![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]() [ شبهة حول بدء الدعوة ] أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري - ج 2 - ص 292 - 300 ‹ صفحة 293 › روايات بدء الدعوة (التي وردت فيها الشبهة) أ - في صحيح مسلم عن عائشة قالت : لما نزلت : ( وانذر عشيرتك الأقربين ، قام رسول الله ( ص ) على الصفا فقال : يا فاطمة بنت محمد ! يا صفية بنت عبد المطلب ! يا بني عبد المطلب ! لا أملك لكم من الله شيئا ، سلوني من مالي ما شئتم ( 1 ) . ب - في صحيح مسلم وسنن النسائي ومسند أحمد واللفظ للأول عن أبي هريرة قال : لما أنزلت هذه الآية : ( وانذر عشيرتك الأقربين ) دعا رسول الله ( ص ) قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال : يا بني كعب بن لؤي ! أنقذوا أنفسكم من النار . يا بني مرة بن كعب ! أنقذوا أنفسكم من النار . . . يا بني هاشم ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب ! أنقذوا أنفسكم من النار . يا فاطمة ! أنقذي نفسك من النار ، فاني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها ( 2 ) . ج - في صحيح مسلم : ان أبا هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) حين انزل ‹ صفحة 294 › عليه : ( وانذر عشيرتك الأقربين ) : يا معشر قريش ! اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد المطلب ! لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس ابن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله ! لا أغني عنك من الله شيئا ، يا فاطمة بنت رسول الله ! سليني بما شئت لا أغني عنك من الله شيئا ( 1 ) . د - في سنن الترمذي وتفسيري الطبري والسيوطي عن أبي موسى الأشعري ، يقول أبو موسى : لما نزلت : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) وضع رسول الله ( ص ) إصبعه في اذنيه فرفع من صوته فقال : يا بني عبد مناف يا صباحاه فخاطبهم : اني أنذركم وأخوفكم من الخطر . . . ( 2 ) . ه - في تفسير السيوطي عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ورهطك منهم المخلصين خرج النبي ( ص ) حتى صعد على الصفا فنادى : يا صباحاه ، فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟ قالوا : محمد ! فاجتمعوا إليه ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم ان خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقا ، قال : فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت : ( تبت يدا أبي ‹ صفحة 295 › لهب وتب ) ( 1 ) . و - في مسند أحمد وصحيح مسلم وتفسير الطبري والسيوطي عن أبي عثمان النهدي ، عن قبيصة بن مخارق وزهير بن عمرو قال : لما نزلت على رسول الله ( ص ) : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) انطلق رسول الله ( ص ) إلى صخرة من جبل فعلا أعلاها ، ثم نادى أو قال : يا آل عبد مناف اني نذير ، ان مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربؤ أهله ينادي ، أو قال : يهتف يا صباحاه ( 2 ) . ز - في الدر المنثور بسنده عن أنس قال : لما نزلت : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) بكى رسول الله ( ص ) ثم جمع أهله فقال : يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ، ثم التفت إلى فاطمة فقال : يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، فاني لا أغني عنكم من الله شيئا ، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها ( 3 ) . ح - عن البراء قال : لما نزلت على النبي ( ص ) : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) صعد النبي ( ص ) ربوة من جبل فنادى : يا صباحاه ، فاجتمعوا ، فحذرهم وأنذرهم ثم قال : لا أملك لكم من الله شيئا ، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، فاني لا أملك لك من الله شيئا ( 4 ) . ط - عن أبي أمامة قال : لما نزلت : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) جمع رسول الله ( ص ) بني هاشم فأجلسهم على الباب ، وجمع نساءه وأهله فأجلسهم ‹ صفحة 296 › في البيت ، ثم اطلع عليهم فقال : يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار واسعوا في فكاك رقابكم وافتكوها بأنفسكم من الله ، فاني لا أملك لكم من الله شيئا ، ثم اقبل على أهل بيته فقال : يا عائشة بنت أبي بكر ويا حفصة بنت عمر ويا أم سلمة ويا فاطمة بنت محمد . . . اشتروا أنفسكم من الله واسعوا في فكاك رقابكم ، فاني لا أملك لكم من الله شيئا ولا أغني ، فبكت عائشة وقالت : وهل يكون ذلك اليوم لا تغني عنا شيئا . . . ( 1 ) ؟ الرد على هذه الشبهة المرحلة الاولى دراسة اسناد الروايات : أجمع العلماء والمفسرون ان آية : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) من سورة الشعراء المكية نزلت في العام الثالث بعد البعثة ( 2 ) .
