أدلة القائلين بالحسن و القبح العقلي و مناقشتهما :
* أدلة القائلين بالحسن و القبح العقلي و مناقشتهما :
الدليل الأول _ قالوا بأن الحسن و القبح من الأمور البديهية التي يقر وجدان كل إنسان لها فكل شخص بوجدانه السليم يعرف و يقر بأن العدل حسن و الظلم قبيح و الإحسان حسن و الخيانة قبيحة و هكذا و لا يستطيع إنسان أن يقول بأن الوجدان يقر بحسن الخيانة أو بحسن الظلم و لكن قال بعض من الأشخاص بأن التربية الدينية التي صار لها قرون طويلة مسلطة على عقول البشر هي التي هدتهم إلى القول بحسن بعض الأمور و قبح بعضها الآخر و لكن هذا الكلام غير صحيح لأنه حتى الناس الذين يولدون من أبوين لا يعتقدان بوجود إله أيضا يقرون بحسن و قبح أمور كثيرة كما نقر نحن المسلمين بها و أيضا إذا قرأنا التأريخ على طيلة القرون عرفنا بأن الناس كلهم على إختلاف مذاهبهم و ثقافاتهم يقرون بحسن و قبح بعض الأمور و بالأخص مثل حسن العدل و قبح الظلم و يرون ذلك الإدراك العقلي هو الوجدان أو الفطرة البشرية أو أن هذه الأمور من المباديء الأخلاقية الثابتة التي لا ترجع إلى حضارة من الحضارات البشرية لتختلف باختلاف تلك الحضارات و هذه الأمور الأخلاقية المدركة قد يعبر عنها بالفضائل و الرذائل فالعقل الأخلاقي يرى حسن العدل و قبح الظلم أو كما عبر البعض عن هذه الأمور و هي الحسن و القبح العقليين بالآراء المحمودة التي تطابقت عليها آراء العقلاء كافة و إنما وقع النزاع فيها صغرويا من أن الحسن أو القبح يتحقق بأي شيء و ما هي مثلا مصاديق العدل أو مصاديق الظلم ففي مثل هذه المواطن وقع الإختلاف بين الأمم تبعا لاختلاف مدركاتهم و حضاراتهم و تقاليدهم و مذاهبهم فربما رأى النصارى أو اليهود تحقيق العدالة بكيفية أو بأمر و لكن رأى المسلم ذلك ليس من محققات العدالة بل وجد فيه تحقيقا للظلم و هكذا ربما كان العلماني أو الشيوعي يرى تحقيق العدالة بنحو و مصداقية خاصة خلافا للمؤمنين الملتزمين بالعدل بمساره الديني تحت ضوابط قانون العدل الإلهي و إن كان لم نسمع خلافا في مسألة الحسن و القبح العقليين بنحو كبروي إلا من الأشاعرة.
قال المحقق الطوسي في تجريد الإعتقاد ص 235 طبعة بيروت[ هما عقليان : العلم بحسن الإحسان و قبح الظلم من غير شرع ] و هو يقصد بكلامه هذا بأن العقل بفطرته يدرك بأن بعض الأمور حسنة و بعض الأمور الأخرى قبيحة و في هذا الإدراك لا نحتاج إلى قول من الشارع و لو وردت الأدلة الشرعية في مواطن أدركها العقل لكانت إرشادا لما حكم به العقل أو أدركه.
و يقول العلامة الحلي في نهج الحق و كشف الصدق ج1 ص 366بأن الإمامية و المعتزلة يعتقدون بأن العقل يدرك بالبداهة حسن و قبح الأفعال ، مثلا العقل يدرك بالبداهة أن الصدق حسن و الكذب قبيح و إذا أحد أنكر هذه الأمور فهو كالسوفسطائيين الذين ينكرون كل شيء ثم يقول العلامة الحلي بأنه إذا ترى الإنسان في الأدغال و دون تربية أو معاشرة أي إنسان إذا نخيره بين الصدق و الكذب دون أن يكون أي ضرر متوجها إليه سيختار الصدق لأنه يدرك ذلك ببداهة عقله.
لكن يرد هذه الأقوال قوم من الأشاعرة المنكرين للحسن و القبح الذاتيين إنكارا كبرويا بإرجاع الأمور إلى الشرع و ربما كان ممن سلك مسالك الأشاعرة هو الفاضل القوشجي و إن أمكن حمل كلامه إلى نزاع صغروي في مواطن الحسن و القبح لا في أصل موضوع الحسن و القبح .
و في هذا نحن أيضا نقر من تحقق النزاع بين القائلين بالحسن و القبح في كثير من الصغريات و في أن أي فعل يستحق الإنسان عليه العقاب الدنيوي و أي فعل الإنسان يستحق عليه العقاب الأخروي و أي فعل يستحق عليه الجزاء و المدح الدنيوي و أي فعل يستحق عليه الثواب الأخروي.
و لكن كلام القوشجي ليس كاملا من جوانب متعددة إن كان يريد أن ينحى إلى منحى الأشاعرة :
أولا: أن العقل بفطرته يعلم في كثير من المواطن بنفسه بلا حاجة إلى الشرع بأنه أي فعل هو حسن و لهذا يستحق عليه الثواب و أي فعل قبيح و لهذا يستحق عليه العقاب و الذي ينكر هذه الأمور كأنه ينكر الأمور البديهية و سيكون كالسوفسطائيين في التفكير و يزيد على هذا الكلام العلامة الحلي في نفس الكتاب بقوله أن الإنسان عليه أن يتباحث و يتجادل مع شخص يقف عند البديهيات و لكن الأشاعرة ينكرون حتى البديهيات و لهذا لا فائدة من الجدال معهم .
ثانيا: عندما بدأ القوشجي يستدل على إنكار الحسن و القبح إعترف بأنه يقبل قول العقل بحسن بعض الأمور و قبح بعضها الآخر و هذا المقدار من الإعتراف يكفينا بأن نقول بأن الأشاعرة أو لا أقل الفاضل القوشجي يدركون بالواقع و الوجدان الحسن و القبح العقليين بنحو كبروي لكنهم لا يريدون التصريح بذلك و لو للمناعة في صغروية بعض مواطن الحسن و القبح العقليين.
ثالثا: فاضل القوشجي لخص القول في الحسن و القبح على درك الإنسان الثواب و العقاب و هذا البحث بالأصل غير وارد في بحث الحسن و القبح العقليين إلا بالتبع لهذا البحث لا بنحو الأصالة لأن أصل الكلام في حسن أو قبح بعض الأفعال في مواطن العقل العملي و من لوازم هذا الإدراك هو البحث عن الثواب و العقاب.
و بعد كل هذه المناقشات نعرف أن الحق مع العدلية و ليس مع الأشاعرة لأن دلائل الأشاعرة ضعيفة جدا .
|