ما جرى على السيد مهدى بحر العلوم فى السهلة
ما جرى على السيد مهدى بحر العلوم فى السهلة
إن الغرض من ذكر هذه القصص أرقى من مجرد السرد التاريخي.. فهناك عدة دروس مستفادة من هذه القصص:
الدرس الأول: أن نلتفت إلى حقيقة أن إمام العصر (عج) معني بشئون زمانه كلها، سواء في ذلك ما يجري على غير المسلمين، وما يجري على المسلمين، وما يجري على خواص محبيه.. لا يعزب عنه هذه الأخبار، فهو يتألم لما يسمع مما لا يرضيه.. وشأنه في ذلك شأن آبائه المعصومين (ع) حيث كانوا يتألمون من صيحة: وا إسلاماه!.. وا غوثاه!.. أشد التألم.. فهذه صفة من صفات الكمال في المعصوم: الرقة، والحنان، والأذى، والتأثر، وإغاثة اللهفان.. فالنبي (ص) يؤتى ببنت حاتم الطائي، فأمهلها فترة.. فتعجب المسلمون!.. لماذا عاملها النبي كمعاملة باقي الأسرى، رغم أنها من أسرة كريمة؟.. فكما يقال: (أكرموا عزيز قوم ذل).. فالنبي (ص) كان ينتظر الفرصة، لأن يرجعها إلى أهلها معززة مكرمة، احتراما لهذه الصفة التي كانت في أبيها حاتم الطائي.. نعم، هذه صفاتهم صلوات الله وسلامه عليهم.. والشاعر يقول:
ملكنا فكان العفو منا سجية ********** فلما ملكتم سال بالدم أبطح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا ********** وكل إنــاء بما فيه ينضح
الدرس الثاني: أن من يتمنى لقاء الإمام، ويعلم أن الإمام سيلطف به في زمان الغيبة، فإنه سيترقى في مستواه؛ لأنه (ع) لا ينظر إلا لمن اكتملت فيه صفات التقوى.. وما الذي يعجب الإمام في هذا الوجود؟.. فما سوى الله عز وجل، لا قيمة له لديه، إلا بمقدار ما لله من نصيب في ذلك الموجود.
هذه قصة نقلت عن علم من أعلام الإمامية، ألا وهو السيد محمد مهدي، المدعو ببحر العلوم.. هذا الرجل الذي كل ما يقال عنه، وكل ما يدعيه في زمان الغيبة من مسائل التشرف، نراه طبيعيا في حقه، لأنه جمع بين الكمالين: العلمي، والعملي.. ومن هنا كان ينظر إليه بتميز في تاريخ الإمامية.
يقول الراوي لهذه القصة: (كنت حاضراً في مجلس السيد في المشهد الغروي، إذ دخل عليه لزيارته المحقّق القمي -صاحب القوانين في السنة- الذي رجع من العجم إلى العراق، زائراً لقبور الأئمة (ع)، وحاجّاً لبيت الله الحرام.. فتفرّق من كان في المجلس، وحضر للاستفادة منه -وكانوا أزيد من مائة -وبقيت ثلاثة من أصحابه، أرباب الورع والسداد البالغين إلى رتبة الاجتهاد.. فتوجّه المحقّق الأيّد إلى جناب السيد وقال: إنكم فُزتم، وحُزتم مرتبة الولادة الروحانية والجسمانية، وقرب المكان الظاهري والباطني.. فتصدّقوا علينا بذكر مائدة من موائد تلك الخوان، وثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان، كي تنشرح به الصدور، وتطمئن به القلوب.
فأجاب السيد من غير تأمّل، وقال: إني كنت في الليلة الماضية قبل ليلتين أو أقل -والترديد من الراوي- في المسجد الأعظم بالكوفة لأداء نافلة الليل، عازماً على الرجوع إلى النجف في أول الصبح؛ لئلا يتعطّل أمر البحث والمذاكرة -وهكذا كان دأبه في سنين عديدة- فلما خرجتُ من المسجد أُلقي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة، فصرفتُ خيالي عنه، خوفاً من عدم الوصول إلى البلد قبل الصبح، فيفوت البحث في اليوم.. ولكن كان الشوق يزيد في كلّ آنٍ، ويميل القلب إلى ذلك المكان.. فبينا أقدّم رجلاً وأؤخّر أخرى، إذا بريحٍ فيها غبارٌ كثيرٌ، فهاجت بي وأمالتني عن الطريق.. فكأنها التوفيق الذي هو خير رفيقٍ، إلى أن ألقتني إلى باب المسجد.
|