وينتهي سند الرواية الأولى إلى أم المؤمنين عائشة ، وقد ولدت في السنة الرابعة بعد البعثة ( 3 ) فأنى لها أن تتحدث عن خبر آية نزلت قبل ولادتها بعام ! ؟ وتنتهي الرواية الثانية والثالثة إلى الصحابي أبي هريرة ، والرابعة إلى الصحابي أبي موسى الأشعري ، وكلاهما ورد المدينة في السنة السابعة بعد الهجرة وبعد فتخ خيبر . والرواية الخامسة عن ابن عباس وقد ولد في شعب أبي طالب وقبل الهجرة ‹ صفحة 297 › إلى المدينة بثلاث سنوات أي بعد نزول الآية الكريمة بسبع سنوات ( 1 ) . والرواية السادسة يرويها أبو عثمان عن قبيصة بن مخارق وزهير بن عمرو ، وقبيصة بن مخارق من قبيلة بني هلال ، ولم ير الرسول ( ص ) بمكة ، بل كان أول لقائه للنبي ( ص ) عندما جاء مع وفد من قبيلته إلى المدينة واسلم يومئذ ثم رجع إلى موطنه ( 2 ) . وزهير بن عمرو لم يرد أي ذكر عنه في غير هذه الرواية ، ويقول الباحثون في علم الرجال وأحوال الصحابة : ان أول ما عرف زهير من الناحية التاريخية كان في البصرة ، ولم يعرف عنه أي خبر قبل ذلك ، وكان له بيت في هذه المدينة التي أسست عام 14 ه ، وهذه الرواية هي العلامة الوحيدة لكونه صحابيا ، وقال علماء الرجال : لا نعرف له حديثا غير هذا ، وان البخاري لم يعتقد بصحة هذا الحديث ، ولم ينقله في كتابه ، وقال : ان الدليل على بطلان الرواية وعلى أن زهيرا هذا لم يكن صحابيا ان زهيرا لم يذكر في هذا الحديث أنه سمعه من رسول الله ( ص ) ( 3 ) . والحاصل ان الذي عد زهيرا في عداد الصحابة اعتمد هذا الحديث ، في حين ان هذا الحديث لا يدل على درك زهير لصحبة النبي ( ص ) بل يوجد الشك في لقائه للنبي ( ص ) . وبناء ، على ما أوردناه ان راويي هذا الحديث لم يشاهدا الرسول ( ص ) بمكة ليخبرا عن أحواله في بدء الدعوة . والرواية السابعة عن انس بن مالك ، وكان قد ولد في المدينة في السنة ‹ صفحة 298 › الثالثة من البعثة ، أي في سنة نزول الآية ، فكيف يخبر عن خبر نزول آية في تلك السنة في مكة المكرمة ؟ والرواية الثامنة عن البراء بن عازب وهو من قبيلة الأوس من الأنصار ، وحضر بدر في السنة الثانية بعد الهجرة ، ولم يكن قد بلغ الخامسة عشرة ، فلم يقبل الرسول ( ص ) اشتراكه في الحرب لصغر سنه ، فكيف يخبر عن شأن نزول آية نزلت قبل ذلك التاريخ باثنتي عشرة سنة . والرواية التاسعة عن أبي أمامة ، وفي باب الكنى بأسد الغابة ترجم لخمسة كناهم بابي امامة . 1 - أبو امامة أسعد بن زرارة ، شهد بيعة العقبة الأولى والثانية وتوفي في شوال بعد تسعة أشهر من الهجرة . 2 - أبو امامة الأنصاري ، ذكر حديثا جاء فيه اسمه لا يدرى من هو ! 3 - أبو امامة الباهلي ، سكن مصر وتوفي إحدى أو ست وثمانين هجرية في الشام ، وهذا لم يدرك النبي ( ص ) بمكة ليتحدث عن بدء نزول الوحي . 4 - أبو امامة بن ثعلبة الأنصاري ، له عن النبي ( ص ) ثلاثة أحاديث ، وهذا - أيضا - لم يكن من أهل مكة ليدرك النبي ( ص ) . 5 - أبو امامة بن سهل بن حنيف ، توفي سنه مائة وهو ابن نيف وتسعين سنة ، وهذا - أيضا - لا يدرك عصر الرسول ( ص ) بمكة ( 1 ) . هكذا كان اسناد الروايات إلى رواة لم يدركوا عصر الرسول ( ص ) بمكة ليخبروا عنه . |
![]() |
#2 |
خادم الحسين
![]() |
![]()
فهارس ما تقدم
‹ هامش ص 293 ›
( 1 ) صحيح مسلم ، كتاب الايمان ، باب وانذر عشيرتك الأقربين ج 1 / 192 ، وسنن النسائي ، كتاب الوصايا ج ، باب إذا أوصى لعشيرته الأقربين 6 / 250 ، ومسند أحمد 2 / 360 و 6 / 187 ، وصحيح البخاري 2 / 179 ، وسنن الترمذي ، كتاب الزهد ، باب ما جاء في انذار النبي ( ص ) قومه 9 / 191 ، وكتاب التفسير تفسير سورة الشعراء ، 12 / 59 . ( 2 ) صحيح مسلم ، كتاب الايمان ، باب وانذر عشيرتك الأقربين ج 1 / 192 ، وسنن النسائي ج 6 / 248 كتاب الوصايا ، ومسند أحمد ج 2 / 333 و 519 . ‹ هامش ص 294 › ( 1 ) صحيح مسلم ، كتاب الايمان باب وانذر عشيرتك الأقربين ج 1 / 192 - 193 ، وسنن الدارمي ، كتاب الرقاق ، باب وانذر عشيرتك الأقربين ج 2 / 305 ، وسنن النسائي ، كتاب الوصايا ج 6 / 249 ، ومسند أحمد ج 2 / 350 و 399 . وذكر السيوطي روايتين أخريين في تفسير هذه الآية ج 5 / 96 عن انس بن مالك وبراء بن عازب وهي شبيهة تماما برواية أبي هريرة . ( 2 ) الدر المنثور للسيوطي ج 5 / 96 ، نقلا عن تاريخ الطبري ج 19 / 73 وما بعدها ، وسنن الترمذي ج 12 / 62 ط . مصر سنة 1353 ه . ‹ هامش ص 295 › ( 1 ) تفسير السيوطي ج 5 / 96 ، وسنن الترمذي ج 12 / 259 . ( 2 ) مسند أحمد ج 3 / 476 و ج 5 / 60 ، وصحيح مسلم ، كتاب الايمان ، باب وانذر عشيرتك الأقربين والدر المنثور للسيوطي ج 5 / 95 وتفسير الطبري ج 19 / 73 . ( 3 ) الدر المنثور ج 5 / 96 . ( 4 ) الدر المنثور للسيوطي ج 5 / 96 . ‹ هامش ص 296 › ( 1 ) المصدر نفسه . ( 2 ) تاريخ الطبري : ذكر حوادث السنة الثالثة ج 1 / 1169 - 1174 ط . أوربا و ج 2 / 318 - 322 طبعة مصر تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وابن الأثير ج 2 / 44 وتاريخ ابن كثير ج 3 / 37 وتاريخ الخميس ج 1 / 287 وأنساب الأشراف ج 1 / 116 والاكتفاء للكلاعي ج 1 / 279 - 280 طبعة مصر . ( 3 ) أسد الغابة ج 7 / 188 - 192 الترجمة 7085 . ‹ هامش ص 297 › ( 1 ) الإصابة ج 2 / 322 الترجمة 4781 . ( 2 ) للمزيد عن حياته راجع : الإصابة ج 3 / 215 . وأسد الغابة ج 4 / 383 - 384 الترجمة 4259 . ( 3 ) الإصابة ج 1 / 536 الترجمة 2835 ، تهذيب التهذيب ج 3 / 347 . ‹ هامش ص 298 › ( 1 ) راجع تراجمهم في أسد الغابة ج 6 / 16 - 18 ط . مصر . |
![]() |
![]() |
#3 |
خادم الحسين
![]() |
![]() المرحلة الثانية من الجواب على الشبهة دراسة متون الروايات : أولا : علمنا أن آية : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) نزلت في العام الثالث بعد البعثة ، وقد جاء في الروايات 1 و 2 و 3 و 7 و 8 و 9 ، ان رسول الله ( ص ) خاطب ابنته فاطمة في من خاطب ، وقال في الأولى : اني لا أملك لكم من الله شيئا . . .
وقال في 2 و 7 و 8 : يا فاطمة أنقذي نفسك من النار ، وقال في الثالثة : يا فاطمة بنت رسول الله ( ص ) سليني ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا ، بينما كانت فاطمة على القول الأصح ولدت في السنة الخامسة بعد البعثة ( 1 ) . ولو قبلنا رأي الآخرين والذين اختلفوا في سنة مولدها ، فقد كان عمرها عام البعثة قبل سن البلوغ ولا تصح مخاطبتها يومذاك كسائر المكلفين ، بينما كان لها ثلاث أخوات متزوجات ولا يأت ذكر هن في الروايات . ثانيا : جاء في الروايات 1 و 2 و 3 و 7 ، ان رسول الله خاطب بني عبد المطلب وبني كعب بن لؤي وقريش وقال لهم : اني لا أملك لكم من الله شيئا ، أنقذوا أنفسكم من النار . وهذا الخطاب يصح ان يخاطب به من يؤمن بيوم القيامة وبرسالة الرسول ( ص ) وينتظر شفاعته يوم القيامة ، وكيف يخاطب به من قال قائلهم : ( ان هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ) و : ( من يحيي العظام وهي رميم ) وقال في الرسول ( ص ) : انه ساحر ومجنون ؟ ومتى كان لرسول الله ( ص ) مال ليقول لهم : خذوا من مالي ما شئتم ؟ انه كان يعيش من أموال زوجته خديجة . ‹ صفحة 300 › ثالثا : جاء في الروايات 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 ان رسول الله ( ص ) عندما نزلت عليه آية : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) خاطب قريشا وآل عبد مناف وقال : . . . . في حين ان الآية خصت أمر الانذار بعشيرته الأقربين ، وهم بنو عبد المطلب وبنو هاشم ، وليس ما عداهم من قبائل قريش ! رابعا : في رواية أبي أمامة الأخيرة ، انه لما نزلت الآية جمع الرسول ( ص ) بني هاشم بباب البيت ونساءه وأهله فاطمة وعائشة وحفصة وأم سلمة وقال : . . . في حين ان رسول الله ( ص ) تزوج بعائشة وحفصة وأم سلمة في المدينة ، والآية نزلت كما ذكرنا في مكة وفي السنة الثالثة من البعثة . * * * كان ذلكم شأن الروايات التي أسندت روايتها إلى الصحابة ، ولا نطيل البحث بايراد روايات رويت في هذا المقام عن التابعين الذين لم يدركوا الرسول ( ص ) ليخبرونا عما حدث في عصره ، وكذلك شأن من جاء بعد التابعين من الرواة . بعد وضوح تناقض هذه الروايات بعضها مع بعض وتناقضها مع الواقع التاريخي نرجع إلى مصادر الدراسات الاسلامية ، ويظهر لنا ان هذه الروايات بمجموعها تتحدث عن خبرين كالآتي بيانه : عندما بعث رسول الله ( ص ) امن به من كان في بيته زوجه خديجة وابن عمه علي ومولاه زيد ، وفي السنة الثالثة من البعثة نزلت آية : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) وكان من خبره ما تحدث عنه الإمام علي ممن شاهد الحادثة واشترك فيها . روى الطبري ، وابن عساكر ، وابن الأثير ، وابن كثير ، والمتقي ، وغيرهم - واللفظ للأول - قال : عن علي بن أبي طالب ( ع ) قال : ‹ صفحة 301 › لما نزلت هذه الآية على رسول الله ( ص ) : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) . دعاني رسول الله ( ص ) فقال لي : يا علي ، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعا ، وعرفت أني متى أباديهم بهذا الامر أرى ما أكره ، فصمت عليه حتى جاءني جبرئيل فقال : يا محمد إن لا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك . فاصنع لنا صاعا من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، وأملأ لنا عسا من لبن ، ثم أجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به . ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو لهب . فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم ، فجئت به ، فلما وضعته تناول رسول الله ( ص ) حذية ( أي : قطعة ) من اللحم فشقها بأسنانه ، ثم ألقاه في نواحي الصحفة ، ثم قال : خذوا بسم الله . فأكل القوم حتى ما لهم بشئ من حاجة ، وما أرى إلا موضع أيديهم . وأيم الله الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم . ثم قال : إسق القوم ، فجئتهم بذاك العس ، فشربوا منه حتى رووا منه جميعا ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله . فلما أراد رسول الله ( ص ) أن يكلمهم ، بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لشد ما سحركم صاحبكم ، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله ( ص ) . فقال الغد : يا علي إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ، ثم اجمعهم إلي . قال : ففعلت ، ثم جمعتهم ، ثم دعاني بالطعام ، فقربته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتى ما لهم بشئ حاجة ، ثم قال : إسقهم ، فجئتهم بذاك العس ، فشربوا حتى رووا منه جميعا . ثم تكلم رسول الله ( ص ) فقال : يا بني عبد المطلب ، إني والله ما أعلم شابا في الرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به ، إني قد جئتكم ‹ صفحة 302 › بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمرعلى أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ قال : فأحجم القوم عنها جميعا وقلت - وإني لأحدثهم سنا ، وأرمصهم عينا ، وأعظمهم بطنا ، وأحمشهم ساقا - : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ، ثم قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ( 1 ) . أشرنا في ما مضى أن دعوة النبي ( ص ) قد انحصرت في بيته ابتداء ، وقد أحس أمير المؤمنين ( ع ) العطر السماوي والوحي الإلهي في أول لحظات البعثة ، حيث إنه ( ع ) كان يرافق النبي ( ص ) في غار حراء ، وبعد رجوعه ( ص ) إلى البيت التحقت بهما السيدة خديجة ، فأصبح عدد المسلمين ثلاثة ، وهناك شواهد موثوقة على أن الاسلام لم يتجاوز هؤلاء الثلاثة لمدة مديدة ( 2 ) . ثم التحق بهم بعد زمن مديد زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب ، وإنا لا نعرف الزمن المحدد لاسلامهما . ان الله تعالى أمر النبي الأكرم ( ص ) في السنة الثالثة للبعثة أن يدعو الأقربين من عشيرته إلى الاسلام ، وذلك بعد ثلاث سنوات من سرية الدعوة ، ‹ صفحة 303 › وكانت الآية 214 من سورة الشعراء حاملة لهذا التكليف ، كما عرفنا قصة هذه الدعوة قبل ذلك عن لسان الامام أمير المؤمنين ( ع ) ، وكان بعد هذا الوحي السماوي أن دعا رسول الله ( ص ) الأقربين من عشيرته إلى وليمة ، وانذرهم وبلغهم في بيته ، وبعد هذه الدعوة انتشرت الدعوة ، واعتنق الاسلام مختلف الناس تدريجا ، فازداد عدد المسلمين . عند وجود النبي ( ص ) في مكة لم يكن توجيه مثل هذا الخطاب العام إلى قريش ميسورا ، فان قريش لم يؤمنوا به ( ص ) سوى عدد قليل منهم ، حتى ينذرهم من عذاب النار ويكلمهم عن الشفاعة وعدمها ، فمثل هذا الكلام يصح إذا خضعت قريش للاسلام واعتقدوا برسول الله ( ص ) كنبي ، وإن كان اعتقادا ظاهريا ، ففي الحالة التي كان الرسول ( ص ) في صراع ليل ونهار مع قريش المترفين والمقتدرين واتباعهم ، كانوا يهزأون به وأحيانا يلقون أمعاء الإبل على رأسه الشريف أو يصبون عليه الرماد ، في مثل هذه الظروف لا يعقل ان يكلمهم النبي ( ص ) ويقول لهم بأنه لا يتمكن من الشفاعة لهم ، وعليهم أن يخلصوا أنفسهم من النار بعملهم الصالح ( 1 ) . وعندما نفرض توفر مثل هذا الانذار العام فيجب أن يكون ذلك عندما أسلم كلهم ولو ظاهريا وقبلوه ( ص ) نبيا . وقد وجدنا في روايات أئمة أهل البيت : أولا : ان الروايات المتضمنة آية الانذار تحكي جميعها عن انذار الأقربين من العشيرة في بيت النبي ( ص ) ولا تحكي عن شئ آخر ( 2 ) . ثانيا : تخبر عن صعود النبي ( ص ) على جبل الصفا ، وخطبته العامة ‹ صفحة 304 › تأخرت إلى بعد فتح مكة . على جبل الصفا فقد روى الإمام الصادق ان الرسول ( ص ) عندما فتح مكة ، قام على جبل الصفا وقال : يا بني هاشم وأولاد عبد المطلب ! أنا رحيم بكم وشفوق ، لا تقولوا محمد منا ، والله ليس أقربائي منكم ومن غيركم سوى المتقين ، لا تكونوا ممن يأتون يوم القيامة حاملين الدنيا على عواتقهم ، ويأتي الآخرون حاملين الآخرة معهم ، اعلموا أني لم أدع أي عذر بيني وبينكم ، ولا بين الله تعالى وبينكم ، ولي عملي ولكم عملكم ( 1 ) . لقد كان ينوي الرسول الكريم ( ص ) من هذه الخطبة البليغة توجيه أقربائه أن لا يتجهوا إلى الدنيا اعتمادا على قدرة النبي ( ص ) بعد أن انتصر على أهل مكة وأصبح حاكما في الواقع على جزيرة العرب ، وأن عليهم أن يعرفوا أساس القربى والرابطة بالنبي ( ص ) الذي يرتبط بالتقوى وحسب ، وهذا لا ينسجم مع حب الدنيا ونهب ثروات الناس ، وأن لا يفكروا كسائر الحكام الدنيويين ، ولا يقولوا ان في مثل هذه الظروف التي يحكم فيها أحد أقربائهم ويقود المجتمع ، فلهم الحق في الوصول إلى القدرةوالثروة والراحة ، ويكون لهم السيادة الدنيوية والأخروية . |
![]() |
![]() |
#4 |
خادم الحسين
![]() |
![]()
فهارس ما تقدم
‹ هامش ص 299 › ( 1 ) انظر صحيح مسلم ج 1 / 192 - 194 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي .
( 1 ) أصول الكافي ج 1 / 457 وتاريخ الأئمة لابن أبي الثلج ص 6 مجموعة نفيسة وتاج المواليد للطبرسي ص 97 مجموعة نفيسة والمستدرك على الصحيحين ج 3 / 156 . ‹ هامش ص 302 › ( 1 ) تاريخ الطبري ج 3 / 1171 - 1172 ط . أوربا . وابن عساكر تحقيق المحمودي ج 1 من ترجمة الامام . وتاريخ ابن الأثير ج 2 / 222 . وشرح ابن أبي الحديد ج 3 / 263 . وفي تاريخ ابن كثير ج 3 / 39 ، وقد حذف الألفاظ وقال ، : كذا وكذا . وكنز العمال للمتقي ج 15 / 100 و 115 و 116 منه وفي ص 130 : يكون أخي وصاحبي ووليكم بعدي . والسيرة الحلبية ج 1 / 285 نشر المكتبة الاسلامية ببيروت . ( 2 ) الطبري ج 2 / 311 - 312 ثلاثة أحاديث ط . مصر تحقيق محمد أبو الفضل ، الاستيعاب على هامش الإصابة ج 3 / 163 ، الإصابة ج 2 / 480 ، أسد الغابة ج 4 / 49 ، الترجمة 3696 . ‹ هامش ص 303 › ( 1 ) راجع : الروايات المتعلقة بالموضوع في صحيح مسلم ج 1 / 192 - 194 . ( 2 ) راجع : تفسير البرهان ج 3 / 189 - 192 حيث نقل عشرة أحاديث بهذا المضمون في ذيل الآية . ‹ هامش ص 304 › ( 1 ) صفات الشيعة ص 165 الحديث الثامن عن علي والشيعة طبعة 1958 النجف . ‹ هامش ص 305 › |
![]() |
![]() |
#5 |
خادم الحسين
![]() |
![]()
المرحلة الثالثة من الجواب
وفي الخاتمة ، نكرر أنه من الممكن جدا نسبة تلك الرواية إلى أحد الرواة ، وأن الراوي عنه بنفسه غير مطلع على هذه النسبة .
وذلك كالرواية التي كان ينقلها أبو عثمان النهدي عن زهير بن عمرو وقبيصة بن مخارق ، وعرفنا رأي علماء الحديث حيث قالوا : إنه بمفرده نقل هذه الرواية عنهما ، وان غيره من الناس لم ‹ صفحة 305 › يسمع هذه الرواية منهما ، وكذلك الرواية المنقولة عن ابن عباس أو عن أبي أمامة أو براء بن عازب وأمثالهم ، فمن الممكن انه لم يقل أحد من هؤلاء مثل هذا الذي نقل عنهم ، بل يمكن أن نثق بعدم صدور ذلك عنهم ، لكنه بعد أن صدر مرسوم معاوية ، وجهز جميع القدرة الأموية لجعل مثل هذه الأحاديث ، حينئذ يمكننا ان نتصور بوضوح ان عروة بن الزبير ناقل روايات أم المؤمنين عائشة ، أو محمد بن شهاب الزهري ناقل روايات أبي هريرة ( 1 )، ممن قد جعلا هذه الروايات أساسا ، ثم نسبوها إلى أمثال عائشة وأبي هريرة وابن عباس . وفي طبقات ابن سعد روايات تصرح بان قول رسول الله ( ص ) : لا أغني من الله شيئا ، كان في مرض وفاة الرسول ( ص ) كالآتي بيانه : أ - بسنده عن الصحابي ابن مسعود أنه قال : نعى لنا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر ، بأبي هو وأمي ونفسي له الفداء ، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة وتشدد لنا فقال : مرحبا بكم حياكم الله بالسلام ، رحمكم الله ، حفظكم الله ، جبركم الله ، رزقكم الله ، رفعكم الله ، نفعكم الله ، أداكم الله ، وقاكم الله ، أوصيكم بتقوى الله وأوصي الله بكم ، أستخلفه عليكم وأحذركم الله إني لكم منه نذير مبين ، ألا تعلوا على الله في عباده وبلاده فإنه قال لي ولكم : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) . وقال : ( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) ؟ ب - بسنده عن أم المؤمنين عائشة ان رسول الله ( ص ) قال في مرضه الذي توفي فيه : أيها الناس ! لا تعلقوا علي بواحدة ، ما أحللت الا ما أحل الله وما حرمت إلا ما حرم الله . ج - بسنده عن عبيد بن عمير قال : قال رسول الله ( ص ) في مرضه الذي ‹ صفحة 306 › توفي فيه : أيها الناس ! والله لا تمسكون علي بشئ ، إني لا أحل إلا ما أحل الله ولا أحرم إلا ما حرم الله ! يا فاطمة بنت رسول الله ، يا صفية عمة رسول الله ، اعملا لما عند الله ، إني لا أغني عنكما من الله شيئا . د - بسنده عن سعيد بن المسيب أنه قال : قال رسول الله ( ص ) : يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ! يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ! يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا ! سلوني ما شئتم ( 1 ) . دراسة الأحاديث : إن الأحاديث الأربعة الماضية من حيث الزمان يناسب أن يكون في مرض وفاة الرسول ( ص ) وفي المدينة ، وليس في مكة وفي السنة الثالثة من بعثة الرسول ( ص ) كما جاء في الأحاديث اللاتي درسناها قبل هذا . والحديثان الأول والثاني يصح سندها ومتنهما ، والحديثان الثالث والرابع في سندهما ومتنهما مناقشة . * * * كانت تلكم نتيجة دراساتنا لروايات بدء نزول الوحي وبدء الدعوة . |
![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |