عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 11-12-2010, 10:23 AM
المهندس
موالي جديد
المهندس غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 204
 تاريخ التسجيل : Nov 2010
 فترة الأقامة : 4888 يوم
 أخر زيارة : 11-16-2010 (09:30 PM)
 المشاركات : 6 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
Smile الفقيه الخوئي و تجديده العلمي







يازهراء اعينيني





الفقيه الخوئي و تجديده العلمي

الكاتب : العلامة الدكتور عبد الهادي الفضلي
كثيرون أولئك العلماء الذي انتظمتهم مسيرة الفكر ، و لكن قليلون منهم الذين تركوا بصماتهم على صفحاته تغييرًا و تطويرًا .
و من هؤلاء القلّة كان أستاذنا المغفور له الفقيه الخوئي .
تربّع العلاّمة المرحوم على كرسي الدرس في النجف الأشرف مدة تزيد على نصف قرن ، حاضر في التفسير ، و في الفقه ، و في أصول الفقه .
و اتخذ من بيته صومعة علم ، يخلو فيها للكتاب و القلم ، يؤلف في العلم ، و يتفرغ لثلة من طلبته المقرّبين إليه ، يراجع ما يدوّنونه من محاضراته في الفقه و أصوله ، و ما يكتبونه من بحوث رأوا ضرورة الكتابة فيها ، أو رغبوا في الكتابة فيها ، و لآخرين بلغوا مرتبة الاجتهاد يعقد لهم ما يعرف في عرف الحوزات العلمية بـ " مجلس الفتوى " ، يترأسه و يديره حوارًا و نقاشًا ، و في الانتهاء إلى النتيجة الحاسمة ، ليعمّق و يوسّع من خلاله قدرة هؤلاء الحضور على " الاستنباط " في مجاليه استقراءً و استنتاجًا .
و مجلس الفتوى من الظواهر التربوية التي لم يقدّر لها أن درست أو كتب عنها ، غير أننا سنتبيّن فحواها من هذا العرض لمجلس فتوى أستاذنا السيد الخوئي ( طاب ثراه ) .
كان رحمه الله يعقد هذا المجلس في بيته ليلاً ، و يحضره عدد قليل قد لا يتجاوز الآحاد .
و كان يدير الحوار و النقاش فيه حول فتاوى الفقيه السيد أبي الحسن الأصفهاني من خلال كتابه " وسيلة النجاة " ، يقرأ المسألة ، و يترك للحاضرين طرح ما يرونه يصلح دليلاً للمسألة ، ثم يعالجون الدليل تحليلاً و نقدًا ، و بعد أن يفرغ كل منهم من طروحاته ، و ينتهي الجميع ، يبدي ملحوظاته و ملاحظاته على كل ما دار في المجلس ، ثم يقول القولة الفاصلة في المسألة .
و مجلس الفتوى هو المرحلة الخاصة في الدرس الفقهي ، يستهدف منه أن يقوم المجتهد بالممارسة الفعلية و التطبيق العملي للاجتهاد بإشراف مجتهد ذي مرتبة أعلى ، أفادها من ممارساته الفنية و تجاربه العملية في تطبيقاته الاجتهادية .
و من هنا يبين الجانب التربوي المهم في هذه الظاهرة .
و إلى جانب مجلس الفتوى المشار إليه في أعلاه كان يحاضر في الفقه بمسجده الذي كان يقيم فيه صلاة الجماعة ، و المعروف بـ " مسجد الخضراء " ، صباحًا بعد الشروق بساعة ، و يحضره العدد الكبير من الطلاب الذين يعدون بالمئات .
و يطلق على هذا النوع من الدرس في لغة الحوزة العلمية ـ البحث الخارج ـ ، لأن الأستاذ المحاضر يرقى فيه إلى مستوى البحث العلمي بكل متطلبات الاستدلال ، و يلقيه خارج عبارة الكتاب بما يختلف فيه و درس المقدمات و السطوح .
و ابتدأ العلاّمة الخوئي درسه هذا من خلال كتاب " المكاسب " للشيخ الأنصاري ، يتخذ منه مثارًا للبحث و مدارًا للدرس .
و بعد أن انتهى منه اتخذ من كتاب " العروة الوثقى " للسيد اليزدي محور البحث و الدرس .
حضرت درسه الشريف منذ بدئه بالكتاب الأخير ، فرأيته ذا قدرة بيانية متفوّقة لأنه كان يمتلك وسائل التعبير العربي الفصيح دونما تكلّف أو تردد ، و ذا قدرة وافية في العرض ، حيث كان يلم بموضوع البحث بجميع عناصره و أبعاده ، و يسلسله مرتبًا ترتيبًا عضويًا ، و هذا بدوره ينبئ عن تضلعه و تعمّقه في الإحاطة بمادة الدرس .
و بعد أن يوضح الموضوع ، و يحرر المسألة ـ كما يقال في لغة الفقهاء ـ يذكر الأدلة ، يحلل و يعلل ، و يوازن و يقارن ، و يناقش و يحاكم ، منتهيًا إلى ما يراه أو يختاره من دليل في هدي ما يسلمه إليه البحث .
و كان في كل هذا يتحرّك داخل إطار المسألة ، فلا يستطرد إلا إذا دعته طبيعة البحث إلى ذلك ، فيخرج و لكن بالقدر الذي يستجيب فيه لمقتضى البحث .
و ميزته الذهنية ـ هنا ـ أنه كان دقيق النظر يستهدف النكتة العلمية فيصطادها ، و بمهارة .
و أتذكر من هذا : أنه استعرض ـ مرة ـ مسألة من مسائل كتاب الطهارة ، فعرض روايات القولين في المسألة ، و ذكر اختيارات الفقهاء فيها بترجيح إحدى مجموعتي الروايات على الأخرى استظهارًا ، بينما القضية في واقع ما عرضه ( رحمه الله ) تعطي تكافؤاً واضحاً بين مجموعتي الروايات ، و هنا طرح نكتته العلمية في المسألة بحكومة رواية من روايات إحدى المجموعتين على الأخرى بما يرجحها علمياً على رصيفتها .
و أتذكّر هنا ـ أيضًا ـ أن بعض الفقهاء القائلين بخلاف رأيه تأثروا بما تنبه له و عدلوا عن رأيهم إلى رأيه .
و من خلال تتبعي للمسألة رأيت أن جميع الذين بحثوا المسألة من بعده تبنوا دليله و اختاروا رأيه ، لهذه اللمحة العلمية الفنية التي ذكرتها .
و هذه الميزة الذهنية لا توجد إلاّ عند القليل من العلماء .
و بهذه و أمثالها شق ( أعلى الله مقامه ) طريقه في تاريخ الفقه الإسلامي ليكون اسمه قرين الأرقام الأولى في القائمة .
و في أصول الفقه تتلمذ على أقطاب المدارس الأصولية الثلاث المتعاصرة : الشيخ العراقي و الشيخ الأصفهاني و الميرزا النائيني .
و كان لكل واحدة من هذه المدارس الثلاث منهجها الخاص بها ، و منطلقاتها في إعطاء النظريات و الفقه .
فقد عرفت مدرسة الأصفهاني بطابعها الفلسفي ، و يعود هذا إلى أن مؤسسها الأصفهاني كان ـ مضافًا إلى تخصصه في الفقه و أصوله ـ حكيمًا متألهًا ، هيمنت الفلسفة الإلهية بأبعادها الثقافية المعروفة على آفاقه الذهنية و منطلقات تفكيره .
و عرفت مدرسة العراقي بطابعها العلمي الذي نأى بها عن إخضاع الظواهر العلمية لمبادئ الفلسفة و نظرياتها ، و ذلك للفرق بين العلم و الفلسفة ، و أصول الفقه ـ كما هو واضح ـ علم لا فلسفة .
و كانت مدرسة النائيني تجمع بين الطابعين الفلسفي و العلمي .
و بمقتضى نضج المنهج طرحت هذه المدارس الثلاث المتعاصرة ، كثيرًا من الفكر الأصولي القديم ، و أضافت كثيرًا من الفكر الأصولي الحديث .
و لأن أستاذنا الخوئي كان من أوعى الطلاّب الذين حضروا منابر هؤلاء الأقطاب الثلاثة صبت كلها في محيطه العلمي صبًّا حيًّا حيث استوعبها منهجًا و مادّة ، ثم و من على منبره للدرس الأصولي جمع بينها في مقارنة علمية واعية و منتجة ، كونت له مدرسة أصولية خاصة به ربّع بها مدارس أساتذته المشار إليهم .
فكانت آراؤه الأصولية تذكر في الدراسات الأصولية إلى جانب آراء أساتذته ، و لعمق أبعاد مدرسته علميًا وقف عندها ـ حتى الآن ـ تطوّر أصول الفقه من ناحية علمية ، فلم يقدر لي أن رأيت من جدّد من تلامذته في أصول الفقه علميًا بالشكل الذي يعد معه صاحب مدرسة .
و في علم الرجال ألف موسوعته القيمة " معجم رجال الحديث " التي انفرد فيها بتحديد مركز الراوي في السلسلة السندية عمن يروي هو عنهم و عمن هم يروون عنه فحل بهذا مشكلة معقدة ، و يسر أمام الباحثين مؤنة المراجعة و البحث ، و أعاد به لعلم الرجال قيمته العلمية و أهميته تعلمًا و تعليمًا .
و في المدخل إلى التفسير كانت له آراء كشف فيها عن جوانب مهمة في منطلقات التفسير و مناهجه .
هذا كله إلى قيامه لأكثر من عشرين عامًا بأعباء المرجعية الدينية من الإفتاء و إدارة شؤون الحوزات العلمية في النجف و خارجها ، و مؤسساته الخيرية في البلدان النائية عن النجف في ظروف سياسية عصيبة أثقلته بالهموم و المتاعب حتى الرمق الأخير من حياته الشريفة .
و ختامًا إخال أن ما ذكرته فيه الكفاية لأن يعطي الصورة الواضحة عن تجديد هذا العالم العَلَم ، و لأن يدعو الدارسين و الباحثين حوزويين و جامعيين إلى الكتابة في معطيات هذه الشخصية العلمية الفذة .
تغمّد الله أستاذنا العظيم بواسع رضوانه و جزاه عن العلم و أهله أفضل ما يجزي به العلماء العاملين .



اتمنى لكم الفائده






آخر تعديل المهندس يوم 11-15-2010 في 10:12 PM.
رد مع اقتباس