قولوا فينا ما شئتم

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بقائمهم

قولوا فينا ما شئتم

قال في الندوة وقد سُئل : ما رأيكم في صحة ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بأنهم منزَّهون عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم ؟

فأجاب : إنَّ هذا ليس أسلوب الائمة ، فهذا ليس صحيحاً ، فهل نستطيع أن نقول إنَّ الأئمة أنبياء ؟[118]

أقول : وكأنَّ السيِّد فضل الله لم يطَّلِع على مئات الروايات الواردة المنقولة المقبولة ، والتي يدور الحديث فيها على إبراز عظيم فضائل أهل بيت النبوة صلَّى الله عليهم أجمعين .

أو كأنه يرى أنَّ ما أجمع عليه محققوا المذهب الحقِّ من ثبوت عشرات الأحاديث المتعرضة لبيان ما لا يطيقه إلا نبي أو وصي نبي أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، مما يتعلق بذكر مناقبهم وأوصافهم ومميزاتهم ، بدءً بـ" لا يُقاس بآل محمد صلَّى الله عليه وآله وعليهم أجمعين أحد " ، وختاماً بـ" قولوا فينا ما شئتم ونزهونا عن الربوبية " ، وكأنه يرى عدم ثبوتها .

وإذا كان مضمون الحديث المشَار إليه في السؤال يرجِع إلى بيان حقيقة اختصهم الله بها ، وإلى تأسيس أصل يرجع إليه مُريدُ التثبُّت من صحةِ قولٍ قيل فيهم ، وأنهم سلام الله عليهم كذلك بما اختصهم تعالى ومنحهم وأعطاهم ووهبهم قضاءً للمرتبة القصوى التي امتازوا بها من أكمل وأتم مراتب الاستعداد والقابلية التي يُتصور درك أتمِّ مظهَر من مظاهر الوجود في عالم الإمكان لها ، فإنَّ نفي مضمون الحديث ثبوتاً والتشكيك في صحة الخبر إثباتاً ، إما أنْ يرجع إلى عدم إمكان وعدم ثبوت الاستعداد في أتم الحقائق وأفضل المراتب لنيل مرتبة قولوا فينا ما شئتم ونزِّهونا عن الربوبية ، وإما يرجع إلى نفي كون أصحاب المنزلة العليا والمظهَر الأتم هم خصوص سيِّدنا محمد وآله الأطهار صلَّى الله عليهم أجمعين .

وأما مع التسليم بكلا الأمرين ، فإنكار المرتبة المزبورة أي مرتبة "قولوا فينا " وأنها المرتبة الفعلية للحقيقة المحمدية ، لا يُعقل رجوعه إلا إلى ثبوت صفة الظلم للمولى الكريم تعالى عن ذلك علوا كبيراً ، وهو القائل " كُلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان ربك محظوراً ".[119] وحيث إنه " لا يخلف الله الميعاد " [120] ، " وان الله لا يظلم مثقال ذرة "[121] " وان الله لا يظلم الناس شيئاً "[122] ، " ورحمتي وسعت كل شيء "[123] ، وكان من أبرز مصاديق الرحمة إعطاءُ كلِّ موجودٍ حظًّه ، فإنه من المستحيل عقلاً والممتنع إمكاناً ، أنْ لا يحصل لمرتبة الوجود الأتم في عالم الإمكان الارتقاء إلى منزلة الكمال ، والوصول إلى قاب قوسين أو أدنى .

فإنَّ الاستعداد والقابلية موجودان والفيض والعطاء بلا حدود "ولدينا مزيد"[124] ، والمانع مفقود بمقتضى " ويطهركم تطهيراً "[125] ، فلم يبق إلا العجز في القادر تعالى عن ذلك علواً كبيراً و" تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير "[126]0 وهو المالك القادر الكريم الوهاب الغني الحكيم ، وليس من الحكمة أنْ لا يكون للمرتبة الأتم وجود ، ولكنهم تبَّاً لهم " وما قدروا الله حق قدره "[127] ، وهو الذي يعلم أزلاً بثبوت مرتبة الكمال التام في أشرف المظاهر وأقرب المعادن ، وهل يتعقل عدم التحقُّق في الوجود العيني إلا كافرٌ أو جاهلٌ ؟!

وهل معنى" قولوا فينا ما شئتم " إلا أنه قولوا في أهل البيت أنهم في العلم والفضل والكمال خزنةُ علم الله ، وفاق فضلهم فضل العالمين جميعاً – أي مجتمعين – وكمُلت جميع صفاتهم ؟!

وهل معناه إلا أنهم في فضلهم ومرتبتهم لا يدانيهم أحدٌ مِنْ مَلَكٍ مقرَّب ومِنْ نبي مرسَل ؟!

وهل يرى السيِّد فضل الله أنَّ حديث الكساء وأنه " ما خلقت سماء مبنية… الخ ليس من أسلوب الأئمة ؟! بغض النظر عن كونه حديثاً قدسيَّاً ، فإنه مما قاله الأئمة 0

فليس معنى الحديث إلا أنه قولوا في أهل البيت ما شئتم مما لا يلزم عنه ثبوت الربوبية لهم والعياذ بالله تعالى ، وأنَّ كل ما يُعقل من حسن وفضل وعلم في حق مخلوق فإنه ثابت لهم ولكن بنحو أتم وأكمل .

فإنْ شئت أنْ تقول : إنهم يحيون الموتى بإذنه تعالى فقل حتى ولو لم يرد هذا الوصف بعينه في حديث معين ، مع أنه قد ورد .

وإنْ شئت أنْ تقول : إنَّ الله كرَّمهم بأن أعطاهم علم ما كان وما يكون وسيكون فقل ، وإنْ لم يرد أنهم هم القرآن الناطق وقد ثبت قطعاً ، حتى ولو لم يرد أنهم عندهم علم الكتاب وقد أحصى الله فيه كل شيء ، وقد ثبت ذلك بإجماع الفرقة الناجية .

وإنْ شئت أنْ تقول : إنهم يعلمون الغيب بتعليم الله تعالى لهم ولو بتوسط تعليم رسول الله صلَّى الله عليه وآله بمقتضى " عالم الغيب فلا يُظهِر على غيبه أحداً، إلا من ارتضى من رسول "،[128] فقل حتى ولو لم يرد بثبوت ذلك بوصفه خبر خاص ، وقد ورد .

وإنْ شئت أنْ تقول وتقول مما لا يحصى فقلْ ، ولكن لا تنسى الأصل المهم فإنه : نزِّه عن الربوبية وبعده قل ما شئت 0

فيكون :" قولوا ما شئتم " مؤيِّداً إثباتياً على مقام الثبوت ، فلا يضر عدم صحة الحديث بخصوصه لو قلنا بعدم صحته ، فإنَّ الدليل هو ما يستقل به العقل السليم ويدركه القلب البصير ، وقد نطق به كلام اللطيف الخبير ، وثبت بالاتفاق عمن لا ينطقون عن الهوى .

ولولا اليقين بأنَّ بمستطاع كلِّ باحث عن الحقِّ الوقوف على ما لا يحصى من الأخبار والتي أقلها ما في أصول الكافي مما رتبه ثقة الإسلام في أبواب كتاب الحُجَّة ، لكان لزاماً علينا أنْ ندلَّ على بعضها ونهدي إلى بعضها الآخر.

فيا طالب الحقِّ إرجع بنفسك وقفْ على ما لا يحصى ، ولا أراك تلتزم بأنَّ جميع الأحاديث التي يعتقد محققوا وفضلاء أبناء الفرقة الناجية بصحة جلِّها ، لا أراك تعتقد وتلتزم بعدم صحتها ، واجتماع أهل الحقِّ على غير الحقِّ تغرير والله العزيز الغني اللطيف .
-----------------------
[118] الندوة 1 ص262 ط الثانية 1417 - 1997

[119] الإسراء 20

[120] الزمر20

[121] النساء 40

[122] يونس44

[123] الاعراف156

[124] ق35

[125] الأحزاب 33

[126] الملك1

[127] الانعام91

[128] الجن 25-26