المرجع المدرسي: على المؤمن ان يستفيد من عمره بافضل طريقة ..

اكد سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله على ضرورة الاهتمام بالوقت والحرص عليه كونه عنصرا اساسيا من عناصر الفلاح في دارالدنيا والاخرة.
جاء ذلك في محاضرته الرمضانية اليومية والتي القاها على مسامع جمع غفير من العلماء والخطباء وطلبة العلوم الدينية ، وقال في سياق تدبره في الاية السابعة من سورة الروم وفي اطار شرحه لمفردة ( واجل مسمى): " علينا ان نحرص على اعمارنا واوقاتنا كما نحرص على اموالنا وثرواتنا بل اشد حرصا"
وتساءل سماحته بعد ابتداء حديثه بتلاوته لمجموعة من الايات القرانية من سورة الروم ، تسائل عن الموضوع الذي امرنا الله سبحانه وتعالى بالتفكر فيه وقال " ربنا سبحانه امرنا بالتفكر، لكن فيم يفكر الانسان، بعبارة اخرى ما هو محور تفكر الانسان؟ ربنا يجيب: (ما خلق الله السموات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمى) فهناك جانبان: اولاً جانب الحق و ثانيا الاجل المسمى"
وفي خلال تفسيره للمفردة القرانية (الا بالحق) قال: "ما هو معنى ان الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون بالحق؟
للاجابة على هذا السؤال لابد ان ندقق قليلاً في حرف الباء الوارد في بداية الكلمة، فكما يقول اهل اللغة فان لهذا الحرف 15 معنى في اللغة العربية، ومما جاء في الروايات ان امير المؤمنين علي عليه السلام فسّر لإبن عباس تفسير (باء) البسملة من الليل حتى الصباح، ثم قال له: (لو زادنا الليل لزدناك)، وجاء في الروايات ان علياً عليه السلام هو النقطة تحت الباء. فالباء فيها معانٍ كثيرة ودقيقة.
(الا بالحق)
فهنا معنى (بالحق) ربما يكون ان الله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق باطلا ولا عبثا بل لهدف وغاية - وقد وضحنا المعاني المختلفة لمفردة الحق في الليالي السابقة- ، فالاعمال في حقيقة الامر محركها الهدف والغاية فكلمة (بالحق) تدل على ان الخلق كان من اجل هدف وغاية وهذا الهدف – باختصار – لرحمة الانسان وتكامله (ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم)"

لكل شيء اجل وتاريخ مسمى

واستمر سماحته في بيان معنى الاجل المسمى وكيف أن الله خلق الخلق وعين له ولكل اجزائه وقتا واجلا لا يعدوه، ثم قال:" اذا كان الخلق من اجل هدف وغاية – كما بينا- فإذا تحقق ذلك الهدف انتفت اسباب بقائه وانتهى الأمر. وكمثال على ذلك نقول ان هذه الدنيا امتحان للانسان، فاذا امتحن كل امتحاناته، وانتهى الامتحان انتهى عمر الإنسان، لأن غايته في الحياة انتهت. وهذا ما نستفيده من الاية المباركة (او لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكَّر وجاءكم النذير).

المثالية الفيزيائية ونظرتها الى الدنيا

هناك مدرسة تسمى بالمثالية الفيزيائية تنكر ان في الدنيا شيء!!، قالوا بأننا حينما نظرنا الى الكون وجدناه يتكون من جزيئات، تتكون هي الاخرى من ذرات، وحينما نظرنا الى الذرة وجدنا انها مبتنية على الحركة، اذ تدور الالكترونات بمستويات مختلفة من الطاقة حول النواة الصغيرة جدا، واذا توقفت هذه الحركة فقدت الكثير من خواصها، اذن لا يمكن ان نؤمن بان الدنيا هي شيء!!، لكن نحن نقول بالعكس حينما رأينا ذلك عرفنا بأن الكون لا يمتلك الاختيار الذاتي من نفسه ولولا ارادة الله وعطاء الله المستمران سينتهي في اول لحظة، فالله هو الذي بقدرته وبارادته وبسننه يحرك هذه الذرات ولولا فيضه المستمر لا يبقى الكون لحظة واحدة.
فالدنيا ليست ثابته وليست متحركة، ولها ولحركتها اجل (واجل مسمى).
وما نستفيده ايضا من عبارة (واجل مسمى) ان لكل شيء اجل وكله معدود ومحصى ومعلوم، فالرمال في الصحاري والقفار ، قطرات الماء المتراكمة في البحار، عدد الحجر والمدر كله معلوم ، من جهة اخرى انفاسنا ولحظات عيوننا بل وحتى وساوس قلوبنا معلومة عند من لا تخفى عليه خافية ، ففي الدعاء (سبحان من يعلم وساس القلوب) ، وفي الدعاء ايضا (لا اله الا الله عدد لحظ العيون).
وهذا يرشدنا الى حقيقتين:
اولاً: اذا كان الاجل مسمى، والمدة محدودة فلابد ان نسعى سريعا من اجل الوصول الى الهدف والغاية، وكما يقول الامام علي عليه السلام: (وساعٍ سريعٍ نجى)
ثانيا: ان نستفيد من اعمارنا خير استفادة، فكما في الحديث الشريف ( ابغض الناس الى الله بطالٌ في النهار، جيفةٌ في الليل)، فلابد ان نكون حريصين على اعمارنا اشد حرص، ونراقب دقائق اعمارنا لكي لا نندم يوم القيامة. فكما قالت ام لقمان – وكانت حكيمة- لولدها ( اعلم .. من نام ليله يطول ندمه يوم القيامة)

التفكر سبيل الفلاح

وفي نهاية حديثه اكد سماحة المرجع المدرسي على ضرورة التفكر في ايات الله لكونه عبادة الهية وسبيل للفلاح، وقال: "المؤمن –كما جاء في الرواية- سكوته فكرة ونظرته عبرة وكلامه حكمة.
وعن الصادق ع: (كان اكثر عبادة ابي ذر التفكر في الخلق) فأبوذر لم يكن معصوماً لكن كلام المعصوم في حقه حجة علينا، اما طريقة تفكره فقد (كان يقف على الدار ويقول: اين بانوكِ، اين ساكنوكِ(
فكثير من الأشخاص ماتوا ودفنوا في الارض التي نمشي عليها، ثم محيت اثارهم ولا نعلم ذلك. وكما يقول الشاعر:

خفف الوطأ ما اظن اديم الارض من هذه الاجساد
رب لحد صار لحداً مرارا ضاحكا من تزاحم الاضداد

علينا ان نتفكر في كل لحظة، فالدنيا مدرسة بالنسبة للمؤمن. فالإمام الكاظم عليه السلام قال لهارون الرشيد (ما من شيء تقع عليه عينك الا ولك فيه عبرة)
كما دعى سماحته المؤمنين و بالخصوص الشباب الى التوجه بالدعاء و التبتل الى الله سبحانه وتعالى في صلاة الليل.

يعطيكم العافيه