عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-2014, 09:54 PM   #5
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فماذا كسب الإمام (ع) من هذه المصاهرة ؟
كسب الإمام الجواد (ع) بهذا العمل أمرين :
أولاً :
منع المأمون من أن يقوم بعملية اغتياله ، وذلك بقبوله الزواج من ابنته .
ثانياً :
جعل مخالب السلطة وانيابها في قفص الحركة الرسالية ، وذلك أن المأمون ما كان ليجرؤ بعد ذلك على أن يقوم بالفتك برجالات الحركة ومجموعاتها .
ولقد كان هذا الأسلوب متبعاً في كثير من عصور الأئمة (ع) ، وخير شاهد على ذلك قصة علي بن يقطين بن موسى البغدادي الذي كان بمثابة مستشار للخليفة المهدي العباسي ، ثم صار في رتبة الوزير لهارون الرشيد ، وعندما حصل على هذا المنصب وكان اتجاهه رسالياً ، جاء إلى الإمام الصادق (ع) وقال : " يا ابن رسول الله أنا صرت عوناً لهذا الطاغية " وأراد أن يستقيل ، ومعروف أن الذي يحصل على هذا المركز ذلك اليوم يسيطر على مرافق أكبر دولة في العالم .
فطلب منه الإمام أن يظل في عمله ، ويستمر في أداء مهامه الرسالية ويبقى في بلاط هارون ، وعاود الطلب من الإمام بأن يأذن له بترك السلطة إلاّ أن الإمام لم يأذن له ، ولقد كانت أعماله كبيرة بالنسبة للحركة، حتى أن الإمام أبا الحسن (ع) قال فيه عندما دخل عليه داود الرقي، في يوم النحر : " ما عرض في قلبي أحد وأنا على الموقف إلاّ علي بن يقطين ، فإنه ما زال معي وما فارقني حتى أفضت " 26 .
عصر المعتصم العباسي :
والإمام الجواد (ع) عاصر خليفة من الخلفاء الذين أثَّروا تأثيراً مباشراً على زوال الدولة العباسية ، وهو المعتصم العباسي .
المعتصم العباسي كان ابن أمة تركية ، فمال إلى أخواله فكان يحب جمع الأتراك وشراءهم من أيدي مواليهم ، فاجتمع له منهم أربعة آلاف ، وألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهبة والحلي المذهبة وأبانهم عن سائر الجنود 27 .
ثم وسمهم رتباً قيادية في الجيش حتى أنه ثارت ثائرة العسكريين العرب في الجيش ، فلقد حاول "عجيف " أن يقلب الحكم على المعتصم ليولّي العباس بن المأمون ، ولكن هذه المحاولة أخفقت وقتله المعتصم .
والأتراك حينما جاؤوا إلى البلاد الإسلامية أخذوا شيئاً فشيئاً يسيطرون على الحكم ويجردون الخلفاء من سلطتهم الحقيقية ، وأخذوا يحدثون الانقلابات العسكرية ( كما نسميها الآن ) .
حتى وصل بهم الأمر إلى أنه إذا مال عنهم خليفة عباسي ، فإنهم كانوا يقتلونه غيلة ، ثم ينصبون رجلاً آخر من البيت العباسي مكانه ، فابتداءً من المتوكل إلى المستعين إلى المهتدي وانتهاءاً بالمقتدر ، كل هؤلاء قتلوا بواسطة القادة العسكريين الأتراك .
وهكذا كانوا يقومون بالخلع والقتل لأي خليفة لم تتجاوب أهواءه مع أهوائهم ، وليس ذلك لشيء في تركيبة العنصر التركي ، وإنما نتيجة للحالة المتردية التي وصل إليها المجتمع الإسلامي من الانحلال والفساد الخلقي الشامل .
والإمام الجواد (ع) استفاد من هذا الوضع في تغذية الحركات الرسالية التي كانت تضع جنينها للمستقبل ، وفي هذا الوقت كانت الثورة التي قام بها محمد بن القاسم بن علي الطالبي تقلق السلطة ولا تدعها تعيش في هدوء وسكينة .
نموذج من الثورة العلوية :
لقد كانت ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر ابن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) أبرز ثورة في عهد الإمام الجواد (ع) .
كان محمد بن القاسم جليل القدر إذا ما قرأنا يوميات جهاده . كانت العامة تلقبه بالصوفي ، لأنه كان يدمن لبس الصوف الأبيض الخشن ، وكان من أهل العلم والفقه والدين والزهد .
كان قد ذهب إلى ( مرو ) في مقاطعة خراسان ، وكان معه من الكوفيين بضعة رجال ، وذلك بعد أن رحل من الكوفة ، وكان قبل ذلك قد خرج إلى ناحية الرقة ، ومعه جماعة من وجوه الزيدية ، منهم يحيى بن الحسن بن الفرات ، وعبّاد بن يعقوب الرواجني ، والزيدية كانت تشكل القاعدة للكثير من الثورات .
روى إبراهيم بن عبد العطّار : " كنا معه ، فتفرقنا في الناس ندعوهم إليه ، فلم نلبث إلاّ يسيراً حتى استجاب له أربعون ألفاً ، وأخذنا عليهم البيعة ، وكنا أنزلناه في رستاق من رساتيق مرو ، وأهله شيعة كلهم ، فأحلوه في قلعة لا يبلغها الطير في جبل حريز " 2 .
ومرة سمع بكاء في ( مرو ) فندب أحد أصحابه ليرى ما هذا البكاء ، فجاءه بخبر أن أحد الذين بايعوه قد كان غصب شيئاً من أحد الرجال ، فأصلح بينهما ، فقال محمد لصاحبه إبراهيم : " يا إبراهيم : أبمثل هذا ينصر دين اللـه ؟ ثم قال : فرقوا الناس عني حتى أرى رأيي " .
فانتخب الصالحين من الذين بايعوه ثم سار بهم ، وهذا نموذج من طبيعة الثورات الرسالية إذ أنها لم تكن تبيح أية وسيلة في سبيل الوصول إلى الهدف ، بل مثلما يكون الهدف هو إقامة حكم الله عزّ وجلّ ، يجب أن تكون الوسيلة أيضاً مرضية من قبل الله تعالى .
وهذا كان يربي المجتمع على عشق المثل العليا ، والمبادئ السامية ، وبعدما نقّي اصحابه ، ساروا إلى الطالقان .
ويروي إبراهيم صاحبه :
" ورحل محمد بن القاسم من وقته إلى الطالقان ، وبينها وبين مرو أربعين فرسخاً ، فنزلها وتفرقنا ندعو الناس فاجتمع عليه عالم ، وجئنا إليه ، فقلنا له : إن أتممت أمرك ، وخرجت فنابذت القوم ، رجونا أن ينصرك الله ، فإذا ظفرت اخترت حينئذ من ترضاه من جندك ، وإن فعلت كما فعلت بمرو ـ يقصد اختيار الصالحين فقط ـ ، أخذ عبد الله بن طاهر يعقبك ، وهكذا أراد صاحبه " ابراهيم " أن يثنيه عن إبعاد الذين ليسوا بملتزمين جيداً عن جيش الثورة " . ولكن محمد بن القاسم أبى ذلك ، ودخل محمد بن القاسم مع عبد الله بن طاهر في حروب كثيرة وكان يلحق به شرَّ الهزائم .
ومرة هدأت صولات الحرب بينهما ، فسارع عبد الله بن طاهر بإرسال كل جيوشه مقسمة في فرق ضمن خطة ماكرة جداً ، وقال ابن طاهر لقائد جيوشه وهو ابراهيم بن غسان بن فرج العودي :
" قد جرَّدت لك ألف فارس من نخبة عسكري ، وأمرت أن يحمل معك مائة ألف درهم تصرفها فيما تحتاج إلى صرفها من أمورك ، وخذ من خيلي ثلاثة أفراس نجيبة معك تنتقل عليها ، وخذ بين يديك دليلاً قد رسمته لصحبتك فادفع إليه من المال ألف درهم ، واحمله على فرس من الثلاثة فليركض بين يديك ، فإذا صرت على فرسخ واحد من " نسا " ، ( وهي المدينة التي يتواجد فيها محمد بن القاسم ) فافضض الكتاب ، واقرأه واعمل بما فيه ولا تغادر منه حرفاً ، ولا تخالف مما رسمته شيئاً واعلم أن لي عيناً في جملة من صحبك يخبرني بأنفاسك ، فاحذر ثم احذر وأنت أعلم " .
وهذا يبين مدى خوف ابن طاهر من أن يكون هذا القائد يميل إلى صف محمد بن القاسم ، فلقد كان ذلك شيئا طبيعياً لأن نفوس الناس كانت مع الحركة الثورية ، ولكن السلطات كانت تجلب وتسخّر الناس في ضرب الحركة الرسالية مرة بالتهديد ومرة بالإغراء ومرة بالإفساد ومرات بأساليبها المختلفة حتى أن ابن طاهر يقول : جعلت عيوناً عليك يرقبون أنفاسك .
فسار قائده إلى " نسا " وقبل أن يصل بفرسخ فتح كتاب ابن طاهر وإذا فيه الخطة كاملة ، والبيت الذي يسكن فيه محمد بن القاسم ، وصاحبه أبو تراب ، ويأمره فيه أن يستوثقهما بالحديد ، استيثاقاً شديداً ، وأن ينفذ خاتمه مع خاتم محمد بن القاسم أول ما يظفر به ، وقبل أن يعود خطوة واحدة لكي يطمئن ، وعلى الذي يرسلهما معه أن يركض بهما ركضاً ، ثم يكتب إليه شرح ما حدث . " وكن على غاية التحرز والتحفظ والتيقظ من امره حتى تصير به وصاحبه إلى حضرتي " .
نجحت الخطة وحمل محمد بن القاسم مع صاحبه أبو تراب إلى ابن طاهر في نيسابور ، فجاء ابن طاهر ليراهما فقال لقائده :
" ويحك يا إبراهيم " أما خفت اللـه في فعلك ـ يقصد القيود الثقيلة جداً التي وضعها على محمد وصاحبه ـ أتقيد هذا الرجل الصالح بمثل هذا القيد الثقيل ؟
فقال إبراهيم العودي ( قائده ) :
" أيها الأمير خوفك أنساني خوف الله ووعدك الذي قدمته إليّ أذهل عقلي عما سواه " .
وكانا يتكلمان من فوق سطح يطل على الغرفة المسجون بها محمد بن القاسم في نيسابور .
فقال ابن طاهر : خفف هذا الحديد كله عنه ، وقيِّده بقيد خفيف في حلقته رطل وليكن عموده طويلاً ، وحلقتاه واسعتين ليخطو فيه ، وفي فترة سجن محمد بن القاسم طلب قرآناً يتدارس فيه .
وكان عبد الله بن طاهر يخرج من اصطبله بغالاً عليها القباب ليوهم الناس أنه قد أخرجه ، ثم يردّها حتى استتر بنيسابور ، سلّه في جوف الليل ، وخرج به مع إبراهيم العودي ووافى به الري ، وقد أمره عبد اللـه بن طاهر أن يفعل به كما فعل هو ، يخرج في كل ثلاث ليال ومعه بغل عليه قبة ، ومعه جيش حتى يجوز الري بفرسخ ، ثم يعود إلى أن يمكنه سلّه ، ففعل ذلك خوفاً من أن يغلب عليه لكثرة من أجاب محمد بن القاسم بالبيعة له ، حتى أخرجه من الري ولم يعلم به أحد ، ثم اتبعه حتى أورده بغداد على المعتصم .
وقد سمع المعتصم بمسير محمد إلى بغداد ، فأرسل إلى طاهر العودي أن انزع العمامة من عليه واجعله حاسراً وانزع رداء قبة البغل ليكون على البغل حاسراً ، ثم أدخله بغداد .
وكان يريد بذلك تعذيب محمد نفسياً والحط من كرامته ، وقد ازدحم الناس ازدحاماً شديداً على الطرقات حين إدخال محمد بن القاسم إلى بغداد ، ثم أدخل على المعتصم في مجلس اللهو والشراب .
وقيل : وجعلت الفراغنة يحملون على العامة ويرمونهم بالقذر والمعتصم يضحك ، ومحمد بن القاسم يسبّح ويستغفر اللـه ويحرك شفتيه يدعو عليهم ، والمعتصم جالس يشرب ، ومحمد واقف إلى أن انتهى من لعبه فأمر بسجنه .
وسرعان ما دبّر محمد بن القاسم حيلة ذكية للهروب ، ثم توارى عن الأنظار في بغداد ثم إلى واسط ، وقد شَدَّ وسطه للوهن الذي أصاب فقار ظهره عند عملية هروبه . وظل محمد مختفياً بعد ذلك إلى نهاية عهدَي المعتصم ومحمد الواثق ، ثم بعض أيام المتوكل ، وقيل أنه أخذ إليه فحمل إلى السجن حتى مات فيه .
ولكن ماذا فعل خلال فترة تواريه عن الأنظار وهي ليست بالفترة القليلة ؟ هذا ما أجابت عليه الثورات العديدة التي قامت بعد ذلك في عهد المتوكل ، والمستعين وما بعده من الخلفاء ، التي لم تدع الخليفة يلعب ويلهو براحة .
وفي واسط سكن محمد بيتاً يعود إلى أم ابن عمه علي بن الحسن بن علي بن عمر ابن الإمام زين العابدين (ع) وكانت عجوزاً مقعدة ، فلما نظرت إليه وثبت فرحاً وقالت : " محمد والله ، فدتك نفسي وأهلي ، الحمد لله على سلامتك " فقامت على رجلها وما قامت قبل ذلك بسنين .
وقال إبراهيم العودي ، قائد جيوش ابن طاهر يصف محمداً :
ما رأيت قط أشدّ اجتهاداً منه ، ولا أعف ، ولا أكثر ذكراً لله عزّ وجلّ مع شدة نفس ، واجتماع وما أظهر من جزع ولا انكسار ولا خضوع في الشدائد التي مرت به ، وإنهم ما رأوه قط مازحاً ولا هازلاً ولا ضاحكاً إلا مرة واحدة ، فإنهم لما انحدروا من عقبة حلوان أراد الركوب ، فجاء بعض أصحاب إبراهيم بن غسان العودي ، فطأطأ له ظهره ، حتى ركب في المحمل على البغل ، فلما استوى على المحمل قال للذي على ظهره مازحاً : " أتأخذ أرزاق بني العباس وتخدم بني علي بن أبي طالب ؟ وتبسم " .
وقال : عرضوا على محمد بن القاسم كل شيء نفيس من مال وجواهر وغير ذلك ، فلم يقبل إلاّ مصحفاً جامعاً كان لابن طاهر فلمّا قبله ، سُر عبد الله بن طاهر بذلك ، وإنما قبله لأنه كان يدرس فيه .
ووجود شخصية ثورية مثل محمد وثورة مثل ثورته تدلان على أن الحركة الرسالية لم تتوقف يوماً ما عن مسيرتها ، وأنها لا يمكن أن تميل عن استقامتها التي كانت معهودة بها ، وهاتان ميزتان موجودتان في طول الثورات التي قامت بها الحركة الرسالية .
بجانب وضع السلطة المتأزم ومن عهد الإمام الجواد (ع) بدأت مسيرة ذات كيفية خاصة للثورات وطبيعتها ، ووضع الحركة الرسالية في أيام الإمام الجواد كان جيداً ، وإذا كان أحرج وقت مرّ على الحركة الرسالية هو في أيام الإمام موسى بن جعفر (ع) ، فإن أحسن الأوقات كانت في عهد الإمام الجواد (ع) ، وربما لذلك جاء في الحديث المأثور عن ابن اسباط وعبّاد بن إسماعيل :
" أنا لَعند الرضا (ع) بمنى إذ جيء بأبي جعفر (ع) قلنا : هذا المولود المبارك ؟ قال : نعم هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام أعظم بركة منه " 28 .
وروي أبو يحيى الصنعاني قال : كنت عند أبي الحسن (ع) فجيء بابنه أبي جعفر (ع) وهو صغير فقال :
" هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه " .
والبركة التي حصلت للحركة الرسالية بولادة الإمام الجواد (ع) ليست في ارتفاع الإرهاب والاختناق السياسي عنهم فقط بل وأهم من ذلك في تجذر الرسالة عقيدة وفكراً وسياسةً وفقهاً .


 

رد مع اقتباس