عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-2014, 09:54 PM   #6
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الفصل الرابع : خلقه وفضائله
أ ـ الجواد الكريم :
كان يلقب إمامنا التاسع بالجواد لما كان يشتهر به من الجود الذي فاض فغمر السهل والجبل كما يغمر الضوء السهول .
وإليك قصصاً من جوده :
ـ لقد كان برنامجه العملي ، كتاب وفد إليه من والده من خراسان وله زهاء ست سنوات من العمر ومضمون الكتاب ما يلي :
فأسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلاّ من الباب الكبير وإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة ثم لا يسألك أحد إلاّ وأعطيته . من سألك من عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين ديناراً والكثير إليك، ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين ديناراً والكثير إليك ، إني أريد أن يرفعك اللـه فأنفق ولا تخشى من ذي العرش افتقاراً .
ـ وروي أنه حمل له حمل بزّله قيمة كثيرة ، فسل في الطريق ، فكتب إليه الذي حمله يعرفه الخبر ، فوقَّع بخطه أن أنفسنا وأموالنا من مواهب اللـه الهنيئة وعواريـه المستودعة يمنع بما منع منها في سرور وغبطة ويأخذ ما أخذ منها في أجر وحسبة فمن غلب جزعه على صبره حبط أجره ونعوذ باللـه من ذلك 29 .
ـ ودخل عليه بعض أصحابه الذي كان للإمام عليه دين يقول له : جعلت فداك اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فإني انفقتها ، فقال له أبو جعفر (ع) : أنت في حل ، الحديث 30 .
ب ـ زهده وتقواه :
ـ ينقل بعض الرواة أنه حججت أيام أبي جعفر (ع) وجئت إليه في المدينة فدخلت الدار فإذا أبو جعفر (ع) قائم على دكان لم يكن فُرِش له ما يقعد عليه ، فجاء غلام بمصلى فألقاه له فجلس فلما نظرت إليه تهيبته ودهشت فذهبت لأصعد الدكان من غير درجه فأشار إلى موضع الدرجة فصعدت وسلمت فردّ السلام ومد إلي يده فأخذتها وقبّلتها ووضعتها على وجهي وأقعدني بيده فأمسكت بيده مما دخلني من الدهشة فتركها في يدي فلما سكنت خليتها .
ـ واستقبل الناس في حفلة أقيمت تكريماً له أيام الحج ، وقد حضرها من فقهاء العراق ومصر والحجاز جمع غفير استقبلهم بقميصين وعمامة بذؤابتين ونعلين .
ـ وينقل عن ابي هاشم قوله : أن أبا جعفر أعطاني ثلاثمائة دينار في مرة وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمه ، وقال : أما أنه سيقول لك دلني على من أشتري بها منه متاعاً ، فدلّه ، قال : فأتيته بالدنانير، فقال لي يا أبا هاشم ، دلني على عريف يشتري بها متاعاً ففعلت 31 .
ـ وعن أحد أصحابه الذي كان يدعى ( ابن حديد ) قال : خرجت مع جماعة حجاجاً ، فقطع علينا الطريق ، فلما دخلت المدينة لقيت أبا جعفر (ع) في بعض الطريق ، فأتيته إلى المنزل فأخبرته بالذي أصابنا ، فأمر لي بكسوة وأعطاني دنانير وقال : فرّقها على أصحابك على قدر ما ذهب ، فقسمتها بينهم فإذا هي على قدر ما ذهب منهم لا أقل ولا أكثر .
ـ وقال بعضهم : جئت إلى أبي جعفر (ع) يوم عيد فشكوت إليه ضيق المعاش ، فرفع المصلى وأخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها فخرجت بها إلى السوق فكانت ستة عشر مثقالاً 32 .
ـ وقال عمر بن الريّان : احتال المأمون على أبي جعفر (ع) ـ لكي يهوي به مزالق الفساد فينقص من كرامته وهيبته لدى الناس جمـيعاً ـ فأحتال بكل حيلة فلم يمكنه في شيء ، فلما أراد أن يثني عليه ابنته جاء بمائة وصيفة من أجمل ما يكون ، ودفع إلى كل واحدة منهن جاماً فيه جوهر يستقبلن ابا جعفر (ع) إذا قعد في موضع الأختان ، فلم يلتفت الإمام (ع) إليهن ، وكان رجل يقال له مخارق صاحب صوت وعود وضرب ، طويل اللحية فدعاه المأمون فقال : إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره ، فقعد بين يدي أبي جعفر فشهق شهقة اجتمع إليه أهل الدار ، وجعل يضرب بعوده ويغني ، فلما فعل ساعة وإذا أبو جعفر لا يلتفت لا يميناً ولا شمالاً ، ثم رفع رأسه إليه وقال : إتق اللـه يا ذا العثنون ( أي اللحية ) فسقط المضراب من يده والعود ، فلم ينتفع بيده إلى أن مات 33 .
ـ وجاء بعض أصحاب أبيه ، وقد كان حديثاً في السن ، وحمل معه شيئاً مما يلعب به الأطفال ، فيقول لما جئته ووقفت أمامه مسَلّماً لم يأذن لي بالجلوس ، فرميت بما كان معي بين يديه فغضب علي وقال : ما لهذا خلقنا .
ج ـ علمه وثقافته :
لقد سبق الحديث عن علم الأوصياء (ع) في كتابي الخاص بحياة الإمام جعفر الصادق ناشر علوم آل البيت ومبلغها الشرق والغرب ، وسبق بيان معنى علم الأوصياء بالمغيبات ، ومع ذلك فلا أجد بُدّاً من أن أبحث ها هنا عن علم الإمام الجواد الغزير ، وثقافته التي نبعت عن قلب ملهم ، وفؤاد مفعم أقول : لقد كثر في الأحاديث إنباؤه (ع) الناس بما يجول في خاطرهم وبما يأتي عليهم مستقبلاً ، ولا يعني ذلك أن الأئمة (ع) يعلمون الغيب ، وإنما يعني أنهم (ع) متصلون بالله سبحانه وتعالى عن طريق الإلهام أو عن طريق النبي (ص) ، فيستقون معارفهم بشكل مباشر بينما يستقي سائر البشر معارفهم عبر الحواس والتجارب مثلاً .
وإذا أثبتت التجارب الحديثة وجود الحس السادس عند بعض الأفراد ، سهل علينا أن نعتقد بأن شيئاً ما يوجد في بعض الأشخاص الذين يشاء اللـه لهم ذلك ، أضف إلى ذلك أن الإيمان بقدرة اللـه واستطاعته على أن يفعل كل شيء دون أي استثناء ، يحدو بالفرد إلى تقبل كل ممكن إذا ثبت أن الله قد أراده .
وروي أن والي مكة والمدينة ( فرج الرغجي ) ، الذي كان من المعارضين لآل البيت قال مرة لأبي جعفر (ع) : إن شيعتك تدَّعي أنك تعلم كل ماء دجلة ووزنه ، وكانا في ذلك الوقت واقفين على شاطئ دجلة ، فقال (ع) : أيقدر الله تعالى أن يفوّض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا ؟ يقول الراوي : فقال فرج : نعم يقدر ، فقال (ع) : أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ومن أكثر خلقه .
نعم ، إن الغرابة الناشئة عن الشك في قدرة الله لهي أوهى من الشك في ضياء الشمس ، بل يبقى الريب فـي محله إذا كان في الرجل الذي يدّعي هذا المنصب الرفيع ، فلا يستطيع المرء أن يتقبله إلاّ بعد الفحص والتدقيق ، أما إذا كان في أهل بيت الرسول فسوف لا يبقى للشك مجال ، بعد استفاضة حديث متواتر عن النبي (ص) في أنهم قدوة الخلق وأئمتهم ، وبعد أن عرفنا أن كل إمام كان أعلم أهل زمانه في كل شيء منذ ان تنتقل إليه الخلافة الروحية ، وكذلك كان النبي (ص) وأوصياؤه (ع) جميعاً .
ويكفيك في الإمام الجواد ما سبق من أنه سئل في مجلس واحد ثلاثين ألف مسألة ، فأجاب عنها وهو ابن ثمان أو تسع ، وأنه كان في زهاء السادسة عشرة من عمره إذ حضر مجلس المأمون وباحث مع قاضي القضاة ، فأفحمه إفحاماً ، وإذا علمنا بان المأمون كان كما يحدثنا التاريخ أعلم الخلفاء العباسيين وأعرفهم بعلوم أهل زمانه ، ثم رأيناه كيف يخشع لجلال ابن الرضا (ع) في المشاهد التي مضت علينا ، نعرف معنى العلم الإلهي ونوعيته .


 

رد مع اقتباس