الدليل الثالث : لو قال شخص بأني سوف أكذب غداً و هذا وعد عليّ فهل سيكون العمل بالوعد و الكذب في اليوم الثاني حسناً أو نقول لأن الكذب قبيح فلا يجوز الكذب في اليوم الثاني و إذا قلنا بالقول الثاني كيف يجتمع هذا القول مع القول بأن الوفاء بالعهد حسنه ذاتي و إذا قلنا بالرأي الأول و عملنا بالعهد فلا يكون هنا معناً لقبح الكذب.
و يشرح هذا القول سعد الدين التفتازاني بقوله[ لو كانا بالذات لما إجتمعا كما في أخبار من قال لأكذبن غداً] شرح المقاصد ص 148-153
لكن العلامة في كشف المراد يرد على هذا الإشكال بقوله بأنه على كل إنسان أن يقول الصدق و يترك الكذب لأن الكذب فيه قبحين:
1- العزم على الكذب 2-إرتكاب الكذب لكن الصدق فيه قبح واحد و هو عدم الوفاء بالعهد.
لكن هذا الإشكال غير وافٍ و هو ضعيف و لا يمكن بواسطته أن نرد التفتازاني و القائلين بقوله بل يوجد رد أقوى منه و هو أن نقول بأن أولاً: كل إنسان يدرك بواسطة عقله حسن الصدق و قبح الكذب و قول التفتازاني يشبه المغالطة و فيه شيء من السفسطة و ثانيا يكون الوفاء بالعهد حسناً إذا كان متعلقه حسناً لكن إذا كان متعلق العهد شيئاً قبيحا فسوف يكون الوفاء بهكذا عهد قبيحا أيضا و لهذا فاستدلال التفتازاني من أصله باطل و ليس هناك أمر قبيح و أمر حسن لكي يكون الإنسان مرددا بينهما بل كليهما قبيحان أو نقول أن الوفاء بالعهد من الحسن الذي فيه إقتضاء الحسن ما لم يأته المانع و ذلك لما تقدم من أن صغريات الحسن و القبح تارة يكونان مما فيهما العلية التامة و تارة مما فيهما الإقتضاء فقط.
|