![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#24 |
موالي فعال
![]() |
![]()
لابدّ أن نعلم أن العناء مستمر معنا إلى آخر العمر
لماذا كل هذا التأكيد في الروايات على حسن العاقبة؟ إذ بقدر ما يعاني الإنسان من أجل الدين والعبادة يزداد خطر سقوطه. من اتقى ونهى نفسه عمرا طويلا، فإن لم يكن قد حلّ قضية المعاناة لنفسه، فهو في معرض الخطر أكثر من غيره، إذ يصبح مدّعيا ويشعر بأنه دائن وطالب بما قدمه من عناء، فإذا أراد الله أن يضيف إلى معاناته محنة أخرى، لم يعد يطيق ويعيى عن مواصلة الطريق. وما أكثر الذين قعدوا عن الطريق وارتدوا عن درب المعاناة في سبيل الله. إن بعض الناس وبعد مدة من المعاناة في سبيل الله يسأم من العناء. فمن هذا المنطلق، أحد أسباب ضرورة الاهتمام بموضوع المعاناة، هو أن لا تملّ من المعاناة لطولها واستمرارها، فإنك إن لم توطّن نفسك على استمرار المعاناة في الدنيا قد تعجز عن المداومة وترجع عن الطريق. لقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن یَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِیلًا)[الأحزاب/23]. فتدلّ هذه الآية على أن منتظري الشهادة هم في مرتبة الشهداء، إذ قد استقاموا على نهج الشهداء إلى آخر حياتهم. فالمهمّ هو الاستقامة حتى الموت، إذ أن القيمة التي قد أعطاها الله لفئة من المؤمنين ليست بسبب استشهادهم، بل بسبب بقائهم على العهد؛ فمنهم من قضى نحبه أي استشهد ومنهم من ينتظر. لماذا أفرز الله هؤلاء المؤمنين عن غيرهم في هذه الآية؟ لأن ليس كل المؤمنين مستقيمين على طريقهم وليس كلهم يطيقون معاناة هذا الدرب حتى نهايته. حتى أن كثيرا من المجاهدين في صدر الإسلام قد انحرفوا عن الطريق بعد طول جهادهم بين يدي رسول الله(ص)، إذ قد يسأم الإنسان المعاناة في سبيل الله بعد مدة، ولعله يشعر بالطلب من الله. فيقول: «إلى متى نعاني من المحن والمشاكل؟ فهل عملنا قبيحا إذ اتقينا الله وسلكنا سبيل دينه وجاهدنا في سبيله؟ ثم بعد كل ذلك لابدّ أن نعاني مرة أخرى؟!» بعد أن عانا الإنسان من محنة، لابدّ أن يجرّب محنة على مستوى أعلى. إن عالم المعاناة والمحن في هذه الدنيا يشبه مراحل العلاج الطبيعي، إذ أن العلاج الطبيعي لا يؤلم كثيرا في بادئ الأمر، وتظهر آلامه الشديدة في المراحل النهائية. وهكذا سبيل الدين، إذ لا يعاني الإنسان كثيرا في أوائل الطريق. إذا أراد الله سبحانه أن يحصي المسلّمين لقضائه لا ينظر إلى الناس ليرى من المسلّم، بل يمتحن الناس على الدوام ويبتليهم بأنواع الشدائد والمحن ليرى هل قد سلّموا واقعا أم لا؟ حتى أن الإمام الحسين(ع) في آخر لحظات حياته وفي حفرة المذبح ناجى ربه وعبر أنه ما زال مسلّما: «إلهي... تسليما لأمرك»، ويا ترى هل بقيت مصيبة لم ينزلها الله على الإمام الحسين(ع)؟ الدليل الثاني على ضرورة توطين النفس على المعاناة، هو أنه إن لم يوطن الإنسان نفسه على تحمل المعاناة، عند ذلك بدلا من أن يقفز من الموانع، يمرّ من جنبها بلا مغامرة ومن وحي طلب الرّاحة. إن بعض المسلمين قد عاشوا تحت ظل الإسلام عمرا طويلا ولكنّهم عملوا بالإسلام بدهاء وشيطنة، إذ كلما اقتضى دينهم شيئا من المحنة والمعاناة، التفّوا حولها ومرّوا منها كراما. يعني أنهم قد انتقوا من الدين ما طاب لهم ولم يصطدم براحتهم، أما إن أراد الله منهم أن يجاهدوا أنفسهم ليعانوا في هذا الدرب، تركوا ما أراد الله ومرّوا منه. فإننا إن نمرّ من جانب الموانع بلا معاناة بدلا من أن نقفز عليها، لكي نريح أنفسنا من عناء جهاد النفس، فقد أعدمنا فرص رشدنا في الواقع. إن بعض الناس يلتزم بالدين ما لم يطالبه بمخاطرة أو مغامرة إن بعض الناس غير مستعدين على المخاطرة والمغامرة في الدين، ولهذا فإنهم لا يتخذون موقفا يلامون أو يهانون به، وبعبارة أخرى إنهم مواظبون على أن لا يواجهون مشكلة أو مصيبة في ديانتهم. طبعا لابد أن نعلم أن الله يبتلي الناس ويمتحنهم بحسب قابليتهم. وعلى أي حال إذا كان الإنسان قد وطن نفسه على تحمل العناء في الحياة الدنيا لن يتورط بهذا النمط من التديّن. كان محمد بن مسلم إنسانا محترما وثريّا. ذات يوم قال الإمام الباقر له: تواضع، فقبل هذا الرجل نصيحة الإمام. لعله بدأ يفكر ويبحث عن ثغرات دينه التي جعلت الإمام يشير عليه بالتواضع. ولعلّه خرج بنتيجة أنه ما زال لم يقلع الكبر من قلبه، وأن لابدّ من وجود مانع وإلا لكان المفترض أن تصلح صلاته كلّ الشيء. رجع إلى الكوفة وأخذ سلة من تمر وميزانا وجلس على باب المسجد وبدأ يبيع التمر بصوت عال. فجاءه قومه وأبناء عشيرته وقالوا له: لقد أخزيتنا وشوّهت سمعتنا، فما هذا العمل؟... عن أبی النَّصرِ: «سَألتُ عبدَ الله ِ بنَ محمّدِ بنِ خالدٍ عَن محمّدِ بنِ مُسلمٍ فقالَ : کانَ رجُلاً شَریفا مُوسِرا ، فقالَ لَهُ أبو جعفرٍ علیه السلام : تَواضَعْ یا مُحمّدُ، فلَمّا انصَرَفَ إلَى الکوفَةِ أخَذَ قَوصَرَةً مِن تَمرٍ مَع المِیزانِ ، و جَلَسَ على بابِ مَسجِدِ الجامِعِ و صارَ یُنادی علَیهِ، فأتاهُ قَومُهُ فقالوا لَهُ : فَضَحتَنا! فقالَ : إنّ مَولای أمَرَنی بأمرٍ فلَن اُخالِفَهُ ، و لَن أبرَحَ حتّى أفرَغَ مِن بَیعِ ما فی هذهِ القَوصَرةِ . فقالَ لَهُ قَومُهُ : إذا أبَیتَ إلاّ أن تَشتَغِلَ بِبَیعٍ و شِراءٍ فاقعُدْ فی الطَّحّانِینَ ، فهَیّأَ رَحىً و جَمَلاً و جَعلَ یَطحَنُ» [الاختصاص/51]. يتبع إن شاء الله... |
![]() ![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |