغرنك لفظ ( القصور ) ، فكما يراد بها : القصور المشيدة بالحجر والآجرّ وغيرهما ، فكذلك يراد بها : القطع من الأرض المحدَّدة بحدود ، كالحدود المعروفة بين كل بلد ، وآخر ، ويدلك على ذلك أن لفظ ( القصور ) مأخوذ من القَصْر ، وهو الحبس . قال ابن فارس : يقال : قَصَرْتُه ، إذا حبستَه ، وهو مقصور . أي : محبوس . قال الله تعالى :﴿ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴾(الرحمن:72) ، وامرأةٌ قاصِرَة الطَّرف : لا تمدُّه إلى غيرِ بَعلِها ؛ كأنَّها تحبِس طرْفَها حَبْسًا . سبحانه :﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ﴾(الرحمن:56) . ومن هذا الباب قولهم : قُصارَاك أن تفعَلَ كذا ، وقَصْرُكَ ؛ كأنَّه يراد : ما اقتصرت عليه وحَبَسْتَ نفسَك عليه . ومن هنا جاز إطلاق لفظ القصور على الخيام التي يسكنها البدو في الصحراء ، كما قال الشاعر في وصف عرب الرُّوالا ، وهم عرب كانوا يسكنون بلاد الشام : رُلا عربٌ قصورُهم الخيـام ... ومنزلهم حماة والشــآمُ إذا ضاقت بهم أرجاء ارض ... يطيب بغيرها لهم المقام أحدها : الرجفة في قوله تعالى :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾(الأعراف:91) . الثاني : الظلة في قوله تعالى في الشعراء :﴿ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ﴾(الشعراء:189) . الثالث : الصيحة في قوله في هود :﴿ وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ ﴾(هود:94) . قال ابن قيم الجوزية :« وجمع لهم بين الثلاثة ؛ فإن الرجفة بدأت بهم ، فأصحروا إلى الفضاء خوفًا من سقوط الأبنية عليهم ، فصهرتهم الشمس بحرها ، ورفعت لهم الظلة ، فأهرعوا إليها يستظلون بها من الشمس ، فنزل عليهم منها العذاب ، وفيه الصيحة » . وقال ابن كثير أيضًا :« وقد اجتمع عليهم ذلك كله : أصابهم عذاب يوم الظلة ، وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولَهَب ووهَج عظيم ، ثم جاءتهم صيحة من السماء ، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم ، فزهقت الأرواح ، وفاضت النفوس وخمدت الأجساد » . وهكذا ثبت بما تقدم أن الرجفة أعم وأشمل من الصيحة ؛ ولهذا جاء التعبير عن الذين أخذتهم الرجفة بقوله تعالى :﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ ، وأما الذين كانوا يسكنون البيوت المنحوتة في الجبال فأهلكوا بالصيحة ، وهم اللذين ظلموا منهم ؛ ولهذا جاء التعبير عنهم بقوله تعالى :﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ ، فجاءت كل لفظة مناسبة لما ذكر قبلها من الصفة ، والدليل على ذلك : أن المراد بالإخبار عن إهلاك القوم الكيفية التي تمَّ بها إهلاكهم ، وليس المراد الكم ، وثبت بذلك أن قول من قال ، أيًّا كان :« الصيحة هي أشملُ وأعمُّ من الرجفة ، وأنها تُصيب عددًا أكبر وتبلغ أكثر من الرجفة ، وأنها تؤثر في ديار عديدة » هو قول لا دليل له عليه ، وأنه مخالف لنص الآيات .. نسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين يستمعون القول ، فيتبعون أحسنه ، وأن يرزقنا الفهم لكلامه ، وأن ينوِّر بصائرنا ، ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) .. والحمد لله رب العالمين ! بقلم : محمد إسماعيل عتوك وتأكيدًا على ما ذكرته في مقالي السابق أذكر هذا القول هنا ، كما ورد بنصِّه :« هذا الكلام لا دليل عليه لا شرعًا ولا عقلاً ، فالعذاب الذي وقع على القومين عمَّهم وشملهم في ( رجفة الدار ) ، و( صيحة الديار ) على السواء ؛ فلا مجال للقول : إن أثر الصيحة عمَّ الديار ( بالجمع ) ، وأن أثر الرجفة عمَّ الدار ( بالإفراد ) ؛ لأن هذا ليس هو المقصود من الإفراد والجمع » . وأضاف هذا الأخ قائلاً :« وكذلك يجب ملاحظة أن سرعة انتشار الأمواج الزلزالية في الأرض تبلغ أضعاف سرعة انتشار الأمواج الصوتية ، كما هو معروف من الفيزياء . والقول بأن الصيحة عمومًا أكبر أثرًا وتدميرًا من الرجفة كلام في غير محله ، وهو غير صحيح ؛ لأن ذلك يتعلق بمقدار القوة التدميرية لكل منهما عند الإهلاك ، وهذا لم تذكره النصوص . وما نراه من آثار التدمير التي تحصل بسبب الزلازل أعظم بأضعاف من تأثير الصوت والصيحة ؛ لأن أثر الصيحة لا يتعدى إيذاؤها الأحياء إلى أشياء أخرى ؛ إلا بآثار بسيطة كتهشيم الزجاج ، واهتزاز المنشآت . وأرى أن الرجفة هي الأساس ؛ لأن ما يصاحبها وما يرافقها من أشياء تكون كثيرة ؛ ومنها الأصوات كالصيحة ، فقد يرافق الرجفة براكين ، وسقوط أثقال ، وكسف من السماء ( الحمم ) ، وما ينتج عنها من آثار عمومًا هو أعظم من الصيحة . ويكفينا تذكر ما حصل من زلزلة بالقرب من اندونيسيا في ( 26/12/2004 ) ، وما تبعها من آثار ودمار وموت لعشرات الألوف من الناس للاعتبار ، فالصيحة قد تكون من توابع الرجفة ، أو من آثارها » . أقول : ويؤيِّد هذا القول ما نقلته عن ابن قيم الجوزية من قوله في إهلاك قوم شعيب بأن « الرجفة بدأت بهم ، فأصحروا إلى الفضاء خوفًا من سقوط الأبنية عليهم ، فصهرتهم الشمس بحرها ، ورفعت لهم الظلة ، فأهرعوا إليها يستظلون بها من الشمس ، فنزل عليهم منها العذاب ، وفيه الصيحة » . ويؤيده أيضًا أن الله تعالى لما أخبر عن قوم هود بقوله :﴿ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾(هود :77) ، عقَّب عليه بقوله :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(الأعراف:78) . ولما أخبر تعالى عن قوم شعيب بقوله :﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ﴾(الأعراف:90) ، عقَّب عليه بقوله :﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾(الأعراف:91) ، فأتى بفاء التعقيب ، وهذا يدل على أن ( الرجفة ) أخذتهم عقيب ما ذكروا من قولهم ، ثم تبعتها ( الصيحة ) للذين ظلموا منهم خاصّة ، وهم الذين اتخذوا من البيوت المنحوتة في الجبال سكنًا لهم . وبهذا نرى أن الأخذ بالرجفة أعم وأشمل من الأخذ بالصيحة ؛ لأن الصيحة هي من آثار تلك الرجفة التي زلزلت الأرض من تحتهم ، خلافًا لمن زعم أن الصيحة أعم وأشمل ، وأن الرجفة متسببة عن الصيحة .. والله تعالى أعلم ! محمد إسماعيل عتوك
آخر تعديل السيد عباس ابو الحسن يوم
10-19-2011 في 06:32 AM.
|
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |