![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
من أسرار تعدية الفعل في القرآنِ الكريم
موقع أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم أولا- من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم عنوان كتاب لمؤلفه : الدكتور يوسف بن عبد الله الأنصاري ، الأستاذ المشارك بقسم البلاغة والنقد- كلية اللغة العربية- جامعة أمالقرى . والكتاب يحتوي على مقدمة وتمهيد ، وفصلين ، وخاتمة . تحدثالمؤلف في المقدمة عن ( أهمية هذا الموضوع ) ، وذكر أنها تعود إلى أمرين : أولهما :ارتباطه بفقه الدلالة .. وثانيهما : دقة مسلكه وغموضه وخفائه على بعض العلماء . وتحدث في التمهيد عن ( مفهوم التعدية واللزوم عند النحاة ) ، فذكر أن الفعل اللازمهو الفعل الذي يكتفي برفع الفاعل ، ولا ينصب مفعولاً به أو أكثر ؛ وإنما ينصبه بمعونةحرف جر ، أو غيره ، مما يؤدي إلى التعدية . وأن الفعل المتعدي هو الفعل الذي ينصب بنفسه مفعولاًبه ، أو اثنين ، أو ثلاثة من غير أن يحتاج إلى مساعدة حرف جر ، أو غيره ، مما يؤدي إلىتعدية الفعل اللازم . وفي الفصل الأول تحدث المؤلف عن ( جهود العلماء فيدراسة تعدية الفعل ) ، وذكر أن من أوائل الإشارات التي تكشف عن أسرار تعدية الفعلبحروف الجر ما ذكره الإمام الخطابي في قوله :« وأما ( من ) و ( عن ) فإنهما يفترقان فيمواضع ؛ كقولك : أخذت منه مالاً ، وأخذت عنه علمًا . فإذا قلت : سمعت منه كلامًا ، أردتسماعه من فيه . وإذا قلت : سمعت عنه حديثًا ، كان ذلك عن بلاغ » . ومن ذلك ما نقلهعن الراغب من قوله في الفرق بين تعدية الفعل ( راغ ) بـ( إلى ) و( على ) ؛ كما فيقوله تعالى : ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ (الذاريات:26) ﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾(الصافات:91) ﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ﴾ (الصافات:93) واتكأ الدكتور يوسففي هذه الدراسة- كما قال- على الزمخشري ؛ لأن كثيرًا من أئمة التفسير كانوا عالةعليه ؛ ولأن كتابه ( الكشاف ) يضم بين دفتيه كثيرًا من الأسرار البلاغية لحروف الجر التيتتعدى بها الأفعال .. ومن ذلك قوله في تعدية الفعل ( جرى ) بـ( إلى ) التي تدلعلى انتهاء الغاية ، وباللام التي تدل على معنى الاختصاص ؛ كقوله تعالى : ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَوَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾(لقمان:29 ) ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيلأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾(الرعد:2) ومما نقله عنالرازي قوله في الفرق بين تعدية الفعل ( تاب ) بـ( على ) ، و ( إلى ) ؛ كما في قولهتعالى : ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾(البقرة:37) ﴿ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ﴾(الأعراف:143) ومما نقله عن أبيحيان قوله في الفرق بين تعدية الفعل ( أنزل ) بـ( على ) ، و( إلى ) ؛ كما في قولهتعالى : ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾(العنكبوت:51) ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾(النساء:105) ومما نقله عن الألوسي قوله في الفرق بين تعدية الفعل ( سارع ) بـ(في ) ، و( إلى ) ؛ كما في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَالَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾(المائدة:41) ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾(آل عمران:133( وفي الفصل الثاني من الكتاب تحدث الدكتور الأنصاري عن ( أسرار تعديةالفعل في القرآن الكريم ) ، وذكر من الأفعال ![]() ثانيًا- وتعليقًا على بعض ما جاء في هذا الكتاب أقول ، والله المستعان : 1- ماذكره فضيلته في التمهيد عن مفهوم التعدية واللزوم عند النحاة هو المشهور في كتب النحو ، وهو الذي يردده علماء النحو وطلابه إلى اليوم . وممَّاينبغي معرفته ، والتنبيه إليه هنا ، هو أن مصطلح ![]() النوع الأول : أن يكون من الأفعال التيلا تطلب مفعولاً به ألبتة . وذكر ابن هشام له علامات : العلامة الأولى : أن يدل على حدوثذات ؛ كقولك : حدث أمرٌ ، وعرض سفرٌ .. قال ابن هشام :« فإنقلت : فإنك تقول : حدث لي أمر ، وعرض لي سفر . فعندي أن هذا الظرف- يعني : الجارُّ والمجرور- صفة المرفوع المتأخرتقدم عليه ، فصار حالاً ، فتعلقه أولاً وآخرًا بمحذوف ، وهو الكون المطلق . أو متعلقبالفعل المذكور على أنه مفعول لأجله ، والكلام في المفعول به » . والعلامة الثانية : أن يدل على حدوث صفة حسية ؛نحو قولك : طال الليل ، وقصر النهار ، وخلق الثوب ، ونظف ، وطهر ، ونجس . والعلامةالثالثة : أن يكون على وزن : فعُل ، بضم العين ؛ كظُرف المرءُ ، وشرُف . والعلامة الرابعة : أن يكون على وزن : انْفَعَلَ ؛ نحو قولك : انكسر الزجاج ، وانصرفالقوم . والعلامة الخامسة : أن يدل على عَرَضٍ ؛ كمرض زيدٌ ، وفرح ، وأشر ، وبطر . والعلامة السادسة والسابعة : أن يكون على وزن : فعَل ، بفتح العين . أو: فعِل .بكسر العين ، اللذين وصفُهما على : فعيل ؛ كذَلَّ فلانٌ فهو ذليل ، وسمِن فهو سمينٌ . قال ابن هشام :« ويدل على أن ذلَّ فعَل ، بالفتح ، قولهم : يذِلُّ ، بالكسر . وقلت فينحو : ذلَّ ، احترازًا من نحو : بخل ؛ فإنه يتعدى بالجار ، تقول : بخل بكذا » . وقالأيضًا :« فإن قلت: وكذلك تقول: ذل بالضرب، وسمن بكذا. قلت: المجروران مفعول لأجله،لا مفعول به » . النوع الثاني : أن يكون من الأفعال التي استغني عن مفعولها ،لقصد العموم . وهذا النوع من الأفعال هو الذي يعبر عنه علماء النحو بـ« أنه نُزِّلمنزلة الفعل اللازم » ؛ كالفعل : أبصر يبصر ، في قوله تعالى :﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ﴾(البقرة:17) ، والفعل : شاء ، في نحوقوله تعالى :﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾(البقرة:20(. فقوله تعالى :﴿ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ هو فعل متعد في الأصل ؛ ولكن حذفمفعوله لقصد عموم نفي المبصرات ، فتنزل الفعل منزلة اللازم ، ولا يقدَّر له مفعول ؛كأنه قيل : لا إحساس بصر لهم . وإلى هذا أشار الزمخشري بقوله :« والمفعول الساقطمن ﴿ لاَّ يُبْصِرُونَ ﴾ من قبيل المتروك المُطرَح الذي لا يلتفت إلى إخطارهبالبال ، لا من قبيل المقدر المنوي ؛ كأنَّ الفعل غير متعدٍّ أصلاً » . وكذلك فعلالمشيئة ، في نحو قوله تعالى :﴿ لو شَاءَ اللهُ لذَهَبَ بسَمْعِهِمْ ﴾(البقرة:20( ، فهذا فعلمُنزَّل منزلة اللازم ، ولا يجوز أن يُصَرَّح بمفعوله ، إلا في الشيء المستغرب ؛ كما فيقول الخُرَيْمي : فلو شئت أن أبكي دمًا لبكيته ** غليك ولكن ساحة الصبرأوسع فلو شئت أن أبكي لبكيت دمًا فإنه يحتمل تعليق المشيئة ببكاء الدمع، على مجرى العادة، وأن ما ذكره من بكاءالدم واقع بدله من غير قصد إليه ؛ وكأنه قال : لو شئت أن أبكي دمعًا ، لبكيت دمًا فهذا المعنى محتمل ، وإن كان تقييد البكاء في الجواب بالدم ، يدل دلالة ظاهرةعلى أنه المراد . فإذا ذكر المفعول ، زال هذا الاحتمال ، وصار الكلام نصًّا في المعنى الأول . وأما مصطلح ![]() النوع الأول : هو الذي يتعدى إلى واحد بنفسه تارة ، وبالجار تارةأخرى ؛ كشكر ، ونصح ، وقصد . تقول : شكرته وشكرت له ، ونصحته ونصحت له ، وقصدته وقصدت له ،وقصدت إليه . قال تعالى : ﴿ وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُتَعْبُدُونَ ﴾(النحل:114) ﴿ وََاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُتَعْبُدُونَ ﴾ (البقرة:172) النوع الثاني : هو الذي يتعدى إلى مفعول واحد دائمًابالجار ؛ كقولك : غضبت من زيد ، ومررت به ، أو عليه . النوع الثالث : هو الذي يتعدىإلى مفعولين: الأول بنفسه ، والثاني بأداة الجر؛ كقوله تعالى: ﴿ قَالَ يَا آدَمُأَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ ﴾(البقرة:33) ﴿ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِنكُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾(الأنعام:143) ﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ﴾(الحجر:51) وقد يحذف الحرف ، ويبقى المفعول الثاني . وقد يحذف كليهما ؛ لتقدمذكرهما ؛ كما في قوله تعالى : ﴿ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَهَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾(التحريم:3( 2-وواضح مماتقدم أنه لا يصح أن يطلق مصطلح ![]() وإلى هذا نبَّه ابن هشام في قوله الذي تقدم ذكره :« فإن قلت:فإنك تقول : حدث لي أمر ، وعرض لي سفر ، فعندي أن هذا الظرف صفة المرفوع المتأخر تقدمعليه ، فصار حالاً ؛ فتعلقه أولاً وآخرًا بمحذوف ، وهو الكون المطلق . أو متعلق بالفعلالمذكور على أنه مفعول لأجله ، والكلام في المفعول به » .وقوله أيضًا :« فإن قلت :وكذلك تقول : ذلَّ بالضرب ، وسمِن بكذا . قلت : المجروران مفعول لأجله ، لا مفعول به » . والملاحظ أن الدكتور الأنصاري في حديثه عن الفعل المتعدي بالحرف أنه خلط بينالمفعول به ، والمفعول فيه ، والمفعول لأجله ، دون تمييز ، فجعل كل فعل ذكر بعده أحد هذهالمفعولات ، أو غيرها مجرورًا بالحرف ، متعديًا بحرف الجر . ولم يكتف بذلك ؛ بل جعلالظرف ( مع ) بمنزلة حرف الجر . وقد كان الكوفيون يخلطون بين الظروف ، وحروف الجر ؛ فهيكلها عندهم حروف جر . 3- وسأكتفي في بيان ذلك بالحديث عن فعلين ذكرهما الدكتورالأنصاري في الفصل الثاني من كتابه ؛ وهما : الفعل : دخل ، والفعل : خرج . ![]() |
![]() |
#2 |
المشرف العام
![]() |
![]()
الفعلالأول : دخل :
