الدليل الخامس: لقد إستدل المجبرة على القول بالجبر بمجموعة من الآيات و قالوا بأنه يوجد في القرآن الكريم ثلاث و أربعون آية تدل على أن أفعال الإنسان صادرة و مخلوقة لله سبحانه و تعالى .
و لكن يرد على هذا الدليل بأن الآيات الواردة في هذا المجال تنقسم إلى طوائف:
الطائفة الأولى: الآيات التي تدل على أنه لو سلط الله تعالى إرادته على شيء مستحيل أن يتخلف الشيء عن إرادته مثل قوله تعالى :[إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ]يس82 و وقوله تعالى :[قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً]الفتح11و هذا مما لا جدال و لا خلاف فيه فنحن العدلية نعتقد بأنه إذا تعلقت إرادة الحق تعالى بشيء سيتحقق ذلك الشيء بالتأكيد و من المستحيل أن يتخلف المراد عن الإرادة الإلهية.
الطائفة الثانية: و هي الآيات التي تجعل نتيجة إرادة الإنسان موروداً لإرادة الله تعالى مثل قوله تعالى :[من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحوراً* و من أراد الآخرة و سعى لها سعيها و هو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكوراً* كلاً نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظوراً]الإسراء18-19-20 و لكن هذه الآيات لا تدل على الجبر بل غاية ما تدل عليه أن الإنسان مختار في أفعاله و إذا أراد شيئاً من السوء أو من الخير سيمده الله تعالى و سيساعده و يفتح له الأبواب للوصول إلى ما يريد دون أن يجبره على شيء.
الطائفة الثالثة :الآيات لتي تدل على تعلق إرادة الحق باليسر لا العسر مثل قوله تعالى :[يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر]البقرة185 و هذه الطائفة أيضاً بعيدة عن قول المجبرة كما هو واضح .
الطائفة الرابعة: و هي الآية التي تدل على عدم إيمان قوم نوح إذا لم تكن إرادة الحق تعالى متعلقة بذلك و هي قوله تعالى :[ و لا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم و إليه ترجعون]هود34
و لكن الواقع هو أن كلمة ألغى التي فسرت من قبل المجبرة على كونها بمعنى الضلالة و عدم الإيمان لا تدل على هذا المعنى بل من الممكن أن يراد منها اليأس أو العقاب الإلهي و على التفسير باليأس أو العقاب الإلهي سوف لن تكون الآية نافعة لقول المجبرة.
الطائفة الخامسة: و هي التي تدل على أن الله سبحانه و تعالى يشرح صدر البعض لقبول الإسلام و يجعل صدر البعض الآخر ضيقاً بحيث يستحيل عليهم تقبل الإسلام و هي قوله تعالى :[فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون]الأنعام125 و لكن الواقع أن هذه الآية من جزء كثير من الآيات الأخر التي تدل على أن الإنسان إذا عصى الله سبحانه و تعالى بشكل كبير و تعددت الكبائر التي يرتكبها فسوف يكون بعيداً عن رحمة الله و سوف يبعده الله من عنايته و هكذا إذا تقرب العبد إلى الحق تعالى بواسطة أفعاله الحسنة و الجيدة فسوف يجعله الله عزوجل قريباً منه و سوف يعتني به و يراعيه و يجعله تحت رحمته و غفرانه فهذه الآية كما الآيات السابقة لا تدل و لا تؤيد قول الجبرية.
|