عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2015, 02:10 PM   #2
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي مجلس عزاء الإمام الحسين(ع) 2




أول حدث أدى إلى زعل النبيّ(ص) الشديد هو مبادرة عبد الله بن أبيّ إلى تحزيب المسلمين

بعد ما أثار عبد الله بن أبيّ هذه الفتنة التي كادت أن تشقّ عصا المسلمين وبلغ خبرها إلى رسول الله(ص)، لم يسرع النبي(ع) في قبول هذا الخبر في بداية الأمر. لقد سمع هذا الخبر من أحد الشباب باسم «زيد بن الأرقم» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَعَلَّكَ وَهِمْتَ يَا غُلَامُ- فَقَالَ: لَا وَ اللَّهِ مَا وَهِمْتُ- فَقَالَ لَعَلَّكَ غَضِبْتَ عَلَيْهِ، قَالَ لَا مَا غَضِبْتُ عَلَيْهِ- قَالَ فَلَعَلَّهُ سَفِهَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: لَا وَ اللَّهِ. لقد تعامل رسول الله(ص) مع هذا الخبر بكل كرامة واحتياط، إلى أن تأكد من الخبر تماما. وقد جاء في التاريخ أن النبي(ص) بعد ما اطّلع على هذا الخبر تألم جدّا ولزم الصمت لا يكلّمه أحد؛ «فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَوْمَهُ كُلَّهُ لَا يُكَلِّمُهُ أَحَدٌ» [تفسير القمي/ج2/ص368, 369]

لقد وصلنا تاريخ الإسلام مجرّدا عن الطابع السياسي/ بكل صراحة يوصون أهل المنابر بعدم التدخل بالسياسة!

ليعلم الشباب أن قد وصلنا تاريخ الإسلام مجرّدا عن الطابع السياسي. وعندما تنقل المقاطع السياسيّة من تاريخ الإسلام والتي وردت في التاريخ بوضوح، نجد أن أكثر الناس غير مطّلعين عليها. ولذلك اضطرّ الإمام الخميني(ع) إلى أن يقول: «والله إن الإسلام كلّه سياسية» [صحيفة الإمام(الفارسية)/ج1/ ص270] مما أثار استغراب الناس. بكلّ صراحة يوصي بعض الناس علماءَ الدين والخطباء أن لا تتدخّلوا بالسياسة!

ما أكثر القضايا السياسية في تاريخ الإسلام التي لم توضّح جيدا. وأنا لا أدري لماذا تحذف المقاطع السياسية من التاريخ الدورات التمهيدية لتدريس التاريخ؟ فكأنهم يعتبرون المقاطع السياسيّة هوامش وفروع على أصل أحداث التاريخ!

أول مبادرة قام بها النبي(ص) بعد بيعة العقبة الثانية كانت سياسية تماما؛ لا أخلاقية ولا عقائدية

ماذا كانت أول مبادرة قام بها النبي(ص) بعد بيعة العقبة الثانية؟ لقد جاءه يومئذ أكثر من سبعين نفرا من مسلمي المدينة ليبايعوا رسول الله(ص) لا لأن يسلموا على يديه. لقد جاءوه ليبايعوه على أن يدافعوا عنه دفاعا كاملا. وحري بالذكر أنه قد انطوت هذه البيعة على خمسة بنود وكلّها كانت سياسيّة. لقد تمّت هذه البيعة في الخفاء بعيدا عن أنظار الناس و «العقبة» منطقة بين منا ومكة وفيها بيوت لعبد المطلب وأبي طالب. (وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ نَازِلًا فِي دَارِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ حَمْزَةُ وَ عَلِيٌّ وَ الْعَبَّاسُ مَعَهُ فَجَاءَهُ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ الْأَوْسِ وَ الْخَزْرَجِ فَدَخَلُوا الدَّارَ...؛ أعلام‌الوري/60) (فَقُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ! عَلَى مَا نُبَايعُكَ؟ فَقَالَ: بَايعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَ الطَّاعَةَ فِي النَّشَاطِ وَ الْکَسَلَ، وَ عَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَ الْيسْرِ، وَ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْکَرِ، وَ عَلَى أَنَّ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لَا تَأْخُذْکُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَ عَلَى أَنَّ تَنْصُرُونِي إذَا قَدِمْتَ عَلَيکُمْ يثْرِبَ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَکُمْ وَ أَزْوَاجُکُمْ وَ أَبْنَاءَکُمْ وَ لَکُمْ الْجَنَّةَ؛ دلائل النبوة/2/443)

بماذا بدأ النبي(ص) في تلك الجلسة؟ هل أوصاهم بالأخلاق الحسنة؟ هل طرح لهم بحثا عقائديّا؟ لابدّ أن نعرف الخطوات الأولى التي مارسها النبي(ص) في ذلك القوم الذين كانوا يشكّلون اللبنة الأولى وأوّل مجتمع صغير بايع الرسول(ص)، إذ لم تتكوّن مثل هذه اللبنة حتى عند ذهاب الرسول(ص) إلى الطائف.

كان النبي(ص) يستغلّ موسم الحج لدعوة باقي القبائل والطوائف كربيعة وغيرهم، حتى أنه كان أحيانا لا يفرض عليهم العقائد الدينية أو طقوس الشريعة، بل إنما كان يدعوهم لعقد اتفاقية بينهم للدفاع عن النبي(ص). فكانت تحرّكات سياسيّة بحتة.

لقد بالغ بعض الناس في تشويه سمعة السياسة، بحيث إذا أراد رجل أن يتحدث عن مواقف النبي(ص) السياسيّة، قد يشعر بالإحراج وكأنه نسب إلى النبي(ص) أفعالا هو أجلّ منها ولا تليق به. في حين أن النشاط السياسي هو أصل شغل الأنبياء، وإذا زاحمهم طغاة وغصبوا هذه المناصب فهم ظالمون وتبقى السياسة من شؤون الأنبياء وأوصيائهم ونوّابهم.

أول مبادرة قام بها النبي(ص) بعد بيعة العقبة، هي أنه عيّن رئيسا على أهل المدينة!

أوّل مبادرة قام بها النبي(ص) بعد بيعة العقبة هي أن قال لهم: «أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْکُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً يکْفُلُونَ عَلَيکُمْ بِذَلِكَ کَمَا أَخَذَ مُوسَى مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ اثْنَي عَشَرَ نَقِيباً فَقَالُوا اخْتَرْ مَنْ شِئْتَ، فَأَشَارَ جَبْرَئِيلُ ع إِلَيهِمْ فَقَالَ هَذَا نَقِيبٌ وَ هَذَا نَقِيب» [إعلام الورى/60] وكذلك قال لهم: «و لا يجدن أحد منکم في نفسه أن يؤخذ غيره فإنما يختار لي جبرئيل» [الطبقات الكبرى/3/452]

قد يقول قائل: يا رسول الله! من الأولى أن تهاجر إلى المدينة وتستقرّ فيها ثم تقرّر في مثل هذه القضايا! إذ لا يعاني أهل المدينة من مشكلة في موضوع الرئاسة والزعامة. لقد كان لهم رئيس منذ سنين طويلة وكانوا يدبّرون حياتهم. وبالإضافة إلى ذلك لم يؤمن بك جميعهم بعد! فالأولى في البداية أن تشرّف المدينة وتهاجر إليها ثم تبدأ بنشاط ثقافي وأخلاقي أولا وبعد ذلك تفكّر في موضوع الرئاسة! ولكنك أخذت تتدخّل في شؤون الرئاسة والقضايا السياسية منذ اليوم الأوّل! كما يبدو أن الموضوع من الأهمّية بمكان بحيث نزل جبرئيل وصرّح بأسمائهم واحدا واحدا؛ «اخْتَارَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ أُمَّتِهِ اثْنَي عَشَرَ نَقِيباً أَشَارَ إِلَيهِمْ جَبْرَئِيلُ وَ أَمَرَهُ بِاخْتِيارِهِمْ کَعِدَّةِ نُقَبَاءِ مُوسَى ع تِسْعَةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَوْس» [الخصال/ج2/ص491]

ومع كلّ هذه الأهمّية، أينما أطرح هذه القضيّة أجدها جديدة على المستمعين ولم يسمع بها أحد. وأنا لا أدري على أساس أيّ منهج وأي فكر يقوم المبرمجون في شؤون التربية والتعليم باختيار المناهج الدراسية وتنظيمها، بحيث لم تصلنا بعض الأحداث الرئيسة والمواقف الأساسيّة في تاريخ الإسلام، من قبيل هذه القضيّة التي تعبّر عن أوّل مبادرة قام بها رسول الله(ص) تجاه أهل المدينة.

يتبع إن شاء الله...


 

رد مع اقتباس