التحريف بالنقصان حسب الروايات
[ تحريف القران 1 ]
عدم تحريف القرآن - السيد علي الميلاني - ص 21 – 30
‹ صفحة 23 ›
التحريف بالنقصان حسب الروايات
إن الروايات الواردة في كتبنا نحن الإمامية ، فيما يتعلق بموضوع نقصان القرآن الكريم ، يمكن تقسيمها إلى أقسام عديدة ، وهذا التقسيم ينطبق في رأيي على روايات أهل السنة أيضا ، لأني أريد أن أبحث عن المسألة بحثا موضوعيا ، ولست في مقام الدفاع أو الرد :
القسم الأول :
الحمل على اختلاف القراءات إن كثيرا من الروايات الواردة في كتبنا وفي كتبهم قابلة للحمل على اختلاف القراءات ، وهذا شئ موجود لا إنكار فيه ، الاختلاف في القراءات شئ موجود ، في كتبنا موجود ، في رواياتنا ، وفي روايات متعددة .
إذن ، لو أن شيعيا أراد أن يتمسك برواية قابلة للحمل على ‹ صفحة 24 › الاختلاف في القراءة ليفحم الخصم بأنك تقول بتحريف القرآن ، أو في رواياتكم ما يدل على تحريف القرآن ، هذا غير صحيح ، كما لا يصح للسني أن يتمسك بهكذا روايات موجودة في كتبنا . فهذا قسم من الروايات .
القسم الثاني :
ما نزل لا بعنوان القرآن نزل عن الله سبحانه وتعالى ، ونزل بواسطة جبرئيل ، لكن لا بعنوان القرآن ، وقد وقع خلط كبير بين القسمين ، ما نزل من الله سبحانه وتعالى على رسوله بعنوان القرآن ، وما نزل من الله سبحانه وتعالى على رسوله لا بعنوان القرآن ، وقع خلط كبير بين القسمين من الروايات ، وهذا موجود في رواياتنا وفي رواياتهم أيضا .
القسم الثالث :
ما يصح حمله على نسخ التلاوة وهذا البحث بحث أصولي ، ولا بد أنكم درستم أو ستدرسون هذا الموضوع ، مسألة النسخ كما في الكتب الأصولية .
فبناء على نسخ التلاوة ، ووجود نسخ التلاوة ، وأن يكون هناك لفظ لا يتلى إلا أن حكمه موجود .
إذ النسخ ينقسم إلى ثلاثة أقسام : ‹ صفحة 25 › منسوخ اللفظ والحكم .
منسوخ الحكم دون اللفظ . ومنسوخ اللفظ دون الحكم .
هذه ثلاثة أقسام في النسخ ، يتعرضون لها في الكتب الأصولية ، وفي علوم القرآن أيضا يتعرضون لهذه البحوث . فلو أنا وافقنا على وجود نسخ التلاوة ، فقسم من الروايات التي بظاهرها تدل على نقصان القرآن ، هذه الروايات قابلة للحمل على نسخ التلاوة .
القسم الرابع :
الروايات القابلة للحمل على الدعاء فهناك بعض الروايات تحمل ألفاظا توهم أنها من القرآن ، والحال أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يدعو بها ، هذه أيضا موجودة في كتبهم وفي كتبنا .
وتبقى في النتيجة أعداد قليلة من الروايات ، هي لا تقبل الحمل ، لا على نسخ التلاوة بناء على صحته ، ولا على الحديث القدسي ، ولا على الاختلاف في القراءات ، ولا على الدعاء ، ولا على وجه آخر من الوجوه التي يمكن أن تحمل تلك الروايات عليها ، فتبقى هذه الروايات واضحة الدلالة على نقصان القرآن .
‹ صفحة 26 ›
البحث في سند الروايات :
حينئذ تصل النوبة إلى البحث عن سند تلك الروايات ، لأن الرواية إنما يصح الاستناد إليها في مسألة من المسائل ، في أي باب من الأبواب ، إنما يصح التمسك برواية إذا ما تم سندها ، وتمت دلالتها على المدعى . فلو فرضنا أن الرواية لا تقبل الحمل على وجه من الوجوه المذكورة وغيرها من الوجوه ، فحينئذ تبقى الرواية ظاهرة في الدلالة على نقصان القرآن ، فتصل النوبة إلى البحث عن سندها . هنا نقطة الخلاف بيننا وبين أهل السنة ، ومع الأسف فإننا وجدنا الروايات التي تدل دلالة واضحة على نقصان القرآن ولا تقبل الحمل على شئ من الوجوه الصحيحة أبدا ، وجدنا تلك الروايات كثيرة عددا وصحيحة سندا في كتب أهل السنة .
اللهم ، إلا أن نجد في المعاصرين - كما نجد من يقول بما نقول - بأن لا كتاب صحيح عند السنة من أوله إلى آخره أبدا ، ونحن أيضا منذ اليوم الأول قلنا بالنسبة إلى كتبهم : إنهم تورطوا عندما قالوا بصحة الكتب الستة ولا سيما الصحيحين ، ولا سيما البخاري ، بناءا على المشهور بينهم حيث قدموه على كتاب مسلم ، وقالوا بأنه ‹ صفحة 27 › أصح الكتب بعد القرآن المجيد ، تورطوا في هذا .
نعم ، نجد الآن في ثنايا كتب المعاصرين ، وفي بعض المحاضرات التي تبلغنا عن بعضهم ، أنهم ينكرون أو ينفون القول بصحة الكتابين أيضا ، وهذا يفتح بابا لهم ، كما يفتح بابا لنا .
وأما بناءا على المشهور بينهم من صحة الصحيحين والكتب الأربعة الأخرى ، بالإضافة إلى كتب وإن لم تسم بالصحاح إلا أنهم يرون صحتها ككتاب المختارة للضياء المقدسي ، الذي يرون صحته ، والمستدرك على الصحيحين ، حيث الحاكم يراه صحيحا ، وغيره أيضا ، ومسند أحمد بن حنبل الذي يصر بعض علمائهم على صحته من أوله إلى آخره ، وهكذا كتب أخرى .
فماذا يفعلون مع هذه الروايات ؟
وماذا يقولون ؟
روايات لا ريب في دلالتها على التحريف ، يعني كلما حاولنا أن نحملها على بعض المحامل الصحيحة ونوجهها التوجيه الصحيح ، لا نتمكن . . . أما نحن ، فقد تقرر عندنا منذ اليوم الأول ، أن لا كتاب صحيح من أوله إلى آخره سوى القرآن ، هذا أولا .
وثانيا : تقرر عندنا أن كل رواية خالفت القرآن الكريم فإنها تطرح . . . نعم ، كل خبر خالف الكتاب بالتباين فإنه يطرح ، إن لم يمكن تأويله ، وفرضنا أن هذا القسم الأخير لا يمكن تأويله .
‹ صفحة 28 ›
نعم في رواياتنا - ونحن لا ننكر - توجد روايات شاذة ، قليلة جدا ، هذه لا يمكن حملها على بعض المحامل . لكن هذه الروايات أعرض عنها الأصحاب ، السيد المرتضى رحمة الله عليه المتوفى قبل ألف سنة تقريبا يدعي الإجماع على عدم نقصان القرآن ، مع وجود هذه الروايات الشاذة ، يدعي الإجماع على ذلك ، فيدل على إعراضهم عن هذه الروايات وعدم الاعتناء بها ، وكذلك الطبرسي في مجمع البيان ، والشيخ الطوسي في التبيان ، وهكذا كبار علمائنا ( 1 ) . والأهم من ذلك كله ، لو أنكم لاحظتم كتاب الإعتقادات للشيخ الصدوق ( 2 ) ، فنص عبارته :
ومن نسب إلينا أنا نقول بأن القرآن أكثر من هذا الموجود بين أيدينا فهو كاذب علينا .
مع العلم بأن الصدوق نفسه يروي بعض الروايات الدالة على التحريف في بعض كتبه ، وقد تقرر عندنا في الكتب العلمية أن الرواية أعم من الاعتقاد ، ليس كل راو لحديث يعتقد بما دل عليه الحديث ، يشهد بذلك عبارة الصدوق رحمة الله عليه الذي هو رئيس المحدثين ، فإنه قد يروي بعض الروايات التي هي بظاهرها ‹ صفحة 29 › تدل على نقصان القرآن ، لكنه يقول : من نسب إلينا أنا نقول بأن القرآن أكثر مما هو الآن بأيدينا فهو كاذب علينا . إذن ، لا يقول بمضامين هذه الروايات ، فهذه نقطة أخرى . لقد تتبعت كتبنا منذ القديم ، كتبنا في الحديث ، كتبنا في التفسير ، كتبنا في علوم الحديث ، وفي الأصول أيضا ، وفي الفقه أيضا في أبواب القراءة حيث تطرح مسألة نقصان القرآن ، فلم أجد من علمائنا الكبار الذين يرجع إليهم ويعتمد عليهم في المذهب من يقول بنقصان القرآن بعدد أصابع اليد الواحدة . إلا أنك إذا راجعت كتاب البخاري الذي التزم فيه بالصحة ، وإذا راجعت كتاب مسلم الذي التزم فيه بالصحة ، والكتب الأخرى ، ككتاب مسند أحمد وغيره وغيره . . .
بل لقد ذكرت في كتابي في هذا الموضوع اسم أربعين عالما من كبار علماء القوم ، في مختلف القرون ، يروون أحاديث التحريف ، ومن بينهم أكثر من عشرة يلتزمون بصحة تلك الأحاديث التي رووها في كتبهم ، فلو أردنا أن ننسب هذا القول إلى قوم من المسلمين فبالأحرى أن ينسب إلى . . .
أما نحن ، فلا نقول هكذا ، لأنه قد قلنا إن البحث على صعيد الأقوال يجب أن لا يختلط بالبحث على صعيد الأحاديث ، ففي
‹ صفحة 30 ›
الأقوال نجدهم أيضا يدعون الإجماع على عدم نقصان القرآن .
إذن ، القرآن غير ناقص ، لا عندنا ولا عندهم ، ولو كان هناك قول فهو قول شاذ منا ومنهم ، لكن الروايات عندهم كثيرة ، وهي عندهم صحيحة ، أكثرها عن عمر بن الخطاب ، وعن عائشة ، وعن أبي موسى الأشعري ، وعن زيد بن ثابت ، وعن عبد الله بن العباس ، وعن جماعة آخرين من كبار القراء عندهم ، من أبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، هم يروون تلك الأحاديث ، ولا يوجد عشر أعشارها في كتبنا . إلا أن الطريق الصحيح أن نقول ببطلان هذه الأحاديث كما يقولون ، ويبقى عليهم أن يرفعوا اليد عن صحة الصحيحين والصحاح الستة ، فلو رفعوا اليد عن هذا المبنى المشتهر بينهم ، وأيضا رفعوا اليد عما اشتهر بينهم من عدالة الصحابة أجمعين ، فلو أنا وجدناهم لا يقولون بعدالة الصحابة ، ووجدناهم لا يقولون بصحة الصحيحين أو الصحاح ، ارتفع النزاع بيننا وبينهم ، لأن النزاع سيبقى في دائرة الروايات الموجودة في كتبهم ، إذ المفروض أنهم على صعيد الأقوال لا يقولون بتحريف القرآن ، وإن كنت عثرت على أقوال أيضا منهم صريحة في كون القرآن ناقصا .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 28 ›
( 1 ) راجع : التبيان في تفسير القرآن 1 / 3 ، مجمع البيان في تفسير القرآن 1 / 15 .
( 2 ) الشيخ الصدوق أولا : يلقب برئيس المحدثين ، وثانيا : في كتابه الإعتقادات يذكر هذا المطلب ، وثالثا : الشيخ الصدوق من قدماء علمائنا .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|