قال الدكتور الأنصاري :« الفعل : دخل ، تنوعّت دلالاته ، تبعًا لتعدد تعديته بحروفالجر التي يكتسـب معهـا الفعل من معانيها الأصلية من الدلالات الموحية التي يعينعلى إبرازها السياق والمقام . وقد جاء في القرآن الكريم متعديًا بنفسه ؛ كما في قولهتعالى : ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾(لكهف:35) ﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾(النمل:34( وورد متعديا بـ( على ) ، و( في ) ، و( من ) ، و( الباء ) ، و( مع ) ، فدلَّعلى معان متباينة ، طبقًا للحرف المتعدَّى به . والدخول نقيض الخروج ، ويستعمل ذلكفي المكان والزمان ، وحقيقته كما يقول الطاهر بن عاشور : نفوذ الجسم في جسم . أو مكانمَحوط كالبيت والمسجد .. وحين تعدى فعل الدخول بـ( على ) ، دلّ حرف الاستعلاء علىارتفـاع المكان وإشـرافه وعلوه ، وأن الداخل ، أو المأمور بالدخول فيه مطالب بمزيد منالتحمل والصبر على ما يلاقيه من الضرر والمشقة ، وإن بقي لكل سياق مزيد خصوصية بماتشيعه تراكيبه من الدلالات والأغراض التي لا تجدها في السياق الآخر .. وبتأملمواطن تعدية الدخول بـ( على ) في القرآن الكريم ، نجد له الدلالة التي ذكرناها آنفا ،في قوله تعالى :﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّاالْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ﴾(آل عمران:37) . فـ( على ) بدلالته علىالاستعلاء ، يشير إلى ارتفاع المكان الذي فيه مريم- عليها السلام- وعلوه ، وقد نصّالمفسرون على أن زكريا- عليه السلام- بنى لها محرابًا في المسجد . أي : غرفة يصعد إليهـابسلم .. أو أن ( على ) توحي بمشقة زكريا عليه السلام ، وهو شيخ كبير في الوصولإليها ، ومعاناته في كفالته لها ، والقيام على رايتها حقّ الرعاية على أكمل وجه . ولنفس الغرض جاءت ( على ) حين تعدى بها فعل الدخول في قصة يوسف عليه السلام فيأربعة مواطن ؛ منها قوله تعالى : ﴿ وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِفَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾(يوسف:58) ﴿ وَلَمَّادَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾(يوسف:69) فهي تدل على ارتفاعمكان يوسف وعلوه ، وأنهم قد وجدوا من المشقة والصعاب ما وجدوه في سبيل الوصول إليه ،والدخول عليه » . ومن الأمثلة التي ذكرها على تعدي الفعل دخل بـ( مع ) قوله تعالى :﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ﴾(يوسف: 36). قال :« فدلت كلمة المصاحبة ( مع )على أن دخول هذين الفتيين السجن كان بمعية يوسف ، مصاحبين له ، ملحقين به . ولو رمت حذف ( مع ) من هذه الآية الكريمة ، فلن تجد هذه المعاني التي أومأت إليها كلمة المصاحبـةمـن أن دخـول الثلاثة السجن في آن واحد . ونشرت الباء بدلالتها على الإلصاقوالملابسة على فعل الدخول ، حين تعدَّى بها معنى الجماع في قوله تعالى : ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمبِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾)النساء:23) يقال : دخل بعروسه : جامعهـا . ومعنى دخلتم بهن : جامعتوهن ، وهو كناية عنالجماع . وقد أعانت الباء على تحقيق الكنايـة في قوله :﴿ دَخَلْتُمبِهِنَّ ﴾ ، بما لا يمكن أنتنهض به الحقيقة ؛ كما قدرها الزمخشري بقوله : يعني : أدخلتموهن الستر .. مما يدل علىقدرة هذه اللغة على الوفاء بآداب الإســلام ، ومــا يوجبـه مـن الترفـع عن التصريحبما يستحسن الكناية عنه ، إلى جانب ما جسدته الباء بما فيها من اللصوق والملابسة منالدلالة على شدة الارتباط ، والقرب الروحي ، والمخالطة النفسية بين الزوجين ، بما يحققالغاية من قوله تعالى :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْأَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْها ﴾(الروم: 21) ... » . هذا ما ذكره الدكتورالأنصاري عن تعدي الفعل دخل . والمعروف في اللغة والنحو : أنالفعل : دخل ، يستعمل لازمًا تارة ، ومتعديًا تارة أخرى . ومتعديًا ولازمًا تارةثالثة . أما كونه لازمًا فلأن مصدره على : فعول ، وهو غالب في الأفعال اللازمة ؛ولأن نظيره ونقيضه كذلك : عبر ، وخرج ، وكلاهما لازم . ويتعين كونه لازمًا ، إذاكان المدخول فيه مكانًا غير مختص ؛ كما في قوله تعالى : ﴿ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْمِن قَبْلِكُم ﴾(الأعراف:38) ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْادْخُلُواْ فِي السَّّلْمِ كَآفَّةً ﴾ (البقرة:208) فإذا كان المدخول فيهمكانًا مختصًّا ، فإما أن يكون ذلك المكان متسعًا جدًّا ، بحيث يكون كالبلد العظيم . أويكون ضيِّقًا جدًّا ، بحيث يكون الدخول فيه ولوجًا وتقحمًا . أو يكون وسطًابينهما . فإذا كان الأول - وهو أن يكون المكان متسعًا جدًّا- لم يكن من نصبه بدٌّ ؛ كقول العرب : دخلت الكوفة والحجاز والعراق . ويقبُح أن يقال : دخلت في الكوفة ، وفي الحجاز ، وفي العراق ؛ ومنه قوله تعالى : ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِيكَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ﴾(المائدة:21) ﴿ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَاكُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(النحل:32) وإذا كان الثاني- وهو أن يكون المكان ضيِّقًا جدًّا ، لم يكن من جره بدٌّ ؛كقولهم: دخلت في البئر . وإذا كان الثالث- وهو أن يكون المكان وسطًا بينهما ، جاز فيه النصب والجر ؛ كقولهم : دخلتالمسجد ، وفي المسجد . ونصبه أبلغ من جره ؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه أبي سعيد الخدري :« لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ .. » . وفي صحيح مسلم ورد بلفظ :« لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ » . وكذلك هو في سنن ابن ماجة . فجاء الفعل دخل ، معدّى إلى الجُحْر بنفسه تارة ، وبـ( في ) تارة أخرى . وجاز فيه ذلك ؛ لأنه من الأماكن المختصَّة التي تكون وسطًا بين المتسعة جدًّا ، والضيقة جدًّا . وقد وهم بعضهم حين ظن أن الجُحْر من الأماكن الضيقة ، وهو ليس منها ؛ لأن الدخول فيه لا يكون ولوجًا وتقحُّمًا ؛ كالدخول في البئر ، ونحوه ، فهو جُحْرٌ أُعِدَّ للإقامة والسكن . أما انتصابه فعلى المفعول به ، لا على نزعالخافض ؛ لأن الأصل في الفعل : دخل ، المُعدَّى إلى المكان المختص ، أن يُعَدَّى بنفسه ؛ كما في قوله تعالى على لسان النملة :﴿يَا أيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾(النمل: 18) وأما ما ذهب إليه الدكتور الأنصاري من القول بأن دخل يتعدي بالحرف ( على ) ، وأنه يدل على ارتفاع المكان وعلوه ، فهو كلام لا حقيقة تحته ؛ لأنه ، لا يُعدَّى بـ( على ) أصلاً . وقد يكون ما ذكره فضيلته من تعليل مقبولاً ، لو أن دخل من الأفعال التي تعدَّى إلى مفعولها بحرفين ، أو أكثر . أو كان منالأفعال التي تعدَّى إلى مفعولين أحدهما بأنفسها ، والثاني بوساطة حرف الجر ؛ فحينذفقط يمكن أن نختار من هذه الأحرف أنسبها للسياق ، ونعدِّي الفعل به ؛ كما كان الشأن فيغيره من الأفعال التي تقدم ذكرها من نحو قولهم : مررت به ، ومررت عليه . ولو افترضنا جدلاً أن دخل يعدَّى بـ( على ) ، وأنه يدل على علو المكان وارتفاعه ، فماذا يمكن أن نقول ، إذا كان المدخول عليه في كهف تحتالأرض ، وطلب منا الدخول عليه ؟ أنقول : دخلت فيه ، أو : دخلت معه ، أو دخلتبه ، أو دخلت عليه ... ؟ من البدهي أننا سنقول : دخلت عليه . فهل يشير ( على ) هنا معفعل الدخول إلى ارتفاع المكان وعلوه ؟ ولهذا أقول : ينبغي أن نفرق بين قولنا : أشرفتعلى القوم ومررت عليهم ، وبين قولنا : دخلت على القوم ، وألا نخلط بينها ؛ فالقوم في المثال الأول والثاني : مفعول في المعنى ، عُدِّيَ إليه الفعل بوساطة ( على ) ، خلافًا للقوم في القولالثالث ؛ فإنه اسم مجرور ، والمفعول به محذوف تقديره : دخلت المجلس على القوم ، أو : البيت ؛ ومثله قوله تعالى : ﴿ وَجَاءإِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ ﴾(يوسف:58) ﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِأَخَاهُ ﴾(يوسف:69) أي : دخلوا القصر عليه ، أو المجلس . وليس هذا ؛ لأن يوسف عليه السلام في مكانعال شريف . أو لأن الداخل عليه يلقى من المشقة ما يلقاه ؛ لأنك تقول : دخلت السجن على المجرم. ودخلت المكتب على الوزير. ودخلت الحجرة على والدي . ونحو ذلك مما ليسفيه علو ، أو مشقة . وأما قوله تعالى :﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ﴾(يوسف:36) فالمفعول به- هنا- هو : السجن . و أما ( معه ) فهو حال من الفاعل الداخل . وأصل الكلام : ودخلالسجن معه فتيان مصاحبين له . وهذا ما أشار إليه الزمخشري بقوله :« مع : يدلعلى معنى الصحبة واستحداثها . تقول : خرجت مع الأمير . تريد : مصاحبًا له . فيجب أن يكوندخولهما السجن مصاحبين له » . ولو أن الدكتور الأنصاري اتَّكأ في هذه الدراسة- كما قال- على الزمخشري ، لما وقع في هذا الخطأ ، ومثله . فتعلق ( مع )- هنا- بالفعل هو من تعلق المفعول فيه ، لا من تعلق المفعول به . ويخطىء كل من يقول : إن ( دخل ) يتعدَّى بـ( مع ) ؛ كما يخطىء كل من يقول : إنه يتعدَّى بـ( على ) . وأما قوله تعالى :﴿ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَجُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾(النساء:23) فالمفعول في الأصل محذوف ، تقديره : فإن لم تكونوادخلتم الستر بهن ؛ ولكن حذف المفعول ، وعدِّيَ بالباء ؛ لأنه كنِّيَّ بالدخول عنالجماع . وهذا ما أشار إليه أبو حيان بقوله :« الدخول- هنا- كناية عن الجماع لقولهم : بنى عليها ، وضرب عليها الحجاب . والباء للتعدية ، والمعنى : اللائي أدخلتموهن الستر .. قاله ابن عباس ، وطاوس ، وابن دينار » . فقوله تعالى :﴿ دَخَلْتُم بِهِنَّ ﴾ ، عدِّيالفعل فيه بالباء ؛ لأنه كُنِّيَ به عن الجماع ، لا لأن الفعل ( دخل ) يتعدى بالباء ،وهذا واضح . ولو كان الضمير المجرور بـ( على ) ، و( الباء )، و( مع ) يعود علىمفعول ( دخل ) الظاهر ، أو المضمر في الآيات السابقة ، لجاز لنا أن نقول : إنه تعدى إلىمفعولين : الأول بنفسه ، والثاني بحرف الجر . وهذا بعيد جدًّا . وأما قولهتعالى :﴿ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾(الفجر:29-30) فقال فيهأبو حيان :« تعدى ﴿ فَادْخُلِي ﴾ أولاً : بـ( في ) . وثانيًا : بغير( في ) ؛ وذلك أنه ، إذا كانالمدخول فيه غير ظرف حقيقي ، تعدت إليه بـ( في ) : دخلت في الأمر ، ودخلت في غمارالناس ؛ ومنه :﴿ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴾ . وإذا كان المدخول فيه ظرفًا حقيقيًّا ،تعدت إليه في الغالب بغير وساطة : في » . الفعل الثاني : خرج : ذكر الدكتورالأنصاري أن الفعل : خرج ، يتعدى بـ( من ) ، و( إلى ) ، و( على ) ، و( اللام ) ، و( مع ) ، و( في ) . ومن الأمثلة التي ذكرها : قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْمِن دِيَارِهِمْ ﴾(البقرة:243) ﴿ وَلَوْأَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ﴾(الحجرات:5) ﴿ فَخَرَجَعَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهٍِ ﴾(القصص:79) ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِوَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾(الأعراف:32( ﴿ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً﴾(الحشر:11) ﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّازَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾ (التوبة:47) أما القول بتعديته بـ( من ) ، و(إلى ) ، و( على ) فهو قول صحيح لا غبار عليه . وأما القول بتعديته بـ( اللام ) فيقوله تعالى :﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ ففيه خلط واضح بين : خرج ، و أخرج ؛ فالأول لازم يعدَّى بـ( إلى ) ، أو بـ( من ). والثاني يعدَّى بنفسه ؛ إذالهمزة فيه للتعدية ، و مفعوله محذوف يعود على :﴿ زِينَةَ اللّهِ ﴾المذكورة قبله ، و ﴿ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ المذكورة بعده . ولو كان عائدًا على الزينة فقط ، لوجب أن يقال ![]() وأما قوله بتعدية : خرج ، بـ( مع ) في قوله تعالى :﴿ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً﴾ فليس بشيء ؛ لأن التقدير : لئن أخرجتم لنخرجن معكم ، إلى حيث تخرجون . أي : مصاحبين لكم ؛ فالفعلمتعد إلى مفعوله المحذوف ، للعلم به ، بـ( إلى ) . وأما قوله تعالى :﴿ مَعَكُمْ﴾ فهو ظرف للحال ، مثله في قوله تعالى :﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ﴾ . وكذلك يقال في قوله تعالى :﴿ لَوْخَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾ ؛ لأن التقدير : لو خرجوا إليهمفيكم . أو إلى حيث يريدون . أما ( في ) من قوله تعالى :﴿ فِيكُم ﴾ فهي للظرفية المكانية ، وتعلقها بالفعل من تعلق الظرفبه . وأخيرًا أذكِّر القارىء الكريم بما بدأ بهالدكتور الأنصاري في مقدمة كتابه ، فقال :« إن أهمية هذا الموضوع تعود إلىأمرين : أولهما : لارتباطه بفقه الدلالة . وثانيهما : لدقة مسلكه وغموضه وخفائهعلى بعض العلماء » . وفي الختام أسأل الله تعالى أن يمنَّ على عباده بنعمة الفهم لمعانيكلامه ، وبنعمة الإدراك للكشف عن أسرار بيانه ، وصلى الله تعالى على نبينا محمد ، وعلى آلهوأصحابه ، وسلم تسليمًا كثيرًا . بقلم : محمد إسماعيل عتوك |
![]() ![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |