![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
وفاة الإمام الحسن الزكي (ع)
- 2010/08/02 - بسم الله الرحمن الرحيم ورد عن النبي محمدٍ صلى الله عليه وآله أنه قال : "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " صدق الرسول الكريم اعتاد المفكّرون والمحلّلون أن يتحدثوا عن المقارنة بين المشروع الحسني والمشروع الحسيني، بين صلح الحسن وحركة الحسين -عليهما السلام- ، ونحن نتحدث عن جهة أخرى ، وهي المقارنة بين المشروع العلوي ( مشروع الإمام علي ) وبين مشروع الإمام الحسن - سلام الله عليه- ، لأن حركة الحسين ما هي إلا ثمرة وما هي إلا امتدادٌ لخط أبيه الإمام أمير المؤمنين - سلام الله عليه- ، فينبغي أن تعْقد المقارنة وأن يُعْقَد البحث بين المشروع العلوي وبين مشروع الإمام الحسن الزكي -صلوات الله وسلامه عليهما- . هنا أطروحة قد تنتقل إليها بعض الأذهان عند قراءة الصفحة العلوية والصفحة الحسنية : المشروعان مشروع علي ومشروع الحسن يلتقيان في الهدف ولكن يختلفان في الطريق - ربما يقول قائل هكذا-، الهدف المشترك بين الإمام علي والإمام الحسن : إيجاد المجتمع الصالح، إيجاد المجتمع الإسلامي الذي نادى به القرآن الكريم: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وقال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} هذا هو الهدف، المجتمع الصالح، ولكن ما هو الطريق لتحقيق هذا الهدف؟ المشروع العلوي يقول: الطريق يبدأ من الهرم لا من القاعدة، الطريق لتحقيق المجتمع الصالح هو إقامة الحكومة العادلة الرشيدة، فالطريق يبدأ من الهرم، وهذا ما ركّز عليه الإمام علي -عليه السلام- أنّنا نبدأ من الهرم من خلال إقامة الحكومة العادلة الرشيدة انطلاقًا من قوله تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} ، انطلاقًا من قوله تعالى: {إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان} ، ولذلك قال أمير المؤمنين -عليه السلام- : "أَما وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْ لا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَقِيامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النّاصِرِ، وَما أَخَذَ اللّهُ عَلَى الْعُلَماءِ أَلاَّ يُقارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظالِم، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم، لاَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلاَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز". إذن الطريق هو الهرم، هو إقامة الحكومة الرشيدة ولو كلّف هذا الطريق اختلاف الأمّة، ولو كلّف هذا الطريق حصول النزاعات بين أبناء الأمّة، المهم أن يتحقق هذا الطريق، هذا هو المشروع العلوي. أما المشروع الحسني فماذا يقول؟ يقول : لا، الطريق لتحقيق المجتمع الصالح هو إيجاد الوحدة الاجتماعية، إيجاد القوة الاجتماعية، المجتمع إذا عاش الوحدة،المجتمع إذا عاش التواصل والترابط صارت الوحدة الاجتماعية وصارت القوة الاجتماعية مصدرًا وطريقًا لتحقيق المجتمع الصالح، والقرآن نادى بهذا الطريق، القرآن الكريم يقول: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} ، التعارف يعني الوحدة الاجتماعية، القرآن الكريم يقول: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} ، القرآن الكريم يقول: {واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا}. الطريق إلى المجتمع الصالح هو الوحدة، وحدة الكلمة، وهذا ما ركّز عليه الإمام الحسن عندما قال: "إنّ الأمر الذي اختلفتُ فيه أنا ومعاوية هو حقٌ لي تركته لإصلاح أمر الأمّة وحقن دمائها" ، وقال: "إنّي خشيتُ أن يُجْتَثَّ المسلمون عن وجه الأرض ، فأردتُ أن يكون للدين ناعي". إذن الإمام الحسن يقول: المهم هو وحدة الكلمة، المهم هو ترابط المجتمع سواء كانت الحكومة رشيدة أو لم تكن رشيدة، المهم عندي هو هذا الطريق ، تحقيق الوحدة؛ لأن تحقيق الوحدة سوف يبعث على تبادل الطاقات وتبادل الخبرات وتبادل القدرات، وهذا ما يقود المجتمع إلى الصلاح، المجتمع العادل، المجتمع القرآني الذي طرحه القرآن الكريم. ربّما يقول قائل: المشروع العلوي أثبت فشله، لِمَ؟ لأن إصرار الإمام علي على إقامة الحكومة الرشيدة مهما كلّف الأمر خلق صراعات داخلية لا حدّ لها وقامت حروب طاحنة في صفوف المجتمع الإسلامي، إصرار الإمام علي على هذا الطريق منع الأمّة الإسلامية لمدّة خمس سنوات من أن تنفتح على الفتوحات الإسلامية وأن توسّع رقعة الامبراطورية الإسلامية لما كانت عليه في زمن الإمام علي -عليه السلام- . إصرار الإمام علي على هذا الطريق هو الذي عبّد الأرضية لوجود تيار التشكيك، فهناك تيّارٌ علويٌ وهناك تيّارٌ أمويٌ وهناك تيار ثالث وهو التشكيك في القيادة (لا حكم إلا لله لا لعلي ولا لمعاوية)، هذا التيّار الذي اعتبر الصراع بين علي ومعاوية صراعًا على الكرسي وليس صراعًا على هدفٍ سامٍ، هذا التيّار تيّار التشكيك حدث نتيجة الإصرار على مواصلة هذا الطريق وهو تحقيق الحكومة الرشيدة مهما كلّف الأمر. والطريق امتدّ إلى أن تناهى واستلمه من حوّله من خلافة راشدة إلى ملك عضوض، وهذا ما تنبّأ به الإمام أمير المؤمنين نفسه حينما قال: "سيخرج عليكم رجلٌ من بعدي طويل البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد ، ألا فاقتلوه ولن تقتلوه وإنّه يأمركم بسبّي والبراءة منّي فلا تتبرّؤوا مني فإنّي وُلِدْتُ على الفطرة وسبقت إلى الإسلام والهجرة". إذن إذا قارنّا مشروع علي مع مشروع الحسن -عليهما السلام- وجدنا أنّ المشروع الحسني هو الذي حقّق أهدافه وليس المشروع العلوي، ( هذه هي الأطروحة التي تقال عندما يُقَارَن بين المشروع العلوي والمشروع الحسني ). نحن ماذا نجيب عن هذه الأطروحة؟ ، عندنا أربعة إجابات علينا أن نقرأها بتأمّل وتمعّن: الإجابة الأولى ( حاجة الأمّة لمشروع الدولة الإسلامية) : الرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله- لا إشكال أنّه مات ولم يبني الدولة الإسلامية، الرسول كان في إطار الإعداد للدولة الإسلامية، كان في إطار التمهيد للدولة الإسلامية، ولكنّ الدولة بمعناها القانوني، بمعناها المعروف لم تحصل على زمن النبي -صلى الله عليه وآله- ، لم يسعفه الأجل أن يقيم الدولة الإسلامية بمعناها القانوني. إذن الرسول فارق الحياة وهو لم يتم بناء الدولة ولم يكمل بناء الجولة وحينئذ إذا كان الرسول لم يكمل بناء الدولة لا تشريعًا ولا تطبيقًا، ربما يقول قائل: الرسول شرّع ولكن لم يطبّق لأن الزمن لم يحالفه !! لا، حتى التشريع، الرسول لم يمهله الزمن أن يحقّق الدولة حتى تشريعًا فضلاً عن تطبيقًا، لم يمهله الزمن أن يحقّق الدولة الإسلامية حتى على مستوى التشريع فضلاً عن مستوى التطبيق، لماذا؟ أليس القرآن الكريم قد وضع المفاهيم والأسس العامة للدولة الإسلامية حيث قال: {إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} ؟ ، العدل هو الميزان، هو الأساس، هو الأصل العام للدولة الإسلامية. نقول: لا، العدل ماذا يعني؟ ، كثيرٌ من القوانين، كثيرٌ من التيّارات، كثيرٌ من الاتجاهات تنادي بالعدل، لكن ما هو العدل؟ العدل : إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، فلابد أن تطرح لائحة للحقوق قبل أن تَطرح العدل، قبل أن تطرح العدل لابد أن تكون عندك لائحة قانونية للحقوق ، لأن العدل يعني إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، فلابد قبل أن ننادي بالعدل، لابدّ لكلّ ملّة ولكلّ قانون قبل أن ينادي بالعدل أن يطرح لائحة للحقوق، | ما هي لائحة الحقوق؟| ، ثم ينادي بالعدل وهو إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه. ومن المعروف أنّ الدولة تتشكّل من سلطات ثلاث: تشريعية وتنفيذية وقضائية، وكلّ سلطة من هذه السلطات حقوق وعليها حقوق، والرسول لم يتعرّض لذلك أصلاً، الرسول لم يتعرّض لهذه السلطات الثلاث بتفاصيلها وبدقائقها وبسائر أحكامها، إذن الرسول لم يحقّق الجولة تشريعًا فضلاً عن مجال التطبيق. بالنتيجة: لِمن أوكل الرسول محمدٌ -صلى الله عليه وآله- هذه المهمة؟ ، لمن أوكل الرسول تحقيق هذا الحلم؟، لمن أوكل الرسول هذا الهدف ( مشروع الدولة الإسلامية على مستوى التشريع وعلى مستوى التطبيق )؟ ربّما يقول قائل: القرآن الكريم قد قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا} ، إذن الرسول أتمّ الدين، القرآن يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم}،يعني الرسول أكمل التشريع، إذن أكمل تشريع الدولة، فلماذا نخالف القرآن ونقول بأنّ الرسول لم يكمل التشريع؟ الجواب عن ذلك: الرسول أكمل تشريع الدولة لكن لا على المستوى العام، يعني لم يبلغ المسلمين بذلك لعدم قدرة الأمّة حينئذ على استيعاب هذا المشروع بتمام دقائقه وتمام تفاصيله وتمام أسراره، إذن أبلغ المشروع لمن؟ أبلغ المشروع لمن هو قادر على استيعابه تشريعًا وتطبيقًا، "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها" ، وكان أمير المؤمنين -عليه السلام- يقول: "علّمني رسول الله ألف باب من العلم من كلّ باب يفتح لي ألف باب"، إذن أكمل الرسول التشريع ولكن في ذهن علي -عليه السلام- ، وفي عقل علي -عليه السلام- وفي طاقات علي -عليه السلام- ، إذن هو أكمل التشريع بولاية وإمامة علي -عليه السلام- ، "ألا فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه". بناءً على ذلك ، الرسول فارق الأمّة والحلم لم يتحقّق (إنجاز مشروع الدولة الإسلامية)، أصبحت الأمّة في حاجة إلى تحقيق هذا المشروع، في حاجة ماسّة لتحقيق هذا الحلم، وممّن؟ ، لا من كلّ شخص، ممّن هو أعرف الناس بأسرار التشريع وأعرف الناس بدقائق التشريع وأعرف الناس بالفراغات التي يملؤها هذا الشخص بخبرته ومعرفته، وما ذلك إلا أن يقيم الحكومة الرشيدة (الدولة الإسلامية) الإمام علي أمير المؤمنين -صلوات الله وسلامه عليه- . إذن بعد أن جاءت الفرصة للإمام علي لم يرَ مجال إلاّ أن يتصدّى لإقامة الدولة الإسلامية، ليس عنده مشروع يخالف مشروع الإمام الحسن، لا، مشروعه ومشروع الإمام الحسن واحد، كلاهما يهدفان إلى تحقيق المجتمع الصالح وكلاهما يرى أنّ الطريق لتحقيق المجتمع الصالح هو من القاعدة وليس من الهرم، ولكن لو لم يتصدّى الإمام علي لإقامة هذا المشروع ولتحقيق هذا الحلم لبقيت حلقة من حلقات التشريع الإسلامي فارغة، لبقيت حلقة من حلقات التشريع الإسلامي ناقصة، وهي حلقة الدولة الإسلامية. إذن تصدّي الإمام بكلّ إصرار على أن يقيم هذا المشروع مهما كلّف من ثمن هو لتعبئة الفراغ التشريعي، هو لتعبئة لوح التشريع، هو لتعبئة القوانين الإسلامية، حتى يبقى للأجيال مشروعٌ جاهزٌ وهو مشروع الدولة الإسلامية لمن هو قادر على تطبيقه وعلى ترسيخه بين أبناء الأمّة الإسلامية. الإجابة الثانية : اختلاف الإمام الحسن وعلي -عليهما السلام- فرْضه اختلاف المرحلة ولم يكن بينهما تغايرٌ في المشروع ولا تبيان في الرؤية، ما معنى (فرضه اختلاف المرحلة)؟ هناك ثلاث ميزات توفّرت للإمام علي ولم تتوفّر للإمام الحسن -سلام الله عليهما- : الميزة الأولى ( النخبة الواعية من الصحابة ) :عليٌ -عليه السلام- أحاطت به نخبة من الصحابة ساندته وناصرته ووفقت إلى جانبه، عمار بن ياسر، هاشم المرقال، ثابت بن قيس، مالك الأشتر، محمد بن أبي بكر، ثلّة من الصحابة الواعين وقفوا إلى جانب علي، بعضهم يملك علمًا، بعضهم يملك قوة عسكرية، بعضهم يملك قوة عائلية، بعضهم يمتلك خبرة اجتماعية، احتفّت به نخبة واعية من الصحابة، لذلك جثا في مشروعه لأن النخبة إلى جانبه، والإمام الحسن فقد هذه النخبة عندما وصلت إليه الخلافة ووصلت إليه حكومة المسلمين وإمرة المؤمنين. الميزة الثانية: العرب لما أنّهم يعرفون من هو الإمام ، ولكن الأعراف الإسلامية كانت تسير نحو السنن ونحو التجربة التاريخية، المجتمع العربي يعرف أنّ الإمام الحسن كان إمامًا، الرسول الأعظم محمدٌ -صلى الله عليه وآله- قال: "ابناي هذان – أي: الحسن والحسين – إمامان قاما أو قعدا"، يعرفون أنّ الإمام الحسن إمامٌ، ولكن هناك عاملان مؤثّران عند العرب: 1- عامل السن . 2- عامل التجربة التاريخية . كلّما كان القائد أكبر سنًا كان التفاعل معه والانجذاب حوله أكثر من غيره، كلّما كان صاحب تجربة تاريخية معروفة أوجب ذلك الالتفاف حول لوائه وحول رايته. وهذا ما حدث، الإمام علي -عليه السلام- بقي معطّلا إلى أن ناهز عمره الستين وحينئذ التف من التف حوله وسانده من سانده، فعليٌ يمتلك عامل السن عندما استلم الخلافة، ويمتلك عامل التجربة التاريخية لأنّه هو الذي أقام الإسلام على سيفه وعلى جراحه وعلى يده، هو الذي خاض المعارك الطاحنة في سبيل إعلاء كلمة الله عزّ وجلّ، السنّ والتجربة مهّدت له الأرض وجعلت مقدارًا مهمًا كبيرًا من الأمّة الإسلامية ينجذب لشخصيته. أما لإمام الحسن -سلام الله عليه- وصلت إليه الأمور ولم يكن هذان العاملان متوفرين في شخصيته ممّا صار مدعاة لكثرة الاختلاف والقيل والقال والجرأة حتى على شخصيته المباركة -صلوات الله وسلامه عليه- . والميزة الثالثة: أنّ اللوبي الأموي بدأ منذ أيام الخليفة الثالث، بدأ هذا اللوبي يشتغل ويحاول شراء الضمائر، شراء الأديان، توزيع الأموال، اكتساب القبائل، نشر الأراجيف، نشر الدعايات، نشر الإشاعات الكاذبة، نشر الروايات المغلوطة، هذا اللوبي الأموي ظل مُحَارَبًا في زمن الإمام علي -عليه السلام- ، لكنّه تفاقم أمره وامتدّ خطره وتوسعت رقعته في عصر الإمام الحسن -صلوات الله وسلامه عليه- ، فصار عائقًا أمام أن ينتهج الإمام الحسن سبيل أبيه وطريق أبيه الإمام علي -عليه السلام- . إذن اختلاف المرحلة - مرحلة الإمام علي ومرحلة الإمام الحسن- ، اختلاف الظروف واختلاف العوامل هو الذي أوجب اختلاف الأسلوب، وإلا ليس عندنا مشروعان: مشروع الإمام علي ومشروع الإمام الحسن، وهما متغايران في الرؤية أو متغايران في طريق الوصول إلى الهدف. الإجابة الثالثة: الظروف القاسية عندما تقتل المشروع لا يعني هذا فشلاً في المشروع، عندما الظروف القاسية تفرض نفسها وتقتل أي مشروع معيّن أو تقتل أهداف أي مشروع هذا لا يعني أنّ القائد كان قائدًا فاشلاً أو لم يكن سياسيًا أو لم يكن محنّكًا ، لأن الظروف القاسية فرضت نفسها عليه وقتلت مشروعه وقضت على أهدافه وعطّلت رؤيته. تعثّر المشاريع تارة ينشأ عن قصور في القيادة، خلل في إدارتها، ضيق في أفقها، هنا نعم يكشف تعثّر المشروع عن أنّ القيادة لم تكن قيادة كفىء، وأمّا إذا كان تعثّر المشروع ناشئًا عن ظروف قاهرة وعوامل خارجية فرضت نفسها فهذا لا يعني أنّ القائد فشل ولم يكن محنّكًا ولم يكن سياسيًا، وكثيرٌ من الأقلام كتبت عن علي -عليه السلام- أنّه كان مفكّرًا ولم يكن سياسيًا، كان مُنَظّرًا ولم يكن رجل دولة، لأنه ما استطاع أن يحقّق مشروعه، لأنه ما استطاع أن يطبّق رؤيته في المجتمع الذي عاش فيه، إذن لم يكن سياسيًا ولم يكن رجل دولة وإنّما كان مُنَظِّرًا ومفكّرًا فقط. نحن نسأل: الرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله- بدأ بالدعوة في مكّة المكرّمة، وعاش ثلاثة عشر سنة في مكة ، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنّ الرسول ملاحَق، يذهب إلى الطائف يُوَاجَه، يرجع إلى مكّة يُحَارَب، كان الرسول يخرج فتلقى عليه القمامة والأوساخ والأشواك، هل هذا يعني أنّ الرسول فشل في مشروعه؟! ، هل هذا يعني أنّ الرسول لم يكن سياسيًا محنًكًا لأنه ما استطاع أن يحقّق مشروعه في مكّة المكرّمة؟! ، ظل ثلاثة عشر سنة يبلع الجرعات المؤلمة ويكابد المصاعب الخطيرة، هل هذا يعني أنّه لم يكن سياسيًا؟! الرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله- أخفق في معركة أحد، خاض الرسول معركة أحد ولكن هُزِم المسلمون في ذلك اليوم واعتدى المشركون على النبي وكسروا رباعيته - يعني كسروا أسنانه وجرحوه- حتى كاد أن يغمى عليه، فهل فشل المعركة يعني فشل القيادة؟! ، فهل فشل معركة ( أحد ) يعني أنّ الرسول لم يكن سياسيًا محنًكًا لأنه فشل في المعركة؟! الرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله- أسّس جيش أسامة -أكبر جيش في حياته- وأصرّ على أن يخرج هذا الجيش لقتال الروم ولكنّ الجيش لم يخرج ولم يسمعوا كلامه وتخلّفوا عن مقالته ، حتى قال: "نفّذوا جيش أسامة لعن الله من تخلّف عنه" ، وما صار ذلك إلا بعد وفاته، فهل هذا يعني خللاً في قيادته أو سوءًا في إدارته أو أنّه لم يكن سياسيًا محنًكًا؟! الظروف القاسية الناشئة عن عوامل خارجية قد تفرض نفسها وبالتالي فلا يمكن تحقيق المشروع نتيجة قسوة الظروف ، وهذا لا يعني فشلاً في القيادة، الإمام أمير المؤمنين -عليه السلام- أحيط بالأمويين قبل عهده وبعد عهده، يعني جاء عهده وهو محاط بالبطانة الأموية، عهد الخليفة الثالث مهّد الأرض للأمويين حتى قال عنهم الإمام -علي عليه السلام- : " اتخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً" ، أكلوا الأخضر واليابس، سيطروا على مقدّرات الأمّة وثرواتها. فالإمام جاء في عصر مليء بالفساد الإداري، مليء بهؤلاء الرأسماليين الذي سيطروا على الثروات وسيطروا على مصادر الثراء في الدولة الإسلامية، جاء لعصر والعوامل القاسية سبقت مجيئه وسبقت حكمه لا أنّها نشأت عنه، لم تنشأ هذه الإخفاقات عن مشروعه، وإنّما سبقت زمانه هذه العوامل، البطانة الأموية التي سيطرت على الأمّة سبقت زمان علي -عليه السلام- وهي التي أدّت إلى قتل كثير من الأهداف وقتل كثير من المشاريع، فهذا الإخفاق لم ينشأ عن مشروعه وإنّما نشأ عن الظروف القاسية وعن العوامل القاهرة التي أحاطت بزمانه صلوات الله وسلامه عليه. الإجابة الرابعة والأخيرة: كثيرٌ من الأقلام تعتقد أنّ السياسة هي أنّ تحقّق مشروعك في الظرف الذي تعيش فيه، السياسي من هو؟ { السياسي هو الذي يستطيع أن يستقطب المجتمع، وأمّا الشخص الذي ينفر منه المجتمع ويقول: "ما ترك لي الحق من صديق" فهو ليس سياسيًا، الذي يقول: "إنّني لا يزيدني تفرّق الناس عنّي وحشةً ولا اجتماعهم عليّ ألفةً" هذا ليس سياسيًا. السياسي هو القادر على استقطاب المجتمع، هو القادر على أن يطوّع الزمن ويطوّع الظروف لمشاريعه، وأمّا إذا لم يستطع تطويع الزمن وتطويع الظروف وإخضاعها لمشاريعه فهو ليس سياسيًا، السياسي هو القادر على أن يخلق مشروعًا بقدر زمنه وبقدر مجتمعه لا أكثر من ذلك، فإذا كان مشروعه فوق الزمن وفوق الظروف، كان حجم مشروعه فوق حجم المجتمع ، إذن هو ليس سياسيًا } . هذا المنطق هو الذي عُرّفَ به السياسي، وعلى أساس هذا المنطق يكون معاوية أبرز الساسة وأبرز السياسيين لأنه استطاع أن يستقطب المقدار الأكبر من المجتمع واستطاع أن يحقّق مشروعه في إطار زمنه وفي إطار ظرفه وفي إطار مجتمعه، وبالتالي يخرج كثيرٌ من العظماء عن مفهوم السياسة، عليٌ وحتى الحسن، الإمام الحسن سلّم الأمر لمعاوية وأصبح معزولاً فهو لم يحقّق أهدافه. إذن هو ليس سياسيًا، عليٌ والحسن والحسين لم يكونوا سياسيين لأنهم لم يحقّقوا مشاريعهم، وكثيرٌ من أبطال هذا العصر يعتبرونهم غير سياسيين، مثلاً: عمر المختار، الشيخ أحمد ياسين، لم يستطيعوا أن يحقٌقوا مشاريعهم في أزمنتهم وظروفهم، إذن ليسوا سياسيين لأن السياسي هو من يستطيع استقطاب مجتمعه ومن يستطيع تحقيق مشروعه في إطار زمنه وإلا فليس سياسيًا. هذا مفهومٌ خاطئ، السياسي : هو القادر على تحقيق أهدافه في أطول فترة ممكنة، السياسي هو القادر على أن يحقّق أهدافه لمدّة أطول ولمدّة أبعد، السياسي هو القادر على أن يضع أهدافه على التاريخ فيسير بها التاريخ مهما تغيّرت ظروفه ومهما تغيّر مجتمعه، أنا عندما يكون لي هدف وأُخضع أهدافي إلى الزمن وأخضع أهدافي للظروف . إذن سوف تكون أهدافي مرهونة بالظروف، فإذا تغيّرت الظروف تلاشت أهدافي وتبعثرت، لأنّني أخضعت أهدافي للظروف التي أعيشها، أخضعت أهدافي للزمن الذي أعيشه، فإذا تلاشى هذا الزمن وتلاشت هذه الظروف تلاشت أهدافي أيضًا، أما السياسي الطموح فهو الذي يضع أهدافه بشكل لا تتغيّر بتغيّر الزمن ولا تتغير بتغير الظروف، مهما تغيرت الظروف ومهما تغيرت المجتمعات فإنّ أهدافه خالدة وثابتة وباقية. وهذا ما فعله الإمام عليٌ -عليه السلام- ، الإمام علي قرأ الظروف التي يعيشها ولكن قال: | لو استسلمت لهذه الظروف وقصّرت بعض الأهداف وحذفت بعض الأهداف الأخرى وتنازلت لهذه الظروف وركعت أمامها فأنا لن أصبح عليًا، سأخرج عن كوني عليًا|، لماذا؟ لأني أخضعتُ أهدافي للظروف، أخضعتُ مشاريعي للظروف، سوف أخرج عن كوني عليًا، عليٌّ المعروف بصلابة الموقف، بقوة العزم والحزم الذي يقول عنه الرسول محمدٌ- صلى الله عليه وآله- : "عليٌ مع الحق والحقُ مع علي" ، عليٌ يقول:المهم أن أحقّق أهدافي سواء في زمني أو ما بعد زمني، السياسي مَنْ يحقّق أهدافه سواء في زمنه أو في زمن آخر، أنا حقّقت أهدافي ولكن في زمن أطول وفي زمن أبعد، معاوية حقّق أهدافه لكن لمدّة عشرين سنة عاشها، أمّا أنا فحقّقت أهدافي لمدّة آلاف السنين، السياسي هو مَنْ يحقّق أهدافه لمدّة أبعد ولمدّة أطول، هو الذي يرسم أهدافه بحيث لا تتغيّر بتغيّر الظروف ولا بتغيّر المجتمعات. "واللهِ لو أعْطِيت الأقاليم السبعة على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، واللهِ لو كان المالُ لي لساويت بينهم فكيف والمال مال الله" ، عليٌ -عليه السلام- سياسيٌ كسياسة الرسول -صلى الله عليه وآله- ، لأنه رسم أهدافه على جبهة التاريخ، وهذا معاوية كانت أهدافه بقدر عشرين سنة وأمّا عليٌ فأهدافه فبقدر ملايين السنين، مهما تغيّرت الظروف فعليٌ قدوة للأبطال. إذن عليٌ -عليه السلام- حقّق مشروعه على مستوى زمانه أيضًا وعلى المستوى الآخر. أما على مستوى زمانه : فهو قد أسّس طليعة من المجاهدين والأبطال : رشيد الهجري، ميثم التمار، حبيب بن المظاهرالأسدي، كميل بن زياد، سلمان الفارسي، أبو ذر الغفاري...الخ ، كلّ هؤلاء أسّسهم الإمام علي، تأسيس هؤلاء، إعطاء الأمّة هذه الطليعة من الأبطال ومن العلماء هو تحقيقٌ للهدف في زمانه -عليه السلام- ، وحقّق أهدافه لما هو أبعد من زمانه عندما أنشأ مشروع الدولة الإسلامية تشريعًا من خلال عهده لمالك الأشتر ، وتطبيقًا من خلال تفاصيل حياته ساعة بساعة ويومًا بيوم ومن خلال فكره العظيم الخالد الباقي إلى يومنا هذا. وهكذا الإمام الحسن -سلام الله عليه- ، صحيحٌ أنه صالح معاوية لكنّه أعدّ النخبة وربّى الأمّة، ربّى : بني هاشم ،العباس بن علي، محمد بن الحنفية، هؤلاء الأبطال الذين تخرّجوا على يديه -صلوات الله وسلامه عليه- ربّاهم وتفرّغ لتربيتهم وإعدادهم حتى أصبحوا أرضية ورصيدًا صالحًا لثورة الحسين ولحركة الحسين عليه السلام ، فصلْح الحسن كان له الفضل في ثورة الحسين وكانت له اليد البيضاء في ثورة الحسين لأنّه عبّد الأرض ومهّد الأجواء لحركة أخيه الإمام الحسين -صلوات الله وسلامه عليهما- . الإمام الحسن كتب إليه معاوية بن أبي سفيان: "يا أبا محمد! أنا خير منك لأن الأمّة أجمعت عليّ ولم تجمع عليك" ، يعني هذا مفهوم السياسة الذي طرحناه ، أصبح الناس معي وليسوا معك، "لأن الأمّة أجمع عليّ ولم تجمع عليك" . فكتب إليه الإمام الحسن ليرشدنا إلى معنى السياسة والمفهوم الحقيقي للسياسة، قال: "إنّ الذين أجمعوا عليك بين مكرهٍ ومطيعٍ، فأمّا المكره فهو معذورٌ في كتاب الله، وأمّا المطيع فهو عاصٍ لله، وأنا لا أقول أنا خير منك ، لأنه لا خير فيك ، فإنّ الله قدبرّأني من الرذائل كما برأك من الفضائل ". والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين ![]() |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |