![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#2 |
المشرف العام
![]() |
![]()
وأخيراً فكلُّ ذي فضلٍ يعلم أنَّ للنفس في إنجذابها حالات وشؤون ، وأنَّ للإنسان أنْ يقمع النفس كل مقمع ، وأنَّ له في السيطرة على قواها وغرائزها وانجذاباتها مقامات وممن له سبيل في ذلك ومطمع ، والقدوة مِنْ الناس مَنْ تحصل له في نفسه الغلبةُ للعقل وقواه ، والمعصوم قد ذابت نفسه في الحقِّ وانقهرت له وعظم في نفسه ، فلا يغيب العظيمُ عن عقله ولا تنام عين قلبه عن النظر ، ولا تلتفت البصيرة إلى سواه لأنها لا تعقل سواه ولا ترى غيره ، وأبداً تطربه نفحاتٌ ربانيةٌ ، تبقيه في سكرة عشق الجميل الحقيقي ، فلا يبقى مِنْ محلٍ في نفسه يشكو فراغاً ، فإنها ظاهراً وباطناً منجذبةٌ بكل قواها وفي تمام حالاتها وجميع أطوارها إلى الحقِّ تلحظ عظمته ، وتشكو من حجاب الجسد ، وتتألم من حجب المادة ، وحنينها إلى موطنها الحقيقي لا ينقطع .
وأي حبيب كنتَ رأيتَ منه الالتفات عن حبيبه وهو يدرك حضوره ؟! وأي حبيب كان شكى مِنْ لَحْظِهِ حبيبَه ، فالتفت إلى سواه ، ووقع في نفسه التأثر بغير حبيبه ، وحصل لنفسه الإنجذاب إلى سواه ؟! وَلْنَمْسك عنان القلم هنا ونرجع إلى مفاد آية " همَّت به وهمَّ بها ". فنقول : مِنْ غيرِ المناسب جداً أنْ يُحمَل الهمُّ من امرأة العزيز على العزم ، ويُحمل الهمُّ مِنْ يوسف على الميل والرغبة ولو على تقديرٍ بتقديمٍ وتأخير . بل المتعين أنْ يُحمَل الهمُّ على معنى واحدٍ -- بغضِّ النظر عن المتعلَّق ، لأنَّ أقصى ما تُفيده الآيةُ والسياقُ وحدةَ الأمرِ دون المتعلَّق فافهم جيدا -- وهو المناسب لظاهر الآية من جهة ، ولمفاد ما بعد لولا من جهة ثانية ، ولذيل الآية من جهة ثالثة 0 والعدولُ عن الظاهر - بحمل اللفظ على معنى آخر مع فَقْدِ قرينة --شططٌ ، مع أنَّ ما يُناسِب المؤمن فضلاً عن المعصوم هو العزم على الضرب أو القتل أو ما شاكل نهياً عن المنكر وأمراً بالمعروف ، إذ مِن المستغرَب جداً أنْ يلتزم مَنْ يتديَّن بدين الإسلام في منهج أهل البيت عليهم السلام ( بحسب تعبير صاحب الندوة ) بعدم عزم نبي الله يوسف على ما يقتضيه الموقف المُنْكَر من النهيِّ عن المنكر والتذكير بالله وآياته0 ومِنْ غير المعقول أنْ لا يتهيَّأ مثل يوسف الصدِّيق للتصدِّي للمُنْكَر وللنهيِّ عنه مستخدِماً أسلوباً تدريجياً في سبيل تحقيق الهدف 0 ومِنْ غير الحقِّ أنْ يظنَّ عاقلٌ بيوسف أنْ تميل نفسه وتنجذب وهو قد أنكر في نفسه وفي روحه وفي عقله وقلبه ما لمحت عينه الباصرة ، لذا كان أنْ اعتصم في نفسه أولاً ، ثم أبدى ونطق مصرِّحاً مُنكِرَاً واعِظاً ثانياً 0 ولمَّا لم ينفع مع المرأة ما رأت مِنْ يوسف مِن الاعتصام الذاتي ومِنْ عدم التأثَّر ومن عدم الانجذاب النفسي ، ولمَّا أنْ رأى يوسف عدم إفادة الإرشاد والتذكير والتنبيه والتحذير، فكان منه أنْ عزم على ضربها أو منعها بشكل يؤذيها أو قتلها ثالثاً ، بعد أنْ عزمتْ على الفاحشة واستعدَّت فعلاً للإقتراب مِن يوسف بغيةَ تحقيقها استجابةً منه ، ولكن المولى سبحانه أراه في قلبه عاقبةَ ما عزم عليه لطفاً به ، فتوجه نحو الباب ، وكان ما كان . وبعبارةٍ أخرى : إنَّ امرأة العزيز لمَّا أنْ راودتْ يوسف عن نفسه قابلَ مراودتها بالاعتصام والثبات ، وبالغ في الموعظة والإرشاد ، لكنها تابعتْ عازمةً بجِدٍّ ولقد همَّت به 0 فكان ما يناسب مقام النبوة أولاً ، وظاهر اللفظ ثانياً ، وانسجاماً مع الموقف السابق من يوسف ثالثاً ، أنْ يعزم يوسف على منعها أو ضربها أو قتلها ، فهمَّ بها ولولا أنْ رأى برهان ربه لفعل ، ولكنَّ الله تعالى لطف ، كذلك ليصرِفَ بلطفه وعظيم عنايته عن يوسف الصدِّيق السوءَ والفحشاءَ 0 ولو أنَّ يوسف كان همَّ بها أو إليها غرائزيَّاً وانجذب نفسياً لكان عبَّر المولى سبحانه بـ" كذلك لنصرف يوسف عن السوء والفحشاء" فتأمل جيداً في الآية . ولا أدري فإذا كانت امرأة العزيز همَّتْ وعزمتْ على الفاحشة ، فأين مِن يوسف عزمُه وهمُّه على منعها ، فهل لا يكون مِن المقابل عزم ؟! بلى لقد كان منه العزمُ وهمَّ بها ، بعد أنْ كان منها العزمُ وهمَّتْ به ، لكنه همَّ بما يناسب مقامه ، وهمَّت بما غلبت شهوتها ، وحيث كان مِن كلٍّ منهما العزم ، فعبَّر سبحانه ب "ولقد همَّت به وهمَّ بها " ، وإلا فحَمْلُ أحد الهمَّين على غير العزم ينافي خروج ما كان منهما مخرجاً واحداً من ناحية اللفظ ، ولا ينسجم مع الموقف السابق 0 فإنَّ مَنْ يتعوَّذ بالله مدرِكاً يقيناً عدم فلاح الظالمين ، مع مراقبته لذي الجلال في سرِّه والذي تجسَّد بالاعتصام ، وفي العلن والذي حكاه من التعوُّذ والاعتراف بالنعمة والتنبيه على أنَّ الفعل الذي دُعيَ إليه يناسب الظالمين لأنه ظلم وبغي ، فإنه لا يكون منه الميل إلى الشهوة بعد عزم زليخا على الفاحشة ، بل يناسب أنْ يكون منه العزم يقابل به العزم المقابل . ولا أدري كيف ليوسف أنْ تنجذب نفسه حالَ اعتصامه وحال إدراكه خطورة الموقف ، وحالَ تعوُّذه بالله الجبار ذي الانتقام ؟! أَوَ لا يكفي أنْ يذكر الله تعالى حتى تخشعَ لعظمته جوارحُه ويصعق قلبُه ، وتضطرب نفسُه !!! فهل كان أبقى ذكرُ الله ليوسف في نفسه لنفسه باقية ، حتى تنجذب ويتأثر جسده بغير الحقِّ وفي غير الحقِّ ؟! فما كان أصغر الله في نفس يوسف ، وما كان أعظم الشيطان وخطواته في نفسه !!! تبَّاً للباطل وجنده ، وقد قاس إبليس قديماً ، وجهل مقام وليِّ الله فحُرِمَ مِن النعيم لرَفْضِه الخضوع لمَن في صلب آدم . ولو كنا في مقام تفسير الآيات المزبورة ، لقرع سمعك الشيء الكثير ولوقفت على شيء من مقام الصدِّيقين المخلَصين ، ويكفي لكلِّ متأمل أنْ يتفكر في مفاد آية " وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك " وما بعدها ، فما كان أصعب ذلك الموقف وأخطره ، وأي مراقبة للحق سبحانه قد وعى قلب يوسف ، وكم هو عظيمٌ ربُّ يوسف في نفس يوسف ، فطوبى له مِن مخلَص خلُص فلا يشوبه باطل ، فاجتباه الحكيم ، وهل كان ربُّ العزة ليختار مَنْ يتأثر جسده بمواجهة شيء من الباطل ؟!! تعالى الله علواً كبيراً وسلام على عباده الذين اصطفى سيِّدنا محمد وآله الطاهرين ومَنْ يتلوهم فضلاً أنبياء الله وأولياءه ، صلَّى الله على نبينا وآله وعليهم أجمعين . وأما ما ادَّعاه السيِّد فضل الله في دنيا الشباب حيث قال : فالعصمة لا تعني عدم الانجذاب إلى الطعام المحرم والشراب المحرم أو الشهوة المحرمة ، ولكنها لا تمارس هذا الحرام ، فالانجذاب الغريزي الطبيعي هنا لا يتحول إلى ممارسة ،[153] فقد اتضح لك فساده جداً . ولا أدري كيف يرتضي العاقل على خليفة الله أنْ يكون عنده انجذاب لشهوة محرمة ، أي انجذاب للزنا أو لأكل لحم خنزير أو لشرب خمر مسكر ؟! وهل مَنْ يعلم بحقٍّ أنَّ الشراب الذي أمامه شراب سم قاتل يحصل لديه انجذاب إليه ؟ وهل كان عند الأنبياء أنَّ الخمر أدنى من السم ؟!! وهل يمكن أنْ يتصور عاقل في مؤمن ثابت العقيدة يملك ورعاً وقد تحلَّى بالتقوى ، أنه ينجذب إلى شهوة محرمة ، كما لو وقع منه التأمل بأمه أو أخته أو امرأة محصنة ؟! فكيف بنبيِّ الله ؟!!!!! اللهم اشهد أننا معاشرَ الإمامية نعتقد بأوليائك أنهم نورٌ كلهم ، علمٌ كلهم ، وفي جميع شؤونهم لا يُبصِرون سواك ، وفي كلِّ تقلُّباتهم لا يغفلون عن عظمتك . الهي إنَّا نشهد بأنك ما كنت لتصطفي إلا الطاهر مِن كل جهة ، الطيِّب في كل شيء ، المنزَّه مِن كل عيب ونقص ، ولا نعرف عيباً أعظم من عيب الغفلة عنك سبحانك ، ولا نعرف شيئاً أقبح من الالتفات إلى ما تكره تباركت ربنا وإليك المصير . سبحانك اللهم إنك لا تجتبي إلا مَنْ كان لك وفيك ومعك جميعه وكله وتمامه . اللهم إنك الحقُّ ، وفي الحقِّ وإليك يعود الحقُّ ، وتنزَّهت إلهي عن أنْ تحتجَّ على خلقك بغير مَنْ يكون في جميع شؤونه على الحقِّ وفي الحقِّ 0 ------------- [149] الندوة 1 ص 209 - 210 ط الثانية 1417 - 1997 [150] يوسف آية24 [151] الحجر آية 40 [152] ص آية83 [153] دنيا الشباب ص 36 ط الثانية 1997 |
![]() ![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |