![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
ليلة 28 : تجليات الرحمة المحمدية
- 2010/07/29 - ليلة 28 : تجليات الرحمة المحمدية 28 / 2 / 1431 هـ بسم الله الرحمن الرحيم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} آمنا بالله صدق الله العلي العظيم انطلاقا من الآية المباركة نتحدث في محاور ثلاثة: 1- في حقيقة النبوة والحاجة إليها. 2- وفي بيان الرحمة المحمدية. 3- وفي عرض مظاهر الرحمة في خلقه صلوات الله وسلامه عليه وآله. المحور الأول: ما هي حقيقة النبوة؟ وما هو الفرق بين النبي والرسول؟ وما هي الحاجة لوجود الأنبياء؟ حقيقة النبوة :هي عبارة عن اتصال ملكوتي بين الإنسان وبين عالم الغيب، الاتصال قد يكون اتصالا ملكيًا وقد يكون اتصالا ملكوتيًا، الاتصال بين الأجساد، بين الأجسام، هذا اتصال ملكي اتصال مادي، عندما أصافحك بيدي هذا الاتصال اتصال ملكي، اتصال مادي. ولكن عندما أراك في عالم الرؤيا وتكون الرؤيا رؤيا صادقة، عندما أراك في عالم الرؤيا أمشي معك أو أسافر معك وتتحقق هذه الرؤيا بعد ذلك في الخارج اتصالي بك في عالم الرؤيا ليس اتصالا ملكيا ليس اتصالا ماديا وإنما هو اتصال ملكوتي أي اتصال بين الأرواح وليس اتصالا بين الأجساد، فالاتصال بين الأجساد يسمى اتصال ملكي لأنه اتصال مادي أما الاتصال بين الأرواح يسمى اتصالا ملكوتيا لأنه وراء عالم المادة. النبوة حقيقتها هي الاتصال بما وراء عالم المادة اتصال هذا النبي بعالم الغيب اتصال ملكوتي وهذا هو النبوة التي عبر عنها القرآن الكريم بقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} إذًا النبوة هي اتصال لملكوتي بعالم الغيب، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا}. الفرق بين النبي وبين الرسول : بعضهم يتصور أن الفرق بين النبي والرسول أن النبي هو الذي لا يؤمر بالتبليغ بينما الرسول هو الذي يؤمر بالتبليغ يعني النبي يوحى إليه ولكن لا يؤمر بتبليغ الأوامر إلى الناس والرسول يوحى إليه ويؤمر بتبليغ الأوامر إلى الناس فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً. الصحيح لا، حتى الأنبياء مأمورون بالتبليغ، لا فرق بين الأنبياء وبين الرسل من هذه الجهة، كما أن الرسل مأمورون بالتبليغ الأنبياء أيضًا مأمورون بالتبليغ، قال تبارك وتعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} يعني مأمورين بالتبليغ، {فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}، إذًا الأنبياء والرسل كلاهما يؤدي مهمة التبليغ فما هو الفرق بين النبي والرسول؟ النبي مأمور بالتبليغ والرسول مأمور بالتبليغ ولكن الرسول هو الذي اقترن تبليغه بالوعيد، كل نبي ينذر قومه بالوعيد يعني يعدهم بالعذاب يسمى رسولاً، الرسول هو المأمور بالتبليغ وبأن ينذر قومه بالوعيد، أي أنه يعد قومه بحلول العذاب عليهم إن لم يؤمنوا برسالته، إذا وعد قومه بحلول العذاب كان رسولاً ولذلك القرآن يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}؛ لأن الرسول هو الذي يأتي بالوعيد، فإذا أتاهم الرسول بالوعيد ووعدهم بالعذاب حينئذ يكونون مؤهلين لوقوع العذاب {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} وقال تبارك وتعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}. إذًا الرسول هو النبي إنما الرسول يؤمر مضافًا إلى تبليغ الرسالة بوعيد قومه بحلول العذاب، فإذا وعد قومه بحلول العذاب استحق قومه حلول العذاب عليهم عند إذن الله تبارك وتعالى بمشيئته، بالنسبة إلى نبينا نبي الرحمة محمد -صلى الله عليه وآله- مع أن الأمة في زمانه استحقت نزول العذاب لإصرار المشركين على شركهم لكنه لأجل كونه رحمة -صلى الله عليه وآله- قال تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} يعني هم مستحقون للعذاب، وصلوا إلى مرحلة الاستحقاق، الذي منع من حلول العذاب عليهم وجودكم بين ظهرانيهم {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}. الحاجة إلى النبوة : علماء الكلام ذكروا في بيان الحاجة لوجود الأنبياء ثلاثة أمور التفتوا إليها: الأمر الأول: أن المجتمع البشري مثار الاختلاف، كيف يعني أن المجتمع البشري مثار الاختلاف؟ أنت إذا ألقيت نظرة على أي مجتمع ماذا ترى؟ ترى المجتمع متنافس على الثروات، متنافس على المناصب، متنافس على المواقع، هذا طبيعي في كل مجتمع، كل مجتمع هو مبعث للتنافس، التنافس على الثروات، التنافس على المواقع، التنافس على المناصب، المجتمع البشري منشأ للاختلاف لأن المجتمع البشري منشأ للتنافس على الثروات والمواقع والمناصب، والتنافس يؤدي إلى الاختلاف واستبداد القوي بالضعيف وسيطرة القوي على الضعيف. قال تبارك وتعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} المجتمع البشري يبقى مختلف، {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} لماذا لا يزالون مختلفين؟ لأن المجتمع البشري يقودهم على التنافس والتنافس يقودهم إلى الاختلاف فالاختلاف الحادث بين أبناء البشرية هو نتيجة التنافس على الثروات والمواقع والمناصب، هذا الأمر الأول. الأمر الثاني: ما هو الحل لهذا الاختلاف؟ ما هو العلاج لهذا الاختلاف؟ المجتمع البشري يفترض التنافس والتنافس يفترض الاختلاف فما هو العلاج لهذا الاختلاف؟ علاج هذا الاختلاف بانتشار قيم العدالة إذا انتشرت قيم العادلة تضيقت دائرة الاختلاف، ما هي قيم العادلة ؟ ، الصدق، الأمانة، الإنصاف، أن تنصف الآخر بمعنى أن تحترم كرامته، تحترم ماله، تحترم دمه، تحترم عرضه، لو انتشرت هذه القيم بين المجتمع البشري والتزم المجتمع البشري بهذه القيم -الصدق، الأمانة، الإنصاف، القسط- لانتهى الاختلاف وأصبح المجتمع البشري متوائمًا متوازنًا متكاملاً. إذن العلاج للاختلاف هو انتشار قيم العدالة، وقيم العادلة كما ذكرناها : الصدق والأمانة والإنصاف والقسط، هذه القيم يا إخوان هي قيم فطرية، الفطرة هي تدعو إلى هذه القيم، ولذلك الدين والطفرة متحدان، كما أن العقل يدعو إلى احترام هذه القيم ونشر هذه القيم الدين أيضًا يدعو إلى نشر هذه القيم واحترام هذه القيم. فالدين والفطرة متطابقان، قال تبارك وتعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} وقال تبارك وتعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وقال تبارك وتعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}. إذن نحن نحتاج إلى القيم التي ترفع الاختلاف وهذه الحاجة حاجة فطرية تدل عليها الفطرة ويدل عليها الدين. الأمر الثالث: لماذا لا نكتفي بالفطرة؟ لماذا يأتي الأنبياء وتنزل كتب من السماء ويُبْعَث رسل مادامت الفطرة قاضية بذلك ؟، مادام العقل البشري الفطري هو القاضي بذلك، هو الذي يقول: العلاج للاختلاف هو انتشار قيم العدالة، إذًن العقل الفطري كافٍ فلا نحتاج إلى أنبياء ولا إلى رسل، إذًا ما هي الحاجة إلى الأنبياء والرسل؟ ، لو تركت البشرية من دون أنبياء، من دون رسل لاختلفت هذه القيم، لماذا؟ لأن الإنسان بطبعه ميال إلى الظلم، الإنسان بطبعه ميال إلى أن يأتمر بدواعيه الشهوية وبغرائزه الشهوية، القرآن الكريم يقول: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} الإنسان بطبعه ينقاد على الدواعي الشهوية وإذا انقاد على الدواعي الشهوية ظلم الآخرين، وإذا ظلم الآخرين اختلت هذه القيم قيم العدالة من صدق وأمانة وإنصاف وقسط. ¬¬المتنبي يقول: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم الإنسان بطبعه ميال إلى أن يجري وراء شهوته ميال على أن يظلم ميال إلى أن يعتدي على الآخر إما بقول أو بفعل لأنه أسير لشهواته أسير لغرائزه من هنا نحن نحتاج إلى ضمان، ضمان هذه القيم، لو تركت البشرية وحدها لضاعت قيم العدالة، فاحتاجت البشرية إلى ضمان لوجود هذه القيم وتفعيل هذه القيم والضمان هو بعث الأنبياء والرسل. إذن الحاجة إلى الأنبياء والرسل هي الحاجة لدعم القيم الفطرية، الحاجة للأنبياء والرسل هي الحاجة لضمان تفعيل القيم الفطرية، كيف استطاع الأنبياء والرسل أن يفعلوا القيم الفطرية، أن يدعموا القيم الفطرية؟ من خلال أمرين: 1- التوحيد. 2- الوعيد ليوم الآخرة. أما التوحيد : لاحظوا علاقتنا كلها علاقات مادية كلها علاقات تجارية أحترمك حتى تحترمني لا أحترمك لوجه الله لا أصالحك حتى تصالحني علاقتنا كلها مبينة على ميزان الربح والخسارة على ميزان الدواعي المادية والدواعي الشهوية ليست علاقاتنا مبنية على الصفاء والطهارة والنقاء. لأجل ذلك لو تركت البشرية وحدها لم تلتزم بالقيم الفطرية لأن علاقتها ستكون علاقات مادية علاقات تجارية، من هنا جاء الأنبياء والرسل ليؤكدوا على مبدأ التوحيد، لأن مبدأ التوحيد يعين أن تكون علاقتنا لله لا لدواعٍ ولا لمصالح شخصية ولا لمصالح مادية. {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} تصفية العلاقات تطهير العلاقات جعل العلاقات الإنسانية علاقات نقية لا يتم إلا بمبدأ التوحيد لو لم يكن هناك توحيد لأصبحت العلاقات البشرية علاقات مادية تدور مدار الربح والخسارة وهذا يشكل خطرًا على القيم الفطرية. إذن من أجل ضمان تفعيل القيم الفطرية جاء الأنبياء والرسل وأضافوا أمرًا ألا وهو التوحيد لكي يضمنوا بذلك صفاء العلاقات البشرية ونقاءها وطهارتها، هذا الأمر الأول. الأمر الثاني، الوعيد : ما الذي يدفعني للصدق؟ أنا إنسان لو تركت ما أكون صادق، ما الذي يدفعني للصدق؟ ما الذي يدفعني للأمانة؟ ما الذي يدفعني للعدالة؟ ما الذي يدفعني لإنصاف الآخرين؟ الدافع لي نحو الصدق والأمانة والإنصاف خوف الوعيد، خوف يوم الآخرة خوف يوم القيامة، {إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. إذًن الأنبياء والرسل أتوا بدافع آخر لتفعيل القيم الفطرية ألا وهو خوف الوعيد، خوف العذاب، خوف اليوم الآخر. إذن من هنا يتبين لنا يا إخوان ما هي الحاجة للأنبياء والرسل، الحاجة للأنبياء والرسل أن المجتمع البشري يحتاج إلى القيم الفطرية والقيم الفطرية لا يمكن تفعيلها ولا تطبيقها إلا بداعمين: 1- التوحيد، بأن تكون علاقاتنا لله. 2- خوف الوعيد، لكي نضمن انقياد المجتمع البشري نحو هذه القيم الفطرية. لذلك قال تبارك وتعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ – لأي شيء؟ – لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} يعني لتنتشر قيم العدالة، وقال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: "فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته" يعني لحيوا القيم الفطرية، "ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم بمنسي نعمته ويثيروا فيهم دفائن العقول" يعني الناس عندها قيم فطرية، عندها قيم عقلية، الأنبياء وظيفتهم إثارة دفائن العقول، تفعيل القيم الفطرية، "ويثيروا فيهم دفائن العقول" . وهذا ما قصده النبي محمد -صلى الله عليه وآله- عندما قال: "إنما بعثت لأتمم..." يعني الناس عندها داعي إلى القيم الفطرية ولكن دور الأنبياء دور التتميم والتكميل، "لأتمم مكارم الأخلاق". المحور الثاني :هناك أنبياء وهناك رسل وهناك أولو العزم وهم أولو الشرائع الذين عبر عنهم القرآن الكريم بقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}، وقال القرآن الكريم: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} هؤلاء هم أولو العزم وخير الأنبياء والرسل وسيدهم سيد البشرية محمد -صلى الله عليه وآله- الذي تميز على الأنبياء والرسل بهذه الآية التي افتتحنا بها: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ{ . هنا قد يتساءل الإنسان: كيف يكون النبي رحمة للعالمين؟ رحمة للإنس، للجن، للملائكة، للطير، للحيوان، للنبات، للجماد، كيف يكون النبي رحمة للعالمين جميعًا؟ كيف يتحقق ذلك؟ هناك مبدأ ذكره كثير من علمائنا وهو ما يسمى بالحقيقة المحمدية، ما معنى الحقيقة المحمدية؟ هناك أمور ثلاثة أذكرها لك حتى نفهم معنى الحقيقة المحمدية : الأمر الأول : الفلاسفة يقولون: كل موجود يمر بمرحلتين: 1- مرحلة وجود إجمالي. 2- ومرحلة وجود تفصيلي. أضرب لك مثال: الشجرة المثمرة، هذه الشجرة المثمرة أين كانت؟ كانت مختصرة ضمن البذرة، يعني البذرة كانت شجرة لكن كانت وجودًا إجماليًا للشجرة ثم ذلك الوجود الإجمالي انبثق وتحول على ذلك الوجود التفصيلي، الإنسان نفسه، الإنسان العملاق الذي غزا الفضاء وسيطر على الكون، أين كان؟ كان مختصر في نطفة، نطفة منوية، هذا الإنسان كله كان ضمن نطفة. السي دي (cd) الذي يشتمل على أفلام ومسلسلات ومحاضرات، هذه الأفلام والمسلسلات كلها مختصرة في سي دي، هذا الإنسان أيضًا، الإنسان العملاق كان مختصر في سي دي وهو القطرة المنوية، النطفة المنوية، كان مختصر في نطفة، يعني الإنسان مر بوجودين: 1- وجود إجمالي: كان مختصر ضمن نطفة صغيرة. 2- أصبح الآن وجود تفصيلي، أصبح عملاقًا وكان نطفة. ما بال من أوله نطفة وجيفة آخره يفخر ما لي ابن آدم والفخرُ ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أوله نطفة قذرة وآخره جيفة نذرة وهو ما بينهما يحمل العذرة" هذا الإنسان كان مختصرًا ضمن نطفة، إذن تحول من وجود إجمالي في تلك نطفة إلى وجود تفصيلي. الكون كله، كل هذا الكون كان له وجود إجمالي ثم تحول إلى وجود تفصيلي، اقرأ الآيات المباركة، مثلاً قوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} يعني هذه الأشياء كلها كانت موجودة ولكن كانت موجودة في الخزانة، كانت موجودة وجودًا إجماليًا ثم أنزلناه إلى عالم المادة فأصبحت موجودة وجودًا تفصيليًا، {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}. وقال في آية أخرى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وقال في آية ثالثة: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}. إذن هذا الوجود كله مر بمرحلتين: مرحلة وجود إجمالي، ومرحلة وجود تفصيلي، ما كان سماء ولا أرض ولا جماد ولا نبات، كان وجود واحد وهو الوجود الإجمالي، ثم فصل فصار جمادًا ونباتًا وإنسانًا وملكًا وجنًا، هذه التفاصيل جاءت في الوجود التفصيلي أما الوجود الإجمالي كان وجود واحد للكون كله، هذا يعبروا عنه الفلاسفة بالفيض الأقدس والفيض المقدس، يعني الوجود الإجمالي للكون كله يسمى فيضًا أقدسًا، الوجود التفصيلي يسمى فيضًا مقدسًا، هذا الأمر الأول. الأمر الثاني : الفيض الأقدس – يعني الوجود الإجمالي للكون كله – ما هي مادته التي خلق منها؟ ، الوجود التفصيلي نعرف مادته، مادته هي الطين، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ}، مادة الوجود التفصيلي الطين والماء {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء}، لكن مادة الوجود الإجمالي ما هي؟ الوجود الإجمالي، الفيض الأقدس ما هي مادته؟ ما هي المادة التي انبثق منها؟ نور محمد وآل محمد -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، وهذا حديث الأنوار مو بس احنا نقوله، حتى بعض علماء إخواننا أخل السنة مثل الإمام أحمد بن حنبل يذكر في مسنده أحاديث عالم الأنوار، "أول ما خلق الله نوري" يذكر هذا الحديث، ويذكر أيضًا: "خلق الله نوري ونور علي قبل أن يخلق الكون بألفي عام"، "خلقكم الله أنوارًا فجعلكم بعرشه محدقين حتى من علينا بكم فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه" . وتقول في زيارة الحسين عليه السلام: "أشهد أنك كنت نورًا..."، الحقيقة المحمدية هي النور الذي كان مادة للفيض الأقدس، الذي كان مادة للوجود الإجمالي، من نوره انبثق الوجود الإجمالي للكون. وهذا ما ذكره سيدنا الخوئي في فقهه تبعًا لشيخه المحقق الأصفهاني -قدس سرهما-، وهذا المحقق الأصفهاني معروف بشعره الذي أكد فيه على الحقيقة النورية المحمدية: أشرق كالشمس بغير حاجب من مشرق الوجوب نور الواجبِ وقد تجلى من سماء العظمة مـن عـالـم الأسـمـاء أسمى كلمة كل نور في ساحة الكون بادي هو من فضل خير العبادِ أحمد المصطفى من الله قــدمًا قبل خلقِ العهود والآبــادِ الأمر الثالث :عرفنا الحقيقة المحمدية، هي المادة النورية التي انبثق منها الكون، ولكن يقول علماء العرفان: -لكل حقيقة رقيقة-، ما معنى (لكل حقيقة رقيقة)؟ يعني كل شيء له نبع، إذا وصلت إلى النبع الذي يمده وصلت إلى الرقيقة، مثلاً نحن نجد النور ولكن نحن لا ندرك النبع الذي وراء هذا النور، يعني لم نصل إلى رقيقة حقيقة النور، القرآن الكريم يقول: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ}، -نوره- هو الرقيقة، رقية الحقيقة، {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء}، هذه الأنوار إذا عرفتها وصلت إلى نبعها وهو الشجرة الزيتونة فقد وصلت إلى رقيقة الحقيقة وإلا فلم تصل إلى رقيقة الحقيقة. هذا الوجود كله، من لم يشعر برحمة محمدٍ -صلى الله عليه وآله- لم يصل إلى رقيقة الحقيقة، هناك مع الأسف كثير من المسلمين لا يهمهم هذا الحديث، يقولون هذا الحديث فضول لا معنى له، لماذا؟ لأنهم لا يتذوقون رحمة النبي، لأنهم لا يتذوقون طعم رحمة النبي، لأنهم لا يتذوقون ولا يأنسون بنور النبي محمد -صلى الله عليه وآله-. من وصل إلى أن يشعر بوجدانه بالنور النبوي، يشعر بوجدانه بالرحمة المحمدية، يشعر بوجدانه بالرحمة التي تجسدت في شخصية النبي -صلى الله عليه وآله- فقد وصل إلى النبع ووصل إلى رقيقة الحقيقة وكان مصداقًا لقوله: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء}. المحور الثالث والأخير:هذه الذكرى العظيمة، ليلة هذه الذكرى العظيمة ليلة نستذكر فيها مظاهر الرحمة في شخصية النبي -صلى الله عليه وآله-، وهنا سأنقل كلام الذين تحدثوا عنه، ماذا قال عنه خواصه، ماذا قال عنه أقرب الناس إليه، ماذا قال عنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وماذا قال عنه الحسن والحسين وكيف تحدثوا عن مظاهر الرحمة المحمدية وكيف تحدثوا عن مظاهر رقيقة الحقيقة وكيف تحدثوا عن رقيقة الحقيقة المحمدية التي تجلت في شخصيته المباركة صلى الله عليه وآله، نذكر هنا عدة صور رائعة لرحمته العظيمة: الصورة الأولى: ملامح القيادة الروحية. كيف كان النبي يجسد القيادة الروحية؟ هنا يتحدث لنا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن حبيبه محمد -صلى الله عليه وآله-، قال: "كان لي أخ فيما مضى..." يقصد النبي، "كان لي أخ فيما مضى وكان رأس ما عظم به في عيني ، صغر الدنيا في عينه" – ما جعلني أعظمه هو أن الدنيا صغيرة في عينه – "وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه، لقد قضم الدنيا قضمة ولم يعرها طرفه وكان أهضم أهل الدنيا كشحًا وأخمصهم بطنًا لقد عرضت عليها الدنيا فأبى أن يقبلها – كيف إذًا عاش؟ قائد يقود رقعة كبيرة من الأرض، بيده السلطة، بيده القوة، كيف كان يعيش هذا القائد؟ – كان يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد ويخصف نعله بيده ويتلحف بالوثير ويركب الحمار العاري ويردف خلفه" هكذا كان . انظر إلى هذه الصورة الرائعة، الإمام علي يتحدث لنا عن شمائل القيادة الروحية، القيادة الروحية ينبغي أن تكون متواضعة، تواضع القيادة الروحية ينبغي أن يظهر في لباسها، في أكلها، في شربها، في تعاملها، في علاقاتها مع الدنيا، من أعظم شمائل القيادة الروحية التواضع في المعيشة كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "إن الله فرض على أئمة العدل أن يساووا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره"، هكذا تعامل النبي محمد -صلى الله عليه وآله- مع الدنيا تعامل مع الدنيا معاملة الوسيلة، كلنا نحب الدنيا. لا يوجد إنسان يقول والله أنا ما أحب الدنيا، كلنا نحب الدنيا، ولكن هل نتعامل مع الدنيا وسيلة أم نتعامل معها كغاية؟ من تعامل مع الدنيا كغاية استغرق في متعها وفي لذائذها ومظاهرها وزخارفها وشغلته الدنيا عن الآخرة، ومن تعامل مع الدنيا وسيلةُ للآخرة لم تهمه الثروة ولم تهمه المظاهر، "يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد ويخصف نعله بيده ويركب الحمار العاري ويردف خلفه" لأن الدنيا بنظره ما هي إلا وسيلة للآخرة وليست هدفًا مطلوبًا في حد ذاته. الصورة الثانية: كيف كانت علاقته مع الله؟ هنا يتحدث الإمام الحسن الزكي سلام الله عليه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول: "كان متواصل الأحزان – ضحكه قليل، فرحه قليل – دائم الفكر طويل الصمت لا يتكلم في غير حاجة، وكان إذا تكلم جمع جوامع الكلم فلا يقول إلا فصلا لا فضول فيه ولا تقصير، كان إذا جلس على مصلاه يبكي كثيرًا حتى يبتل مصلاه بالدموع من غير جرم، وكان يبكي حتى يغشى عليه فقيل له: يا رسول الله لماذا هذا البكاء وقد غفر الله لك ذنبك ما تقدم منه وما تأخر؟ فيبكي ويقول: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟" هذا هو محمد -صلى الله عليه وآله-، سيد الخلق يعلمنا على مبدأين : 1- مبدأ الخلوة. 2- ومبدأ المحاسبة. الأول : - نحن مقصرون في هذين المبدأين- ، كل إنسان منا يحتاج على خلوة، أن يخلو مع نفسه، ليس كل الوقت مع زوجتي وأولادي وتجارتي وأسهمي وأعمالي، لا، الوقت يضيع، العمر قصير، الموت آتٍ لا محالة، أنا أحتاج كل يوم إلى أن أخصص وقتًا لي يسمى الخلوة، أن أخلو بنفسي، أن أفكر بعيوبي، أن أفكر في أخطائي، أن أفكر في مصيري، أن أفكر في نهايتي، الخلوة مع النفس مبدأ محمدي ضروري لتربية كل إنسان. الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وقف على أهل السوق ورآهم مشغولين -تعرف الناس في السوق مشغولين بالدنيا والتجارة-، لما رآهم بكى، قال: "يا أهل السوق، يا عبيد الدنيا، إذا كنتم في النهار تحلفون وبالليل تنامون وما بين ذلك أنتم غافلون فمتى تهيئون الزاد وتفكرون في المعاد؟!"، إذًا مبدأ الخلوة ضروري. والمبدأ الثاني -مبدأ محاسبة النفس- : قال النبي محمد -صلى الله عليه وآله-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا"، مراقبة النفس ومحاسبة النفس كما يقول علماء العرفان: عليك بالمحاسبة والمراقبة والمعاتبة والمحاربة والمجاذبة، هناك طرق لتربية هذه النفس، محاسبة النفس. إذن النبي صلى الله عليه وآله يؤكد على مبدأين: مبدأ الخلوة، ومبدأ محاسبة النفس. نأتي إلى الصورة الثالثة: علاقته بأهل بيته. هنا يتحدث الحسين بن علي عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول: "إذا دخل بيته جزَّأ وقته ثلاثة أجزاء: فجزء لله، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، وجزَّأ جزءه الذي لنفسه إلى جزأين: فأدرج الناس في جزئه، وكان لا يؤثر العامة على الخاصة"، جزء لله وجزء لأهله، ورد عنه صلى الله عليه وآله: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله"، "أحب من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وقرة عيني الصلاة". كان يهتم بأهله، كثير منا يعرض عن أهله، كثير منا لا يهتم بشؤون أهله، كثير منا قد يعتدي على زوجته بالظلم، بالكلام النابي، بالأعمال المشينة، كل ذلك بعدي عن سيرة النبي صلى الله عليه وآله، "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله". وجزء لله، لابد أن تعلم البيت الذي أنت فيه أن هناك نافلة، أنت لابد أن يراك أبناؤك تصلي النافلة، لابد أن يراك أبناؤك تقرأ القرآن، لابد أن يراك أبناؤك تحيي المناسبات الدينية داخل بيتك، تزور الحسين أيام زيارة الحسين، تزور النبي أيام زيارة النبي، إذا رآك أبناؤك داخل المنزل تعنى بالدين وبالمبادئ ترسخت هذه المبادئ في نفوس أبنائك، جزءًا لله داخل المنزل، وجزءًا لأهله، وجزءًا لنفسه. الصورة الرابعة من صور رحمته العظيمة صلوات الله وسلامه عليه وآله: علاقته مع الناس. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "كان لا يجلس ولا يقوم إلا بذكر الله وإذا أتى قومًا يجلس حيث ينتهي به المجلس – يعني لا يركز على مجلس معين، أين ما انتهى به المجلس يجلس – ويأمر بذلك، وكان يعطي كل جلسائه نصيبًا منه – يتحدث مع جميع جلسائه – ولا يحسب أحد أنه أكرم عنده من صاحبه – الجميع يعاملهم بشكل متساوي – وكان إذا جلس بين أصحابه جلس كجلسة أحدهم حتى إذا أتى الغريب لم يعرف من هو محمد" لأنه يجلس مع أصحابه كجلسة أحدهم، لا يتميز عليهم. الصورة الأخيرة: كيف يتحدث النبي؟ نستفيد من هذه الكلمات في مجالسنا إذا جلسنا كيف نتحدث، الصورة الأخيرة ما تحدث عنه الإمام الحسن الزكي سلام الله عليه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: "كان دائم البشر – يعني مبتسم، غالبًا مبتسم – سهل الخلق لين الجانب..." يعني تستطيع بسرعة أن تأتلف معاه، بعض الناس تحتاج شهر حتى ينكسر حاجز الجليد، يالله ، ويوجد واحد من خلال خمس دقائق تشعر بأنه إنسان أليف حسن المعشر، هكذا كان النبي "لين الجانب سهل الخلق..." يعني سريعًا ما يؤلف. وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله: "أفاضلكم أحاسنكم أخلاقًا الموطؤون أكنافًا الذي يألفون ويؤلفون" هكذا كان النبي، "دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا بصخاب ولا بفحاش ولا بعياب..." يعني ما في ألفاظه ذكر عيوب الآخرين، ما في ألفاظه فحش، ما في ألفاظه بذاءة، "ليس بصخاب ولا فحاش ولا عياب، وقد ترك من نفسه ثلاث..." ثلاث يلتزم بها إذا جلس، "المراء" يتركه فلا يأتي بمراء، لا يراوغ ولا يلف ويدور، صادق في كلامه، "الإكثار" لا يثرثر حديث، يتكلم فيما يعنيه، "وما لا يعنيه" الشيء الذي لا يعنيه لا يتحدث فيه. "وقد ترك من الناس ثلاث" أمور ثلاثة تركها في حديثه مع الناس، "لا يعيب أحدًا ولا يعيره" حتى إذا فعل عيب لا يعيره أمام الناس، "لا يعيب أحدًا ولا يعيره" وإن فعل عيبًا، "ولا يتتبع عثرة أحد ولا عورته" ما يسأل فلان وش سوى، وش فعل، ما يتتبع، "ولا يتحدث إلا فيما يرجى ثوابه" يعني إذا يتحدث عن إنسان يتحدث بالمقدار الذي ينفع ذلك الإنسان، "ولا يتحدث إلا فيما يرجى ثوابه، دمث الخلق لا بالمهين ولا بالجاف" كان سهلاً، وهذا الذي تحدث عنه القرآن الكريم: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} وقال القرآن الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. الرسول الأعظم محمد -صلى الله عليه وآله- كانت رحمته حتى لأعدائه، حتى لمناوئيه، المدينة كانت مجتمع فيه يهود، فيه مسيح، فيه مسلمين، وهذه سمة الدولة الإسلامية، الدولة الإسلامية كل الديانات فيها، كل ديانة تأخذ قسطها من حرية العبادة، جميع الديانات تأخذ قسطتها وحريتها من العبادة ضمن إطار الدولة الإسلامية، كان هناك يهود، كان هناك مسيح، كان هناك مسلمين، كل بحريته الدينية ضمن عقد، عقد ميثاق بين هذه الديانات كلها. كان أحد اليهود يؤذيه فيرمي القمامة في طريقه، النبي فقد هذا اليهودي يومًا من الأيام فسأل عنه فقالوا إنه مريض، فزاره النبي في بيته وعاده من مرضه، فلما رأى ذلك اليهودي انكب على يديه يقبلها وقال: " الله أعلم حيث يجعل رسالته فيك يا محمد". ولما ذهب إلى الطائف أمروا صبيانهم وسفهاءهم بأن يقذفوه بالحجارة فقذفوه بالأشواك والحجارة والأوساخ حتى دميت رجلاه، فاستند إلى حائط ولم يبكِ ولم يولول ولم يدعو عليهم وإنما قال: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون" خرج له مـَلـَكٌ قال: "إن شئتَ أطبقت عليهم الأخشبين" – يعني الجبلين – قال: "لا، إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا". هذا القائد المحنك، القائد المحنك دائمًا عنده أمل التغيير، أمل التجديد، أم الانطلاق، لا يصيبه اليأس ولا يصيبه الانخذال، "إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا". كان منصفًا للجميع، أقبل له أعرابي وكانت أيام شتاء، الرسول لابس بردة غليظة، شدها الأعرابي على عنق النبي وجرها وقال: يا محمد! أعطني من مال الله فإنه ليس مالك ولا مال أبيك، التفت إليه، قال: "يا أعرابي، أنا أعطيك، ولكن من الذي يقود منك ما فعلت بي؟" يعني من الذي يقتص منك ما فعلت بي؟ قال: لا أحد، قال: "لِمَ؟"، قال: لأنك لا تقابل السيئة بالسيئة وإنما تقابل السيئة بالحسنة {إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فابتسم رسول الله صلى الله عليه وآله. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ![]() |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |