![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
أحمد
السؤال: نقوضات على النصّ في الامامة وردّها لقد وجدت هذا في أحد المنتديات, فما ردكم عليه : إذا فرضنا أن الامامة نص عليها الله تعالى, ورسوله (صلى الله عليه وسلم) فنجد الاتي : 1 ـ أن علياً كرم الله وجهه رفض أن يصبح خليفة بعد استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه . 2 ـ أن علياً رضي الله عنه أصبح وزيراً في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه, فهذا يخالف النص . 3 ـ أصبح علياً كرم الله وجهه والياً عند فتح المقدس والشام في عصر عمر رضي الله عنه . فماذا تعني لك النص في الولاية ؟! هل تعتقد بمن استطاع أن يخترق بصره عرش الرحمن ( والعياذ بالله ) والثرى في الأرض, أن يعجز أن يأخذ الولاية ؟ فماذا تعني لك النص بالولاية, هل تعتقد بمن فتح خيبر بضربة سيفه, حتى عجز جبريل (عليه السلام) أن يمسك يده, لكي لا يصل سيفه إلى سابع أرض .. بعاجز أن يأخذ الخلافة ؟ فماذا تعني لك النص بالولاية, هل تعتقد أن علياً كرم الله وجهه بعاجز ؟ ودمتم سالمين الجواب: الأخ أحمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الموضوع الذي ذكرتموه فيه عدّة تساؤلات, أو إن شئت فسميها إشكالات : أولها : وهو لما رفض علي (عليه السلام) الخلافة بعد مقتل عثمان ؟ وهذا ما سنأتي الى تفصيله . ثانيها : أن علياً أصبح وزيراً في عهد أبي بكر ؟ وهذا كذب محض لا يسنده أي شاهد تاريخي ضعيف فضلاً عن أن يكون صحيحاً, فعلي بن أبي طالب(عليه السلام) لم يصبح وزيراً في يوم من الأيام لأبي بكر أو عمر أو عثمان, وهذه افتراءات وتقولات جاءت من أتباع ابن تيمية . ثالثها : أصبح علي والياً للمقدس عند فتحها في عهد عمر ؟ وهذا من المضحكات, فهو مثل سابقه دعوى لا دليل عليها, وزوبعة كلام يتشدّق بها أتباع ابن تيمية, بلا سند أو عمد, كشيخهم الذي كثرت ادعاءاته بدون سند ولا دليل . الرابعة : هو الربط بين فضائل علي بن أبي طالب(عليه السلام) وخصوص الشجاعة منها وبين عدم أخذه للسلطة ومغالبته عليها . وبتعبير آخر : الاتكاء على نظرية الاستبعاد, فان من كان في الشجاعة ما يذكر له (عليه السلام) في الفتوحات والحروب, كيف يغلب ؟ وكيف يؤخذ حقه في السلطة ؟ وهذا الاعتراض متوقف على فهم الإمامة في القرآن الكريم والسنة المطهرة, والتي بني عليها المذهب الشيعي الاثني عشري أسسه, والأخ صاحب هذا المقال باعتبار كونه يعيش ذهنياً في نظرية مدرسة الخلفاء التي صورت الإمامة مساوية للحكومة والسلطة, فلأجل ذلك يحتاج تفهيمه الى شرح ما, وبيان للموضوع . أما التساؤل الأول: وهو لماذا رفض علي (عليه السلام) الخلافة بعد مقتل عثمان ؟ الجواب: إذا رجعنا الى الوراء قليلاً وسرنا مع الاحداث, نعرف السبب الذي دعا علي (عليه السلام) أن يرفض, واليك بيان موجز من ذلك : ,الإمامة التي يطرحها القرآن الكريم والسنة النبوية والتي سار عليها المذهب الاثني عشري, تعني رئاسة عامة على أمور الدين والدنيا, أي القيومية الكاملة من قبل شخص وهو الذي يسمى إمام على سائر المخلوقات, وهو المتصرف لأمورهم الدينية والدنيوية, أي هو العارف بالاحكام والمبيّن لها, والذي يسوس الرعية, وهو الذي يحملها على ما يراه, قال الله تعالى مخاطبا إبراهيم (عليه السلام) : (( إنّي جَاعلكَ للنَّاس إمَامًا قَالَ وَمن ذرّيَّتي قَالَ لاَ يَنَال عَهدي الظَّالمينَ )) (البقرة :124), وقال تعالى : (( ثمَّ أَورَثنَا الكتَابَ الَّذينَ اصطََفينَا من عبَادنَا )) (فاطر:32), وقال سبحانه وتعالى : (( وَجَعَلَهَا كَلمَةً بَاقيَةً في عَقبه )) (الزخرف:28), وقال تعالى : (( إنَّمَا وَليّكم اللّه وَرَسوله وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلاَةَ وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ )) (المائدة:55), الى غيرها من الآيات الكثيرة الناطقة بالولاية والامامة والخلافة الالهية . ومن الواضح أن هذه الخلافة لا تساوي الحكومة بالمفهوم الذي فسرته مدرسة الخلفاء للامامة, وذلك واضح في القرآن الكريم, حيث أنه جعل إبراهيم إماما مع كونه لم يكن حاكماً ولم يستلم الحكومة بعد, فالإمامة لو كانت بمعنى الحكومة التي نفهمها الان لما كان إبراهيم إماماً مع أنه إمام ولم يكن حاكما, فمن ذلك نفهم أن الإمامة القرآنية تعني السلطة الواقعية على الكائنات والتصرف في شؤونها الدينية والدنيوية, وان الحكومة السياسية هي وظيفة من وظائف الإمامة وشعبة من شعبها, فالامام فيه اقتضاء وقابلية الحكومة وان المفروض على الرعية تسلم الامر إليه, ولهذا يظهر الفرق واضحاً بين الامامة العامة التي هي جعل من الله ولا دخل للانسان فيها, بل هي من مختصات الذات الالهية المقدسة, فالله هو المعين للإمام لا غير, وأما السلطة والحكومة فبما أنها تعني التصرف بشؤون الناس السياسية فتحتاج الى بيعة ومناصر وتحتاج الى مؤازر, ولأجل ذلك أخذ الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) البيعة لعلي (عليه السلام) يوم غدير خم, فإن سر أخذ البيعة هو ذلك . ,هذا مفهوم الإمامة الكلية, وبه يتضح الفرق بين مذهب الشيعة الاثني عشرية ومذهب مدرسة الخلفاء, فانهم فسروا الإمامة بما يساوي الحكومة التي نعرفها بمعناها اليوم . ,وأما مصداق الامامة, وأنّ مَن هو الإمام ؟ فهذا تحدّده السنّة النبوية المطهرة, والسنة النبوية بيّنت أن الامام بعد النبي (صلى الله عليه وآله) هو علي بن أبي طالب (عليه السلام), كما في حديث الغدير المتواتر والذي يقول فيه النبي (صلى الله عليه وآله) : (( من كنت مولاه فهذا علي مولاه )), وكذلك في أحاديث اخرى كثيرة, تشير الى ما لا ريب فيه ولا مناقشة تعترية, وهو ما أخرجه الحاكم في (المستدرك ج 3 ص 133), وصرح بصحته, وكذلك صححه الذهبي المتعصب, والحديث هو : ( قال ابن عباس : وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (أنت ولي كل مؤمن من بعدي ومؤمنة)) . وكذلك ذكره الترمذي في سننه, وصرح الشيخ ناصر الدين الالباني بصحته في كتابه ( صحيح سنن الترمذي تحت رقم 3713 ), وأيضاً صرح بطرق عديدة للحديث في سلسلة الاحاديث الصحيحة تحت رقم ( 2223 ) . إن هذا الحديث يقصم ظهور القوم, إذ لا يمكنهم تأويله بالمحبة أو النصرة, لأن معنى ذلك أن علي بن أبي طالب(عليه السلام) يحب المؤمنين وينصرهم بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله), ولو على نحو السالبة الجزئية, أي بعض المؤمنين يحبهم وينصرهم بعد الرسول لا في حياته, وهذا يشهد القرآن والسنة والتاريخ بكذبه, لأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان وما زال منذ بعث النبي(صلى الله عليه وآله) الى يوم استشهاده ناصراً ومحباً للمؤمنين . هذا عرض موجز لمفهوم الإمامة الكلي وشخصها الجزئي يمهّد لنا الدخول في الموضوع . فبعد اتضاح معنى الإمامة, وأنها تنصيب من الله سبحانه, وأن الإمام إمام, تسلّم السلطة أو لا, كما في حديث النبي (صلى الله عليه وآله) في حق الحسن والحسين (عليهما السلام) حيث قال : (( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا )) ( ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 445 ) . فعلى ذلك, يأتي سؤال: ,لماذا رفض الامام علي (عليه السلام) بيعة القوم بعد وفاة عثمان, مع أنه منصب من الله, وأن الظرف تهيأ للحكم والسيادة ؟ الجواب : إذا رجعنا إلى الفترة التي اعقبت وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله), نعرف ذلك, فبعد أن ظهر قوله سبحانه وتعالى للعيان واتضح : (( وما محمد الا رسول افائن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين )) (آل عمران:144), وانقلب الامر على آل بيت النبي, وصدق قول النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) كما يرويه علي (عليه السلام) حينما قال : ( قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الامة ستغدر بك بعدي)) ( مستدرك الحاكم ج 3 ص 142 ), فأخذها أبو بكر وابن الخطاب من علي بن أبي طالب (عليه السلام) مدعين الشورى وأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يوص، في حين عدم حضور الشورى كبار الصحابة من المهاجرين والانصار كعلي والعباس وطلحة والزبير وعمار وابو ذر وسلمان وسعد بن عبادة وغيرهم, فأخذ الامر وزحزح عن علي (عليه السلام) الى أبي بكر . فصار الإمام (عليه السلام) بين أمرين : إما أن يقاتلهم على الخلافة التي هو أحق بها, أو يصبر, ومن المعلوم أن الدخول معهم في معركة لم يكن صالحاً للاسلام, بل يقتضي عليه وتذهب أتعاب النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) خلال السنين السالفة هباءاً منثوراً, وذلك لكثرة المنافقين في المدينة وحولها، قال الله تعالى : (( وَممَّن حَولَكم مّنَ الأَعرَاب منَافقونَ وَمن أَهل المَدينَة مَرَدوا عَلَى النَّفاق لاَ تَعلَمهم...)) (التوبة:101), وقال تعالى: (( إذَا جَاءكَ المنَافقونَ قَالوا نَشهَد إنَّكَ لَرَسول اللَّه... )) (المنافقون:1), وقال تعالى: (( وَمنَ الأَعرَاب مَن يَتَّخذ مَا ينفق مَغرَمًا وَيَتَرَبَّص بكم الدَّوَائرَ عَلَيهم دَآئرَة السَّوء وَاللّه سَميعٌ عَليمٌ )) (التوبة:98). إذن المبرر لسكوت علي (عليه السلام) هو وجود المنافقين في المجتمع الاسلامي, وكانوا بكثرة, ويشكلون قوة لا يستهان بها, وهم يتربصون بالمسلمين الفلتات والزلات . ولو نازع أمير المؤمنين (عليه السلام) القوم لكان في ذلك فرصة لهم في ضرب المجتمع الاسلامي والاسلام, وارجاع الناس الى الجاهلية الأولى, فحفاظاً على ذلك لم يدخل أمير المؤمنين (عليه السلام) مع القوم في نزاع, وصبر على خلافة الأول, وعلى خلافة الثاني . أضف الى أنه لم يدخل معهم في وزارة او إمرة, بل كان معتزلاً عنها, ومن يدعي أنه تولّى أمراً أو استوزر من قبل الخليفة, فهو كاذب لا مستند تاريخي له . إلى أن وصل الامر إلى الثالث, وبوصولها إليه ابتعد المسلمون كثيراً عن الخط الذي رسمه النبي (عليه السلام), ووضح الشرخ المنحرف داخل المجتمع بخلافه على زمن الاول والثاني, فان الانحراف لم يكن بالمستوى الذي وصل اليه في خلافة عثمان, لان عثمان بن عفان ولّى بني عمه على الأمصار وعزل الصحابة الاخيار, وولّى الطلقاء الذين هم من المنافقين والذين لم يسلموا, بل استسلموا, خوفاً على دمائهم, لا رغبة في الايمان, فهؤلاء عندما ولاهم عثمان عاثوا في الارض الفساد, واستعبدوا العباد, وغيّروا السنّة, وبدّلوا الشريعة ..., فلذلك رفض أمير المؤمنين (عليه السلام) البيعة, لأنه لو كانت الخلافة جاءته بعد عمر لكان هناك مجال واسع لاصلاح الانحراف الذي خلفه أبو بكر وعمر, فلذلك دخل الأمير (عليه السلام) في الشورى, الذين عيّنهم عمر, وأما بعد تولي عثمان الخلافة فان الانحراف وصل إلى أوجه, بحيث لا ينفع معه إصلاح ولا تعديل, فلذلك رفض أمير المؤمنين (عليه السلام) البيعة وقال لهم افعلوا بها كما شئتم, فكما قدمتم الاول والثاني والثالث عليّ فالآن لا حاجة لي بها قدّموها إلى غيري, واطلبوا لها غيري يسايرها مع هذا الانحراف, لانه إذا أخذها علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا تستطيعون ان تسيروا حسب ما يريد ولا تطيقوا تعاليمه التي هي تعاليم القرآن, لانه غرس بنو أمية في نفوسهم تعاليم الجاهلية وأبعدوهم عن تعاليم الاسلام, فلذلك لا يستطيعون مسايرة الإمام واتباعه, وهذا ما عرفه الامير (عليه السلام) من الاول فلذلك قال لهم : (( دعوني والتمسوا غيري )) . ,واليك هذان النصان التاريخيان يوضحان ما قلناه ويشهدان عليه : (1) روي عن ابن عباس أنه قال : (دخلت على عمر يوماً فقال لي : يا بن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلت رياءً . قلت : من هو ؟ فقال : هذا ابن عمك ـ يعني علياً ـ . قلت : وما يقصد بالرياء أمير المؤمنين ؟ قال : يرشح نفسه بين الناس للخلافة . قلت : وما يصنع بالترشيح, قد رشحه لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصرفت عنه . قال : إنه كان شاباً حدثاً فاستصغرت العرب سنه وقد كمل الآن, ألم تعلم أن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا بعد الأربعين . قلت : يا أمير المؤمنين, أما أهل الحجى والنهى فانهم ما زالوا يعدونه كاملاً منذ رفع الله منار الاسلام, ولكنهم يعدونه محروماً محدوداً . فقال : أما إنه سيليها بعد حياط ومياط, ثم تزل قدمه فيها, ولا يقضى فيها إربة, ولتكونن شاهداً عليه يا عبد الله, ثم يتبين الصبح لذي عينين, وتعلم العرب صحة رأي المهاجرين الذين صرفوها عنه بادئ بدء)( شرح نهج البلاغة, لابن أبي الحديد 12/80 ) . فانظر إلى قوله : (سيليها بعد هياط ومياط ), أي : تصله مضطربة قد نخر فيها الفساد نخراً, وانحرفت أشد الانحراف, فلا يستطيع أن يصنع فيها شيء, فلذلك ستلفظه لعدم طاقتها له!! (2) لما ضرب عمر بن الخطاب قال الإمام (عليه السلام) لقوم من بني هاشم : (إن أطيع فيكم قومكم من قريش لم تؤمروا أبداً . وقال للعباس : عدل بالامر عنّي يا عم - يقصد عمر بن الخطاب -. قال : وما علمك ؟ قال : قرن بي عثمان, وقال عمر : كونوا مع الاكثر فان رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف, فسعد - يعني سعد بن أبي وقاص - لا يخالف ابن عمه - يعني عبد الرحمن - وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان, فيوليهما أحدهم الآخر, فلو كان الاخران معي لم يغنيا شيئاً . فقال العباس : لم أدفعك إلى شيء إلا رجعت إليّ مستاخراً بما أكره, أشرت عليك عند مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تسأله عن هذا الامر فيمن هو فأبيت, وأشرت عليك عند وفاته أن تعجل البيعة فأبيت, وقد أشرت عليك حين سماك عمر في الشورى اليوم أن ترفع نفسك عنها ولا تدخل معهم فيها, فأبيت, فاحفظ علي واحده كلما عرض عليك القوم الامر فقل : لا, الا أن يولوك, وأعلم أن هؤلاء لا يبرحون يدفعونك عن هذا الامر حتى يقوم لك به غيرك, وأيم الله لا تناله الا بشر لا ينفع معه خير . فقال علي : اما إني أعلم أنهم سيولون عثمان, وليجدن البدع والاحداث ولئن يفنى لاذكرنك وان قتل او مات ليتداولنها بنو أمية بينهم, وإن كنت حياً لتجدني حيث تكرهون, ثم تمثل : حلفت برب الراقصات عشية ***** غدون خفافاً يتبدون المحصبا ليجتلبن رهط ابن يعمر غدوة ***** نجيعاً بنو الشداخ ورداً مصلباً (راجع : تاريخ الطبري 3/294, الكامل لابن الاثير 3/18, العقد الفريد 4/98, تاريخ المدينة المنورة 3/925, شرح النهج 8/ 191) . فكلمة: (والله لا تنال الا بشر لا ينفع معه خير... وتداول بني أمية لها), هو الذي يوضح سر رفض الأمير (عليه السلام) للبيعة . واما التساؤل الرابع, وهو : الاستبعاد وان مع شجاعة الأمير (عليه السلام) المشهورة كيف يستطيع القوم أن يغلبوه بها ؟ والجواب : اتضح جلياً أمره, وأن المسألة لم تكن مسألة شجاعة وإظهار القوة, وانما مسألة بقاء الشريعة وذهابها, فهناك كما أسلفنا المنافقون من الصحابة, وهناك المحيطين بالمدينة من الأعراب المنافقين والذين يتربصون الدوائر بالمسلمين, ويتحينون الفرصة التي يرون ضعف المسلمين بها حتى ينقضوا عليهم ويرجعوهم الى الجاهلية . ,فهنا ليس حرب مع المشركين كي يبرز لها علي (عليه السلام) كما برز في الحروب والغزوات, بل هنا انحراف في داخل المجتمع, وهنا أنفس مريضة في داخل المسلمين والمجتمع المدني, فيحتاج التعامل معه الى حنكة وخبرة أكثر مما يحتاجه من ابراز العضلات والضرب بالصمصام, فلذلك لم يكن بداً لأمير المؤمنين (عليه السلام) الا الصبر أمام هذا الانحراف والتنازل عن الحق ما دام في ذلك حفظ بيضة الاسلام, وبقاء كلمة لا اله الا الله على رؤوس الاشهاد ولمدى الاجيال . ,وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) هو ربيب البيت النبوي, والنبي (صلى الله عليه وآله) ربيب ربه إذ الله الذي قام بتربيته وتأديبه, فعلي (عليه السلام),ينتهي أدبه وتعليمه إلى الله سبحانه وتعالى, وحاشاه ان يجبن أو يضعف, لكن الظروف حكمته والمجتمع المنحرف خان به, فلذلك لم يكن له طريق غير الصبر كما أشار إليه في خطبته الشقشقية : (( فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا )) . ,فالمسألة تحتاج قبل الحكم عليها إلى تأمل ودراسة, ولا يكفي الجلوس خلف المنضدة وقراءة كتاب أو كراس, ثم الحكم على وقائع تاريخية مرّ عليها أربعة عشر قرناً, فان العاقل الباحث لا يفعل ذلك, بل التأمّل ودراسة الأحداث بموضوعية هو الحل الوحيد . ,فهناك مجتمع فتي في أول نشأته وأول ظهوره بعد جاهلية عمياء طالت قروناً من الزمن, وهذا المجتمع الناشئ في الكثير من المنافقين والذين في قلوبهم مرض, ومن حوله من الاعداء الذين يتربصون به السوء, وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) لا ترتضيه قريش والقبائل الحليفة بها, لانه ضرب خراطيمهم حتى أسلموا, وهو الذي أذلهم بعد عزتهم, وهو الذي قتل فرسانهم ورجالاتهم, ففي أنفسهم عليه الاحقاد, كما أشار عمر بن الخطاب الى ذلك في الحديث المتقدم الذي نقلناه. فعلى ذلك لا مفرّ من ركوب أمرين لا ثالث لهما ، إما أن يقاتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) على حقه الشرعي, وفي ذلك تحطيم للمجتمع الذي جهد النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) لبنائه طيلة 23 سنة, لان المنافقين وممن حول المدينة سيجدون في اضطراب أهل المدينة الفرصة لتحقيق أهدافهم التي يصبون اليها منذ سنين, وبالتالي سيؤدي ذلك الى ذهاب الاسلام وذهاب الحق الشرعي العلوي معه . ,وإما أن يصبر على الظلم, ويكون بذلك حقق شيئاً وخسر شيئاً, حقق بقاء الاسلام وأغلق الباب أمام المنافقين للانقلاب على المجتمع الاسلامي, وخسر خلافته ومنصبه الالهي الذي كان به يحمل الناس على طاعة الله . فالطريق الثاني وهو الصبر أولى, لان فيه بقاء الاسلام الذي نافح وكافح علي طيلة حياته في تشييد دعائمه واقامة أركانه, خلافاً للطريق الاول وهو القيام والمطالبة بالحق, فان في ذلك هدم الاسلام وفتح الباب للمنافقين وغيرهم لضرب المجتمع الاسلامي، وهذا ما يكون فيه الوبال على الاسلام والمسلمين, الذين منهم علي بن أبي طالب (عليه السلام), فلذلك قال (عليه السلام) : (( فرأيت أن الصبر على هاتا أحجا )) أي الصبر على غصب الخلافة وتحمل الظلم أرجح عقلياً, وأشدّ صواباً . ودمتم في رعاية الله |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |