و الآن سوف نستعرض أدلة الأشاعرة في إنكار الحسن و القبح:
الدليل الأول :لو كان إدراك الحسن و القبح من الأمور البديهية لعلم كل إنسان بضرورة عقله فكل إنسان يستطيع أن يدرك أن الإثنين أكثر من الواحد و يعترف كل إنسان بذلك لكن في مسألة الحسن و القبح إختلافات و آراء كثيرة فلو كان موضوع الحسن و القبح من البديهيات لوجب أن يعترف و يعتقد به كل إنسان و نحن نرى بأن فيه كثرة من الآراء.
يجيب المحقق الطوسي على هذا الإشكال بقوله [ يجوز التفاوت في العلوم لتفاوت التصور] و يعني بذلك أنه حتى الأمور البديهية التي تدرس في المنطق ليست كلها بنفس البداهة فبعض هذه الأمور أوضح من الأخرى لأنه كما نعرف الأمور البديهية تقسم إلى ستة أقسام و يشرح هذه الأقسام السيد رائد الحيدري في كتابه المقرر في توضيح منطق مظفر:
1- الأوليات: و هي القضايا التي يصدق بها العقل لذاتها أي بدون سبب خارج عن ذاتها مثل الكل أعظم من الجزء و النقيضان لا يجتمعان
2- المحسوسات : و هي القضايا التي يحكم بها العقل بواسطة الحس و الحس يقسم إلى قسمين أ: الظاهر و هي الحواس الخمس يعني الباصرة و الشامة و السامعة و اللامسة و الذائقة ب: الباطن و تسمى بالوجدانيات كالحس بأن لنا ألما و خوفا و عطشا و ,,,و نحو ذلك.
3- التجريبيات :و هي القضايا التي يحكم بها العقل بواسطة تكرر المشاهدة منا في إحساسنا فيحصل بواسطة تكرر المشاهدة ما يوجب أن يرسخ في النفس حكم لا شك فيه كالحكم بأن كل نار حارة .
4- المتواترات : و هي القضايا التي تسكن إليها النفس سكونا يزول معه الشك و يحصل الجزم القاطع و ذلك بواسطة أخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب و يمتنع إتفاق خطئهم في فهم الحادثة كعلمنا بنزول القرآن الكريم على النبي محمد (ص).
5- الحدسيات : و هي قضايا مبدأ الحكم بها حدس قوي جدا من النفس يزول معه الشك و يذعن الذهن بمضمونها كحكمنا بأن الأرض على هيئة الكرة و ذلك لمشاهدة السفن في البحر أول ما يبدوا منها أعاليها ، ثم تظهر بالتدريج كلما قربت من الشاطيء.
6- الفطريات: و هي القضايا التي قياساتها معها أي أن العقل لا يصدق بها بمجرد تصور طرفيها كالأوليات بل لابد لها من وسط إلا أن هذا الوسط ليس مما يذهب عن الذهن حتى يحتاج إلى طلب و فكر فكما أحضر المطلوب في الذهن حضر التصديق به لحضور الوسط معه مثل حكمنا بأن الإثنين خمس العشرة.
فكما رأينا حتى البديهيات الستة فقط القسم الأول منها لا يحتاج إلى سبب خارجي عن ذاته لكن بقية الأقسام كلها أقل بداهة من القسم الأول و لهذا نفهم بأن إستدلال الأشاعرة على فرض صحته فهو فقط يثبت لنا بأن موضوع الحسن و القبح ليس من الأمور البديهية و لا يثبت بأنه ليس من الأمور العقلية فاستدلال الأشاعرة كما نرى ضعيف و لا يفيد في هذا المجال.
|