![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#4 |
موالي مجتهد
![]() |
![]()
مشاطرة الحسين في المصائب والآلام:
ومن هنا ورد في العديد من الأخبار أدلة على محبوبية مشاطرة الإمام الحسين في كافة مصائبه من الحزن والخوف والجوع والعطش وغيرها. منها ما جاء في زيارة الناحية الواردة عن مولانا صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يخاطب جده المقتول المظلوم فيقول: (السلام عليك فإني قصدت إليك ورجوت الفوز لديك السلام عليك سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك المتقرب إلى الله بمحبتك البراء من أعدائك سلام من قلبه بمصابك مقروح ودمعه عند ذكرك مسفوح سلام المفجوع المحزون الواله المستكين سلام من لو كان معك في الطفوف لوقاك بنفسه حد السيوف وبذل حشاشته دونك للحتوف وجاهد بين يديك ونصرك على من بغى عليك ونصرك وفداك بروحه وجسده وماله وولده. وروحه لروحك فداء وأهله لأهلك وقاء، فلئن أخرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة مناصباً فلأندبنك صباحا ومساء ولأبكين لك بدل الدموع دما حسرة عليك وتأسفا على ما دهاك وتلهفا حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب) (46). والذي يتأمل في مضامين هذه الكلمات الشريفة علماً بأنها صدرت من إمام معصوم إلى إمام معصوم آخر، يجد في نفسه إن التطبير من أبسط ما يمكن أن يقدمه شيعي محب في سبيل إمامه مواسيا له في عزائه ومصابه. ونحن هنا نلفت نظر القارئ الشريف إلى عدة أمور ونترك جوابها إلى شروح الزيارات وكتب الكلام.. فما معنى أن يقول الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه): إني قصدت إليك ورجوت الفوز لديك مع أنه إمام معصوم مثله؟ سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك المتقرب إلى الله بمحبتك؟ سلام من قلبه بمصابك مقروح ودمعه عند ذكرك مسفوح سلام المفجوع المحزون الواله المستكين سلام من لو كان معك في الطفوف لوقاك بنفسه حد السيوف وبذل حشاشته دونك للحتوف وجاهد بين يديك ونصرك وفداك بروحه وجسده وماله وولده.. وروحه لروحك فداء...؟ ولأندبنك صباحا ومساء.. ولأبكين لك بدل الدموع دما... حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتياب؟ أليس كل ذلك مواساة من الإمام الحجة لجده المظلوم العطشان. ولا أظن أحدا إذا تدبر وتبصر يشك في أن إدماء الرؤوس مواساة للمولى سيد الشهداء (عليه السلام) عمل غير جائز أو ليس بصحيح أو مستحب. التطبير إحياء لأمرهم(عليهم السلام): الرابع: ورد في بعض الروايات المعتبرة التأكيد على إحياء أمر أهل البيت وتذكره والتذكير به بل بعض الروايات تضمنت حث الشيعة وتحريكهم نحو هذا العمل، ففي البحار -كتاب العشرة - باب تزاور الأخوان (47). ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) يخاطب خيثمة... ومن جملة ما يقول: (..يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا السلام. وأوصيهم بتقوى الله العظيم.. وأن يتلاقوا في بيوتهم فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا رحم الله عبدا أحيا أمرنا..). وفي قرب الإسناد الصفحة: (18) والبحار الحديث (18).. عن أبي عبد الله (عليه السلام) قائلا لفضيل: (تجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك قال: إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا.. فرحم الله من أحيا أمرنا.. يا فضيل: من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كان أكثر من زبد البحر). وفي أمالي الطوسي الجزء الأول الصفحة: (59) عن العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد الله يقول لأصحابه وأنا حاضر (اتقوا الله وكونوا أخوة بررة متحابين في الله متواصلين متراحمين تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا وأحيوا أمرنا). وفي الخصال الجزء الأول الصفحة: (14) عن خيثمة قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): (تزاوروا في بيوتكم فإن ذلك حياة لأمرنا رحم الله عبدا أحيا أمرنا). وفي بشارة المصطفى الصفحة: (133) عن معتب مولى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول لداود بن سرحان: (يا داود أبلغ موالي مني السلام وأني أقول: رحم الله عبدا اجتمع مع آخر فتذكر أمرنا فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما وما اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياء لأمرنا وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا وعاد إلى ذكرنا). وغيرها عشرات الروايات التي جاءت في هذا المجال. والظاهر أن هذه الروايات وأمثالها مطلقة تشتمل كل معاني الإحياء إذ هي تؤكد على ضرورة الإحياء وتدعو لمن قام به بالرحمة ولم تحدد بالخصوص الأساليب والسبل التي يتم بها الإحياء المندوب. ومن الواضح أن من مصاديق أحياء أمرهم (عليهم الصلاة والسلام) مجالس العلم والتفقه، ومنها الشعائر الحسينية ومنها التطبير، كما سنوضح في الاستدلال ولكن قبل ذلك هناك بعض النقاط لا بأس بالإشارة إليها. الأولى: صحيح أن بعض الروايات قالت: (تزاوروا في بيوتكم) و (تجلسون وتحدثون) مما قد يفهم البعض منها أنها وردت في خصوص المجالس البيتية ونحو ذلك التي اعتاد عليها الشيعة منذ سالف الأزمان إلا أن الظاهر انه لا خصوصية للمجالس البيتية، وإنما الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) ذكروا ذلك من باب أجل المصاديق وأظهرها وقد ثبت في الأصول أن بيان المصداق لا يقيد الإطلاق كما لا يخصص العام، خاصة وأن الشيعة - عادة - كانوا في ظروف تقية لا تسمح لهم بإعلان ذلك في الأسواق والطرقات والمحافل العامة، فاضطراراً كانوا يعقدونها في البيوت والمحلات الخاصة حفاظا على أنفسهم وأعراضهم. وأنت إذا راجعت التأريخ وكتب الرجال تتلمس ذلك بوضوح. إذن أحياء الأمر مطلوب مندوب عند أهل البيت (عليهم السلام) بأي صيغة وفي أي صورة كان، استفادة من إطلاق الروايات، ولعل مما يؤيد ذلك ما جاء في حاشية مقتل المقرم: (عقد المحافل للتذكير بتلك الفاجعة المؤلمة لا يقتصر فيه على ذكرها في البيوت فقط فإنه خلاف إطلاق الأخبار). ففي أمالي الصدوق عن الرضا (عليه السلام): (من ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تعمى العيون). وهذه الأخبار إلى نظائرها الكثير تحث بعمومها على كل وسيلة يتذكر بها مصاب الحسين أو مصاب أهل البيت (عليهم السلام) سواء في ذلك عقد المأتم أو بذل المال لأجله أو نظم الشعر أو كتابة تلك الفوادح أو تدوينها أو إنشاد ما جرى عليهم أو تصوير تلك الفاجعة أمام الناس بكل مظهر من مظاهره كالتمثيل والتطبير فأن الجامع لهذه الإنحاء قوله (عليه السلام) من ذكر بمصابنا (48). الثانية: في قوله (عليه السلام): (من ذكرنا) أيضا مطلق يشمل كل أنواع الذكر والتذكير ومما لا شك فيه أن إقامة الشعائر الحسينية ومنها التطبير من أجلى مصاديق ذكرهم والتذكير بهم، فيكون مندوبا ويعد صاحبه من خير الناس من بعد الأئمة (عليهم الصلاة والسلام): (وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا) (49). الثالثة: في قوله (عليه السلام): (فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا) و(فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياء لأمرنا) احتمالان: الأول: انه ظاهر في العلية المعدة بمعنى أنه له ظهور في المقدمية والطريقية أي طريقية الجلوس والتحدث والمذاكرة أحياء أمرهم (عليهم السلام)، بمعنى انه لما كان الجلوس والتحدث والمذاكرة طريقا إلى إحياء أمرهم (عليهم السلام) حث عليه الإمام (عليه السلام). الثاني: أو أنه ظاهر في العلية التامة المبقية بمعنى أن الجلوس والتحدث والمذاكرة علة تامة مبقية لإحياء أمرهم في مقام العمل ونشر الفقه والأحكام وإظهار الحب والمودة والتبصرة ونحو ذلك منها، إذ لولا هذه المجالس لمحا الطغاة آثارهم (عليهم السلام) كما قد يظهر هذا الاحتمال من عبارة العلامة المجلسي (قدس سره) في تفسير معنى أمرنا. وهناك احتمالات أخرى لا مجال لذكرها. وقد ثبت في علم الأصول أيضا أن العلة تعمم وتخصص كما لو قال الطبيب لا تأكل الرمان لأنه حامض فإنه لا خصوصية في الرمان حتى يمنع عنه الطبيب وإنما الخصوصية التي استدعت منع الطبيب هي الحموضة، ولهذا فإنه يفهم من كلام الطبيب هذا أن كل حامض لا يصح أكله وان لم يكن رمانا، فهذه جهة التعميم كما يفهم منه أيضا أن الرمان إذا كان حلوا لا بأس بأكله وهذه جهة التخصيص. وهنا العلة تعمم أيضا لأن الهدف هو الإحياء فأي عمل يتم به الغرض ويتحقق به الهدف يصبح مطلوبا أيضا ونحن بأي احتمال أخذنا يكفي في الدلالة على رجحان التطبير، ولذلك أساليب - سواء بنحو المقدمات والطرق أو العلة المبقية - لأن المهم - أولا وبالذات كما يظهر من الروايات هو أحياء أمرهم ولهذا الأحياء أساليب منها مجالس المذاكرة ومنها مراسم الشعائر كالتطبير والزنجيل واللطم والشبيه ونحو ذلك فتكون كلها مندوبات لأنها أساليب لإحياء أمرهم (عليهم السلام). إذن يستفاد من إطلاق قولهم (عليهم الصلاة والسلام) (أحيوا أمرنا) جواز بل استحباب أي نوع من أنواع الإحياء بما فيها التطبير، إلا إذا كان هناك دليل على الحرمة ولا دليل يحرم ذلك. وأما كيفية الاستدلال على الندب في كل ذلك فنقول: أولا: قولهم (عليهم السلام) (أحيوا أمرنا) صيغة أمر، وقد ثبت أن الأمر ظاهر في الوجوب إلا إذا كانت قرينة على الندب والاستحباب فنحملها عليه. والروايات المتقدمة لا يخلو أمرها من هاتين الحالتين إذ هي أما مجردة عن القرائن فتحمل على الوجوب كما هو الأصل، أو هي كما قال البعض تحمل على الاستحباب لوجود قرائن صارفة عن الوجوب، منها: ظهور الجمل الواردة في الروايات يعطي معنى الاستحباب لا الوجوب. ومنها قولهم (عليهم الصلاة والسلام): (رحم الله من أحيا أمرنا) فإنه أما بمعنى الدعاء لمن يحيي أمرهم (عليهم السلام). أو هو إنشاء إيجاد وتنزيل للرحمة الإلهية بالفعل لمن يقيم أمرهم ويحييه من باب الولاية التكوينية والتشريعية التي منحها الله سبحانه وتعالى لهم إذ جعل سبحانه أزمة الإعطاء والمنع بأيديهم حتى صاروا (عليهم الصلاة والسلام) مجاري الفيوضات الإلهية وأوعية المشيئة الربانية في الأشياء؛ فهم (عليهم السلام) ينزلون الرحمة على من يحيي أمرهم؛ أو هو إنشاء بلسان الأخبار أي يخبرون عن واقع متحقق وحقيقة موجودة في الكون وهي أن من يحيي أمرهم (عليهم السلام) تتنزل عليه الرحمة إيجادا. وعلى أي معنى من هذه المعاني الثلاثة حملنا كلام الإمام (رحم الله من أحيى أمرنا) فإنه قرينة على الاستحباب لا الوجوب فتأمل. وعلى كل حال بأي القولين أخذنا (التجرد من القرينة على الندب) أو (عدمه) فنحمله على الوجوب لا يخلو أمر التطبير من الوجوب أو الندب كما سنوضح. ماذا يعني أمرنا؟ ثانيا: ما هو المراد من أمرنا؟ احتمالات عديدة أهمها اثنان: 1- أن يكون المراد من (أمرنا) أي حكمنا (فالمراد من الأمر هو الحكم وما بمعناه كالدين والشريعة ونحوه، ويؤيده إن بعض الروايات جاءت في مجالس الذكر والحديث عنهم والتفقه بآدابهم وسننهم وهذا المعنى هو الذي احتمله العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار حيث قال لدى شرح هذه الرواية القائلة: (فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا): (حياة لأمرنا؛ أي سبب لإحياء ديننا وعلومنا ورواياتنا والقول بإمامتنا) (50). وهذا الحمل ظاهر في مجالس الفقه والحديث وأصول الدين وفروعه ونحوه لأن بها إحياء الدين. 2- أن يكون المراد من (أمرنا) هو شأننا وذلك لأنه من معاني الأمر - لغة - الشأن فيكون قولهم (عليهم السلام) (أحيوا أمرنا) أحيوا شأننا. ومن الواضح أن شأنهم (عليهم السلام) عام يشمل كل ما يرتبط بهم من قريب أو بعيد سواء كان في أصول الدين أو في فروعه أو في شعائره ونحوها فيكون هذا المعنى أعم من المعنى الأول. وبأي الاحتمالين تمسكنا يشمل الشعائر الحسينية ومنها التطبير أيضا، لأن (أحيا أمرنا) إن كان بالمعنى الأول أي إحياء دينهم كما احتمله المجلسي فإن إحياء الدين يتم بأمور واجبة مثل الصلاة والصيام والحج ونحوها كما يتم بأمور مندوبة مثل بناء المساجد والحسينيات وزيارة المراقد المطهرة وإقامة الشعائر الحسينية. نعم ربما هناك تفاوت وتفاضل في الرتبة إذ أن إقامة الدين وأحياءه يتم بالواجبات أولا ثم بالمندوبات ولكن تفاضل الرتب لا يضر بالرجحان. وأما إذا قلنا أن المراد من (أمرنا) هو المعنى الثاني فشموله للشعائر الحسينية يكون في غاية الوضوح ودلالته على المطلوب أتم (51). ولكن الظاهر أنه يمكن أن نقول انه قد ثبت في أصول الفقه وأصول الدين إن إقامة الدين وإحياء معالمه من الواجبات الشرعية كما في قوله تعالى (أن أقيموا الدين) (52). كما ثبت أيضا بالدلالة العقلية والنقلية أن أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) هم عين الدين وجوهره الزكي بل لولاهم لما كان الدين. ومن هذا وذاك يمكن أن نستفيد أن إحياء أمرهم الذي هو الآخر إحياء لنفس الدين وإحياء في بعض مراتبه، وذلك لأن إحياء الدين في بعض مصاديقه واجب مثل بيان العقائد والأحكام ونشرها بين الناس. وبعضها الآخر مستحب مثل المناقب والأخلاق والفضائل.. وبما أن إقامة الدين وأحياءه يتوقف في بعض مصاديقه على الشعائر في الجملة تصبح في الأخرى من الواجبات في الجملة أيضا، ويبقى الباقي تحت عنوان المستحب... ولعل من هنا أفتى بعض الفقهاء الراحلين والمعاصرين بوجوب التطبير العيني أو الكفائي كما سيمر عليك، والله العالم. وإذا أراد البعض أن يناقش في كل ما تقدم من أدلة على استحباب التطبير ورجحانه الشرعي ولا يرضى بغير جوازه وإباحته فنقول: حتى لو قلنا بذلك فإنه يبقى لدينا دليل على الاستحباب أيضا. إذ ورد عنهم (عليهم الصلاة والسلام): (أن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه) (53)، والرخصة في مقابل العزيمة هي الواجبات والمحرمات أما الرخصة فهي المباحات. فإذا كان العمل بالمباحات هو بنفسه عملا مستحبا من باب أنه حكم الله أيضا فيؤخذ به والله سبحانه أحب أن يؤخذ برخصه فيصبح المباح محبوبا عند الله مندوبا إليه فيدخل العمل المباح حينئذ في حيز المستحبات. وبهذا يصبح التطبير عملا مستحبا أيضا من هذا الباب فتأمل تعرف. رأيان في وجوب التطبير: الأول: وربما يستدل لمن قال بوجوب تعظيم الشعائر وإقامتها - في الجملة - بقوله سبحانه: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (54). بضميمة قوله سبحانه وتعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) (55). حيث أن تحصيل التقوى وكسبها يعد من الأمور الواجبة شرعا وذلك لمكان صيغة الأمر في (فاتقوا) الذي قال فيها الأصوليون أنها - أي صيغة الأمر - دالة على الوجوب أو ظاهرة فيه - وكذلك (ما استطعتم) أي التقوى لازمة بمقدار الطاقة والجهد فالمؤمن يجتهد في تقوى الله ما استطاع، فإذا صار تحصيل التقوى من الأمور الواجبة وتعظيم الشعائر الإلهية (كما في منطوق الآية الأولى) من التقوى، يصبح إقامتها وتعظيمها من الأمور الواجبة أيضا. وإذا أردنا أن نعبر عن المسألة بصيغة منطقية، نشكل قياسا منطقيا من الشكل الأول تعطينا نتيجة وجوب تعظيم الشعائر الإلهية والتي منها الشعائر الحسينية فنقول. صغرى القياس نستفيدها من الآية الأولى بهذا الشكل: تعظيم الشعائر من تقوى القلوب. وكبرى القياس نستفيدها من الآية الثانية بهذا الشكل: وتقوى القلوب واجبة. فتكون النتيجة بهذا الشكل بعد حذف الحد الأوسط: إذن.. تعظيم الشعائر واجب. والقياس يتشكل بهذه الصيغة: تعظيم الشعائر من تقوى القلوب، وتقوى القلوب واجب، إذن تعظيم الشعائر واجب. وبما أن تعظيم الشعائر يتم بعوامل وطرق وأساليب لم تتحدد في الآيات الشريفة يصبح هذا التعظيم مطلقا.. بأي صيغة عظمتها يعد أداء للواجب المفروض على العباد. ومما لا شك فيه أن الشعائر الحسينية من وسائل التعظيم للشعائر الإلهية فتصبح واجبة - في الجملة والتطبير من هذه المعظمات إن لم يكن من أرقاها فيصبح واجبا أيضا (56). الوجوب العيني التخييري: الثاني: كما قد يستدل لمن قال بوجوب تعظيم الشعائر وإقامتها وجوبا عينيا تخييريا بقوله تعالى في سورة الشورى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور) (57). وقد اتفق الفريقان - الشيعة والسنة - على أن المقصود من القربى في الآية هم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) وأن الحسنة في الآية إنما هي مودتهم وأن الله تعالى غفور شكور لأهل ولايتهم. وهذا عندنا من الضروريات المفروغ عنها، وفيه صحاح متواترة عن أئمة العترة الطاهرة (58). وفي آية المودة المتقدمة وقعت مودة القربى في حيز الطلب، مما يؤكد أن المودة هي الحب الظاهر لتعلق الأمر به أولاً. وثانياً إن محبة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) الواجبة هي المودة وليس الحب وحده، بمعنى أن الذي يجب على سائر الناس من محبة القربى ومودتهم هو إظهار الحب وإبرازه على جوارحهم ومواقفهم وأفعالهم وذلك بمدحهم والثناء عليهم. - اتباعهم في مناهج العمل والآداب والسنن. - الدفاع عنهم ونصرتهم أحياء وأمواتا. - احترامهم وإجلالهم إحياء أيضا، وحيث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطيبين الأطهرين (عليهم الصلاة والسلام) جعلهم الله قدوة للناس يتأسون بهم في الدين والدنيا جعل الأمر بمحبتهم ومودتهم طريقا إلى الإقتداء والتأسي بهم، لأن دعوة الناس إلى محبتهم وولائهم تكون سببا إلى التفتيش عن موجبات هذه الدعوة وفلسفتها، وفي نهاية المطاف يكون هذا الأمر سببا إلى التفات الناس إلى سجاياهم وأخلاقهم التي تخلق المحبة في قلوب الناس. وبذلك يتضح أن دفع الناس إلى التعرف على عظمة الشخص يحصل بأحد أمرين: الأول: رفع الستار عن سجاياه الأخلاقية وملكاته الفاضلة ببيان فضائله وهو عمل يوجه الناس إلى القائد بصورة مباشرة. الثاني: الأمر بحبه ومودته وموالاته ويكون سببا لإقبال الناس عليه والتعرف بالتدريج على مؤهلاته وصفاته وسجاياه. وعلى هذا الأساس يعتبر الأمر بمودتهم (عليهم السلام) منطلقا للتعريف وأساسا للإتباع ولعل من هنا قال سبحانه: (وما سألتكم من أجر فهو لكم) (59). إذن، الظاهر أن المقصود من المودة في الآية هو الارتباط، وبالنتيجة: التعرف على المعارف والأصول، وفي مرحلة أخرى الإتباع والاقتداء العملي فيصير طلب المودة نوعا من طلب الإتباع للرسول وكتابه. قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) (60). ومن كل ما تقدم نفهم: أن مودة أهل البيت (عليهم السلام) واجبة. والمقصود من المودة هو الحب الظاهر على جوارح الموالين وأفعالهم ومواقفهم. وبما أن إظهار الحب والموالاة يختلف من إنسان لآخر... ومن مظهر لأخر، يصبح وجوب الإظهار عينياً تخييرياً. أما عينياً فلأن الجميع مكلف بمودتهم (عليهم السلام) والحسين (عليه السلام) منهم. بل أن للحسين (عليه السلام) في هذه الآية عناية ربانية خاصة وتأكيدا على الحب والمودة فقد ورد في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى ابن عباس قال: (كنا جلوسا مع النبي (صلى الله عليه وآله) إذ هبط عليه الأمين جبرائيل (عليه السلام) ومعه جام من البلور مملوء مسكا وعنبرا. وكان إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي ابن أبي طالب وولداه الحسن والحسين إلى أن قال: فلما صارت الجام في كف الحسين (عليه السلام)، قالت: (بسم الله الرحمن الرحيم قل لا أسألكم علية أجرا إلا المودة في القربى) (61). وأما تخييرياً فلأن كل واحد يظهر هذا الولاء والحب بطريقته الخاصة، فبعضهم بواسطة اللطم على أحزانهم وبعضهم البكاء وبعضهم بالإطعام، وبعضهم بالزيارة، وبعضهم بالتطبير وهكذا. كل يجب عليه إظهار حبه وولائه لأهل البيت، ولكن عليه انتخاب الطريقة التي يريدها، وذلك لأن من شروط المحبة والموالاة الفرح لفرح المحبوب والحزن لحزنه (62) ومما لا شك فيه أن التطبير من أجلى مظاهر إبراز الحب والموالاة بل والمواساة للحسين (عليه السلام) وآل الحسين (عليهم الصلاة والسلام) في جروحهم وآلامهم كما قال الشاعر. وإن الأولى بالطف من آل هاشم***تآسوا فسنوا للكرام التآسيا وبذلك يظهر أن التطبير واجب عيني تخييري (63). هل الضرر يمنع من التطبير؟ أما من يزعم أن التطبير عمل محرم في الشريعة، فالظاهر أنه لم يقم لنا دليلا على حرمته كي نتأمل في صحته وسقمه... ورغم ذلك سنتطرق للضرر بعض الشيء لنرى هل يمكن أن يشمل التطبير في الموضوع أو الحكم أم لا؟ يقول الفقهاء: أن الضرر الذي لا يجوز الإقدام على ارتكابه هو ما لازمه أحد أمور ثلاثة: الأول: قتل النفس، فإن هذا لا يجوز لأدلة حرمة قتل النفس (64). الثاني: قطع عضو من أعضائه كأن يقطع يده أو رجله أو يقلع عينه أو يصلم أذنه ونحو ذلك فإن مثل هذا الضرر لا يجوز ارتكابه ومرتكبه يعد عاصيا في الشريعة. الثالث: أن يشل قوة من قواه على عمل يؤدي إلى فقدان بصره أو فقدان سامعته أو شل يده أو رجله ونحو ذلك. فإن مثل هذه الأعمال التي تؤدي إلى هذه الأضرار محرمة ومرفوعة بدليل (لا ضرر في الإسلام) وأما سائر الأضرار الأخرى التي لا تصل إلى هذا الحد من الضرر فإنها جائزة مباحة في الشريعة بل أحيانا مستحبة كما تقدم. قال السيد أبو القاسم الخوئي في مصباح الأصول (ج 2 ص 551) أنه يجوز للإنسان أن يضر نفسه (ما عدا القتل وقطع الأعضاء) إذ لا دليل على حرمته. ننقله (بتوضيح منا): (التحقيق عدم ثبوت ذلك (أي حرمة الإضرار بالنفس) على إطلاقه. أي حتى في غير التهلكة وما هو مبغوض في الشريعة المقدسة كقطع الأعضاء ونحوه، لأن المتقين من حرمة الضرر في النفس هو ثلاثة فقط هي: 1- قتل النفس فهو حرام. 2- قطع عضو من أعضاء البدن. 3- إسقاط قوة من قوى النفس أو البدن. فإن العقل لا يرى محذورا في إضرار الإنسان بما له بأن يصرفه كيف يشاء بداع من الدواعي العقلائية ما لم يبلغ حد الإسراف والتبذير، ولا بنفسه بأن يتحمل ما يضر ببدنه فيما إذا كان له غرض عقلائي بل جرت عليه سيرة العقلاء، فإنهم يسافرون للتجارة مع تضررهم من الحرارة والبرودة بمقدار لو كان الحكم الشرعي واجبا لهذا من الضرر لكان الحكم المذكور مرفوعا بقاعدة لا ضرر. (وكذا النقل لم يدل على حرمة الإضرار بالنفس) انتهى. والتطبير كما هو معروف مشهور بين الناس لا يلازم أي نوع من هذه الأضرار المتقدمة فلا تشمله أدلة حرمة الضرر بمعنى أن دليل لا ضرر منصرف عن هذه الأضرار الطفيفة التي لا تلازم قتل النفس أو قطع الأعضاء أو إسقاط قواها. كيف وقد ثبت بالوجدان والمشاهدة والتجارب العديدة المتكررة على مرور الأيام والأعوام أن التطبير يحظى بعناية خاصة من الحسين وأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) وقد ظهرت من المعاجز والكرامات فيه ما يعجز الكلام عن وصفه وتقصر هذه الوريقات البسيطة على احتوائه، خاصة ونحن على هذه العجالة في الوقت لا مقدور لنا على أن نصفها ونذكرها، ولعل من أجلى المعاجز والكرامات فيه ما يظهر في الضرب القاسي بالسيف المسلول والقامات الحادة على الرأس المحلوق ونزول السيف حتى العظم، فإنه لابد أن يقضي على الإنسان حسب القوانين الطبيعية، كما يؤكده الطب القديم والحديث. ولكننا نرى ألوف المتطبرين يتطبرون صباحا ثم ينظمون أنفسهم في مواكب تطوف في الشوارع والأزقة والطرقات ثم تعود إلى الحمام وتطوف في بقية البلاد مسافات معتد بها في لفح الصيف وعواصف الشتاء ولكن عندما يدخلون الحمام يغسلون رؤوسهم بلا مبالاة طبية ثم يخرجون ويشتركون في مواكب اللطم والسلاسل حتى الليل، ومع ذلك، ومع توفر أكثر الدواعي للانهيارات البدنية ولكن لا يصاب أحدهم بمكروه. |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |