![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
إبراهيم ( عليه السلام ) يذبح ولده دقائق . . وحقائق
بسم الله الرحمن الرحيم الآيات الكريمة : إن الله سبحانه وتعالى قد وهب لإبراهيم ولده إسماعيل ( عليهما السلام ) بعد أن طعن في السن . وبلغ من الكبر عتياً ، قال تعالى : ﴿ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ ... ﴾ 1 . وحين جاءت الملائكة إلى إبراهيم ( عليه السلام ) بالبشرى فوجل منهم : ﴿ قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ ﴾ 2 . وكان الفاصل بين البشارتين بإسماعيل ، وبإسحاق ( عليهما السلام ) خمس سنوات ، وذكرت الآيات البشارة بإسحاق ( عليه السلام ) مصرحة بشيخوخة إبراهيم ( عليه السلام ) ، قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ 3 . وقال تعالى : ﴿ ... قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴾ 4 ﴿ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ 5 . ولما كبر هذا الولد ، وصار يذهب ويجيء أمر الله أباه بذبحه . قال تعالى : ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ 6 . وقد كانت قضية الذبح هذه هي البلاء المبين ، الذي بيَّن وأظهر حقيقة إبراهيم ( عليه السلام ) وكانت هي الكلمة الأكثر صراحة وإيضاحاً لاستحقاق إبراهيم ( عليه السلام ) لمقام الإمامة ، الذي أعطي له بمجرد أن قام بهذا الأمر العظيم . . قال تعالى : ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ 7 . طريقة التعاطي مع هذا الحدث : إننا قبل أن ندخل في البحث نذكّر القارئ الكريم بأننا سوف نجري الحديث فيه وفقاً للنظرة العادية للأمور ، وبغض النظر عن مقام الاصطفاء الإلهي ، وعن مرتبة النبوة ، لإبراهيم وإسماعيل ( عليهما السلام ) . . ولذلك فإن تعابيرنا عن مقاصدنا سوف تكون في هذا السياق . . فليلاحظ ذلك . . الوليد الجديد والوحيد : إن من يقضي عمره بلا ولد ، ويبلغ سن الشيخوخة . . ثم يولد له ، فإن تعلقه بولده سيكون أشد من تعلق الناس بأبنائهم ، حين يولدون لهم وهم في سن الشباب . فكيف إذا كان هذا الولد وحيداً لأبويه الطاعنين في السن ، فإن الحب له سيكون مضاعفاً ، والالتذاذ بالنظر إليه والتعاطي معه ، والاهتمام بالحفاظ عليه حتى من النسيم العابر ، سيكون أعظم بكثير مما لولم يكن وحيداً . والأنبياء أرق الناس طبعاً ، وأرهف حساً وأكثر حناناً وعطفاً . . ومن الواضح : أن هذا الحب العارم ، وذلك التعلق الشديد سيكون حافزاً إلى بذل عناية أكبر في تربيته تربية صالحة ، ومراقبة كل حركاته وسكناته ، وتوجيهها بالاتجاه الصحيح والسليم . . فإذا كان هذا المربي هو أعظم الأنبياء وأفضلهم ـ بعد نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) ـ وكان الطفل هو إسماعيل ( عليه السلام ) الذي كانت طفولته طفولة نبي ، وهي أرقى وأكمل وأنبل وأفضل طفولة . . فإن تجسد معاني النبل والفضل والكمال الفائق فيه ، سيزيد من حب إبراهيم ( عليه السلام ) له ، لأن إبراهيم ( عليه السلام ) هو أفضل من يدرك بعمق وبوعي قيمة تلك الميزات والخصائص ، ويعرف آثارها . . وهو أكثر الناس حباً لها ، وانجذاباً إليها ، وتفاعلاً معها ، وتفانياً في سبيلها ، وقد نذر نفسه ، وكل وجوده وحياته بالدعوة إليها وإيجادها ، ونشرها وترسيخها في الناس ، ولتكون هي وعيهم ، وفكرهم وحياتهم وسلوكهم ، وممارستهم ، وكل وجودهم . ثم إن الإنسان يحب ثمرات جهده ، ويميل إليها مهما كان حجمها ونوعها . . وخلاصة القول : أن الإنسان العادي يحب تلك الصفات ، وينجذب إليها ، فكيف بالنبي ، وكيف بشيخ الأنبياء ، وأفضلهم بعد النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) . . وها هي تتجسد بأجلى وأتم مظاهرها بولده الوحيد الذي جاءه بعد أن طعن أبوه في السن ، وكبرذلك الولد أمام عيني أبيه ، الشيخ الكبير ، فلا غرو في أن تبلغ محبته له أعلى الدرجات ، وأقصى الغايات . . عنفوان الطفولة : يضاف إلى ذلك كله : أن للطفولة حالاتها ، ومزاياها التي تتنوع بواعث الانشداد والانجذاب فيها ، وذلك من خلال الحركات واللفتات التي يسجلها الطفل في حركته . . فإن الأب سيلتذ بعنفوان الطفولة ، ولمحات الوعي ، ولمعات الذكاء ، ولفتات الجمال . وسيكون أكثر التذاذاً وهو يراقب ويتلمس الميزات والمواصفات الإنسانية ، وهي تتنامى في شخصية هذا الطفل العزيز ـ إسماعيل ( عليه السلام ) ـ بصورة غير عادية وغير مألوفة ، لأنها ميزات طفل يعده الله سبحانه لمقام النبوة . وكان إسماعيل ( عليه السلام ) يسجل تصرفاته ، فتأتي غاية في الدقة ، والصحة ، وبالغة الانسجام مع مرادات وأهداف أبيه النبي صلوات الله وسلامه عليهما . . وسيجد والده الذي يعرف قيمة هذه الميزات ، وبواعث تلك الحركات والتصرفات ، التي له تعلق خاص بها ، سيجد في نفسه المزيد من التعلق بهذا الطفل ، وسيتأكد حبه وإعزازه له . . إن الإنسان له تعلق بولده حتى لو كان طفلاً عادياً ، بل حتى لو كان عاقاً له ، فكيف إذا كان في أعلى درجات البر به ، جامعاً لأسمى المواصفات وأغلاها ، وأنبلها وأسناها . إنه سيحافظ على هذا الطفل كأعظم ما يكون الحفاظ . . وسيكون ضنيناً به حريصاً عليه كل الحرص . . وقد قال علي ( عليه السلام ) : بني وجدتك بعضي ، بل وجدتك كلي ، حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني ، وكأن الموت لو أتاك أتاني . حالات مؤلمة : ولنفرض أن هذا الطفل بكى ـ ولو في أيامه الأولى ـ وقبل أن يزيد التعلق به . . فإن والده سيبادر إلى البحث عن سبب بكائه ، هل هو العطش ، أو الجوع ، أو الألم ، أو الضجر ، أو أي شيء آخر . . فإذا مرض هذا الولد ، فإن همه واهتمامه به سيزداد . . وسوف تثور المخاوف في نفسه ، وتزدحم البلابل في صدره . فإذا كان المرض خطيراً ، أو إذا فقد بعض أعضائه كعينه أو رجله ، أو يده ، فكم سيكون هم أبيه وتألمه وأسفه عظيماً لأجله . . فإذا مات ، فكم سيكون عليه هذا الحدث صعباً ومؤلماً . . وإذا مات مقتولاً . . فإن الألم يكون أشد ، أما أن يذبح كما يذبح الكبش ، فاللهفة عليه ستصبح أعظم . . فكيف إذا كان ذلك أمام عينيه . . فإن القضية ستكون أقسى والانفعال أبين . . وقد يتفق أن يكون الأب سبباً في قتل ولده هذا الحبيب عن غير عمد منه ، كما لو صدمه بصورة عفوية في سيارة مثلاً ، أو في أية وسيلة أخرى ، فكم ستكون حسرته عليه ، وكم سيظهر من التلهف والأسى والحنين إليه؟! الامتحان الصعب : ولنفترض أنه قد تحتم على إنسان مّا أن يقتل ولده ليدفع شره عن نفسه ، أو في فورة غضب طاغية ، حيث يكون ذلك الولد قد بالغ في العدوان على ذلك الوالد ، وفي الإجرام في حقه . . ألا تتوقع أن يختار طريقة المفاجأة والسرعة ، وأن ينهي الأمر بطريقة عشوائية ، ليتخلص من الحرج ، ومن الكابوس الصعب الذي يواجهه ، إنه سيفعل ذلك بالتأكيد ، بكثير من الارتباك ، والعصبية ، والانفعال . فكيف تكون الحال لو كان ذلك الولد باراً بأبيه وقد ظهرت فيه أمارات التميز ، وتبلورت في شخصيته دلائل النبوغ والتفوق ، فإن إقدامه على قتل ولده سيكون أقرب إلى المحال . لا سيما بعد أن عاش معه ردحاً من الزمن ، وتلمس ميزاته ، وألِف حركاته ، وتجلت له كمالاته . . ولن يخبر ولده بالأمر ، لأنه سيرى أن ذلك يزيد في ألم ذلك الولد وفي حيرته ، وسوف يزيد انتظار ولده للذبح من آلام ذلك الوالد ، ومن صعوبة تنفيذ المهمة التي تواجهه . . فكيف إذا كان لا بد له أن يقتله بطريقة الذبح ، وبيده ، وبسكينه . كما حصل لإبراهيم ( عليه السلام ) . وقد واجه إبراهيم ( عليه السلام ) هذا الأمر الإلهي بالذبح ـ نعم . . الذبح لا مجرد الضرب أو الطرد ـ بصبر وأناة ، وتصدى لامتثال أمر الله سبحانه بكل رضا وثبات ، وعزيمة وإصرار . ولم نجده أفسح المجال لأي احتمال أو وهم يراود نفسه ، فيما يرتبط بجدية هذا الأمر ، وأنه إنما جاء عن طريق الرؤيا ، ولم يتساءل عن أسبابه ، فلعله يقدر على إزالة تلك الأسباب . . من المعلوم : أن الأنبياء هم أكمل البشر في إنسانيتهم ، وأصفاهم نفساً ، وأشدهم إحساساً . ونفوسهم تزخر بالعواطف النبيلة ، ومشاعر الحب الجياشة . وهم في منتهى الرقة على بني الإنسان ، فكيف إذا كان هذا الإنسان طفلاً ، وكيف إذا كان في مستوى نبي هو إسماعيل ( عليه السلام ) . . إن هذه الخصوصيات التي بيناها تعطينا القيمة الحقيقية لامتثال الأمر الإلهي لإبراهيم ( عليه السلام ) بالذبح لولده إسماعيل ( عليه السلام ) كما أنها تعطي أيضاً قيمة كبرى لإيمان إبراهيم ( عليه السلام ) الذي أوصله إلى درجة الرضا ، بهذا الأمر ، والاندفاع إليه ، رغم كل هذا الإحساس المرهف ، وكل هذه العاطفة الجياشة ، التي يغذيها إدراك عميق لقيمة مزايا إسماعيل ، ومعرفة حقيقية به ( عليه السلام ) . . |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |